أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

المنار في اللغة يقال على ما ينصب على الطريق من عَلَم ليدل النّاس على الطريق ويقيهم من الانحراف ، فشبّه الله تعالى أهل البيت عليهم‌السلام بمنار لهداية أهل البلاد ، وتنير أخبارهم قلوب العباد.

ورد في المجمع البحرين قال : «والمنار بفتح الميم على الطريق ، والمنار الموضوع المرتفع الذي يوقد في اعلاه النّار ، ثم ساق الحديث» (١).

ورد في حديث : «جعلتهم أعلاماً لعبادك ومناراً في بلادك يهتدي بهم» (٢).

ومثله عن الإمام : «يرفع له في كل بلدة منار ينظر فيه الى اعمال العباد»

وفي حديث يونس : قد كثر ذكر العمود.

فقال عليه‌السلام : «يا يونس ما تراه أتراه عموداً من حديد».

قلت : لا أدري.

قال الإمام عليه‌السلام : «لكنه ملك موكّل بكلّ بلدةٍ يرفع الله به أعمال تلك البلدة» (٣).

فعليه يكون المراد من الفقرة المباركة ، أنتم أئمَّة الهدى صاحب المنار في البلد.

(وَالادِلاءَ عَلَى صِرَاطِهِ)

الأدلاء ، جميع دليل ، والصّراط ، هنا هو الطريق المؤدي لعباد الله تعالى المخلّصين له الى الجنّة (٤) ، فإنّ الائمّة الطاهرين عليهم‌السلام أدلاء في الدّنيا بصراط الدّين وفي

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٢٩١.

(٢) مجمع البحرين : ص ٢٩١.

(٣) مجمع البحرين : ص ٢٩١.

(٤) عن الامام الصّادق عليه‌السلام : في تفسير قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : «أرشدنا الى صراط المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبّتك والمبلغ الى دينك (جنّتك) والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك» تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢ ، ح ٩٦.

١٤١

الاخرة بصراط المعروف ، فمن تبعهم هُدي الى الجنّة ، ومن تخلف عنهم زلتْ به قدماه الى النّار (١).

(عَصَمَكُم اللهُ مِنَ الزَّلَلِ)

العصمة ، لغة المنع وفي الاصطلاح اللطف من الله عزّ وجلّ المانع للمكلّف من ترك الواجبات وفعل المحرمات مع قدرته عليها ، فعصم الله تعالى الائمّة الطّاهرين عليهم‌السلام من الخطأ والسهو والنّسيان لطهارتهم الأصلية وأنفسهم القدسية ولكونهم مخلوقين من نور الله ومؤيدين بروح القدس ـ الذي ذكرناه آنفاً ـ وصفاء قلوبهم ، وشدّة عزمهم على عبادة الله تعالى وطاعته فكلّ هذه المعاني التي ذكرناها مانعة من الخطأ وعاصمة من الزّلل.

(وَآمَنَكُم مِنَ الفِتَنِ)

وردت كلمة الفتن بمعنى ، الامتحان ، العقوبة ، الشر ، الفساد ، وتقع في الدّين كما تقع في الدنيا ، مثل الارتداد والمعاصي والبلايا والمصائب والقتل والعذاب وغيرها. وبأي معنىً أخذنا الفتن فان الله سبحانه أمّن أئمّة الهدى عليهم‌السلام من كلّ ذلك ولأن أئمّة الهدى عليهم‌السلام نجحوا في الامتحان الالهي في العبادات وإمتثال الاوامر والنواهي وفي

__________________

(١) وورد في رياض النضرة : ج ٢ ، ص ٧٧ ، قال : عن قيس بن حازم ، قال : التقى أبو بكر وعلي ، فتبسّم أبو بكر في وجه علي عليه‌السلام ، فقال له : مالك تبسّمت؟ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يجوز أحد على الصراط ، إلّا من كتب له علي عليه‌السلام الجواز» وبهذا المعنى في تاريخ بغداد : ج ٣ ، ص ١٦١ ، كنوز الحقائق للمناوي : ص ٦٢ ، وكنز العمال : ج ١١ ، ص ٦٢١ ، والصواعق : ص ١٢٤ ، وينابيع المودة : ص ١١٢ ، وغيرهم.

وقال الحميري :

ولَدى الصراط ترى عليّاً واقفاً

يدعو إليه وليّه المنصوراً

الله أعطى ذا عليّاً كلّه

وعطاه ربّي لم يكن محظوراً

البيان الجلي في أفضلية مولى المؤمنين علي عليه‌السلام : العلّامة ابن رويش ، ص ٢٩.

١٤٢

الاموال والانفس ، سواء بما نزلت عليهم من المصائب أو اصيبوا بالقتل بالسّم السيف ، هذا ما اجمعوا عليه.

وأمّا في الدين فهم مبرؤون من صدور صغيرة أو كبيرة أو اختلاج شك وشبهة ، ولم يصدر منهم شر ولا فساد ، فأمّنهم الله عزّ وجلّ من عقوبات وبلايا الاخرة ، بل اصبحوا مَأمَن خلاص الاخرين من المواقف الشديدة يوم القيامة بشفاعتهم.

(وَطَهَرَكُم مِنَ الدَّنَسِ)

فأصل الدّنس بمعنى الوسخ ، وهو هنا كناية عما يدنّس القلب من الاعمال الرّدية التي توجب وتلوّث القلب وكدورته.

(وَأذْهَبَ عَنْكُم الرّجْسَ)

أي أبعدكم من الشّرك والشّك والمعاصي كلّها صغيرها وكبيرها.

(أهْل البَيْتِ)

المقصود أهل بيت النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحدهم ، ومنصوب على الاختصاص. بمعنى أنّ هذه الكرامة والفضيلة خاص بهم ولا يشاركهم بها احد ولا نصيب لهم.

(وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيرَاً)

فان الله سبحانه طهر أئمّة الهدى عليهم‌السلام من الرّجس والادران لأنّه تعالى خلقهم من نوره وطينتهم من أعلى عليين وأدّبهم بآدابه ، كما ورد ذلك في الحديث النّبوي

١٤٣

الشريف قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أدّبني ربي فأحسن تأديبي» (١).

فبسبب طهارة طينتهم وذواتهم ، طهّرهم الله سبحانه من الرجس والدنس ، وهذه الفقرة المباركة اشارة الى الآية الكريمة : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٢).

والآية من التأكيدات على الطهارة من الرجس ما لا يخفى على علماء اللغة وآدب حيث أكّد ذلك بـ «أنّما» و «اللام» ، والاختصاص وتقدم الجار ونصب المصدر والتعبير بالاذهاب وكل هذه الموارد توجب التأكيد والانحصار.

والتعبير بالإرادة وان كانت غير مستلزمه لوقوع المراد في غيره تعالى ، إلّا أنّ إرادة الله تعالى مستلزمة للوقوع (أي إطلاق السبب وارادة المسبب).

ودلالة الآية الشّريفة على عصمة أئمّة الهدى عليهم‌السلام واضحة ، لأنا نقول أنّ للرجس ميعنيان لا ثالث لهما.

الاوّل : ما يُستخبث من النجاسات والأقذار.

الثّاني : ما يُستخبث من الأقوال والافعال ، والشّق الاوّل غير مراد قطعاً فتعيّن الثّاني.

و «اللام» في الرّجس للطبيعة والماهية ، وذهاب الماهية إنّما يتحقق بذهاب جميع افرادها وأخباثها من الأقوال الأفعال وبذلك تتضح الاستفادة من معنى العصمة من الآية الشريفة ، ونحن لا نريد من عصمتهم عليهم‌السلام إلّا هذا البيان المتقدم.

وعلى أي حال ، وفقد تواترت الاخبار من الشيعة والسُّنة أن المراد من أهل البيت هم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وروى الثعلبي وغيره في كتبهم عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ٢١٠ ، تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٣٣.

(٢) الاحزاب : ٣٣.

١٤٤

«نزلت فيّ وفي علي وفاطمة والحسن والحسين» (١).

وروي ابن حنبل في مسنده بثمانية طرق متفقة المعنى أنها نزلت في الخمسة (٢).

وكذلك روى في مسنده عن أنس والحميدي ، وفي الجمع بين الصحيحين والثّعلبي : أن رسول الله كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج الى الصّلاة الفجر يقول الصّلاة يا أهل البيت : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ ...) (٣) (٤). وكذا روي الثعلبي في تفسيره في تفسير قوله تعالى «طه» عن الإمام الصادق عليه‌السلام :

«طه ، طهارة أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قرأ : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٥).

وأمّا ما ذهب إليه بعض المعاندين والمناوئين لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأهل بيته عليهم‌السلام من أن المراد بأهل البيت زوجات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرينة صدر الآية ، فيجب أن تكون ذيل الآية أيضاً نازلة في حقهنّ. فهذا خرق للاجماع وردٌّ على الله ورسوله بعد تواتر الاخبار في إختصاص الآية الشريفة بأهل بيت العصمة عليهم‌السلام عن الفريقين.

ولو قيل : أن صدر الآية نزلت في حقهنّ.

نقول في جوابهم : لا يخفى على من له أدنى معرفة وبصيرة بكلام البلغاء والفصحاء أن الشايع في كلامهم العدول منه الى كلام آخر أو من موضوع الى موضوع آخر ، وكذا القرآن الكريم يحتوى على كثير من هذه المعاني وكذا كلام العرب وأشعارهم ، فلو كان الخطاب لزوجات النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقال (عنكن) على

__________________

(١) العمدة : لابن البطريق ، ص ٣٨ ، عن تفسير الثعلبي المخطوط : ص ١٣٩.

(٢) راجع مسند احمد بن خليل : ج ١ ، ص ٢٥٩ ، ٢٨٥ ، ج ٤ ، ص ٢٩٢ ، وو ...

(٣) الاحزاب : ٣٢.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٣٧ ، كشف الغمّة : ص ١٤ الى ١٦.

(٥) عُمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب امام الابرار : للحافظ يحيى بن الحسن الاسدي الحلّي المعروف بابن البطريق : ص ٣٨ ، عن تفسير الثعلبي المخطوط : ص ٤١.

١٤٥

النمط السّابق واللاحق.

ولو قيل : أن (عنكم) ورد لجهة التّغليب.

قلنا : إنّما يحسن ذلك وقع هذا في صدر الآية كذلك ، أمّا بعد أن يكون الكلام في زوجات النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فغير صحيح.

مضافاً الى ذلك ما روي عن أهل السنة وعن طرقنا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أخذ كساءه الخيبرية ووضعه عليه وعلى علي وفاطمة والحسن والحسين قال : «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً» (١).

فقالم اُمّ سلمة رحمها الله فقلت : يا رسول الله ألست من أهل بيتك؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّكِ على خير ، أو الى خير».

فنزل عليه جبرائيل عليه‌السلام فقال : إقرأ يا رسول الله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٢).

بعد كل هذا التصريح لا يشك في شأن نزول الآية إلّا كل منافق مرتاب.

(فَعَطَّمْتُمْ جَلالَهُ)

جلال الله عظمته ، والجلال في اللغة بمعنى العظمة والجليل من اسمائه تعالى وكناية عن كمال الصفات كما ان الكبير راجع الى كمال الذات ، والعظيم راجع الى كمال لاذات والصفات.

والمراد هنا : أنّكم عظمتم عظمة الله بمعرفتكم وقولكم وعملكم.

__________________

(١) صحيح التّرمذي : ج ٥ ، ص ٣١ ، ج ٣٣٥٨ ، الفصول المهمة ، لابن الصباغ المالكي ص ٨ ، تفسير الفخر الرازي : ج ٢ ، ص ٧٠٠ ، وعشرات من المصادر الاخرى من الفريقين.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٤٠.

١٤٦

(وأكبَرْتُمْ شَأنَهُ)

ورد الشأن في اللغة بمعنى الأمر ، يعني ببيانكم رفعتم أمر الله تعالى ، أو المراد أنّكم نزّهتم الله عزّ وجلّ ممّا ذهب إليه اليهود وباقي الفرق الباطلة من التعطيل وأنّ الله تعالى ترك الكائنات بعد خلفها أو رفع يده عن الخلق في أيّام خاصّة حتى اتخذت اليهود يوم السبت عطلة لهم.

وبهذا المعنى تسير الجملة «اكبرتم شأنه» الى الآية الشّريفة :

(يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (١).

قال مقاتل : نزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً (٢).

اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة ، فذهب بعضهم أن شأنه سبحانه إحياء قوم وإمانة آخرين وعافية قوم ومرض آخرين وغير ذلك من الاهلاك والانجاء والحرمان والإعطاء والاُمور الاُخرى التي لا تحصى (٣).

وروى أبو الدّرداء عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال :

«من شأنه أن يغفر ذنباً ، ويفرّج كرباً ، ويرفع قوماً ، ويضع آخرين» (٤).

وورد عن ابن عباس والامام السجاد عليه‌السلام :

«إن ممّا خلق تعالى لوحاً من درّةٍ بيضاء دواته ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر الله فيه كلّ يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي

__________________

(١) الرحمن : ٢٩.

(٢) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.

(٣) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.

(٤) تفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي رحمه الله ، ج ١٩ ، ص ١٠٤ ، عن التفسير الكبير : للفخر الرازي : ج ٢٩ ، ص ١٠٩ ، ومجمع البيان : للطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.

١٤٧

ويميت ويعزّ ويدل ويفعل ما يشاء فذلك قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (١).

وقال بعض المفسرين : «شأنه جلّ ذكره أن يُخرج من كل يوم وليلة ثلاثة عساكر عسكراً من أصلاب الآباء الى الارحام ، وعسكراً من الارحام الى الدّنيا ، وعسكراً من الدّنيا الى القبر ثم يرتحلون جميعاً الى الله تعالى» (٢).

(وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ)

أي عظمتم كرامته التي أكرمكم بها من النّعم الدّنيوية والاخروية ، فعرفتم قدرها وعظمتم مقدارها وشكراً له تعالى.

أو المراد أدّيتم حقّ شرفه بتقديسكم وتعظيمكم لذاته الكريمة المشتملة على الصفات المجيدة.

(وأدَمْتُمْ ذِكْرَهُ)

أي كنتم مداومين ودائبين على ذكره ، وهو من الادمان وهو المداومة لانّ لسانهم عليهم‌السلام كان دائماً يلهج بذكره جل شأنه وكذا قلبهم صلوات الله عليهم ، ورد عن الإمام الصّادق عليه‌السلام :

«ما من شيء إلّا ولد حدّ ينتهي إليه إلّا الذّكر فليس له حدّ ينتهي إليه ، ثم قال عليه‌السلام : وكان أبي كثير الذّكر لقد كنت أمشي معه وأنّه يذكر الله وآكل معه الطعام وأنّه ليذكر الله ، ولقد كان يحدث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر الله عزّ وجلّ ولقد كنت أرى لسانه لازقاً بحنكته يقول : (لا إله إلّا الله) وكان يجمعنا فيأمرنا بالذّكر حتّى تطلع الشّمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ومن كان لا

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٠٢.

١٤٨

يقرأ أمره بالذّكر» (١).

وتشير هذه الفقرة الى الآية الشّريفة : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ) (٢).

ورد في تفسير هذه الآية مرفوعاً في مجمع البيان أنّه سُئل النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قرأ الآية : أي بيوت هذه؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بيوت الانبياء».

فقام أبو بكر فقال : يا رسول الل ههذا البيت منها يعني بيت علي وفاطمة عليهما‌السلام.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم من أفاضلها» (٣).

يقول المؤلف : يستفاد من هذه الرواية الشريفة أن المراد من «الرجال» الذين لا تمنعهم التجارة عن ذكر الله هو الإمام علي عليه‌السلام وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام.

(وَوَكَّدْتُمْ مِيْثَاقَهُ)

أي الميثاق الذي اخذه الله سبحانه على الارواح في عالم الذر لربوبيته وتوحيده وقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (٤).

واوّل من قال (بلى) أنتم ، لانّه ورد في روايات كثيرة أنّ أوّل من قال في جواب (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (بلى) هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام والائمّة الاطهار عليهم‌السلام» (٥).

__________________

(١) الانوار البهية : للمحدّث القمي رحمه الله ، ص ٢١٤ و ٢١٥ ، كشف الغمّة : ج ١ ، ص ٣١٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ٢٩٧ ـ ٣٩٨.

(٢) النور : ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٤٤ ، وفي تفسير الكشف والبيان للثعلبي بسنده عن أنس بن مالك ، كما في الاحقاق : ج ٩ ، ص ١٣٧.

(٤) الأعراف : ١٧٣.

(٥) تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٢.

١٤٩

ويحتمل أن يراد بالميثاق ، الميثاق المأخوذ عليهم من تبليغ الاحكام وإعلاء كلمة التوحيد كما قال الله عزّ وجلّ : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ...) (١).

أي تبليغ الرسالة والدعاء الى التوحيد.

(وَأحْكَمْتُمْ عَقْدَ طَاعَتِهِ)

بالمواعظ الشافية والنصائح الكافية وباظهار الدين المبين وإعلان شريعة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتّرغيب في ثوابه والتّخويف والتّهديد من عقابه.

(ونَصَحْتُمْ لَهُ فِي السِّرِّ العلانِيَةِ)

أي نصحتم لله تعالى عبده في السرّ والعلانية ، والنّصيحة تستعمل لمعان عديدة :

أوّلاً : النّصح لله تعالى التحقيق بتوحيده ورؤية عدله والقيام بأوامره والاجتناب لنواهيه والاخلاص النّية في عبادته وخدمته ونصرة الحقّ فيه بمحبّة من أحبّ له وبغض من أبغض له.

ثانياً : النّصح لكتاب الله تعالى التّصديق والايمان بمحكمه ومتشابهه وما جاء فيه من الاوامر والنواهي وو ...

ثالثاً : النّصح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الايمان به وبنبوته ورسالته وبما جاء به من ربّه من أحوال النشأتين والانقياد لما أمر به ونهى عنه ، والاتباع له في أقواله وأفعاله وأعماله.

رابعاً : النّصح لأئمّة الهدى عليهم‌السلام والاخلاص في محبّتهم والاحتمال لعلمهم

__________________

(١) الاحزاب : ٧.

١٥٠

والمتابعة لهم في أفعالهم وأقوالهم وأعمالهم وعدم الشّك فيهم والاستقامة على ولايتهم ، ومولاة وليّهم ومحبّتهم وإن كان أبعد بعيد ، ومعادات عدوّهم وإن كان أقرب قريب ، ولله در دعبل الخزاعي حيث يقول :

أحبّ قصي الرّحم من أجل حبّكم

وأهجر فيكم زوجتي وبناتي

(وَدَعَوتُمْ اِلَى سَبِيلِهِ بِالحِكْمَةِ)

أي دعوتم الخلق الى الدين القويم بالحكمة ، والمراد من الدّعوة بالحكمة يعني كلّمتم النّاس بما يوافق عقولهم وأفهامهم ، لانّهم يكلّمون النّاس على قدر عقولهم كما ورد في الحديث الشريف : «اُمرنا معاشر الانبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم» (١).

ويحتمل أن يكون المراد منها : أنّكم دعوتم الناس الى الله والدين بالكلمات الحكيمة المشتملة على المواعظ القيّمة والنصائح المؤثرة.

قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلمة الحكمة يسمعها المؤمن خير من عبادة سنة» (٢).

(والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ)

أي الموعظة التي تجذب قلوب المستمعين ، ويقرّبهم الى المطلوب كما قال الله عزّ وجلّ :

(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٣)

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣ ، الامالي : ص ٤١٩ ، تحف العقول : ص ١٣٧ ، المحاسن : ص ١٤٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٧ ، ص ١٧٤ ، عن أعلام الدين المخطوط : لابي محمّد الحسن بن الحسن محمّد الديلمي صاحب إرشاد القلوب.

(٣) النحل : ١٢٥.

١٥١

وقال تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...) (١).

ورأيت في التفاسير أن المراد من : «الحكمة» النبوة والإمامة ، والمراد من «الموعظة الحسنة» مواعظ القرآن الكريم والمراد من «جادلهم» المجادلة بالرّفق وحسن الخلق ونزاهة الكلام. لان الدّعوة بهذه الصّورة أقرب الى الصواب ، وأقرب الى القبول ، وإذا تبدلت المجادلة الى السفاهة والغلظة تكون سبباً الى تنافر القلوب واضلال الاخرين» (٢).

(وَبَذَلْتُمْ أنْفُسَكُمْ فِي مَرَضَاتِهَ)

أي بذلتم أنفسكم في أعمالٍ فيها رضا الله عزّ وجلّ وذلك بالمداومة على العبادة وباظهار العبودية والطاعة في ابداء الشّريعة الحقّة وتعليم الفرقة المحقّة وإعلاء كلمة الله وتشييد دين الله سرّاً وجهراً ، وعندما أصابكم ما أصابكم من القتل والأسر وغيرهما ، اذاً صبرتم في جميع هذه المواقف ، ولم تنحرفوا عن جادة الصبر أبداً.

(وَصَبَرْتُمْ عَلَى ما أصَابَكُم)

صبرتم على ما أصابكم من الاهانة والخفو والقتل والأسر ، لأن كل واحد منهم كان يتحمل العذاب في عصره من حكام الجور ، انظر الى حياة مولانا الإمام علي الهادي عليه‌السلام حيث هذا الدّعاء مؤثور منه ـ الذي عاصر الخليفة المتغطرس العباسي المتوكل.

روي عن زرارة (الزرافة) حاجب المتوكل قال : أراد المتوكل أن يمشي الإمام

__________________

(١) العنكبوت : ٤٦.

(٢) راجع تفسير التبيان : للشّيخ الطوسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٤٤٠ ، وتفسير مجمع البيان : للشّيخ الطبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٣٩٢.

١٥٢

الهادي عليه‌السلام يوم «عيد السّلام» يريد بذلك أن يحطّ من شأن الإمام عليه‌السلام وكان الإمام عليه‌السلام بديناً وكان ذلك في حرّ الصيف فتعب الإمام تعباً شديداً فتأثر من هذا الاستخفاف بشدّة وقال : «أنا أكرم على الله من ناقة صالح تمتعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب» ولمّا كان الثالث وثب عليه باغزو ويغلون وتامش وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة بعده (١).

كتب المسعودي في «مروج الذهب» سعى المنافقون الى المتوكل بالإمام الهادي عليه‌السلام أنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنّه عازم على الوثوب بالدّولة ، فبعث إليه المتوكل جماعة من الأتراك وأمرهم أن يهجموا على دار الإمام عليه‌السلام ليلاً.

فهجموا دار الإمام الهادي عليه‌السلام ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ووجدوه في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرّمل والحصا وهو متوجه الى الله تعالى يتلو آيات من القرآن ، فحمل على حاله تلك الى المتوكّل وقالوا له : لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة وكان المتوكّل جالساً في الشرب فدخل عليه والكأس في يد المتوكل.

فما رأى المتوكل الإمام الهادي عليه‌السلام هابه وعظمه وأجلسه الى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده.

فقال الإمام عليه‌السلام : «والله ما يخامر لحمي ودمي قطّ فاعفني» فأعفاه.

فقال المتوكل : أنشدني شعراً.

فقال الإمام عليه‌السلام : إنّي قليل الرّواية للشعر.

فقال المتوكل : لابدّ فأنشده عليه‌السلام وهو جالس عنده.

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٠ ، ص ١٤٧ ـ ١٤٨ ، واعلام الورى : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ٦ ، ص ٣٤٦.

١٥٣

باتُوا عَلَى قُللِ الاجْبَالِ تَحْرُسُهُم

غُلُبُ الرِّجالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُم القُلَلُ

واُستُنزِلُوا بَعْدَ عِزَّ عنْ مَعَاقِلهِم

واُسكِنُوا حُفَراً يا بِئسَما نَزَلُوا

نَاداهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ ما دَفْنِوا

أين أسِرَتُ وَالتِّيجانُ والحُللُ

أينَ الوُجودِ الّتِي كَانَتْ مُنَعَمَةً

مِنْ دُونِها تُضْرَبُ الاسْتَارُ وَالكُلَلُ

فَافْصَحَ القَبْرُ عَنْهُمْ حِينَ سائَلَهُم

تِلْكَ الوجوهُ عَلَيْها الدودُ تَقْتَتِلُ

قَدْ طَالَما أكَلُوا دَهْرَاً وَما شَرِبُوا

وَاصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الأكْلِ قَدْ اُكِلُوا

قال الراوي : فبكى المتوكل حتى بلت لحيته ودموع عينية وبكى الحاضرون ، وأمر المتوكل أن يرفع بساط الشراب ثم قال : يا أبا الحسن : هل عليك دين؟

قال الإمام عليه‌السلام : أربعة آلاف دينار.

فأعطاه المتوكل ذلك وردّه الى منزله مكرّماً (١).

وقال الكراجكي في «كنز» فضرب المتوكل بالكأس على الأرض وتنغص عيشه في ذلك اليوم وتبدل عيشه ولهوه الى عزاء (٢).

(فِي جَنْبِهِ)

أي في أمره أو رضاء أو قربه وأجواره أو طاعته أو حقّه كما قيل في تفسير قوله تبارك وتعالى : (٣).

(وَأقَمْتُمْ الصَّلاةَ)

وأقامة الصّلاة عبارة عن تهذيب أركانها وحفظها من أن يقع في أفعالها زيغ

__________________

(١) مرآة الجنان : ج ٢ ، ص ١٦٠ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٠ ، ص ٢١١ ـ ٢١٢.

(٢) وكنز العمال وكذلك تذكرة الخواص : للسبط بن الجوزي ، ص ٢٠٣.

(٣) الزمر : ٥٦.

١٥٤

وفساد يوجب بطلانها ، وأصلها مأخوذ من إقامة العود ـ يعني اعوجاج الشجرة عندما يريدون أن تقويم عودها ، وقيل من اقامة السوق إذا راج واصبح فعّالاً ، ومعنى إقامة الصلاة عبارة عن ترايجها بسبب المحافظة عليها واقامة حدودها الظاهرية والباطنية ، لأنّه في هذه الصورة تكون كالمتاع الرائج وسوق فعّال يرغبون إليها ، ولكن عند تضييعها وعدم حفظ حدودها وشرائطها كالمتاع والسوق الكاسد لا يرغب فيها احد.

وقيل أنّ إقامتها عبارة عن التشمير لادائها من غير فتور ولا كسل ، وهذا المعنى مأخوذ من قولهم : إن فلان قام بالامر إذا جدّ فيه ولم يتوان عنه ، وكما أنّه يقال لضده : قعد الفلاني وتقاعد عنه.

وعلى كلّ حال فالمراد أنكم أقمتموها حق إقامتها من الخضوع والخشوع والاخلاص وحضور القلب وجميع ما هو شرط للقبول والكمال ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام :

«للصّلاة أربعة آلاف حدود ، وفي رواية ، أربعة آلاف باب» (١).

وفسر المرحوم الشّهيد الاوّل رحمه الله الأبواب والحدود لواجبات الصلاة ومندوباتها وجعل الواجبات الفاً تقريباً وصنف لها الألفية ، وجمع المندوبات ثلاثة الاف وألف لها «نفلية» (٢).

وقال المجلسي الاوّل (٣) : «لعل المراد بالأبواب والحدود والمسائل المعلقة بها ، وهي تبلغ أربعة الآف بلا تكلّف» (٤).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٢ ، ص ٣٠٣ ، عن مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ، ص ٢٤٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٢ ، ص ٣٠٣.

(٣) المرحوم الشّيخ محمّد تقي المجلسي رحمه الله ، والد العلّامة الشّيخ محمّد باقر المجلسي رحمه الله ، صاحب كتاب الشريف بحار الانوار.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٢ ، ص ٣٠٣.

١٥٥

وورد في الحديث النّبوي الشّريف عن سيّدة نساء العالمين فاطمة الزّهراء عليها‌السلام عن أبيها سيّد الانبياء صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، أنها سألت أباها محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : «يا أبتاه وما لمن تهاون بصلاته من الرّجال والنّساء؟».

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ، إبتلاه الله بخمسة عشر خصلة ، ست منها في دار الدنيا ، وثلاث عند موته ، وثلاث في قبره ، وثلاثة في القيامة اذا خرج من قبره».

فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا :

الاولى : يرفع الله البركة من عمره.

الثّانية : يرفع الله البركة من رزقه.

الثّالثة : يمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحين من وجهه.

الرّابعة : كل عمل يعمله لا يؤجر عليه.

الخامسة : لا يرتفع دعاؤه الى السماء.

السّادسة : ليس له حظ في دعاء الصالحين.

وأمّا اللواتي تصيبه عند موته :

الاولى : أنّه يموت ذليلاً.

الثّانية : يموت جائعاً.

الثّالثة : يموت عطشاناً فلو سقي من أنهار الدّنيا لم يرد عطشه.

وأما اللواتي تصيبه في قبره :

الاولى : يوكّل الله به ملكاً يزعجه في قبره.

الثّانية : يضيق عليه قبره.

الثّالثة : تكون الظلمة في قبره.

وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة اذا خرج من قبره :

١٥٦

الاولى : أن يوكّل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه.

الثّانية : يحاسبه حساباً شديداً.

الثّالثة : لا ينظر الله إليه ، ولا يزكيه ، وله عذاب أليم» (١).

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «إمتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة ، كيف محافظتهم عليها؟» (٢).

يعني : في غير هذه الصورة ليسوا من شيعتنا.

(وآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَأمَرْتُمْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَيتُمْ عَنْ المُنْكَرِ وَجَاهَدْتُم فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ)

ذلك باللسان واليد والجوارح والجنان ، وعملتم بالاركان ، ولا يستطيع احد من النّاس أن يقوم بهذه الاعمال كما قام بها أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

(حَتّى أعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ وَبَيّنْتُمْ فَرَائِضَهُ)

واظهرتموها على الملأ ، وبيّنتم الواجبات والاحكام الهيّة التي قدرها أو المراد بالفرائض والمواريث والمسائل المتعلقة بالارث.

(وَأقَمْتُمْ حُدُودَهُ)

وذلك ببيان الحدود وتعليمها ، والمراد من الحدود المناهي والمحارم الالهية ، كما

__________________

(١) فلاح السّائل : لابن طاووس ، ص ٢٢ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٣ ، ص ٣٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١ ، ص ٣٢.

(٢) وسائل الشيعة : للشّيخ الحر العاملي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١١٤ ، طبعة آل البيت عليهم‌السلام ، عن قرب الاسناد : ص ٣٨.

١٥٧

تشير الآية الشريفة الى ذلك قال تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا) (١).

أو المراد من الاقامة حدود المناهي مثل : الزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة وغيرها نعوذ بالله ، وهذا المعنى توفر لسيّد المتقين الإمام علي عليه‌السلام في زمن حكومته ، وأما سائر الأئمَّة عليهم‌السلام فلم يتوفر بسبب المنع وعدم بسط اليد أن يقوموا بها ، وتتحقق كمال هذه الاقامة والتطبيق في زمان مولانا قائم آل محمّد (روحي وأرواح العالمين له الفداء).

ورد في الحديث الشريف : «إقامة الحدّ لله أنفع في الارض من القطر أربعين صباحاً» (٢).

لأن قوام المجتمع وحفظ النفوس والحقوق مرتبط بأقامة الحدود.

أو المراد من الحدود هو حدود الايمان ويجمعها كلمة الشهادتين والاقرار بما جاء به النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلوات الخمس والزّكاة والصيام وحج بيت الله وولاية أهل البيت عليهم‌السلام فان أئمّة اهل البيت أقاموا جميع هذه الحدود بأحسن صورتها وأدق معانيها.

(وَنَشَرْتُمْ شَرائِعَ أحْكَامِهِ)

لأنّ الاحكام الالهية انتشرت ببركة وجودهم الشريف وإن كان من الصادقين عليهم‌السلام اكثر.

ذكر الشّيخ الجليل المفيد رحمه الله في الارشاد ، وابن شهر آشوب في معالم العلماء ، والشّيخ الطبرسي رحمه الله في اعلام الورى وغيرهم :

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٧ ، ص ١٧٤ ، وسائل الشيعة : للشّيخ الحر العاملي رحمه الله ، ج ٢٨ ، ص ١٢ ، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

١٥٨

«إنّ الذين رووا عن الامام الصّادق عليه‌السلام خاصّة من الثّقات على اختلافهم في الاراء والمذاهب كانوا أربعة الآف رجل» (١).

وذكر المحقق رحمه الله في أوائل المعتبر في حقّ جعفر بن محمّد عليه‌السلام : أنّه روي عنه من الرجال ما يقارب أربعة الاف رجل وبرز بتعليمه من الفضلاء الافاضل جمٌّ غفير ، كزرارة بن أعين وأخويه بكير وحمران ، وجميل بن دراج ، ومحمّد بن مسلم ، ويزيد بن معاوية والهشامين وأبي بصير وعبد الله ومحمّد وعمران الحلبيين وعبد الله بن سنان وأبي الصباح الكناني وغيرهم من أعيان الفضلاء حتى كتبت من اجوبة مسائله اربعمائة مصنف سموها الاصول الاربعمائة.

ونقل بعضهم : «أن أبان بن تغلب وحده روي أكثر من ثلاثين ألف حديث» (٢).

وأشرنا آنفاً أن جابر الجعفي رحمه الله روى عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام تسعين الف حديث.

وأمثال هذه الاحاديث وروي أحاديث كثيرة عن الإمام الرّضا والامام الجواد عليهما‌السلام وسائر الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام ، ورد طائفة منها مع أسماء كتبوها في الكتب الأربعة. أعرضنا عنها خوفاً من التطويل.

(وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ)

ويعني أنّكم أوضحتم صريقه وسنته ، يعني دين الله عزّ وجلّ : أو يكون المراد أنّ عملكم ومنهجكم كان موافقاً ومنطبقاً مع دينه واحكامه ولم ينتهجوا صراطاً غير الصّراط المستقيم.

__________________

(١) الارشاد : للشيخ المفيد رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٧٩ ، مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٤٧ ، أعلام الورى : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ص ٣٣٥.

(٢) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٧.

١٥٩

(وَصِرْتُمْ فِي ذَلِكَ)

أي في الجهاد أو في كلّ من الاُمور المذكورة.

(مِنْهُ الى الرّضا)

أي من الله تعالى ورضاه عنكم ورضاكم عنه كما قال تعالى : (رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (١).

والمراد أنّ الائمّة عليهم‌السلام وصلوا في مرتبه العبودية والعبادة الى محل توفر لهم الرضا الشديد بمقدار ما وسعته طاقاتهم من امتثال أوامره. وكذلك رضى الله عنكم لأنّكم عملتم باحكام دينه كما هو حقه وكما هو أهله.

(وَسَلَمْتُمْ لَهُ القَضَاءَ)

في جميع الاُمور حتى في القتل ، روى حمران بن اعين عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : قلت له جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهما‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين من الله عزّ ذكره وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظّفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ، فقال الإمام عليه‌السلام :

«يا حمران (إن الله تبارك وتعالى) قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه بهم وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم اجراه فيتقدم علم إليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وبعلم صمت من صمت منّا ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عزّ وجلّ واظهار الطواغيت عليهم (سألوا) الله عزّ وجلّ أن يدفع عنهم ذلك والحوا عليه في طلب إزالة تلك

__________________

(١) البيّنة : ٨.

١٦٠