أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

١
٢

روي عن الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وعن الامام الحسين الشّهيد عليه‌السلام

أنّهما قالا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أبتاه ما جزاء من زارك؟.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يا بنيّ من زارني حيّاً وميتاً

أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك

كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة

فأخلصه من ذنوبه».

من لا يحضره الفقيه : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ ، ح ٧

فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٤٨ ، ح ٦

بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠٠ ، ص ١٤٠ ، ح ٧ وح ١٢

علل الشّرايع : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٤٦٠ ، ح ٥

ثواب الاعمال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٨٢.

٣
٤

مقدِّمة المؤلّف

٥
٦

بِسْمِ الله الرّحْمَنِ الرّحِيمِ.

مقدِّمة المؤلّف

الحمد لله الذي لا غاية لحمده ، الخالق الذي خصّ الإنسان عن سائر الموجودات بفهم الحقائق ، ودرك الدقائق ، ونوّر قلوب المؤمنين بأنوار ولاية أولياء الدّين ، وأتمّ الصّلاة وأكمل السّلام على الرّوح الطّاهرة لمختار الله تعالى وخلاصة أصفيائه محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كشف باشراقة أنوار جماله الباهر حجب الظّلام والجهالة والضّلال عن القلوب ، وأحل محلّه العلم والهداية ، والصّلوات الزّاكيات الدّائمات على أرواح أوصيائه الكرام والنجوم الزّاهرة في سماء العلم ، وأزهار حديقة الهداية ، واللعنة الابدية على أعدائهم الذين صدّوا عن سبيل الحقيقة وكانوا أشواك طريق الشّريعة.

وبعد :

يقول العبد المذنب الغارق في بحر الخطايا الرّاجي عفو ربّه وكرمه ، محمّد بن رضي الحسيني الشّبستري ختم الله لهما بالحسنى ورزقهما خير الاخرة والاولى : إنّه لا يخفى على أصحاب البصيرة ، وأرباب الكمال والدّقة ، أنّ زيارة الجامعة الكبيرة من أعظم الزّيارات وأحسنها وتشهد فصاحة الفاظها وبلاغة فقارتها ، وعلوّ مضامينها وعباراتها أنها تنبع من عين صافية من يانبيع الوحي والالهام ، وتدل على أنها واردة من الأئمّة الدّين ومظاهر علوم ربّ العالمين عليهم‌السلام لأنّها دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

٧

وتشتمل فقراتها على إشارات لطيفة هي أدلة وبراهين متعلقة باصول الدّين ، وأسرار الأئمّة الطّاهرين عليهم‌السلام ، وتحتوي على لمحات من فضائل ومناقب أولياء الدّين ، وتتضمن بعض الحقوق الحقّة لاولى الامر الذين أمر الله عزّ وجلّ بطاعتهم ، وأهل البيت رغبّ ربّ العزّة والجلالة على متابعتهم ، وذوي القربى الذين أوجب مودّتهم ، وأهل الذكر الذين أكّد القرآن الكريم من بمسألتهم من خلال العديد الايات القرآنية ، والأحاديث النّبوية والاسرار الالهية ، والعلوم الغيبية ، والمكاشفات الحقيقة والحكم الرّبانية.

ولم اعثر لها شرحاً وافياً معانيها وألغازها وحقائقها السّامية لينتفع النّاس إلّا شرحاً مختصراً للعلّامة المجلسي الأوّل رحمه الله شرحه على «من لا يحضره الفقيه» (١).

ولذا أقدمت على ترجمتها وشرحها بمقدار ما اُوتيت من قلّة البضاعة ، وقلّة الدّراية في هذا الفن وحاولت توضيح المشكل ، وكشف المعضل ، فبذلت جهدي في الحاق وضم الاحديث الشّريفة ، والاخبار الطّريفة في حل متعصباتها ومجملاتها ، لأن في أحاديثهم حل معضلات كلامهم عليهم‌السلام.

واسأل الله ذو المن الهداية والتوفيق والارشاد.

وقد استلهمت غالب فوائد هذا الكتاب من إشارات شرح العلّامة المجلسي رحمه الله المختصر في «بحار الانوار» و «الانوار اللامعة» للعلّامة شبر رحمه الله.

وإعلم أن هذه الزّيارة الشّريفة منقولة من أساطين الدين وحملة علوم الائمّة الاطهار عليهم‌السلام ، واشتهرت بين العلماء وأخيار الشّيعة ، وتلقّوها بقبول حسنٍ وتدل معانيها الشّافية ، ومبانيها العالية ، ودلائلها الحقّة ، وشواهدها الصّادقة ، على

__________________

(١) وردت هذه الزّيارة المباركة في من لا يحضر الفقيه : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٧٠.

٨

صدورها من عترة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه الزّيارة الشّريفة تحتوي على الفصاحة المضمونة والبلاغة المكنونة ، وما يغني عن ملاحظة سندها ، كسائر كلامهم عليهم‌السلام مثل «نهج البلاغة» و «الصّحيفة السّجادية» وأكثر الدّعوات والمناجاة المشهورة.

وقد نقلها شيخ الطّائفة الطّوسي رحمه الله في «التّهذيب» والشّيخ الصّدوق رحمه الله في كتابه «من لا يحضره الفقيه» و «عيون أخبار الرضا عليه‌السلام» عن محمّد بن اسماعيل البرمكي الثّقة عن موسى بن عبد الله النّخعي عن الإماام علي الهادي عليه‌السلام ، وذكر سندها في «العيون» عن الدّقاق عن الشّيباني عن الوارق والمكتب جميعاً عن الاسدي عن البرمكي عن النّخعي قال : قلت لعلي بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام : علّمني يابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم فقال الإمام عليه‌السلام :

«إذا صرت الى الباب فقف واشهد الشّهادتين وأنت على غسل ، فاذا دخلت ورأيت القبر ، فقف وقل : «الله أكبر» ثلاثين مرّة ثمّ إمش قليلاً وعليك السّكينة والوقار وقارب بين خطاك ، ثمّ قف وكبر الله عزّ وجلّ ثلاثين مرّة ، ثمّ اُدن من القبر وكبر الله أربعين مرّة تمام مأة تكبيرة ثمّ قل ... نقل الزّيارة الجامعة ...» (١).

وكذا نقلها في كتاب من لا يحضره الفقيه

يقول المؤلف : الأمر بالوقوف وقول الشّهادتين اشارة الى الآية الشّريفة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) (٢).

وكأن الزّائر عندما يتوقف يستأذن من صاحب القبر الشّريف والامام المزور ، وبقوله الشّهادتين يعرف نفسه أنه من المؤمنين والمحبّين لهم.

__________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : للشّيخ الصدّوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٧٢.

(٢) الاحزاب : ٥٣.

٩

ويحتمل أنّ يكون سبب الوقوف لأجل أن المشاهد المشرفة مدفن آيات واصفياء الله ، ومرقد الأجساد الطيبة لأئمّة الهدى عليهم‌السلام ، ومشهد المظاهر الالهية الكاملة ، وكأنّ المقام بعينه مقام الزّيارة في محضر الله عزّ وجلّ ، ولازم هذا المعنى الخشوع والخضوع والتّذلل والاضطراب للزائر ، ولا تحصل هذه الحالة النّفسية للانسان إلّا بوقوفه وعدم جرأته على الحركة.

كما ورد في زيارة سيّد الشّهداء عليه‌السلام : «من زار قبر الحسين بشطّ فرات كان كمن نار الله في عرشه». (١)

ويحتمل أيضاً ان يكون سبب الامر بالوقوف من باب والتهيوء ، لحضور القلب ، وتخليلص النيّة ، وصدق الطّوية ، كي يستفيد من بركات وفيوضات هذا المشهد الشّريف ولا يعود الى بلده خائباً صفر اليدين.

وعلّة الامر بالشّهادتين هي : أنّ هاتين الكلمتين هما الخطوة الاولى في جادة الاستقامة ، وروح الاعمال ، وفي طريق العبودية وجذور الدّيانة ، واساس الإسلام ، ولهذا السّبب أنّهما مقدّمان على جميع الاحكام والاعمال والاقوال رتبة وميمنة وتبركاً.

وأمّا سرّ الأمر بقول «الله اكبر» حين رؤية مشاهدهم عليهم‌السلام ، وجلال كبريائهم فهو عباة عن أنّ الله أكبر من كلّ كبير والكبرياء والعظمة حقيقة مختصة بذاته الرّبوبية المقدّسة وشرافة كلّ كبير وشريف من عطاياه ورشحة من رشحات كبريائه وعظمته ، أو لاستيلاء الخوف والرّعب على من يدخل ساحة كبريائهم عليهم‌السلام فكان التكبير في حالة الخوف والرّعب أمر مرغوب فيه ، والمراد من السّكينة هو اطمئناان القلب بذكر الله :

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠١ ، ص ٧٠ ، ثواب الاعمال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٧٧.

١٠

(أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١).

والمراد من الوقار هو اطمئنان البدن أو بالعكس. ان المراد من السّكينة اطمئنان البدن ومن الوقار اطمئنان القلب كما قيل.

وعلّة الامر بتقريب الخطوات ، إمّا لحصول كثرة الثّواب لان الزّائر يحصل في كلّ خطوة ثواباً وأجراً مقدّراً ، أو حصول الوقار ومراعاة الادب في مقام الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام.

وقبل الخوص في صلب الموضوع وبيان المطالب ، نذكر مقدّمة تشتمل على فصلين لأيضاح المراد وبيان المفاد.

الفصل الاوّل

ما ذكره الفاضل المتقي والعلّامة المجلسي رحمه الله الملا محمّد تقي والد العلّامة الباقر المجلسي رحمه الله المشهور صاحب «بحار الانوار» وما قدّمه من شرح هذه الزّيارة في شرحه الكتاب الشّريف «من لا يحضره الفقيه» فقال عند شرح هذه الزّيارة ما لفظة : «هذه زيارة جامعة لجميع الأئمّة عليهم‌السلام عند مشهد كلّ واحد ويزور الجميع قاصداً بها الامام الحاضر والباقي والبعيد ويلاحظ الجميع ولو قصد في كلّ مرّة واحداً بالترتيب والباقي بالتّبع لكان أحسن كما كنت أفعل ، ورأيت في الرؤيا الحقّة تثرير الامام أبي الحسن علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام وتحسينه ، ولما وفقني الله قبل ثمانية وعشرون سنة لزيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخطر ببالي كي تتحقق الاتصال الحقيقي وتتمّ الزّيارة ، فشرعت في حوالي الرّوضة الشّريفة في المجاهدات وقضيت

__________________

(١) الرّعد : ٢٨.

١١

أكثر أيّامي في مقام الامام صاحب الأمر عليه‌السلام حيث يقع خارج مدينة النّجف الأشرف وبعد عشرة أيّام فتح الله تعالى عليّ ببركة مولانا أبواب المكاشفات فاستقرت المحبّة المركبة من محبّة الله تعالى ومحبّة مولانا صاحب الامر عليه‌السلام وكنت في الليالي كالفراشة (كالمجنون) أطوف بباب الرّوضة المقدّسة وكنت أحياناً في رواق عمران. وفي النّهار في مقام مولانا صاحب الامر عليه‌السلام حتى أحصل على الرتبة المطلوبة ولم أمكث فيه أكثر من يومين أو ثلاثة ، وعزمت بين نفسي أن أبقى في الشّتاء في النّجف الاشرف فكانت تنفتح أبواب مكاشفات كثيرة ، بينما أنا بين النّوم واليقظة عندما كنت في رواق عمران جالساً كأنّي في حرم العسكريين عليهما‌السلام ورأيت مشهدهما في نهاية الارتفاع والزّينة وعلى ضريحها قطيفة خضراء من المخمل ورأيت مولاي ومولى الانام صاحب الامر عليه‌السلام جالساً وظهره على القبر ووجهه الى الباب ، فلمّا رأيته شرعت في هذه الزّيارة بالصّوت المرتفع كالمداحين ، فلمّا أئممتها قال عليه‌السلام : «نعمت الزّيارة».

قلت : مولاي روحي فداك زيارة جدّك وأشرت الى نحو القبر.

قال عليه‌السلام : نعم اُدخل ، فلمّا دخلت وقفت قريباً من الباب.

فقال عليه‌السلام : تقدم.

فقلت : مولاي أخاف أن أصير كافراً بترك الأدب.

فقال عليه‌السلام : لا بأس إذا كان بإذننا ، فتقدّمت قليلاً ، فكنت خائفاً مرتعشاً.

فقال عليه‌السلام : تقدم تقدم ، حتّى صرت قريباً منه عليه‌السلام قال : اُجلس.

قلت : أخاف يا مولاي.

قال عليه‌السلام : لا تخف ، فلمّا جلست جلسة العبد الذّليل بين يدي مولى الجليل ، قال عليه‌السلام : استرح واجس مربعاً فإنّك تعبت جئت ماشياً حافياً.

والحاصل : أنّه وقعت منه عليه‌السلام بالنّسبة الى عبده ألطاف عظيمة ومكالمات

١٢

لطيفة لا يمكن عدُّها ونسيت أكثرها ، وإنتبهت من تلك الرّؤيا ، وإنقلب عشق الامام عليّ عليه‌السلام الى العشق بصاحب الامر عليه‌السلام وحصل في ذلك اليوم أو بعده أسباب الزّيارة بعد أن كان الطّريق مسدوداً في مدّة طويلة وبعد ما حصلت ال موانع العظيمة ارتفعت بفضل الله وتيسّرت الزّيارة بالمشي والخفاء كما قال الصّاحب عليه‌السلام وكنت ذات ليلة في الروضة المقدّسة وزرت مكرراً بهذه الزّيارة وظهر لي في الطّريق والرّوضة كرامات عجيبة ، بل معجزات غريبة يطول ذكرها.

والحاصل : أنّه لا شك أنّ هذه الزّيارة من أبي الحسن الهادي بتقرير الصّاحب عليه‌السلام وأنّها أكمل الزّيارات وأحسنها ، بل بعد تلك الرؤيا كنت أكثر الأوقات أزور الأئمّة عليهم‌السلام بهذه الزّيارة في العتبات العاليات ما زرتهم إلّا بهذه الزّيارة.

وبغض النّظر عن هذه الرّؤيا ، فإنّ ما تشتمل عليها هذه الزّيارة من الفصاحة والبلاغة وشمولية الأوصاف فكلّ فقرة منها وردت في الاخبار والاحاديث عن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام فهو دليل قاطع على صحتها ، مع أنّ الشّيخ الجليل الصّدوق رحمه الله حكم بصحتها في كتاب «من لا يحضره الفقيه» وكتاب «عيون أخبار الرّضا» ورواتها ثقاة إلّا موسى الذي لم يرد فيه توثيق صريح ، والصّدوق رحمه الله أعرف بالرّجال من الآخرين.

إنتهى كلام العلّامة المجلسي رحمه الله وبهذا تمّ هذا الفصل وكان ذلك المرحوم عدلاً وصادقاً مصدقاً.

* * *

١٣

الفصل الثاني

شمّة من ثواب زيارة المعصومين عليهم‌السلام : واعلم أنّ الشّيخ الكليني رحمه الله في الكافي ، والشّيخ الصّدوق رحمه الله في الفقيه ، والشّيخ الطّوسي رحمه الله في التّهذيب والاستبصار نقلوا أحاديث كثيرة في ثواب وفضيلة زيارة الأئمّة عليهم‌السلام ونحن ننقل عدّة من هذه الاحاديث التي تبيّن لنا أهمية الزّيارة وثوابها وفضيلتها ، ولتحريض المحبين لزيارتهم والالتزام بها من القريب والبعيد ، فقد ورد بسند صحيح في هذه الكتب عن الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وعن الحسين الشّهيد عليه‌السلام أنّهما قالا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبتاه ما جزاء من زارك؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا بنيّ من زارني حيّاً وميتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة فأخلصه من ذنوبه». (١)

وكذا في حديث عن الامام الصّادق عليه‌السلام قال : بينا الحسين بن علي عليه‌السلام في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ رفع رأسه فقال : يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا بنيّ من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة». (٢)

وكذلك في نفس الكتب الشّريفة في حديث كأثور عن الامام الرّضا عليه‌السلام قال :

«إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً فيما رغبوا فيه كان أئمّتهم شفعاؤهم يوم القيامة». (٣)

وكذلك روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ ، فروع الكافي ، للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٤٨ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠٠ ، ص ١٤٠ ، علل الشّرايع ، ص ٤٦٠ ، ثواب الاعمال : ص ٨٢.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ١٠٠ ، ص ١٤٢ ، كامل الزيارات ، ص ١٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ، ج ٢ ، ص ٣٤٥ ، فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٦٧.

١٤

«يا عليّ من زارني في حياتي أو بعد وفاتي أو زارك في حياتك أو بعد وفاتك أو زار إبنيك في حياتهما أو بعد وفاتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها وشدائدها حتى أصيّره معي في درجتي». (١)

وروي عن بشير الدّهان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربّما فاتني الحجُّ فأعرف (٢) عند قبر الحسين عليه‌السلام؟ قال الامام الصّادق عليه‌السلام :

«أحسنت يا بشير أيما مؤمن أتى قبر الحسين عليه‌السلام عارفاً بحقّه في ويم عيد كتبت له عشرون حجّة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات ، وعشرون غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل ، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له ألف حجّة وألف عمرة مبروات متقبلات وألف غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل».

قال بشير : قلت له عليه‌السلام : وكيف لي بمثل الموقف؟.

قال بشير : فنظر إليّ الامام شبه المغضب ، ثمّ قال عليه‌السلام : «يا بشير إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه‌السلام يوم عرفة فاغتسل بالفرات ثمّ توجه إليه كتب الله عزّ وجلّ له بكلّ خطوة حجّة بمناسكها ، ولا أعلم إلّا قال عليه‌السلام : وعمّرة». (٣)

وقد وردت الرّوايات الكثيرة في زيارة كلّ إمام من الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام وثوابها ، وتطرق إليها العلماء في كتب الزّيارة بصورة مفصلة ، ولاجل معرفة أهميّة زيارتهم عليهم‌السلام وثوابها ذكرنا في هذا الموجز شمّة منها تكميلاً للفائدة وتتميماً للعائدة ومن الله سبحانه التّوفيق وحسن الخاتمة.

السّيد محمّد الوحيدي

١٥ / جمادي الآخرة / ١٣٧٣ هـ. ق

__________________

(١) من لا يحضره الفقية : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٥ ، فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٦٧.

(٢) أي أكون في يوم عرفة عند قبر الحسين عليه‌السلام.

(٣) من لا يحضره الفقيه : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٦.

١٥
١٦

شرح زيارة الجامعة الكبيرة

١٧
١٨

(السَّلامُ عَلَيكُمْ)

إعلم إنّهم اختلفوا في معنى هذا اللفظ ، فبعض قالوا : إنّه يدل على الدّعاء ـ يعني سلمتم من المكاره والآفات ـ ولذا سمّيت الجنّة «دار السّلام» (١) وأيضاً بهذه المناسبة فإنّها سالمة من المكاره والآفات ومشحونة بأنواع الافراح والسّعادة.

وقال بعضهم : معناه هو عليك إسم الله تعالى ، لأنّ السّلام من الأسماء الالهية ـ يعني أنت محروس بحفظ الله تعالى ويمكن أن يكون معنى السّلام الدّعاء بالسّلامة والعافية فعندما تلقي السّلام على أحدٍ تريد له السّلامة والنّجاة من آفات الدّنيا أو عذاب الآخرة أو كليهما ، ثمّ وضعه الشّارع المقدّس موضع التّحية والبشارة في مقام التّعارف واللقاء.

قد يستعمل النَّاس هذا الكلام عند لقاءهم في مقام التّحية.

(يَا أهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ)

يراد من أهل البيت هم الائمّة عليهم‌السلام (٢) ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ، والرّسالة السّماوية نزلت في بيوتهم ، وأهل البيت أدرى وأعرف بما فيه. والأهل في اللغة بمعنى

__________________

(١) قوله تعالى : (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ) أي دار الله وهي الجنّة نسبها سبحانه إليه لشرفها.

(٢) كما أن القرآن الكريم أوصى بمودّة ذوي القربى كذلك الرّسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله كان دائماً يوصي أصحابه بحفظه في أهل بيته منها ما ورد في ذخائر العقبى : للطبري ، ص ١٨ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإنّي أخاصمكم عنهم غداً ، ومن أكن خصمه أخصمه ، ومن أخصمه دخل النّار» وابن حجر في الصّواعق : ص ٢٢٨ ، والشّبلنجي الشّافعي في نور الابصار : ص ١٠٥ ، الشّعراني في لطائف المنن : ص ١٢٩ ، بلفظ «الله الله في أهل بيتي». والقاضي عياض في كتابه الشّفاء : ج ٢ ، ص ٤٠٢ ، بلفظ : «أنشدكم الله أهل بيتي» ، والنبهاني في الشّرف المؤبد : ص ١٨٩. وغيرهم.

١٩

بما في حوزة الانسان من الاولاد ، ومن أنِسوا به وسكنوا في داره وهذا جارٍ على ألسنة العرب ، عند لقائهم يقولون : «أهلاً وسهلاً» يعني جئت أهلك الذين تأنس بهم ونزلت محل الرّاحة والاطمئنان لا نصب فيه ولا تعب.

وبما أن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام ممن ألفوا وأنسوا في بيت النّبوة والرّسالة قيل لهم أهل بيت النّبوة (١) ، وورد في كتاب معاني الاخبار عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام : من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال الإمام عليه‌السلام : ذرّيّته.

فقلت : من أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال الإمام عليه‌السلام : الأئمّة الاوصياء.

فقلت : من عترته صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

فقال الإمام عليه‌السلام : أصحاب العباء.

فقلت : من أمّته؟

قال الإمام عليه‌السلام : المؤمنون ... (٢)

قال المرحوم السيد شبر رحمه الله في الانوار اللامعة : قال بعض أرباب الكمال في تحقيق معرفة الآل ما ملخصه : أن آل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كل من يؤول إليه وهم قسمان :

الاوّل : من يؤول إليه مآلاً صورياً جسمانياً كأولاده ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصَّوريين الذين يحرم عليهم الصّدقة في الشّريعة المحمّدية.

__________________

(١) ورد في كتاب الاحتجاج للشّيخ الطّبرسي رحمه الله قال الرّاوي كنت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فجاءه ابن الكوا فقال : يا أمير المؤمنين قول الله عزّ وجلّ : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا). فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من أبوابها ، نحن أبواب الله وبيوته التي يؤتى منها فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها إن الله عزّ وجلّ لو شاء عرف النّاس نفسه ويأتوه من بابه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وبابه وسبيله الذي منه يؤتى ثمّ قال : فمن عدل عن ولايتنا وفضّل غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها وأنّهم عن الصّراط لناكبون» ، ج ١ ، ص ٥٤٠.

(٢) معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، باب معنى الآل ، ص ٩٤ ، ح ٣.

٢٠