علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

المبحث الرابع عشر

فى كلمات القسم ، وهى الباء والواو والتاء واللام ، وعمر وايمن ، والاربعة حروف والاخيران اسمان ، وذكروا كلمات اخرى وتاتى.

١ ـ الباء

وهى ام الباب ، ولذلك خصت بجواز ذكر الفعل معها ودخولها على الضمير ، واستعمالها فى القسم الاستعطافى وياتى بيانه.

مثاله مع ذكر الفعل قوله تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) ـ ٩ / ٥٦ ، (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) ـ ٥ / ٥٣ ، وكقول الشاعر.

انّى حلفت ولم احلف على فند

١٥٣٥ فناء بيت من الساعين معمور

بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت

١٥٣٦ ايّاهم الارض فى دهر الدهارير

مثاله بالضمير قول على عليه‌السلام : ياتى على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن الا رسمه ومن الاسلام الا اسمه ومساجدهم يومئذ عامرة من البناء ، خراب من الهدى ، سكانها وعمارها شر اهل الارض ، منهم تخرج الفتنة واليهم تاوى الخطيئة ، يردون من شذ عنها فيها ويسوقون من تاخر عنها اليها ، يقول الله سبحانه

٨٨١

فبى حلفت لا بعثن على اولئك فتنة تترك الحليم فيها حيران وقد فعل ، ونحن نستقيل الله عثرة الغفلة ، وفى الزيارة الرجبية : انى بسركم مؤمن ولقولكم مسلم وعلى الله بكم مقسم فى رجعى بحوائجى وكقول الشاعر.

الا نادت امامة باحتمالى

١٥٣٧ لتحزننى فلا بك لا ابالى

٢ ـ الواو

وهو كالباء فى دخوله على اسم الله وغيره ، ولكن لا يدخل على الضمير ولا يذكر معه فعل القسم ، نحو قوله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٣٦ / ١ ـ ٣ ، (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ـ ١٠٣ / ١ ـ ٢ ، (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ـ ٩٥ / ١ ـ ٤ ، الواو الاولى للقسم وغيرها عاطف.

٣ ـ التاء

وهى لا تدخل الا على اسم الله تعالى ولا يذكر معها فعل القسم ، نحو قوله تعالى : (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) ـ ٢١ / ٥٧ ، (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٢٦ / ٩٧ ، (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) ـ ١٦ / ٦٣ ، (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) ـ ١٦ / ٥٦ ،

قال ابن هشام فى حرف التاء من المغنى : تختص التاء بالتعجب وباسم الله تعالى وربما قالوا تربى وترب الكعبة وتالرحمان ، قال الزمخشرى فى وتالله لاكيدن اصنامكم : الباء اصل حروف القسم والواو بدل منها والتاء بدل من الواو ، وفيها زيادة معنى التعجب ، كانه تعجب من تسهيل الكيد على يده وتاتيه مع عتو نمرود وقهره ، اقول حديث الاصالة والبدلية تخيلى ، ومعنى التعجب غير ظاهر الا بالقرينة ، وليست فى كل مورد ، والنبى لا يتعجب من اقدار الله تعالى اياه

٨٨٢

على المعاجز والامور العظيمة.

٤ ـ اللام

واستعمالها للقسم قليل ، وتختص باسم الله تعالى كالتاء ، نحو قولهم : لله لا يؤخر الاجل ولا فى الدنيا يتم الامل ، وكقول الشاعر.

لله يبقى على الايّام ذو حيد

١٥٣٨ بمشمخرّ به الظيّان والآس

٥ ـ عمر

وهو بالضم والفتح مصدر بمعنى مدة الحياة ، ويستعمل للقسم مفتوحا نحو قوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) ـ ١٥ / ٧٢ ، وهو مبتدا خبره قسمى ، واللام عليه لام الابتداء ، وقول على عليه‌السلام : فمنى الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض ، وقوله الآخر : ولعمرى لو كنا ناتى ما اتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للايمان عود ، وايم الله لتحتلبنها دما ولتتبعنها ندما وكما فى هذين البيتين.

لعمرى وما عمرى علىّ بهيّن

١٥٣٩ لقد نطقت بطلا علىّ الاقارع

لعمرى لقد كان الثريّا مكانه

١٥٤٠ ثراء فاضحى الآن مثواه فى الثرى

٦ ـ ايمن

على وزن احمر ، وقد يحذف نونه ، وكذا يمين على وزن شريف ، يستعمل للقسم ، وايمن يستعمل بضم الميم ايضا فهو مفرد او جمع يمين كايمان ، ويجمع على ايمنات ، وفى ايمن لغات كثيرة مذكورة فى كتب اللغة.

مثال ذلك قول على عليه‌السلام : وايم الله يمينا استثنى فيها بمشية الله لاروضن نفسى رياضة تهش معها الى القرص ، ايم الله مرفوع بالابتداء خبره قسمى

٨٨٣

محذوف ، ويمينا تمييز والجملة بعدها نعت لها ، ولاروضن جواب القسم ، وكما فى هذه الابيات.

فقلت يمين الله ابرح قاعدا

١٥٤١ ولو قطعوا راسى لديك واوصالى

والحيّة الحتفة الرقشاء اخرجها

١٥٤٢ من جحرها ايمنات الله والقسم

فقال فريق القوم لمّا نشدتهم

١٥٤٣ نعم وفريق لايمن الله ما ندرى

ومن قولهم : فى ذمتى او على ذمتى او على رقبتى لا فعلن كذا ، اى فى ذمتى يمين الله ، ومما يقسم به ما له اختصاص بالله تعالى : نحو وحجة الله وبيت الله واسم الله وحرم الله وكتاب الله ، وغير ذلك مما له اضافة اليه تعالى ، والواو فيها واو القسم.

هنا امور

الامر الاول

ذكرت فى بعض الكتب كلمات ذهب بعضهم الى انها للقسم ، واتى ابن سيدة فى المخصص باكثرها وعنونه بنوادر القسم.

١ ـ قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ـ ٨ / ٥ ، قيل : الكاف حرف قسم وما موصولة ، والقسم راجع الى اول السورة ، اى قل الانفال لله والرسول قسما بالذى اخرجك من بيتك ، وهذا خطا ، والصواب اى الكاف للتشبيه وما مصدرية ، والجار خبر لمبتدا محذوف يعلم من الآية الاولى ، والتقدير : جعل الانفال لك خاصة وكراهتهم لذلك كاخراج ربك اياك من بيتك وكراهتهم لذلك ، فان كليهما حق وكرههم لهما باطل ، وفى هذه الآية اقوال كثيرة مختلفة مذكورة فى التفاسير.

٢ ـ قال ابن سيدة فى المخصص فى السفر الثالث عشر باب المحالفة والمعاهدة :

٨٨٤

اعلم ان من العرب من يقول من ربى لافعلن ذاك ، ومنهم من يقول من ربى انك لاشرّ بضم الميم ، ولا يستعمل من بضم الميم فى غير القسم ، ولا يدخلون من فى غير ربى ، لا يقولون من الله لافعلن ، اقول : لا يبعد ان يكون من ربى متعلق باستمد وما بعده استيناف ، فلا يكون من حرف القسم.

٣ ـ من قولهم : جير لا آتيك ومنه قول الشاعر.

قالوا قهرت فقلت جير ليعلمن

١٥٤٤ عمّا قليل ايّنا المقهور

قيل : جير مبنيا على الكسر اسم قسم بمعنى ايمن ، والتقدير : جير الله قسمى لا آتيك ، وقيل : انه حرف قسم ، وهذا بعيد ، اذ لم يتصور حذف المجرور وبقاء الحرف الجار ، على ان الظاهر فى المثال والبيت انه على اصله ، اى بمعنى نعم ، وما بعده استيناف.

٤ ـ قيل : لا جرم من كلمات القسم ان وقع بعدها ان مكسورة الهمزة ، نحو لاجرم انك على الباطل وانى على الحق ، ونحو قولهم : لاجرم لآتينك ، واختلفوا فى هذه الكلمة اختلافا كثيرا ، ذكر ذلك ابن سيدة فى نوادر القسم فى ذلك الموضع ، واحسن الاقوال انه بمنزلة لا بد ولا محالة ، فلا للتبرئة وجرم اسمها والخبر مقدر بالمناسبة ، وما بعده استيناف ، وقد مر الكلام فى هذه الكلمة اذا وقع بعدها ان مفتوحة الهمزة فى المبحث الثانى من المقصد الاول.

٥ ـ قال ابن سيدة فى نوادر القسم : كلمة لاهل السحر ، يقولون : بعزّى لقد كان كذا وكذا ، وبعزك ، كما نقول نحن : لعمرى ولعمرك ، اقول : الظاهر ان السحر موضع ، والمحدوس ان عبد الله بن محمد السحرى المحدث منهم ، وكونه مصدرا والمراد باهل السحر الساحرون بعيد ، ثم العجب من ابن سيدة كيف خص هذا القسم باهل السحر وغفل عن قوله تعالى : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ـ ٣٨ / ٨٢ ـ ٨٣ ،.

٦ ـ عوض لا آتيك ، بالضم والفتح والكسر ، وياتى فى المبحث الخامس

٨٨٥

عشر انها من ممحضات المضارع للاستقبال ، وليس معنى القسم فيها ظاهرا.

٧ ـ اجدّك لا تفعل ، كما فى هذا المصرع : اجدّكما لا تقضيان كراكما ، والظاهر انه حلف استعطافى ، واصلها ان الهمزة للاستفهام وجد مصدر مضاف الى فاعله ، كان الحالف يقول لمخاطبه : اتجد جدك فى هذا الامر ، ثم يستانف ويقول مستدعيا : لا تفعل ، وفى هذه الكلمة اقوال مختلفة مذكورة فى تاج العروس ، واما قولهم : وجدّك لا تفعل فهو قسم بالجد كما يقسم بالاب وغيره.

٨ ـ قعدك لا آتيك وقعيدك مثله ، نحو قعيدك لتفعلن ، ويقال ايضا : قعيدك الله لا افعل ذلك ، او لا فعل ذلك ، وكما فى هذه الابيات ، والبيان فى شرح الشواهد.

قعيدك ان لا تسمعينى ملامة

١٥٤٥ ولا تنكئى قرح الفؤاد فييجعا

قعيدك عمر الله يا بنت مالك

١٥٤٦ الم تعلمينا نعم ماوى المعصّب

قعيدكما الله الّذى انتما له

١٥٤٧ الم تسمعا بالبيضتين المناديا

الامر الثانى

قد يزاد لا قبل القسم ، نحو قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ) ـ ٧٠ / ٤٠ ، (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) ـ ٧٥ / ١ ـ ٣ ، وقول على عليه‌السلام : لا والذى امسينا منه فى غير ليلة دهماء تكشر عن يوم اغر ما كان كذا وكذا ، يومى بكلامه هذا الى يوم ظهور المهدى عليه‌السلام ، وكقول الشاعر.

فلا والله ما فى العيش خير

١٥٤٨ ولا الدنيا اذا ذهب الحياء

واورد ابن سيدة فى باب نوادر القسم من كتابه المخصص كثير امثلة من هذا القبيل ، نحو قولهم : لا وقائت نفسى القصير ، لا والذى يقوتنى نفسى ، لا ومقطع القطرة ، لا وفالق الاصباح ، لا ومهب الرياح ، لا ومنشر الارواح ،. لا والذى مسحت ايمن كعبته ، لا والذى جلد الابل جلودها ، لا والذى شق الجبال للسيل والرجال

٨٨٦

للخيل ، لا والذى وجهى زمم بيته ، لا والذى هو اقرب الى من حبل الوريد ، لا والذى نادى الحجيج له ، لا والذى يرانى ولا اراه ، وغير ذلك ، ثم قال : قال السيرافى : واى الجوابية مستعملة فى ذلك كله.

اقول : ان لا هذه نفى لما يتصوره المخاطب على خلاف ما يريد المتكلم ان يظهره ، كما ان اى اثبات لما يتصور على وفاق ما يريد ان يظهره ، ولذلك يوكده بالقسم ، فلا واى متقابلان ان وقعا قبل القسم وقد مر ذكر هذين اللفظين فى المبحث السادس فمدخولهما جملة محذوفة.

الامر الثالث

ان القسم جملة اسمية محذوفة الخبر او فعلية مذكورة الفعل او محذوفته ، يؤكد بها جملة اخرى تسمى بجواب القسم يجب تصديرها بان او اللام او قد مع اللام او بدونها او حرف نفى او استفهام يرجع الى الخبر لان الانشاء لا يقع جوابا للقسم الا فى القسم الاستعطافى.

مثال ذلك قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ـ ٨١ / ١٥ ـ ١٩ ، (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) ـ ٣٥ / ٤٢ ، (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) ـ ٨٤ / ١٦ ـ ١٩ ، (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) ـ ١٢ / ٩١ ، (وَالشَّمْسِ وَضُحاها ـ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) ـ ٩١ / ١ ـ ١٠ ، (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) ـ ٨٦ / ١ ـ ٤ ، (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) ـ ٩٣ / ١ ـ ٣ ، (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) ـ ٨٩ / ١ ـ ٥ ، اى ان فى ذلك عهدا لذى عقل ، وذلك اشارة الى ما اقسم الله تعالى به ، وقيل جواب القسم ان ربك

٨٨٧

لبالمرصاد ، لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامه ـ اى انا نجمع عظامه فلا يحسب خلافه.

وقد يحذف حرف النفى عن الجواب فيقدر لاقتضاء المعنى ذلك ، نحو قوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) ـ ١٢ / ٨٥ ، اى لا تفتؤ ، وكقول الشاعر :

آليت حبّ العراق الدهر اطعمه

١٥٤٩ والحبّ ياكله فى القرية السّوس

وقد يكون جواب القسم بدون هذه الاشياء ، نحو قوله تعالى : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) ـ ٩ / ٤٢ ، وقول على عليه‌السلام : فيا عجبا والله يميت القلب ويجلب الهم اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم ، وكقول الشاعر.

وربّ السماوات العلى وبروجها

١٥٥٠ والارض وما فيها المقدّر كائن

ثم قد يجتمع الشرط والقسم بجواب واحد فهو للمتقدم منهما ، ومر بيان ذلك وامثلته فى المبحث الرابع.

الامر الرابع

فى الحذف فى هذا الباب ، ودونك تفصيل ذلك.

الاول يجب حذف فعل القسم اذا كان حرفه غير الباء ، واما الباء فجاز ذكره وحذفه ، نحو قوله تعالى : (ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) ـ ٤ / ٦٢ ، (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٣٨ / ٨٢.

الثانى قد يحذف حرف القسم وينتصب المقسم به بنزع الخافض ، نحو قولك :

الله لافعلن ، وكما فى البيتين.

اذا ما الخبز تادمه بلحم

١٥٥١ فذاك امانة الله الثريد

الا ربّ من قلبى له الله ناصح

١٥٥٢ ومن قلبه لى فى الظباء السوانح

ولكن اذا كان القسم للتعجب لا يجوز حذف حرف القسم ، وقد مر الكلام فى

٨٨٨

المنصوب بنزع الخافض فى المبحث العشرين من المقصد الاول ، وانه لا يجوز بقاء الجر بعد حذف الجار قياسا ، ولكن يجوز فى باب القسم اذا كان المقسم به لفظ الله

ثم قد يعوض حرف القسم بها التنبيهية ، نحو قولهم : اى ها الله ذا ، وذا مبتدا محذوف الخبر ، اى ذا كما قلت او غير ذلك بالمناسبة ، ويجوز اتيان الواو فيقال : اى والله ، ولا يجوز الجمع بينهما ، ويجوز الخلو عنهما ، بان يقال اى الله ففى اى ثلاثة اوجه : حذف الياء وفتحها وكسرها وقيل : ان ها راجعة الى اسم الاشارة ، قدمت كما قدمت فى نحوها انا ذا وها هو ذا ، وحرف القسم محذوف ، وكقول الشاعر.

تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما

١٥٥٣ فاقصد بذرعك وانظر اين تنسلك

الثالث قد يحذف حرف القسم ومجروره مع ذكر فعله وجوابه ، فالمقدر هو بالله ان كان المتكلم مؤمنا به ولو ظاهرا ، والا فبحسب عقيدته ، نحو قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) ـ ٣٠ / ٥٥ ، (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ـ ٧ / ٢١ ، (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) ـ ٩ / ١٠٧.

الرابع قد يحذف جملة القسم باسرها وفى الكلام جوابه ، وذلك فى اربعة مواضع.

١ ـ ان يكون الجواب مضارعا مؤكدا بالنون التقيلة مصدرا باللام ، نحو قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ـ ٢٧ / ٢١ ، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) ـ ٤٧ / ٣١ ،

٢ ـ ان يكون الجواب مصدرا بحرف الاستقبال مع اللام ، نحو قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ـ ٩٣ / ٥ ، (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ـ ٢٦ / ٤٩.

٣ ـ ان يكون فى موضع الجواب لاداة الشرط المصدرة باللام ، نحو قوله تعالى : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) ـ ٥٩ / ١٢ ، (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٣٦ / ١٨ ،

٨٨٩

٤ ـ ان يكون جواب القسم فعلا ماضيا مصدرا بلقد ، نحو قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ـ ٢٩ / ٣ ، (لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) ـ ٤٦ / ٢٧ ، (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) ـ ٤٥ / ١٦.

ويقال لهذه اللام فى هذه المواضع : الموطئة ولام توطئة القسم والمؤذنة لا يذانها بان ما بعدها جواب القسم المحذوف ، ودليل القسم المحذوف ان هذه اللام ليست لام الابتداء لانها ان دخلت على المضارع تمحضه للحال فينا فيها نون التاكيد وحرف الاستقبال كما فى الموضع الاول والثانى لانهما تمحضان المضارع للاستقبال ، وكذا ينافيها الماضى المصدر بقد كما فى الموضع الرابع لانه ممحض لما مضى ، فاذا امتنع كونها لام الابتداء فهى لام توطئة القسم فتدل على القسم المحذوف ، واما الموضع الثالث فلان الجواب فيه له خصائص جواب القسم لا خصائص جواب الشرط ، فيعلم من ذلك ان هناك قسم محذوف ، ويؤيد ذلك ان هذه اللام تدخل على هذه الجمل بعد القسم المذكور ، هذا هو المشهور المسلم عند اكثر القوم فى هذا الباب ، ولكن فيما ذكروه مواقع للنظر.

١ ـ ان اللام لا تدل على الزمان والفعل لا يدل على الزمان المخصوص فلا تمحض اللام المضارع للحال ، مع انه منقوض بقوله تعالى : (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ـ ١٢ / ١٣ ، وهذا للمستقبل القريب ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ـ ١٦ / ١٢٤ ، وهذا للمستقبل البعيد ، (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) ـ ٢٥ / ٢٠ ، وهذا للماضى ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) ـ ٢٧ / ٧٤ ، وهذا مطلق لان علمه تعالى لا يقيد بزمان ، ومثله قوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) ـ ٦ / ٣٣ ، لان حزنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يقول المخالفون لا يتقيد بزمان ، وامثال ذلك كثير فى الكلام ، وتوجيهاتهم المذكورة فى كتبهم كالمغنى وغيره لا تنفع شيئا فراجع ، وياتى فى الخاتمة ذكر هذه اللام ،

٨٩٠

وياتى فى المبحث الخامس عشر ان الفعل مطلقا لا يدل على الزمان المخصوص.

٢ ـ من المسلم عندهم ان جملة جواب القسم لا محل لها من الاعراب مع ان هذه الجمل تقع فى محل الاعراب ، نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ،) فان الجملة خبر الذين ، وامثال هذا فى القرآن كثير ، وكقول الشاعر.

جشات فقلت اللّذخشيت لياتين

١٥٥٤ واذا اتاك فلات حين مناص

وقوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ـ ١١ / ١١١ ، فان الجملة خبر على جميع القراءات فى ان وكلا ولما ، (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) ـ ٤ / ٧٢ ، فان الجملة صفة لمن فلها محلها ، اى لفريقا ليبطئن ، وان قيل : من موصولة لا موصوفة والجملة صلته ، قلنا فليست ايضا جوابا للقسم اذ لم يعهد وقوع جواب القسم صلة لموصول ، وقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٥ / ٧٣ ، فان جمله الجواب فى محل الجزم اذ لم يظهر اثر الجازم فى اللفظ ، ومثله (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) ـ ١٩ / ٦٦ ، وقوله تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) ـ ٣٣ / ١٥ ، والظاهر انها حال من فاعل لاتوها فى الآية السابقة ، والحال منصوب.

والحاصل انه لا بد لهم ان يرفعوا اليد عن كون هذه الجمل اجوبة للقسم او عدم المحل لجملة القسم ، مع ان التقدير خلاف الاصل ، ولا موجب له ان لم يختل المعنى بدونه فاللام للتاكيد من دون تقدير القسم.

٣ ـ التقدير بلا موجب من جهة المعنى فى كتاب الله تعالى جراة عليه مع عدم استقامة معنى القسم فى بعض تلك المواضع ، نحو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) ـ ٣ / ٨١ ، فان مفاد الجملتين امره تعالى اياهم بالايمان والنصرة ، وجواب القسم لا يكون طلبيا الا فى القسم الاستعطافى كما ياتى ، وهو لا يليق بجنابه ،

واما الموضع الثالث فما يمنعنا ان نقول فيه ان المضارع المؤكد بالنون اذا

٨٩١

وقع جوابا للشرط يصدر بلام الابتداء ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٥ / ٧٣ ، وكذا اذا كان اداة الشرط مدخولة للام الابتداء.

الامر الخامس

قد يذكر جملة القسم ويحذف جملة الجواب ويدل عليها قرائن الكلام مما ذكر قبله او بعده ، نحو قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) ـ ٩ / ٦٢ ، والجواب انهم منكم ، لذكره من قبل ، وليرضوكم متعلق بيحلفون باعتبار الجواب لان جملة القسم ليس لها اصالة فى قصد المتكلم ، والتقدير : يحلفون لكم انهم منكم ليرضوكم ، ومثلها (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) ـ ٩ / ٩٥ ، وجوابه ما قالوا كلمة الكفر ، لذكره من قبل ، ونظير الآيتين فى سورة المجادلة ، وقوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) ـ ٧٩ / ١ ـ ٦ ، والجواب انكم لمبعوثون يوم ترجف الراجفة ، حذف لدلالة الكلام عليه ، (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ـ ٥٠ / ١ ، والجواب ان هذا المنذر رسول الله ، بدليل الآية التالية ، (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) ـ ٣٨ / ١ ، والجواب انه كتاب من عندنا ، اقسم بالقرآن على القرآن لانه بنفسه مثبت لنفسه ، وقيل فى هذه الآيات غير ما ذكر وهو مذكور فى التفاسير.

الامر السادس

جملة القسم اما فعلية فهى متشكلة من فعل القسم وحرف القسم ومجروره الذى يقال له المقسم به ، او اسمية متشكلة من المبتدا والخبر ، نحو يمين الله قسمى وبالله قسمى ولعمرك قسمى وغير ذلك فالمقسم به يقع مبتدا او خبرا ، وجمله القسم

٨٩٢

انشائية يؤكد بها جواب القسم ، ومفادها التزام المتكلم وتعهده لصدق الجواب الذى هو الاصيل فى قصد المتكلم المسمى بالمقسم عليه ، فاذا قيل : يمين صادقة كيمين الله تعالى ، او كاذبة كيمين ابليس لعنه الله فباعتبار الجواب ، اذ جملة القسم انشائية لا يجرى عليه الكذب والصدق.

وافعال القسم اقسم وحلف وآلى وما يشتق منها ، والثالث كالاولين جاء فى القرآن فى قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ـ ٢ / ٢٢٦ ، ويشتق من اليمين ايضا الفعل لانه مصدر كاليقين ونقل ابن سيدة وغيره الفاظا للقسم غريبة ترك استعمالها ، هى حلط وسبا وبسا وعتك.

ولكن تستعمل جمل اخرى خبرية مكان جملة القسم ، تفيد افادتها وتخبر عن الالتزام المذكور وتذكر بعدها جملة هى جواب القسم ، نحو قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ـ ٥٨ / ٢١ ، ولكن حق القول منى لاملان جهنم من الجنة والناس اجمعين ، وعبر على عليه‌السلام عن هذا فى دعاء كميل بالاقسام حيث قال : لكنك تقدست اسماؤك اقسمت ان تملاها من الكافرين من الجنة والناس اجمعين ، ومثلها قوله تعالى : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٣٨ / ٨٤ ـ ٨٥ ، (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ٩ / ٧٥ ، وكما فى هذه الابيات.

الم ترنى عاهدت ربّى وانّنى

١٥٥٥ لبين رتاج قائما ومقام

على حلفة لا اشتم الدهر مسلما

١٥٥٦ ولا خارجا من فىّ زور كلام

تعشّ فان عاهدتنى لا تخوننى

١٥٥٧ تكن مثل من يا ذئب يصطحبان

ارى محرزا عاهدته ليوافقن

١٥٥٨ فكان كمن اغريته بخلاف

والحاصل ان الحلف والعهد والميثاق والنذر والوعد التزام احد لاحد بشئ فى قبال شىء منه او من دون ذلك ، فان ابتدا الله تعالى به فهو بالامر او النهى او الوعد او استحلاف او اخذ ميثاق ، وان ابتدا العبد به فهو بالاستعطاء والاستدعاء

٨٩٣

والاستعطاف.

الامر السابع

ما ذكرنا هو الحلف الالتزامى ، واما الحلف الاستعطافى هو طلب احد من احد شيئا بالاقسام بماله حرمة وعظمة عند المطلوب منه ، والفرق بينهما ان الجواب فى ذلك خبرى ويسمى بالمقسم عليه لان الحالف اوقع التزامه عليه ، وفى هذا طلبى فلا يسمى بالمقسم عليه اذ لا معنى لا يقاع الحالف التزامه عليه ، بل ليس له التزام اصلا ، والمقسم عليه فى هذا الحلف هو المطلوب منه لان الحالف يستدعى منه ان يتعهد على نفسه بقبول ما يطلبه منه ، نحو قوله تعالى : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) ـ ٦٨ / ٣٩ ، اى اقسمتم علينا وقبلنا ان لكم لما تحكمون ، وامكن ان يكون منه قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) ـ ١٢ / ٨٥ ، اى تالله لا تذكر يوسف ولا تحزن عليه فتكون حرضا او هالكا ، ومن ذلك ما فى هذه الابيات.

حسب المحبّين فى الدنيا عذابهم

١٥٥٩ تالله لا عذّبتهم بعدها سقر

بربك هل ضممت اليك ليلى

١٥٦٠ قبيل الصبح او قبّلت فاها

بعيشك يا سلمى ارحمى ذا صبابة

١٥٦١ ابى غير ما يرضيك فى السرّ والجهر

تالله يا ظبيات القاع قلن لنا

١٥٦٢ ليلاى منكنّ ام ليلى من البشر

رقىّ بعمركم لا تهجرينا

١٥٦٣ ومنّينا المنى ثمّ امطلينا

وان كان الطلب غير حقيقى يرجع الى الاخبار فلا يكون القسم استعطافيا كظاهر هذا البيت.

بربّ هل نصرت الحقّ يوما

١٥٦٤ وذقت حلاوة النصر المبين

ومن القسم الاستعطافى قولهم : جمالك ان لا تفعل كذا ، اى صن جمالك عن فعله ، وقولهم : آلله لتفعلن كذا ، اى اقسمك بالله هل تفعله ، وقول الداعى : اللهم

٨٩٤

انى اسالك باسمك او بكتابك او باوليائك او غير ذلك ، اى اللهم انى اسالك مقسما عليك باسمك ، ومنه النشد والانشاد والمناشدة كقول الشاعر.

فقال فريق القوم لمّا نشدتهم

١٥٦٥ نعم وفريق لا يمن الله ما ندرى

الامر الثامن

يقع القسم بين كل شىء حتى بين الجار والمجرور والمضاف والمضاف اليه ، نحو قولك : انا غلام والله زيد ، واشتريت هذا الثوب بو الله درهم ، رايت زيدا فى بالله داركم ، وكذا فى غير ذلك ، نحو زيد والله عالم ، ان جاءنى لعمرك ابوك اكرمته ، والجملة التى يقع القسم بينها جواب للقسم فى المعنى ، ولكن لا يعامل معاملة الجواب حسب صناعة الاعراب ، وكقول الشاعر.

اذن والله نرميهم بحرب

١٥٦٦ تشيب الطفل من قبل المشيب

فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : اذا رايتم العالم محبّا لدنياه فاتّهموه على دينكم فانّ كلّ محبّ لشئ يحوط ما احبّ ، وقال عليه‌السلام اوحى الله الى داود عليه‌السلام : لا تجعل بينى وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبّتى فانّ اولئك قطّاع طريق عبادى المريدين انّ ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتى عن قلوبهم.

٨٩٥

المبحث الخامس

عشر فى زمان الفعل وذكر حروف المضى والاستقبال والحال.

اعلم ان الزمان هو امتداد بقاء المادة الاصلية مركوبة للصور المتعاقبة الجوهرية والعرضية ، والحركة هى تعاقب تلك الصور.

ولان نشاتنا فى المادة وتحت سيطرة الزمان فكل ما ندركه فانما ندركه فى الزمان ، ولا يمكننا ان ندرك ما هو خارج عنه وقبله وبعده الا ان نثبت بدلالة العقل وجوده ، حتى ان الفلاسفة اعتقدوا قدم الزمان وقالوا ليس للزمان بدء والالزم ان يكون للزمان زمان فيتسلسل.

نعم ليس للزمان بدء زمانى ، ولكن هل ادركت خارج الزمان حتى تحكم بانه بدء للزمان ام لا ، وفى كلام بعضهم ان للزمان بدءا دهر يا وللدهر بدءا سرمديا ، والبحث فى محله.

فما وقع فى المادة من الذوات والاحداث فهو لا محالة محفوف بالزمان ، لا نتصور غير ذلك ، وكل حد من حدود الزمان الذى يسمى بالآن محفوف بزمان سابق وزمان لاحق ، وكذلك الاشياء التى توجد فى قطعات الزمان ، فكل شىء ذاتا كان او حدثا له زمان حاضر وزمان ماض وزمان مستقبل ، ولا يختص ذلك بالحدث الذى هو مدلول الفعل النحوى ، بل هو احد الاشياء التى تلبست بثوب الزمان ، فمتى

٨٩٦

وجد فهو زمان حال له ، والسابق عليه الى ازل الزمان زمان مضى له ، واللاحق به الى ابد الزمان زمان استقبال له.

ولكن القوم اصطلحوا على ان الفعل الحال هو الحادث فى زمان تكلم المتكلم به ، والفعل الماضى هو الحادث قبل زمان تكلم المتكلم به والفعل المستقبل هو الحادث بعد زمان تكلم المتكلم به ، وبعبارة اخرى : ان المتكلم اذا تكلم بفعل واسنده الى فاعله ، فان كان زمان وجود الحدث قبل زمان التكلم فالفعل ماض ، او مقارنا له فحال ، او بعده فمستقبل ، واللفظ الموضوع للحدث الماضى صيغة الماضى ، واللفظ الموضوع للحدث الحالى والاستقبالى صيغة المضارع ، هذا فى الاخباريّات ، واما الحدث الانشائى فهو لا محالة واقع فى مستقبل زمان التكلم ، واما نفس الانشاء فزمانه زمان التكلم ، وعلى ما جرى عليه القوم فان اتى المتكلم بصيغة الماضى للحدث الذى وقع فى زمان التكلم او بعده ، او اتى بصيغة المضارع للحدث الذى حصل قبل زمان التكلم فهو متجوز واستعمل اللفظ فى غير معناه وارتكب المجاز وخرج عن طريق الحقيقة لان الفعل عندهم كلمة تدل على معنى مستقل مقترن باحد الازمنة الثلاثة ، وصيغة الماضى وضعت للحدث الواقع قبل زمان التكلم ، وصيغة المضارع وضعت بالاشتراك للحدث الواقع حين التكلم او بعده ، واذا تخلف متكلم عن ذلك فهو متجوز ، ولا بد للسامع ان ينحت لارتكابه المجاز وجها.

اقول : ان امير المؤمنين عليه‌السلام الذى الهم النحو الى البشر لم يتذكر الزمان فى تعريف الفعل الذى وقع فى حديث ابى الاسود المذكور فى الامر الرابع من المقدمة ، بل هو قال : الفعل هو ما دل على حركة المسمى ، فما الذى دعا القوم الى خلافه والذهاب الى الذى يخالفه استعمال العرب ، فان ما نرى فى كلامهم انهم يستعملون صيغة الماضى والمضارع للحدث الحاصل حال التكلم وقبله وبعده وللحدث المستمر من قبل التكلم الى بعده بعيدا او قريبا ، والقوم التزموا بارتكاب التجوز فى جميع ما استعمل على خلاف ما اصطلحوا عليه ، وذلك ليس بقليل ، بل هو اكثر من الكثير ،

٨٩٧

ولا يعد ولا يحصى ، ثم وجهوا تلك الاستعمالات على الاختلاف الكثير بينهم الى ما ادى اليه نظرهم فى بيان مرادات المتكلمين حتى فى بيان مراداته تعالى من دون تحاش من شىء واحتياط فى ذلك.

فالحق ان الفعل يدل بمادته على الحدث وبهيئته على نسبة ذلك الحدث الى فاعله ، ونوع النسبة فى الماضى نسبة التحقق وفى المضارع نسبة التلبس.

والزمان المطلق لازم لوجود الحدث ، والزمان المعين لا يعلم الا بالقرينة ، وتعيينه بالقياس الى زمان التكلم لا يدل عليه العقل ولا هو مدلول اللفظ مع منافاته للاستعمالات الكثيرة ، فما الموجب لذلك ، فليقس الى زمان شىء آخر.

فمدلول اللفظ هو ما قلنا ، وان علم وقوع الحدث قبل زمان التكلم او بعده او معه او مستمرا من القبل الى البعد قريبا او بعيدا فانما هو بالقرينة ، وتبادر المضى من صيغة الماضى ينشأ من معنى التحقق الذى هو مدلول الهيئة ، وو هم السامع يحكم بان يقيس التحقق الى زمان التكلم ، والاستعمالات الكثيرة على خلافه ، وليس فى المضارع تبادر الحال ولا الاستقبال فلذا قالوا فيه بالاشتراك ، فالمتبادر منه تلبس الفاعل بالحدث وهو مدلول هيئته ، كما ان المتبادر من الماضى تحقق الحدث من الفاعل وهو مدلول هيئته.

وهذه النسبة التلبسية فى المضارع هى بعينها مدلول هيئة المشتق مع فرق بينهما ، وهو ان الذات المنسوب اليها الحدث مدلول تضمنى للمشتق ، ومدلول التزامى للفعل ، كما ان الزمان المطلق مدلول التزامى للحدث ولذلك صار المشتق من اقسام الاسم ، والزمان المعين ملغى فيه بطريق اولى ، وان علم فبالقرينة ، والذى يرشدك الى ما قلنا قولهم فى توجيه نحو ونفخ فى الصور : انه مستقبل محقق الوقوع ، فان الاستقبال يعلم من القرينة والتحقق مدلول الهيئة.

واما الفعل الانشائى فزمان الانشاء هو زمان التكلم بالضرورة والبديهة ، وكذا المنشا ، وهو المعنى الذى يظهر من المتكلم عند الانشاء مما فى خلده من المرادات

٨٩٨

والمعانى ، ثم من الانشاء ما ليس له وراء المنشا شىء آخر ، كانشاء التعجب والمدح والذم والتمنى والترجى والقسم ، ومنه ما له وراءه شىء آخر كالامر والنهى والعقود والايقاعات المذكورة فى الفقه فيترتب عليها افعال وتروك واحكام وانتقالات ، هذا.

واما الكلمات المقترنة بالافعال الدالة على المضى او الحال او الاستقبال بالنسبة الى زمان التكلم فلكل منها شانه فى دلالته على معناه.

واعلم ان القوم على السبيل الذى ركبوا اختلفوا فى توجيه ما ورد على خلاف سبيلهم ، وعقد ابن هشام بابا فى ثامن المغنى لذلك ، وقال : القاعدة السادسة انهم يعبرون عن الماضى والآتى كما يعبرون عن الشئ الحاضر قصدا لاحضاره فى الذهن حتى كانه مشاهد حال الاخبار ، ومراده ما ذكرنا من حكاية حال الماضى وحال المستقبل فى الفصل الثالث من الباب الثالث فى المبحث الثانى والعشرين من المقصد الثانى ، ثم اتى بآيات واشعار وتكلم فيها تطبيقا لما هو فى سبيله ، ونحن نذكرها وغيرها ونبين انها منطبقة على ما بينا ، ونترك ما التزموا به ، ثم نذكر ما يدل على الازمنة الثلاثة بالنسبة الى زمان التكلم ، فهنا فصول اربعة.

الفصل الاول

فيما استعمل من الافعال مجازا من حيث الزمان على مسلك القوم ، وهى حقيقة على مسلكنا ، ليس فيها تجوز ، ودونك بعضا منها.

الاول قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ـ ١٦ / ١٢٤ ، يرشد الى ان تلبس ربك بالحكم بين العباد يوم القيامة ، كما قال تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) ـ ٥٥ / ٣١.

الثانى قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) ـ ٣٥ / ٩ ، اتى ارسل وسقنا واحيينا

٨٩٩

بصيغة الماضى لافادة انها امور متحققة فى احيان الدهر من دون نظر الى الزمن السابق على نزول الآية او الآتى بعده ، واتى تثير بصيغة المضارع لافادة ان الرياح حين وجودها ووجود السحاب متلبسة باثارتها اياه ، فلم يعبر بالخاضر عن الماضى ولا العكس.

الثالث قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ٣ / ٥٩ ، اتى بصيغة المضارع مع الفاء لافادة ان المخاطب بكن التكوينية متلبس بثوب الوجود بلا وقفة.

الرابع قوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) ـ ٢٢ / ٣١ ، اى من تلبس بالشرك فكونه كالخار من السماء امر متحقق ، ثم يتبلس بخطفة الطير او هوى الريح به فى مكان سحيق ، والكلام تمثيل لهلاكه المعنوى ، والآية صريحة فى عدم دخل المضى والحال والاستقبال فى ذلك.

الخامس قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ـ ٢٨ / ٥ ـ ٦ ، اتى باستضعفوا وما كانوا لافادة ان الاستضعاف كان متحققا فى بنى اسرائيل لجور فرعون واصحابه ، وان الحذر كان متحققا فى فرعون واصحابه لاخبار المعبرين بابادة ملك فرعون ، واتى بصيغة المضارع فى سائر الافعال لافادة انه تعالى شرع واخذ بارادته فى تلك الامور ، فلم يعبر بالحاضر عن الماضى ولا العكس.

السادس قوله تعالى : (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) ـ ١٢ / ٧١ ـ ٧٢ ، اى نحن متلبسون بفقد ان الصواع ، وكذا تفقدون ، فلم يعبر بالحاضر عن الماضى.

السابع قوله تعالى فى غزوة احد : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ

٩٠٠