علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ـ ٥٧ / ٢٩ ، (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) ـ ٧٣ / ٢٠ ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ـ ٢٠ / ٨٩ ، واما القلبى الظنى بمادة الظن او بغيرها فجاز فى المضارع النصب والرفع ، وقرئ فى هذه الآية بكليهما : وحسبوا ان لا تكون فتنة ـ ٥ / ٧١ ،.

الثالث ان الناصبة لا تدخل على فعل جامد بخلاف المخففة ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ـ ٥٣ / ٣٩ ، (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ـ ٧ / ١٨٥.

الرابع ان الناصبة لا تدخل على رب بخلاف المخففة كما فى هذين البيتين.

تيقّنت ان ربّ امرئ خيل خائنا

١٥٠٧ امين وخوّان يخال امينا

اجدّك ما تدرين ان ربّ ليلة

١٥٠٨ كانّ دجاها من قرونك ينشر

الخامس ان الناصبة لا يفصل بينها وبين مدخولها شىء غير لا النافية بخلاف المخففة ، نحو قوله تعالى : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) ـ ٧٢ / ٥ ، (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ـ ٧٢ / ١٦ ، (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) ـ ٧٢ / ٢٨ ، (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) ـ ٤ / ١٤٠ ، وكما فى هذه الابيات.

واعلم فعلم المرء ينفعه

١٥٠٩ ان سوف ياتى كلّ ما قدرا

واذا رايت من الهلال نموّه

١٥١٠ ايقنت ان سيكون بدرا كاملا

فان عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا

١٥١١ ان سوف تلقون خزيا ظاهر العار

تنبيهات

١ ـ التزموا بكون ان فى هذه المواضع مخففة مع انهما فى الشكل والمصدرية واحد لان المخففة باعتبار اصلها تفيد التحقيق والتاكيد فتكون انسب بما بعد العلم وعلى الجملة الاسمية والفعلية التى صدرت بهذه الكلمات ، وسميت هذه الكلمات

٨٦١

الواقعة بعد ان المخففة بكلمات التعويض ، كانها عوض عن النون التى سقطت عنها ، والحاصل ان الناصبة تدخل على المضارع وتنصبه ان لم يكن بينهما شىء غير لا النافية ، وعلى الماضى ان لم يكن بينهما شىء مطلقا ، ولم تكن بعد ما يفيد معنى العلم كالايقان والكشف والتبيين والرؤية القلبية والنظرة الفكرية والعرفان والظهور والايحاء والالهام وغيرها ، وان فقدت هذه الشروط فان مخففة فلا عمل لها فى المضارع.

٢ ـ التزم بعض النحاة بان المخففة لا تلغى عن العمل ، وان الجملة الواقعة بعدها خبرها وان اسمها دائما ضمير شان مقدر ، وهذا التزام بلا ملزم لا يترتب عليه ثمرة.

٣ ـ ان مفسرة ، ومر ذكرها فى المبحث العاشر ، وناصبة ومخففة ، ذكرناهما فى هذا المبحث ، وزائدة ، وياتى ذكرها فى خاتمة الكتاب.

٤ ـ ما

وهى حرف مصدرى تدخل على الجملة الاسمية والفعلية ، واكثر دخولها على الجملة الماضوية.

مثالها على الماضوية قوله تعالى : (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) ـ ٢٨ / ٢٥ ، اى اجر سقايتك لنا ، (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) ـ ٣٨ / ٢٦ ، اى بنسيانهم يوم الحساب ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) ـ ٢ / ١٠ ، اى بكذبهم ، (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) ـ ٩ / ١٢٨ ، اى عزيز عليه عنتكم ، و (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) ـ ٩ / ١١٨ ، اى برحبها ، والباء بمعنى مع ، (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) ـ ٣ / ١١٨ ، اى ود الكفار عنتكم ، (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) ـ ٣٢ / ١٤ ، اى بنسيانكم ، والباء سببية ، (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) ـ ٣٦ / ٢٦ ـ ٢٧ ، اى بمغفرة ربى

٨٦٢

لى ، والباء متعلقة بيعلمون.

مثالها على المضارعية قوله تعالى : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) ـ ٢١ / ١١٢ ، اى على وصفكم اياى بالجنون والسحر والكذب والشعر ، (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) ـ ٢١ / ١٨ ، اى من وصفكم لنبينا بذلك.

مثالها على الاسمية قول على عليه‌السلام : والله لو انماثت قلوبكم انمياثا وسالت عيونكم من رغبة اليه او رهبة منه دما ثم عمرتم فى الدنيا ما الدنيا باقية ما جزت اعمالكم ولو لم تبقوا شيئا من جهدكم انعمه عليكم العظام وهداه اياكم للايمان ، اى عمرتم فى الدنيا بقاء الدنيا ، وما المصدرية قسمان : زمانية وغير زمانية ، مر مثال غير الزمانية ومثال الزمانية قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) ـ ١٩ / ٣١ ، اى مدة دوامى حيا ، (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) ـ ٦٤ / ١٦ ، (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) ـ ١١ / ٨٨ ، وكما فى هذه الابيات.

ورجّ الفتى للخير ما ان رايته

١٥١٢ على السنّ خيرا لا يزال يزيد

اعلاقة امّ الوليّد بعد ما

١٥١٣ افنان راسك كالثغام المخلس

اجارتنا انّ الخطوب تنوب

١٥١٤ وانّى مقيم ما اقام عسيب

ثم ان ما المصدرية غير الزمانية تدخل عليها حرف التشبيه وتقع بين المتماثلين ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) ـ ٢ / ١٣ ، اى آمنوا كايمان الناس ، (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) ـ ٢٨ / ٧٧ ، (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) ـ ٧ / ١٣٨ ، اى ليكن لنا الاه بجعلك ككون آلهة لهم ، ومنه قولهم : كن كما كنت ، اى كن الان ككونك فيما مضى ، او كن فى الظاهر ككونك فى الباطن ، وياتى على هذا الاسلوب نفس المصدر ، نحو قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) ـ ٢ / ٢٠٠ ، ودخول ما المصدرية على الفعل الجامد نادر كما فى هذا البيت.

٨٦٣

اليس اميرى فى الامور بانتما

١٥١٥ بما لستما اهل الخيانة والغدر

٥ ـ لو

وهى ترد شرطية ، ومر ذكرها فى المبحث الرابع ، وللتمنى والعرض ، ومر ذكرها فى المبحث السابع ، وحرفا مصدريا ، واكثر وقوعها بعد مادة الود ، نحو قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) ـ ٢ / ٩٦ ، اى تعمير الف سنة ، (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) ـ ٦٨ / ٩ ، اى ودوا ادهانك فادهانهم ، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) ـ ٤ / ٨٩ ، وكما فى هذه الابيات.

وربّما فات قوما جلّ امرهم

١٥١٦ من التانّى وكان الحزم لو عجلوا

تجاوزت احراسا عليها ومعشرا

١٥١٧ علىّ حراصا لو يسرّون مقتلى

ما كان ضرّك لو مننت وربّما

١٥١٨ منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

٦ ـ كى

وهى حرف مصدرى ينصب المضارع ، ولا يتوسط بينهما غير لا النافية ، فهى كان المصدرية معنى وعملا ، نحو قوله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ـ ٥٧ / ٢٣ ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) ـ ١٦ / ٧٠ ، وقوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ـ ٥٩ / ٧ ، اى لكيلا يكون ، (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ـ ٢٨ / ١٣ ، اى لكى تقر ، والاولى فى نحو الآيتين ان يقال : ان كى حرف المصدر ، والتعليل باللام المقدرة نظير اختها ان فى هذه الآيات : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ـ ٢ / ٢٥٨ ، اى لان اتاه الله الملك ، (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) ـ ٤٠ / ٢٨ ، اى لان يقول ربى الله ، (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ـ ٢ / ٢٨٢ ، اى

٨٦٤

لان تضل ، وكى تستعمل بمعنى لام التعليل ، وياتى ذكرها فى المبحث التالى.

٧ ـ الّذى

نحو قوله تعالى : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ـ ٤٢ / ٢٣ ، اى ذلك تبشير الله عباده ، وذلك اشارة الى ما فى الآية السابقة من قوله : لهم ما يشاؤون عند ربهم ، وامكن ان يكون موصولا اسميا ، والتقدير : ذلك الجزاء الذى يبشر الله به عباده ، والوجه الاول اولى لاحتياج الثانى الى الالتزام بالحذف والتقدير ، وقوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) ـ ٩ / ٦٩ ، اى وخضتم خوضا كخوضهم ، وهذا اقرب الى الحرفية مما فى الآية الاولى ، اذ لو كان اسميا لزم استعمال المفرد مكان الجمع ، ومع ذلك قيل انه موصول اسمى ، والتقدير : وخضتم كالفوج الذى خاضوا ، ومن ذلك ما فى هذا البيت.

اتقرح اكباد المحبّين كالّذى

١٥١٩ ارى كبدى من حبّ بثنة تقرح

٨ ـ عن

قال ابن هشام فى حرف عن : الوجه الثانى ان تكون حرفا مصدريا ، وذلك ان بنى تميم يقولون فى نحو اعجبنى ان تفعل : اعجبنى عن تفعل ، قال ذو الرمة.

اعن ترسّمت من خرقاء منزلة

١٥٢٠ ماء الصبابة من عينيك مسجوم

وكذا يفعلون فى ان المشدده فيقولون اشهد عن محمدا رسول الله ، وتسمى عنعنة تميم.

هنا امور

الامر الاول كثيرا يحذف لا النافية بعد ان المصدرية ، فتقدر لاقتضاء المعنى ذلك ، كحذف لام التعليل عنها ، نحو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) ـ ١٧ / ٤٦ ، اى لئلا يفقهوه ، وقيل : التقدير كراهة ان

٨٦٥

يفقهوه ، وقيل : فى جعلناالخ معنى المنع ، اى منعناهم من ان يفقهوه ، (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ـ ٤ / ١٧٦ ، اى لئلا تضلوا ، (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ـ ٢٢ / ٦٥ ، اى لئلا تقع ، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) ـ ٧ / ١٧٢ ، اى لئلا تقولوا ، وقيل فى هذه الآيات نظير ما قيل فى الآية الاولى من تقدير لفظ كراهة.

الامر الثانى ان المصدر المؤول والمصدر الصريح ليسا سواء فى كل شىء ، بل بينهما فرق فى المعنى وفرق فى الاستعمال ، واما فى المعنى فالمصدر الصريح له احكامه من الوحدة والجنس والخصوص والعموم وغيرها مما ثبت للاسماء ، واما المصدر المؤول فليست له هذه الاحكام ، بل له احكام الجملة من حيث الاسناد والمسند والمسند اليه ، واما افتراقهما فى الاستعمال ففى مواضع.

١ ـ يجوز فى المصدر المؤول حذف الجار وصيرورته منصوبا بنزع الخافض قياسا بخلاف المصدر الصريح ، ومر تفصيله فى المبحث العشرين من المقصد الاول.

٢ ـ يجوز ان يسد المصدر المؤول مسد جزئى الاسناد فى باب افعال القلوب كما مر فى المبحث الخامس من المقصد الاول ، ووقوع ان ومدخولها موقع جملة الشرط فى باب لو كما مر فى المبحث الرابع ، ووقوع ان ومدخولها موقع الجزءين فى باب عسى كما مر فى المبحث الرابع من المقصد الاول ، بخلاف المصدر الصريح فانه لا يقع فى هذه المواقع.

٣ ـ ان المصدر الصريح ينوب عن ظرف الزمان بخلاف المصدر المؤول ، تقول : جئتك طلوع الشمس ، ولا تقول : جئتك ان تطلع الشمس.

٤ ـ ان المصدر المؤول لا يفع مفعولا مطلقا ولا يوصف كالجملة بخلاف الصريح.

٥ ـ المصدر المؤول يقع موقع الجملة بعد حرف مصدرى آخر ، بخلاف الصريح ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ

٨٦٦

تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) ـ ٣ / ٣٠ ، (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) ـ ٥١ / ٢٣.

الامر الثالث قد يكون فى اللفظ الواحد تأويلان احدهما اثر الآخر ، وذلك فى موارد.

١ ـ قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) ـ ١٠ / ٣٧ ، ان يفترى مؤول بالافتراء ، وهو مؤول بمفترى.

٢ ـ قولهم فى نحو قاموا ما خلا زيدا وكذا ما عدا ، على القول بان ما مصدرية ، فانهما مؤولان بالخلو والعدو ، وهما مؤولان بخالين وعادين ، ويكونان حالين من فاعل الفعل المذكور ، اى قاموا خالين من زيد عادين عنه ، ولكن المذهب السهل ما ذكرنا فى مبحث ادوات الاستثناء.

٣ ـ قولهم فى نحو زيد اعقل من ان يكدب ، فانه مؤول بالكذب ، وهو مؤول بالكاذب ، اى اعقل من الكاذب ، والمراد انه لا يكذب اذ ليس ناقص العقل كالانسان الكاذب.

٤ ـ فى نحو قوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) ـ ٥ / ٥٢ ، ان ياتى مؤول بالاتيان ، وهو مؤول بآتيا ، وليس منه نحو قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ـ ١٧ / ٧٩ ، فالتقدير فيه : عسى بعث ربك اياك مقاما محمودا حاصلا.

٥ ـ ما فى هذين البيتين.

لعمرك ما الفتيان ان تنبت اللحى

١٥٢١ ولكنّما الفتيان كلّ فتى ندى

حتّى يكون عزيزا فى نفوسهم

١٥٢٢ او ان يبين جميعا وهو مختار

الامر الرابع من الجمل ما يؤول بالمصدر من دون حرف مصدرى مذكور او مقدر ، وذلك فى موارد.

١ ـ الجملة المضاف اليها ، ومر ذكرها فى المبحث الاول والثالث والتاسع

٨٦٧

فى المقصد الثانى.

٢ ـ الجملة الواقعة بعد همزة التسوية وام المعادلة لها كما مر فى اول المبحث ، ولم يعهد من القوم اطلاق الحرف المصدرى على الهمزة وام فى ذلك الاسلوب ، وان قلت انت لا يعاقبك الله تعالى.

٣ ـ تسمع بالمعيدىّ خير من ان تراه برفع تسمع كما هو رواية فيه ، وعلى رواية النصب فان مقدرة.

فى الكافى عن ابى بصير قال : سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان امير المؤمنين عليه‌السلام يقول : يا طالب العلم انّ العلم ذو فضائل كثيرة. فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد ، واذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حسن النّيّة ، وعقله معرفة الاشياء والامور ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمّته السلامة ، وحكمته الورع ، ومستقرّة النجاة ، وقائده العافية ، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة ، وسيفه الرضا ، وقوسه المداراة ، وجيشه محاورة العلماء ، وماله الادب ، وذخيرته اجتناب الذنوب ، وزاده المعروف وماواه الموادعة ، ودليله الهدى ، ورفيقه محبّة الاخيار.

٨٦٨

المبحث الثانى عشر

فى حروف التعليل ، والتعليل تبيين العلة ، وهى فى اللغة حدث يحل محلا فيغير حال المحل ، ولذلك يقال للمرض العلة ، وفى الاصطلاح هى السبب ، والسبب ما له مدخلية فى حصول الشئ ، ويقال لذلك الشئ المسبب ، ويقال لتلك الحروف حروف التعليل لانها تبين ان مدخولها له مدخلية فى حصول متعلقها ، والسبب اما تحصيلى او حصولى كتقسيم المفعول له اليهما على ما مر فى المبحث الحادى عشر من المقصد الاول ، وحروف التعليل اربعة عشر : اللام ، الباء ، حتّى ، كى ، من ، فى ، اذ ، لعلّ ، الكاف ، على ، عن ، الفاء ، الواو ، انّ.

١ ـ اللام

وهى ام الباب واكثرها استعمالا ، فلذا سميت بالخصوص بلام التعليل ، وهى تقع فى مواضع.

الاول تدخل على ان المفتوحة ، نحو قول على عليه‌السلام : اللهم انت الصاحب فى السفر وانت الخليفة فى الاهل ولا يجمعهما غيرك لان المستخلف لا يكون مستصحبا والمستصحب لا يكون مستخلفا ، وقوله الآخر : اما والذى نفسى بيده ليظهرن هولاء القوم عليكم ليس لانهم اولى بالحق منكم ولكن لاسراعهم الى باطل صاحبهم

٨٦٩

وابطائكم عن حقى.

الثانى تدخل على المضارع المتوسط بينهما ان المصدرية المذكورة او المقدرة ، نحو قوله تعالى : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ـ ٦٧ / ٢ ، وقولك : اتيتك لان تعلمنى ، ومر ذكر من هذا فى المبحث الحادى عشر.

الثالث تدخل على المفرد مضافا وغير مضاف ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) ـ ٧٦ / ٩ ، (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) ـ ٧٤ / ٧ ، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ـ ٥٤ / ١٧ ، (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) ـ ٧٢ / ٩.

الرابع تدخل على ما الاستفهامية ، نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) ـ ٦١ / ٢ ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) ـ ٣ / ٧٠.

الخامس تدخل على ما المصدرية نحو قوله تعالى : على بعض القراءات : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) ـ ٣٢ / ٢٤ ،

السادس تدخل على المشتغات له ، نحو يا لله للمظلوم ، اى استغيثك يا الله للمظلوم ، ومر ذكر المنادى المستغاث فى المبحث الثانى.

ولان اللام ام الباب لا يقدر غيرها عند الحذف ، نحو قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) ـ ٨٠ / ١ ـ ٢ ، اى لان جاءه ، (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) ـ ٤٩ / ١٧ ، اى لان اسلموا ، (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢٦ / ٥١ ، اى لان كنا ، وكذا المضارع ، ومر مثالها فى المبحث الحادى عشر.

٢ ـ الباء

ويقال لها باء السبب والباء السببية ، وهى تقع فى مواضع.

الاول تدخل على ان ، نحو قوله تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ـ ٧ / ١٣٦ ، (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) ـ ٤٧ / ٣.

٨٧٠

الثانى تدخل على ما المصدرية ، نحو قوله تعالى : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) ـ ١٨ / ١٠٦ ، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) ـ ٧٦ / ١٢ ، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) ـ ٦٩ / ٢٤.

الثالث تدخل على ما الموصولة ، نحو قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) ـ ٥٨ / ٨ ، (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) ـ ١٦ / ١١٢ ، (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ـ ٦٢ / ٧.

الرابع تدخل على المفرد مضافا وغير مضاف ، نحو قوله تعالى (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) ـ ٣ / ١٤٥ ، (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) ـ ٤٢ / ٥٢ ، وقول على عليه‌السلام : بالايمان تكون النجاة ، وبالعقل يستخرج غور الحكمة ، وبذكر الله تستنزل الرحمة ، وقوله : بنا اهتديتم فى الظلماء وتسنمتم العلياء وبنا انفجرتم عن السرار.

الخامس تدخل على ما الاستفهامية ، نحو قول الحسين عليه‌السلام يوم العاشور خطابا لشيعة آل ابى سفيان : بم تستحلون دمى ، فاجابوه : ببغضنا لابيك.

٣ ـ حتّى

وهى للغاية ، وقد مر ذكرها واحكامها فى المبحث الثانى من المقصد الثانى ، وافادتها التعليل اذا دخلت على المضارع ، وليس ذلك الا بالقرينة ، نحو قوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) ـ ٦٣ / ٧ ، تعليل للا تنفقوا حسب زعمهم ، (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) ـ ٢ / ٢١٧.

٤ ـ كى

وقد مر فى المبحث الحادى عشر انها حرف مصدرى ناصب للمضارع ، وتدخل

٨٧١

على ما الاستفهامية وتفيد معنى اللام ، فى نحو قولهم : كيمه بمعنى لمه ، وتدخل على المضارع فيكون منصوبا ، نحو قوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ـ ٥٩ / ٧ ، وكما فى هذا البيت.

القى الصحيفة كى يخفّف رحله

١٥٢٣ والزاد حتّى نعله القاها

والقوم فى امثال هذا فريقان : فريق على ان كى جارة بمعنى اللام ، والنصب بان المقدرة بعدها ، وفريق على انها ناصبة والتعليل باللام المقدرة قبلها ، وفى هذا البيت.

اذا انت لم تنفع فضرّ فانّما

١٥٢٤ يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع

يقول الفريق الاول ان ما مصدرية ، والفريق الثانى انها كافة ، وجاء كى فى هذه الابيات مع اللام وما وان ، والبيان فى شرح الشواهد الشعرية.

فقالت اكلّ الناس اصبحت مانحا

١٥٢٥ لسانك كيما ان تغرّ وتخدعا

واوقدت نارى كى ليبصر ضوءها

١٥٢٦ واخرجتكلبى وهوفى البيت داخله

اردت لكيما ان تطير بقربتى

١٥٢٧ فتتركها شنّا ببيداء بلقع

٥ ـ من

تاتى للتعليل مع اعتبار كون مدخولها مبدا لمتعلقه لان المعلول يبتدء من العلة ، نحو قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ـ ٥٩ / ٢١ ، (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) ـ ٧١ / ٢٥ ،

٦ ـ فى

نحو قوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) ـ ١٢ / ٣٢ ، وقد مر ذكرها فى المبحث الثانى من المقصد الثانى.

٧ ـ اذ

وهى تاتى للشرط ومر ذكرها فى المبحث الرابع ، ومثالها للتعليل قوله تعالى :

٨٧٢

(وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٤٦ / ٢٦ ، (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ـ ٤٣ / ٣٩ ، اى لن ينفعكم اشتراككم فى العذاب لانكم ظلمتم فى الدنيا ، وكما فى البيتين.

انّ محلّا وانّ مرتحلا

١٥٢٨ وانّ فى السفر اذ مضوا مهلا

فاصبحوا قد اعاد الله نعمتهم

١٥٢٩ اذ هم قريش واذ ما مثلهم بشر

ومثل فى المغنى بآيات اخرى هى فيها اقرب الى الشرط من التعليل مع ان الشرط مطلقا له سببية للجزاء على ما مر بيانه فى المبحث الرابع ، والظاهر ان اذ الممحوضة للتعليل حرف ، ونقل فى المغنى اختلاف القوم فى انها حرف او ظرف.

٨ ـ لعلّ

قال فى المغنى : الثانى من معانى لعل التعليل ، اثبته جماعة منهم الاخفش والكسائى ، وحملوا عليه قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) ـ ٢٠ / ٤٠.

اقول : لو كان لعله بمعنى لانه لزم الكذب ، لان فرعون اللعين لم يتذكر ولم يخش ، بل بقى على عتوه وعلوه حتى غرق فى اليم ، والحامل لهذه الجماعة على ذلك ان الترجى منه تعالى ممتنع ، فليقل لهم احد فما تفعلون بغيرها من الآيات فانه تعالى تكلم بهذه الكلمة فى كتابه اكثر من مائة موضع ، وقد ذكرنا توجيه صدورها منه تعالى فى المبحث الثانى من المقصد الاول.

٩ ـ ١٠ ـ ١١ ـ الكاف ، على ، عن

وقد مر منها ذكر فى المبحث الثانى من المقصد الثانى فراجع.

٨٧٣

١٢ ـ الفاء

نحو قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) ـ ٤٩ / ١٢ ، اى لا تحبون لانكم كرهتموه ، ومر فى حرف الفاء من المبحث الاول افادتها معنى السببية.

١٣ ـ الواو

قال ابن هشام فى المغنى : الثالث من استعمالات الواو لغير العطف ان تكون بمعنى لام التعليل ، قاله الخارزنجى وحمل عليه الواوات الداخله على الافعال المنصوبة فى قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ـ ٤٢ / ٣٣ ـ ٣٤ ، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ـ ٣ / ١٤٢ ، (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٦ / ٢٧ ، والصواب ان الواو فيهن للمعية كما سياتى ، انته ، اقول : هذا هو الحق ، وقد مر الكلام فى هذه الواو والمضارع المنصوب بعدها فى المبحث الحادى عشر.

١٤ ـ انّ

نحو قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ـ ٧٩ / ١٧ ، (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ـ ٦٩ / ٣٠ ـ ٣٤ ، (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٥٨ / ١٥ ، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) ـ ٥١ / ١٥ ـ ١٦ ، (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) ـ ١١ / ٤٩ ، (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ

٨٧٤

وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ـ ٩ / ١٠٣.

ويجوز لهذه اللفظة فى موضع التعليل كسر الهمزة وفتحها ، لكن الكسر اكثر واحسن ، ومر ذكر منها فى المبحث الثانى من المقصد الاول ، وقرئ بالوجهين قوله تعالى : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) ـ ٥٢ / ٢٧ ـ ، انا الخ تعليل لوقينا ، وانه الخ تعليل لندعوه ، وهذا قرئ بالوجهين ، فعلى الفتح تعليل افرادى محلها منصوب بنزع الخافض الذى هو اللام ، وعلى الكسر تعليل جملى والجملة مستانفة ، وهى فى المعنى جواب سؤال مقدر ، كانهم لما قالوا انا كنا من قبل ندعوه قيل لهم لم فعلتم ذلك فاجابوا انه هو البر الرحيم.

تتميم

يستفاد التعليل من اساليب ، منها جملة الشرط بالنسبة الى الجزاء ، ومر بيان ذلك فى المبحث الرابع.

ومنها الجملة الحالية ، نحو قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ـ ٥٠ / ١٦ ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ) الخ يستفاد منه التعليل لنعلم ، (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ـ ٥ / ٢٨ ، (وَقَدْ قَدَّمْتُ) الخ يستفاد منه التعليل للاتختصموا لدى ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) ـ ٦٠ / ١ ، وقد كفروا يستفاد منه التعليل للاتتخذوا ، وكذا الحال المفرد نحو قولك : جاءنى زيد سائلا محتاجا.

ومنها المفعول له ، وقد مر ذكره فى المبحث الحادى عشر من المقصد الاول.

ومنها اجل مضافا الى المفرد الصريح او المؤول مع من او بدونها ، نحو قوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ـ ٥ / ٣٢ ، ذلك اشارة الى نبا ابنى

٨٧٥

آدم ، وكقول الشاعر.

اجل انّ الله قد فضّلكم

١٥٣٠ فوق من احكى بصلب وازار

وهذا ماخوذ من اجل بفتحتين بمعنى غاية الوقت ، فان غاية الفعل قسم من السبب ، فاذا استعمل مع من فالظرف متعلق بالفعل ككتبنا فى الآية مثلا ، وبدون من فهو مفعول له لذلك الفعل ، وقد يخفف ويقال : اجنّك ، كما تقول : فعلت ذلك اجنك اخى ، اى اجل انك اخى.

ومنها بيد مضافا الى الاسم المؤول ، نحو ما فى الحديث : انا افصح من نطق بالضاد بيد انى من قريش واسترضعت من بنى سعد بن بكر ، وهو بمعنى اجل ، ونصبه على انه مفعول له وقيل : انه بمعنى الا ، وقد مر فى المبحث الثالث.

فى الكافى عن سليم بن قيس قال : سمعت امير المؤمنين عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : منهومان لا يشبعان : طالب دنيا وطالب علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما احلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك ، الّا ان يتوب او يراجع ، ومن اخذ العلم من اهله وعمل بعلمه نجا ، ومن اراد به الدنيا فهو حظّه.

٨٧٦

المبحث الثالث عشر

فى طالبات الصدارة ، كثيرا يرى فى كتب النحو وصف الكلمة بالصدر والصدارة ، ويقال : ان كلمة كذالها الصدر والصدارة ، ومعناه : كون الكلمة فى ابتداء الجملة وعدم جواز تقدم شىء من اجزاء تلك الجملة عليها ، وما له الصدر اصناف من الكلمة.

الصنف الاول

الحروف المشبهة بالفعل ، ان واخواتها ، فانها لا يتقدم عليها شىء من اجزاء الجمل التى تدخل عليها ، لا اسمائها ولا اخبارها ولا معمولاتهما مطلقا ، ولكن تدخل عليها اصناف من الحروف التى ليست بعاملة كحروف العطف والاستفهام والتنبيه ، ولا يدخل عليها عامل الا ان المفتوحة ، فانها يدخل عليها كل عامل لانها مع مدخولها بمنزلة المفرد ، واما غيرها فيقع حيث يقع الجملة معمولة كانت او غير معمولة ، وقد مر بيان الجمل التى لها محل من الاعراب والتى ليس لها محل منه فى المبحث التاسع من المقصد الثانى ، ولام الابتداء لها بعض الصدارة ، وياتى ذكرها فى خاتمة الكتاب.

الصنف الثانى

حروف العطف ، فلا يتقدم عليها شىء من المعطوف حتى ما له الصدر

٨٧٧

الا همزة الاستفهام فانها اذا كانت فى جملة معطوفة بالواو او بالفاء او بثم قدمت على العاطف ، فلذا قالوا : ان للهمزة تمام الصدارة ، نحو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ ٧ / ١٨٥ ، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ـ ١٢ / ١٠٩ ، (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) ـ ١٠ / ٥١ ، واما غير هذه الثلاثه من حروف العطف فلا يجتمع مع الهمزة.

واما غير الهمزة من ادوات الاستفهام وان كان لها الصدارة ، ولكنها تقع بعد حروف العطف كما هو قياس جميع اجزاء الجملة المعطوفة ، نحو (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) ـ ٣ / ١٠١ ، (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) ـ ٨١ / ٢٦ ، (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ـ ٦ / ٩٥ ، (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) ـ ٤٦ / ٣٥ ، (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) ـ ٦ / ٨١ ، (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) ـ ٤ / ٨٨ ،.

وهنا قولان آخران : احدهما ان هذه الحروف الواقعة بعد الهمزة ليست عاطفة ، بل حروف قطع واستيناف فالهمزة داخلة على جملة مستانفة ، والثانى ان المعطوف عليه ليس ما وقع قبل الهمزة ، بل هو مقدر بين الهمزة وحرف العطف ، فالتقدير فى افلم يسيروا فى الارض مثلا : اوقفوا فى مكان واحد فلم يسيروا فى الارض وهكذا ، ولا يخفى ان فى هذا القول تكلفا وبرودة ، والقول الآخر لا يترتب على خلافه ثمرة ، مع ان العطف فى كثير من الموارد ظاهر لا معدل عنه ، نحو قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) ـ ٣ / ١٤٤ ، وان حروف الاستيناف هى حروف العطف فيما لا يستقيم العطف.

الصنف الثالث

المضاف فان له الصدارة على المضاف اليه ومعموله ، فلا يجوز تقدم المضاف اليه ولا معموله عليه ، ومن ذلك اسماء الشرط الظرفية فانها مضافة الى الجمل

٨٧٨

الشرطية ، فلا يتقدم عليها شىء من تلك الجمل ، واما الجمل الجزائية فتعمل فيها ، ولا يمنعها عن العمل ما يدخل عليها من الفاء واللام وان وغيرها ، واما اسماء الشرط غير الظرفية فلها الصدارة على جملة الشرط ، ولكن لا باس بدخول الحروف العاملة عليها كغير العاملة ، نحو قوله تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ـ ٨٢ / ٨ ، وكما فى هذه الابيات.

انّ من يدخل الكنيسة يوما

١٥٣١ يلق فيها جآذرا وظباء

وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه

١٥٣٢ ولكنّ من يبصر جفونك يعشق

ولكنّ من لا يلق امرا ينوبه

١٥٣٣ بعدّته ينزل به وهو اعزل

انّ من لام فى بنى بنت حسّا

١٥٣٤ ن المه واعصه فى الخطوب

والحاصل ان اسماء الشرط ظرفية او غير ظرفية ليس لها صدارة الا على الجمل التى تدخل عليها ، ولذلك قالوا ان ملعونين ليس حالا لما بعد اسم الشرط فى قوله تعالى : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) ـ ٣٣ / ٦١ ، بل انه حال بتقدير اذمهم ملعونين ، وكذا حروف الشرط.

وكذا الكلام فى الموصول حرفا كان او اسما ، فلا يتقدم عليه صلته ولا معمولها الا ال الموصولة ، وذلك قليل فى الكلام ، نحو قوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) ـ ١٢ / ٢٠ ، فان فيه متعلق بالزاهدين.

الصنف الرابع

حروف التنبيه ، فلها صدر الكلام على غيرها حتى حروف العطف ، الّاها الداخلة على اسم الاشارة فانها تقع وسط الكلام نحو قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) ـ ٢ / ٨٥ ، فلها الصدارة العليا ، ثم لحروف العطف ، ثم لحروف النداء ثم لسائر الحروف.

قال الرضى فى باب الحروف المشبهة بالفعل : كل ما يغير معنى الكلام ويؤثر

٨٧٩

فى مضمونه وكان حرفا فمرتبته الصدر كحروف النفى الالم ولا ولن وكحروف التنبيه والاستفهام والتشبيه والعرض والتحضيض وغير ذلك.

الصنف الخامس

الافعال والاسماء العاملة الشبيهة بالافعال فان لها الصدر على مرفوعاتها ، ولا يتصور تقدم المرفوع عليها لانه اما فاعل او نائبه ، وهو ليس الا ضميرا مستترا او ظاهرا او اسما ظاهرا ، واما المنصوبات فتتقدم على الافعال الا افعال القلوب ، فان تقدم عليها احد مفعوليها او كلاهما خرجا عن المفعولية كما مر فى باب الالغاء فى المبحث الخامس من المقصد الاول ، وكذا التوابع لا يتقدم على المتبوعات ولا معمول التوابع لان تقدمها خروجها عن التابعية ، وكذا جملة الشرط لها الصدارة على الجزاء ، فان توسط بين الشرط او تقدم عليه خرج عن كونه جزاء حسب قواعد الصناعة على ما مر بيانه فى المبحث الرابع.

ومن الاسماء التى لها الصدر ما التعجبية وكم وكاين والاسم المقسم به على جواب القسم واسماء الافعال على مرفوعاتها ومنصوباتها ، واعلم انه ان وقع ما له الصدر على صدر الجملة الخبرية او الوصفية او الحالية او الصلة او المعطوفة لا يضر بصدارته تقدم المبتدا وغيره مما يتقدم عليها ، اذ قلنا ان معنى الصدارة كون الكلمة فى ابتداء الجملة بحيث لا يتقدم شىء منها عليها ، وقد عرفت ان بعض الصدارات نسبى ، وكذا لا يضر تقدم المضاف على ما له الصدر ، نحو قولك : غلام من تضرب؟ وقد مر فى اثناء بعض المباحث ما يرجع الى هذا المبحث فلا تغفل.

فى الكافى عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : عالم ينتفع بعلمه افضل من سبعين الف عابد.

٨٨٠