علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

من المقصد الثانى.

٧ ـ فى مقام الحال ، نحو قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ـ ٨ / ٥ ، وياتى ذكر الحال فى المبحث الرابع عشر.

٨ ـ فى مقام النعت لاسم الذات ، نحو رايت رجلا انه من صناديد القوم ، وذلك لما قلنا فى الخبر عن اسم الذات.

٩ ـ بعد القول على المفعولية ، نحو قوله تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) ـ ١٩ / ٣٠ ، وياتى تفصيله فى مبحث الجمل فى المقصد الثانى.

١٠ ـ فى مقام التابعية لواحدة من المذكورات ، ومبحث التوابع فى آخر المقصد الثانى ، وفى غير هذه المواضع يجب فتح همزتها او يجوز الوجهان ، وياتى الان تفصيله.

٢ ـ انّ

وهى كاختها تفيد تاكيد الاسناد ، ولها احكام.

الحكم الاول

انها مع معموليها جملة فى الصورة ومفردة فى تركيب الكلام لانها مع مدخولها فى تاويل المصدر المضاف ، فيقع فاعلا ونائبا عنه ومبتدا وخبرا ومفعولا وغير ذلك ،.

١ ـ مثال الفاعل قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) ـ ٢٩ / ٥١ ، والتاويل انزالنا عليك الكتاب ، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ـ ٩ / ١١٤ ، ومن هذا القبيل ما وقع بعد لو نحو قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) ـ ٢ / ١٠٣ ، والتاويل : ولو ثبت ايمانهم وتقويهم ، وياتى ذكر لو فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث.

٨١

٢ ـ مثال المفعول قوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ٢ / ٢٥٩ ، (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) ـ ٦ / ٨١ ،.

٣ ـ مثال نائب الفاعل قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ،) وهكذا آيات سورة الجن المعطوفة عليها ، (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ـ ٢١ / ١٠٨ ،.

٤ ـ مثال المبتدا قوله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ـ ٣٧ / ١٤٣ ، ما بعد لو لا مبتدا محذوف الخبر ، وياتى ذكر لو لا فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث ، ومن آياته (أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) ـ ٤١ / ٣٩ ،.

٥ ـ مثال الخبر وذلك اذا لم يكن المبتدا اسم ذات كما ذكرنا من قبل ، قوله تعالى : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ـ ٣ / ٨٧ ، (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها ، وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ) ـ ٢٤ / ٧ و ٩ ، على بعض القراءات.

٦ ـ مثال المجرور بالاسم وشرطه ان لا يكون مما يجب اضافته الى الجملة كاذ وحيث واذا ، والا يجب كسر ان بعده كما ياتى بيان ذلك فى مبحث الاضافة ومبحث الجمل فى المقصد الثانى ، ومثال ما نحن فيه قوله تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) ـ ٥١ / ٢٣ ، اى مثل نطقكم ، ولفظة ما توسطت بين المضاف والمضاف اليه للتوكيد ، وفى هذه الآية من التاكيدات ما قلما يوجد فى غيرها.

٧ ـ مثال المجرور بالحرف المذكور قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ـ ٢ / ٢٧٥ ، (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ـ ٣ / ٥٢.

٨ ـ مثال المجرور بالحرف المقدر قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) ـ ٣ / ١٨ ، اى شهد بوحدانيته فى الالوهية

٨٢

الخ واختلفوا فى ان المحل بعد نزع الخافض منصوب او مجرور ، والمشهور هو الاول ، وياتى تفصيل ذلك فى الفصل الخامس من المبحث العشرين.

٩ ـ مثال التابع لواحد منها قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ٢ / ٤٧ ، اى وتفضيلى اياكم ، وهو عطف على نعمتى ، (إِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) ٨ / ٧ ، اى كونها لكم ، وهو بدل عن احدى.

مواضع جواز الوجهين

اعلم ان هذا الحرف ان وقع فيما يجب ان تقع الجملة فيه وجب كسر همزتها كما مر ، وان وقع فيما يجب ان يقع المفرد فيه وجب فتح همزتها لتؤول مع مدخولها بالمفرد ، وذلك هذه المواضع المذكورة وان وقع فيما يجوز فيه الوجهان جاز الوجهان ، وذلك فى مواضع.

١ ـ ان يقع بعد فاء الجزاء ، نحو قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٦ / ٥٤ ، قرئ بالوجهين ، وعلى الفتح فالتاويل : فغفرانه ورحمته شاملان للتائب المصلح ، وانه من عمل الخ عطف بيان للرحمة ، واحكام الشرط والجزاء تاتى فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

٢ ـ ان يقع فى موضع التعليل ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) ـ ٥٢ / ٢٨ ، قرئ بالوجهين ، وياتى تفصيل ذلك فى المبحث الثانى عشر من المقصد الثالث.

٣ ـ ان يكون صالحا للاستيناف ولان يكون معمولا لما قبله ، نحو قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ـ ٤٣ / ٣٩ ، قرئ بالوجهين ، فهو على الفتح فاعل لن ينفعكم ، وعلى الكسر جملة مستأنفة ، وفاعل الفعل تمنيكم المفهوم من الآية السابقة ، ونظيرها كثير فى الايات ، غير انه لم يقرا بالوجهين

٨٣

فى جميعها.

٤ ـ ان تقع بعد حتى ، فان كانت جارة نحو عرفت امورك حتى انك فاضل ، فهى بعدها مفتوحة الهمزة ، وان كانت ابتدائية نحو مرض زيد حتى ان قومه لا يرجونه ، فهى بعدها مكسورة الهمزة.

٥ ـ ان تقع بعد اما ، فان كانت استفتاحية كالا فهمزة ان بعدها مكسورة ، اذ وقعت فى الابتداء ، كقول على عليه‌السلام فى معاوية : اما انه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم مندحق البطن ، وان كانت بمعنى حقا فهى مفتوحة ، نحو اما انك مؤمن ، اى حق حقا عندى ايمانك وحق بمعنى ثبت ، وفى كتب النحو ههنا من جهة الاعراب والتركيب اشياء يكون الطلبة فى غنى عنها.

٦ ـ ان تكون صالحا للعطف على المفرد وعلى الجملة فعلى الاول تفتح حتى تصير مفردا ، وعلى الثانى تكسر ، كقوله تعالى : خطابا لادم : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) ـ ٣٠ / ١١٩ ، ان عطفت انك لا تظما على ان لك فتكسر ، وان عطفت على الا تجوع فتفتح ، وقد قرئ بالوجهين.

٧ ـ ان تقع بعد لا جرم ، نحو قوله تعالى : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) ـ ١٦ / ٦٢ ، وكلمة لا جرم وقعت فى خمس آيات ، ولم ينقل قراءة الكسر فيها ، ولكن المشهور جواز الوجهين ، اما وجه الفتح فان جرم فعل بمعنى ثبت يفيد التاكيد كالقسم ، وكلمة لا تنفى مضمون ما قبلها ، وليست داخلة على جزم كلا التى فى لا اقسم ، وان المفتوحة بعدها فاعله ، وتقدير الكلام فى الآية : لا يكون لهم الحسنى ثبت ان لهم النار ، واما وجه الكسر فياتى فى المبحث الرابع عشر من المقصد الثالث.

ثم قد علمت ان الجملة المصدرة بان اذا وقعت خبرا عن اسم الذات وجب كسر ان ، واذا وقعت خبرا عن اسم الحدث وجب فتحها ، ولكن جاءت مفتوحة فى هذه الآية وهى خبر عن اسم الذات : (اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ـ ٨ / ١٤ ، فان

٨٤

ما موصولة وحقيقتها الغنيمة الحاصلة ، والذى يسهل الخطب ان المبتدا والخبر كليهما فى تاويل المصدر ، والتقدير : حصول الغنيمة هو حصول خمسه لله ، وفى هذا اشارة الى ان الخمس من اول الامر لا يصير ملكا لاحد ، فوجوب الكسر فيما لم يكن المبتدا فى تاويل المصدر.

الحكم الثانى

قد تخفف ان كاختها ، فيهمل عملها وتدخل على الفعلية ايضا ، فتشبه ان الناصبة التى تدخل على المضارع ، وياتى ذكر الفروق بينهما فى المبحث الحادى عشر من المقصد الثالث.

تنبيه

قد قلنا انها اذا خففت لم تعمل ، ولكن جاء فى الشعر عملها للضرورة كما فى هذه الابيات.

لقد علم الضيف والمرملون ٥٨

اذا اغبرّ افق وهبّت شمالا

بانك ربيع وغيث مريع ٥٩

وانك هناك تكون الثمالا

فلو انك فى يوم الرخاء سالتنى ٦٠

طلاقك لم ابخل وانت صديق

وقاس ابن مالك تبعا لبعض نحاة البصرة على ما فى هذه الابيات وقال : ان تخفف لا يبطل عملها بل اسمها ضمير شان محذوف وما وقع بعدها من جملة اسمية او فعلية خبرها ، وقياسه باطل جدا ، لانه قياس كلى على جزئى وقع للضرورة ، على انها مع ما بعدها كائنا ما كان يؤول بالمفرد فما معنى تقدير ضمير الشان حتى يصير ما بعدها جملة اسمية ، والتقدير خلاف الاصل لا يصار اليه الا اذا اختل معنى الكلام لولاه.

٨٥

الحكم الثالث

تلحق بها ما الكافة فتكفها عن العمل وتدخل على الفعلية ايضا كقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ـ ٥٧ / ٢٠ ، (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ـ ٨ / ٢٨ ، (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ـ ٢١ / ١٠٨ ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) ـ ٢٨ / ٥٠.

الحكم الرابع

اذا عطف على اسمها جاز فى المعطوف النصب والرفع كما فى اختها كقوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ـ ٩ / ٣ ، قرئ رسوله بالنصب والرفع ، وقول الشاعر :

والّا فاعلموا انّا وانتم ٦١

بغاة ما بقينا فى شقاق

٣ ـ كانّ

وهى للتشبيه ، ومعنى التشبيه نسبة المشاركة بين الشيئين فى معنى ، نحو كان المؤمن جبل راسخ فى الثبات والوقار ، فالمؤمن مشبّه ، وجبل راسخ مشبّه به ، ويقال لهما : طرفا التشبيه وكان اداة التشبيه والثبات والوقار وجه التشبيه وجهة الاشتراك ، والتشبيه باب واسع فى علم البيان ، نذكر هنا طرفا منه ذكر فى كتب النحو ، واعلم انه اما تشبيه ذات بذات او تشبيه حال بحال فهنا فصلان.

الفصل الاول

فى تشبيه الذات بالذات.

نحو قوله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) ـ ٣٧ / ٦٥ ، به طلع شجرة الزقوم برؤس الشياطين فى قبح المنظر ، (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) ـ ٥٥ / ٥٨ ، اى حور الجنة فى صفاء اللون والتلألؤ ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ـ ٥٤ / ٢٠ ،

٨٦

اى قوم عاد فى طول القامة وعظم الجثة ، (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) ـ ٥٤ / ٧ ، فى الكثرة ، وما فى هذه الابيات.

كانّ برذون ابا عصام ٦٢

زيد حمار دقّ باللجام

كانّ صغرى وكبرى من فقاقعها ٦٣

حصباء درّ على ارض من الذهب

كانّ مثار النقع فوق رؤوسنا ٦٤

واسيافنا ليل تهاوى كواكبه

كانّ وقد اتى حول كميل ٦٥

اثافيها حمامات مثول

كانّى من اخبار انّ ولم يجز ٦٦

له احد فى النحو ان يتقدّما

الفصل الثانى

فى تشبيه الحال ، وكثيرا ما يكون تشبيه حال العدم بالوجود او بالعكس ونذكر له من الايات وغيرها امثله.

١ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٣١ / ٧ ، شبه سماعهم بعدم السماع ووجود قوة السمع بعدمها فى عدم التذكر والاتعاظ بآيات الله.

٢ ـ (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ـ ٤٦ / ٣٥ ، شبه لبثهم فى الدنيا مدة بلبثهم ساعة فى عدم انتفاعهم باعمارهم لاخرتهم.

٣ ـ (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ـ ٨ / ٦ ، شبه حالهم عند الجدال فى الحق بالسوق الى الموت فى كراهة الاقبال اليه.

٤ ـ (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) ـ ٧٠ / ٤٣ ، شبه حالهم عند الخروج من القبور يوم القيامة بالذهاب الى علم منصوب فى التوجه اليه ، فانهم يتوجهون الى موضع يدعون اليه.

٥ ـ قول النبى لعلى عليهما‌السلام : كانى بك وقد انبعث اشقاها يضرب على راسك ضربة تخضب بها لحيتك ، شبه حال غيابه عن تلك الواقعة

٨٧

بحال حضوره عنده فى تحقق الالم والاذى له ، فلذا اخذه البكاء عند ذكره ذلك ، والباء بمعنى مع ، وقد انبعث الخ حال من مجرور الباء.

٦ ـ قول الشاعر يرثى ميتا.

كانّى بك تنحطّ الى اللّحد وتنغطّ ٦٧

وقد اسلمك الرهط الى اضيق من سمّ

٧ ـ قولهم : كانك بالشمس وقد طلعت ، شبه حاله مع عدم طلوع الشمس بحاله مع طلوعها فى تحسره على فوت ما ياتى به قبل طلوعها من الفرائض او النوافل.

٨ ـ كانك بالشتاء مقبل ، شبه حاله فى غير الشتاء بحاله فى الشتاء فى تلبسه بثياب الشتاء او غير ذلك مما هو من لوازم الشتاء.

٩ ـ كانك بالفرج آت ، شبه حاله مع عدم الفرج بحاله مع وجود الفرج فى اظهار السرور والرضا.

١٠ ـ كانك بالدنيا لم تكن وبالاخرة لم تزل ، اى حال كونك فى الدنيا كحال عدمك فيها فى عدم التوجه والتعلق بامورها ، وحال عدمك فى الاخرة كحال وجودك فيها فى التلذد بذكرها والفرح بنعيمها ، وهذا حال المؤمن الموقن بالاخرة.

١١ ـ ومثله قول على عليه‌السلام : رحم الله امرا تفكر فاعتبر فاعتبر وابصر ، فكان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن ، وكان ما هو كائن من الاخرة عما قليل لم يزل.

١٢ ـ ومن هذا القبيل ما يكون خبرها فعلا او مشتقا ، نحو كان زيدا يقوم او قائم ، اى عدم قيامه شبيه بالقيام فى ظهور آثار القيام ، كانك جاهل ، اى حال علمك شبيه حال جهلك فى ظهور آثار الجهل ، ونحو كانك لم تعهد ، اى حال عهدك كحال عدم عهدك فى عدم المبالاة بالوفاء ، وهكذا قس على ما ذكر ما لم يذكر.

اعلم : ان الكوفيين قالوا : كان فى هذا النوع من التشبيه تفيد التقريب ، اى تقريب حال بحال ، وفيه معنى التحقيق ايضا فان المتكلم يقول : ان وجه الشبه متحقق

٨٨

فى حال العدم كما هو متحقق فى حال الوجود ، لان الاكثر فى هذا النوع تشبيه حال العدم بحال الوجود او العكس كما يشاهد فى الامثلة.

اقول : ان معنى التقريب والتحقيق ان كان فانه يفهم من فحوى الكلام لا انها مفاد كان ، نعم فى موارد قليلة لم يرد المتكلم التشبيه ، بل اراد التحقيق ، اى تصوير الامر فى ذهن السامع ، من دون ان يحكم به على سبيل القطع والتاكيد فياتى بلفظة كان لئلا يراه المخاطب مدعيا فينبعث على رده ، كقوله تعالى حكاية عن قوم موسى فى امر قارون : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) ـ ٢٨ / ٨٢ ، وكقول على عليه‌السلام فى وصيته لابنه الحسن عليه‌السلام : وكانك عن قليل قد صرت كاحدهم (الماضين) فاصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ، وفى موضع آخر : رويدا يسفر الظلام كان قد وردت الاظعان ، وكما فى هذه الابيات.

وى كان من يكن له نشب يح ٦٨

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ

كانّنى حين امسى لا تكلّمنى ٦٩

متيّم يشته ما ليس موجودا

فاصبح بطن مكّة مقشعرّا ٧٠

كانّ الارض ليس بها هشام

واما احكام كان فامور

١ ـ انها تخفف كاختيها ، وقد مر بعض الامثلة من الايات ، وتدخل على الفعلية ايضا كما فى هذه الابيات.

كانّ لم يكن بين الحجون الى الصفا ٧١

انيس ولم يسمر بمكّة سامر

كان لم يكونوا حمى يتّقى ٧٢

اذ الناس اذ ذاك من عزّبزّا

كان لم يمت حىّ سواك ولم تقم ٧٣

على احد الّا عليك النوائح

٢ ـ تلحق بها ما الكافة وتدخل على الفعلية ايضا ، وفيما مر من الآيات بعض الامثلة وفى هذا الشعر على الجملة الاسمية.

٨٩

كانّما المرّيخ والمشترى ٧٤

قدّامه فى شامخ الرفعة

منصرف باللّيل عن دعوة ٧٥

قد اسرجت قدّامه شمعة

٣ ـ نصبت معموليها وعملت مخففة فى هذين البيتين.

كانّ اذنيه اذا تشوّفا ٧٦

قادمة او قلما محرّفا

ويوما توافينا بوجه مقسّم ٧٧

كان ظبية تعطو الى وارق السلم

٤ ـ قالوا : لا يجوز العطف على محل اسم كان كلعل وليت بخلاف ان وان ولكن ، فان وجد فى كلامهم فهو المتبع.

٥ ـ يفصل بين كان ومعموليها وبين معموليها الظرف وغيره ، ويتقدم خبرها على اسمها ان كان ظرفا ، ومر بعض الامثلة ، ومنها قوله تعالى : (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) ـ ٣١ / ٧ ، وما فى هذه الابيات.

كانّ سبيئة من بيت راس ٧٨

يكون مزاجها عسل وماء

يوما يظلّ به الحرباء مصطخدا ٧٩

كانّ ضاحيه بالشمس مبلول

فلمّا تفرّقنا كانّى ومالكا ٨٠

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

٤ ـ لكنّ

وهى للاستدراك ، وهو رفع ما يحتمل خلجانه فى ذهن السامع من كلام سمعه ، كقولك : جاء زيد ، فخلج فى ذهن السامع ان عمرا ايضا جاء لانهما صديقان قلما يفترقان ، فتقول : لكن عمرا لم يجئ ، وهى من حروف العطف ياتى ذكرها فى المبحث الاول من المقصد الثالث.

٥ ـ ليت

وهى للتمنى ، وهو اظهار الحب والهوى لما يراه خيرا وحسنا لنفسه او لغيره ، فالقائل : ليت لى مالا ، يتصور المال ويقدره فى ذهنه ويراه خيرا وحسنا لنفسه و

٩٠

لمن يتعلق به ، ثم يسلك ما فى ذهنه فى قالب اللفظ ، ومن القوالب لهذا المعنى الجملة المصدرة بليت ، وتستعمل فى ممتنع الوقوع ومستبعد الوقوع ، واكثر استعمالها مع الفعل الماضى الذى لا مطمع فيه ، كقوله تعالى : (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) ـ ١٩ / ٢٣ ، (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) ـ ٧٨ / ٤٠ ، (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ـ ٢٨ / ٧٩ ، وهذا من مستبعد الوقوع وكقول الشاعر.

فيا ليت الشباب يعود يوما ٨١

فاخبره بما فعل المشيب

احكامها

١ ـ يحذف خبرها قياسا ويقدر من افعال العموم اذا كان اسمها شعرى ، نحو ليت شعرى اين استقرت بك النوى ، اى ليت معرفتى بمكانك حاصل ، فالمصدر مضاف الى فاعله ، والجملة الاستفهامية مفعولته ، وحاصل خبر ليت ، ومن ذلك ما فى هذه الابيات.

ليت شعرى عن خليلى ما الّذى ٨٢

غاله فى الحبّ حتّى ودعه

يا ليت شعرى والمنى لا تنفع ٨٣

هل اغدون يوما وشملى مجمع

الاليت شعرى هل يرى الناس ما ارى ٨٤

من الامر او يبدو لهم ما بدا ليا

بدا لى انّ الناس تفنى نفوسهم ٨٥

واموالهم لمّا ارى الدهر فانيا

٢ ـ تقترن بها ما ، فلا تزيلها عن الاختصاص بالاسم ، ويجوز حينئذ اعمالها واهمالها كما فى هذين البيتين.

يا ليتما امّنا شالت نعامتها ٨٦

ايما الى جنّة ايما الى نار

قالت الا ليتما هذا الحمام لنا ٨٧

الى حمامتنا او نصفه فقد

٣ ـ يجوز تقدم خبرها على اسمها ومعموله عليه ان كان ظرفا كما فى قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) ـ ٢٨ / ٧٩ ، وكما فى هذين

٩١

البيتين.

فليت لى بهم قوما اذا ركبوا ٨٨

شنّوا الاغارة فرسانا وركبانا

فليتك يوم الملتقى ترينّنى ٨٩

لكى تعلمى انّى امرؤ بك هائم

٤ ـ لا فرق فى ليت بين ان يكون ما يتمنى قبل زمان التكلم او معه او بعده لان الكلام لصرف اظهار الحب والهوى ، نحو قوله تعالى : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) ـ ٨٩ / ٢٤ ، هذا قبل زمان التكلم ، (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) ـ ٣٦ / ٢٦ ، هذا مع زمان التكلم ، (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) ـ ٦ / ٢٧ ، هذا بعد زمان التكلم.

٥ ـ جاءت ليت فى هذه الابيات خارجة عن القاعدة.

فليت دفعت الهمّ عنّى ساعة ٩٠

فبتنا على ما خيّلت ناعمى بال

فليت كفافا كان خيرك كلّه ٩١

وشرّك عنّى ما ارتوى الماء مرتو

يا ليت انّا ضمّنا سفينة ٩٢

حتّى يعود الوصل كيّنونة

اذ كنت فى وادى العقيق راتعا ٩٣

يا ليت ايّام الصبا رواجعا

مرّت بنا سحرا طير فقلت لها ٩٤

طوباك يا ليتنى ايّاك طوباك

ليت شعرى مسافر بن ابى عم ٩٥

رو وليت يقولها المحزون

ليت وهل ينفع شيئا ليت ٩٦

ليت شبابا بوع فاشتريت

٦ ـ لعلّ

وهى للترجى او الاشفاق ، والترجى هو توقع المرجو ، والاشفاق هو توقع المخوف ، والتوقع هو انتظار وقوع الشئ ، ويلزمهما الاردة والكراهة لما يقع ، والكلام معها يدل على الطلب ، غير انه ليس صريحا فيه كالامر والنهى ، وبهذا الاعتبار جاءت فى كلام الله تعالى ، والا فهو منزه عن حقيقة الانتظار ، وبهذا البيان لا افتقار الى توجيهات ذكرت فى كتب التفاسير وغيرها ، واما ليت فانها لصرف اظهار الهوى ، فلذا ما جاءت فى كتابه تعالى الا حكاية عن غيره.

٩٢

مثالها للترجى قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ـ ٢ / ٢١ ، (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ـ ٢ / ٥٣ ، (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ـ ٢ / ٢١٩ ، (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ـ ٣ / ٢٠٠.

مثالها للاشفاق : قوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ـ ٢١ / ١١١ ، وقرا الحسن عليه‌السلام هذه الآية لمعاوية واصحابه بعد الصلح ، وقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) ـ ١٨ / ٦ ،.

وهنا امور

الاول ـ ان الترجى والاشقاق انما هما فى الممكن الذى لم يقع ، واما فى الممتنع او الممكن الذى وقع وتحقق فلا معنى لهما ، فعلى هذا وقع الاشكال فى موارد نذكرها ونحلها.

١ ـ قوله تعالى حكاية عن فرعون لعنه الله : (قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) ـ ٤٠ / ٣٦ ، فان بلوغ اسباب السماوات كان ممتنعا لفرعون وهو يعلم ، ولكنه دلس وموه الامر على اصحابه ليعتقد البسطاء انه قادر على ذلك ، وكم له من نظير فى كبراء اهل الدنيا مع البسطاء المغرورين.

٢ ـ قول الشاعر :

اعد نظرا يا عبد قيس لعلّما ٩٧

اضاءت لك النار الحمار المقيّدا

٣ ـ وفى الحديث : وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد عفرت لكم ، اطلاعه تعالى عليهم وقوله لهم : اعملوا الخ غير معلوم لهم ، فالترجى باعتبار حصول العلم لهم فيما يستقبل ، فليس الترجى فى الواقع المنقضى ، ومعنى اعملوا ما شئتم : اعملوا ما شئتم من الخير فانكم مغفور لكم يقبل طاعاتكم وخيراتكم.

٩٣

الثانى ـ قال الحريرى على ما نقل ابن هشام : امتنع ان يكون ما فى حيز لعل فعلا ماضيا ، كانه حسب ان الما ضى يدل على ما وقع وترجى ما وقع ممتنع ، وجوابه ان ترجى ما يعلم وقوعه ممتنع كما بينا ، وصيغة الماضى لا تختص بما وقع بل يستعمل لما ياتى كما فى هذا البيت.

وبدّلت قرحا داميا بعد صحّة ٩٨

لعلّ منايانا تحوّلن ابؤسا

الثالث ـ فى لعل عشر لغات مشهورة مذكورة فى كتب اللغة ، اشهرها لعل ، ومضى امثلتها ، وعل بحذف لامها الاولى كما فى هذه الابيات.

يقول اناس علّ مجنون عامر ٩٩

يروم سلوّا قلت انّى لما بيا

لا تهين الفقير علّك ان ١٠٠

تركع يوما والدهر قد رفعه

فقلت عساها نار كاس وعلّها ١٠١

تشكّى فآتى نحوها فاعودها

الرابع ـ حذف خبرها ووقع التخلف فيها عن القواعد فى هذه الابيات.

اتونى فقالوا يا جميل تبدّلت ١٠٢

بثينة ابدالا فقلت لعلّها

اذا عثرت بى قلت علّك وانته ١٠٣

الى باب ابواب الوليد كلالها

علّ صروف الدهر او دولاتها ١٠٤

يدلننا اللّمّة من لمّاتها

فقلتادع اخرى وارفع الصوت ثانيا ١٠٥

لعلّ ابى المغوار منك قريب

لعلّ الله يمكننى عليها ١٠٦

جهارا من زهير او اسيد

لعلّك يوما ان تلمّ ملمّة ١٠٧

عليك من اللّائى يدعنك اجدعا

ولست بلوّام على الامر بعد ما ١٠٨

يفوت ولكن علّ ان اتقدّما

تانّ ولا تعجل بلومك صاحبا ١٠٩

لعلّ لها عذر وانت تلوم

الخامس ـ قال ابن هشام فى المغنى : الثانى من معانى لعل : التعليل ، اثبته جماعة منهم الاخفش والكسائى ، وحملوا عليه : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) ـ ٢٠ / ٤٤ ، ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء ويصرفه للمخاطبين ، اى اذهبا على رجائكما.

اقول : فما يقولون فى امثال قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فى اكثر

٩٤

من ستين موضعا خطابا الى المسلم والكافر ، (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فى اكثر من اربعين موضعا غيابا عن المسلم والكافر مع ان الكلام على قولهم يصير اخبارا ، اى لانه يتذكر او يخشى مع ان فرعون لم يتذكر ولم يخش الى ان هلك ، فكيف يخبر تعالى بوقوع ما لن يقع ، واما المعنى الاخر فلا داعى لصرف الكلام عن ظاهره مع امكان حمله على ظاهره.

فالحق ما قلنا من ان وقوع لعل فى كلامه تعالى باعتبار لازم معنى التوقع ، اى الارادة والكراهة ، كما هو الشان فى كل مفهوم ينسب اليه تعالى ولا يليق بجنابه كالرضا والسخط وغيرهما وموضع شرح هذا المطلب فى غير هذا الفن من كتب الكلام والتفسير.

السادس ـ وقال : الثالث من معانيها : الاستفهام ، اثبته الكوفيون ، ولهذا علق به الفعل فى نحو (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) ـ ٦٥ / ١ ، ونحو (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) ـ ٨٠ / ٣ ،.

اقول : معنى الكلام على كونها للاستفهام : لا تدرى ايها المطلق زوجتك للعدة هل يحدث الله بعد الطلاق امرا من الوداد بينكما حتى ترجع ام لا ، ولا تدرى ايها العابس هل هو يتزكى ام لا.

وذهب بعضهم الى التوجيه هكذا : لا تدرى ايها المطلق ما قدره الله لك ، كن على رجاء ان يحدث الله بعد الطلاق امرا ينفعك ، وما يدريك ايها العابس ما قدره الله له كن على رجاء ان يتزكى ذلك الرجل ، وهذا كله صرف الكلام عن ظاهره بلا موجب ، فالحق هنا ايضا ما قلنا ، اى لا تدرى ارادته ، وما يدريك ارادته ، واما حديث التعليق فراجع الى الاعراب ، وياتى فى مبحث افعال القلوب.

ان قلت : كيف يكون ارادته تعالى لفعل نفسه فى قوله : لعل الله يحدث الخ ، قلت : ارادته فى مثل (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشريعية ، فانه تعالى يفهم بهذا الكلام بدلالة الالتزام انه يريد منكم التقوى ويحبها ، واما مدلوله المطابقى اى معنى الترجى

٩٥

فهو تعالى منزه عنه بدلائل العقل والنقل ، وفى مثل لعل الله يحدث تكوينية ، فانه يفهم به انه قادر على ذلك ، ان شاء فعل.

ثم انه لا ينافى ما قلنا ان يقال : ان استعمال لعل فى كلامه تعالى يدل ايضا بالالتزام على ارادة الرجاء من المخاطبين كما ذهب اليه بعضهم فى توجيه الآيتين ، ولكنه لا يختص بهما ، وكذا لا ينافى القول بان لعل فى كلامه تعالى للاشعار بامكان وقوع مدخولها.

فى الكافى عن امير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : يا طالب العلم انّ للعالم ثلاث علامات : العلم والحلم والصمت وللمتكلّف ثلاث علامات ينازع من فوقه بالمعصية ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة.

٩٦

المبحث الثالث

فى النوع الثانى من النواسخ. وهو كان واخواتها ، وهى افعال تدخل على المبتدا والخبر فترفع المبتدا ويسمى اسمها وترفع الخبر ويسمى خبرها ، ولا يقال لهما المبتدا والخبر بعد دخولها ، ويقال لمرفوع هذه الافعال شبيه الفاعل ولمنصوبها شبيه المفعول ، وتسمى بالافعال الناقصة ، اذ لا تصير مع المرفوع وحده كلاما تاما مفيدا يصح السكوت عليه ، بل لا بد ان يقع بعدها جملة اسمية ، وفائدة هذه الافعال تقييد الخبر بمعناها.

١ ـ كان

وهى ام الباب ، ومصدره الكون والكيان والكينونة ، ومعنى الكون هو الثبوت ، وهو نظير انّ يفيد تاكيد الاسناد مع زيادة هى النسبة التحقيقة ان كان ماضيا والتلبسية ان كان مضارعا والطلبية ان كان امرا او نهيا ، فان قولك : كان حامد فاتحا بمنزلة ان حامدا فتح ، ويكون حميد عالما بمنزلة ان حميدا يعلم ، واذا كان الخبر فعلا نحو كان فتح ويكون يعلم فلفطة كان لصرف افادة التاكيد لان نسبة التحقق والتلبس يعلم من الخبر.

٩٧

احكامها

١ ـ تتصرف فى صيغ الثلاثى المجرد الا اسم المفعول لانها غير متعدية ، ولها بعض صيغ الثلاثى المزيد.

٢ ـ تحذف مع معموليها ، كقول الشاعر.

قالت بنات العمّ يا سلمى وان ١١٠

كان فقيرا معدما قالت وان

وقولهم : افعل هذا اما لا فالتقدير : افعل هذا ان كنت لا تفعل ذلك ، جئ بما الزائدة بعد ان الشرطية بعد حذف الفعل ، وادغم النون فى الميم.

٣ ـ تحذف مع اسمها ويبقى خبرها ، وذلك كثير بعد ان ولو ، كما فى هذه الابيات.

لا تقربنّ الدهر آل مطرّف ١١١

ان ظالما ابدا وان مظلوما

قد قيل ما قيل ان صدقا وان كذبا ١١٢

فما اعتذارك من قول اذا قيلا

لا يأمن الدهر ذو بغى ولو ملكا ١١٣

جنوده ضاق عنها السهل والجبل

علمتك منّانا فلست بآمل ١١٤

نداك ولو ظمآن غرثان عاريا

وقولهم : الناس مجزيون باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر ، اى ان كان عملهم خيرا فجزاءهم خير ، وان كان عملهم شرا فجزاءهم شر ، ويجوز فيهما النصب والرفع وعكس الاول ، فالتقدير : ان كان عملهم خيرا فيجزون خيرا وان كان عملهم شرا فيجزون شرا ، وان كان فى عملهم خير فجزاءهم خير وان كان فى عملهم شر فجزاءهم شر ، وان كان فى عملهم خير فيجزون خيرا وان كان فى عملهم شر فيجزون شرا ، والاول احسن الوجوه.

٤ ـ تحذف مع خبرها ويبقى اسمها وذلك قليل ، ومثاله الوجه الثالث والرابع من الاوجه الاربعة التى مرت آنفا فى قولهم : الناس مجزيون الخ.

٥ ـ تحذف ويبقى اسمها وخبرها ، وذلك ايضا قليل كقول الشاعر.

ابا خراشة امّا انت ذا نفر ١١٥

فانّ قومى لم تاكلهم الضبع

٦ ـ يجوز حذف لام الفعل من مضارعها اذا كان مجز وما بالسكون ولم يكن

٩٨

بعده ضمير متصل ، كقوله تعالى : (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ـ ١٩ / ٢٠ ، (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) ـ ٤٠ / ٢٨ ، (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) ـ ٧٤ / ٤٢ ـ ٤٤ ، وكما فى هذه الابيات.

فان لم تك المرآة ابدت وسامة ١١٦

فقد ابدت المرآة جبهة ضيغم

اذا لم تك الحاجات من همّة الفتى ١١٧

فليس بمغن عنك عقد الرتائم

الم اك جاركم ويكون بينى ١١٨

وبينكم المودّة والاخاء

٧ ـ تستعمل تامة بمعنى نفس الثبوت والوجود ، والفرق بين التامة والناقصة ان التامة كون شىء ، والناقصة كون شىء شيئا ، كقوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ٣ / ٥٩ ، والقول بان التقدير : كن موجودا فيكون موجودا خطأ لان الكون هو الوجود فيلزم التكرار ، ومثله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ٣٦ / ٨٢ ، وكقول الشاعر :

ما كان من بشر الّا وميتته ١١٩

محتومة لكن الاجال تختلف

٨ ـ تكون زائدة بخلاف سائر الافعال كما فى هذه الابيات.

انت تكون ماجد نييل ١٢٠

اذا تهبّ شمال بليل

فى غرف الجنّة العليا الّتى وجبت ١٢١

لهم هناك بسعى كان مشكور

جياد بنى ابى بكر تسامى ١٢٢

على كان المسوّمة العراب

٩ ـ الوصف والمصدر من كان يعملان عملها ، ولكنه قليل كما فى البيتين.

وما كلّ من يبدى البشاشة كائنا ١٢٣

اخاك اذا لم تلفه لك منجدا

ببذل وحلم ساد فى قومه الفتى ١٢٤

وكونك ايّاه عليك يسير

١٠ ـ من الاساليب الشائعة قولهم : كائنا من كان وكائنا ما كان ، ويوتى بهذا الاسلوب لتعميم ما ذكر قبله ، نحو اعط الفقير كائنا من كان ، ويسال العبد يوم القيامة كائنا من كان ، ويجزى العبد على عمله كائنا ما كان ، وكل شىء هالك كائنا ما كان الا وجهه.

٩٩

وتركيبه ان كائنا حال للمذكور قبله ، فيه ضميره هو اسمه ، وما او من بعده منصوب على الخبرية ، وهو بمعنى اى شخص او اى شى ، وكان تامة مشتملة على ضمير يرجع الى من او ما وهو فاعله ، والفعل والفاعل جملة هى صفة لمن او ما.

٢ ـ صار

ومصدرها الصير والمصير والصيرورة ، وهو بمعنى التحول والانتقال من حال او وضع او مكان الى آخر ، ولمعنى الانتقال يصدر خبرها كثيرا بالى نحو قوله تعالى : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ـ ٤٢ / ٥٣ ، (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ٢ / ٢٨٥ ، والمصير مصدر ميمى اى صيرورة الخلايق ، واما فى قوله تعالى : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ٩ / ٧٣ ، اسم مكان ، وكقول على عليه‌السلام فى الاموات : وصاروا الى مصائر الغايات ، وقوله الاخر فيهم : الم يكونوا اربابا فى اقطار الارضين ، وملوكا على رقاب العالمين فانظروا الى ما صاروا اليه فى آخر امورهم.

ومثالها بالخبر الفعلى او الاسمى بدون الى او مع حرف جر آخر قول على عليه‌السلام : فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فىّ مع الاول منهم حتى صرت اقرن الى هذه النظائر ، فيا عجبا للدهر اذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى ولم تكن له كسابقتى ، وقوله فى المحتضر : فصار بين اهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه وخرجت الروح من جسده فصار جيفة بين اهله ، وقوله فى ذم الدنيا واهلها : من عظمت الدنيا فى عينه وكبر موقعها من قلبه آثرها على الله تعالى فانقطع اليها وصار عبدا لها ، وقوله فى وصف المتقين : فخرج من صفة العمى ومشاركة اهل الهوى وصار من مفاتيح ابواب الهدى ومغاليق ابواب الردى ، اما رايتم الذين ياملون بعيدا وصارت اموالهم للوارثين وازواجهم لقوم آخرين ، وقوله الاخر : الكلام فى وثاقك ما لم تتكلم به فاذا تكلمت به صرت فى وثاقه وهذا الفعل ككان متصرف فى صيغ الثلاثى المجرد غير اسم المفعول وبعض المزيد الثلاثى.

١٠٠