علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ـ ٨٣ / ١٣ ـ ١٥ ، كلا الثانية تاكيد للاولى (، فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) ـ ٨٩ / ١٥ ـ ١٧ ، نفى للمقول ونهى للقول.

ثم ان كلا قد تاتى بمعنى الا الاستفتاحية لعدم استقامة معنى الكلام ان اخذت ردعا لما قبلها ، فما بعدها جملة مستانفة ايضا كما هو الشان فى حروف الاستفتاح والتنبيه نحو قوله تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ) الخ ـ ٧٤ / ٣٢ ، (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) ٧٥ / ٢٠ ـ ٢١ ، (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ـ ٩٦ / ٦ ـ ٧ ، وقيل : ان كلا فى هذه المواضع بمعنى حقا ، وقيل : انها بمعنى نعم.

١١ ـ غير

وهو اسم مبهم مفهومه ، لازم اضافته ، متضمن معنى النفى ، ولا يتعرف بالاضافة الى المعرفة ، وقد مر منه ذكر فى مبحث الاضافة فى المقصد الثانى وذكر فى مبحث ادوات الاستثناء ، ومن احكامه انه يقع موقع حرف النفى فيعطى حكمه ، وذلك فى موضعين.

١ ـ نحو قولهم : غير قائم الزيدان ، وهو بمنزلة ما قائم الزيدان ، فيكون غير قائم مبتدا وصفيا والزيدان فاعل سد مسد الخبر على ما مر تفصيله فى المبحث الاول من المقصد الاول ، ولو لا ذلك لم يجز الا ان يقال : غير قائمين الزيدان ليكون الزيدان مبتدا مؤخرا وغير قائمين خبرا مقدما ، ومن ذلك ما فى هذين البيتين.

غير ما سوف على زمن

١٤٦٧ ينقضى بالهمّ والحزن

غير لاه عداك فاطّرح اللهو

١٤٦٨ ولا تغترر بعارض سلم

٢ ـ نحو قولهم : انا زيدا غير ضارب ، وهو بمنزلة انا زيدا لا اضرب ، ولولا ذلك لم يجز لان المضاف اليه يمتنع تقدمه على المضاف وكذا معموله ، ومن ذلك

٨٤١

قوله تعالى : (وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) ـ ٤٣ / ١٨ ، فان الجار معمول مبين ، وكما فى هذا البيت.

انّ امرا خصّنى يوما مودّته

١٤٦٩ على التنائى لعندى غير مكفور

١٢ ـ سوى

وهو كغير ، ويمد الفه ويقال سواء ، وياتى للاستثناء ، وقد مر فى مبحثه ، وبمعنى مستو ، وياتى فى مبحث حروف المصدر ، وبمعنى وسط ، نحو قوله تعالى : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) ـ ٣٧ / ٥٥ ، ومثاله لما نحن فيه ما فى هذه الابيات.

فتى هو حقّا غير ملغ تولّه

١٤٧٠ ولا تتّخذ يوما سواه خليلا

اتانا فلم نعدل سواه بغيره

١٤٧١ نبىّ بدا فى ظلمة اللّيل هاديا

فلاصرفنّ سوى حذيفة مدحتى

١٤٧٢ لفتى العشىّ وفارس الاحزاب

تجانف عن جوّ اليمامة ناقتى

١٤٧٣ وما عدلت عن اهلها لسوائكا

فلمّا صرّح الشرّ فامسى وهو عريان

١٤٧٤ ولميبقسوىالعدوان دنّاهمكما دانوا

فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : من اراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له فى الآخرة نصيب ، ومن اراد به خير الآخرة اعطاه الله خير الدنيا والآخرة

٨٤٢

المبحث العاشر

فى حرفى التفسير ، والتفسير قد يكون بجملة واقعة بعد المفسر ، وقد مر شرحها فى مبحث الجمل ، وقد يكون بعطف البيان ، وقد مر فى مبحث التوابع ، وهما فى المقصد الثانى وقد يكون باعنى ويعنى ، وهو مذكور فى كثير من الكلام ، وقد يكون بالحرف ، وهو اثنان : ان واى.

١ ـ ان

وهى تقع بين الجملتين تاليتهما مفسرة لسابقتهما ، ويشترط ان تكون السابقة متضمنة معنى القول من النداء والامر والوحى وغيرها فتكون التالية مقولة ذلك المعنى ، والاكثر وقوعا بعدها جملة طلبية ، نحو قوله تعالى : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) ـ ٦٨ / ٢٣ ـ ٢٤ ، (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) ـ ٢١ / ٨٧ ، (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) ـ ٧ / ٤٤ ، (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٧ / ٤٣ ، (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) ـ ١٠ / ٢ ، ان الاولى مصدرية والثانية مفسرة ، (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ـ ٢٦ / ٥٢ ، (فَأَوْحَيْنا

٨٤٣

إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) ـ ٢٣ / ٢٧ ، (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) ـ ٣٨ / ٦ ، ليس المراد انطلاق الرجل بل انطلاق اللسان ، (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) ـ ١٦ / ٦٨ ، ووحيه تعالى كلامه فان له مع كل موجود كلاما على حسبه.

هنا امور

الاول تشابهت ان فى بعض الآيات ، نحو قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) ـ ٥ / ١١٧ ، ليس اعبدوا الله ربى تفسيرا لما قلت لتخالفهما بالنفى والاثبات ، مع انهم اشترطوا ان لا يكون قبل ان التفسيرية مادة القول ، بل معناه ، ولا لامرتنى ، اذ لا يصح ان يكون امره تعالى (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) ، بل تفسير لما يستفاد من الكلام ، وهو امرتهم ، اى امرتهم ان اعبدوا الله ربى وربكم ، ونحو قوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ـ ١١ / ١ ـ ٢ ، لا تعبدوا اما منصوب وان مصدرية ، والتقدير : فصلت آيات الكتاب لان لا تعبدوا الا الله ، واما مجزوم بلا الناهية وان مفسرة لان التفصيل يتضمن معنى القول ، والاحتمال الثانى اقوى لقوله : ان استغفروا ربكم لانه معطوف عليه وان مفسرة ، ونظيرها قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) ـ ١١ / ٢٥ ، اى انى انذركم لان لا تعبدوا الا الله ، اولا تعبدوا نهى مفسر للانذار لان فيه معنى القول.

الثانى المشهور انّ ان لا تفسر المفرد ، ولكن قال صاحب مجمع البيان فى قوله تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) ـ ١٦ / ٢ : انذروا تفسير للروح ، وهو بمعنى الوحى ، اقول : لا باس بذلك ان كان المفرد مضمونا للجملة كما ان مفعول القول جملة ، وقد يكون

٨٤٤

مفردا مضمونا للجملة ، نحو قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ ٣ / ٧٥ ، (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) ـ ٣ / ١٦٧ ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ـ ٤ / ١٧١ ، وعلى هذا امكن ان يقال انها مفسرة فى قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ١٠ / ١٠.

الثالث قال ابن هشام فى حرف ان من المعنى : وعن الكوفيين انكار ان التفسيرية البتة ، وهو عندى متجه لانه اذا قيل كتبت اليه ان قم لم يكن قم نفس كتبت كما كان الذهب نفس العسجد فى قولك : هذا عسجد اى ذهب ولهذا لو جئت باى مكان ان فى المثال لم تجده مقبولا فى الطبع.

اقول : فانهم يقولون : انها فى جميع هذه الموارد مصدرية ، او مخففة من الثقيلة ، فهى مع الجملة بعدها مؤولة بالمصدر ، ويؤيدهم وقوع ان المشددة مكانها فى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) ـ ٢١ / ٢٥ ، ولم يقل ان لا الاه الا انا ، كما فى قوله : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) ـ ٢١ / ٨٧ ، مع ان الايحاء والنداء كلاهما متضمن معنى القول ، ولكن يستلزم قولهم محظورين : احدهما لزوم تقدير حرف الجر فى اكثر الموارد ، والتقدير خلاف الاصل ، كما وقع بعد النداء فيجب تقدير الى او اللام ، لان النداء يتعدى الى المفعول الثانى باحدهما ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً) ـ ٥ / ٥٨ ، (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) ـ ٣ / ١٩٣ ، والمفعول الاول فى الآيتين محذوف ، وما وقع بعد الامر لانه يتعدى الى المفعول الثانى بالباء ، نحو قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ـ ٢ / ٤٤ ، وثانيهما لزوم فوات معنى الامر ان اول بالمصدر ، فى نحو قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) ـ ٢٦ / ٦٣ ، لان معنى الامر يستفاد من الصيغة فان زالت الصيغة بتاويل الفعل الى المصدر زال معنى الامر ، وهذا بخلاف الزمان فى صيغة الماضى والمستقبل لانهما لا يدلان على الزمن المخصوص ، وياتى بيانه فى المبحث الخامس عشر ، و

٨٤٥

الزمن المطلق باق مع الحدث باى صيغة كان ، فلذا ذهب ابو حيان الى انّ ان المصدرية لا توصل بالامر والحق معه.

واما قول ابن هشام : لانه اذا قيل كتبت اليه ان قم لم يكن قم نفس كتبت مغالطة ، اذ لم يقل احد ان المفسر فيما نحن فيه نفس المفسر لان حال ما بعد ان بالنسبة الى ما قبلها كحال مفعول القول بالنسبة اليه ، فقولك : كتبت اليه ان قم بمنزلة قولك : قلت له بالكتابة : قم ، وقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) ـ ٢٨ / ٧ ، بمنزلة قلنا لام موسى بالوحى ارضعى موسى ، فان العرب لم تات بان بعد مادة القول ، واتت بها بعد ما هو متضمن لمعناه فرقا بينهما ، نعم فى بعض الموارد يتعين ان للمصدرية وان كان الفعل قبلها متضمنا لمعنى القول ، نحو قوله تعالى : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٠ / ١٠٤ ، لان المضارع بعدها منصوب ، ولعدم استقامة المعنى لو كان ان تفسيرية ، والحاصل انّ ان بعد ما هو بمعنى القول قد تتعين للتفسيرية وقد تتعين للمصدرية وقد تحتمل الوجهين كما مر مثالها ، واما قوله تعالى : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) فهو مفعول لنوحى.

٢ ـ اى

وهى تفسر المفرد والجملة بلا كلام ، كما يقال : عندى عسجد اى ذهب ، وما بعده عطف بيان لا عطف نسق فلا يكون اى حرف عطف كما قيل لعدم استقامة المعنى ، وتقع تفسيرا للجمل ايضا ، نحو قولهم : قبضه الله اى مات ، وقول الشاعر.

وترميننى بالطرف اى انت مذنب

١٤٧٥ وتقليننى لكنّ ايّاك لا اقلى

تنبيه

ان الفرق بين ان المصدرية والمخففة والتفسيرية ان كلا منهما مع الجملة التى بعده فى تاويل المفرد ومعمول لعامله على ما ياتى تفصيله فى المبحث الآتى ، واما

٨٤٦

التفسيرية فالجملة التى بعدها ليست فى تاويل المفرد ، بل هى عطف بيان لما قبلها حسب اللفظ كاى وبمنزلة مفعول القول لما قبلها حسب المعنى والفرق بينهما ان اى تقع تفسيرا للمفهوم دون ان ، فلا يقال : استخلصته ان طلبت خلاصه ، بل يقال : استخلصته اى طلبت خلاصه.

ثم اعلم انه يجوز ان تقع اذا مكان اى فى تفسير المفهوم ان كان الجملة السابقة مقولة للقول ، نحو قولك مخاطبا لتلميذك : جاءنى زيد اى اتانى ، استكتبت الحديث اى سالت كتابته ، وان جئت باذا مكانها تركت حكاية الضمير ويكون خطابك هكذا : تقول : جاءنى زيد اذا اتاك واستكتبت الحديث اذا سالت كتابته ، لان اذا ظرف لتقول وليس ما بعدها تفسيرا لما قبلها ، ويقال لاذا هذه : تفسيرية.

فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال امير المؤمنين عليه‌السلام : الا اخبركم بالفقيه حقّ الفقيه : من لم يقنّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم فى معاصى الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه الى غيره ، الا لاخير فى علم ليس فيه تفهّم ، الا لاخير فى قراءة ليس فيها تدبّر ، الا لاخير فى عبادة ليس فيها تفكّر.

٨٤٧

المبحث الحادى عشر

فى حروف المصدر ، ويقال لها الحروف المصدرية وحروف التاويل وحروف السبك والسوابك والموصولات الحرفية لانها مع ما بعدها من الجمل فى تاويل المصدر وبحكم المفرد وتسبك مع ما بعدها فى صيغة المفرد ، ولا بد ان يقع بعدها ما يقع بعد الموصولات الاسمية من الجمل ، وهى ثمانية : الهمزة ، ان ، انّ ، ما ، لو ، كى ، الّذى ، عن.

١ ـ همزة التسوية

وهى الواقعة بعد كلمة سواء وتعادل ام المتصلة نحو قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) ـ ١٤ / ٢١ ، والجملتان فى تاويل المصدر ، اى يستوى علينا جزعنا وصبرنا ، وقد يقع قبلها مكان كلمة سواء ما ابالى وما ادرى وليت شعرى ونحو هن كقولك : ليت شعرى اكنت ترضى عنى ام بعد فى سخط منى ، وقد مر ذكر منها فى حرف ام فى مبحث حروف العطف.

٢ ـ ان

وهى الناصبة للمضارع ، وتدخل على الماضى ايضا ، وهى مع ما بعدها فى

٨٤٨

تاويل المفرد ، ويقع مبتدا وفاعلا ومفعولا وخبرا وغيرها ، وهى ام الباب ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ـ ٢ / ٢٣٧ ، (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) ـ ٢٨ / ٨٢ ، فى الآيتين مبتدا ، وقوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) ـ ١٠ / ٣٧ ، فى هذه الآية خبر ، (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ـ ٥٧ / ١٦ ، فى هذه الآية فاعل ، (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) ـ ١٨ / ٨٠ ، فى هذه الآية مفعول به ،(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ـ ٦٣ / ١٠ ، فى هذه الآية مجرور بالاسم ، (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) ـ ٩ / ٩٣ ، فى هذه الآية مجرور بالحرف ، وحذف الجار عنها كثير قياسى ، ويسمى بعد حذفه بالمنصوب بنزع الخافض ، ومر تفصيله فى المبحث العشرين من المقصد الاول.

فصل

ينتصب المضارع بان المقدرة فى مواضع.

الموضع الاول

ان يكون مصدرا بالفاء السببية بعد احد الاشياء التسعة : الامر والدعاء والنهى والاستفهام والتمنى والترجى والعرض والتحضيض والنفى ، فنصب المضارع بان المقدرة بعد هذه الاشياء واجب ان افادت الفاء الداخلة عليه معنى السببية ، اى سببية ما وقع قبلها من هذه الاشياء للفعل المضارع.

١ ـ بعد الامر ، نحو قولك : زرنى فاكرمك ، وقول الشاعر.

يا ناق سيرى عنقا فسيحا

١٤٧٦ الى سليمان فتستريحا

واشترطوا ان يكون الامر صريحا اى امرا بالصيغة فلا ينصب المضارع بعد الفاء فى نحو قولك : صه يا فلان فنسمع كلام الخطيب ، ونحو قولك : رحم الله رجلا

٨٤٩

يعطينا فيثاب عليه ، لان الاول اسم فعل والثانى مضارع بالصيغة وان كان المراد طلبا ، والكسائى يقيس ويجوز ، ولم اجد فى كتبهم من الكلام الماثور له مثالا.

ثم ان كن فيكون فى سورة البقرة وآل عمران والنحل ومريم ويس وغافر كلها برفع المضارع مع ان كن امر بالصيغة ، قالوا لا يجوز نصبه اذ لا معنى لقولك : اذهب فيذهب لان المضارع فى هذا الاسلوب بمنزلة الجزاء والفعل السابق بمنزلة الشرط ، ولا يقال : يا زيدان تذهب يذهب بارجاع ضمير يذهب الى زيد.

اقول : سره ان يكون ليس سببه كن فليس مسببا عنه بل سببه نقول فى قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ١٦ / ٤٠ ، ولكن الكسائى قرا فى هذه السورة وفى سورة يس بالنصب عطفا على نقول ويقول ، وغيره قرا فى الكل بالرفع الا ابا عمرو قارى البصرة فانه قرا فى الكل بالنصب ، وياتى ان لوجوب النصب شروطا احدها السببية.

٢ ـ بعد الدعاء ، وهو طلب الدانى من العالى بندائه ، نحو اللهم ارزقنى توفيقا فاعبدك ولا تكلنى الى نفسى فاهلك ، وكما فى البيتين.

ربّ وفّقنى فلا اعدل عن

١٤٧٧ سنن الساعين فى خير سنن

فيا ربّ عجّل ما اؤمّل منهم

١٤٧٨ فيدفا مقرور ويشبع مرمل

٣ ـ بعد النهى ، نحو قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ـ ٨ / ٤٦ ، (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) ـ ٢٠ / ٨١.

٤ ـ بعد الاستفهام ، نحو قوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ـ ٧ / ٥٣ ، وكقول الشاعر.

هل تعرفون لباناتى فارجو ان

١٤٧٩ تقضى فيرتدّ بعض الروح للجسد

٥ ـ بعد التمنى ، نحو قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) ـ ٤ / ٧٣ ، (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢٦ / ١٠٢ ، وكما فى البيتين.

٨٥٠

الا عمر ولّى مستطاع رجوعه

١٤٨٠ فيراب ما اثات يد الغفلات

يا ليت امّ خليد واعدت فوفت

١٤٨١ ودام لى ولها عمر فنصطحبا

٦ ـ بعد الترجى ، نحو قوله تعالى : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) ـ ٤٠ / ٣٦ ، (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) ـ ٨٠ / ٣ ـ ٤ ، وقيل : لا يجوز النصب بعد الترجى ، ونقل ابن هشام عن الزمخشرى : ان نصب فاطلع باعتبار اشراب معنى التمنى ، اقول : لا وجه لهذا التكلف بعد مجئ النصب فى الكلام الفصيح وعدم اختلال المعنى وان الترجى اخو التمنى.

٧ ـ بعد العرض ، نحو قول الشاعر :

يا بن الكرام الا تدنو فتبصرما

١٤٨٢ قد حدّثوك فما راء كمن سمعا

٨ ـ بعد التحضيض ، نحو قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ٦٣ / ١٠ ، لم يعطف اكن على فاصدق وهو قراءة اكثرهم ، بل عطف على محله لان المضارع مجزوم محلا بعد هذه الاشياء كما مر بيانه فى المبحث الرابع ، وكقول الشاعر.

لولا تعوجين يا سلمى على دنف

١٤٨٣ فتخمدى نار وجد كاد يفنيه

٩ ـ بعد النفى ، نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) ـ ٣٥ / ٣٦ ، (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) ـ ٦ / ٥٢ ، فتطردهم جواب النفى اى ما عليك الخ ، فتكون من الظالمين جواب النهى اى ولا تطرد الخ.

ههنا امور

الامر الاول يشترط لوجوب نصب المضارع المصدر بالفاء بعد احد هذه الاشياء اشراط

٨٥١

اشراط.

١ ـ ان لا يفصل بين المضارع والفاء بغير لا النافية ، نحو قوله تعالى : (قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ـ ٩ / ١٠٥ ، توسط السين بينهما ، والمضارع مرفوع بدليل ما عطف عليه.

٢ ـ ان يكون الطلب المتقدم محضا وكذا النفى ، وذكروا من عدم المحوضة ان يكون النفى او النهى منقوضا بالا ، نحو ما تاتينا الا فتحدثنا ولا تضرب الا عمرا فيخافك ، او يكون نفيا فى نفى ، نحو ما تزال تعظنا فننتفع بموعظتك ، او يكون الطلب بغير صيغته ، نحو صه فنسمع ما يقول الاستاد ، غفر الله لك فيدخلك الجنة ، او يكون الاستفهام عن الواقع للتقرير ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) ـ ٦ / ١٣٠.

٣ ـ ان يكون المضارع مسببا عما وقع قبلها ، ولذلك سميت هذه الفاء بفاء السبب والفاء السببية بالخصوص ، وان كانت تفيدها فى غير هذه المواضع ، فان انتفى احد هذه الاشراط فجواز الوجهين : النصب والرفع ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) ـ ٢٢ / ٦٣ ، رفع تصبح لان الرؤية ليست سببا لاصباح الارض مخضرة ، (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) ـ ٧٧ / ٣٥ ـ ٣٦ ، لان الاذن ليس سببا للاعتذار ، بل سببه ندمهم يوم القيامة ، ولا ينفعهم ، ونحو قول على عليه‌السلام : انه لا يخرج اليكم من امرى رضا فترضونه ولا سخط فتجتمعون عليه ، مراده عليه‌السلام انكم لا ترضون برضاى جميعا ولا تجتمعون على سخطى ، بل تختلفون على كما صرح به قبل ذلك ، وكلا المضارعين فى كلامه مرفوع اذ ليس رضاه سببا لرضاهم ولا سخطه سببا لاجتماعهم على سخطه.

الامر الثانى قيل : يجوز النصب والرفع فى المضارع المصدر بالفاء ان كان ما قبلها تشبيها مرادا به النفى ، نحو قولك لاحد مثلك يامرك وينهاك : كانك اميرى فتامرنى وتنهانى ، اى لست بذاك ، او كان ما قبلها ما يفيد التقليل المراد به النفى

٨٥٢

، نحو قلما يدعو العبد ربه فيخيب ، اى لا يدعو فيخيب.

الامر الثالث هذه الفاء للعطف ، فان كان المضارع بعدها مرفوعا فالمعطوف عليه هو ما ذكر قبلها ، وان كان منصوبا فقوم على ان المصدر المؤول معطوف على مصدر متوهم متصيد مما قبل الفاء ، فقولك : اعمل الخير فيجزيك الله فى تاويل ليكن منك عمل الخير فجراء لك من الله ، ويقال له العطف بالتوهم كما ذكرنا فى المبحث الاول فى باب اقسام العطف ، وقوم منهم الرضى فى شرح الكافية على ان المصدر المؤول مبتدا محذوف الخبر ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة ، والتقدير فى المثال المذكور : اعمل الخير فجزاؤك من الله حاصل ، والقول الثانى احسن لانه اقل مؤونة ، وقس عليه سائر الاشياء.

الموضع الثانى

ان يكون المضارع بعد الواو بمعنى مع ، بان يقصد المتكلم بها معنى المعية والمصاحبة ، اى معية مضمون المضارع ومضمون ما وقع قبل الواو نحو قولهم : لا تاكل السمك وتشرب اللبن بنصب تشرب ، اى لا تجمع بين اكل السمك وشرب اللبن ، فان لم يقصد المعية فيجرم تشرب ، والواو للعطف ، والنهى عن كل منهما ، او يرفعه والواو ابتدائية استينافية والنهى عن اكل السمك فقط وما بعد الواو اخبار عن الشرب.

ونصب المضارع هنا ايضا مشروط بسبق احد تلك الاشياء التسعة ولكن نقل فى شرح التصريح عن بعضهم انه لم يسمع نصب المضارع بعد الواو الا بعد النفى والنهى والامر والتمنى كما فى هذه الابيات ، وزدنا عليها مثالا للاستفهام.

لا تنه عن خلق وتاتى مثله

١٤٨٤ عار عليك اذا فعلت عظيم

الم اك جاركم ويكون بينى

١٤٨٥ وبينكم المودّة والاخاء

فقلت ادعى وادعو انّ اندى

١٤٨٦ لصوت ان ينادى داعيان

٨٥٣

اتبيت ريّان الجفون من الكرى

١٤٨٧ وابيت منك بليلة الملسوع

الا ليت الجواب يكون خيرا

١٤٨٨ ويطفئ ما احاط من الجوى بى

ومثال التمنى من كتاب الله قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٦ / ٢٧ ، بنصب نكذب ونكون ، ومثال النفى قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ـ ٣ / ١٤٢ ، بنصب يعلم الصابرين ، والتاويل هنا كما قلنا فى الفاء ، اى يا ليت لنا ردا الى الدنيا مع عدم تكذيبنا بآيات ربنا ، والتقدير الثانى لا يتاتى هنا لمكان مع لان ما بعدها فى تاويل المفرد على كل حال.

تنبيه

قد قلنا ان فى نحو قولهم : لا تاكل السمك وتشرب اللبن ثلاثة احتمالات فى المعنى على ثلاثة اوجه من اعراب تشرب ، واما فى نحو قولهم : ما تاتينا فتحدثنا ياتى فى تحدثنا النصب والرفع ، ولكن احتمالات المعنى اربعة اثنان لحالة النصب والفاء سببية ، واثنان لحالة الرفع والفاء عاطفة او استينافية ، فعلى العطف ينتفى كل من الاتيان والتحديث على حدته ، وعلى الاستيناف ينتفى الاتيان ويثبت التحديث ، وعلى السببية ينتفى التحديث لانه مسبب عن الاتيان المنفى ، فنفى الاتيان اما مطلق ، فالمعنى ما تاتينا فلا تحدثنا ، واما مقيد ، فالمعنى ما تاتينا لتحدثنا ، فلا ينافى الاتيان بلا تحديث ، وهذه الاحتمالات تجرى فى امثال هذين الاسلوبين ، ويحتاج تعيين كل منها الى القرينة ، والا فالكلام مجمل ، وقد مر نظير هما فى الآيات التى ذكرناها.

الموضع الثالث

ان يكون المضارع بعد او بمعنى الا او الى ، وفى عبارة بعضهم حتى مكان الى ،

٨٥٤

ولا فرق ، مثال الاول قولك : لاقتلنه او يسلم ، اى لاقتلنه الا ان يسلم ، والتقدير : لاقتلنه فى كل حال الا فى حال الاسلام ، وكما فى هذه الابيات.

وكنت اذا غمزت قناة قوم

١٤٨٩ كسرت كعوبها او تستقيما

بكى صاحبى لمّا راى الدرب دونه

١٤٩٠ وايقن انّا لاحقان بقيصرا

فقلت له لاتبك عينك انّما

١٤٩١ نحاول ملكا او نموت فنعذرا

مثال الثانى لا لزمنك او تقضينى حقى ، وكقول الشاعر.

لاستسهلنّ الصعب او ادرك المنى

١٤٩٢ فما انقادت الآمال الّا لصابر

والتقدير : لالزمنك حتى قضائك حقى ، ويمكن ان يكون او بمعناها فى الموضعين والعطف على مصدر متوهم ، والتقدير : ليكونن قتله او اسلامه ، وليكونن لزوم منى او قضاء منك لحقى ، وقد مر بيان منى لهذا الباب فى المبحث الاول فى حرف او.

الموضع الرابع

ان يكون المضارع بعد حتى ، وهى للغاية ، والغاية مر معناها فى المبحث الثانى من المقصد الثانى ، نحو قوله تعالى : (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) ـ ٢٠ / ٩١ ، اى يمتد عكوفنا عليه حتى رجوع موسى الينا ، فجعلوا رجوعه نهاية فعلهم ، وهى نهاية خارجة ، وقد مر معنى حتى واقسامها فى المبحث الثانى من المقصد الثانى ، وياتى ذكر منها فى مبحث حروف التعليل.

الموضع الخامس

ان يكون المضارع مدخول اللام الجارة ، وهى تدخل على المضارع فى ثلاثة موارد احدها ما يكون المضارع علة لما ذكر قبله ، نحو قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ـ ٣٠ / ٤٦ ، فان اذاقة الرحمة وجريان الفلك وابتغاء فضل

٨٥٥

الله علة غائية لارسال الرياح ، وتاويل هذه الافعال بالمصدر ظاهر ، واظهار ان فى هذا المورد جائز ، وان صدر المضارع بلا فواجب كما مر فى حرف اللام فى المبحث الثانى من المقصد الثانى.

وقد يكون متعلق اللام فى هذا الاسلوب محذوفا نحو قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) ـ ١٧ / ٧ ، اى فاذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادا لنا ، وحذف لقرينة ذكره فى الآية السابقة ، والتعليلات متعلقة ببعثنا.

وقد يكون المضارع مع اللام معطوفا على تعليل محذوف نحو قوله تعالى : (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) ـ ١٩ / ٢١ ، اى نخلق عيسى بلا اب لنظهر قدرتنا ولنجعله آية للناس ، والقول بزيادة الواو غريب ، ومثله قوله تعالى : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٤٥ / ٢٢ ، اى خلق ليدل على قدرته ولتجزى.

ثانيها ما يكون المضارع خبرا لكان المنفية ، نحو قوله تعالى : (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) ـ ١٠ / ١٣ ، والتقدير : ما كانوا للايمان ، اى ما كان لهم لهذا الفعل كون ، فاتيان هذه اللام لتاكيد النفى والسلب التام ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ٣٠ / ٩.

وتقدير ان بعد اللام يختص بان يكون المضارع خبرا لكان المنفية ، واما ان كان مبتدا فان لازمة الذكر ، واللام على خبرها ، وتاكيد النفى فى مكانه ، نحو قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ـ ٣٣ / ٣٦ ، (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ـ ٩ / ١١٣.

قال ابن هشام فى حرف اللام من المغنى : ان اصل ما كان ليفعل عند البصريين : ما كان قاصدا لان يفعل ، ووجه تاكيد النفى هو نفى قصد الفعل لانه ابلغ من نفى

٨٥٦

نفس الفعل.

اقول : لا يستقيم ما قالوا فى نحو (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) ـ ٧ / ٤٣ ، اذ لا يصح نفى قصد الاهتداء الى الجنة عن اهل الايمان بعد هداية الله تعالى.

ثم لا يلزم ان يكون النفى فى هذا الاسلوب من الكلام بما او لم فقط ، كما التزم به ابن هشام واتعب نفسه بالتكلف فى هذه الآية : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) ـ ١٤ / ٤٦ ، اى ما كان مكرهم لان تزول منه الجبال ، والمراد ان مكرهم ضعيف لا اثر له فى قبال امر الله تعالى ، كما قال : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) ـ ٤ / ٧٦ ، وقرا الكسائى بفتح اللام ورفع المضارع ، فالكلام مثبت.

ثالثها ما يكون المضارع معمولا لفعل الارادة وما يقرب معناها ، نحو قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ـ ٧٥ / ٥ ، (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ـ ٩٨ / ٥ ، قيل : هذه اللام زائدة للتاكيد ، وقيل : هى للتعليل ، ومفعول الفعل محذوف ، والتقدير : بل يريد الانسان الفجور ليفجر ، وما امروا بما امروا الا ليعبدوا الله ، وقيل : هى للتعليل ، والفعل لا مفعول له ، بل مؤول بمصدر مرفوع بالابتداء كما ان المضارع بعد اللام مؤول به ، والتقدير : بل ارادة الانسان للفجور ، وما امرهم الا لعبادة الله.

اقول : لا حاجة الى هذه التكلفات ، بل مدخول اللام مفعول للفعل المذكور ، واللام لام التقوية ، ولا يختص دخولها بمعمول الوصف والمصدر والمعمول المقدم على عامله ، بل تدخل على غيرها كمعمول هدى وسمع وغيرهما ، وان شئت فقل انها لام التعدية ، ومر فى المبحث العشرين من المقصد الاول كلام فيها وياتى بيان ذلك فى خاتمة الكتاب ، والشاهد على ذلك ان المضارع فى الاكثر بعد مادة اراد وامر وغيرهما مصدر بان المصدرية الظاهرة وفى بعض الموارد بان واللام كلتيهما ،

٨٥٧

نحو قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) ـ ٢٨ / ٥ ، (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) ـ ٣٩ / ١٢ ، ومن امثلة ما نحن فيه ما فى هذه الابيات.

اريد لانسى ذكرها فكانّما

١٤٩٣ تمثّل لى ليلى بكلّ سبيل

ارادوا ليخفوا قبره عن عدوّه

١٤٩٤ فطيب تراب القبر نمّ على القبر

اراد الطاعنون ليحزنونى

١٤٩٥ فهاجوا صدع قلبى فاستطارا

واستتار ان فى هذه المواضع الخمسة حتم الا فى بعض موارد الموضع الخامس ، وقد علمت ، وفى الموضع السادس ايضا ، لا فى الموضع السابع.

الموضع السادس

ان يكون المضارع معطوفا على اسم صريح باو او الواو او الفاء او ثم ، نحو قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) ـ ٤٢ / ٥١ ، وكما فى هذه الابيات.

ولو لا رجال من رزام اعزّة

١٤٩٦ وآل سبيع او اسؤك علقما

ولبس عباية وتقرّ عينى

١٤٩٧ احبّ الىّ من لبس الشفوف

لولا توقّع معترّ فارضيه

١٤٩٨ ما كنت اوثر اترابا على تربى

انّى وقتلى سليكا ثمّ اعقله

١٤٩٩ كالثور يضرب لمّا عافت البقر

الموضع السابع

ان يكون المضارع معطوفا على شرط او جزاء بالفاء او الواو ، فيجوز نصبه بان المقدرة كما يجوز جزمه ان كان متبوعه مجزوما ، ورفعه على الاعتراض ان وقع بينهما ، وعلى القطع والاستيناف ان وقع بعد الجزاء ، ومر ذلك فى مبحث ادوات الشرط قال ابن هشام فى حرف ثم من المغنى : اجرى الكوفيون ثم مجرى الفاء والواو فى جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط واستدل لهم بقراءة الحسن :

٨٥٨

(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ـ ٤ / ١٠٠ ، بنصب يدرك ، اقول : قرئ بالرفع ايضا ، والقراءة المشهورة بالجزم.

تنبيهات

الاول ان اصل حروف المصدر وام الباب ، فلذا لا يقدر غيرها لدى الحذف ، وقد مر مواضع تقديرها قياسا ، وجاء المضارع منصوبا بتقديرها فى موارد على غير القياس ، ونحن نذكرها.

١ ـ قوله تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) ـ ٢١ / ١٨ ، قرئ فيدمغه بالرفع والنصب ، والقياس هو الرفع.

٢ ـ تسمع بالمعيدى خير من ان تراه ، روى بنصب تسمع ورفعه ، والقياس هو النصب مع ذكر حرف المصدر ، ورفعه من باب سبك الجملة بلا حرف مصدرى ملفوظ او مقدر ، وياتى ذكره فى آخر المبحث.

٣ ـ قولهم : خذ اللص قبل ياخذك بنصب ياخذ.

٤ ـ قوله تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) ـ ٣٩ / ٦٤ ، قرئ اعبد بالنصب ، والقياس هو الرفع.

٥ ـ ما فى هذه الابيات.

الا ايّها الزاجرى احضر الوغى

١٥٠٠ وان اشهد اللّذات هل انت مخلدى

لنا هضبة لا ينزل الذلّ وسطها

١٥٠١ وياوى اليها المستجير فيعصما

ساترك منزلى لبنى تميم

١٥٠٢ والحق بالحجاز فاستريحا

الثانى اهمل ان عن العمل فى هذه الآية وهو قراءة شاذة : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ـ ٢ / ٢٣٣ ، برفع يتم ، وما فى هذه الابيات.

ان تقرء ان على اسماء ويحكما

١٥٠٣ منّى السّلام وان لا تشعرا احدا

٨٥٩

الشعر صعب وطويل سلّمه

١٥٠٤ اذا ارتقى فيه الّذى لا يعلمه

زلّت به الى الحضيض قدمه

١٥٠٥ يريد ان يعربه فيعجمه

الثالث يرفع ان ومدخولها محلا على الاسمية اذا وقعت بعد كان وما يشتق منه وان كان فى المعنى خبرا ، نحو قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٣٠ / ١٠ ، بنصب عاقبة ، أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ـ ١٠ / ٢ ، (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ـ ٦ / ٢٣ ، قرئ تكن بالتاء وبالياء ، وفتنتهم بالرفع والنصب.

اقول : ان كان عدل ان نكرة فالقياس ان تكون منصوبة ومحل ان ومدخولها مرفوعا كما فى الآية الثانية ، والا فجواز الوجهين ان ساعد المعنى ، واما نصب عاقبة وفتنتهم فلا يساعده المعنى لانهما مسند اليهما ، اللهم الا ان القراءة سنة متبعة.

٣ ـ انّ

وهى من الحروف المشبهة بالفعل الناصبة للاسم الرافعة للخبر ، وقد مر ذكرها واحكامها فى المبحث الثانى من المقصد الاول ، وتخفف وتشبه ان الناصبة للمضارع ، والفارق بينهما امور.

الاول ان الناصبة لا تدخل على الجملة الاسمية ، والمخففة تدخل ، نحو قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ١٠ / ١٠ ، واحتمال كون ان فى هذه الآية مفسرة مر فى المبحث العاشر ، وقول المؤذن : اشهد ان لا الاه الا الله ، وكقول الشاعر :

كفى حزنا ان لا حياة هنيئة

١٥٠٦ ولا عمل يرضى به الله صالح

الثانى ان الناصبة لا تقع معمولا للفعل القلبى العلمى سواء اكان بمادة العلم ام بغيرها بخلاف المخففة ، نحو قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى

٨٦٠