علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

الخامس : ذكروا لاما ما ذكروا لا ومن معنى الشك والابهام والتخيير والاباحة والتقسيم ، والكلام فيها كالكلام فيها فراجع.

السابع من حروف العطف بل

وهى حرف عطف للاضراب ، والاضراب فى اللغة الانصراف ، والمراد به هنا رفع اليد من كلام الى كلام ، سواء اكان الاول باطلا واتى به المتكلم غلطا ام لا ، فان كان باطلا فالثانى كبدل الغلط وان كان حقا فارادة المتكلم متعلقة بكلا الكلامين مع خلاف بينهما من وجه لكنه يضرب لمصلحة ، وان وقعت بل بين الجملتين فالاضراب لقصد التعريض غالبا.

نحو قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) ـ ٨٧ / ١٤ ـ ١٧ ، (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) ـ ٢٣ / ٦٢ ، والاضراب عن الغلط نحو قولك : قدمت من السفر يوم السبت بل سافرت يوم السبت.

وقد يكون الاضراب عن حكاية باطل الى ما يخالفه من الحق ، نحو قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ـ ٢١ / ٢٦ ، (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) ـ ٢٣ / ٧٠.

هنا امور

الاول : ان عطفت بل مفردا على مفرد فان كان الكلام مثبتا خبرا او طلبا ، نحو اضرب زيدا بل عمرا اى بل اضرب عمرا وقام زيد بل عمرو اى بل قام عمرو فما قبلها كالمسكوت عنه ، كان المتكلم يقول لمخاطبه دع ذلك حقا كان او باطلا وخذ بالثانى ، وان كان الكلام منفيا خبرا او طلبا فما قبلها يقرر على حاله ويكون مقابله من الحكم الاثباتى لما بعدها ، نحو ما قام زيد بل عمرو ، اى بل قام عمرو ، و

٧٠١

لا تضرب بكرا بل عامرا ، اى بل اضرب عامرا ، فهى بعد النفى والنهى تفيد اضرابا واستدراكا ، وان اريد جعل مثل ما قبلها من الحكم لما بعدها فلابد من اعادة العامل ، نحو ما قام زيد بل ما قام عمرو ، ولا تضرب محمودا بل لا تضرب حميدا

الثانى : قد يزاد قبل بل لا لتوكيد الاضراب بعد الايجاب ، وتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفى كما فى البيتين.

وجهك البدر لابل الشمس لو لم

١١٤٧ يقض للشمس كسفة او افول

وما هجرتك لابل زادنى شغفا

١١٤٨ هجر وبعد تراخى لا الى اجل

الثالث : توهم بعضهم ان بل جاره فى هذا البيت.

بل بلد ملؤ الفجاج قتمه

١١٤٩ لا يشترى كتّانه وجهرمه

الرابع قال ابن هشام فى المغنى : بل حرف اضراب فان تلاها جمله كان معنى الاضراب اما الابطال نحو (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ـ ٢١ / ٢٦ ، اى بل هم عباد مكرمون ، واما الانتقال من غرض الى غرض آخر ، نحو (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) ـ ٨٧ / ١٤ ـ ١٦ ، ووهم ابن مالك اذ زعم فى شرح كافيته انها لا تفع فى التنزيل الا على هذا الوجه (اى الانتقال من غرض الى آخر).

اقول : الحق مع ابن مالك ، لان الاضراب فى قوله تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ليس من مقولهم حتى يكون ابطالا ، بل من قولهم ، وهى وقالوا اتخذ الرحمان ولدا ، فهذا الاضراب انتقال ايضا.

الثامن من حروف العطف ام

وهى ضربان : متصله ومنقطعه ، نذكر احكامهما فى فصلين.

الفصل الاول

ام المتصله هى الواقعه بعد همزه التسويه فالكلام اخبار ، او همزه الاستفهام يطلب

٧٠٢

بها وبام التعيين ، فالكلام انشاء.

واما الواقعة بعد همزة التسوية فهى عاطفة جملة على جملة مصدرة بالهمزة ، والجملتان فى تاويل المصدر ، وهما اما اسميتان او فعليتان او مختلفتان ، والمراد بالتسوية الحكم بتساوى النسبتين فى الجملتين فى الوجود والعدم.

مثاله قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٢ / ٦ ، وسواء مصدر يستعمل مكان اسم الفاعل للمذكر والمؤنث والمفرد وقسيميه ، وهو فى الآية خبر مقدم ، اى متساويان عليهم الانذار وعدمه ، والمراد ان الانذار لا يؤثر فى قلوبهم شيئا ، فهو يساوى عدم الانذار ، وقوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ـ ٧ / ١٩٣ ، اى متساويان دعوتكم وعدمها.

والآيتان لا تدلان على جواز ترك الانذار والدعوة مطلقا ، بل فيمن يقطع بعدم التاثير كالذين قال لهم نبيهم : انى اخاف عليكم عذاب يوم عظيم فقالوا له : (سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) ـ ٢٦ / ١٣٦ ، فهما كالامر بالمعروف والنهى عن المنكر يجبان فيمن يحتمل التاثير فيه كما قال تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) ـ ٨٧ / ٩ ، فالوعظ والانذار والدعوة والتذكير والارشاد والامر بالمعروف والنهى عن المنكر انما تجب فيمن لم يقطع بعدم التاثير فيه ، واما مع القطع بعدمه فمباحة ان لم تستلزم فسادا والا فمحرمة.

وجاء هذا الاسلوب بنفس المصدر من دون ام وهمزة ، نحو قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ـ ٤٥ / ٢١ ، وسواء قرئ مرفوعا فهو خبر مقدم وما بعده مبتدا ، والجملة حال من الفريقين لان ضمير محياهم يرجع اليهم ، وقرئ منصوبا فهو حال وما بعده مرفوع به على الفاعلية.

٧٠٣

وجاء هذا المعنى باسلوب آخر نحو قوله تعالى : (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٥٢ / ١٦ ، وسواء خبر لمبتدا محذوف ، اى الصبر وعدمه سواء عليكم ، وجاء هذا المعنى مع ام والهمزة فى غير كلمة سواء كقول الشاعر.

ولست ابالى بعد فقدى مالكا

١١٥٠ اموتى ناء ام هو الآن واقع

تذكرة

قال ابن هشام فى حرف ام من المغنى : اذا عطفت بعد الهمزة باو فان كانت همزة التسوية لم يجز قياسا ، وقد اولع الفقهاء وغيرهم بان يقولوا سواء كان كذا او كذا ، وهو نظير قولهم : يجب اقل الامرين من كذا او كذا ، والصواب العطف فى الاول بام وفى الثانى بالواو ، وفى الصحاح تقول : سواء على قمت او قعدت ولم يذكر غير ذلك وهو سهو ، وفى كامل الهذلى : ان ابن محيصن قرا من طريق الزعفرانى : سواء عليهم اانذرتهم او لم تنذرهم وهذا من الشذوذ بمكان ، انته كلام ابن هشام ونقله.

اقول : علة عدم جواز او لانها لاحد الامرين او الامور ، فيكون المعنى فى قولك : سواء على اقمت او قعدت سواء على احدهما ولا يجوز ذلك لان التسوية لابدان تكون بين الشيئين او اكثر ، واما ام بعد همزة التسوية فهى بحكم الواو ، ثم ترك الهمزة كما فى كلام الفقهاء وكلام صاحب الصحاح ايضا خلاف القاعدة ، ولكن هذا كله اذا كان المتعاطفان جملتين كما نقل ابن هشام من الكلامين ، واما اذا كانا مفردين فلا همزة ولا ام والعطف بالواو ، نحو قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) ـ ١٣ / ١٠ ، (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) ـ ٤٥ / ٢١ ، (جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ـ ٢٢ / ٢٥ ، وسواء مفعول ثان لجعلناه وما بعده مرفوع به على الفاعلية ، والحاصل ان المتعدد الذى يحكم عليه بالتساوى يكون العطف فيه بالواو او بام التى تؤول الى الواو مع تأويل

٧٠٤

الجملتين الى المصدر ، واما وجه خطاء من كذا او كذا فلانهما بيان للامرين فلابد من الجمع بالواو ، والترديد باطل.

واما المتصلة الواقعة بعد همزة الاستفهام فيطلب بهما تعيين احد الامرين او الامور.

مثال وقوعها بين المفردين قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) ـ ٧٩ / ٢٧ ، (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) ـ ٢١ / ١٠٩ ، ووقوعها بين المفردين اما باعتبار وحدة المسند فهى واقعة بين المسند اليهما ، اى انتم والسماء ، او باعتبار وحدة المسند اليه فهى واقعة بين المسندين ، اى قريب وبعيد ، فهى عاطفة مفردا على مفرد ، اى السماء على انتم وبعيد على قريب.

مثال وقوعها بين الجملتين الاسميتين قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) ـ ٥٦ / ٥٩ ، ونظيرها ثلاث آيات فى هذه السورة ، وكقول الشاعر.

لعمرك ما ادرى وان كنت داريا

١١٥١ شعيثابن سهم ام شعيث ابن منقر

مثال وقوعها بين الفعليتين قوله تعالى : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) ـ ٣٩ / ٦٣.

مثال وقوعها بين المختلفتين قوله تعالى : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) ـ ٥٤ / ٤٣ ـ ٤٤ ، (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) ـ ٢١ / ٥٥ ، وكقول الشاعر.

فقمت للطيف مرتاعا فارّقنى

١١٥٢ فقلت اهى سرت ام عادنى حلم

هنا امور

الاول قال ابن هشام فى اول المغنى فى حرف ام : ويفترق النوعان من اربعة اوجه : اولها وثانيها ان الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابا لان المعنى معها

٧٠٥

ليس على الاستفهام وان الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب لانه خبر ، وليست ام الاخرى كذلك لان الاستفهام معها على حقيقته ، والثالث والرابع ان الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع الابين جملتين مؤولتين بالمفرد ، وام الاخرى تقع بين المفردين وبين جملتين ليستا فى تاويل المفردين.

اقول : ما قال كذلك ، ولكن المفهوم من قوله : لان الاستفهام معها على حقيقته ، ان ام التسوية للاستفهام المجازى كما هو ظاهر كلامه حيث قال فى حرف الهمزة : قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقى فترد لثمانية معان ، احدها : التسوية الخ ، ولكن اطلاق الاستفهام على التسوية ولو مجازا ليس على ما ينبعى اذ ليس فيها معنى الاستفهام اصلا كسائر معانيه المجازية ، على ان المتصلة الاخرى ليست للاستفهام الحقيقى فى كل موضع ، بل تاتى لغير الحقيقى ايضا كقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) ـ ٧٩ / ٢٧ ، وهذه للاستفهام التقريرى ، وقوله تعالى : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) ـ ١٩ / ٧٨ ، وهذه للاستفهام الانكارى وامثالهما كثير فى القرآن ، فالتعبير الصحيح ان يقال : ام التسويه ليست للاستفهام ، وام الاخرى له.

الثانى سميت ام هذه متصلة لاتصال المتعاطفين بالتسوية بينهما او الاستفهام عنهما ، ولاجل كمال الاتصال يكون الجملتان بعدهما فى حكم جملة واحدة ، فان قولك : سواء على اذهبت ام لبثت فى تاويل ذهابك ولبثك سواء وقولك : اانت قلت هذا ام اخوك فى تاويل ايكما قال هذا ، وقوله تعالى : (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) ـ ٢١ / ١٠٩ ، فى تاويل اى الوصفين ثابت لما توعدون ، وقوله تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) ـ ٢١ / ٥٥ ، فى تاويل اى الامرين واقع ، ويقال لها معادلة ايضا لكونها عدلا للهمزة فى التسوية او الاستفهام ، وللواقعة بعد همزة الاستفهام زيادة بيان تاتى فى المبحث الخامس.

الثالث زعم ابن الشجرى على ما حكى ابن هشام فى حرف ام ان الاستفهام

٧٠٦

ينافى العلم ، وكذا نفى العلم ، فقال : ان الهمزة فى امثال قول الشاعر فى البيتين للتسوية.

وما ادرى وسوف اخال ادرى

١١٥٣ اقوم آل حصن ام نساء

لعمرك ما ادرى وان كنت داريا

١١٥٤ شعيثابن سهم ام شعيث ابن منقر

اقول : ان هذا الاشكال اى تنافى العلم والاستفهام وكذا نفيه لا يختص بام بل ياتى فى غيرها ، نحو قوله تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) ـ ٥٤ / ٢٦ ، (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّار) ـ ١٣ / ٤٢ ، (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) ـ ٧٢ / ١٠ ، (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) ـ ٦٩ / ٢٦.

والجواب ان العلم او نفى العلم لا يتعلق بالاستفهام حتى يحصل التنافى ، بل الاستفهام تعلق بالنسبة ، والعلم او نفيه تعلق بالنسبة المستفهم عنها ، فقوله تعالى مثلا : سيعلمون غدا من الكذاب الاشر معناه : سيعلمون غدا هذه النسبة المستفهم عنها ، وكذا نفى العلم ، فمعنى لم ادر ما حسابيه ، اى لم ادر هذه النسبة المستفهم عنها ، وياتى هذا فى غير مادة العلم والدراية ، نحو قوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) ـ ٢٧ / ٣٥ ، اى فناظرة لمعيتهم المستفهم عنها فى رجوعهم فان الباء بمعنى مع ، هذا فى الاستفهام غير المردد.

واما الاستفهام المردد بام او غيرها فالعلم او نفيه يتعلق بالنسبة المرددة ، فمعنى قوله : وان ادرى اقريب ام بعيد ما توعدون ، اى ان ادرى نسبة القرب المستفهم عنها الى ما توعدون بعينها ولا نسبة البعد المستفهم عنها اليه بعينها مع ان احديهما واقعة لا محالة ، وكذا قوله : ولتعلمن اينا اشد عذابا ، اى لتعلمن نسبة الشدة المستفهم عنها انها الى عذ ابى ام الى عذاب رب موسى.

ثم ان المستفهم فرد مبهم لا على التعيين ، والمجيب من نسب اليه العلم او نفى العلم ، فلذلك اختصر ابن هشام هذا البيان فى الاستفهام غير المردد فقال

٧٠٧

فى رد ابن الشجرى : وجوابه ان معنى قولك : علمت ازيد قائم ، علمت جواب ازيد قائم ، وكذلك ما علمت ، واشار الى هذا البيان فى الاستفهام المردد ذيل البيت الثانى بقوله : والمعنى ما ادرى اى النسبتين هو الصحيح.

الرابع : لا يصح الجواب فى ام بلا او نعم لان المطلوب بام هو تعيين احدهما ، فقولك : لا او نعم فى جواب من قال : ازيد عندك ام عمرو هزل وهزء ، فالجواب بالتعيين ، وهو على احد اربعة وجوه : ان يجاب باحدهما او كليهما نفيا او اثباتا ، بان يقال : زيد او يقال : عمرو ، او يقال : زيد وعمرو معا ، او يقال لا زيد ولا عمرو ، فلا فى قول الشاعر فى هذه الابيات جواب بنفى كليهما.

تقول عجوز مدرجى متروّحا

١١٥٥ على بابها من عند اهلى وغاديا

اذو زوجة بالمصر ام ذو خصومة

١١٥٦ اراك لها بالبصرة العام ثاويا

فقلت لها لا انّ اهلى جيرة

١١٥٧ لاكثبة الدهنا جميعا وماليا

وما كنت مذ ابصرتنى فى خصومة

١١٥٨ اراجع فيها يا ابنة القوم قاضيا

اى لا انا ذو زوجة بالبصرة ولا ذو خصومة بها ، وقوله : ان اهلى الخ وقوله : وما كنت مذ الخ دليل على المحذوف من الجواب بعد لا.

واما ان كان العطف باو صح الجواب بلا او نعم لان السؤال بها سؤال عن احدهما لاعن المعين ، فان قيل لك : ازيد عندك او عمرو فان قلت : نعم ، اى عندى احدهما ، وان قلت : لا ، اى ليس عندى احدهما ، وان اجبت بالتعيين فهو جواب مع زيادة افادة ، وهذا هو الفرق بينهما ، فان ام المتصلة لا تقع الا فى الاستفهام ، والجواب مطلوب بها على التعيين ، واو تقع فى الاستفهام وغيره ، وان وقعت فى الاستفهام فلا يطلب بها الجواب على التعيين.

الفصل الثانى

فى ام المنقطعة ، وهى بمعنى بل للاضراب ، فلا تقع الا بين الجملتين ، و

٧٠٨

التى بعدها جملة مستانفة ، فهى حرف استيناف لا حرف عطف ، ولذلك يقال لها المنقطعة لانقطاع ما بعدها عما قبلها من جهة الاعراب وتركيب الكلام ، وان امكن ارتباطه به فى المعنى ، وهى تقع فى موضعين بعد غير الاستفهام خبرا كان او انشاء ، وبعد الاستفهام حقيقيا كان او غير حقيقى ، وهى مع ذلك بالنسبة الى ما بعدها اما للاضراب المحض او الاضراب المتضمن معنى الاستفهام ، فالشقوق حينئذ اربعة.

الشق الاول وقوعها بعد غير الاستفهام للاضراب المحض ، نحو قوله تعالى : (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ـ ٥٢ / ٢٩ ـ ٣٠ ، اى بل يقولون ، (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ـ ٣٢ / ٢ ـ ٣.

الشق الثانى وقوعها بعد غير الاستفهام للاضراب مع الاستفهام ، نحو قوله : تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) ـ ١٣ / ٣٣ ، ام الثانية متصلة ، والاولى منقطعة تفيد الاستفهام الذى يلزم قبل المتصلة ، (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) ـ ٢١ / ٤٢ ـ ٤٣ ، والاستفهام فى الآيتين للانكار الا بطالى ، (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) ـ ٢١ / ٢٤ ، والاستفهام للانكار التوبيخى ، وفى قولهم : انها لابل ام شاء استفهام حقيقى ، والتقدير : ام هى شاء لان ام المنقطعة لا تقع بعدها الا الجملة ، وكقول الشاعر.

كذبتك عينك ام رايت بواسط

١١٥٩ غلس الظلام من الرباب خيالا

الشق الثالث وقوعها بعد الاستفهام للاضراب المحض ، نحو قوله تعالى : (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) ـ ٤٣ / ٥١ ـ ٥٢ ، ومن ذلك قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) ـ ١٣ / ١٦ ، فان ام الثانية للاضراب مع الاستفهام ،

٧٠٩

ولكن الاولى للاضراب المحض لان معنى الاستفهام يفهم من هل بعدها ، وكذا كل موضع يكون بعد ام اداة استفهام ، نحو قوله تعالى : (قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٢٧ / ١٤ ، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) ـ ٦٧ / ٢٠ ، وكقول الشاعر.

انّى جزوا عامرا سوءى بفعلهم

١١٦٠ امكيف يجزوننى السؤى من الحسن

ام كيف ينفع ما تعطى العلوق به

١١٦١ رئمان انف اذا ما ضنّ باللبن

الشق الرابع وقوعها بعد الاستفهام للاضراب المتضمن للاستفهام نحو قوله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ـ ٢٩ / ٢ و ٤ ، والاستفهامان انكار ابطالى.

تنبيه

ان الاصل ان تكون ام متصلة ، ففى كل موضع كان قبلها استفهام وامكن ان يؤول باى الامرين او الامور فهى متصلة ، فلا مجال للترديد والتشكيك بين الاتصال والانقطاع ، نحو قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ٢ / ٨٠ ، اى اى الامرين يكون ، والاستفهام بعد الهمزة انكار ابطالى وبعد ام انكار توبيخى ، (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) ـ ٧ / ١٩٥ ، اى اى هذه الامور يكون للاصنام التى تدعونها ، والاستفهام فى جميع الجمل انكار ابطالى ، وفى كل موضع لم يكن قبلها استفهام سواء اكان بعدها استفهام ام لا فهى منقطعة ، فانظر فيما مضى من الامثلة.

التاسع من حروف العطف لكنّ

وهى بسيطة عند البصريين وهو الحق لعدم دليل على تركيبها ، وهى

٧١٠

للاستدراك ، وهو اثبات ما توهم نفيه او نفى ما توهم اثباته ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ـ ٢ / ٢٤٣ ، فان المؤمن بالله غير العارف باحوال الناس اذا سمع انه تعالى ذو فضل عليهم توهم انهم يشكرونه على فضله ، فاستدرك ذلك ونفى ما توهمه بقوله : ولكن اكثر الناس لا يشكرون ، وقوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) الى قوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ـ ٤ / ١٦٠ ـ ١٦٢ ، فان السامع اذا سمع ما قال الله تعالى فى اليهود توهم ان لا مؤمن فيهم ، فاستدرك ذلك واثبت الايمان لبعضهم بقوله : لكن الراسخون الخ ، وقد يكون الاستدراك مبهما كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) ـ ٢ / ٢٥٣ ،

هنا امور

الاول ان لكن مثقلة او مخففة مع الواو او بدونها تقع بين كلامين متغايرين من وجه ، فان كانت مع الواو فهى العاطفة ولكن تفيد معناها فقط كما قلنا فى اما.

مثال المثقلة مع الواو ، وهو الاكثر الاغلب قوله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) ـ ٨ / ٤٣ ، (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) ـ ٢ / ١٠٢ ، (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) ـ ٦٣ / ٧.

مثال المثقلة بدون الواو ، وهو قليل قول الشاعر.

لكنّه شاقه ان قيل ذا رجب

١١٦٢ يا ليت عدّة حول كلّه رجب

مثال المخففة مع الواو قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) ـ ٢ / ٢٥٣ ، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٢ / ١٢ ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ

٧١١

كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ٩ / ٧٠.

مثال المخففة بدون الواو قوله تعالى : لكن الراسخون الخ ، وقد مر وقول الشاعر :

انّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره

١١٦٣ لكن وقائعه فى الحرب تنتظر

الثانى : ان المثقلة لا تدخل على المفرد بلا كلام ، واما المخففة فتدخل ولكن لا بد من تقدير شىء ليصير جملة ، نحو قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) ـ ٣٣ / ٤٠ ، (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ١٠ / ٣٧ ، ففى الآيتين لا بد من تقدير كان بعدها ليستقيم المعنى والالصار الكلام ما كان محمد ابا احد ورسول الله ، فلابد من تقدير كان بان يقال : ولكن كان رسول الله فيكون الجملة معطوفة على الجملة ، وكذلك الكلام فى الآية الثانية ، اى ولكن كان تصديق الذى بين يديه وتفصيل الكتاب ، وكذا ان كان الكلام مثبتا نحو قام زيد ، فلا يصح ان يقال ولكن عمرو ، بل لا بد من تقدير شىء او ذكره ليصير جملة بان يقال : ولكن عمرو لم يقم او ولكن عمرو قعد ، وكذا الكلام ان لم تقترن بالواو ، والحاصل ان لكن تقتضى المغايرة بين الطرفين وعطف المفرد على المفرد يقتضى الموافقة بينهما فلا تعطف لكن مفردا على مفرد ، بل جملة على جملة لا غير.

الثالث : تدعو الضرورة فى هذه الابيات حذف نون لكن المخففة ، وحذف اسم لكن المثقلة ، ودخول لام التاكيد على خبرها ، وكلها خلاف القاعدة.

فلست بآتيه ولا استطيعه

١١٦٤ ولك اسقنى ان كان ماؤك ذا فضل

فلو كنت ضبّيا عرفت قرابتى

١١٦٥ ولكنّ زنجىّ عظيم المشافر

يلوموننى فى حبّ ليلى عواذلى

١١٦٦ ولكنّنى من حبّها لعميد

الرابع تخفف لكن كاخواتها من الحروف المشبهة بالفعل ، فيهمل فى العمل وتدخل على الجملة الفعلية ايضا ، نحو قوله تعالى : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا

٧١٢

أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ١٦ / ١١٨ ، و (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) ـ ١٨ / ٣٨ ، اصلها لكن انا هو الله ربى.

الخامس تلحق بها ما الكافة كاخواتها وتهمل فى العمل وتدخل على الفعلية كما فى هذه الابيات.

فلا تعدد المولى شريكك فى الغنى

١١٦٧ ولكنّما المولى شريكك فى العدم

ولكنّما اهلى بواد انيسه

١١٦٨ ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد

ولو انّ ما اسعى لادنى معيشة

١١٦٩ كفانى ولم اطلب قليل من المال

ولكنّما اسعى لمجد مؤثّل

١١٧٠ وقد يدرك المجد المؤثّل امثالى

السادس يجوز العطف على محل اسمها كما فى هذا البيت.

وما قصرت بى فى التسامى خؤولة

١١٧١ ولكنّ عمّى الطيّب الاصل والخال

العاشر من حروف العطف لا

وهى تقع عاطفة بشروط.

الاول ان يتقدمها خبر موجب او امر ، نحو جاء زيد لا عمرو ، واعط بكرا لا حارثا ، ولا يتقدمها غير ذلك وهى عاطفة ، الا ان ابن هشام نقل عن سيبويه نحو يا ابن اخى لا ابن عمى فى النداء.

الثانى ان تعطف مفردا على مفرد ، وقولهم : اقوم لا اقعد شاذ ، والقياس اقوم ولا اقعد ، فالعاطف هو الواو ، كقول على عليه‌السلام : من هو ان الدنيا على الله انه لا يعصى الا فيها ولا ينال ما عنده الا بتركها.

الثالث : ان لا يكون معها عاطف آخر ، فقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) ـ ١ / ٧ ، فان لا تاكيد للنفى لا عاطفة ، والعاطف هو الواو ، وكذا قولك : جاءنى زيد لابل عمرو ، فالعاطف بل ولا رد لما قبلها وتاكيد للاضراب.

الرابع : يتعاند متعاطفاها شخصا نحو رايت اباك لا اخاك او نوعا نحو رايت جبلا لا شجرا وعندى رجل لا امراة ، ولا يكون احدهما صادقا على الآخر ، فلا يقال :

٧١٣

ذبحت حيوانا لا بقرا ، ومررت برجل لا بزيد.

الخامس : ان لا تتكرر بلا عاطف آخر ، فلا يقال قام زيد لا بكر لا خالد ، بل تقول ولا خالد ، ومن ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى تلقين فاطمة بنت اسد سلام الله عليها : ابنك ابنك ابنك لا جعفر ولا عقيل ابنك ابنك على بن ابى طالب ، فسئل النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذا الكلام عند قبرها فقال : لما نزل عليها الملكان وسالاها عن ربها فقالت : الله ربى ، وقالا : من نبيك قالت : محمد نبيى ، فقالا : من وليك وامامك فاستحيت ان تقول : ولدى ، فقلت لها : قولى : ابنك على ابن ابى طالب عليه‌السلام فاقر الله بذلك عينها.

السادس : ان لا تقع بين علمين مع عاطف آخر بعد غير ، فلا يقال : انت غير زيد ولا عمرو ، بل يقال : انت غير زيد وعمرو ان اريد مغايرتك لهما ، او يقال : انت غير زيد لا عمرو ان اريد مغايرتك لزيد فقط.

قال ابن هشام فى حرف لا من المغنى : ولا يمتنع العطف بها على معمول الفعل الماضى خلافا للزجاجى ، اجاز يقوم زيد لا عمرو ، ومنع قام زيد لا عمرو ، وما منعه مسموع فمنعه مدفوع ، قال امرؤ القيس.

كانّ دثارا حلّقت بلبونه

١١٧٢ عقاب تنوفى لا عقاب القواعل

تتميم فيه امران

١ ـ قال ابن هشام فى حرف الا من المغنى : والا حرف عطف عند الكوفيين وهى بمنزلة لا العاطفة فى ان ما بعدها مخالف لما قبلها ، لكن ذاك منفى بعد ايجاب وهذا موجب بعد نفى ، وردّ بقولهم : ما قام الا زيد وليس شىء من احرف العطف يلى العامل ، وقد يجاب بانه ليس تاليها فى التقدير اذ الاصل ما قام احد الا زيد.

اقول : كلام الكوفيين فيما كان الاستثناء مفرغا كما يظهر من نقل ابن هشام لا مطلقا ، وهو مع ذلك باطل اذ لا يستشم منه معنى العطف بخلاف لا ، فلا يصح

٧١٤

قياسها عليها.

ثم قال : والثالث من معانى الا ان تكون عاطفة بمنزلة الواو فى التشريك فى اللفظ والمعنى ، ذكره الاخفش والفراء وابو عبيدة ، وجعلوا منه قوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) ـ ٢ / ١٥٠ ،(يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٢٧ / ١٠ ـ ١١ ، اى ولا الذين ظلموا بان يكون عطفا على الناس ، ولا من ظلم بان يكون عطفا على المرسلون ، وتاولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع.

اقول : الحق مع الجمهور ، والا بمعنى لكن كما هو الشان فى الاستثناء المنقطع ، والذين ظلموا منهم مبتدا خبره فلا تخشوهم ، ومن ظلم الخ مبتدا خبره فانى غفور رحيم ، اى غفور له.

٢ ـ قال ابن هشام فى سادس المغنى : والحادى عشر من امور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها قولهم فى نحو قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ـ ٤ / ٣ : ان الواو نائبة عن او ، ولا يعرف ذلك فى اللغة ، وانما يقوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين ، ثم نقل عن ابى طاهر حمزة بن الحسين الاصفهانى والزمخشرى جوابا عن الآية بان الواو فيها بمعناها وليست نائبة عن او.

اقول : خلاصة الجواب كما ذكرنا فى خاتمة مبحث الاسماء من كتاب الصرف ان هذه الاعداد المعدولة تدل على الجمع والتفريق ، اى ثبوت الحكم لكل منها اى لكل من العدد المجموع على حدته لامع الآخر ، فقولك : كل حبات العنب مثنى وثلاث معناه كل منها اثنيتن معا لا تضم اليهما غيرهما وكل منها ثلاثا لا تضم اليها غيرها ، وليس معناه : كل حبات العنب اثنتين وثلاثا لان هذا يدل على الجمع بين العددين ، والمراد تفريق كل عدد عن الآخر وجمع مضمونه فى نفسه فقوله تعالى : (فَانْكِحُوا

٧١٥

ما طابَ) الخ معناه لكم ان تجمعوا بين اثنتين ليس معهما اخرى ، وان تجمعوا بين ثلاث ليس معهن اخرى ، وان تجمعوا بين اربع ليس معهن اخرى.

فى الكافى عن الرضا عليه‌السلام : امّا بعد فانّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان امين الله فى خلقه ، فلمّا قبض عليه‌السلام كنّا اهل البيت ورثته ، فنحن امناء الله فى ارضه ، عندنا علم البلايا والمنايا وانساب العرب ومولد الاسلام ، وانّا لنعرف الرجل اذا رايناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق ، وانّ شيعتنا لمكتوبون باسمائهم واسماء آبائهم ، اخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ، ليس على ملّة الاسلام غيرنا وغيرهم ، نحن النجباء ونحن افراط الانبياء ونحن ابناء الاوصياء ، ونحن المخصوصون فى كتاب الله عزوجل ، ونحن اولى الناس بكتاب الله ونحن اولى الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن الّذين شرع الله لنا دينه فقال فى كتابه : شرع لكم (يا آل محمّد) من الدين ما وصّى به نوحا (قد وصّانا بما وصّى به نوحا) والّذى اوحينا اليك (يا محمّد) وما وصّينا به ابراهيم وموسى وعيسى (فقد علّمنا وبلّغنا علم ما علّمنا واستودعنا علمهم ، نحن ورثة اولى العزم من الرسل) ان اقيموا الدين (يا آل محمّد) ولا تتفرّقوا فيه (وكونوا على جماعة) كبر على المشركين (من اشرك بولاية علىّ) ما تدعوهم اليه (من ولاية علىّ) انّ الله (يا محمّد) يهدى اليه من ينيب (من يجيبك الى ولاية علىّ عليه‌السلام).

٧١٦

المبحث الثانى

فى حروف النداء ، وهى ثمانية : يا ، وا ، ا، آ ، اى ، آى ، ايا ، هيا ، وليس فى القرآن منها الايا ، والنداء هو طلب اقبال الشئ ، والمنادى مع حرف النداء كلام تام لانه قائم مقام فعل نحو ادعو وانادى ، فالمنادى مفعول فى المعنى ، فقولك : يا زيد معناه ادعو زيدا ، وفى دعاء للسجاد عليه‌السلام : ادعوك يا رب راهبا راغبا راجيا خائفا ، ادعوك يا سيدى بلسان قد اخرسه ذنبه ، وجملة النداء انشائية لا خبرية ، وهنا فصول.

الفصل الاول

فى اعراب المنادى وبنائه ، فان منه معربا ومنه مبنيا ، والمعرب منه ثلاثة اقسام والمبنى منه قسمان ، هذه خمسة اقسام.

القسم الاول المنادى المضاف ، وهو معرب منصوب نحو قوله تعالى : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) ـ ١٢ / ١١ ، وفى الدعاء : يا سرور العارفين يا رجاء المذنبين ، وكقول على عليه‌السلام : يا اهل المعروف و

٧١٧

الاحسان لا تمنوا باحسانكم فان الاحسان والمعروف يبطلهما قبح الامتنان ، ونحو يا ذا القرنين ويا عبد الله وغيرهما.

القسم الثانى شبه المضاف ، وهو كل وصف يعمل فيما بعده رفعا او نصبا ، وهو معرب منصوب ايضا ، نحو يا حسنا وجهه ، يا ضاحكا سنه ، يا جائيا ابوه غدا ، يا طالعا جبلا ، يا ضاربين ابى لا تضرباه ، وفى دعاء الجوشن يا حيا قبل كل حى ويا حيا بعد كل حى.

ومن ذلك ما يعمل فى الجار والمجرور بعده ، وهذا اكثر ، نحو يا متقين فى السر والاعلان ابشروا بالسعد والامان ، وفى الدعاء : يا فعالا لما يريد ، يا كافيا من كل شىء ، يا قائما على كل شىء ، يا اقرب من كل قريب ، يا اغنى من كل غنى ، يا منفسا عن المكروبين ، يا مفرجا عن المغمومين ، وكما فى البيتين.

يا طالبا لمعالى الملك مجتهدا

١١٧٣ خذها من العلم اوخذها من المال

يا ساريا فى دجى الاهواء معتسفا

١١٧٤ مآل امرك للخسران والندم

وقال بعضهم فى هذا القسم من المنادى : انه من المذالق النحوية ، ليس بعربى اصيل ، بل هو مثال مختلق فى كتب النحو ، لان الوصف لا يعمل الا ان يكون معتمدا على نفى او استفهام او مبتدا او موصوف او ذى حال ، وتقبله بعض آخر وقال فى التوجيه امورا.

اقول : ان فقرات الدعاء مروية عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى دعاء الجوشن الكبير المعروف ، ثم ما يمنعهم ان يزيدوا على تلك الخمسة واحدا هو حرف النداء ، بل ورب ايضا على ما مر بيانه فى المبحث الثانى والعشرين من المقصد الاول ، فالمعتمدات فى باب عمل الوصف سبعة ثم ان مرفوع الوصف الذى عمل فيما بعده النصب او عمل فى الجار والمجرور ضمير مستتر فيه ، وهو انت او احد فروعه.

القسم الثالث : النكرة المقصودة على غير التعيين ، وهو منصوب ايضا ، نحو قول الاعمى فى الطريق : يا رجلا خذ بيدى ، فان مقصوده فرد غير معين لانه

٧١٨

لم يقصد رجلا معينا ، وكقول الواعظ على المنبر : يا غافلين تنبهوا فان الرحيل قريب ، وكقول الشاعر.

ايا راكبا امّا عرضت فبلّغن

١١٧٥ ندا ماى من نجران الّا تلاقيا

القسم الرابع : المعرفة ، وهو مبنى على الضم ، نحو قوله تعالى : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ـ ٢ / ٣٥ ، (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) ـ ١١ / ٤٨ ، (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) ـ ٤٣ / ٧٧ ، (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) ـ ١١ / ٧٦ ،(يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) ـ ١١ / ٦٢ ،(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) ـ ٣٨ / ٢٦ ، (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ـ ٣ / ٤٣.

القسم الخامس : النكرة المقصودة على التعيين وهو مبنى على الضم ايضا ، وهو الاسم الذى ليس معرفة فى الاصل ، ولكن يطرء عليه التعريف بسبب النداء ، لان المنادى يقصد فردا معينا ويوجه النداء اليه بحصوصه ، نحو يا عالم يا قادر يا حى متوجها الى الله تعالى ، وكما تقول مشيرا الى احد : يا رجل تعال.

هذا اذا كان النكرة المقصودة على التعيين غير موصوفة ، واما مع الوصف فحكمها حكم شبه المضاف لان الصفة تظهر بعد الموصوف كالمعمول ، نحو ما جاء فى الدعاء : يا حليما لا يعجل ، يا جواد لا يبخل ، يا خالقا غير مخلوق ، يا رازقا غير مرزوق ، يا حيالا يموت ، وكقول الشاعر.

يا واشيا حسنت فينا اساءته

١١٧٦ نجّى حذارك انسانى من الغرق

وقد تقع هذه النكرة فى الشعر منونة مع انها غير موصوفة وذلك للضرورة ، فحينئذ جاز رفعها ونصبها كما فى هذه الابيات.

يا قمرا لا تفش اسرار الورى

١١٧٧ وارحم فؤاد الساهر الولهان

حسبنا منك يا عليّا اياد

١١٧٨ يتغنّى بها الزمان نشيدا

سلام الله يا مطرا عليها

١١٧٩ وليس عليك يا مطر السلام

٧١٩

لا تهجنى يا حميدا انّ لى

١١٨٠ فتكة الليث اذا الليث غضب

ولا يخفى ان الامر فى المثنى والمجموع كذلك ، فان قصدا فى النداء على التعيين فمبنيان على الالف والواو مكان الضمة ، نحو يا راكبان انزلا ويا واقفون اجلسوا متوجها الى افراد معينين ، وان لم يكونوا معينين فقل يا راكبين ويا واقفين بالنصب ، ولا تحذف النون فى حال البناء وان كانت عوضا عن التنوين فان حذفها يختص بحال الاضافة.

وههنا امور

الامر الاول : قد ينادى غير الفاهم لكلام الادمى من الحيوان والنبات والجماد ، بل المعانى ، نحو قوله تعالى : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) ـ ١١ / ٤٤ ، (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ـ ٣٤ / ١٠ ، وكقول على عليه‌السلام : يا دنيا يا دنيا اليك عنى ابى تعرضت ام الى تشوقت لا حان حينك هيهات غرى غيرى لا حاجة لى فيك قد طلقتك ثلاثا لارجعة فيها فعيشك قصير وخطرك يسيرو املك حقير ، آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد ، وكما فى هذه الابيات.

ايا جبلى نعمان بالله خلّيا

١١٨١ نسيم الصبا يخلص الىّ نسيمها

يا ليل طل يا نوم زل

١١٨٢ يا صبح قف لا تطلع

حيّتك عزّة بعد الهجر وانصرفت

١١٨٣ فحىّ ويحك من حيّاك يا جمل

فيا هجر ليلى قد بلغت بى المدى

١١٨٤ وزدت على ما ليس يبلغه هجر

يا طير والامثال تضرب للّبيب الامثل

١١٨٥ دنياك من عاداتها الّا تكون لا عزل

ويا حبّها زدنى جوى كلّ ليلة

١١٨٦ ويا سلوة الايّام موعدك الحشر

ايا وطنى العزيز رعاك ربّى

١١٨٧ وجنّبك المكاره والشرورا

قالوا : هذا نداء مجازى حكمى نزل من لا صلاحية له للنداء منزلة من له الصلاحية لداع بلاغى.

٧٢٠