علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

احدهما ما يسوغ الابتداء به ، كقوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) ـ ٢ / ٢٦٣ ، (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ـ ٤٧ / ٢١ ، اى هما احسن من غيرهما ، ونحو رجل واخى سافرا ، سعيد وامراة يتحادثان.

الموضع التاسع عشر : ان يكون على المبتدا لام الابتداء ، نحو لروضة كنا نتماشى فيها.

الموضع العشرون : ان يكون جواب سوال ، كما تقول : رجل فى جواب من قال : من عندك ، اى رجل عندى.

تنبيهات

١ ـ قد يجتمع اثنان او اكثر من هذه المسوغات فى مورد واحد ، نحو (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) ـ ٢ / ٢٢١ ، (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) ـ ٥٠ / ٤ ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٧٧ / ١٥ ، (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) ـ ٣٨ / ٢٥ ،.

٢ ـ قال ابن هشام فى رابع المعنى باب مسوغات الابتداء بالنكرة : لم يعول المتقدمون فى ضابط ذلك اى جواز الابتداء بالنكرة الا على حصول الفائدة ، وراى المتاخرون انه ليس كل احد يهتدى الى مواطن الفائدة فتتبعوها ، فمن مقل مخل ، او مكثر مورد ما لا يصلح ، او معدد لامور متداخلة ، والذى يظهر لى انها منحصرة فى عشرة امور ، انته كلامه.

اقول : قال بعضهم : انها تنته الى اربعين ، والاوسط ما ذكرنا ، وقول ابن هشام انها منحصرة فى عشرة امور يدل على غفلته عن بعض الموارد ، وراى المتاخرين انه ليس كل احد يهتدى الى مواطن الفائدة فيه نظر لان الغربى او العالم بالعربية يبعد جدا ان لا يعرف موطن الفائدة عن غير موطنها ، والجاهل بها خارج عن محل الكلام.

٣ ـ لا يجوز ان يكون المبتدا نكرة والخبر معرفة الا ان يكون معها احد المسوغات

٦١

فيجوز على قلة كقوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) ـ ٣ / ٩٦ ، وقول الشاعر :

قفى قبل التفرّق يا ضباعا ٣٧

ولا يك موقف منك الوداعا

واما لا مع مسوغ فشاذ وضرورة كقول الشاعر.

كانّ خبيئة من بيت راس ٣٨

يكون مزاجها عسل وماء

اللهم الا ان يقال : ان نفس العطف مسوغ ولا يلزم الشرط الذى ذكرناه فى الموضع الثامن عشر كما هو مذهب بعض.

٤ ـ ان مجىء المبتدا والخبر معرفتين كثير جدا الى حد يكاد يزيل الاصل المذكور ،

نحو قوله تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) ـ ٤٧ / ٣٨ ، (اللهُ الصَّمَدُ) ـ ١١٢ / ٢ ، (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) ـ ٤٢ / ١٠ ، (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ـ ٢ / ١٣٧ ،.

ثم ان المبتدا هو المحكوم عليه والمسند اليه ، والخبر هو المحكوم به والمسند ، سواء اكان السامع عالما باحدهما ام جاهلا ام عالما بكليهما جاهلا بالنسبة فقط ام عالما بهما وبالنسبة ، ولا فرق فى ذلك بين ان يكونا معرفتين او نكرتين او مختلفين ، وان اشتبه على السامع وجه الاسناد فعليه ان ياخذ المقدم مبتدا والمؤخر خبرا ، لان المتكلم جعل صورة الاسناد كذلك وهو اعرف بمراده وكلامه.

فان قيل : الله ربنا اسند الربوبية الى الله تعالى ، وان قيل : ربنا الله اسند الالوهية الى الرب تعالى ، فالمقدم هو المبتدا فى الصورتين ، وان قيل : الله حسبنا او حسبنا الله اسند الكفاية الى الله فى الصورتين ، فالله هو المبتدا فى الصورتين ، وان قيل : افضل منى افضل منك وجب اخذ المقدم مبتدا والموخر خبرا لان المتكلم هكذا اتى بصورة الاسناد ، ولو اخذ بالعكس امكن ان يكون خلاف مراده ، لان ظاهر مراده ان كل من هو افضل منه افضل من مخاطبه ، لا ان كل من هو افضل من مخاطبه افضل منه ، اذ لعل فى اعتقاده ان احدا افضل من مخاطبه وليس افضل منه ، وان قيل : كم مالك فالمال مسند اليه ، لان المخاطب يجيب : مالى

٦٢

اربعة او خمسة دنانير مثلا.

وكذا المناط فى سائر المبهات كاسم الاستفهام والشرط ، فان قيل : من عندك او من قام فمن مبتدا بلا ريب وخلاف ، لان الظرف والفعل لا يصلحان للابتداء ، وان قيل : من اب لك او من ابوك او من زيد فمن خبر على المناط الذى ذكرنا ، لان المخاطب يجيب : ابى زيد مثلا وزيد ابو عمرو مثلا ، وان قيل : من ذا الذى يشفع ، فكذا ايضا ، وقس على ما ذكرنا ما لم نذكره.

واما اسم الشرط فى مثل من يقم اقم معه فمن مبتدا بلا خلاف ، وانما الخلاف فى خبره ، وياتى بيان ذلك فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث ، وفى مثل ابو خنيفة ابو يوسف ، وقول الشاعر.

بنونا بنوا ابناءنا وبناتنا ٣٩

بنوهنّ ابناء الرجال الاباعد

فان القرينة قائمة على ان المتكلم يريد الاسناد الى المتاخر فالمتاخر هو المبتدا ، اذ يريد ان يشبه ابا يوسف بابى حنيفة لا العكس لان ابا حنيفة عنده افضل فغيره يشبه به ، ويريد الشاعر ان يقول : ابن الابن ابن للجد لا ابن البنت.

هذا الحق الذى احق ان يتبع ، والنحاة اختلفوا فى ضابط تعيين المبتدا والخبر ، وان شئت الوقوف على ما اتوا به فراجع اول رابع المغنى ، وشرح الصمدية عند قول المصنف : قاعدة : المجهول ثبوته للشى الخ.

واعلم ان الجملة المؤولة الى المصدر بحكم المعرفة فى مثل ان تصوموا خير لكم ، لان التاويل صومكم خير لكم ، وبحكم النكرة المخصصة فى مثل ان يعطينى رجل احب الى من ان ياخذ منى ، لان التاويل اعطاء رجل الخ.

الامر السادس

قيل : الاصل فى الخبر ان يكون مفردا لا جملة ، ولكن يكاد هذا الاصل ان يكون مخصصا بالاكثر ، فالاصل رفض هذا الاصل ، وعلى اى حال فهنا انواع من المبتدا

٦٣

يجب ان يكون خبره جملة ، وهى اسماء الشرط الواقعة مبتداة ، وضمير الشان ، والمخصوص بالمدح او الذم اذا تقدم ، وما التعجبية ، وكايّن ، وياتى بيان كل منها فى مبحثه.

الامر السابع

ان الاصل فى المبتدا تقديمه وفى الخبر تاخيره ، ويجوز العكس اذا لم يختل المعنى ، الا انه يجب فى مواضع تقديم الخبر ، وفى مواضع يمتنع تقديمه ، ونحن نذكرها فى فصلين.

الفصل الاول فى المواضع التى يجب فيها تقديم الخبر فيمتنع تاخيره فيجب تاخير المبتدا ، وهى :

١ ـ اذا كان المبتدا نكرة والخبر ظرفا او جارا ومجرورا ، نحو (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ـ ١٢ / ٧٦ ، (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) ـ ٢ / ٧ ، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ـ ٢ / ١٠ ، (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ـ ٥٠ / ٣٥ ، وانما يجب التقديم ان اوهم التاخير انه صفة للنكرة كان يقال مثلا : مرض فى قلوبهم ، فالسامع يظن انه صفة وينتظر للخبر ، وان لم يوهم فلا ، نحو (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ـ ٦ / ٢ ، فان الظرف ظاهر انه خبر.

٢ ـ اذا كان المبتدا نكرة والخبر جملة ، نقله السيوطى عن شرح التسهيل ، ومثاله قليل غير مأنوس بالاذهان ، ومثل له : قصدك غلامه رجل.

٣ ـ اذا كان الخبر مماله صدر الكلام كاسم الاستفهام ، نحو كيف حالك ، واين منزلك ومتى رحلتك ، وما شغلك ، وكم مالك ، وكذا اذا دخل عليه جار او اضيف اليه اسم ، نحو فيم فكرك ، وعلى اى اساس عملك ، وابن من انت.

٤ ـ اذا اتصل بالمبتدا ضمير يعود الى شى من الخبر ، نحو قوله تعالى : (أَمْ

٦٤

عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ـ ٤٧ / ٢٤ ، ونحو فى الحديقة صاحبها ، وانما يجب تقديم الخبر هنا لئلا يلزم عود الضمير الى المتاخر لفظا ورتبة ، فانه ضعيف ، وياتى بيانه فى المبحث الخامس من المقصد الثانى.

٥ ـ اذا كان الخبر محصورا فى المبتدا بالا او انما او غيرهما ، نحو (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) ـ ٣٥ / ٣ ، اى لا خالق الا الله ، (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ـ ٢٠ / ٩٨ ، لا الاه الا الله ، ولو انعكس فسد المعنى ، والحصر باب فى علم المعانى.

٦ ـ اذا كان المبتدا مصدرا بان المفتوحة ، نحو عجب انك غافل عن الآخرة ، ولو انعكس كسرت ان ولم يفهم المراد ، اذ يصير غافل خبرا ، وعجب لغوا او خبرا عن محذوف ، نحو هذا عجب.

الفصل الثانى

فى المواضع التى يجب فيها تاخير الخبر فيمتنع تقديمه فيجب تقديم المبتدا.

١ ـ ان يكون المبتدا محصورا فى الخبر ، كقوله تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) ـ ١٦ / ١٢٧ ، (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) ـ ٨٨ / ٢١ ، (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) ـ ٣ / ١٤٤ ، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) ـ ١٤ / ١٠ ، (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ـ ٢ / ١١ ، ولو انعكس فسد المعنى ، وانما الفساد فيما اذا كان الخبر اعم ، اما اذا ساوى المبتدا فلا فساد ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ـ ١٧ / ٤٤ ، فلو قلت وما من مسبح بحمده الا شىء فلا فساد.

٢ ـ ان يكون المبتدا مما له الصدر كاسماء الشرط كقوله تعالى : (مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) ـ ٦٥ / ٢ ، (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ـ ٦ / ١٦٠ ، واسماء الاستفهام نحو من عندك ، وما التعجبية نحو قول الشاعر :

ما احسن الدين والدنيا اذا اجتمعا ٤٠

واقبح الكفر والافلاس فى الرجل

٦٥

٣ ـ ان يكون المبتدا مدخول لام التاكيد المسماة بلام الابتداء ، نحو (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ ـ مِنَ اللهِ) ـ ٥٩ / ١٣ ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) ـ ٢٠ / ١٢٧ ، وياتى ذكر هذه اللام فى خاتمة الكتاب.

٤ ـ ان يكون الخبر فعلا نحو زيد يضرب ، ولو انعكس صار المبتدا فاعلا والجملة فعلية مع ان احكامهما مختلفة.

٥ ـ ان يكون الخبر مصدرا بالفاء وياتى ذكره فى الامر التاسع.

٦ ـ ان يكون الخبر من باب الاشتغال ، نحو زيد ضربته ، ولو قدم خرج من هذا الباب ، وياتى فى المبحث السادس عشر.

٧ ـ ان يكون المبتدا مذ او منذ ، وياتيان فى المبحث الثانى من المقصد الثانى.

٨ ـ ان يكون المبتدا ضمير الشان ، وياتى فى المبحث الخامس من المقصد الثانى.

٩ ـ ان يكون على الخبر حرف زائد ، نحو و (ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ١١ / ١٢٣ ، وياتى ذكر حروف الزيادة فى خاتمة الكتاب.

١٠ ـ ان يكون الخبر طلبا ، نحو زيد هل رايته.

١١ ـ ان يكون على الجملة هاء التنبيه ، نحو ها انا واقف هنا ، وياتى ذكر حروف التنبيه فى المبحث الثامن فى المقصد الثالث.

١٢ ـ ان يكون الخبر متعددا ، نحو قوله تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) ـ ١٨ / ٥٨ ،.

١٣ ـ ان يكون المبتدا ضميرا ، نحو هو ربكم.

١٤ ـ ان يكون بينهما ضمير الفصل ، نحو قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ٢ / ٥ ، وياتى ذكر هذا الضمير فى المبحث الخامس من المقصد الثانى.

١٥ ـ ان يكون المبتدا فى باب الاخبار بالذى ، وياتى بيانه فى المبحث

٦٦

الخامس من المقصد الثانى.

١٦ ـ ان يكون الخبر اعم ، نحو الانسان حيوان.

١٧ ـ ان يشتبه المراد ، نحو افضل منى افضل منك.

١٨ ـ ان يكون الجملة دعائية ، نحو قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ـ ٨٣ / ١ ، هذا ، ولكن لا يخلو هذه المواضع من التخلف.

الامر التاسع

يجب الفاء على الخبر ان كان المبتدا بعد اما ، نحو قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) ـ ١١ / ١٠٨ ، وكقول على عند دفن سيدة النساء عليهما‌السلام : اما حزنى فسرمد واما ليلى فمسهد ، وياتى حكم اما فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

وفى غير هذا الموضع يحسن دخول الفاء على الخبر ان استشم منه معنى الجزاء ، نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) ـ ٣٣ / ٥٨ ، (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) ـ ٤ / ٣٣ ، (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) ـ ٨٥ / ١٠ ، (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) ـ ٦٢ / ٨ ، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ـ ٥ / ٣٨ ، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ـ ٢٤ / ٢ ، (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ـ ٢٤ / ٤ ، وما فى هذه الابيات.

فو الله ما فارقتكم قاليا لكم ٤١

ولكنّ ما يقضى فسوف يكون

كلّ سعى سوى الّذى يورث الفو ٤٢

ز فعقباه حسرة وخسار

وكلّ الحادثات وان تناهت ٤٣

فمقرون بها الفرج القريب

والاكثر فى هذا الباب ان يكون المبتدا موصولا او كلمة كل والخبر انشائيا ،

٦٧

وهذه الفاء زائدة للتاكيد ، وياتى ذكرها فى الخاتمة.

الامر العاشر

فى الحذف ، وهو لا يجوز فى موضع الا ان يكون عليه قرينة تدل السامع اليه ، الا ان يريد المتكلم ابهاما ، والمبتدا والخبر كل منهما يحذف جوازا ووجوبا ، فهى اربع صور :

الاولى : حذف المبتدا جوازا وهو فى مواضع.

١ ـ بعد القول : كقوله تعالى : (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ـ ٥١ / ٢٩ ، اى انا عجوز عقيم ، (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ـ ٥١ / ٣٩ ، اى قال فرعون : موسى ساحر او مجنون ، (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) ـ ٥٤ / ٢ ، اى تلك الآية سحر مستمر ، (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) ـ ١٨ / ٢٢ ، اى اصحاب الكهف ثلاثة ، (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)ـ ٢٥ / ٥ ، اى قال الكفار : هذا القرآن اساطير الاولين ، (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) ـ ١٢ / ٤٤ ، اى قال اهل التعبير لملك مصر : رؤياك اضغاث احلام.

٢ ـ بعد الاستفهام ، كقوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) ـ ٥٦ / ٢٧ ـ ٢٨ ، اى هم فى سدر مخضود ، (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) ـ ١٠٤ / ٥ ـ ٦ ، اى الحطمة نار الله ، (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ) ـ ١٠١ / ١٠ ، اى هى نار حامية ، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ـ ١٨ / ١٠٤ ، اى هم الذين ضل سعيهم الخ ، ومن ذلك : كيف حالك فتجيب : خير ، اين ابوك فتجيب : فى السوق.

٣ ـ بعد فاء الجواب ، نحو قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ـ ٤١ / ٤٦ ، اى فصالح عمله لنفسه فاساءته عليها ،(وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) ـ ٢ / ٢٢٠ ، اى وان تخالطوا اليتامى فهم اخوانكم ، (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) ـ ٤١ / ٤٩ ، اى ان مس الانسان شر فهو يؤوس قنوط.

٦٨

٤ ـ فى موارد اخرى مختلفة خارجة عن القياس كقوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ـ ٢ / ١٨ ، اى المنافقون صم الخ ، (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) ـ ٣ / ١٩٦ ، اى تقلبهم متاع قليل ، او عيشهم ودنياهم ، (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) ـ ٤ / ١٧١ ، اى لا تقولوا الا هنا ثلاثة ، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) ـ ٤٦ / ٣٥ ، اى هذا القرآن بلاغ ، (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ـ ٧٤ / ٢٩ ـ ٣٠ ، اى سقر لواحة للبشر.

وجاء فى كلامهم : راكب الناقة طليحان ، اى راكب الناقة والناقة طليحان ، اى متعبان ، وقيل يقاس عليه كما يقال : طالب الحق ممدوحان ، ولا باس به.

الثانية : حذف الخبر جوازا ، وهو فى مواضع :

١ ـ خبر لا النافية للجنس ، وياتى بيانها فى مبحث حروف النفى فى المقصد الثالث.

٢ ـ حذف خبر سائر النواسخ ، وياتى فى مباحث النواسخ.

٣ ـ حذف خبر المبتدا فى موارد مختلفة حسب القرينة ، نحو قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ـ ٥ / ٥ ، اى حل لكم ، وانما لم يوخذ معطوفا على احد الطعامين حتى لا يحتاج الى التقدير لعدم المناسبة فى الاول وعدم الجواز فى الثانى ، لان المحصنات من المومنات ليست حلّا لهم ، (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) ـ ١٣ / ٣٥ ، اى وظلها دائم ، وانما لم يوخذ معطوفا على اكلها لافراد دائم فان المفرد لا يقع خبرا عن المثنى الا فى موارد قليلة مر ذكرها فى الامر الرابع ، (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) ـ ٥٠ / ٣٦ ، اى هل من محيص للكافرين من عذاب الاخرة ، (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ـ ٥١ / ٢٥ ، اى سلم الملائكة سلاما ، قال ابراهيم سلام عليكم انتم قوم منكرون او هم قوم منكرون ، (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ـ ٥٤ / ١٥ ، اى هل من مدكر يتذكر.

٦٩

وقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) ـ ٢ / ١٤٠ ، اى ام الله اعلم ، وقد اخطا ابن هشام فى خامس المغنى باب حذف الخبر حيث رد من قال فى هذه الآية بالتقدير وقال : لا حاجة الى دعوى الحذف لصحة كون اعلم خبرا عنهما ، اقول : وذلك لان اسم التفضيل مفردا انما يقع خبرا عن المتعدد اذا كان نسبة التفضيل واحدة ، نحو سعيد ومسعود افضل من سعاد ، واما اذا اختلفت فلا ويجب تعدد الخبر كما اذا كان سعيد افضل من خالد فقط ومسعود افضل من حارث فقط : فلا يصح ان يقال : سعيد ومسعود افضل من خالد وحارث لان معناه ان كلا منهما افضل من كل منهما ، وهذا خلاف الواقع لان المفروض ان كلا منهما افضل من واحد منهما ، وتقدير الآية : اانتم اعلم من الله ام الله اعلم منكم ، وعلى ما قال ابن هشام يكون التقدير : اانتم ام الله اعلم ، فنسأل من المفضل عليه حينئذ؟ ، ونظيره (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) ـ ٧٩ / ٢٧ ، اى اانتم اشد خلقا من السماء ام السماء اشد خلقا منكم.

ومن حذف الخبر قولهم : انت اعلم ومالك ، اى انت اعلم من غيرك بمالك ومالك بيدك ، فالواو حالية ، وقال ابن هشام : ليس هذا من حذف الخبر ، والتقدير : انت اعلم بمالك ، ثم انيبت الواو مناب الباء قصد اللتشاكل اللفظى لا للاشتراك المعنوى ، وهذا منه عجيب وخروج عن الاسلوب العربى ، ومراده بالتشاكل اللفظى اتحادهما فى المخرج ، مع انه صرح فى حرف الواو انها فى هذه الجملة بمعنى الباء فقوله : لا للاشتراك المعنوى ينافى ذلك ، فعلى ما ذهب فالاشتراك المعنوى او الاستعمال المجازى موجود مع التشاكل اللفظى ، وانه لا بد منه ، ولعل نظره فى نفى الاشتراك المعنوى اثبات الاستعمال المجازى ، ولكنه لا يظهر من كلامه.

وقال الدسوقى فى حاشيته على المغنى ، توجيه ابن هشام مخالف للقواعد ، والحق ما قاله الرضى ، ان الاصل انت اعلم بحال مالك فانت ومالك ، اى مقترنان لا علقة لنا بكما فلا نشير عليك فيه بشئ ، اقول : فالواو على تقدير الرضى للعطف ، وما قلت اظهر واسهل واحسن.

٧٠

٤ ـ حذف الخبر بعد اذا الفجائية ، نحو خرجت فاذا السبع ، اى بالباب او واقف ، وكون اذا خبرا مقدما كما قيل باطل ، لان ظرف الزمان لا يقع خبرا للذات ، والالتزام بان التقدير : فاذا حصول السبع حتى يصير المبتدا اسم الحدث لا ملزم له ولا يقبله الطبع.

٥ ـ فى جواب السؤال كما يقال : من فى المكتبة فيجاب على ، اى على فى المكتبة الثالثة حذف المبتدا وجوبا وهو فى مواضع.

١ ـ فى النعت المقطوع المرفوع ، نحو الحمد لله الحميد ، برفع الحميد ، اى هو الحميد ، وياتى توضيحه فى باب النعت من المبحث الحادى عشر فى المقصد الثانى.

٢ ـ فى المخصوص بالمدح والذم ، نحو نعم الرجل عبد الله ، اى هو عبد الله ، وياتى توضيحه فى المبحث التاسع عشر.

٣ ـ فى باب اليمين ، نحو فى ذمتى لافعلن كذا ، اى فى ذمتى يمين ، وقد يكون الخبر محذوفا وجوبا فى هذا الباب ، وياتى توضيحه فى المبحث الرابع عشر من المقصد الثالث.

٤ ـ اذا كان المبتدا بلفظ الخبر وهو متبوع بوصف ، نحو قوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ـ ١٢ / ٨٣ ، اى فصبرى صبر جميل ، وامكن ان يكون التقدير : فشانى صبر جميل ، او يكون من قبيل حذف الخبر ، اى فصبر جميل خير او مرضى لله ، او يكون من حذف نعت المبتدا اى فصبر مرضى لله جميل ، والثانى اوفق الاحتمالات ، (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) ـ ٢٤ / ٥٣ ، اى طاعتى طاعة معروفة ، اى حسنة ، وكما تقول لمن رايت منه عجيبا : امر عجيب ، اى امرك امر عجيب ، واذا لم يكن المبتدا بلفظ الخبر او لم يكن متبوعا جاز الحذف ، نحو قوله تعالى : (يَقُولُونَ طاعَةٌ) ـ ٤ / ٨١ ، اى يقول المنافقون فعلنا طاعة لك ، وكما تقول لمولاك : سمع وطاعة ، اى شانى سمع وطاعة ، وفى هذا كلام ياتى فى التكملة.

٥ ـ فى باب ولا سيما اذا كان ما بعده مرفوعا ، نحو احب اخوانى ولا سيما جعفر ،

٧١

اى ولا مثل الذى هو جعفر ، وياتى تفصيله فى مبحث ادوات الاستثناء فى المقصد الثالث.

الرابعة ، حذف الخبر وجوبا ، وهو فى مواضع.

١ ـ اذا وقع المبتدا بعد لو لا او لو ما الشرطية ، نحو لو لا على لهلك عمر ، اى لو لا على موجود ، وياتى تفصيله فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث.

٢ ـ ان يكون المبتدا اسما اقسم به ، نحو (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) ـ ١٥ / ٧٢ ، اى لعمرك قسمى ، وياتى تفصيله فى مبحث كلمات القسم فى المقصد الثالث ، والدليل على ان المحذوف خبر ، لا مبتدا دخول لام الابتداء لانها لا تدخل على خبر المبتدا.

٣ ـ اذا عطف على المبتدا اسم بالواو وكان الكلام صريحا فى المعية ، نحو وكل صانع وما صنع ، اى مقترنان ، وكل رجل وضيعته ، وان جىء بمع مكان الواو فهو مع مدخوله خبر ، ولا حاجة الى تقدير ، كما يقال : كل رجل مع ضيعته ، كذا قالوا.

ولكن جاء فى كلام امير المومنين عليه‌السلام مذكور الخبر ، وهو : وانتم والساعة فى قرن واحد ، وفى وصف المتقين : فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون ، وفى قول الشاعر.

تمنّوا لى الموت الّذى يشعب الفتى ٤٤

وكلّ امرئ والموت يلتقيان

واجيب بان الكلام ليس صريحا فى المعية ، وفيه نظر فانظر ، فان معنى المعية فيه ظاهر ، بل صريح اذ العطف المحض غير مستقيم لان التقدير حينئذ : فهم كمن قد رآها والجنة كمن قد رآها ، نعم ظاهر البيت ان الواو للعطف ، لان الالتقاء ثابت لكل منهما.

٤ ـ اذا كان المبتدا مصدرا او مضافا الى المصدر وبعده حال يستفاد منه معنى الخبر ولا يصلح ان يكون خبرا ، نحو ضربى زيدا قائما ، واكثر شربى السويق ملتوتا ، واخطب ما يكون الامير على المنبر ، وفى الحديث : اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، ويقدر الخبر بالمناسبة من افعال العموم ككائن وموجود وحاصل ، وما فى المثال

٧٢

الثالث وفى الحديث مصدرية ، ويقدر الخبر قبل الحال لتكون حالا للضمير المستتر فيه ، فان صلح ما بعده للخبرية فهو الخبر ، نحو ضربى زيدا فى الدار.

ونظير هذا الاسلوب قد يقع فى كلامهم ، نحو محمد وشريكه يضاربه ، فان الفعل المذكور حال والخبر يقدر بالمناسبة نحو متخاصمان ومثله ، وان قال احد : ليكن المذكور خبرا قلنا : لا باس ، ولكن الاول اليق بالتركيب الكلامى.

تكملة

من هذا الباب ما يجوز فيه كل من الامرين : تقدير المبتدا او الخبر ، ويكثر ذلك بعد فاء الجواب او شبهها ، نحو قوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ،) وقد مر ، (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ـ ٥٨ / ٣ ، اى فعليه تحرير رقبة فالمقدر خبر ، او فواجبه تحرير رقبة ، فالمقدر مبتدا ، ومثله : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ـ ٢ / ٢٨٠ ، (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ـ ٢ / ١٨٤ ، (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ـ ٢ / ١٩٦ ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) ـ ٥ / ٨٩ ،.

وجاء فى موارد اخرى ، نحو قوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) ـ ١٩ / ١ ، اى هذه الايات ذكر رحمة الخ ، او فى هذه الايات ذكر رحمة ،(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢ / ١١٢ ، اى التائبون الخ هم المومنون ، فالمقدر خبر ، او هم التائبون الخ فالمقدر مبتداء ، وفى بعض القراءات : التائبين العابدين الخ بالجر فيكون وصفا للمؤمنين فى الآية السابقة ، (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ـ ٤٧ / ٢١ ، اى امثل او خير ، فالمقدر خبر ، وامرنا طاعة لله وقولنا قول معروف ، فالمقدر مبتدا.

ونحو عمرك لافعلن بدون لام الابتداء يجوز فيه الوجهان ، اى عمرك قسمى ،

٧٣

او قسمى عمرك ، واما مع اللام فهو المبتدا لا غير كما مر بيانه ، وقال ابن هشام فى خامس المغنى : اذا دار الامر بين كون المحذوف مبتدا وكونه خبرا فايهما اولى ، ثم قال : قال الواسطى : الاولى كون المحذوف المبتدا لان الخبر محط الفائدة ، وقال العبدى : الاولى كونه الخبر لان التجوز فى اواخر الجملة اسهل.

اقول : هذا التعليل كسائر تعليلاتهم ، والامر موكول الى القرينة والقواعد.

الامر الحادى عشر

قد يكون الخبر موطئا ، اى ليس مقصودا بالاصالة ، بل المقصود ما بعده ، ولولاه لم يكن للكلام فائدة ، نحو قوله تعالى : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ـ ٢٧ / ٥٥ ، ولهذا جىء بتجهلون مخاطبا طبقا لانتم ، ومثله (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ـ ٢٧ / ٥٦ ، وكقول الشاعر.

كفى بجسمى نحو لا انّنى رجل ٤٥

لو لا مخاطبتى ايّاك لم ترنى

ويجرى التوطئة فى الحال والنعت ، وياتى ذكر كل منهما فى مبحثه.

الامر الثانى عشر

لا يصح ان يكون المبتدا عين الخبر باللفظ ، نحو الرجل رجل ، ولا بالمفهوم بان يكونا مترادفين نحو الانسان بشر ، لعدم الفائدة فيه ، فان شوهد من ذلك شىء فلا بد من اعتبار تغاير بينهما ليحصل الفائدة ، نحو قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) ـ ٥٦ / ١٠ ـ ١١ ، اى السابقون الى الايمان هم السابقون الى الجنة ، وقيل : الثانى تاكيد للاول والخبر اولئك المقربون ، وكما فى هذين البيتين.

بلاد بها كنّا ونحن نحبّها ٤٦

اذ الناس ناس والزمان زمان

انا ابو النجم وشعرى شعرى ٤٧

لله درّى ما يجنّ صدرى

ثم قد ذكرنا فى الامر السادس من المقدمة ان الكلام اما مبتدا وخبر وهو

٧٤

الجملة الاسمية ، او فعل وفاعل وهو الجملة الفعلية ، وغيرهما فضلة وملحقات بالكلام حسب ارادة المتكلمين ، ومن تلك الملحقات افعال وحروف تدخل على الجملة الاسمية ، وهى ستة انواع ، تسمى بالنواسخ ، وسميت بها لانها تنسخ اى تزيل اعراب المبتدا او الخبر.

١ ـ حروف النصب وتسمى بالحروف المشبهة بالفعل لانها كالفعل تنصب وترفع ، وهى انّ وانّ وكانّ ولكنّ وليت ولعلّ ، ويعبر عنها بان واخواتها ، وهذه الحروف اول ما اخذ ابو الاسود من كلام العرب وجعل عملها قاعدة على ما مر بيانه فى الامر الرابع من المقدمة.

٢ ـ الافعال الناقصة ، وهى كان وصار وليس ودام واصبح واضحى وامسى وطلّ وبات وزال وبرح وفتأ وانفكّ ، وسميت ناقصة لان الفعل التام ، نحو قام زيد مع المرفوع بعده الذى هو فاعله يصير جملة ويفيد فائدة تامة ، بخلاف هذه الافعال فانها لاجل معانيها تحتاج ان يقع بعدها جملة حتى يصير الكلام تاما ، ومع اسم واحد مرفوع ناقصة من حيث المعنى ولا تفيد فائدة تامة ، ولها مصادر وصيغ المضارع وبعض الاسماء المشتقة الا ليس فانه ليس له الا اربع عشرة صيغة من الماضى ويعبر عنها بكان واخواتها.

٣ ـ افعال المقاربة ، وهى كثيرة ، اشهرها احد عشر فعلا وهى كاد واوشك وكرب وعسى واخلولق وحرى وطفق وجعل وانشأ وعلق وهبّ ، وهى كالافعال الناقصة ناقصة تحتاج الى جملة بعدها حتى يتم معانيها ، ولكن سميت بها لتمتاز عنها ، والمقاربة تسمية باعتبار معانيها ، ويعبر عنها بكاد واخواتها او عسى واخواتها لانهما اصل الباب كانّ وكان.

٤ ـ افعال القلوب ، وهى افعال يكون مصادرها بمعنى الادراك نحو علم وظن ، ولذلك سميت بها لان الادراك فعل القلب ، وهى كثيرة ياتى ذكرها.

٥ ـ لا النافية للجنس ، وتسمى بلا التبرئة وعملها عمل ان ، وتسمى الشبيهة

٧٥

بان ايضا.

٦ ـ ما ولا ولات وان المشبهات بليس فى المعنى والعمل ، وياتى بيانها وبيان التى قبلها فى مبحث ادوات النفى فى المقصد الثالث ، ونذكر هنا الاربع الباقية فى مباحث.

ـ فى الكافى عن امير المؤمنين عليه‌السلام قال : ايّها الناس اعلموا انّ كمال الدّين طلب العلم والعمل به الا وانّ طلب العلم اوجب عليكم من طلب المال ، انّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفى لكم والعلم مخزون عند اهله وقد امرتم بطلبه من اهله فاطلبوه.

٧٦

المبحث الثانى

فى النوع الاول من النواسخ.

وهو ان واخواتها ، وهى تدخل على المبتدا والخبر ، فتنصب المبتدا ويسمى اسمها ، وترفع الخبر ويسمى خبرها ، فلا يقال لهما المبتدا والخبر بعد دخولها ، بل يقال مثلا : اسم ان وخبر ان ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ، * ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ* ، كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ، وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ، لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ، وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ،) ونذكر كلا منها مع احكامها.

١ ـ انّ

ومعناها التوكيد ، والتوكيد فى اللغة بمعنى التقوية فانك اذا قلت : الله واحد اسندت الوحدانية الى الله ، واذا قلت ان الله واحد اكدت الحكم والاسناد ، اى تقول للمخاطب ان هذا الحكم قطعى لا تشك فيه ، فكانك قلت : الله واحد لا ريب فى وحدانيته.

واما احكامها فامور

الاول : قد تجتمع ان مع لام التوكيد التى تدخل على المبتدا فيضاعف التوكيد ويجب تقديم خبرها او تاخير اللام الى خبرها لئلا يلتقى حرفان للتوكيد ، نحو قوله

٧٧

تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) ـ ٣ / ١٣ ، (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) ـ ١٠٠ / ١١ ، وهذه اللام هى لام الابتداء تسمى هنا مزحلقة لانها زحلقت الى وسط الجملة لئلا يجتمع حرفان للتوكيد ، وياتى ذكرها فى خاتمة الكتاب.

الثانى انها تخفف فيبطل عملها وتدخل على الجملة الفعلية ايضا ، واكثر دخولها على الافعال الناسخة ، ويجب حينئذ دخول تلك اللام على خبرها او على معمول خبرها او على جزء من الجملة ان كانت فعلية لتمتاز عن ان النافية والشرطية ، وتسمى فى هذا المورد باللام الفارقة لذلك ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) ـ ٦٨ / ٥١ ، (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ـ ٢٦ / ١٨٦ ، (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) ـ ٢ / ١٤٣ ، (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) ـ ٢٠ / ٦٣ ، على بعض القراءات ، وكقول الشاعر.

شلّت يمينك ان قتلت لمسلما ٤٨

حلّت عليك عقوبة المتعمّد

الثالث لا يجوز تقديم خبرها على اسمها الا ان يكون ظرفا او جارا ومجرورا ، نحو قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ـ ٩٤ / ٥ ـ ٦ ، (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) ـ ٥ / ٢٢ ، وكذا معمول خبرها كقول الشاعر.

فلا تلحنى فيها فانّ بحبّها ٤٩

اخاك مصاب القلب جمّ بلابله

الرابع وقع التخلف عن قاعدة اعمالها واهمالها فى موارد ، وهى :

١ ـ (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) ـ ٢٠ / ٦٣ ، بتشديد ان فى قراءة بعض ، ومثله ما فى الحديث : ان من اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ، قيل : من زائدة واشد منصوب المحل والمصورون خبر ان ، والحق ان من للتبعيض ، والمصورون اسم ان تخلف عن القاعدة.

٢ ـ (إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ـ ١١ / ١١١ ، بتحفيف ان فى قراءة بعض ، وفى هذه الآية قراءات ، ومثله ما حكى سيبويه عن بعض العرب : ان عمرا لمنطلق.

٣ ـ ما فى الحديث : ان قعر جهنم سبعين خريفا بنصب الاسم والخبر كليهما

٧٨

٤ ـ ما فى هذين البيتين.

انا ابن اباة الضيم من آل مالك ٥٠

وان مالك كانت كرام المعادن

اذا اسودّ جنح اللّيل فلتات ولتكن ٥١

خطاك خفافا انّ حرّاسنا اسدا

الخامس تلحقها ما الكافة فتكفها عن العمل ، وما بعدها حينئذ مبتدا وخبر ، وتدخل على الجملة الفعلية ايضا ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ـ ٥ / ٥٥ ، (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ـ ١٠ / ١٠٨ ، وكلمة انما تفيد الحصر ، والحصر باب فى علم المعانى ،.

السادس قد يحذف خبر ان كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) ـ ٤١ / ٤١ ، اى يلقون فى النار ،(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) الخ ـ ٢٢ / ٢٥ ، اى نذيقهم من عذاب اليم بقرينة ذكره فى آخر الآية وكقول الشاعر.

انّ محلّا وانّ مرتحلا ٥٢

وانّ فى السفر اذ مضوا مهلا

وقد يكون حذف خبرها كحذف خبر المبتدا الذى يسد الحال محله فى نحو اكثر شربى السويق ملتوتا ، نحو قول الشاعر.

انّ اختيارك ما تبغيه ذا ثقة ٥٣

بالله مستظهرا بالحزم والجدّ

السابع يجوز العطف على اسم ان لفظا ومحلا سواء اوقع المعطوف بعد الخبر ام قبله ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ٥ / ٦٩ ، عطف (الصَّابِئُونَ) على محل الَّذِينَ ، اى محلها المحكوم ، (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) ـ ٣٣ / ٥٦ ، برفع الملائكة فى قراءة بعض وكما فى البيتين.

فمن يك امسى بالمدينة رحله ٥٤

فانّى وقيّار بها لغريب

فمن يك لم ينجب ابوه وامّه ٥٥

فانّ لنا الامّ النجيبة والاب

٧٩

الثامن يجب كسر ان فى مواضع لان فى تلك المواضع لا تقع الا جملة.

١ ـ فى ابتداء الكلام ، ومعنى الابتداء ان لا يكون قبله كلام او لا يكون مرتبطا به من حيث التركيب والاعراب ، وياتى بيان الجملة المبتدئة فى المبحث التاسع من المقصد الثانى ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)ـ ٩٧ / ١ ، (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ١٠ / ٦٢ ، وكقول الشاعر.

يخفى صنائعه والله يظهرها ٥٦

انّ الجميل اذا اخفيته ظهرا

٢ ـ فيما يكون بعدها اللام المزحلقة ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٧ / ١٦٧ ، (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) ـ ٦٣ / ١ ، ولو لا اللام لوجب فى الآية الثانية فتحها.

٣ ـ بعد اذا كقول الشاعر.

وكنت ارى زيدا كما قيل سيّدا ٥٧

اذا انّه عبد القفا واللهازم

واقسام اذا وما وقع بعدها تاتى فى المبحث الثالث فى المقصد الثانى والمبحث الرابع فى المقصد الثالث.

٤ ـ فى صدر الصلة ، نحو قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) ـ ٢٨ / ٧٦ ، ما موصولة ، وان مع مدخولها صلة لها ، وان لم تقع صدر الصلة فلا يجب كسرها ، بل قد يجب فتحها ، نحو جاء الذى عندى انه فاضل ، اذ انه فاضل مبتدا يجب تاويله بالمصدر.

٥ ـ فى مقام الخبر عن الذات ، نحو حميد انه فائز ، اذ بالفتح تؤول بالمصدر ، وهو لا يقع خبرا للذات الا بالمجاز ، نحو زيد عدل ، ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ـ ٢٢ / ١٧ ، ان الثانية خبر للاولى.

٦ ـ فى مقام جواب القسم ، نحو قوله تعالى : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ـ ٤٤ / ١ ـ ٣ ، وياتى ذكر القسم وكلماته فى المبحث الرابع عشر

٨٠