علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

البدل وتعين البيان فى نحو قولك : هند قام عمرو اخوها ، ونحو مررت برجل قام عمرو اخوه ، ونحو زيد ضربت عمرا اخاه.

اقول : هذا معنى قولهم : ان البدل فى نية اعادة العامل ، يعنون ان البدل حيث انه مقصود بالاصالة فلابد ان يكون مع العامل ، وحيث شغله المتبوع فلا بد ان يعاد فيصير البدل مع العامل المنوى جملة اخرى ، فلا يصح ان يكون هذه الامثلة من البدل ، اذ لا يصح ان يقال : هند قام عمرو قام اخوها ، وكذا المثالان الآخران ، وهذا كله فى بدل الكل من الكل ، واما غيره فظاهر وضوحا فلا يشابه عطف البيان ولا يشتبه به.

واعلم انه اذا اشتبه عطف البيان والبدل فالاصل ان يكون عطف البيان ، لان المتكلم يريد بكل كلام افادة معنى ، فاتيان كلمة او كلام توطئة لغيره خلاف الاصل ، وعلى هذا فالاكثر كون التابع غير النعت والتاكيد اذا لم يكن مع حرف العطف عطف بيان ولا يخفى انهما لا يشتبهان على ما مر منا من البيان.

فصل

فى قولهم : يغتفر فى الثوانى ما لا يغتفر فى الاوائل ، وسماه ابن هشام فى ثامن المعنى بالقاعدة ، وفى عبارة همع الهوامع : يجوز فى الثوانى ما لا يجوز فى الاوائل ، ومرادهم ان القواعد النحوية قد تتخلف فى التوابع قياسا ، ونذكر من ذلك امثلة ، وكل ما ذكره ابن هشام فى الفرق السابع من الفصل السابق من هذا الباب ، وعلى هذا فلا باس بكونها ابدا لا.

١ ـ : كل شاة وسخلتها بدرهم ، عطف سخلتها على شاة ، ولا يضاف كل الى معرفة مفردة ، كذا قال ابن هشام ، وهذا غفلة منه لقوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) ـ ٣ / ٩٣ ، (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) ـ ٤ / ١٢٩ ، (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ،) ـ ١٧ / ٣٨ ، (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ـ ٣ / ١٥٤ ، (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ـ ٢ / ٣١ ، وقول على عليه‌السلام : كل نعيم الدنيا ثبور ، كل الغنى فى القناعة والرضا ، كل يسار الدنيا

٦٦١

اعسار ، كل الحسب متناه الا العقل والادب.

٢ ـ : رب كبير من ذنبك تستصغره ، من ذنبك نعت لكبير ، ورب لا تدخل على الحرف ، ونظيره رب صغير من عملك تستكبره ، هذان من كلام امير المؤمنين عليه‌السلام ، ومثل ابن هشام بقوله : رب رجل واخيه ، ورب لا تجر الا النكرة.

٣ ـ : مررت برجل قائم ابواه لا قاعدين ، عطف قاعدين على قائم بحرف لا ، ولا يجوز مررت برجل قاعدين ابواه.

٤ ـ : ما فى البيتين.

ان تركبوا فركوب الخيل عادتنا

١٠٧٤ او تنزلون فانّا معشر نزل

واىّ فتى هيجاء انت وجارها

١٠٧٥ اذا ما رجال بالرجال استقلّت

٥ ـ : قوله تعالى : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ـ ٢ / ٣٥ ، رفع زوجك باسكن حسب العطف ، والامر المخاطب لا يرفع الظاهر ، ومثلها (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) ـ ٢٠ / ٤٢ ،

٦ ـ : قوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) ـ ٢٦ / ٤.

قال ابن هشام هذه الآية من هذا الباب لان ظلت معطوف على ننزل ، ولا يكون فى النثر فعل الشرط مضارعا والجواب ماضيا ، ولا يجوز ان يقم زيد قام عمرو الا فى الشعر كقول الشاعر.

ان يسمعوا سبّة طاروا بها فرحا

١٠٧٦ عنّى وما يسمعوا من صالح دفنوا

اقول : ان ابن هشام غفل عن هذه الآيات : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) ٦٦ / ٤ ، (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) ـ ٣٦ / ٤٧ ، و (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٨٣ / ١٣ ، وياتى تفصيل هذا فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

٦٦٢

هذا آخر المقصد الثانى ، ونشرع فى المقصد الثالث بعون الله تعالى ، واول مباحثه فى حروف العطف ، وهو خامس التوابع التى ذكرنا اربعة منها.

وله الحمد مصليا على محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.

فى الكافى عن ابى الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسجد فاذا جماعة قد اطافوا برجل ، فقال : ما هذا ، فقيل : علّامة فقال : وما العلّامة ، فقالوا له : اعلم الناس بانساب العرب ووقايعها وايّام الجاهليّة والاشعار والعربيّة ، قال فقال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذاك علم لا يضرّ من جهله ولا ينفع من علمه ، ثمّ قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّما العلم ثلاثة : آية محكمة او فريضة عادلة او سنّة قائمة ، وما خلاهنّ فهو فضل.

٦٦٣

فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا الى الجنّة ، وانّ الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به ، وانّه يستغفر لطالب العلم من فى السماء ومن فى الارض حتّى الحوت فى البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وانّ العلماء ورثة الانبياء ، انّ الانبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ولكن ورّثوا العلم ، فمن اخذ منه اخذ بحظّ وافر.

قوله : انّ الانبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ، يعنى : لم يورّثوا هؤلاء الورثة اى العلماء دينارا ولا درهما ، فانّ التوريث ذو مفعولين ، وهذا لا ينافى توريثهم ذوى قرباهم اموالهم ان كانت لهم.

٦٦٤

المقصد الثالث

فى الكلمات التى تقترن بالجمل ، وكل صنف منها لمعنى ، وفى هذا المقصد خمسة عشر مبحثا.

المبحث الاول

فى حروف العطف ، وهى عشرة : الواو ، الفاء ، ثمّ ، حتّى ، او ، امّا ، بل ، ام ، لا ، لكنّ ، ويقال للتابع المعطوف : عطف النسق ، لانه ينسق اى يربط بالحرف العاطف على المعطوف عليه وهو المتبوع ، ويطلق العطف ايضا على فعل المتكلم ، وانما افرزته عن مبحث التوابع وهو احد التوابع لانه لمكان الحروف انسب بهذا المقصد ، وزاد بعضهم على هذه الحروف الا ، وياتى.

الاول من حروف العطف الواو

وهى الاصل فى العطف وام الباب ، فانها تعطف كل شىء على كل شىء بخلاف غيرها ، ومعناها الجمع بين المتعاطفين مطلقا ، ولا تفيد الترتيب ولا التراخى ولا المعية ولا التقدم والتاخر بينهما ، بل ان فهم ذلك من الكلام

٦٦٥

فبالقرينة لا من دلالة الواو ، كما فى قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) ـ ٢٩ / ٥١ ، فان النجاة له ولهم فى زمان واحد ، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) ـ ٥٧ / ٢٦ ، فان ارسال نوح قبل ابراهيم بزمان كثير ، (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٢٨ / ٧ ، فان رده الى امه بعد القائه فى اليم بقليل وجعله رسولا بعد اربعين سنة ، وعكس ذلك قوله تعالى : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ـ ٤٢ / ٣ ، فان الوحى الى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بواسطة جبرئيل بعد الانبياء السالفين ، فالمعية والتقدم والتأخر فى هذه الامور علمت من الآيات والتواريخ ، وليس للواو الا الجمع بين المتعاطفين فى الحكم.

هنا امور

الامر الاول

يعطف الظاهر على الظاهر ، كقوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدائِقَ وَأَعْناباً وَكَواعِبَ أَتْراباً وَكَأْساً دِهاقاً) ـ ٧٨ / ٣٤ ، (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) ـ ٧٦ / ٤.

والظاهر على الضمير ، كقوله تعالى : (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) ـ ٧٧ / ٣٨ ، (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) ـ ٢٦ / ١٨٤ ، (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) ـ ٢٦ / ١٧٠.

والضمير على الظاهر ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) ـ ٤ / ١٣١ ، (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) ـ ٦٠ / ١.

والضمير على الضمير ، كقوله تعالى : (قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) ـ ٧ / ١٥٥ ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) ـ ٢٩ / ٦٠.

٦٦٦

الامر الثانى

ان العطف على الضمير المرفوع المتصل بارزا كان او مستترا يشترط ان يكون بين المعطوف عليه والمعطوف الاول فصل بالضمير المنفصل او بلا النافية او شىء آخر ، نحو قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ـ ٢ / ٣٥ ، (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) ـ ٢٠ / ٤٢ ، و (عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) ـ ٦ / ٩١ ، (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) ـ ٦ / ١٤٨ ، (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) ـ ١٣ / ٢٣ ، وقد يجتمع الضمير المنفصل مع شىء آخر للفصل ، نحو قوله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ـ ٧ / ٢٧ ، (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) ـ ٢٦ / ٩٤ ، وان لم يكن المعطوف عليه ضميرا مرفوعا متصلا فلا يشترط الفصل ، وجاء قليلا عدم رعاية هذا الشرط ، كقولهم : مررت برجل سواء والعدم ، اى متساو ، ففى سواء ضمير مرفوع ، وما فى هذا البيت.

ورجا الاخيطل من سفاهة رايه

١٠٧٧ ما لم يكن واب له لينالا

الامر الثالث

اذا عطف شىء على الضمير المجرور سواء اكان مجرورا بالحرف ام بالاسم ففى الاكثر اعادة الجار على المعطوف واحدا كان او متعددا ، نحو قوله تعالى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) ـ ١٤ / ٤١ ، و (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ ٤٢ / ٣ ،(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) ـ ٤١ / ١١ ،(قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ) ـ ٢ / ١٣٣ ، (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) ـ ٢٦ / ١١٨ ، وجاء بلا اعادة الجار قليلا ، نحو قوله تعالى : (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ـ ٢ / ٢١٧ ، (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ـ ٤ / ١ على قراءة جر الارحام ، (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ـ ٤٥ / ٤ ، على

٦٦٧

ان يكون ما يبث عطفا على كم ، وكقولهم : ما فى الدار غيره وفرسه ، وكقول الشاعر :

اليوم قد بتّ تهجونا وتشتمنا

١٠٧٨ فاذهب فما بك والايّام من عجب

وان لم يكن المعطوف عليه ضميرا فلا يلزم اعادة الجار ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ـ ٢٢ / ٢٥ ، إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ ـ ٣٧ / ٨٥.

الامر الرابع

لا كلام فى جواز العطف على معمولى عامل واحد ، نحو ان زيدا ذاهب وعمرا جالس ، وعلى معمولات عامل واحد ، نحو اعلم زيد عمرا بكرا جائيا وسعد خالدا سعيدا ذاهبا ، ولا كلام ايضا فى منع العطف على معمولات اكثر من عاملين ، نحو ان زيدا ضارب ابوه لعمرو واخاك غلامه بكر.

واما العطف على معمولى عاملين فلا يجوز ايضا الا ان يكون المعمول الاول مجرورا والثانى مرفوعا او منصوبا ، نحو فى الدار زيد والحجرة عمرو ، كان فى الدار زيد والحجرة عمرو ، ان فى الدار زيدا والحجرة عمرا ، اذ لم يوجد بالاستقراء من ذلك غير هذه الصورة ، والاحسن مع ذلك اعادة العامل بان يقال : فى الدار زيد وفى الحجرة عمرو ، كان فى الدار زيد وكان فى الحجرة عمرو ، ان فى الدار زيدا وان فى الحجرة عمرا ، ولكن يخرج المثال عن فرض المسالة وهو عطف المفردين على المفردين الى عطف الجملة على الجملة.

ومثال ذلك من كتاب الله قوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ـ ٤٥ / ٣ ـ ٥ ، قرئت آيات الثانية والثالية بالرفع وبالنصب ، والشاهد فى الثالثة مع خبرها المقدم اذ ليس على خبرها لفظة فى وما فى هذه الابيات.

٦٦٨

اكلّ امرئ تحسبين امرا

١٠٧٩ ونار توقّد باللّيل نارا

هوّن عليك فانّ الامور

١٠٨٠ بكفّ الالاه مقاديرها

فليس بآتيك منهيّها

١٠٨١ ولا قاصر عنك مامورها

ثم ان فى المسالة اقوالا ذكرها ابن هشام فى رابع المغنى والسيد فى شرح الصمدية مع بعض التعليلات ، والا ولى بنارفضها.

الامر الخامس

جاز عطف الجملة على الجملة كائنة ما كانت بل عطف غير الجملة عليها وبالعكس ، والمجوز لذلك ذوق البلاغة فحيث يجوز فهو جائز ، ومنهم من منع عطف الانشائية على الخبرية وبالعكس ، ومنهم من منع عطف الاسمية على الفعلية وبالعكس ، وذلك منع فى قبال الواقع واجتهاد فى قبال النص ، ونقل ابن هشام فى رابع المغنى عن المانعين تاويلات فيما ورد من ذلك لا ملزم لها ، بل جراة عليه تعالى فى تاويل الآيات ، ولاصحاب علم المعانى تفاصيل فى العطف بالواو وغيرها مذكورة فى باب الفصل والوصل ، واما عطف الجملة على مثلها من حيث الاخبار والانشاء والفعلية والاسمية والماضوية والمضارعية فلا كلام فيه ، ونحن نذكر من كل قسم من المتخالفة امثلة.

١ ـ عطف الجملة الانشائية على الخبرية ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ـ ١٠٨ / ١ ـ ٢ ، (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) ـ ٩٧ / ١ ـ ٢ ، (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) ـ ٩٦ / ١٥ ـ ١٧ ، (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٨٤ / ٢٣ ، يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ـ ٨٣ / ٢٥ ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) ـ ٧٦ / ٢٤ ، رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ ـ ٣ / ١٦ ، (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ

٦٦٩

بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) ـ ٢ / ٥٤ ، (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) ـ ٢ / ٦١ ، (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ـ ١٩ / ٤٦ ، (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ـ ١٦ / ١ ، (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ـ ١١ / ٥٤ ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ـ ٢ / ٢٤ ، وليس بشر معطوفا على اتقوا لتخالف الخطاب ، وغير هذه من الآيات على كثرتها وسئل على عليه‌السلام عن القدر فقال : طريق مظلم فلا تسلكوه وبحر عميق فلا تلجوه وسر الله فلا تتكلفوه ومن ذلك ما فى هذه الابيات.

وانّ شفائى عبرة مهراقة

١٠٨٢ وهل عند رسم دارس من معوّل

تناغى غزالا عند باب ابن عامر

١٠٨٣ وكحّل اما قيك الحسان باثمد

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

١٠٨٤ واكرومة الحيّين خلو كما هيا

٢ ـ عطف الخبرية على الانشائية ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ـ ٦ / ١٢١ ، (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ـ ١٠٧ / ١ ـ ٢ ، (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) ـ ٩٦ / ٣ ، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) ـ ٢ / ٤٥ ، (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) ـ ٢ / ١١٠ ،.

٣ ـ عطف الاسمية على الفعلية ، نحو قوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ـ ١٠٩ / ٢ ـ ٣ ، (يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) ـ ٨٢ / ١٥ ، (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ـ ٢ / ٧٤ ، (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) ـ ٢ / ١٠٢.

٤ ـ عطف الفعلية على الاسمية ، نحو قوله تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ـ ٨١ / ٢٢ ، (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) ـ ٧٦ / ١٠ ، (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٢ / ٢٤٥ ، (مِنْهُمْ

٦٧٠

مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) ـ ٢ / ٢٥٣ ، (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ) الخ ـ ٢٤ / ٥٠.

٥ ـ عطف المفرد على الجملة ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) ـ ٦ / ٩٥ ، يخرج خبرثان لان بلا عطف ومخرج خبر ثالث عطف عليه ، (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) ـ ٥ / ٤٦ ، مصدقا عطف على فيه هدى ونور ، وهما حالان للانجيل ، وكما فى هذه الابيات.

وجدنا الصالحين لهم جزاء

١٠٨٥ وجنّات وعينا سلسبيلا

بات يعشّيها بعضب باتر

١٠٨٦ يقصد فى اسوقها وجائر

يا ربّ بيضاء من العواهج

١٠٨٧ امّ صبىّ قد حبا او دارج

٦ ـ عطف الجملة على المفرد ، نحو قوله تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) ـ ١١٠ / ١ ـ ٤ ، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) ـ ٦٧ / ١٩ ، (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ـ ٧ / ٤ ، هم قائلون عطف على بياتا وكما فى هذا البيت.

كتابك جاء بالنّعمى بشيرا

١٠٨٨ ويعرض فيه عن خبرى سؤال

٧ ـ عطف المفرد على شبه الجملة وبالعكس ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) ـ ١٠ / ١٢ ، (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ـ ٢ / ١٨٤.

٨ ـ عطف السالبة على الموجبة ، نحو قوله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) الخ ـ ٢ / ٨٥ ، (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) ـ ٢ / ٨٠ ، (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) ـ ٢ / ١١٩ ، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) ـ ٧ / ٣١.

٦٧١

٩ ـ عطف الموجبة على السالبة ، نحو قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ـ ٢ / ١٣٦ ، (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) ـ ٢ / ١٥٠ ، (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) الخ ـ ٢ / ١٧٧.

١٠ ـ عطف الشرطية على الحملية ، نحو قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) ـ ٦ / ٨ ، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ـ ٧ ـ ٣٤.

١١ ـ عطف الحملية على الشرطية ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ـ ١٦ / ٦١.

١٢ ـ عطف الجملة الماضوية على المضارعية وبالعكس ، نحو قوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) ـ ١١ / ٩٨ ، (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) ـ ٢٧ / ٨٧ ، ونحو قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) ـ ١٧ / ١٣.

تنبيه

قد يعطف نفس الفعل على الفعل لا الجملة على الجملة ، وهو من عطف المفرد على المفرد ، نحو جاء وجلس زيد لان الفعلين خاليان من الضمير فهما مفردان متعاطفان.

واعلم ان عامل الرفع والنصب والجزم يعمل فى الفعل وحده لا فى الجملة ، فقولك : زيد لم يضرب فالجزم للفظ الفعل والجملة باسرها فى محل الرفع على الخبرية ، فاذا عطف عليها جملة اخرى ، فالعطف بين الجملتين باسرهما ، اذ لا معنى لعطف بعض الجملة على بعض الجملة واهمال سائر الاجزاء من جهة العطف ، فقوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٢ / ٤٢ عطف تكتموا الحق على تلبسوا الحق فيتوجه النهى الى المخاطبين عن كل من الفعلين ، وكذا قوله :

٦٧٢

تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) ـ ٢٥ / ١٠ ، فان جملة يجعل لك معطوفة على جملة جعل لك ، نعم ان الجازم فى الآيتين عمل فى لفظ المضارع ومحل الماضى لا فى الجملة باسرها.

الامر السادس

ان العطف على ثلاثة اقسام.

القسم الاول

العطف على اللفظ ، وهو الاصل ، وهو ان يتطابق المتعاطفان فى ظاهر الاعراب ، سواء اكان لكل منهما او لاحدهما محل من الاعراب ام لا ، نحو زيد وعمرو جالسان فان زيد ليس له محل من الاعراب ، بل اعرابه هذا الذى ظهر فى لفظه ، وكذا عمرو ونحو ليس زيد بعالم ولا تاجر ، فان عالم له اعراب ظاهر عطف عليه تاجر ، وله محل من الاعراب هو النصب لانه خبر ليس ، فان قلت تاجرا فقد عطفته على محله وشرط العطف على الظاهر ان يساعده المعنى والقاعدة ، فقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) ـ ٣٣ / ٤٠ ، ان عطف رسول الله على خبر ما كان لا يساعده المعنى اذ يقع فى حيز النفى والمراد اثباته ، فنصبه على تقدير كان ، اى ولكن كان رسول الله ، فالعطف للجملة الموجبة على السالبة ، لا عطف المفرد على المفرد وقرئ بالرفع ايضا ، وهو على تقدير ولكن هو رسول الله ، ونحو ما جاءنى من امراة ولا زيد لا يساعده القاعدة ، لان من الزائدة لا تدخل على المعرفة ، فلا بد ان يقرء زيد بالرفع عطفا على محل امراة ، اللهم الا ان يقال يغتفر فى الثوانى ما لا يغتفر فى الاوائل على ما مر بيانه فى آخر المقصد الثانى.

القسم الثانى

العطف على المحل ان كان للمعطوف عليه محل من الاعراب ، والاعراب المحلى

٦٧٣

قد مر بيانه فى الامر الثانى عشر من مقدمة الكتاب ، وله امثلة كثيرة نذكر بعضها

١ ـ قوله تعالى : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) ـ ١١ / ٦٠ ، يوم منصوب معطوف على محل هذه فان لها محلا منصوبا بالظرفية ومحلا مجرورا بفى ، ولفظها مبنى.

٢ ـ قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ـ ٩ / ٣ ، رسوله مرفوع فى بعض القراءات ومنصوب فى بعضها ، وعلى النصب معطوف على لفظ الله وعلى الرفع معطوف على محله لان اصله المبتدا ، ولم يزل جهة الابتداء وان نصب بدخول ان لان الابتداء هو كون المسند اليه مقدما فى الكلام كما مر فى المبحث الثانى من المقصد الاول ، لا التجرد عن العوامل اللفظية لان مفهوم الابتداء وجودى ومفهوم التجرد عدمى ، ولا يعرف احدهما بالآخر ، ولا يكون العدمى منشا لامر وجودى هو الرفع ، فالابتداء لم يزل بل صار محكوما ممنوعا عن اظهار اثره ، لان الاعراب المحلى فى غير المبنيات يتحقق عند وجود عاملين احدهما حاكم يظهر اثره والآخر محكوم لا يظهر اثره ، ومثله هل من خالق غير الله وكفى بالله شهيدا وبحسبك درهم ، فان خالق وحسبك مرفوعان محلا بالابتداء ولفظ الجلالة مرفوع محلا بكفى ، والثلاثة مجرورة لفظا بالجار الزائد.

وهذا بخلاف مررت بزيد فان زيد ليس منصوبا محلا لان مررت لازم لا ينصب المفعول ، فلا يتبع زيد بغير المجرور ، وان نصب بحذف الجار يقال له المنصوب بنزع الخافض لا المنصوب على المفعولية كما فى هذا البيت.

تمرّون الديار ولم تعوجوا

١٠٨٩ كلامكم علىّ اذن حرام

وبخلاف زيد يضرب ، فان هنا عاملين ومعمولين ، رفع الجملة المضارعية محلا وعامله المبتدا ، ورفع الفعل المضارع لفظا وعامله التجرد عن الناصب والجازم على القول المشهور ، وان عطف شىء فعلى مجموع الجملة باعتبار محلها المرفوع كما

٦٧٤

فى قوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ـ ٢ / ٧٤ ، فان اشد عطف على مجموع كالحجارة.

وبخلاف اخوك ضارب زيدا ، فان زيدا ليس له محل مجرور ، اذ ليس فى البين عامل جر ، وان اضيف الى زيد يجر ، وليس له محل منصوب ، اذ ليس فى البين عامل نصب ، لانه عامل واحد اما ينصب واما يجر ، فلا يجوز اخوك ضارب زيد وبكرا بجر زيد ونصب بكر ، وكذا ضرب زيد عمرا حسن ، فان زيد مجرور باضافة ضرب اليه ، وليس له محل مرفوع وان كان فى المعنى فاعلا ، اذ ليس هنا عاملان ، والعامل الواحد ليس له اثران فى لفظ واحد.

واما قوله تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) ـ ٦ / ٩٦ ، فى قراءة جاعل بصيغة فاعل فنصب الشمس والقمر بمقدر هو جعل ، اذ ليس لليل محل حتى يعطف عليه لعدم عامل آخر مقتض لذلك ، وكذا الكلام فى هذه الابيات.

هويت ثناء مستطابا مجدّدا

١٠٩٠ فلم تخل من تمهيد مجد وسؤددا

قد كنت داينت بها حسّانا

١٠٩١ مخافة الافلاس واللّيّانا

فظلّ طهاة اللّحم ما بين منضج

١٠٩٢ صفيف شواء او قدير معجّل

٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ ٥ / ٦٩ ، الصابئون عطف على محل الذين آمنوا ، ومن قال ان الابتداء زال بدخول الناسخ تكلف فى هذه الآية وامثالها بتاويلات كان من يضن بعمره فى غنى منها ، ومر بعض منها فى باب النعت من المبحث الحادى عشر فى المقصد الثانى.

٤ ـ ما فى هذه الابيات.

فان لم تجد من دون عدنان والدا

١٠٩٣ ودون معدّ فلتزعك العواذل

خليلىّ هل طبّ فانّى وانتما

١٠٩٤ وان لم تبوحا بالهوى دنفان

٦٧٥

فمن يك امسى بالمدينة رحله

١٠٩٥ فانّى وقيّار بها لغريب

معاوى انّنا بشر فاسجح

١٠٩٦ فلسنا بالجبال ولا الحديدا

والحاصل ان شرط العطف على المحل وجود عامل طالب لذلك المحل لولا العامل الآخر الحاكم عليه ظهر اثره ، ويسمى ذلك العامل الطالب للاعراب المحلى محرزا ، وليس هذا من توارد العاملين على معمول واحد لان احدهما محكوم لا يظهر اثره ، وظهور اثره عند زوال العامل الحاكم ، والممتنع عاملان على معمول واحد يظهر اثرهما عليه.

وهذا البيان فى الاعراب المحلى والعطف على المحل صاف لا غبار عليه ، فلا حاجة الى تطويلات وتكلفات ذكروها لتوجيه تلك الامثلة وغيرها ، فانظر فى كلماتهم ما ذا ترى ثم ارجع البصر الى ما بينا.

ثم ان هذا الذى قلنا هو فى الاسم المعرب ، واما المبنى وهو الذى ليس الاعراب عليه ظاهرا فمحله ما اقتضاه عامله ، فقولك : هذا فى جائنى هذا مرفوع محلا ، وان قلت : جائنى هذا وزيد فزيد معطوف على محله لان له ظاهرا مبنيا ومحلا مرفوعا ، ولا يتبع معرب مبنيا فى بنائه.

ومن ذلك قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ـ ٧ / ١٨٦ ، فان جزم يذركما فى قراءة بعضهم باعتبار محل الجزاء ، فعامل الجزم عمل فى محل الجزاء وفى لفظ الجملة المعطوفة عليه.

القسم الثالث

عطف الغلط ، وقع هذا التعبير فى كلام سيبويه كبدل الغلط الا ان الغلط فى البدل هو المتبوع وهنا هو التابع من حيث الاعراب ، والمشهور فى تسميته العطف على التوهم والعطف على الجوار ، وهو ان المتكلم يتوهم فى المعطوف عليه اعرابا

٦٧٦

فياتى باعراب المعطوف طبقا لتوهمه ، ويقال له العطف على الجوار لمجاورة المعطوف والمعطوف عليه ، نحو ليس زيد قائما ولا قاعد بتوهم ان قائما مجرور بالباء ، ويسمى فى القرآن العطف على المعنى احتراما كان القارى لم ينظر الى اعراب المتبوع ، بل نظر الى معناه وغفل ان الاعراب الذى اتى به فى التابع ينافيه ولا يساعده القواعد وهو يقع فى المجرور والمجزوم والمرفوع والمنصوب.

اما المجرور فما فى هذه الابيات.

بدا لى انّى لست مدرك ما مضى

١٠٩٧ ولا سابق شيئا اذا كان جائيا

كانّ ابانا فى عرانين وبله

١٠٩٨ كبير اناس فى بجاد مزمّل

ما الحازم الشهم مقداما ولا بطل

١٠٩٩ ان لم يكن للهوى بالحقّ غلّابا

وما كنت ذا نيرب فيهم

١١٠٠ ولا منعش فيهم منمل

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

١١٠١ ولا ناعب الّا ببين غرابها

يا صاح بلّغ ذوى الزوجات كلّهم

١١٠٢ ان ليس وصل اذا انحلّتعرا الذنب

وكقول بعضهم : هذا جحر ضبّ خرب بالجر مع انه صفة لجحر ، وقيل : من ذلك قوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) ـ ٥٦ / ١٧ ـ ٢٣ ، وقع فى قراءة بعضهم حور عين بالجر ، مع انهما معطوفان على ولدان مخلدون بتوهم الجرفيه من لحم طير.

واما المجزوم ففى هذا البيت.

فابلونى بليّتكم لعلّى

١١٠٣ اصالحكم واستدرج نويّا

وقيل من ذلك قوله تعالى : (رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ٦٣ / ١٠ ، عطف اكن مجزوما على فاصدق بتوهم انه مجزوم لوقوعه بعد لولا ، اقول : ليس الجزم توهما لان جملة فاصدق مجزومة محلا بالشرط المقدر والفعل المضارع منصوب لفظا بان المقدرة ، فجزم اكن كما هو قراءة بعضهم باعتبار

٦٧٧

محل المعطوف عليه ، ونصبه كما هو قراءة بعضهم باعتبار لفظه ، وياتى بيان ذلك فى المبحث الحادى عشر.

وقيل من ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ١٢ / ٩٠ ، على قراءة قنبل باثبات ياء يتقى وجزم يصبر ، قال الفارسى : ان من موصولة وانما جزم يصبر على توهم من الشرطية.

واما المنصوب اسما فنحو قام القوم غير زيد وعمرا بتوهم ان زيد منصوب لان غير زيد بمنزلة الا زيدا.

وقيل : من ذلك قوله تعالى وهو شبه المنصوب : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) ـ ١١ / ٧١ ، قرئ يعقوب بالرفع على ان يكون مبتدا مؤخرا ومن وراء اسحاق خبرا مقدما فالجملة مستانفة ، وقرئ بالفتحة عليه ، فقيل ذلك لمجاورة اسحاق مع ان حقه الرفع لانه مبتدا وقيل عطف على اسحاق الاول ، والتقدير : فبشرناها باسحاق ويعقوب من بعد اسحاق ، وهذا هو الحق لانها بشرت بهما.

واما المنصوب فعلا فكقراءة بعضهم فى قوله تعالى : ودوا لو تدهن فيدهنوا ـ ٦٨ / ٩ ، قرئ فيد هنوا منصوبا على معنى ان تدهن ، اى على توهم ذلك ، وقوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) ـ ٤٠ / ٣٧ ، قرئ فاطلع منصوبا على معنى ان ابلغ ، وفيه ان النصب لوقوعه بعد الترجى ، وياتى بيانه فى المبحث الحادى عشر.

واما المرفوع فقال ابن هشام فى رابع المغنى فى اقسام العطف : قال سيبويه : واعلم ان ناسا من العرب يغلطون فيقولون انهم اجمعون ذاهبون وانك وزيد ذاهبان ، وذلك على ان معناه معنى الابتداء فيرى انه قال هم كما قال :

بدا لى انّى لست مدرك ما مضى

١١٠٤ ولا سابق شيئا اذا كان جائيا

اى يغلطون فى رفع اجمعون وزيد على توهم انه قال هم وانت لا انهم وانك

٦٧٨

ثم قال ابن هشام : ومراده بالغلط ما عبر عنه غيره بالتوهم ، وذلك ظاهر من كلامه ويوضحه انشاده البيت ، وتوهم ابن مالك انه اراد بالغلط الخطا فاعترض عليه بانامتى جوزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم ، وامتنع ان نثبت شيئا نادرا لامكان ان يقال فى كل نادر ان قائله غلط.

اقول : الحق ان لا يؤخذ هذا العطف قاعدة ولا يقاس عليه ويقتصر فيه على ما سمع ولا يتعدى عنه ولا يستعمل فى كتاب ولا خطاب كما انكره بعض السابقين والعصريين ، ووجهوا ما ورد من ذلك على ما فصل فى المغنى وغيره.

واما الغلط بمعنى الخطا وانحراف اللسان فهو امر ممكن واقع من كل ذى لهجة من العرب وغيرهم ولا مجال لانكاره ، وهذا لا يوجب زوال الوثوق بكلامهم لان الاعتماد انما هو على القواعد والاصول المتخذة من استعمالاتهم الشائعة كما ارشد مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام ابا الاسود الدئلى الى ذلك فعمل ذلك الرجل ما عمل واتبعه الآخرون الى يومنا هذا على ما مر شرحه فى مقدمة الكتاب ، واما الآيات فالاعتماد فيها على قراءات المشهورين من القراء وهم سبعة ، واما قراءة غيرهم فلا يعبابها وان نقلت فى التفاسير وكتب النحو والقراءة الا المعصوم عليه‌السلام.

واعلم انه قد يقال العطف على التوهم فيما يعطف لفظ على لفظ متوهم اى ماخوذ بالتوهم مما قبله ، ومن ذلك امثلة.

١ ـ قوله تعالى : (رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) ـ ٦٣ / ١٠ ، قال ابن هشام فى رابع المغنى : ان ما بعد الفاء منصوب بان مضمرة وان والفعل فى تاويل مصدر معطوف على مصدر متوهم مما تقدم ، ومراده من المصدر المتوهم ما يؤخذ من اخرتنى ، اى لو لا تاخيرى الى اجل قريب فتصدقى حاصلان ، وفى هذا كلام مذكور فى غير هذا الموضع.

٢ ـ قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) ـ ٣٧ / ٦ ـ ٧ ، قال بعضهم : ان التقدير : انا خلقنا الكواكب فى السماء الدنيا

٦٧٩

زينة للسماء وحفظا لها من كل شيطان مارد.

٣ ـ قال ابن هشام فى اول الباب الخامس من المغنى : وسالنى ابو حيان وقد عرض اجتماعنا : علام عطف بحقلد من قول زهير.

تقىّ نقىّ لم يكثّر غنيمة

١١٠٥ بنهكة ذى قربى ولا بحقلّد

فقلت : حتى اعرف ما الحقلد فنظرناه فاذا هو سئ الخلق فقلت هو معطوف على شىء متوهم ، اذ المعنى ليس بمكثر غنيمة ولا بحقلد ، فاستعظم ذلك.

الامر السابع

كما يقع القطع عن التابعية فى النعت على ما مر ذكره يقع فى العطف ، ومثال ذلك.

١ ـ قوله تعالى : ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر الى قوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) ـ ٢ / ١٧٧ ، والموفون عطف على خبر لكن ، والصابرين عطف عليه ايضا ، ولكنه تخلف فى الاعراب وقرئ بالنصب ، والتقدير على قواعد الاعراب وامدح الصابرين.

٢ ـ (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ـ ٤ / ١٦٢ ، والمقيمين عطف على الراسخون ، ولكنه تخلف والتقدير كذلك.

٣ ـ ما فى هذه الابيات.

وكلّ قوم اطاعوا امر مرشدهم

١١٠٦ الّا نميرا اطاعت امر غاويها

الظاعنين ولمّا يظعنوا احدا

١١٠٧ والقائلون لمن دار نخلّيها

الى الملك القرم وابن الهمام

١١٠٨ وليث الكتيبة فى المزدحم

وذا الرأى حين تغمّ الامور

١١٠٩ بذات الصليل وذات اللّجم

٦٨٠