علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

وما ادرى وسوف اخال ادرى

٩٨١ اقوم آل حصن ام نساء

اخالد قد والله اوطات عشوة

٩٨٢ وما قائل المعروف فينا يعنّف

فلا وابى دهماء زالت عزيزة

٩٨٣ على قومها ما دام للزّند قادح

ولا اراها تزال ظالمة

٩٨٤ تحدث لى نكبة وتنكؤها

الحادى عشر بين جملتين مستقلتين مرتبطتين فى المعنى ، نحو قوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ـ ٢ / ٢٢٣ ، ان الله يحب الخ اعترض بين الجملتين المرتبطتين فى المعنى ، وهما فاتوهن الخ ونساءكم الخ ، والارتباط بينهما ظاهر لان المفهوم منهما جميعا ان الله تعالى امركم باتيان نساءكم اللاتى هن حرث لكم ، وفى الآية اشارة الى ان الغرض الاصلى من الاتيان طلب النسل لا محض الشهوة.

هنا تنبيهات

الاول يقع الاعتراض باكثر من جملة واحدة ، نحو قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) ـ ٧ / ٩٥ ـ ٩٧ ، افامن عطف على فاخذناهم وبينهما اعترضت جمل متعددة ، ومثلها كثير فى القرآن ، وكما فى هذه الابيات.

ارانى ولا كفران لله آية

٩٨٥ لنفسى قد طالبت غير منيل

لعمرى والخطوب مغيّرات

٩٨٦ وفى طول المعاشرة التقالى

لقد باليت مظعن امّ اوفى

٩٨٧ ولكن امّ اوفى لا تبالى

الثانى قد يشتبه المعترضة بالجملة الحالية ، فان كانت انشائية او تنزيهية او قسمية او مصدرة بالفاء او حرف الاستقبال فهى معترضة بلا كلام لان الحالية لا تاتى مع هذه الامور.

٦٠١

واما المصدرة بالواو من دون الاقتران بهذه الامور فتحتمل المعترضة والحالية ان لم يصدر الجملة بالمضارع المثبت من دون قد ، والا فهى معترضة.

واما مع الاقتران باحد هذه الامور ككثير من الامثلة التى مضت فمعترضة ، ويقال لواوها الواو الاعتراضية كما يقال للواو التى على صدر الحال الواو الحالية ، نص على هذا الاصطلاح التفتازانى فى باب الوصل والفصل من كتابه المطول بعد ذكره هذا البيت.

انّ الثمانين وبلّغتها

٩٨٨ قد احوجت سمعى الى ترجمان

واما الفاء على صدر الجملة المعترضة فنحو قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) ـ ٤ / ١٣٥ ، ان كان الجزاء فلا تتبعوا الهوى ، وقوله : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) ـ ٥٥ / ٣٧ ـ ٣٩ ، فباى الخ جملة معترضة لان جواب اذا فيومئذ الخ ، والاعتراض فى الآيتين بين الشرط وجزائه ، وقوله تعالى : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُدْهامَّتانِ) ـ ٥٥ / ٦٢ ـ ٦٤ ، وقوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) ـ ٥٥ / ٧٠ ـ ٧٢ ، وقوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ذَواتا أَفْنانٍ) ـ ٥٥ / ٤٦ ـ ٤٨ ، والاعتراض فى هذه الآيات بين الموصوف والصفة ، وقوله : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) ـ ٣٨ / ٥٧ ، والاعتراض فى هذه الآية بين المبتدا والخبر على قول ، وكقول الشاعر.

واعلم فعلم المرء ينفعه

٩٨٩ ان سوف ياتى كلّ ما قدرا

الثالث قد يعترض بجملة الشرط ، نحو قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) ـ ٤٧ / ٢٢ ، وقوله : (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) ـ ٢ / ٢٤٦ ، والاعتراض فى الآيتين بين عسى وخبره ، وقوله : (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها) ـ ٥٦ / ٨٧ ، والاعتراض بين لو لا ومدخولها ، وقوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) ـ ٤ / ١٠٢ ، والاعتراض بين الموصوف وصفته ، وعليكم خبر لا ، وان تضعوا صفة جناح ، والتقدير : لا جناح

٦٠٢

موصوف بانه فى وضع الاسلحة عليكم ، وقوله : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) ـ ٧٣ / ١٧ ، وقوله : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ـ ٦ / ١٥ ، والاعتراض فى الآيتين بين الفعل ومفعوله ، وحكمها وجوب حذف جزائها ، وياتى تفصيله فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

الرابع ان الجملة المعترضة لا تختص عند علماء البيان بما وقع بين شيئين مرتبطين متطالبين ، بل هى عندهم اعم من المعترضة عند النحاة ، قال التفتازانى فى ذلك الباب : فالاعتراض عند هؤلاء ان يؤتى فى اثناء الكلام او فى آخره او بين كلامين متصلين او غير متصلين بجملة او اكثر لا محل لها من الاعراب لنكته.

وعلى هذا الاصطلاح قال الزمخشرى فى تفسيره فى قوله تعالى : (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ـ ٢ / ١٣٣ : ونحن له مسلمون يجوز ان تكون حالا من فاعل نعبد او من مفعوله لاشتمالها على ضميريهما وان تكون معطوفة على نعبد وان تكون اعتراضية مؤكدة ، اى مؤكدة لنعبد ، واعترض ابو حيان الاندلسى فى تفسيره (البحر المحيط) عند تفسير هذه الآية على الزمخشرى غافلا عما اراده فقال : واجاز الزمخشرى ان تكون ونحن له مسلمون اعتراضية والذى ذكره النحويون ان جملة الاعتراض هى الجملة التى تفيد تقوية ، الخ ، ثم عد مواضعها.

الثالثة

المفسّرة ويقال لها التفسيرية ، وهى المبينة لما وقع قبلها بعض البيان ، وما يقع قبلها اما مفرد او جملة.

مثال المفرد قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ٣ / ٥٩ ، خلقه الخ تفسير لمثل آدم ، والتشبيه بينهما من جهة تكوّن بدنهما من غير اب ، (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ

٦٠٣

وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) ـ ٦١ / ١٠ ، (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الخ تفسير للتجارة ، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) ـ ٢ / ٢١٤ ، مستهم الخ تفسير لمثل الذين.

مثال الجملة قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ٦ / ٢٥ ، يقول الخ تفسير ليجادلونك.

هنا تنبيهات

الاول قد يكون التفسير بحرف التفسير ، نحو فاوحينا اليه ان اصنع الفلك ، وياتى تفصيل هذا فى مبحث حروف التفسير فى المقصد الثالث.

الثانى ان الجملة المفسرة لضمير الشان لها محل من الاعراب لانها خبر عنه ، ولا كلام فيه ، واما الجملة المفسرة فى باب الاشتغال نحو زيدا ضربته فلا محل لها.

الثالث ظهر من الشلوبين على ما نقل ابن هشام ان الجملة المفسرة عطف بيان او بدل ، وقال ابن هشام : لم يثبت الجمهور وقوع البيان والبدل جملة.

اقول : فالجملة المفسرة على قول الشلوبين تابعة فى المحل وعدمه لمتبوعها ، ثم ان النزاع لفظى لان التفسير والبيان مترادفان ، نعم لا يكون الجملة المفسرة بدلا لان المبدل منه فى حكم السقوط ، والتفسير يقتضى ان يكون المفسر والمفسر موجودين معا ، وياتى التفصيل فى مبحث التوابع.

الرابعة

المجاب بها القسم نحو (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٣٦ / ١ ـ ٣ ، فانك لمن المرسلين جواب للقسم ولا محل لها من الاعراب لانها جملة على حدتها بعد جملة القسم وان كانتا مرتبطتين من حيث المعنى ، اذ القسم ايضا جملة لان التقدير : اقسم والقرآن الحكيم ، وياتى تفصيل الكلام فى مبحث كلمات القسم فى المقصد الثالث.

٦٠٤

الخامسة

الواقعة شرطا او جزاء لاداة شرط غير جازمة ، وياتى تفصيل ذلك فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

السادسة

الواقعة صلة لموصول اسمى او حرفى ، لان الموصول الاسمى هو معمول العامل لا جملة الصلة ، والموصول الحرفى مع صلتها معمول العامل لا جملة الصلة بوحدتها ، ومر الكلام فى الاول فى المبحث الخامس وياتى الكلام فى الثانى فى المبحث الحادى عشر من المقصد الثالث.

السابعة

التابعة لما لا محل له ، وياتى ذكر التوابع فى المبحث الحادى عشر ، اعلم انه لا يتصور لشبه الجملة عدم المحل لانه لا استقلال له كالجملة ، فلا بد ان يجتمع مع متعلقه ، فهو عامل فيه.

الفصل الرابع

فى امور راجعة الى الجمل ، وهى.

الاول ان الجملة الحالة محل المفرد ليست معمولة لعاملها من حيث هى هى ، بل المعمول مضمونها ، فان قولك : ظهر لى زيد عالم ، اى ظهر لى ثبوت علمه ، وهكذا ، نعم مفعول القول جملة بلا تاويل الى مضمونها.

الثانى كون الجملة فاعلة او مبتداة او مستثناة او نائبة عن الفاعل من الجمل التى

٦٠٥

لها محل من الاعراب مما اختلف فيه ، والحق ما ذكرنا وترك التوجيهات التى ذكروها فيها ، فان اقوى الادلة على الشئ وقوعه.

الثالث يشترط فى بعض المعمولات ان يكون جملة ، وذلك.

١ ـ مفعول القول ان كان محكيا كما مر من الامثلة فى الخامسة من الجمل التى لها محل من الاعراب ، بخلاف غير المحكية نحو قولك : قال شيخى لى احاديث ، فان احاديث ليست محكية القول لان المحكى هو عين ما تكلم القائل من الجمل.

٢ ـ خبر القول ان كان محكيا ، نحو قولك : قولى لا الاه الا الله ، وقول المثلث ان الا لاه ثلاثة ، بخلاف قولى حكمة وقولك واحد ، فان ذلك ليس محكيا.

٣ ـ خبر ان المفتوحة المخففة فان اسمها ضمير الشان المحذوف على قول بعضهم ، وقد مر فى المبحث الثانى من المقصد الاول ان هذا التكلف لا موجب له.

٤ ـ خبر ضمير الشان ، ومر بيانه فى المبحث الخامس.

٥ ـ الشرط والجزاء ، وياتى ذكرهما فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

الرابع يشترط ان يكون جملة الصلة والصفة والحال والواقعة خبرا لضمير الشان او خبرا لاحد النواسخ الا لكن خبرية ، وشذ ما جاء من ذلك انشائية ، واما خبر المبتدا فقد يكون انشاء وان كان الاكثر اخبارا.

الخامس لا بد من رابط فى الجملة المخبر بها وصلة الموصول الاسمى والجملة الحالية والمفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه وبين العاملين فى باب التنازع وفى معمول الصفة المشبهة وجواب اسم الشرط المرفوع بالابتداء واكثر التوابع ، والاخيران ياتيان فى مبحثهما وغيرهما مر تفاصيلها فى مباحثها.

فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علىّ لا فقر اشدّ من الجهل ولا مال اعود من العقل.

٦٠٦

المبحث العاشر

فى اشياء مختلفة ، نذكرها فى فصول اربعة.

الفصل الاول

فى التغليب ، وهو الجمع بين المتخالفين بصورة احدهما فهو المغلب والآخر هو المغلب عليه ، وله فى كلامهم مواضع.

الاول تغليب احد اللفظين على الآخر فى التثنية ، نحو قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ـ ٤ / ١١ ، ويجرى هذا فى الاب وحاضنة الولد ، نحو قوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) ـ ١٢ / ١٠٠ ، فى قصة يوسف ، فان اكثر المفسرين على انها خالته الحاضنة له.

ومن ذلك الخافقان للمشرق والمغرب وانما الخافق المغرب ، وتسمية المغرب خافقا ايضا مجاز لانه مخفوق فيه ، والعمران لابى بكر وعمر ، والمروتان للصفا والمروة والقمران للشمس والقمر وما فى هذين البيتين.

اخذنا بآفاق السماء عليكم

٩٩٠ لنا قمراها والنجوم الطوالع

واستقبلت قمر السماء بوجهها

٩٩١ فارتنى القمرين فى وقت معا

ومن ذلك الحسنان والصادقان والكاظمان والعسكريان والزينبان لبنتى امير المؤمنين

٦٠٧

عليهم‌السلام ، ونظير التثنية الجمع فى قوله تعالى : (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) ـ ٢ / ١٣٣ ، فان اسماعيل عم يعقوب فغلب اسم الاب عليه فى الجمع.

الثانى تغليب المذكر على المؤنث ، نحو قوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) ـ ٦٦ / ١٢ ، فى وصف مريم عليها‌السلام ، اريد من الجمع القانتون والقانتات ، ومنه الحديث : طلب العلم فريضة على كل مسلم ، اريد من اللفظ من يعم الرجل والمرءة لان المراة لا يسعها ترك علم الدين من اصوله وفروعه التى تبتلى بها ، ومن ذلك والدان للوالد والوالدة.

الثالث تغليب العاقل على غير العاقل ، نحو قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) ـ ٤٢ / ١١ ، اريد من كم فى يذرؤكم بنوا آدم والانعام ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) ـ ٢٤ / ٤٥ ، اريد من لفظ من ما يعم الانسان والطائر.

الرابع تغليب الحاضر على الغائب ، نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ـ ٢ / ٢١ ، اريد من الناس الحاضرون وقت الخطاب والغائبون ، ونظيره تغليب المتكلم على الحاضر او الغائب ، نحو نحن فعلنا كذا اذا كان الفاعل المتكلم مع بعض من حضرا وغاب ، ومر تفصيل ذلك فى باب الضمائر فى المبحث الخامس.

الخامس تغليب المتصف على غير المتصف ، نحو قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ـ ٧ / ٨٨ ، فان شعيب عليه‌السلام لم يكن فى ملتهم قط حتى يتصف بالعود فيها ، ومثلها قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) ـ ٢ / ٣٤ ، فان ابليس لم يكن من سنخ الملائكة بل كان من الجن مخلوقا من النار ، اللهم الا ان يقال : ان الملك يطلق على من سكن الملكوت نوريا كان ام ناريا ام غيرها.

٦٠٨

الفصل الثانى

فى الحذف ، وهو اسقاط الكلمة او الكلام ، وهذا غير الحذف فى الصرف فانه اسقاط الحرف من الكلمة ، وهو باب واسع مذكور فى كل مبحث ما هو راجع الى ذلك المبحث ، ولكن نذكر هنا منه امورا.

الامر الاول

فى الحذف شرطان :

الشرط الاول وجود دليل يدل على المحذوف ، ويقال له فى الاصطلاح القرينة ، والقرينة اما عقلية او حالية ويقال لها وضعية ايضا او مقالية ، ويقال لها لفظية ايضا ، نحو قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) ـ ٤ / ٢٣ ، اى نكاح امهاتكم ، فان العقل يدل على ان الحل والحرمة لا يتعلقان بالذوات ، بل بالافعال ، ونحو قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) ـ ٨٩ / ٢٢ ، اى جاء امر ربك ، لان العقل يدل على انه تعالى يستحيل عليه الحركة ، وصرح بهذا المحذوف فى هذه الآية : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) ـ ١٦ / ٣٣.

مثال القرينة الحالية قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) ـ ٢٨ / ٢٣ ، اى يسقون انعامهم وتذودان انعامهما ، فان حال الناس على الماء يدل على ذلك ، ونحو بسم الله الرحمان الرحيم الذى يقوله الشارع فى العمل ، فان حاله مع عمله يدل على المحذوف من آكل او ادخل او امشى او غير ذلك من فعله الخاص ، وان شئت فقدر ابتدى فى كل فعل.

مثال القرينة المقالية قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ـ ١٦ / ٣٠ ، اى انزل خيرا بقرينة ذكره ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ

٦٠٩

آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) ـ ٥ / ٥٦ ، اى فاولئك حزب الله ان حزب الله هم الغالبون.

تنبيهات

١ ـ القرينة قد تدل على اصل المحذوف لا على تعيينه ، نحو قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) ـ ٤ / ١٢٧ ، فان لفظ ترغبون يدل على ان هنا حرفا محذوفا ، ولكن لا يعلم انه عن اوفى ، فلذلك اختلف المفسرون فى التقدير ، فاختلف عليه التفسير.

٢ ـ ان القرينة على حسب ارادة المتكلم ، فانه قد لا يريد افادة قيد من القيود كما لا يريد افادة كلام اصلا ، فلا يذكره ولا يقيم عليه القرينة ، وقد يريد الابهام فيه ، فلا ياتى بقرينة على تعيينه ، هذا بالنسبة الى قيود الكلام ، واما اركان الكلام فان ذكر بعضها فلا بد ان يذكر بعضها الآخر او يقيم عليه القرينة ولو على الابهام ، نحو قوله تعالى : (قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ـ ٥١ / ٢٥ ، اى سلام عليكم انتم قوم منكرون ، وكالاركان قيد يكون معنى الكلام مبنيا عليه ، نحو قوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) ـ ١٢ / ٨٥ ، اى لا تفتؤ.

٣ ـ قد يكون الحذف والتقدير واقامة القرينة لاقتضاء القواعد الاعرابية لا قضاء لافادة المعنى ، بل المعنى يفهم من الكلام بلا تقدير محذوف ، ويقال للقرينة الدالة عليه القرينة الصناعية لانها انما تعرف بكونها قرينة من جهة صناعة النحو لا من جهة قواعد العرف فى مكالماتهم لافادة المرادات ، نحو قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) ـ ٣٣ / ٤٠ ، اى ولكن كان رسول الله لان القاعدة عدم اجتماع حرفين عاطفين ، فان اجتمعت لكن مع الواو فهى عاطفة ولكن تفيد معناها فقط ، والواو هنا لا يمكن ان تكون عاطفة ايضا ، اذ لا يعطف بالواو مفرد على مفرد الا وهما شريكان فى النفى او الاثبات ، ولكن المتعاطفين المفردين هنا اى ابا احد ورسول الله مختلفان فى النفى والاثبات ، فلابد من تقدير كان ليصير ما بعد الواو جملة فتعطفها

٦١٠

على جملة ما كان محمد ابا احد ، اذ لا باس بتخالف المتعاطفين بالواو ان كانا جملتين.

ومن ذلك قولك : قمت واصكّ عينه ، اى وانا اصك عينه او وقد اصك عينه ، لان من قواعدهم ان واو الحال لا تدخل على المضارع المثبت الخالى من قد ، وقولهم : انها لابل ام شاء ، اى ام هى شاء لان من قواعدهم ان ام المنقطعة لا تعطف الا الجمل ، ونحو زيدا ضربته ، اى ضربت زيدا ضربته لان من قواعدهم ان نحو ضرب يطلب مفعولا واحدا فقد اخذه ، فلابد لزيدا من عامل آخر كما بين فى باب الاشتغال.

ومن ذلك نحو قوله تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) ـ ٦٢ / ٥ ، فالتقدير : بئس المثل مثل القوم الخ ، لان من قواعدهم لزوم المرفوعين فى باب نعم وبئس احدهما الفاعل والآخر المخصوص بالمدح او الذم.

الشرط الثانى ان لا يكون المحذوف المؤكّد الاصطلاحى الذى هو احد التوابع لان حذفه ينافى التاكيد به لان الكلام انما يؤكد به ان كان عين لفظه مذكورا ، وياتى تفصيله فى مبحث التوابع.

واما قولهم : مررت بزيد واتانى اخوه انفسهما فليس فيه حذف المؤكد الاصطلاحى وان كان فى الكلام تقدير حسب ما يوجبه فن النحو ، فان سيبويه سال الخليل عن هذا المثال فقال كيف ينطق اعراب انفسهما فاجاب الخليل بانه يرفع بتقديرهما صاحباى انفسهما او ينصب بتقدير اعنيهما انفسهما لان متبوعيهما مجرور ومرفوع ، ولا يمكن اجراء الجر والرفع فى لفظ واحد.

الامر الثانى

قد علمت ان الحذف واقامة القرينة على حسب ارادة المتكلم ، فقد يكون ارادة المتكلم افادة وقوع الفعل فقط كما يقال وقع قتل وحدثت فتنة ، فلا قصد للمتكلم ان يخبر عن الفاعل ولا عن المفعول ، ولا ياتى بقرينة تدل على ذلك ، اذ لا داعى للمتكلم ان يخبر عنهما حتى ياتى بهما او ياتى بقرينة عند حذفهما ، فليس هذا من الحذف فى

٦١١

شئ ، ويقال له الاقتصار ، كما يقال للحذف الاختصار.

وقد يكون ارادة المتكلم افادة وقوع الفعل عن الفاعل فقط ، من دون نظر الى المفعول ، فالامر هو الامر ، ومن ذلك قوله تعالى : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ـ ٢ / ٢٥٨ ، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) ـ ٧ / ٣١ ، (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٩ / ٩.

وقد يكون ارادة المتكلم افادة وقوع الفعل عن الفاعل مع الاخبار عن المفعول ، نحو قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الزِّنى) ـ ١٧ / ٣٢ ، (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) ـ ٣ / ١٣٠ ، وهكذا الكلام فى سائر متعلقات الكلام ، فالحذف فى الاصطلاح هو اسقاط اللفظ من الكلام لداع بلاغى مع ارادة معناه ونصب قرينة عليه ، فيلزمه التقدير ، بخلاف ما ليس فى ارادته ، فهنالك ليس حذف ولا تقدير ولا نصب قرينة.

الامر الثالث

القياس ان يقدر المحذوف فى مكان يقتضيه القواعد ، فمتعلق الظرف فى نحو فى الدار زيد يقدر مؤخرا عن زيد لانه خبر والخبر مؤخر عن المبتدا فى الاصل ، وفى نحو فى الدار رجل يقدر مقدما لان رجل نكرة ، فاذا قدر متعلق الظرف مؤخرا زال مسوغ كونها مبتداة ، وفى نحو زيدا رايته يقدر المفسر مقدما على زيد ، وفى قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) ـ ٤١ / ١٧ ، يقدر هدينا المفسر مؤخرا لان اما لا تلى الفعل ، وهكذا.

الامر الرابع

ينبغى تقليل المقدر ما امكن لان الحذف والتقدير خلاف الاصل وان كان كثيرا فى الكلام ، ففى قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) ـ ٢ / ٩٣ ، يكفى ان يقدر حب العجل ، ولا حاجة الى تقدير حب عبادة العجل ، وفى قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) ـ ٣٣ / ١٩ ، امكن

٦١٢

ان يقدرهم كالذى الخ فهى جملة مستانفة ، ولا حاجة الى تقدير تدورا عينهم كدوران عين الذى الخ ، وهكذا فى كل مورد.

الامر الخامس

ينبغى ان يراعى فى التقدير تناسب المحذوف مع المذكور فى مثل ذلك الكلام ، نحو قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) ـ ٤٣ / ٨٧ ، فينبغى ان يقدر ليقولن خلقنا الله ليكون الجملة فعلية لا الله خلقنا ، لان المذكور فى مثله كذلك ، وهو قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ـ ٤٣ / ٩.

الامر السادس

يجب الحذف فى مواضع ويمتنع فى مواضع.

اما مواضع الوجوب فمنها خبر المبتدا بعد لو لا ان كان من افعال العموم ، نحو قول عمر : لولا على لهلك عمر ، اى لو لا على موجود ، واما ان كان من افعال الخصوص فلا ، نحو قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشه : لو لا قومك حديثوا عهد بالاسلام لهدمت الكعبة وجعلت له بابين ، وياتى تفصيل لو لا فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث.

ومنها مرفوع افعال الاستثناء نحو جاء القوم خلا زيدا ، وياتى تفصيله فى مبحث ادوات الاستثناء فى المقصد الثالث.

ومنها متعلق الظرف ان كان من افعال العموم ، وقد مر بيانه فى المبحث الرابع.

ومنها متعلق بسم الله الرحمان الرحيم وان كان من افعال الخصوص ، ومر فى المبحث التاسع.

ومنها احد معمولى لات ، نحو ولات حين مناص ، فالتقدير : لات الحين حين

٦١٣

مناص ، او لات حين مناص الآن ، وياتى ذكرها فى مبحث حروف النفى فى المقصد الثالث.

ومنها المبتدا فى نحو نعم الرجل زيدان قدر زيد خبرا ، فالتقدير : نعم الرجل هو زيد ، ومر فى المبحث التاسع عشر من المقصد الاول.

ومنها خبر لا التبرئة ان كان من افعال العموم ، نحو قوله تعالى : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) ـ ٢٦ / ٥٠ ، اى لاضير حاصل ، وياتى ذكرها فى المبحث التاسع من المقصد الثالث.

ومنها احد المرفوعين فى القسم الاسمى ، نحو قوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) ـ ١٥ / ٧٢ ، اى لعمرك قسمى ، ونحو قولك : ايمن الله لافعلن كذا ، اى ايمن الله قسمى او قسمى ايمن الله ، وياتى فى مبحثه فى المقصد الثالث.

واما مواضع امتناع الحذف ، فلا يحذف الفاعل ولا نائبه ولا جازم الفعل ولا ناصبه ولا الجار الباقى عمله الا نادرا ، نحو قولهم : الله لافعلن ، اى والله ، وبكم درهم اشتريت ، اى بكم من درهم.

الفصل الثالث

من فنون كلام العرب القلب ، وهذا غير القلب المذكور فى علم الصرف ، فانه تبديل حرف بحرف آخر كتبديل الواو بالالف فى قال ، او جعل كل من الحرفين مكان الآخر فى كلمة واحدة ، نحو جاه فان اصله وجه ، وهذا القلب هو جعل كل من اللفظين او الجملتين مكان الآخر ، وهو كثير منها.

١ ـ قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ـ ٧ / ٤ ، قيل : اصله جاءها باسنا فاهلكناها لان الهلاك يقع بعد مجئ الباس ، وفيه اقوال اخر.

٢ ـ قوله تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) ـ ٢٧ / ٢٨ ، قيل : ان اصله فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم لان الهدهد اذا تولى عنهم الى ماواه فلا يبقى مجال للنظر اليهم ، وليس كذلك ، لان المعنى : ثم تول عنهم

٦١٤

الى مكان قريب منهم بحيث تراهم فانظر الخ.

٣ ـ (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) ـ ٢٨ / ٧٦ ، اصله لتنوء العصبة بها ان كانت الباء للسببية ، واما ان كانت للتعدية فلا قلب.

٤ ـ ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين ، قيل : ان اصله قابى قوس ، والتفصيل فى التفاسير.

٥ ـ قولهم : اذا طلعت الجوزاء انتصب العود فى الحرباء اصله انتصب الحرباء فى العود ، والحرباء دويبة ذات قوائم اربع تستقبل الشمس وتدور معها حيثما دارت وتتلون الوانا بحرها ، يقال لها بالفارسية آفتاب پرست ، والجوزاء ثالث البروج السماوية ، وذلك انها تنتصب على الاحجار فاذا طلعت الجوزاء وهو اول اوان الحر تنتصب على غصون الاشجار ، ويقال لانثاها امّ حبين.

٦ ـ قولهم : عرضت الناقة على الحوض ، اصله عرضت الحوض على الناقة لان العرض انما هو على ذى الحس والشعور ، وقال الزمخشرى ، ومنه قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) ـ ٤٦ / ٣٤ ، وفيه نظر ، اذ لا يبعد ان يكون لاشياء الآخرة شعور ، مع ان كل شىء له شعور وسمع وكلام فى مواجهة الله تعالى كما يرشد الى ذلك آيات الكتاب.

٧ ـ قولهم : ادخلت القلنسوة فى راسى ، اصله ادخلت راسى فى القلنسوة ، ونظيره ادخل الخاتم فى اصبعه.

٨ ـ قولهم فى السب مع التحذير : ليسحقنّكم العدوّ سحق النعل بالعذرة ، اصله سحق العذرة بالنعل ، ومن ذلك هذه الابيات وشرحها فى شرح الشواهد الشعرية.

يبسط للاضياف وجها رحبا

٩٩٢ بسط ذراعيه لعظم كلبا

كانّ سبيئة من بيت راس

٩٩٣ يكون مزاجها عسل وماء

ولا تهيّبنى الموماة اركبها

٩٩٤ اذا تجاوبت الاصداء بالسحر

كانّ اوب ذراعيها اذا عرقت

٩٩٥ وقد تلفّع بالقور العساقيل

٦١٥

فان انت لاقيت فى نجدة

٩٩٦ فلا يتهيّبك ان تقدما

ومهمه مغبرّة ارجاؤه

٩٩٧ كانّ لون ارضه سماؤه

فديت بنفسه نفسى ومالى

٩٩٨ وما آلوك الّا ما اطيق

وعذلت اهل العشق حتّى ذقته

٩٩٩ فعجبت كيف يموت من لا يعشق

فلمّا ان جرى سمن عليها

٩٩٨ كما طيّنت بالفدن السياعا

اذا احسن ابن العمّ بعد اساءة

١٠٠١ فلست بشرّى فعله بحمول

مثل القنافذ هدّا جون قد بلغت

١٠٠٢ نجران او بلغت سوءاتهم هجر

الفصل الرابع

من ملح كلامهم تقارض اللفظين فى الحكم ، وهو ان يعطى كل من اللفظين حكم الاخر لمشابهة بينهما ، ولذلك امثلة.

١ ـ اعطاء غير حكم الا فى الاستثناء بها ، واعطاء الا حكم غير فى الوصف بها ، وياتى تفصيله فى مبحث ادوات الاستثناء فى المقصد الثالث.

٢ ـ اعطاء ان المصدرية حكم ما المصدرية فى الاهمال ، واعطاء ما المصدرية حكم ان فى عمل النصب ، وياتى تفصيله فى مبحث حروف المصدر فى المقصد الثالث.

٣ ـ اعطاء ان الشرطية حكم لو فى الاهمال ، واعطاء لو حكم ان فى الاعمال ، وكذا متى واذا ، وياتى تفصيله فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث.

٤ ـ تعاطى لم ولن حكمهما ، وياتى تفصيله فى مبحث ادوات النفى فى المقصد الثالث.

٥ ـ اعطاء لعل حكم عسى فى اقتران خبرها بان ، وقد مر فى المبحث الثانى من المقصد الاول.

٦ ـ اعطاء الحسن الوجه حكم الضارب الرجل فى النصب ، واعطاء الضارب الرجل حكم الحسن الوجه فى الجر ، وقد مر فى المبحث الثانى والعشرين فى المقصد الاول.

٦١٦

المبحث الحادى عشر

فى التوابع ، والتابع هو كل لفظ تفرع على سابقه فى الاعراب ، وهو خمسة انواع : النعت والتاكيد والبدل وعطف البيان وعطف النسق.

النوع الاول : النعت

ويقال له الوصف والصفة ، وهو تابع يدل على معنى فى متبوعه ، والمتبوع يسمى الموصوف والمنعوت ، والنعت قسمان.

القسم الاول

ما هو وصف لنفس المتبوع ، ويقال له النعت الحقيقى ، وله احكام نذكرها.

الحكم الاول

ان الاصل فيه ان يكون مشتقا كقوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) ـ ٢ / ٤١ ، (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) ـ ٢ / ٩٩ ، (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ـ ٢ / ١٠٥ ، (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ـ ٢ / ١٦٣ ، ووقع التخلف عن هذا الاصل فى مواضع.

١ ـ المصدر ، كقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطا ً) ـ ٢ / ١٤٣ ، (فَوَلِّ وَجْهَكَ

٦١٧

شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ـ ٢ / ١٤٤ ، ونحو زيد رجل ثقة وعمرو رجل عدل ، وهذه الالفاظ وغيرها مصادر تستعمل وصفا للمبالغة ، ومن هذا القبيل اطلاق التثنية على المثنى والجمع على المجموع.

٢ ـ الموصول ، كقوله تعالى :(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) ـ ٢ / ٤٠ ، والموصول يقع نعتا باعتبار المعنى الذى فى صلته ، فان قولك : جاء الرجل الذى يجتهد بمنزلة جاء الرجل المجتهد ، والاكثر انه يقع نعتا للمشتق كقوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) ـ ٢ / ٤٥ ، (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ـ ٢ / ١٥٦.

٣ ـ ذو وذات وفروعهما ، كقوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) ـ ٩٠ / ١٤ ـ ١٦ ، (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ـ) ٣٨ / ١ ، (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ـ ٥٥ / ٢٧ ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) ـ ٢٧ / ٦ ، (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) ـ ١١١ / ٣ ، ووقوعه نعتا باعتبار انه بمعنى صاحب وواجد.

٤ ـ اسم الاشارة ، كقوله تعالى : (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) ـ ٢٨ / ٢٧ ، (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) ـ ٢٥ / ١٧ ، ووقوعه نعتا باعتبار معنى الاشارة ، ولا باس بان يقال انه عطف بيان او بدل.

٥ ـ اسماء العدد ، كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ـ ٢٣ / ٨٦ ، (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ) ـ ٨٩ / ١ ـ ٢ ، والوصف بها باعتبار معنى التعدد والكثرة فى قبال الوحدة ، فان قولك : عندى دراهم عشرون ، اى متعددة كثيرة مع تعيين مقدار الكثرة.

٦ ـ الاسم المنسوب ، كقوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ) ـ ٧ / ١٥٨ ، ونحو رايت رجلا قميا ، وهذا رجل صوفى ، وتلوت عليك كلاما علميا ، وكونه نعتا باعتبار معنى النسبة فان القمى مثلا بمعنى المنسوب الى قم.

٧ ـ ما يراد به معنى المشتق ، نحو عندى رجل اسد ، اى شجاع ، ورايت عالما

٦١٨

بحرا ، اى كثير العلم.

٨ ـ لفظه كل ، نحو انت الرجل كل الرجل ، وكونه نعتا باعتبار معنى الكمال والكلية ، اى انت رجل كامل الرجولية ، وقول على عليه‌السلام : الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤيسهم من روح الله ولم يؤمنهم من مكر الله ، وقوله : العجب كل العجب بين جمادى ورجب ، وهذا اشارة الى خروج السفيانى فانه فى اوائل رجب ، وفى رواية اخرى الا اخبركم بالفقيه حق الفقيه : من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخص لهم فى معاصى الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه الى غيره.

ونظير كل كلمة بعض لافادة النقصان والقلة ، نحو قول على عليه‌السلام : اتق الله بعض التقى وان قل ، واجعل بينك وبين الله سترا وان رق ، اى اتق الله تقى بعض التقى.

٩ ـ لفظة اىّ وايّة ، نحو اخوك رجل اى رجل ، واختك امراة اية امراة ، اى له نبوغ فى صفات تنبغى ان تكون للرجال ، ولها نبوغ فيما ينبغى ان يكون للنساء وكونهما نعتا باعتبار معنى النبوغ والكمال.

١٠ ـ لفظه ما ، نحو اعطنى شيئا ما ، اى قليلا كان او كثيرا ، ومنه المثل المعروف : لامر ما جدع قصير انفه ، اى امر عظيم هائل.

١١ ـ الاسم المصدر بال ، وهو يقع نعتا لاسم الاشارة ، ولاى فى النداء كقوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٢ / ٢ ، (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) ـ ١٠٦ / ٣ ، (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ،) ـ ٤ / ٧٨ ، (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ـ ٨٢ / ٦ ، وكونه نعتا باعتباران المشار اليه والمنادى متصفان به ، كذا قيل ، ولكن الصحيح انه عطف بيان.

١٢ ـ الاسم الدال على المقدار ، نحو عندى بر قفيزان ، واشتريت كرباسا ذراعين ، وصببت فى الحوض ماء كرا ، وكونه نعتا باعتبار ان المعنى ماء متقدرا بالكر ، وكذا غير

٦١٩

هذا المثال.

١٣ ـ لفظة غير ، كقوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) ـ ٢ / ٥٩ ، (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ـ ١١ / ٤٦ ، وهذا باعتبار معنى المغايرة.

١٤ ـ الاسم المصغر ، نحو رايت انسانا رجيلا ، وهذا باعتبار وصف الصغر ، اى رايت انسانا هو رجل صغير ، ولا يخفى ان اسم الزمان والمكان والآلة لا تقع نعوتا ، وان كانت مشتقة.

الحكم الثانى

تقع الجملة وشبهها نعتا للنكرة ، ولا بد ان يكون فيها رابط يربطها بالموصوف على تفصيل مر فى الجملة الخبرية فى المبحث الاول من المقصد الاول ، لان الموصوف والوصف بمنزلة المبتدا والخبر ، حتى قيل : ان الخبر نعت مجهول والنعت خبر معلوم مثال الجملة قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) ـ ٢ / ٧٨ ، (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ـ ٢ / ١١٨ ، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) ـ ٢ / ١٤٨ ، وكقول الشاعر :

ولا خير فى قوم تذلّ كرامهم

١٠٠٣ ويعظم فيهم نذلهم ويسود

وان كان الموصوف مصدرا بال الجنس فهو كالنكرة يوصف بالجملة كما فى هذا البيت.

ولقد امرّ على اللئيم يسبّنى

١٠٠٤ فمضيت ثمّة قلت لا يعنينى

والرابط قد يكون مقدرا كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ـ ٢ / ٤٨ ، اى لا تجزى فيه ، وشرط الجملة الوصفية كالحالية ان تكون خبرا لا انشاء وان كانت انشاء يؤول الى الخبر كقول الشاعر.

حتّى اذا جنّ الظلام واختلط

١٠٠٥ جاؤوا بمذق هل رايت الذئب قطّ

مثال شبه الجملة قوله تعالى : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) ـ ٢ / ١٢٩ ، (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) ـ ٥ / ١١٤ ، (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) ـ ٢ / ٩٠ ، (لَهُمْ دَرَجاتٌ

٦٢٠