علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

فى المباحث حسب المعانى ، فرب كلمة عدت فى مبحثين أو مباحث كلم مثلا عدت تارة من الجوازم فى المبحث الواحد والعشرين من المقصد الاول ، وتارة من حروف النفى فى المبحث التاسع من المقصد الثالث ، ولكن مع ذلك فعدد العوامل على ما ذكرنا اكثر من مائة بكثير ، فانظر.

الفصل الثالث فى المعمول

وانواعه اربعة : المرفوعات والمنصوبات والمجروران والمجزومان.

الاول المرفوعات ، وهى عشرة : المبتدا والخبر ، وهما مذكوران فى المبحث الاول ، والفاعل ونائبه ، وهما مذكوران فى المبحث السادس والسابع ، والفعل المضارع ، وهو مذكور فى المبحث الواحد والعشرين ، واسم كان واخواتها واسم عسى واخواتها ، وهما مذكوران فى المبحث الثالث والرابع ، وخبران واخواتها ، وهو مذكور فى المبحث الثانى ، كل ذلك فى المقصد الاول ، وخبر لا النافية للجنس ، واسم ما ولا وان ولات المشبهات بليس ، وهما مذكوران فى المبحث التاسع من المقصد الثالث.

الثانى المنصوبات ، وهى اربعة وعشرون : المفاعيل الخمسة ، وهى مذكورة فى المبحث الثامن الى المبحث الثانى عشر ، واسم ان واخواتها وخبر كان واخواتها وخبر عسى واخواتها ومنصوبا افعال القلوب والتصيير ، وهى مذكورة فى المبحث الثانى الى المبحث الخامس ، والمنصوب فى باب الاختصاص وباب التحذير وباب الاغراء ، والحال والتمييز ، والمنصوب فى باب الاشتغال وباب التنازع ، والمنصوب بفعل التعجب ، والمنصوب بنزع الخافض ، والمضارع الداخل عليه احد النواصب ، وهى فى المبحث الثالث عشر الى المبحث الواحد والعشرين ، وكل ذلك فى المقصد الاول ، والمنادى والمستثنى ، وهما فى المبحث الثانى والثالث ، واسم لا النافية للجنس وخبر ما ولا وان ولات المشبهات بليس ، وهما فى المبحث التاسع ، وكل ذلك فى

٤١

المقصد الثالث ، وليس النصب لكلها كليا.

الثالث المجروران ، وهما المضاف اليه والمجرور بحرف الجر ، وهما مذكوران فى المبحث الاول والثانى من المقصد الثانى.

الرابع المجزومان ، وهما المضارع المدخول لاحد الجوازم غير الشرطية ، وهو مذكور فى المبحث الواحد والعشرين من المقصد الاول ، وما وقع شرطا او جزاء ، وذكر ذلك فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

الامر الرابع عشر

فى بيان بعض المصطلحات.

١ ـ القاعدة : وهى قضية كلية مأخوذة من تتبع الجزئيات ، وتصدر بلفظ كل ، ويقال مثلا : كل مبتدا مرفوع ، وكل حرف مبنى ، وكل فعل له فاعل ، وقلما يوجد قاعدة فى النقليات بلا تخصيص ولا سيما قواعد النحو.

٢ ـ الاصل : وهو كالقاعدة ، الا انه فى الاكثر يقال فى احكام موضوعات القواعد ومحمولاتها ، كما يقال : الاصل فى المبتدا التقديم وفى الخبر التاخير ، الاصل فى العطف ان يكون على اللفظ لا على المحل ، الاصل فى الوصف المستوفى لشروط العمل اعماله كالفعل لا اضافته الى معموله ، الاصل فى المفعول تأخيره عن الفعل والفاعل ، الاصل فى الضمير الاتصال ، الاصل فى المفعول المطلق ان يكون بلفظ فعله ، وغير ذلك مما يذكر فى المباحث.

٣ ـ القياس : وهو ضابط كلى يؤخذ من بعض الجزئيات المستعملة فى كلام العرب ، ويحمل عليه ما لم يسمع ولم يستعمل لان الاستقراء التام غير ممكن ، واستقراء كثير من الجزئيات يوجب القطع بان ما لم يسمع كذلك ، فاستقراء الكثير وسماعه من افواه العرب وقياس ما لم يسمع على ما يسمع الذى مهدت عليه قواعد النحو هو اصله واساسه ، حتى قال بعضهم : ان لم يكن القياس لم يكن النحو ،

٤٢

ومن انكر القياس فقد انكر النحو ، وقد تكفل السماع والاستقراء فى بدء الامر ابو الاسود الدئلى بامر الامام عليه‌السلام ، ثم حذا حذوه تلاميذه كنصر بن عاصم الليثى وغيره ، وتلاميذ تلاميذه كابى عمرو بن العلاء وغيره حتى وصلت النوبة الى الاصمعى والخليل والكسائى وسيبويه وغيرهم على ما ذكروهم فى تواريخ الادب ، وذلك البعض من الجزئيات المستعملة يقال له القياسى ، كجر الاسم بحروف الجر ، واعمال اسم الفاعل وغيره عمل الفعل ، ويقال لاجراء الحكم فى جميع الجزئيات : الاطراد ، وفى اكثرها الغلبة ، والقياس فى اصطلاح المنطق واصول الفقه غير هذا.

٤ ـ السماع ، وهو حصر الحكم فيما يسمع من العرب ، ويقال لما يسمع : السماعى ، ولا يتعدى الحكم من المسموع الى غير المسموع ، كحذف حرف الجر فى غير ان وان ، ونصب معمولى ان او رفعهما.

٥ ـ خلاف القاعدة والاصل والقياس ، وهو ان كان شائعا فى الاستعمال فتخصيص ، والا فقلة وشذوذ قياس ان كان واقعا فى الفصيح ، وشذوذ فصاحة ان كان واقعا فى غير الفصيح ، والشذوذ والنذور بمعنى واحد ، وياتى ذكر من هذه الامور فى خلال المباحث.

٦ ـ الافراد ، وهو يقال فى قبال التثنية والجمع ، والجملة وشبهها ، والاضافة ، والتركيب ، وللتركيب اقسام عشرة يأتى ذكرها فى المبحث السادس من المقصد الثانى.

٧ ـ الضرورة والسعة فالضرورة هى وقوع المتكلم ولا سيما الشاعر فى ضيق لاستعمال القاعدة فيتعسف عنها وياتى بما يخالفها ، والسعة تقابلها ، وهى عدم ضيق لاستعمالها ، فان اتى المتكلم فى السعة بما يخالف القاعدة فهو خطا الا ان يكون مسموعا من العرب فهو تخلف عن القاعدة ، والتوسع كتقديم الظرف على عامله حيث لا يجوز تقديم غيره من المعمولات ، وكاجراء بعض الاحكام على التوابع مما لا يجوز اجراؤه على المتبوعات ، وياتى ذلك كله فى اثناء المباحث.

٤٣

٨ ـ اللبس ، وهو ان يشبته شىء بشئ كاشتباه الفاعل بالمفعول فيراعى الاصل ويترك التوسع لدفع اللبس ، كما تقول : قتل يحيى فتى ، فلا يجوز تقديم فتى على يحيى لانه يوهم ان القاتل فتى والمقتول يحيى مع ان الامر بالعكس ، ولكن يجوز اكل الكمثرى عيسى لان الاكل قرينة على ان الكمثرى مفعول قدم على فاعله ، وان كان اللبس مرادا للمتكلم يقال له الابهام والاجمال والتشابه ، ومن ذلك كثير من آيات الكتاب المسماة بالمتشابهات.

٩ ـ القرينة ، وهى ما دل على مراد المتكلم من كلامه لولاه لوقع السامع فى اللبس وهى اما عقلية او عادية او لفظية ، والتفصيل فى محله.

الامر الخامس عشر

ان ما استشهدت به فى هذا الكتاب هو آيات القرآن ، وبعض الاحاديث ، وكلمات على عليه‌السلام فى نهج البلاغة وغرر الحكم للآمدى ، وبعض الامثال والكلمات والاشعار من دواوين الشعراء ، واوردت شرحها فى القسم الثالث.

فالمطالع لهذا الكتاب يحسن ان يستصحب القرآن ونهج البلاغة وكاشفا لكلماته وغرر الحكم وكتاب لغة وتفسيرا ادبيا كمجمع البيان والكشاف وكتابنا فى الصرف وشرح الشواهد الشعرية الذى هو القسم الثالث من تاليفنا : علوم العربية ، وكتاب مغنى اللبيب لابن هشام لانى نقلت منه بعض الامور وتعرضت لما لاح لى خطاءه.

ولعمرك لقد استغنيت بهذا الكتاب عن كل مادون فى هذا الفن مع وقوفك على بيان كثير من آيات الكتاب ، فخذ وكن من الشاكرين لله تعالى على نعمائه وآلائه ، وها انا اشرع فى المقاصد بعون واهب العطايا وقاضى الحاجات ودافع المفاسد والآفات انه ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم انه ولى حميد.

٤٤

المقصد الاول

فى اكثر المرفوعات والمنصوبات وعواملها ومباحث الافعال وما يتعلق بها والاسماء العاملة الشبيهة بالفعل فى العمل ، وفى هذا المقصد اثنان وعشرون مبحثا.

المبحث الاول

فى المبتدا والخبر.

اعلم ان العمدة فى الكلام هى المبتدا والخبر او الفعل والفاعل ، اذ باحد هذين التركيبين يقع الاسناد ويتم الفائدة وغيرهما فضلة متعلقة به ، والناظر فى الكلام لا بد له ان يجد اولا احدهما ثم ينظر فيما يتعلق به.

ثم اختلف فى تعريف المبتدا والخبر ، والاولى ان يقال : المبتدا هو اسم يبتدا به ليسند اليه كلمة اخرى ، والخبر هو تلك الكلمة الاخرى الواقعة بعده ، وسمى بالمبتدأ باعتبار كونه اولا بالنسبة الى المسند بخلاف الفاعل الذى هو كالمبتدا فى الاسناد ، ولكنه متاخر عن المسند ، وسمى الخبر بالخبر اذ به يتم الاخبار ، ويقال للمبتدا والخبر فى اصطلاح المنطق : الموضوع والمحمول ، والمحكوم عليه والمحكوم به ، وفى اصطلاح علم المعانى : المسند اليه والمسند.

والمشهور ان عامل المبتدا معنوى وهو معنى الابتداء ، وفسروا الابتداء بانه

٤٥

تجرد الاسم عن العوامل اللفظية للاسناد اليه ، وعامل الخبر هو المبتدا ، وقالوا : هذا قول سيبويه.

اقول : ان الابتداء مفهوم وجودى يناسبه مفهوم وجودى ، فالاولى ان يقال : الابتداء كون المسند اليه متقدما على المسند ، وهذا احسن من جهة اخرى اذ لا ينتقض بمثل رب رجل صالح عندى لان رجل مبتدا مع انه لم يتجرد عن العامل اللفظى ، ولكن سبقه على المسند محفوظ بعد دخول رب.

والاقوال الاخرى فى رفع المبتدا والخبر : ان رفعهما بالابتداء ، رفع المبتدا بالابتداء ورفع الخبر بالابتداء والمبتدا معا ، رفع كل منهما بالاخر ، رفع المبتدا بالاسناد ورفع الخبر بالمبتدا ، رفع المبتدا بالضمير فى الخبر وان كان جامدا ورفع الخبر بالمبتدا ، فان هذا القائل يرى ان الجامد كالمشتق يتحمل الضمير.

ثم ان وجب الالتزام بالعامل المعنوى عند فقد اللفظ فالقول هو الاول ، لان الابتداء امر ثابت ، والمبتدا يستدعى الخبر كما هو الشان فى كل عامل مع معموله ، وسائر الاقوال زوائد ، ولو اقتفى خلفهم سلفهم فى هذا الامر الوهمى الذى لا يترتب عليه اثر علمى وجروا على قول واحد لكان حسنا.

اقسام المبتدا والخبر

ان المبتدا اما ضمير او اسم ظاهر ، والخبر اما مفرد او جملة او شبه جملة ، والمفرد اما مشتق او جامد ، فهذه ثمانى صور من ضرب الاثنتين فى الاربع.

١ ـ قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ـ ١١٢ / ١ ، (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ـ ١٠٩ / ٣ ، (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) ـ ٦٣ / ٤ ، (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا) ـ ٣٤ / ٤١ ،.

٢ ـ قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) ـ ٥ / ١٨ ، (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) ـ ٣ / ١٦٣ ،.

٣ ـ قوله تعالى : (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) ـ ١٠ / ٥٦ ، (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ)

٤٦

ـ ٧٦ / ٢٨ ، (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ـ ٢ / ٥٠ ، (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) ـ ٥ / ١١٦ ،.

٤ ـ قوله تعالى : (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ـ ٣ / ٣٧ ، (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ـ ١٠١ / ٦ ـ ٧ ، (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) ـ ٧٩ / ١٤ ،.

٥ ـ قوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) ـ ٢ / ٢٥٧ ، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) ـ ٤٨ / ٢٩ ، (اللهُ الصَّمَدُ) ـ ١١٢ / ٢ ، كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ـ ٣ / ١٨٥ ،.

٦ ـ قوله تعالى : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) ـ ٩٨ / ٨ ، (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) ـ ١٢ / ١٠٨ ، (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) ـ ٦ / ١٢٦ ،.

٧ ـ قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ـ ٩ / ٧١ ، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ـ ٢ / ١٥٧ ،.

٨ ـ (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) ـ ٢ / ٥ ، (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) ـ ٢٠ / ٥١ ، (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) ـ ٦٩ / ١٧ ،.

ومن اقسام الاسم الجملة المصدرة بحرف مصدرى المؤولة الى المصدر ، ويقال له الاسم المؤول ويقع كالاسم الصريح مبتدا وخبرا وفاعلا ومفعولا وغير ذلك ، وياتى بيانه فى المبحث الحادى عشر من المقصد الثالث.

ثم هنا قسم آخر للمبتدا وهو كل وصف مسبوق بنفى او استفهام اعمل فى اسم ظاهر او ضمير بارز ، نحو اقائم زيد ، وما مضروب عمرو ، وا رائح الرجلان ، وكقوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) ـ ٢٩ / ٤٦ ، وكما فى هذه الابيات.

خليلىّ ما واف بعهدى انتما ٢٠

اذا لم تكونا لى على من اقاطع

اقاطن قوم سلمى ام نووا ظعنا ٢١

ان يظعنوا فعجيب عيش من قطنا

فما حسن ان يعذر المرء نفسه ٢٢

وليس له من سائر الناس عاذر

اجاعل انت بيقورا مسلّعة ٢٣

ذريعة لك بين الله والمطر

قالوا : ان الوصف فى هذا الاسلوب مبتدا والمرفوع بعده فاعل او نائب فاعل

٤٧

سد مسد الخبر ، والداعى لهم الى هذا مع ان الوصف مسند والمرفوع بعده مسند اليه ، وحق المعنى ان يقال : انه مبتدا والوصف خبر مقدم ، عدم التطابق بينهما من حيث الافراد والتثنية والجمع فى كثير من الموارد كالبيت الاول والثانى ، والمبتدا والخبر يجب ان يتطابقا كما ياتى بيانه ، فلا مضايقة فى الاخذ بالوجهين فيما يتطابقان والوصف مفرد ، واما اذا كان الوصف مثنى او مجموعا ، نحو ما قائمان الزيدان ، وا طالبون هولاء الرجال ، فالمتعين كونه المبتدا الموخر ، وياتى زيادة توضيح فى المبحث الثانى والعشرين ، وهناك مكانه.

احكام المبتدا والخبر

وهى امور :

الامر الاول

خبر المبتدا ان كان جملة يجب ان يكون فيها رابطة تربطها به ، لان الجملة كلام مستقل فان لم يرتبط بالمبتدا يصير لغوا ، نحو زيد انا مؤمن ، فان انا مؤمن جملة لا ربط لها بزيد ، فزيد لغو لا فائدة فيه ، والربط يحصل باحد امور.

١ ـ ضمير راجع الى المبتدا ظاهرا او مستترا نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) ـ ٤٧ / ١٧ ، (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) ـ ٣٣ / ٤ ،.

والمراد بالرجوع ان يكون الضمير هو المبتدا فى المعنى ، لا رجوع الضمير الغائب فقط ، فنحو قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) ـ ١٢ / ٣ ، (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) ـ ١٢ / ٤٥ ، (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) ـ ٣٨ / ٦٠ ، وغير ذلك شامل للضمير الرابط ، والضمير اصل فى الربط.

وقد يكون الضمير محذوفا مقدرا كقوله تعالى على قراءة بعض : افحكم الجاهلية

٤٨

يبغون ـ ٥ / ٥٠ ، برفع حكم ، اى يبغونه ، واما على قراءة النصب فمفعول مقدم ، ومثله وكل وعد الله الحسنى ـ ٤ / ٩٥ ، على قراءة رفع كل ، اى وعده الحسنى ، (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ـ ٢ / ٢٣٤ ، اى يتربصن بعدهم ، وكقول الشاعر :

قد أصبحت امّ الخيار تدّعى ٢٤

علىّ ذنبا كلّه لم اصنع

٢ ـ اسم اشير به الى المبتدا ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ـ ١٧ / ٢٦ ، اولئك رابط اسم ان ، وضمير عنه رابط كل ، (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) ـ ٧ / ٢٦ ، (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) ـ ٧ / ٣٦ ،.

٣ ـ اعادة المبتدا فى جمله الخبر بلفظه ، نحو قوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) ـ ٦٩ / ٢ ، (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) ـ ٥٦ / ٢٧ ، (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) ـ ١٠١ / ٢ ، وهذا الاسلوب من الاستفهام يستعمل فى مقام التهويل والتفخيم ، وكما فى هذين البيتين.

لا ارى الموت يسبق الموت شىء ٢٥

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا

الا ليت شعرى هل الى امّ جحدر ٢٦

سبيل فامّا الصبر عنها فلا صبرا

٤ ـ لفظ فى الخبر يعم المبتدا وغيره ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) ـ ١٨ / ٣٠ ، (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) ـ ٧ / ١٧٠ ، فان من احسن عملا والمصلحين يعمان المبتدا ، ومنه زيد نعم الرجل لان ال فى الرجل للجنس.

٥ ـ ان يكون الخبر نفس المبتدا فى المعنى ، نحو كلامى لا الاه الا الله ، وخبر ضمير الشان فى جميع موارده من هذا القبيل ، نحو (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ ٢١ / ٩٧ ، فان هى ضمير الشان.

٦ ـ ال النائبة عن الضمير ، نحو قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا

٤٩

فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) ـ ٧٩ / ٣٧ ـ ٤١ ، اى هى ماواه ، ومنه قول امراة عربية تمدح زوجها : زوجى المس مس ارنب والريح ريح زرنب ، اى مسه وريحه ، والزرنب شجر طيب الرائحة.

٧ ـ ان يكون الخبر جملتين متعاطفتين احديهما ذات ضمير والاخرى خالية ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) ـ ٢٢ / ٦٣ ، فان الجملة الثانية يلزم فيها رابط لانها معطوفة ، والتقدير : الم تر ان الله تصبح الارض مخضرة بانزاله الماء عليها ولكنها استغنت عنه لوجوده فى المعطوف عليها لان العاطف يجعلهما كالجملة الواحدة.

٨ ـ ان يتدارك عدم الربط بجملة شرط متأخرة فيها ضمير راجع الى المبتدا ، نحو زيد يقوم عمرو ان قام.

ثم كالجملة الخبرية يحتاج الى الرابط عشرة اشياء : الجملة الموصوف بها ، والموصولة ، والحالية ، وبدل البعض والاشتمال ، ومعمول الوصف ، وجواب الشرط ، والعاملان فى باب التنازع ، والتاكيد ، والجملة المفسرة فى باب الاشتغال ، وقد ذكر ابن هشام هذه الاحد عشر مشروحة فى الباب الرابع بعنوان (الاشياء التى تحتاج الى الرابط) وياتى كل منها فى موضعه.

الامر الثانى

ان كان الخبر شبه الجملة ، اى ظرفا او جارا ومجرورا نحو قوله تعالى : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ـ ٨ / ٤٢ ، (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ٥٧٠ / ١٩ ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ـ ١ / ١ ، (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) ـ ٧ / ١٧٩ ، فلا بد له من متعلق مقدر هو الخبر فى الواقع لان الخبر لا بد ان يحمل على المبتدا والظرف والجار والمجرور بنفسهما لا يحملان عليه ، والمقدر احد افعال العموم وهى الكون والثبوت والحصول والوجود والاستقرار بمعنى

٥٠

الثبوت.

واختلفوا فى ان المقدر هل هو الفعل ككان ويكون مثلا حتى يكون الخبر جملة او الوصف ككائن حتى يكون مفردا ، ولا جدوى لاختلافهم ، بل يراعى التناسب او اللزوم فى كل مكان ، ففى صلة الموصول ان كان ظرفا او جارا ومجرورا نحو رايت الذى عندك او فى الدار يلزم تقدير الفعل لان الصلة يجب ان تكون جملة.

تنبيهات

١ ـ الظرف اما زمان او مكان ، وكل منهما اما عام او خاص ، والواقع منها خبرا هو المكان الخاص فى الاكثر ، نحو قوله تعالى : (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) ـ ٢٠ / ٥٢ ، (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ـ ٢ / ٢١٢ ، والزمان الخاص يقع خبرا ان كان المبتدا اسم الحدث ، نحو (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ـ ٩ / ٣ ، واما العام منهما فلا يقع خبرا الا نادرا لعدم الفائدة ، نحو الموت يوما او مكانا ، وياتى زيادة توضيح للظرف فى مبحث المفعول فيه فى هذا المقصد ، وفى مبحث الظروف فى المقصد الثانى.

٢ ـ متعلق الظرف او الجار والمجرور ان كان من افعال العموم وجب حذفه الا فى مواضع قليلة ، وياتى بيان ذلك فى المبحث الرابع من المقصد الثانى.

٣ ـ الحرف الجار ان كان زائدا نحو (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) ـ ٣٥ / ٣ ، فلا له متعلق ولا هو مع مجروره شبه الجملة ، فتقدير الكلام : هل غير الله خالق ، وياتى ذكر حروف الزيادة فى الخاتمة ، وياتى بيان هذا المطلب فى المبحث الرابع من المقصد الثانى.

٤ ـ الظرف اذا وقع خبرا عن ظرف فهو مفرد جامد مرفوع لا شبه الجملة ، نحو يوم الجمعة يوم مبارك ، وافضل الشهور شهر رمضان ، ومكاننا ارض ذات حجارة ، فكونه منصوبا على الظرفية ، مرفوعا محلا على الخبرية ، محتاجا الى متعلق فانما

٥١

هو فيما اذا كان خبرا عن اسم ذات غير الظرف او اسم حدث.

٥ ـ ان وقع اسم زمان او مكان خبرا عن ذات او حدث او وقع مبتدا لاحدهما فلا بد من تقدير شى فى احد الطرفين حتى يصح الحمل ، نحو (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ـ ٢ / ١٩٧ ، اى زمان الحج اشهر معلومات ، او الحج واقع فى اشهر معلومات ، والاشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) ٢ / ١٨٩ ، اى ازمنة ظهورها وخفائها وزيادتها ونقصانها مواقيت لاعمال الناس من صومهم وصلاتهم فى اعيادهم وعدة نسائهم وحجهم وغير ذلك من وظائفهم المقيدة بالاشهر ، وفى هذه الاية دلالة على ان تلك الوظائف الشرعية منوطة بالشهور القمرية ، ولا دخل فيها للشهور الشمسية.

الامر الثالث

الاسم المؤول اذا وقع مبتدا او خبرا فهو كالجملة فى احكامها لانه الجملة بصورته اللفظية ، وانما يصير مفردا بعد التاويل ، واما الاسم الصريح المفرد فهو اما جامد او مشتق ، والجامد اما جامد محض او جامد كالمشتق ، والمشتق اما وصف صريح او غير صريح فهذه اربعة اقسام.

١ ـ الجامد المحض ، نحو الانسان جسم ، الصوت هواء ، الكلمة اسم وفعل وحرف ، وهذا القسم لا يتحمل ضميرا للمبتدا ولا يعمل عملا ، اى لا يرفع ضميرا مستترا ولا بارزا ولا اسما ظاهرا فكيف بعمل النصب.

٢ ـ الجامد كالمشتق ، وهو اسم جامد يشرب معنى الوصف ، نحو زيد اسد اى شجاع ، ابنى روح لى ، اى محبوب لى غاية المحبة ، هو شمس ، اى عالى المقام ، مشهور الانام ، حبيبى قمر ، اى جميل ، وقلب الظالم حجر ، اى قاس ، وهذا القسم كالمشتق يتحمل الضمير ، لان تحمل الضمير راجع الى المعنى ، ويعمل كما تقول : فلان حجر قلبه ، وزيد قمر وجهه ، فلا يقال زيد وعمرو اسد

٥٢

بالافراد ان اريد ان كلا منهما شجاع ، بل يقال اسدان ، ويقال زيد وعمرو انسان ان اريد من الانسان النوع لا الشخص ، وهذا دليل على ان انسان ليس فيه ضمير ، وان اسد فيه ضمير ، لان مناط تثنية الفعل والوصف وجمعهما اشتمال الضمير ، ومن هذا القبيل المنسوب فانه يتحمل الضمير ويرفع الظاهر ، نحو هذا عربى وعربى لسانه.

٣ ـ المشتق الذى هو وصف صريح كاسم الفاعل والمفعول وغيرهما من الاسماء العاملة عمل الفعل ، وياتى ذكرها فى المبحث الثانى والعشرين ، فانه كالفعل يتحمل الضمير ويعمل عمل فعله.

٤ ـ غير الصريح من الوصف وهو اسم الآلة واسم الزمان واسم المكان ، فانه كالجامد لا يتحمل ضميرا ولا يعمل عملا وان كان مشتقا ، اذ لا يراد منه نسبة حدث الى ذات ، بل يراد به الذات التى هى آلة او مكان او زمان لحدث والعمل انما هو باعتبار نسبة الحدث الى ما صدر عنه من الفاعل او ما تعلق به من المفاعيل ، فان فى قولك : مقتل لا ينسب القتل الى المكان لا صدورا منه ولا وقوعا عليه ، بخلاف قولك : قاتل ، فانه ذات نسب اليها القتل صدورا ، ومقتول ، فانه ذات نسب اليها القتل وقوعا عليه.

فاسماء الزمان والمكان والآلة المشتقة كاسماء الزمان والمكان والالة الجامدة ، فقولك : سكين وآلة القطع ومقطع ثلاثتها على حد واحد ، ومن اجل ذلك ان الفعل اذا لم يرد منه النسبة صار اسما جامدا كما تقول : ضرب فعل ماض.

ان قلت : اليس الحدث منسوبا الى اسم الزمان والمكان باعتبار وقوعه فيه ، والى اسم الآلة باعتبار وقوعه به؟ قلت : بلى ، وبهذا الاعتبار يعمل كل منها فى الظرف والجار والمجرور ، ومرادنا من نفى عمله نفيه فى الفاعل والمفعول ، وعبارة النحاة هنا ان اسم الزمان والمكان والآلة يتعلق به شبه الجملة لان فيه رائحة الفعل ، ولكن لا يعمل عمل الفعل كالاوصاف الصريحة.

ومن هذا القسم اوصاف هجر عنها معنى الوصفية وصارت كالاسماء الجامدة

٥٣

نحو طيارة سيارة ، دبابة ، سبابة ، وغيرها ، فانها لا تعمل عملا يقتضيه مادتها لاجل نقلها من الوصفية الى الاسمية.

الامر الرابع

فى تطابق المبتدا والخبر وعدمه.

ان الخبر كما علم اما متحمل لضمير المبتدا اولا ، وفى كل منهما حكم من حيث التطابق وعدمه ، ونحن نذكر هذا الامر فى فصلين.

الفصل الاول

اذا كان فى الخبر ضمير المبتدا ظاهرا او مستترا فالاصل تطابقهما اى تطابق المبتدا والضمير فى الافراد والتثنية والجمع والتذكير والتانيث وانما قلنا تطابق المبتدا والضمير لانه مناط المطابقة وعدمها فيما كان رابطا لا الفعل والوصف ، ومثل الضمير اسم الاشارة اذا كان رابطا ، وذكر بعض الامثلة فى الامر الاول ، ونجعل امثلة هذا القسم فى صور اربع.

١ ـ ما يكون الخبر جملة اسمية ، كقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٢ / ١ ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) ـ ٢ / ٢٥٧ ، (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ـ ٢ / ٢٥٥ ، (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ـ ٨ / ٧٥ ،.

٢ ـ ما يكون الخبر جملة فعلية ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) ـ ٧٦ / ٢٧ ، (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) ـ ٧٦ / ٢٨ ،.

٣ ـ ما يكون الخبر مفردا وصفا لنفس المبتدا ، نحو قوله تعالى : (هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) ـ ٨٥ / ١٤ ، (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) ٨٥ / ٢٠ ، (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) ـ ٤ / ٤٣ ، والفرق بين الفعل والوصف المتحمل للضمير انه مستتر فيه فى جميع صيغه ، والالف والواو والياء علائم الاعراب بخلاف الفعل.

٥٤

٤ ـ ما يكون الخبر مفردا وصفا لمتعلق المبتدا ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ـ ٢ / ٢٨٣ ، ومثله الفعل المنسوب الى متعلق المبتدا ، نحو قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ـ ٣ / ١٦٤ ،.

ثم قد وقع التخلف عن هذا الاصل فى مواضع قياسية.

الموضع الاول ما يكون المبتدا لفظ كل ، فيجوز الافراد والتذكير فى الضمير العائد اليه رعاية للفظه ، ويجوز غيرهما رعاية لمعناه ، نحو قوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) ـ ١٩ / ٩٥ ، (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ـ ٣ / ١١٦ ، وترجيح رعاية اى الجانبين موكول الى ذوق البلاغة ، والقول باعتبار ما يضاف اليه كل مردود بشهادة المثال الاول ، ومثل كل كلمة بعض وجميع وكلا وكلتا والاسماء المبهمة نحو ما ومن ، فيجوز فيها الامران : رعاية جانب اللفظ ورعاية جانب المعنى ، وياتى امثلتها فى اثناء المباحث.

الموضع الثانى كل وصف يختص بالنساء كحائض وحامل وعاقر ، فانه ليس فيه علامة الثانيث اذ الاختصاص يغنيه عنها ، نحو قوله تعالى : (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) ـ ١٩ / ٥ ،.

الموضع الثالث اسم التفضيل بغير ال ، وياتى تفصيله فى المبحث الثانى والعشرين الموضع الرابع كل وصف على وزن فعيل او فعول او على بعض صيغ المبالغة فانه يجوز فيه المطابقة وعدمها على تفصيل ذكر فى كتاب الصرف.

الموضع الخامس ما كان المبتدا مفردا اريد به الجنس او مجموعا ذا اجزاء اريد به الاجزاء ، فيجوز الجمع باعتبار الافراد والاجزاء نحو قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ـ ٩٢ / ٤ ، شتى جمع شتيت بمعنى متفرق ، (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ـ ٧ / ٢٠٣ ، اى القرآن ، ويجوز الافراد باعتبار نفسه ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ـ ١٧ / ٩ ، (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) ـ ٧٠ / ١٩ ،.

الموضع السادس ما كان المبتدا جمعا مكسرا لغير ذوى العقول ، فيجوز ان يكون

٥٥

خبره جمعا مؤنثا او مفردا مؤنثا ، نحو قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) ـ ٨٠ / ٣٨ ، (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أَبْصارُها خاشِعَةٌ) ـ ٧٩ / ٩ ، (تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ـ ٣ / ١٤٠ ،.

الموضع السابع ما كان المبتدا جمعا مكسرا لذوى العقول ، فالاصل فى خبره ان يكون جمعا ، ولكن قد ياتى مفردا مؤنثا بتاويل المبتدا بالجماعة ، نحو قوله تعالى : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) ـ ٧٧ / ١١ ،.

الموضع الثامن ما كان المبتدا جمعا مؤنثا سالما لذوات العقول او غيرها ، فيجوز فى خبره ان يكون جمعا مؤنثا او مفردا مؤنثا ، ولكن الجمع لذوات العقول اولى والمفرد لغيرها ، نحو قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ـ ٣٩ / ٦٧ ، (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) ـ ٤ / ٣٤ ، (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ـ ١١ / ١١٤ ، (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ـ ٢٠ / ٧٦ ، (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) ـ ٢١ / ٣٠ ، ولا باس بعدم بعض الامثلة مبتدا وخبرا ، فانه لصرف ارائة المثال.

تنبيه

قد يذكر المبتدا او الخبر الذى حقه التانيث وبالعكس ، كانّ كلا منهما يكتسب مقابله من الاخر لان المجالسة موثرة ، نحو قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) ـ ٢٨ / ٣٢ ، فذكر المبتدا لاجل تذكير الخبر لان الاشارة الى اليد والعصا وهما مؤنثان وتقتضى القاعدة ان يقال : فتانك برهانان ، ومثله (هذا رَبِّي) ـ ٦ / ٩٧٨ لان الاشارة الى الشمس ، وكقول الشاعر.

انارة العقل مكسوف بطوع هوى ٢٧

وعقل عاصى الهوى يزداد تنويرا

الفصل الثانى

اذا لم يكن الخبر حاملا لضمير المبتدا فليس له اصل فى المطابقة وعدمها

٥٦

يعول عليه ، ونذكر من ذلك مواضع ، تلك قياسية.

الموضع الاول ما كان الخبر بصيغة المصدر ، فانه مفرد مع كل مبتدا بلا رعاية التذكير والتانيث ، نحو قوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) ـ ٥٧ / ٢٠ ، (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ـ ٦٤ / ١٥ ، (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) ـ ٢ / ٢٢٣ ، (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) ـ ٥٤ / ٢٨ ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) ـ ٥٤ / ٥٠ ، لان التقدير كلمة واحدة ، وهى كلمة كن المذكورة فى قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ٣٦ / ٨٢ ،.

الموضع الثانى ما كان المبتدا بصيغة المصدر او شبهه ، نحو قوله تعالى : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ـ ٥٧ / ١٢ ، (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ـ ٣ / ١٣٣ ، وفى حكم المصدر الجملة المؤولة اليه اذا وقعت خبرا او مبتدا ، وياتى تفصيله فى المبحث الحادى عشر من المقصد الثالث.

الموضع الثالث ما كان المبتدا او الخبر اسم الجنس ، نحو قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) ـ ٦ / ٣٨ ، ونحو الانسان جزءان : روح وبدن ، والبدن اجزاء ، والانسان والبقر والجمل حيوان.

الموضع الرابع ما كان المبتدا واحدا مشبّها بمتعدد ، نحو قوله تعالى : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) ـ ٧٧ / ٣٣ ، (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) ـ ٣٧ / ٦٥ ،.

الموضع الخامس ما كان المبتدا متعددا مشبها بواحد ، نحو قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) ـ ٥٢ / ٢٤ ، (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) ـ ٣٧ / ٤٩ ، وما فى هذين البيتين.

كانّ عيون الوحش حول خبائنا ٢٨

وارحلنا الجزع الّذى لم يثقّب

كانّ قلوب الطير رطبا ويابسا ٢٩

لدى وكرها العنّاب والحشف البالى

٥٧

ثم ان حكم المطابقة وعدمها يجرى فى غير المبتدا والخبر كالفعل والفاعل والحال وذى الحال ومرجع الضمير والتوابع ، وياتى بيان كل منها فى مبحثه.

الامر الخامس

ان الاصل فى المبتدا ان يكون معرفة وفى الخبر ان يكون نكرة ، ولا ينعكس الا نادرا جدا ، ولكن ياتيان نكرتين او معرفتين فى موارد كثيرة ، نذكر من كونهما نكرتين عشرين موضعا قياسيا ، والجملة وشبهها فى حكم النكرة.

الموضع الاول ان يكون الخبر ظرفا او جارا ومجرورا مقدما على المبتدا ، نحو قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ـ ١٢ / ٧٦ ، (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) ـ ٦ / ٦٧ ، ولا يخفى انه ان قدر المتعلق فعلا مقدما كما هو مذهب قوم فالجملة فعلية خارجة عما نحن فيه ، ويقوى هذا المذهب قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) ـ ٥٠ / ٣٧ ، ويقوى المذهب الاخر قوله تعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) ـ ٢٧ / ٤٠ ، وعلى هذا فانت بالخيار ما لم يجب احدهما ، والآيتان من النوادر لان القاعدة حذف متعلق الظرف ان كان من افعال العموم.

الموضع الثانى ان يسبق المبتدا استفهام نحو قوله تعالى : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٢٧ / ٦١ ، وكما فى هذين البيتين.

وهل داء امرّ من التنائى ٣٠

وهل برء اتمّ من التلاقى

يقول اذا اقلولى عليها وارقدت ٣١

الا هل اخو عيش لذيذ بدائم

الموضع الثالث ان يسبقه نفى ، نحو قوله تعالى : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) ـ ٤٣ / ٦٨ ،.

الموضع الرابع ان يسبقه لو لا ، وياتى ذكرها فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

الموضع الخامس ان يسبقه اذا الفجائية او الشرطية ، وياتى الفجائية فى المبحث

٥٨

الثالث من المقصد الثانى ، والشرطية فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

الموضع السادس ان يكون المبتدا موصوفا بوصف مذكور او مقدر او مضمون ، نحو قوله تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ، وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ـ ٢ / ٢٢١ ، وفى الحديث : عالم ينتفع بعلمه افضل من سبعين عابدا ، وكقول الشاعر.

عرضنا فسلّمنا فسلّم كارها ٣٢

علينا وتبريح من الوجد خانقه

والوصف المقدر كقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) ـ ٣ / ١٥٤ ، اى وطائفة غير تلك الطائفة ، ونحو شر اهرّ ذا ناب ، اى شر عظيم ، وبلاء سياتى الناس ، اى بلاء شديد ، ونحو السمن منوان بدرهم اى منوان منه ، وكقول الشاعر.

قدر احلّك ذا المجاز وقدارى ٣٣

وابىّ مالك ذو المجاز بدار

والوصف المضمون ، نحو رجيل على المنبر ، اى رجل حقير ، وحجازى اتينا ، اى رجل من اهل الحجاز ، فان المصغر والمنسوب يتضمنان معنى الوصف.

الموضع السابع : ان يكون المبتدا نفسه وصفا ، نحو سارق قطعوه ، زان جلدوه ، مرتد صلبوه ، مظلوم قتلوه ، كافرا سلم ، نيرا ظلم ، ضعيف عاذ بقرملة ، ويشترط فى هذا ان يكون الخبر جملة ، ولا حاجة الى تقدير الموصوف لان التقدير خلاف الاصل ، والمشتق بنفسه يدل على الذات.

الموضع الثامن : ان يكون مضافا لفظا او تقديرا كقوله تعالى : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ـ ٣٠ / ٣٢ ، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ـ ١٧ / ٨٤ ، اى كل احد.

الموضع التاسع : ان يكون عاملا فى الظرف او الجار والمجرور ، نحو رغبة فى الخير خيرا جلبت ، تفكر ساعة افضل من عبادة سنة ، امر بمعروف صدقة ، اعلم منك يعلمنى.

الموضع العاشر : ان يكون عاملا عمل النصب ، نحو اطعام يتيما من افضل القربات ، صارف عامل الشر عن شره بالموعظة ينجيه ونفسه ، وعمل الوصف من دون الاعتماد مورد خلاف وياتى فى المبحث الثانى والعشرين.

٥٩

الموضع الحادى عشر : ان يكون المبتدا من الاسماء المبهمة ، كاسم الشرط والاستفهام والتعجب والكناية ، كقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ـ ٩٩ / ٧ ـ ٨ ، (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) ـ ٣ / ١٣٥ ، (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) ـ ٢ / ١٧٥ ، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ـ ٢ / ٢٤٩ ، واحكام هذه الموضوعات تاتى فى مباحثها.

الموضع الثانى عشر : ان يكون الكلام انشاء كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) ـ ٣٧ / ١٣٠ ، (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ـ ١٠٤ / ١ ، (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ـ ٢١ / ٦٧ ،.

الموضع الثالث عشر : ان يراد به الجنس ، نحو رجل اقوى من امراة ، سكوت اسلم من كلام ، تمرة خير من جرادة.

الموضع الرابع عشر : ان يكون المبتدا بدء جملة حالية كما فى البيتين.

الذئب يطرقها فى الدهر واحدة ٣٤

وكلّ يوم ترانى مدية بيدى

سرينا ونجم قد اضاء فمذ بدا ٣٥

محيّاك اخفى ضوءه كلّ شارق

الموضع الخامس عشر : ان يكون تفصيلا لما قبله ، كقوله تعالى : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) ـ ٤٢ / ٧ ، اى فريق من ذلك الجمع الخ ، ونحو الدهر منقلب فيوم لك ويوم عليك ، ومنه قول الشاعر.

فيوم علينا ويوم لنا ٣٦

ويوم نساء ويوم نسرّ

الموضع السادس عشر : ان يكون خبره امرا خارقا للعادة ، نحو شجرة سجدت ، انسان طار الى السماء ، بقرة تكلمت ، حية سقطت من السماء.

الموضع السابع عشر : ان يكون المبتدا محصورا فيه ، نحو انما رجل اتانى ، اى لا امراة ، وانما شيطان افسد امرك ، اى لا انسان.

الموضع الثامن عشر : ان يكون المبتدا معطوفا او معطوفا عليه بشرط ان يكون فى

٦٠