علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

الكلام مثلا لكل تفرق عميق ، والقصة مذكورة فى التفاسير فى سورة سبا ، وفى معجم البلدان فى لفظ سبا ومارب.

٢ ـ : قولهم : افعل هذا بادى بدى بسكون اليائين ، اى مبتدئا ، وهذا فى وحدة المعنى وتعدد اللفظ نظير قولهم : كلمته فاها لفيه اى مشافها ، وبعته يدا بيد اى متقابضين ، واصل هذا المركب بادى بدا باضافه اسم الفاعل الى المصدر ، ولكن كثر استعماله فقلبت همزتهما ياء فبنيتا على السكون ، وقد يقال : بادى بدا بقلب همزة الثانى الفا ، وفيه لغات اخرى مذكورة فى القاموس وشرح الرضى وغيرهما.

٣ ـ : قولهم : لقيته كفة كفة ، على فتح الجزاين ، ويجوز الاعراب باضافة الاول الى الثانى ، اى لقيته متواجهين ، والكفة مصدر بمعنى الكف ، فكان كلا منهما يكف صاحبه عن التولى.

٤ ـ : هو جارى بيت بيت بفتح الجزاين او الاضافة ، ومعناه هو جارى ملاصقا بيتى بيته.

٥ ـ : قولهم : اخبرته صحرة بحرة ، اى كاشفا للخبر بلا ابهام وكناية او بلا وساطة احد ، واللفظان ماخوذان من الصحراء والبحر ، فكان المخبر فى متسع يراه كل احد ويسمع خبره ، ويجوز فيه الفتح والاضافة ، ويستعمل فى غير الاخبار ايضا ، نحو هو عندى صحرة بحرة ، ومررت به صحرة بحرة.

٦ ـ : قولهم : تفرقوا شذر مذر وشغر بغر وخذع مذع واخول اخول ، وكلها بمعنى منتشرين متباعدين ، وتركتهم حيث بيث اى ضائعين ، وسقط على الارض بين بين اى لا حيا ولا ميتا ، بل كان له رمق ، قال الرضى : لم يسمع فى هذه الكلمات الاضافة كما سمعت فى المذكورة قبلها ، ثم ذكر معانيها الاصلية ، ومحلها كتب اللغة.

الثامن : المركب البيانى ، وهو المكون من لفظين يكون الثانى مبينا للاول ، نحوكم ملوك باد ملكهم ، وعندى ثلاثة دراهم ، وياتى الاول فى الباب الثانى و

٥٢١

الثانى فى المبحث الثامن ، واذا سمى به احد فحكمه حكم المركب الاضافى.

التاسع : المركب التضمنى ، وهو الفعل او الوصف مع الضمير المستتر فيه ، واذا سمى به احد فحكمه حكم المفرد لانه يخلو من الضمير عند التسمية.

العاشر : المركب المزجى ، وهو المكون من لفظين جعلا لمعنى واحد ليس من تلك المركبات التسعة ، نحو قلمدان ، والاكثر من هذا التركيب فى الاعلام ، نحو معد يكرب ورامهرمز وطبرستان وفيروزآباد وسيبويه ونفطويه.

تنبيهات

١ ـ : اذا سمى احد بالاول والثانى والثالث والثامن والتاسع من هذه المركبات فقد ذكر حكمه ، واذا سمى بغيرها فالجزء الاول مبنى على السكون او الفتح لانه وسط الكلمة والجزء الثانى يعرب اعراب غير المنصرف ، وياتى تفصيله فى المبحث السابع.

٢ ـ : ان المركب اذا اريد منه معنى واحد فليس بين الجزاين منه نسبة ، اى لا يراد بجزء من اللفظ جزء من المعنى اذ ليس المعنى جزاين كالقسم السادس والسابع والعاشر مطلقا ، وغيرها ان كان علما ، والافبين الجزاين نسبة ، ويراد من كل جزء جزء من المعنى ، وهى نسبة الاسناد والاضافة ودلالة التثنية والجمع والاتصاف والعطف والبيان والتضمن.

٣ ـ : من المركبات قولهم : وقعوا فى حيص بيص ، اى فى فتنة عظيمة ، وحيص مصدر بمعنى الهرب وبيص مصدر بمعنى السبق ، كان الواقعين فى الفتنة يسبق بعضهم بعضا فى الهرب ، والجزآن معربان لوجود فى ، وقيل : يجوز بناء الجزاين على الفتح.

٤ ـ : ان القوم عرفوا المركب بقولهم : هو ما ركب من لفظين ليس بينهما نسبة لان مرادهم المركبات المبنية ، واورد عليهم بان خمسة عشر وامثالها تخرج من الحد

٥٢٢

لان بينهما نسبة العطف بالحرف المقدر مع انها من افراد المحدود حسب مرادهم ، على ان حدهم دورى كما هو ظاهر ، ولم ارفى كلامهم ما يصحح امرهم وحدهم بتا ، فسلكت فى الحد وبيان اقسام المحدود ما تلوت عليك ، وهو اسلم واكمل واوفى.

الباب الثانى

فى الكنايات ، الكناية مصدر فى قبال الصراحة ، وهى التكلم بلفظ لا يتبين مفهومه ، والصراحة هى التكلم بلفظ يتبين مفهومه ، يقال : كنيت وكنوت به عن كذا ، اى بهذا اللفظ عن ذلك المعنى الذى ليس صريحا فيه ، نحو رايت فلانا فهذا كناية ، واذا قلت رايت زيدا او عالما فذاك صراحة.

وفى الحديث : من تعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن ابيه ولا تكنوا ، اى من انتسب الى الجاهلية وافتخر بها فقولوا له عض هن ابيك بلا كناية ، فانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كنى بهن عن الاير ، ولكن اذن بترك الكناية ، وذلك لشدة قبح الافتخار بالجاهلية ، فان بعض القبيح اللفظى يزول قبحه فى جنب ما هو اقبح منه ، وكما فى هذين البيتين.

وقد ارسلت فى السرّ ان قد فضحتنى

٩٠٠ وقدبحت باسمى فى النسيب ولا تكنى

وانّى لاكنو عن قذور بغيرها

٩٠١ واعرب احيانا بها فاصارح

هذا فى اللغة ، واما فى الاصطلاح فالكناية هى الكلمة التى لا يتبين معناها الا بغيرها ، وعلى هذا فالحروف كلها كنايات ، لان معنى الحرف لا يتبين الا بما معه من الاسم او الفعل ، فان معنى فى ليس الظرفية ، بل تفيد ان مدخولها ظرف لشئ كما فى قولك : رايتك فى السوق ، وكذا غيرها.

وكذا ضمائر الغياب والموصولات واسماء الاشارة كلها كنايات على ما مر تفصيله فى المبحث السابق ، واسماء الشرط والاستفهام كذلك وتاتى ، وكذا اسماء الاعداد ، فان معدوداتها لا تتبين الا بالتمييز ، فهى من جهة المعدود مبهمة ، لا من جهة مفهوم

٥٢٣

العدد ، بخلاف كم مثلا ، فانه من حيث مفهوم العدد ايضا مبهم ، فمعدوده يعلم بالتمييز ، وعدده يعلم بالجواب والبيان ، كما ياتى بيانه ، وذكر اسماء الاعداد ياتى فى مبحثها ، ثم الكناية فى غيرها اما تستعمل مع التمييز وامالا ، وما يستعمل معه فاما يكون المكنى عنه حديثا او واقعة واما يكون معنى مفردا واما يكون مجرد لفظ واما يكون لفظا باعتبار معناه ، فهذه خمسة اقسام نذكرها فى فصول خمسة ، واعلم ان الكنايات ليس كلها مبنية ، كما ان المركبات والظروف كذلك ، ويقال للكنايات : المبهمات ايضا.

الفصل الاول

فى الكناية التى تستعمل مع التمييز ، وهى ثلاثة الفاظ غير اسماء الاعداد ، وهى كم وكاين وكذا ، ويقال لها كنايات العدد لان مضمونها عدد مبهم.

١ ـ كم

وهى على وجهين : استفهامية وخبرية ، وكل منهما اسم مبهم لازم التصدير مبنى على السكون مفتقر الى مميز منكر ، ومميز الاستفهامية مفرد منصوب ، ومميز الخبرية مجرور مفرد او مجموع ، وعامل المميز نصبا او جرا هو كم ، وقد يدخل من البيانية على المميز ، وهى متعلقة بما يصلح من الحدث المذكور او المقدر فى الكلام ان كان ، والا فبما فى كم من معنى الاخبار او الاستخبار.

وكل منهما كسائر الاسماء يقع مبتدا وخبرا ومنصوبا ومجرورا بالاضافة او بالحرف ، ولا يقع فاعلا لصدارتها ، ومعنى الخبرية الاخبار بكثرة المميز ، ومعنى الاستفهامية الاستخبار عن عدد المميز ، والكلام مع الخبرية لا يستدعى جوابا ، ولكن يمكن ان يبين المتكلم عدد الكثرة ثانيا بعد ان اخبر عنها مبهمة ، ومع الاستفهامية يستدعيه ، وذلك قضية كل استخبار ، والاكثر فى الخبرية كون مميزها

٥٢٤

مجرورا بمن البيانية ، ودونك بعض الامثلة.

١ ـ قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) ـ ٥٣ / ٢٦ ، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) ـ ٢ / ٢٤٩ ، كم فى الآيتين مبتدا ، وارجاع ضمير الجمع فى الاولى والمؤنث فى الثانية باعتبار معنى كم ، وفى هذه الابيات ايضا مبتدا.

كم ملوك باد ملكهم

٩٠٢ ونعيم وسوقة بادوا

كم اناس فى نعيم عمّروا

٩٠٣ فى ذرا ملك تعالى فسبق

سكت الدهر زمانا عنهم

٩٠٤ ثمّ ابكاهم دما حين نطق

بليت وفقدان الحبيب بليّة

٩٠٥ وكم من كريم يبتلى ثمّ يصبر

كم ذكىّ عاش وهو فقير

٩٠٦ وغبىّ يصفو عليه الثراء

٢ ـ قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) ـ ٢٨ / ٥٨ ، (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) ـ ٤٤ / ٢٥ ، كم مفعول فى الآيتين بلا كلام ، (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ـ ٣٦ / ٣١ ، كم مفعول لاهلكنا ، ومجموع الجملة مفعول الم يروا ، فلا يضر بصدارة كم لان معنى الصدارة عدم تقدم شىء من الجملة التى فيها صاحب الصدارة عليه ، ومثلها قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) ـ ٢٣ / ٢٦ ، ولكن الجملة فاعل لم يهد.

٣ ـ (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ـ ٧ / ٤ ، كم مبتدا ، ويمكن ان يكون منصوب المحل من باب الاشتغال.

٤ ـ كم فى البيتين ظرف.

كم مرّ بى فيه عيش لست اذكره

٩٠٧ ومرّ بى فيه عيش لست انساه

وان نابتك نائبة فشاور

٩٠٨ فكم حمد المشاور غبّ امر

٥ ـ مثال كونه مجرورا بالاضافة قولك : جوركم ظالم تحملت ، وعدو ان كم قريب شاهدت ، ومثال جره بالحرف : فى كم فرقة دخلت بلا روية ، ولكم جليس صرفت

٥٢٥

عمرك بلا نتيجة ، وكم فى كل ما ذكرنا خبرية.

٦ ـ مثال الاستفهامية قوله تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ـ ١٨ / ١٩ ، كم ظرف ، اى كم يوما لبثتم ، فالمميز محذوف بقرينة الجواب ، ومثاله خبرا : كم مالك ، ومثاله مجرورا بالحرف : بكم اشتريت هذا الكتاب ، ومثاله مبتدا : كم رجلا جاءك ، ومثاله مفعولا : كم اعطاك الله تعالى ولدا.

هنا تنبيهات

الاول : اذا فصل بين كم الخبرية ومميزها بشئ وجب جر تمييزها بمن لا باضافة كم اليه ، لان الفصل بين المضاف والمضاف اليه خلاف الاصل ، وان لم يفصل جاز جره بالاضافة او بمن ، واما الاستفهامية فتمييزها منصوب سواءا فصل بينهما بشئ ام لا ، وقال الرضى فى شرح الكافية فى باب الكنايات : واما مميزكم الاستفهامية فلم اعثر عليه مجرورا بمن فى نظم ولا نثر ولادل على جوازه كتاب من كتب النحو ، وقال التفتازانى فى المطول باب الانشاء ردا عليه : وجاء ذلك فى قوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) ـ ٢ / ٢١١ ، والاستفهام للتقرير ، اى سلهم كم آية آتيناهم اعشرين ام ثلثين ام غير ذلك.

اقول : يحتمل كم فى هذه الآية ان تكون خبرية ومعناها : سل بنى اسرائيل عن الآيات النازلة عليهم بايدى انبيائهم سؤال تقرير وتقريع ، ثم استانف فقال مخبرا مخاطبا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : كم آتيناهم من آية بينة ، كما قال الزمخشرى فى تفسيره فى ذيل هذه الآية ، ولكن الظاهر كونها استفهامية كما قال التفتازانى.

الثانى : لا يجوز جر مميزكم الاستفهامية باضافتها اليه الا ان يكون كم نفسها مجرورا ولم يكن بينهما فاصل ، فحينئذ يجوز الجر والنصب ، نحو بكم دينارا او دينار تبيع دارك.

٥٢٦

الثالث : زعم قوم ان لغة تميم جواز نصب تمييز الخبرية اذا كان مفردا ، واستدلوا بهذا البيت للفرزدق.

كم عمّة لك يا جرير وخالة

٩٠٩ فدعاء قد حلبت علىّ عشارى

ولكنه روى بالجر ايضا ، مع احتمال كون كم استفهامية.

الرابع : يجوز ارجاع الضمير الى كم مفردا مذكرا فى جميع الاحوال باعتبار لفظه كلفظة كل ، ويجوز مراعاة معناه باعتبار الكثرة واتيان الضمير جمعا لا سيما فيما اذا كان المميز جمعا ، واما فى التانيث والتذكير فالاولى رعاية المميز ، فارجع وانظر فى الامثلة.

٢ ـ كايّن

وهى اسم مبنى على السكون ، ومعناها معنى كم الخبرية ، والقول بان اصالها مركبة من كاف التشبيه واىّ المنونة لا شاهد له ، وكتابته فى بعض الكتب بالتنوين لا بالنون المكتوبة والوقف عليها بحذف النون لا يدل على ذلك ، وليس لها رسم فى المصاحف الا بالنون المكتوبة.

ومثالها قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ـ ٣ / ١٤٦ ، (فكان من قرية اهلكناها وهى ظالمة) ـ ٢٢ / ٤٥ ، (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) ـ ٢٩ / ٦٠ ، وحكمها حكم كم الخبرية ، وتفارق كم بلزوم من على مميزها ، ولم تات فى القرآن بدون من ولكن ابن هشام نقل عن سيبويه : وكاى رجلا رايت ، واتى بهذا البيت.

اطرد الياس بالرجا فكاىّ

٩١٠ آلما حمّ يسره بعد عسر

وبلزوم كون خبرها جملة او شبهها ، وبانها لا تقع مجرورة ولم يعهد مجيئها للاستفهام الا ما روى من قول ابى بن كعب لابن مسعود : كاىّ تقرا سورة الاحزاب آية فقال : ثلاثا وسبعين ، وفى شرح الرضى هكذا : قول ابى بن كعب لزر بن حبيش :

٥٢٧

كاين تعدّ سورة الاحزاب ، وكاين فى هذا الكلام مفعول ثان قدم لصدارته ، وفى الرواية الاولى منصوب بنزع الخافض لان قرا لا يتعدى الى مفعولين ، والتقدير : بكاين آية تقرء سورة الاحزاب ، وقد يخفف على وزن اسم الفاعل من الكون كما فى هذه الابيات.

وكائن لنا فضلا عليكم ومنّة

٩١١ قديما ولا تدرون ما منّ منعم

وكائن ترى من حال دنيا تغيّرت

٩١٢ وحال صفا بعد اكدرار غديرها

وكائن ترى من صامت لك معجب

٩١٣ زيادته او نقصه فى التّكلّم

٣ ـ كذا

وهى كناية عن العدد المبهم بلا افادة الكثرة ، ومميزها واجب النصب ، نحو عندى كذا درهما ، اى مقدار من الدرهم ، واشتريت كذا وكذا ثوبا ، وليس لها الصدر ، تقول : اخذت كذا بيضة ، ويستعمل مكررا بالعطف كقول الشاعر.

عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا

٩١٤ كذا وكذا لطفا به نسى الجهد

وقد يستعمل كناية عن غير العدد كما جاء فى الحديث : يقال للعبد يوم القيامة :

اتذكر يوم كذا وكذا فعلت فيه كذا وكذا فيقول : نعم ، فحينئذ لا يحتاج الى المميز ، واصل كذا كاف التشبيه وذا الاشارة ، فلذا يستشم منه معنى الاشارة ، ويستعمل كثيرا على اصله مع ها التنبيه وبدونها ، نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ـ ٢٧ / ٤٢ ، وكقول الشاعر.

واسلمنى الزمان كذا

٩١٥ فلا طرب ولا انس

الفصل الثانى

فى الكناية التى يكون المكنى عنه حديثا او واقعة ، وهى لفظان كيت وذيت ، وهما مبنيان ويجوز فيهما الكسر والفتح ، كقول على عليه‌السلام عتابا على الناس

٥٢٨

الذين ينقض فعلهم قولهم : تقولون فى المجالس كيت وكيت فاذا جاء القتال قلتم حيدى حياد ، وهذه كلمة يقولها الهارب من الحرب ، فكانه يقول للحرب حيدى اى تنحى وتبعدى عنى ، وحياد اسم فعل بمعنى حيدى ، فانه تكرار وتاكيد له ، وفى الحديث : بئسما لاحدكم ان يقول : نسيت آية كيت وكيت.

قال فى لسان العرب : يقولون كان من الامر ذيت وذيت ، معناه كيت وكيت وهى من الفاظ الكنايات ، انته ، وذيت ذيت اسم كان ، ولا باس به لان الجملة تقع فاعلة ، وكذا ما هو كناية عنها واسم كان فى حكم الفاعل.

وقيل : كيت كيت كناية عن الحديث وذيت ذيت كناية عن الفعل وكذا كذا كناية عن العدد ، تقول : قال فلان كيت وكيت وفعل ذيت وذيت واخذ كذا كذا درهما ، انته ، اقول : ليس استعمالها بهذا الاقتصار ، بل كذا وكذا يستعمل كناية عن غير العدد ، وكل من ذينك يستعمل للقول والفعل كما مر.

الفصل الثالث

فى الكناية التى يكون المكنى عنه معنى مفردا ، ولها الفاظ.

١ ـ فلان وفلانة

وهما معربان ، يكنى بهما عن اشخاص ذوى العقول ويؤتى بهما مكان اسمائهم لغرض الابهام على السامع ، كقولك : جاءنى فلان وانت تريد زيدا ، فلذا يعامل معهما معاملة العلم ، فلا ينصرف فلانة للتانيث والعلمية ، ولا يقال جاءنى فلان آخر مقصودا به فرد غير معين.

ومثاله من كتاب الله قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) ـ ٢٥ / ٢٧ ـ ٢٩ ، واقوال اهل التفسير فى مراد الله تعالى

٥٢٩

بفلان هذا مختلفة ، وكقول على عليه‌السلام مخاطبا اهل البصرة بعد اطفاء نار الحرب : واما فلانة فادركها راى النساء وضغن غلا فى صدرها كمرجل القين ولو دعيت لتنال من غيرى ما اتت الى لم تفعل ولها بعد حرمتها الاولى والحساب على الله ، ولا يدخل عليهما ال الا ان يكونا كنايتين عن غير العقلاء ، ومن قولهم : ركبت الفلان وحلبت الفلانة مرادا بهما جمل سمى باسم خاص وناقة سميت باسم خاص واذا نسبت اليه جاز ال ، نحو رايت الفلانى لان المنسوب الى العلم نكرة ، ويجوز فى النداء يا فل ويا فلة ، ويقال فى الكنية ابو فلان وام فلان.

٢ ـ هن وهنه

وقد مر ذكرهما فى المقدمة فى الباب الاول من الامر العاشر.

٣ ـ غائط

اصله المطمئن الواسع من الارض ، ثم كنوا به عن الخارج المستقدز من الانسان لان اهل البوادى يتبرزون ويقضون حوائجهم فى الاراضى المطمئنة اى المنخفضة ليغيبوا عن عيون الناس ، وفى قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبا ً) ـ ٤ / ٤٣ ، اريد معناه الاصلى ، وفى جاء كناية على اصطلاح فن البيان ، وسياتى.

الفصل الرابع

فى الكناية الى يكون المكنى عنه مجرد اللفظ ، وهى على وجهين الوجه الاول : الاوزان المكنى بها عن موزوناتها ، كما يقال : افعل لا ينصرف ، فانه كناية عن كل اسم على هذا الوزن من صفة مشبهة او اسم تفضيل ، وكما يقال : فعلى تقلب الفه فى التثنية ياء ، فانه كناية عن كل اسم فى آخره الف زائدة ، وفعلان الذى

٥٣٠

مؤنثه فعلانة منصرف ، فانه كناية عن كل صفة على هذا الوزن ، وكما يقال : فاعل ومفعول اذا كانا مع ال يعملان مطلقا ، فانه كناية عن كل وصف يكون على احد الوزنين ، وكما يقال : افعل اسما بفتح الهمزة اما اسم تفضيل او صفة مشبهة ، افعل بكسر الهمزة امر ، كل ذلك كناية عن الموزونات التى تكون على هذه الاوزان ، وهو فى تاويل هذا الوزن ، فان رجعت اليه ضميرا فمذكر البتة ، فان قولك : افعل لا ينصرف اى هذا الوزن لا ينصرف ، فانك حكيت به جميع الموزونات المستعملة.

وانما يكون هذه الكلمات كنايات ، اذ لم يرد من افعل مثلا فى قولنا : افعل امر معناه الامرى بل اريد منه هذا الوزن ، ولا يتبين هذا المعنى المراد الا ان ينضم اليه خبره ويقال : امر ، والا يحسب المخاطب ان المتكلم يامره بالفعل ، وقد قلنا فى صدر الباب ان الكناية هى الكلمة التى لا يتبين معناها الا بغيرها.

ولا يخفى ان هذا وكذا الوجه الثانى من محدثات علماء النحو ليسلك نظام التعليم والتعلم ، وليس منه فى كلام العرب شىء ، ولا حاجة اليه فى المحاورات العرفية ، وهذه الكنايات اعلام عندهم اى اللفظ الوزنى علم لنوع موزونه ، ويعامل معاملة المعرفة ، فيقع مبتدا كما يقال : افعل يدل على الوجوب ، ويوصف بالمعرفة كما يقال : فعل الثلاثى بالضم مضارعه بالضم فقط.

وقد يؤتى فى نظام التعليم بالوزن ، ولا يراد به الموزون ، بل المراد نفس الوزن ، كما يقال : اصبع افعل ، اى هذه الكلمة على هذا الوزن ، ونحو يدفع ، ابن افع ، ثؤلول فعلول ، احمر افعل ، ونظائرها ، وهذا اللفظ ايضا كناية اذ لم يرد معناه ، وعلم لنوعه ، والفرق بينه وبين الاول ، انه علم لذلك الوزن على اى مادة كان ، وهذا علم لهذا الوزن مع هذه المادة ، فان احمر فى المثال الاخير مثلا لا يتعدى الحكاية عن هذا الوزن وهذه المادة ، واما افعل فى قولك : افعل امر يحكى هذا الوزن مع اى مادة كان.

الوجه الثانى : الكلمات المكنى بها عن انفسها ، اى انواعها ، كما يقال : ضرب

٥٣١

فعل ماض ثلاثى ، فرس اسم ثلاثى ، قال اجوف ، عصفور اسم رباعى مزيد ، لو حرف شرط ، ان حرف توكيد ، فان هذه الالفاظ ايضا اعلام لانواعها وكنايات عنها اذ لا يراد منها معانيها.

الفصل الخامس

فى الكناية التى يكون المكنى عنه لفظا مرادا به معنى ، وهى على وجوه.

الوجه الاول : الاوزان المكنى بها عن موزوناتها باعتبار معانيها ، نحو لعن الله الفاعل والمفعول ، اى اللاطى والملوط ، يجب الجلد على الفاعلة والفاعل ، اى الزانية والزانى ، لا تظلم الناس يا افعل ، اى يا احمق ، وكقول الشاعر.

كانّ فعلة لم تملا مواكبها

٩١٦ ديار بكر ولم تخلع ولم تهب

اراد بفعلة خولة ، وهى اسم امراة ، وليست هذه الاوزان اعلاما للموزونات كما فى الفصل الرابع ، لان المراد بها معانى الموزونات ، فان المتكلم اتى بالوزن واراد الموزون مع معناه لا نفس الموزون ، وحالها فى العلمية وغيرها والبناء والاعراب منصرفا وغير منصرف حال موزوناتها.

الوجه الثانى : الكلمات المكنى بها عن انفسها باعتبار استعمالها فى معانيها فى ضمن الكلام ، نحو ما فى الحديث عن ابى جعفر الباقر عليه‌السلام : ان ربى تبارك وتعالى كان لم يزل حيا بلا كيف ولم يكن له كان ، اى لم يكن ان يقال له : كان كذا وكذا كونا زمانيا ، فان كان فعل ، ولكن صار اسما لنفسه باعتبار استعماله فى معناه وكما فى هذه الابيات.

كلّ عند لك عندى

٩١٧ لا يساوى نصف عندى

ليت شعرى واين منّى ليت

٩١٨ انّ لوّا وانّ ليتا عناء

ليت شعرى مسافر بن ابى

٩١٩ عمرو وليت يقولها المحزون

علقت لوّا تردّده

٩٢٠ انّ لوّا ذاك اعيانا

٥٣٢

وياتى حكمه فى الاعراب والبناء فى باب الحكاية ، ولان هذه الكتابة اسم وان كانت فى الاصل فعلا او حرفا يصح اليه النسبة كما فى اصطلاح اهل المنطق من قولهم : البرهان الانّىّ والبرهان اللّمّىّ ، اى البرهان المنسوب الى انّ الدالة على الاثبات والمنسوب الى لم الدالة على التعليل ، وكقول الشاعر.

وما انا كنتىّ وما انا عاجن

٩٢١ وشرّ الرجال الكنتنىّ وعاجن

الوجه الثالث : اللغز ، وهو كلمة عمّى المتكلم بها مراده على السامع ، ويقال له المعمّى ، اى المعمى به لان المعمى هو مراد المتكلم ، واصل اللغز الطريق الملتوى الذى خفى مخرجه ، وفى الحديث : الزم الجادة واياك والالغاز ، ويقال لجحر اليربوع ونحوه من الضب والفار : اللغز لالتواء طريقه فيه ، ويقال : الغز كلامه والغز فى كلامه ، اى عمى مراده ولم يبينه كقول الشاعر :

ولمّا رايت النسر عزّ ابن داية

٩٢٢ وعشّش فى وكريه جاشت له نفسى

اراد بالنسر الشيب وهو طائر شبيه بالعقاب واراد بابن داية الشباب وهو الغراب ، فالغز فى كلمتين وعمى مراده على السامع ، واطلاق الكناية على اللغز باعتبار ما قلنا انها الكلمة التى لا يتبين معناها الا بغيرها واللغز يقع فى كل شىء ، ومما وقع فى القلم ما فى هذه الابيات.

وما غلام راكع ساجد

٩٢٣ اخو نحول دمعه جارى

ملازم الخمس لاوقاتها

٩٢٤ منقطع فى خدمة البارى

وقاضى قضاة يفصل الحقّ ساكتا

٩٢٥ وبالحقّ يقضى لا يبوح فينطق

قضى بلسان لا يميل وان يمل

٩٢٦ على احد الخصمين فهو مصدّق

وفى هذا الفن صنف كتب منها كتاب الالغاز لعز الدين حمزة بن احمد الدمشقى الشافعى المتوفى سنة اربع وسبعين وثمانمائة ، ومنها الذخائر الاشرفية فى الالغاز الحنفية ، كلها الغاز فقهية للقاضى عبد البر ابن الشحنة الحلبى.

ومن الالغاز كلمة راعنا فى القرآن التى يقولها المسلمون لرسول الله صلّى الله

٥٣٣

وآله ، وهى صيغة امر من المراعاة ، ويقولها اليهود له ، وكانت عندهم كلمة سب بالعبرانية وكانوا يوهمون المسلمين انهم يقولونها بالمعنى الذى يقولونها ، فنهى الله تعالى عنها بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٢ / ١٠٤ ، فتركوها وتركها اليهود خوفا من بداء سرهم الخبيث السئ.

ومنها كلمة السام ، وفى الحديث : ان اليهود كانوا يقولون للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : السام عليكم ، يعنون الموت ويظهرون انهم يريدون : السّلام عليكم ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجيبهم : عليكم ، اى ما قلتم عليكم ، ومن السنة ان اهل الكتاب اذا سلموا عليكم فقولوا : عليكم ، اى ما قلتم عليكم ، او قولوا : السّلام ، اى على انفسنا السّلام ، ولا تجيبوا بالسلام عليكم كملا.

ومن الالغاز ما ياتى احد لاحد كالبايع للمشترى من الكلام ويوهمه انه يحلف بالله وليس يحلف به ، كما يقول له : والذى يدير الفلك ان هذا المتاع كذا وكذا ، فالمشترى يحسب انه يريد الله الذى يدير فلك السماء ، والبايع يريد من يدير فلك الغزل او فلك اللعب ، والحلف منهى مطلقا فى المعاملات وغيرها الا ان يثبت به حقا او يبطل به باطلا.

اعلم ان ذكر اللغز هنا لانه من انواع الكنايات ، لا لبيان اعرابه او بنائه ، اذ هو فيهما كسائر الكلمات ، ولا يخفى ان المركبات والكنايات كما شاهدتها منها ما هو معرب منصرفا او غير منصرف ، ومنها ما هو مبنى على الحكاية او غيرها ، بخلاف الحكايات واسماء الاصوات فانها كلها مبنيات كما ياتى.

تتميم

من الكناية بالمعنى الذى قلنا المجاز المبحوث عنه فى علم البيان ، وهو استعمال اللفظ فى غير المعنى الذى وضع له ، ومنها الكناية على اصطلاح علم البيان ،

٥٣٤

وهى ذكر اللفظ وارادة معنى هو لازم لمعناه او ملزوم له ، ومنها التورية المبحوث عنها فى علم البديع ، وهى ان يذكر لفظ له معنيان قريب وبعيد ويريد المتكلم معناه البعيد ، ويتوهم السامع معناه القريب ، واللغز والتورية متشابهان والبحث فى ذلك موكول الى فنه.

الباب الثالث

فى الحكايات ، والحكاية حفظ الكلمة على حالتها الاعرابية او البنائية وان دخل عليها عامل يقتضى تغييرها ، فهى مبنية باعتبار عدم تغيرها بالعامل ، وان كانت معربة لو لا الحكاية ، ولكن الذى نذكره فى الفصول الآتية اعم من ذلك فههنا حاك وهو المتكلم ، ومحكى به وهو تلك الكلمة ، ومحكى عنه وهو نظير تلك الكلمة شخصا او نوعا الواقع فى كلام غيره ، والحكاية على نوعين حكاية الجمل وحكاية المفردات ، وحكاية الجمل تاتى فى مبحث الجمل ، وحكاية المفردات اما فى الاسم واما فى الفعل واما فى الحرف واما فى حروف التهجى ، وذلك كله بلا استفهام ، واما فى الاسم بالاستفهام ، فهذه خمس ، نذكرها فى فصول خمسة.

الفصل الاول

فى حكاية الاسم ، وهى على وجهين.

الوجه الاول ان يجعل اسم علما لنوعه يحكى به عنه لبيان احكامه ، نحو ضارب من المشتقات ، قعود مصدر ، وياتى جمع قاعد ايضا ، رحمان اسم من اسماء البارى تعالى ، فهذه الكلمات مبتدآت من جهة التركيب ، واعلام لانواعها الواقعة فى كلام المتكلمين يحكى بها عنها ، فتعرب كالاعلام ، الا ما يكون مبنيا فيحكى بصورته البنائية ، نحو قولك : من الشرطية تجزم ، وحيث للمكان.

ولاجل ان هذا المحكى علم عندهم منعوا صرفه ان اجتمع مع العلمية سبب

٥٣٥

آخر ، نحو فاعلة مؤنث فاعل ، ونعتوه بالنعت المعرفة ، نحو يجوز اعمال فاعل ومفعول المصحوبين لال مطلقا ، واتوا له بالحال ، نحو لا ينصرف افعل صفة.

واذا زال العلمية عنه بالاضافة ، كما يقال : افعل التفضيل يستعمل مع من وبدونها ، او بدخول ما يختص باسم الجنس عليه كلفظ كل او رب او من الاستغراقية انصرف ، نحو كل فاعلة يجمع على فواعل وفاعلات ، الا اذا كان فيه غير العلمية ما يكفى لعدم صرفه ، كمنتهى الجموع والمؤنث بالالف ، نحو دراهم جمع درهم ، وحمراء مؤنث احمر ، فاذا دخل عليه كل او غيره من مختصات اسم الجنس فغير منصرف ايضا. والحاصل ان الاسم المراد به نوعه محكى به عن نوعه وعلم له ، فهو معرب كسائر الاعلام فاذا وجد فيه ما يوجب عدم صرفه سواء اكان مع العلمية ام غيرها فغير منصرف ، الا ان يكون اللفظ نفسه مبنيا فيحكى على بنائه.

الوجه الثانى : ان يورد المتكلم شخص اللفظ الذى وقع فى كلام غيره ، كما تقول : ان احد فى قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) خبر بعد خبر ، فانه يحفظ على رفعه للحكاية وان وقع فى حكايتك اسما لان ، ولكن يجوز ان تعربه وتقول : ان احدا الخ ، والحكاية اولى ، الا ان يكون مبنيا ، فحينئذ يجب الحكاية على بنائه ، وهذا ليس علما للمحكى عنه ولا كناية عنه ، بل شخص محكى به عن شخص مثله ، ومثل قولك : دعنى من تمرتان لمن يقول لك : عندى تمرتان ، ويجوز من تمرتين.

واعلم ان الاسم المبنى ان كان ثنائيا وكان ثانيه غير الف نحو كم ومن وهو وهى وجعلته علما محكيا عن نوعه جاز تضعيفه واعرابه ، فلك ان تقول : كمّ يحتاج الى التمييز ، ومنّ اسم شرط واستفهام وهوّ وهىّ ضميران مرفوعان ، وان كان ثانيه الفا جاز زيادة همزة فى آخره واعرابه لان الالف لا يضعف ، نحو ما ، فلك ان تقول : ماء الاستفهامية حكمها كذا وكذا ، ولا يجوز ذلك فيما يكون محكيا عن شخص اللفظ كما قلنا فى الوجه الثانى.

وان كان علما لغير لفظه وجب اعرابه ولا يجوز تضعيفه ، كما سمى رجل بكم

٥٣٦

او هو او غيرهما ، فتقول : رايت كما ، وعندى هو بالتخفيف والتنوين.

الفصل الثانى

فى حكاية الفعل ، وهى على الوجهين ايضا ، فالوجه الاول نحو ضرب ماض ويضرب مضارع واضرب امر وافتعل ياتى لازما ومتعديا وضارب ثلاثى مزيد ودحرج رباعى مجرد واستفعل يستعمل للطلب وغيره وفعل بضم العين لا ياتى متعديا وغير ذلك.

والوجه الثانى نحو قولك : لتدخلن فى قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) ـ ٤٨ / ٢٧ ، فعل جمع مذكر مخاطب ثلاثى مؤكد بالنون الثقيلة ، ولا يجوز فيهما الا الحكاية معربا كان او مبنيا ، تصريحا بان المراد نوع هذه الكلمة او شخصها ولئلا يذهب وهم السامع اذا نون واعرب الى ان المراد به اسم بهذا الوزن والمادة.

واما اذا جعل الفعل من حيث هو فعل علما لغير لفظه اعرب اعراب غير المنصرف لوزن الفعل والعلمية ، نحو فتح وشمر ويزيد ويشكر اعلام اشخاص على ما ياتى تفصيله فى المبحث السابع ، والحكاية تخص بالجملة التى وضعت علما ، ولكن الفعل من حيث هو فعل خال من الضمير ان وضع علما فليس بجملة وما جاء فى هذا البيت شاذ.

نبّئت اخوالى بنى يزيد

٩٢٧ ظلما علينا لهم فديد

الفصل الثالث

فى حكاية الحرف ، وهى على الوجهين ايضا ، فالوجه الاول نحو لو حرف شرط وهل حرف استفهام ، والهمزة المفتوحة تاتى للنداء ، والفاء للعطف ، والواو لمطلق الجمع بين المتعاطفين فى الحكم ، وان من الحروف الناصبة للمضارع ، ولكن للاستدراك ، ولا حرف نفى وغير ذلك.

٥٣٧

والوجه الثانى نحو قولك : من فى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) ـ ٢٢ / ١١ ، تبعيضية ، والباء فى قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) ـ ١٦ / ٥٣ ، للالصاق.

والكلام فيه اذا سمى به شىء غير لفظه وكان ثنائيا كالكلام فى الاسم المبنى يجب اعرابه ولا يجوز تضعيفه ، واذا جعل علما محكيا به عن نوعه جاز اعرابه وزيادة الهمزة فى آخره ان كان ثانيه الفا ، نحو لا ، فلك ان تقول : لاء الناهية ، وجاز اعرابه وتضعيفه ان كان غير الف كما فى هذين البيتين.

ليت شعرى واين منّى ليت

٩٢٨ انّ لوّا وانّ ليتا عناء

ما قال لا قطّ الّا فى تشهّده

٩٢٩ لو لا التشهّد كانت لاءه نعم

الفصل الرابع

فى حكاية حروف التهجى ، وهى اب ت ث ج الخ ويقال لها : حروف الهجاء ، والتهجى والهجاء مصدران بمعنى التقطع ، لانها تتلفظ بها مقطوعا كل من الآخر ، لا مركبا متشكلا كالكلمة ، ولذلك يقال لها ايضا : الحروف المقطعة.

ويقال لها ايضا : حروف المعجم ، اى حروف الاعجام ، والاعجام بمعنى الابهام ، واعجمت الكلام ، اى ازلت اعجامه بوضع النقط على حروفه ، فحروف المعجم بمعنى حروف يرتفع اعجامها بوضع النقطة عليها ، وكانت فى اول الامر تكتب بلا نقطة فيتشابه فى الكتابة ما هو منها بشكل واحد ويحصل الابهام ، فاختر عوالها النقطة بهذه الصورة المعمولة الآن وارتفع الابهام ، وكان هذه التسمية حدثت بعد اختراع النقطة.

ويقال لها ايضا : حروف المبانى لانها مبانى تكوين الكلمة والكلام ، كما يقال للحروف التى هى قسيم الاسماء والافعال حروف المعانى ، اى حروف لها معان عرفية بخلاف حروف المبانى فانها ليس لها فى العرف معنى ، وحروف المواضع ايضا لانها

٥٣٨

وضعت لمعان كالاسماء والافعال ، والمراد بالمواضع المعانى.

ويقال لها حروف ابجد ، لانها جمعت فى القديم فى هذه الكلمات لتعليم الصبيان فى المكاتب : ابجد ، هوّز ، حطّى ، كلمن ، سعفص ، قرشت ، ثخّذ ، ضظغ ، وهى حروف الهجاء ، ولكن ترتيبها على خلاف ترتيبها ، والهمزة غير الالف ، وياتى ذكر الفروق بينهما فى خاتمة الكتاب ، وهذه الحروف تسعة وعشرون ، ولكنهما تعدان حرفا واحدا فى حساب ابجد ، فهى على ذلك ثمانية وعشرون ، ويحكى عن كل من هذه الحروف بوجهين.

الوجه الاول : ان تريد تعديدها متهجية متقطعة ، فتقول : آ ، با ، تا ، ثا ، جيم ، حا ، خا ، دال ، ذال ، را ، زا ، الخ ، الا الالف فانها لا تتهجى ، وهذه حاكيات عن جواهر الحروف ، نكرات مبنيات على السكون لان اصولها اى المحكى عنها الواقعة فى تركيب الكلام نكرات مبنيات ، وليست هى الا تلك الجواهر ، وزيادة الحروف عليها لتسهيل التلفظ بها.

والزيادة فى با ، تا ، ثا ، حا ، خا ، را ، زا ، طا ، ظا ، فا ، ها ، يا هى الالف فقط بدون الهمزة بعدها ، كما ان قراءة الحروف المقطعة فى اوائل سور القرآن كذلك ، نحوها ، يا ، را ، طا ، ها ، حا فى اوائل عدة من السور ، وانما يلحق بها الهمزة اذا جعلت اسماء كما نذكر فى الوجه الثانى.

وحال هذه الكلمات فى البناء والتنكير كحال اسماء الاعداد عند التعديد ، كما تقول : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، اربعة ، خمسة الخ فانها ايضا نكرات مبنيات على السكون ، لان الاعراب انما يعرض على الكلمة عند اجتماعها مع عاملها فى تركيب الكلام ، فواحد واثنان وغيرهما اذا وقعت فى تركيب الكلام يلحقها الاعراب.

وكذا الحال فى ابجد واخواتها ، فانها مبنيات عند التعديد بقولك : ابجد ، هوز ، حطى الخ ، ولكنها اعلام اذ وضع كل منها عند ارباب المكاتب لعدة حروف مجتمعة ، واذا وقعت فى التركيب اعرب اعراب غير المنصرف لانها اعجمية فلها العجمة

٥٣٩

مع العلمية ، قال السيرافى لا شك ان اصلها اعجمية لانها كان يقع عليها تعليم الخط بالسريانية.

وفى الحديث فى توحيد الصدوق عن الباقر عليه‌السلام : قال : لما ولد عيسى بن مريم عليهما‌السلام كان ابن يوم كانه ابن شهرين ، فلما كان ابن سبعة اشهر اخذت والدته بيده وجاءت به الى الكتّاب واقعدته بين يدى المؤدب فقال له المودب : قل بسم الله الرحمان الرحيم فقال عيسى عليه‌السلام : بسم الله الرحمان الرحيم ، فقال له المودب قل : ابجد ، فرفع عيسى عليه‌السلام راسه فقال : هل تدرى ما ابجد؟ فعلاه بالدرة ليضربه ، فقال : يا مودب لا تضربنى ان كنت تدرى والا فاسالنى حتى افسر لك قال : فسره لى.

فقال عيسى عليه‌السلام : الالف آلاء الله ، والباء بهجة الله ، والجيم جمال الله ، والدال دين الله.

هوز : الهاء هول جهنم ، والواو ويل لاهل النار ، والزاء زفير جهنم.

حطى : حطت الخطايا عن المستغفرين ، كلمن : كلام الله لا مبدل لكلماته ، سعفص : صاع بصاع والجزاء بالجزاء ، قرشت : قرشهم فحشرهم ، فقال المودب : ايتها المراة خذى بيد ابنك فقد علم ، ولا حاجة له فى المودب ، وهذا الحديث دليل على قول السيرافى.

الوجه الثانى ان تجعلها فى تركيب الكلام : نحو قولك : الباء تحتها نقطة ، الحاء مخرجها الحلق ، الزاء من الحروف المجهورة ، الالف الاصلية منقلبة عن الواو او الياء ، كتبت باء حسنة ، وهذه الحروف بهذا الوجه ايضا نكرات بدليل دخول ال عليها لتعريفها ووصفها بالنكرة ، وليست اعلاما ، بل كل منها اسم جنس لافراده الكثيرة ، ومعربات لا تجوز حكايتها بحالها كما فى الوجه الاول ، والهمزة فى آخر نحو الزاء والحاء واجبة لانه خرج عن التعديد والتهجى.

٥٤٠