علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

تنبيه

من قولهم جاءنى ذو فعل وذوا فعلا وذووا فعلوا وجاءتنى ذات فعلت وذاتا فعلتا وذوات فعلن ، فيحتمل ان يكون بمعنى الذى على لغة بعض بنى طئّ ، كما قلنا ، وهذا سليم من التاويل ولكن يبعده حذف النون من المثنى والجمع ، ولا وجه له ، فقال بعضهم : انه بمعنى صاحب اضيف الى الجملة ، وهى فى تاويل المفرد ، فمعناه جائنى صاحب الفعل ، وعلى التقديرين فالكلام من الكنايات.

٦ ـ ذا

وهو موصول ان كان خبرا عن من او ما الاستفهاميتين ، وكانت بعده جملة او شبهها ، نحو قوله تعالى : (ما ذا قالَ آنِفاً) ـ ٤٧ / ١٦ ، اى ما الذى قال آنفا ، و (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) ـ ٢ / ٢١٩ ، (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ـ ٤ / ٣٩ ، وكما فى هذه الابيات.

الا تسالان المرء ما ذا يحاول

٨٦٣ انحب فيقضى ام ضلال وباطل

من ذا يعيرك عينه تبكى بها

٨٦٤ ارايت عينا للبكاء تعار

من ذا نواصل ان صرمت حبالنا

٨٦٥ او من نحدّث بعدك الاسرارا

الا انّ قلبى لدى الظاعنين

٨٦٦ حزين فمن ذا يعزّى الحزينا

ومن هذا الباب قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ـ ٥ / ١٠٩ ، (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) ـ ٢٨ / ٦٥ ، اى ما الذى اجبتم به ، وما الذى اجبتم به المرسلين ، فحذف العائد فان حذفه فى الكلام كثير ، وقال الزمخشرى فى الآيتين غير ذلك.

ومن هذا الباب قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ـ ٢ / ٢٤٥ ، (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ـ ٢ / ٢٥٥ ، فالذى تاكيد لفظى لذا ، وهذا كسائر التاكيدات ،

٥٠١

فليس اجتماع الموصولين بضائر ، وان شئت فقل : ان ذا اسم اشارة ، وعلى هذا فالموصول بعده صفة له ، نظير قوله تعالى : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ـ ٦٧ / ٢٠ ـ ٢١ ،.

ثم قد يكون ما ذا مركبا على ان يكون اسم استفهام او اسم موصول او اسم اشارة ، ودونك الامثلة على الترتيب فى هذه الابيات.

يا خزر تغلب ما ذا بال نسوتكم

٨٦٧ لا يستفقن الى الديرين تحنانا

دعى ما ذا علمت ساتّقيه

٨٦٨ ولكن بالمغيّب نبّئينى

انورا سرع ما ذا يا فروق

٨٦٩ وحبل الوصل منتكث حذيق

واعلم ان فى اعراب ما ذا ومن ذا اقوالا مذكورة فى المغنى ، والذى ذكرناه اسهل تناولا واظهر من جهة المعنى.

تتمه

قيل : ان تلك فى قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) ـ ٢٠ / ١٧ ، موصولة ، اى ما التى بيمينك ، وهذا خطا ، بل تلك مبتدا وخبره ما ، وبيمينك حال منه ، وقيل فى البيتين ايضا.

عدس ما لعبّاد عليك امارة

٨٧٠ امنت وهذا تحملين طليق

لعمرك انت البيت اكرم اهله

٨٧١ واقعد من افنائه بالاصائل

وههنا امور

الامر الاول

كل موصول الا ال يلزمه جملة او شبهها بعده مشتملة على عائد اليه ، وهى صلته ، والعائد ضمير غائب مطابق له ، والصلة يجب ان تكون خبرية ، ومجئ عائد

٥٠٢

الصلة ضميرا غير غائب قليل ، ومجيئه اسما ظاهرا وكذا مجئ الصلة انشائية شاذ ، انظر فى الابيات.

انا الّذى سمّتنى امّى حيدرة

٨٧٢ ضرغام آجام وليث قسورة

فيا ربّ ليلى انت فى كلّ موطن

٨٧٣ وانت الّذى فى رحمة الله اطمع

وانّى لراج نظرة قبل الّتى

٨٧٤ لعلّى وان شطّت نواها ازورها

الامر الثانى

حذف العائد عن الصلة كثير ، ومناطه القرينة وارتضاء الذوق البلاغى ، نحو قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) ـ ٥٣ / ١٠ ، اى ما اوحاه ، (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) ـ ٢٠ / ٧٢ ، اى قاضيه او قاض له ، (هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ـ ٤٣ / ٨٤ ، اى هو الذى هو الاه فى السماء والاه فى الارض ، (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) ـ ١١١ / ٢ ، اى ما كسبه ، (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) ـ ١٠٩ / ٢ ، اى ما تعبدونه ، (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) ـ ١٠٩ / ٤ ، اى ما عبدتموه ، (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ـ ١٥ / ٩٤ ، اى بما تؤمر به ، (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) ـ ٢٣ / ٣٣ ، اى تشربون منه ، (وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ)ـ ١٩ / ٥٨ ، اى حملناه ، (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ـ ٢١ / ١٠٣ ، اى توعدونه وكما فى هذه الابيات.

ايّتها النفس اجملى جزعا

٨٧٥ انّ الّذى تحذرين قد وقعا

ومن ينفق الساعات فى جمع ماله

٨٧٦ مخافة فقر فالّذى فعل الفقر

بها ما شئت من دين ودنيا

٨٧٧ وجيران تناهوا فى الكمال

من يعن بالحمد لا ينطق بما سفه

٨٧٨ ولا يحد عن سبيل الحكم والكرم

فاطعمته من لحمها وسنامها

٨٧٩ شواء وخير الخير ما كان عاجله

ما الله موليك فضل فاحمدنه به

٨٨٠ فما لدى غيره نفع ولا ضرر

لا تركننّ الى الامر الّذى ركنت

٨٨١ ابناء يعصر حين اضطرّها القدر

٥٠٣

ومن حسد يجور علىّ قومى

٨٨٢ واىّ الدهر ذو لم يحسدونى

وانّ لسانى شهدة يشتفى بها

٨٨٣ وهوّ على من صبّه الله علقم

وقد كنت تخفى حبّ سمراء حقبة

٨٨٤ فبح لان منها بالّذى انت بائح

وقد يحذف الصلة كلها ولكنه قليل كما فى البيتين.

نحن الالى فاجمع جمو

٨٨٥ عك ثمّ وجّههم الينا

وعند الّذى واللّات عدنك احنة

٨٨٦ عليك فلا يغررك كيد العوائد

ويجوز حذف الموصول ان كان معطوفا على موصول ، نحو قوله تعالى : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) ـ ٢٩ / ٤٦ ، اى والذى انزل اليكم ، وكما فى البيتين.

امن يهجو رسول الله منكم

٨٨٧ ويمدحه وينصره سواء

ما الّذى دابه احتياط وحزم

٨٨٨ وهواه اطاع يستويان

ويجب حذف العائد فى نحو (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) ـ ١٩ / ٦٩ ، وقد مر ، ويجب حذف الصلة عن الموصول المصغر ، ولم يصغر من الموصولات الا الذى والتى ، نحو قول على عليه‌السلام : فان اقل يقولوا حرص على الملك ، وان اسكت يقولوا جزع من الموت ، هيهات بعد اللّتيا والّتى والله لابن ابى طالب آنس بالموت من الطفل بثدى امه.

قال الميدانى فى مجمع الامثال : بعد اللتيا والتى مثل ، والاصل فيه ان رجلا من جديس تزوج امراة قصيرة فقاسى منها الشدائد وكان يعبر عنها بالتصغير فطلقها فتزوج امراة طويلة فقاسى منها ضعف ما قاسى من الصغيرة فطلقها وقال بعد اللتيا والتى لا اتزوج ابدا.

اقول : فمراد على عليه‌السلام : هيهات منى ذانك الظنان الباطلان فى حقى ، اقول بعد اللتيا والتى قالوها وتاذيت باستماعها : والله انى آنس بالموت من الطفل بثدى امه ، اى لست حريصا على الملك ولا جزعا من الموت لانى شائق الى الموت

٥٠٤

والشهادة ، ومن ذلك قول الشاعر :

بعد اللّتيّا واللّتيّا والّتى

٨٨٩ اذا علتها انفس تردّت

وان كان الصلة ظرفا او جارا ومجرورا وجب حذف متعلقه ، نحو قوله تعالى : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) ـ ٢١ / ٢٤ ، (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) ـ ٢٠ / ٦ ، وليس منه قوله تعالى : (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) ـ ١٩ / ٢٩ ، لان الصلة كان صبيا ، وفى المهد حال من الضمير المستتر فى صبيا.

الامر الثالث

اعلم ان الموصول والصلة كالكلمة الواحدة ، كما ان العلم المركب ، وال مع مدخوله مطلقا ، واسم الاشارة مع ما يدخل عليه ويلحق به ، والموصول الحرفى مع ما يليها من الجملة ، والضمير الذى قيل بتركيبه كذلك ، اى كالكلمة الواحدة ، ويترتب على هذا امر ان.

الاول لا يقع بينهما شىء ، ونقل وقوع القسم والنداء بين الموصول الاسمى وصلته ، وذلك نادر.

الثانى ان المجموع يقع مبتدا وخبرا وفاعلا ومفعولا ونعتا وغير ذلك ، فورود الاعراب او البناء على الموصول الاسمى لا يوجب استقلاله فى تلك الامور.

الامر الرابع

اعلم ان النحاة عنونوا بابا سموه باب الاخبار بالذى وفروعه ، اى الاخبار عن اسم واقع فى كلام بالذى ، بان يجعل الموصول خبرا وذلك الاسم مبتدا ، فلا بدّ للموصول من صلة وعائد ، فصلته بقية الكلام ويجعل فيها عائد بالتناسب ، ووضع هذا الباب للتمرين فى مسائل النحو نظير مسائل التمرين فى الصرف التى ذكرناها

٥٠٥

فى آخر كتابنا فى الصرف.

مثاله ان يقول المعلم للمتعلم : اخبرنى عن ابى لهب فى قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) ـ ١١١ / ١ ، فالجواب : ابو لهب الذى تبت يداه ، وان قال : اخبرنى عن يدا ابى لهب ، فالجواب : يدا ابى لهب هما اللتان تبتا.

مثال ثان : اخبرنى عن النار فى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ـ ٤ / ١٤٥ ، فالجواب : النار التى المنافقون فى الدرك الاسفل منها ، وان قال : اخبرنى عن المنافقين ، فالجواب : المنافقون الذين فى الدرك الاسفل من النار ، وان قال : اخبرنى عن الدرك الاسفل ، فالجواب : الدرك الاسفل من النار الذى المنافقون فيه.

مثال ثالث : اخبرنى عن اقصى المدينة فى قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) ـ ٢٨ / ٢٠ ، فالجواب : اقصى المدينة الذى جاء منه رجل.

مثال رابع : اخبرنى عن ضمير المخاطب المرفوع فى قوله تعالى : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) ـ ١٠٢ / ١ ـ ٢ ، فالجواب انتم الذين الهيهم التكاثر حتى زاروا المقابر ، وان قال : اخبرنى عن المقابر ، فالجواب : المقابر التى الهيكم التكاثر حتى زرتموها.

مثال خامس : اخبرنى عن الذين فى قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) ـ ٩٨ / ١ ، فالجواب الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين الذين لم يكونوا منفكين حتى تاتيهم البينة.

ومنع بعضهم الاخبار عن الموصول لان الموصول لا يلى الموصول ، وهذا خطا ، لان الممنوع ما يلى بلا وساطة الصلة كما فى هذا البيت.

من النفر اللّائى الّذين اذاهم

٨٩٠ يهاب اللّئام حلقة الباب قعقعوا

واما مع وساطتها فلا منع ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ـ ٥ / ٥٥.

٥٠٦

ثم اعلم ان هذا الوضع من التمرين لا يجئ فى الكلام الانشائى لان صلة الموصول يجب ان تكون خبرية ، فلا يقال : اخبرنى عن زيد فى قولك : اضرب زيدا ، ولا يجئ ايضا فيما لا يصح ان يكون ضميرا ، لان الاسم الذى يخبر عنه بالموصول يجب ان يجعل مكانه فى الكلام ضمير مطابق له عائد الى ذلك الموصول كما شوهد فى الامثلة ، فلا يخبر عن الفعل والحرف والحال والتمييز ومدخول حتى والمضاف وغير ذلك مما لا يكون ضميرا ، واما نفس الضمير فلا باس به ، كما يقال : اخبرنى عن هو الحى القيوم ، فالجواب : هو الذى الحى القيوم هو.

ثم ان اردت ان تخبر عن اسم بال الموصولة وجب ان يكون الكلام جملة فعلية فعلا يصح اشتقاق اسم الفاعل والمفعول منه ، كما تقول : اخبرنى عن زيد فى قولك : ضربت زيدا بال الموصولة ، فالجواب : زيد انا الضاربه ، وان قلت : اخبرنى عن الضمير فالجواب : انا الضارب زيدا ، وان قلت : اخبرنى عن الله فى قولك : يقى الله البطل فالجواب : الله الواقى البطل ، وان قلت : اخبرنى عن البطل فالجواب : البطل الله الواقيه.

تنبيه

ان الذى اجريناه فى الامثلة هو المطابق لعنوان الباب ، لانهم قالوا : باب الاخبار بالذى وفروعه ، فالموصول مخبر به والاسم المطلوب مخبر عنه ، ولكن قال ابن مالك فى الفيته والسيوطى فى شرحها وغيرهما : هذا ليس على ظاهره ، فان الامر بالعكس والموصول مخبر عنه والاسم المطلوب مخبر به ، والعنوان الصحيح ان يقال : باب الاخبار عن الذى وفروعه ، فيجعل الموصول فى التمرين مبتدا وذلك الاسم خبره ، فيقال فى المثال الاول مثلا : اخبرنى عن ابى لهب ، فالجواب : الذى تبت يداه ابو لهب ، وكذا غيره من الامثلة ، ولا باس بما ذكروا ، ولكن المستقيم على عنوان الباب ما ذكرنا.

٥٠٧

الباب الخامس

فى الاسم الداخل عليه ال الحرفية ، ويقال له المعرف باداة التعريف.

اعلم ان مفاد النكرة فرد شائع غير معين بين افراد جنسه ، فان وقع فى الايجاب فثبوت الحكم لواحد غير معين او لاثنين ان كان اللفظ مثنى او لعدة ان كان جمعا ، وان وقع فى النفى فانتفاء الحكم عن كل واحد او عن كل اثنين او عن كل عدة ، فقولك : عندى رجل ، اى فرد من هذا الجنس ، او رجلان اى فردان منه ، او رجال اى عدة منه ، وان قلت : ليس عندى رجل او رجلان او رجال ، اى ليس عندى فرد من هذا الجنس او فردان منه او عدة منه ، وفى الثانى يمكن ان يكون عندك واحد ، وفى الثالث يمكن ان يكون عندك اثنان.

فاذا اضيف النكرة او دخل عليها ال زال عنها هذه الافادة ، ففى الاضافة تتخصص او تتعرف بالمضاف اليه على ما مر فى مبحث الاضافة ، ومع ال يختلف دلالتها حسب القرائن ، فمد لولها اما نفس الجنس او كل افراده او بعض افراده سواء اكانت فى الايجاب ام فى النفى.

مثال الاول قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ،) ـ ١ / ٢ ، (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) ـ ٢١ / ٣٠ ، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) ـ ٣ / ٣٦ ، (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ـ ٢ / ١٧٧ ، (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) ـ ٢١ / ٨ ، ويقال لها ال الجنس وال الماهية ، ونظر المتكلم فيها الى اثبات الحكم للماهية او نفيه عنها ، لا جميع الافراد ولا بعضها ، وان كان فى الواقع للجميع كالمثال الاول ، او للبعض كالمثال الثانى اذ ليس كل ماء مبدا لكل حى ، فلذا لا يخلفها كل لا حقيقة ولا مجازا بخلاف المثال الاول ، فانه يصح ان يقال : كل حمد لله ، وانما قلنا : وان كان فى الواقع للجميع او للبعض ، لان الجنس لا يتحقق الا فى ضمن

٥٠٨

الفرد ، والاحكام الحقيقية جارية على الافراد.

مثال الثانى قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ـ ١٠٣ / ٢ ، اى كل انسان لفى خسر ، ويقال لها لام الاستغراق والشمول والعموم ، ويخلفه كل ، نحو قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) ـ ٤ / ٣٤ ، اى كل رجل قوام على امراته ، (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) ـ ٢٤ / ٦١ ، اى كل اعمى ليس عليه حرج وكذا كل اعرج ، (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) ـ ٩ / ٩١ ، وقد تكون لاستغراق صفات الافراد لا انفس الافراد ، نحو انت الانسان عقلا ، اى انت كل انسان من جهة العقل ، وكل يخلفها مجازا لان وضع كل لعموم ما اضيف اليه ، وهنا ليس كذلك.

مثال الثالث : قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) ـ ٢ / ٨٧ ، فان من جاء بعده بعضهم لاكلهم ، وفى هذه الآية كلهم ، (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) ـ ٥ / ١٠٩ ، ومن هذا القسم ما يكون للعهد ، وهو على ثلاثة اقسام.

١ ـ : ما يكون للعهد الذكرى ، اى يكون مدخول ال معهودا للمخاطب بذكره فى الكلام قبلا ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) ـ ٧٣ / ١٤ ـ ١٥ ، والعبرة فيها صحة حلول ضمير الغائب محل الكلمة ، بان يقال فعصاه فرعون ، ونحو قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) ـ ٢٤ / ٣٥.

٢ ـ : ما يكون للعهد الذهنى ، اى يكون مدخول ال معهودا فى ذهن المخاطب معلوما عنده ، نحو قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ـ ٤٨ / ١٨ ، فان تلك الشجرة كانت معلومة معهودة فى اذهانهم ، (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) ـ ٢١ / ٥ ، (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) ـ ٢٠ / ١٣٣ ، (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ـ ٢١ / ١٠٣ ، (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ

٥٠٩

الْبَيْتِ) ـ ٢٢ / ٢٦ ، والعبرة فيها صحة وصف الكلمة بالموصول لان صلة الموصول مما يكون معهودا فى ذهن المخاطب فى الاغلب ، وجاءت موصوفة به كثيرا ، نحو قوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) ـ ٢١ / ٧٤ ، (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ) ـ ٢٢ / ٢٥.

٣ ـ : ما يكون للعهد الحضورى ، اى يكون مدخول ال معهودا معلوما للمخاطب لحضوره عنده ، نحو قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ـ ٢١ / ١٦ ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ـ ٥ / ٣ ، (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ـ ٢١ / ٣٣ ، ومن هذا القسم ما يقع فى النداء ، نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ـ ٢٢ / ١ ، وما فى لفظة الآن وان كانت لازمة لان المعنى هذا الآن الحاضر ، وقيل : انها زائدة ، والعبرة فيها صحة كونها تابعة لاسم الاشارة ، وجاءت معه كثيرا ، نحو قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) ـ ١٠ / ٤٨ ، (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) ـ ٢١ / ٥٢ ، (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٢ / ٢ ، (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) ـ ٤ / ٧٨.

وههنا امور

الامر الاول

ال على ثلاثة اقسام : موصولة ، معرفة ، زائدة ، والموصولة ايضا مدلولها اما نفس الجنس او جميع الافراد او بعضها ، وياتى فيها وجوه العهد ، ولكنهم ذكروها على حدتها لتاويلها الى الموصول والصلة وارجاع الضمير اليها كسائر الموصولات ، فهى ذات جهتين : جهة لفظية ، وبهذه الجهة اسم من الاسماء ، وجهة معنوية ، وهى دلالتها على الجنس او الافراد او بعضها ، واما ال التعريف فهى حرف ولها

٥١٠

الجهة الثانية.

الامر الثانى

معنى الجنس لا ينفك عن اسم الجنس ، اذ لا يتصور انفكاك الكلمة عن مفهومها والمعنى الذى وضعت له ، فالنكرة تدل على الجنس بقيد الوحدة الشائعة التى مر بيانها ، ومصحوب ال يدل على الجنس المطلق او المقيد بجميع الافراد او بعضها ، على ما مر تفصيله ، وسائر المعارف غير العلم تدل على الجنس بقيد التعرف الذى مر بيانه فى كل منها ، فالفرق بين النكرة ومصحوب ال الجنس تقيد الوحدة وعدمه ، وتفضيل الكلام فى علم المعانى.

الامر الثالث

قد يكون ال زائدة لا موصولة ولا معرفة ، وذلك فى مواضع :

١ ـ : فى الاعلام التى لم تكن حين الوضع مع ال ، نحو عباس وضحاك وحارث وحسن وحسين ، فانها بعد الوضع جاز فيها : العباس والضحاك والحارث والحسن والحسين ، وجاز الاتيان على الاصل ، واما التى تقارن الوضع نحو اليسع والنضر والنعمان والسموال واللات والعزّى والكعبة والمدينة والبيداء والثريّا والزهرة فانها ليست زائدة على الوضع لان الواضع وضع المجموع علما ، فهو من اقسام العلم المركب ، فال لازمة لا يجوز اسقاطها ، نعم هى زائدة بالقياس الى اصل الكلمة ، فلذا ان اضيفت وجب اسقاطها ، كما يقال : مدنية الرسول ، وثريّا السماء ، والاحسن فى النداء يا ايتها الزهرة مثلا ، ويجوز يا زهرة ومن القسم الاول ما فى هذه الابيات وان كان ضرورة.

ولقد جنيتك اكمؤا وعساقلا

٨٩١ ولقد نهيتك عن بنات الاوبر

باعد امّ العمرو من اسيرها

٨٩٢ حرّاس ابواب على قصورها

٥١١

رايت الوليد بن اليزيد مباركا

٨٩٣ شديدا باعباء الخلافة كاهله

٢ ـ : ما يزاد على الحال او التمييز للضرورة وغيرها ، لانهما واجبا التنكير ، فلا اثر لال الداخلة عليهما ، نحو قولهم : ادخلوا الاول فالاول ، اى ادخلوا اولا فاولا وجاؤوا الجماء الغفير ، اى جماء غفيرا ، وقراءة بعضهم : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ـ ٦٣ / ٨ ، بفتح ياء يخرجن ، فالاعز فاعله والاذل حال منه ، واما بضم الياء فالاذل مفعول به ، وكما فى هذا البيت من التمييز.

رايتك لمّا ان عرفت وجوهنا

٨٩٤ صددتوطبتالنفس يا قيس عن عمرو

٣ ـ : ما يكون فى الذى وفروعه ، وهذا قول باطل لان العرب استعملتها من اول الامر هكذا ، فلا هى زائدة ولا للتعريف كما هو قول آخر ، بل من حروف الكلمة.

الامر الرابع

ذكروا للمعارف مراتب فقالوا ان بعضها اعرف من بعض ، ثم اختلفوا ، والاشهر ان اعرف المعارف ضمير المتكلم ثم ضمير المخاطب ثم اعلام الاماكن ثم اعلام الاناسى ثم اعلام الاجناس ثم ضمير الغائب ان لم يكن مبهما كضمير الشان ثم اسم الاشارة للقريب ثم للمتوسط ثم للبعيد والمنادى المقصود اذا كان نكرة ثم الموصول والمعرف بال الحضورى ثم الذكرى والذهنى ثم المعرف بال الجنسية ، والمضاف تابع للمضاف اليه المعرفة فى مرتبة التعريف وفرعوا على ذلك فروعا فى باب التوابع وغيره ، ولكن لا كثير ثمرة عليه مع اختلافهم وعدم انطباق ما قالوا على جميع الموارد.

واعلم ان المعرف بال الجنسية لا فرق بينه وبين النكرة الا بالتقيد وعدمه كما مر ذكره ، فهو معرفة بالصورة نكرة بالمعنى ، نظير علم الجنس على ما مر ذكره فى باب العلم ، فيقال لهما المعرفة غير المحضة ، كما ان النكرة قد تخرج عن المحوضة ويقل شيوعها بالاضافة الى نكرة اخرى او بالوصف حتى تنطبق على واحد ، كما تقول :

٥١٢

عندى رجل عالم ابن خمسين سنة من بلد كذا ، ولا يكون فى ذلك البلد الا رجل واحد بهذه الاوصاف ، ولا يخرج مع ذلك عن كونه نكرة لان عدم الشيوع عارض اتفاقى ، فكل من النكرة والمعرفة تنقسم الى المحضة وغير المحضة ، ويقال لهما التامة وغير التامة.

ثم ان الفعل والحرف لا يتصفان بالتعريف والتنكير ، بل هما يختصان بالاسم ، ولكن يعامل الجملة وشبهها معاملة النكرة ويحكم عليهما بحكمها ، فلذا يوصف بكل منهما النكرة ويقع حالا ، الا ان شبه الجملة ان قدر متعلقه اسما معرفا فهو لا محالة فى حكم المعرفة لانه تابع لمتعلقه فى الاحكام ، ولكن لا يقدر ذلك ، بل يقدر له فعل او وصف منكر.

الامر الخامس

قال القوم على ما نقل ابن هشام فى الرابع عشر من سادس المغنى : ان النكرة اذا اعيدت نكرة كانت حسب المعنى المراد غير الاولى ، واذا اعيدت معرفة او اعيدت المعرفة نكرة او معرفة كانت الثانية عين الاولى حسب المعنى المراد ، فهذه اربعة وجوه ، وما قالوا ليس على القياس والكلية ، بل الامر موكول الى القرينة ، وفى كل من الوجوه الاربعة اما يكون الاول غير الثانى او عين الثانى ، فالوجوه ثمانية. دونك امثلتها.

الوجه الاول : اعادة النكرة نكرة والثانى عين الاول ، نحو قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ـ ٩٤ / ٥ ـ ٦ ، ان ال فى العسر للجنس ، ويسرا اعيد بعينه لان الجملة الثانية تاكيد للاولى ، والمراد ان العسر كائنا ما كان لا يخلو من يسر هو مخرج المبتلى بالعسر ، فانه تعالى لرافته وحنانه على عباده لا يطبق العسر على احد بحيث لا يبقى له مخرج منه.

ونحو قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَ

٥١٣

جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) ـ ٣٠ / ٥٤ ، (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ـ ٤٣ / ٨٤ ، فان الثانى من ضعف وقوة والاه عين الاول ، ولكن الضعف الثالث غير الاول والثانى ، ويل يومئذ للمكذين ، والآية كررت فى سورة المرسلات عشر مرات.

الوجه الثانى : اعادة النكرة نكرة والثانى غير الاول ، نحو قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) و (هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) ـ ٢١ / ٤٨ و ٥٠ ، (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ـ ٣٩ / ٦ ، فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ـ ٢ / ٩٠ ، فالثانى فى هذه الآيات غير الاول شخصا ، وعينه نوعا ، واما فى قوله تعالى : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) ـ ٢ / ٢٠١ ، فالثانى غير الاول نوعا ، ومما هو غيره شخصا قولك : بعت فرسا ثم اشتريت فرسا.

الوجه الثالث : اعادة النكرة معرفة والثانى عين الاول ، نحو قوله تعالى : (أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) ـ ٧٣ / ١٥ ، (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) ـ ٢٩ / ١٧ ، ونحو قولك : اشتريت دارا ثم بعتها.

الوجه الرابع : اعادة النكرة معرفة والثانى غير الاول ، نحو قوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) ـ ٢٩ / ١٣ ، (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) ـ ١٦ / ٨٨ ، (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا) صلحا (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ـ ٤ / ١٢٨ ، ال فى الصلح للجنس ، وان كانت للعهد الذكرى فالآية من الوجه الثالث.

الوجه الخامس : اعادة المعرفة معرفة والثانى عين الاول ، نحو قوله تعالى : (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ـ ٢٩ / ٤٦ ، (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ـ ٣ / ٢٦ ، المراد بالثلاثة هو الملك الذى بايدى عباده ، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ـ ٦٩ / ١٩ ، واذكر فى الكتاب مريم ، تكرر فى سورة مريم خمس مرات ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)

٥١٤

تكرر فى سورة الرحمان احدى وثلثين مرة.

الوجه السادس : اعادة المعرفة معرفة والثانى غير الاول ، نحو قوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ـ ٥٥ / ٦٠ ، فان الاول العمل والثانى الثواب ، وفى الحديث فى تفسير هذه الآية : قال على عليه‌السلام سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ان الله عزوجل قال : ما جزاء من انعمت عليه بالتوحيد الا الجنة ، وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ـ ٥ / ٤٥ ، فان الاولى القاتلة والثانية المقتولة ، وكذلك بقية الآية ، وكذا ما فى هذا البيت.

انا ابو النجم وشعرى شعرى

٨٩٥ لله درّى ما يجنّ صدرى

اى شعرى الان هو شعرى فى سابق الازمان ، فانه عينه بالنوع وغيره بالشخص.

الوجه السابع : اعادة المعرفة نكرة والثانى عين الاول ، نحو قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٣ / ١٨٨ ، كلاهما عذاب الآخرة ، (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ـ ٢ / ١٦٣ ، وما فى هذين البيتين.

صفحنا عن بنى ذهل

٨٩٦ وقلنا القوم اخوان

عسى الايّام ان ير

٨٩٧ جعن قوما كالّذى كانوا

بلاد بها كنّا ونحن نحبّها

٨٩٨ اذ النّاس ناس والزمان زمان

الوجه الثامن : اعادة المعرفة نكرة والثانى غير الاول ، نحو قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) ـ ٤ / ١٥٣ ، (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) ـ ٤٦ / ١٢.

واعلم ان هذه المكررات واحدة بالجنس لوحدة اللفظ ، فالتغاير اما بالشخص مع وحدة النوع او مع تغاير النوع ايضا ، والعينية اما بالشخص والنوع او بالنوع مع تغاير الشخص ، فانظر فى الامثلة وافهم وميز فقد بينت بعض الوجوه.

٥١٥

تتمة

ان الذين قالوا : ان النكرة اذا اعيدت نكرة كانت غير الاولى والمعرفة اذا اعيدت معرفة كانت عين الاولى استدلوا بقوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ـ ٩٤ / ٥ ـ ٦ ، فان العسر فى هذه الآية واحد واليسر اثنان ، وشاهد ذلك قول ابن مسعود ناظرا الى هذه الآية : لو كان العسر فى جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه انه لن يغلب عسر يسرين ، فان ابن مسعود فهم من الآية ان العسر واحد واليسر اثنان.

اقول : ان ابن مسعود فهم يسرين من هذه الآية المذكورة ومن آية اخرى هى (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) ـ ٦٥ / ٧ ، فان الله تعالى برافته وحنانه جعل مع كل عسر يسرا هو مخرجه ولا يطبق على احد عسرا بحيث لا يكون له مخرج منه الا بسوء اختياره ، وجعل بعده يسرا آخر لان الخروج من العسر وقوع فى اليسر ، فالجملة الثانية فى الآية الاولى تكرار وتاكيد للجملة الاولى ، فالعسر فيها واحد واليسر واحد ، واليسر الثانى ما هو فى الآية الثانية ، وليس مراد ابن مسعود باليسرين يسرا فى الدنيا ويسرا فى الآخرة كما فهم ابن هشام وذكر فى الرابع عشر من سادس المغنى ، بل ما قلنا كما هو الظاهر.

فى الكافى عن الحسن بن الجهم قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : صديق كلّ امرء عقله وعدوّه جهله.

٥١٦

المبحث السادس

فى المبنيات.

اعلم ان الحروف كلها مبنية ، والفعل منه معرب ومنه مبنى ، ومر تفصيل ذلك فى المبحث الواحد والعشرين من المقصد الاول ، والمقصود بالذكر هنا هو الاسماء المبنية ، وهى اربعة عشر صنفا : الضمائر واسماء الاشارة والموصولات ، ومر تفصيلها فى المبحث الخامس ، واسماء الافعال ، ومر تفصيلها فى المبحث الثانى والعشرين من المقصد الاول ، وبعض الظروف ، ومر فى المبحث الثالث ، واسماء الشرط واسماء الاستفهام ، وياتى بيان كل منهما فى مبحثه فى المقصد الثالث انشاء الله تعالى.

ثم المركبات والكنايات والحكايات واسماء الاصوات ، ونذكرها ههنا فى ابواب اربعة ، فهذه احد عشر صنفا ، والثلاثة الاخرى الظروف المقطوعة عن الاضافة ، ومرت فى المبحث الثالث ، وبعض المنادى وياتى فى مبحثه فى المقصد الثالث ، واسم لا التبراة وياتى فى مبحث ادوات النفى فى المقصد الثالث ، ولا يخفى ان البناء فى هذه الثلاثة عارض لا اصيل ، كالعارض على بعض المضارع ، وفى تلك الاحد عشر اصيل ، والبناء العارض يعرض بوجود سببه ويزول بزواله ، كلحوق نون التاكيد بالمضارع وانقطاع الاسم عن الاضافة ووقوع الاسم منادى او اسم لا التبراة ، والجملة من حيث هى هى لا توصف بالبناء والاعراب ، بل الموصوف بهما اجزاءها ، وكذا شبه

٥١٧

الجملة ولكن قد تقع فى محل المفرد فيقال : لها محل من الاعراب ، اى اعراب ذلك المفرد لو كان مكانها ، وياتى بيانه فى مبحث الجمل ، فلنشرع الآن فى الابواب الاربعة

الباب الاول

فى المركبات ، والمركّب لفظان جعلا واحدا سواء اكانا مستعملين ام مهملين ام مختلفين ، وسواء اكانا اسمين ام فعلين ام حرفين ام مختلفين ، هذا بحسب اللفظ ، واما بحسب المعنى فهو على اقسام عشرة نذكرها ونذكر اعرابها وبنائها.

الاول : المركب الاسنادى ، وهو المكون من اسمين او اسم وفعل بينهما الاسناد ، اى الحكم باحدهما على الآخر ، ويقال له فى الاصطلاح : الكلام والجملة ، وياتى اقسامها واحكامها فى مبحث الجمل ، واذا سمى شخص بهذا المركب صار علما له ، ويخرج عن كونه كلاما ، ولكن يحكى على حسب الحركات الاعرابية والبنائية التى كانت لاجزائه قبل التسمية ولا تتغير ، نحو تابّط شرّا ، علما لرجل ، تقول : جاء تابط شرا ، رايت تابط شرا ، مررت بتابط شرا ، ونحو سر من راى علما لمدينة عراقية بها مدفن الامامين العسكريين عليهما‌السلام ، وهذه التسمية كانت اولا كما فى قول الشاعر.

سرّ من راى اسرّ من بغداد

٨٩٩ فاله عن بعض ذكرها المعتاد

ولكن خفف اللفظ بعد ذلك ، فيقال لها اليوم : سامرّاء ، ومنه جاد الحق والخير نازل والسيد فاهم وبرق نحره اعلام رجال ، واعراب المجموع محلى كالجملة

الثانى : المركب الاضافى ، وهو المكوّن من اسمين ، جر الثانى بالاول ، ومر الكلام فيه فى المبحث الاول واذا سمى به شخص زال معناه الاضافى ، ولكن يجرى على الجزاين ما كان لهما قبل التسمية ، نحو عبد الله ، صدر الافاضل ، ابو الفضل ، شارع الميدان ، لسان الملك ، فوق العادة ، وسمعت بعض الاساتيد فى سالف الزمان يقول : ان كان المصدر باب اسما ولا اسم للمسمى غيره نحو ابو طالب وجب بقاء

٥١٨

المضاف على ما كان عند التسمية مع العوامل المختلفة ، وهذا يوافق اصل عدم تغير العلم بعد التسمية ، ولكن لا يختص باب ، والاستعمال يشهد بالاطراد.

الثالث : المركب بالتثنية والجمع ، وهو المكون من اسم وحرف دال على احدهما ، كضاربان ورجلان ومؤمنون وارضين ، او المكون من فعل واسم دال على احدهما ، نحو ضربا ويضربون ، او المكون من اسم وهيئة داله على الجمع ، نحو رجال وانصار ، والكلام فيها مذكور فى كتاب الصرف ، وجهة اعرابها وبنائها مذكورة فى بعض مباحث المقصد الاول ، واذا سمى شخص بالقسم الاول فقد مر جواز الامرين فيه فى باب العلم ، واذا سمى بالقسم الثانى فحكمه حكم المركب الاسنادى لان ذلك من اقسامه ، واذا سمى بالقسم الثالث فحكمه كالمفرد.

الرابع : المركب التقييدى ، وهو المكون من المتبوع وتابعه ، وياتى اقسام التوابع فى المبحث الحادى عشر ، والمسمى به نحو على الاكبر ، احمد الاول ، الحريم الطاهرى ، على اصغر ، محمد على ، هارون الرشيد بغير الاضافة ومن هذا القسم الجار والمجرور علما ، نحو بالخير وعلى الحساب علمين لرجلين كانا فى قم وطهران ، وماركب من حرف واسم ، نحو لا مذهب علما لرجل لاعب للطير.

الخامس : المركب العددى ، نحو احد عشر واحدى عشرة ونظائرهما ، فانها مبنية الجزاين ، واما اثنا عشر ومؤنثه فمعربان فى الجزء الاول ، وسائر الاعداد مفردا وغير مفرد معرب فى الاصل وفى التسمية ، وحكم العدد المشتق حكم اصله فى الاعراب والبناء ، وكذا ان اضيف العدد او دخلت عليه ال ، وياتى الكلام فى ذلك كله فى المبحث الثامن.

السادس : المركب الظرفى ، وهو المكون من ظرفين يفيد تكرار الفعل فيه ، وهو كالمركب العددى ، فان توسط بين الجزاين حرف العطف يعربان ، نحو قولك : انتظرتك يوما فيوما ، اى كل يوم ، وبكيت لفراقك صباحا ومساء ، اى فى كل وقت ، وفيما نقل عن الامام المهدى متلهفا على ابيه سيد الشهداء مخاطبا له عليهما‌السلام :

٥١٩

لاندبنك صباحا ومساء ولابكين عليك بدل الدموع دما ، اى فى كل حين ، وكقول على عليه‌السلام مخاطبا لاصحابه : الا وانى قد دعوتكم الى قتال هولاء القوم ليلا ونهارا.

والا فيبنيان على الفتح كخمسة عشر ، نحو انتظرتك يوم يوم ، وتعلمت العلم حين حين ، وزرتك صباح صباح ، والمعنى هو المعنى ، والاكثر فى هذا الاسلوب ظرف الزمان ، وفى المكان قليل ، كقولك : سحت ارضا وارضا ، او ارض ارض ، وتماشيت بستانا وبستانا ، او بستان بستان ، ويجوز اخراجه عن هذا التركيب الى التركيب الاضافى باضافة الجزء الاول الى الثانى ، فالجزآن حينئذ معربان كالمضاف والمضاف اليه ، فمعنى زرتك يوم يوم : زرتك يوما بعد يوم.

وان دخلت عليه فى وجب الاعراب ، سواءا اضيف الاول الى الثانى ام لا ، نحو شاهدت امرك فى يوم يوم بتنوينهما او اضافة الاول الى الثانى ، اى فى كل يوم ، وياتى القسم الاول مع فى ، والمعنى هو المعنى ، نحو قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ـ ٤٣ / ٨٤ ، اى فى كل مكان ، وقول على عليه‌السلام لشريح بن هانى : اتق الله فى كل صباح ومساء ، اى فى كل وقت.

السابع : المركب الحالى ، وهو المكون من لفظين يفيد معنى حال واحدة ، فيبنى اللفظان ، ومن ذلك.

١ ـ : قولهم : تفرقوا ايدى سبا او ايادى سبا ، فان الجزاين مبنيان على السكون ، اى تفرقوا مثل ايادى سبا ، فمثل حال عن فاعل تفرقوا فحذف فسد ايادى سبا مسده ، ويمكن ان يكون سادا مسد المفعول المطلق ، والتقدير : تفرقوا تفرق ايادى سبا ، وعلى كل فالكلام مثل وتشبيه ، وسبا بالهمزة كما فى القرآن ، اسم ارض باليمن ، سميت به لانها كانت منازل اولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، فلما كان سيل العرم المذكور فى القرآن تفرقوا فى البلاد وسار كل عدة منهم الى جهة من الارض ، والمراد بالايادى الاولاد ، لان الولد بمنزلة اليد للانسان ، فصار هذا

٥٢٠