علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

اعلاما للقبائل انفسها ، كقريش ، فانه كان لقب اصلها ، وهو نضر بن كنانة ، وكان يقال لقبيلته : قبيلة قريش ، ثم حذف المضاف فصار علما لنفس القبيلة ، وكذا غير قريش.

المسالة الثانية

العلم اما اسم او كنية او لقب.

فالكنية ما صدر باب او ام او ابن او ابنة او بنت ، وبعضهم زادوا عليها : اخ واخت وعم وعمة وخال وخالة سواءا قصد به المدح كابى الفضل ، ام الذم كابى جهل ، ام لا ذاك ولا ذاك كابن عباس ، وكان وضعه بعد الاسم.

واللقب ما وضع مع قصد المدح او الذم بعد الاسم ولا يصدر باحدها ، كالصادق والباقر.

والاسم ما وضع لشخص اولا سواء اصدر باحدها ام اشعر بمدح ام ذم ام لا ، فان سمى شخص بابى طالب ، ثم بابى الارامل ، او سمى اولا بعلى ثم باصغر ، او سمى باكبر ثم بابى الفضل ، او سمى بابى الفتح ثم بالمرتضى ، فالاول اسم فى الجميع مطلقا ، والثانى كنية ان صدر باب او غيره مما ذكرنا ، والا فلقب ، ومن اللقب : المنسوب كالقرشى والجعفى والرضوى والنجفى والمكى ، لكنه ليس علما لاشتراك الكثير فيه الا ان يوضع خصوصا لشخص ، والاسم فى قبال الكنية واللقب اصطلاح ثانوى ، وهو اخص من الاسم فى قبال الفعل والحرف.

واذا اجتمع اسم ولقب مفرد ان لامر كبان ولا احدهما مركب اتبع الثانى للاول على انه بدل او عطف بيان ، نحو على الاصغر ، ومحمد التقى ويجوز اضافة الاول الى الثانى ، كهارون الرشيد ومامون الرشيد وسعيد كرز ، وليس من اضافة الشئ الى نفسه لاختلاف اللفظين والجهتين فى المعنى ، وان كان احدهما او كلاهما مركبا فالوجه هو الاول ، اى الاتباع دون الاضافة.

٤٦١

واما ما تداول اليوم من ذكر العلم مع علم الوالد او الوالدة بعده بصورة الاتباع او الاضافة كما شوهد على ظهر بعض المؤلفات فاسلوب حديث لم يعهد مثله فى السلف ، مع انه يوجب اللبس والصحيح توسط ابن او بنت بينهما الا ان يكونا مفردين فيصح الاضافة

واما ترتيب الثلاثة فى الذكر فالمشهور ان اللقب يؤخر عنهما ، واما هما فيجوز تقديم كل منهما على الآخر ، والاحسن تقديم الكنية ، كذا قالوا ، ولكن شوهد فى القرآن تقديم اللقب على الاسم فى قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ) ـ ٤ / ١٧١ ، والحق ان يراعى الخطيب والكاتب ما هو الاليق بالتقديم فى كل مقام ، وذكر الانسان بالكنية يدل عند العرب على التجليل ان لم يشعر بالذم دون الاسم واللقب.

المسالة الثالثة

العلم من حيث المعنى شخص واحد ، ولكن من حيث اللفظ مفرد او مثنى او جمع ، مذكر او مؤنث.

والمفرد كثير لا يعد ولا يحصى ، وهو ان كان مبنيا فى الاصل سواء اكان اسما او فعلا او حرفا صار معربا بعد العلمية ، وان اجتمع فيه مع العلمية سبب آخر من اسباب منع الصرف يعرب اعراب غير المنصرف ، وياتى بيانه فى مبحثه.

قال الرضى فى شرح الكافية فى باب العلم : واذا نقلت الكلمة المبنية وجعلتها علما لغير ذلك اللفظ فالواجب الاعراب ، وان جعلتها اسم ذلك اللفظ سواء اكانت فى الاصل اسما ام فعلا ام حرفا فالاكثر الحكاية ، انته كلامه ، ونحن نذكر فى باب الحكاية من المبحث السادس ما اشار اليه.

وقال فى مبحث الظروف : قال سيبويه : ان سميت بامس رجلا صرفته كما تصرف غاق اذا سميت به ، وذلك ان كل مفرد مبنى تسمى به شخصا فالواجب فيه الاعراب مع الصرف ، انته كلامه ، اقول : وجوب الصرف فيما لم يجتمع مع العلمية سبب

٤٦٢

آخر ، والا يعرب غير منصرف.

واما المثنى فمنه ما جعل مثنى عند التسمية ، نحو مروان مثنى مرو وبدران مثنى بدر وحمدان مثنى حمد ونصران مثنى نصر ، فان الظاهر فيها ان الواضع ثنى هذه الكلمات عند التسمية وجعل المثنى علما للشخص تفاءلا وتمليحا ، ومنه ما كان مثنى حقيقة قبل التسمية ثم جعل علما كالبحرين ، والقاعدة تقتضى ان يرد الاعاريب الثلاثة فى القسمين على آخرها لانه خرج من التثنية وصار كالمفرد الذى فى آخره الالف والنون الزائدتان ، ولكن المشاهد فى كلامهم على الوجهين ، اى اعراب المثنى واعراب المفرد على النون فى آخره ، فالقول هو جواز كلا الوجهين ، ونذكر من ذلك امثلة ايضاحا واستشهادا.

١ ـ البحرين ، قال ياقوت فى معجم البلدان : هكذا يتلفظ بها فى حال الرفع والنصب والجر ، اى يجرى الثلاثة على النون وقبلها الياء لا الالف ، ولم يسمع على لفظ المرفوع من احد منهم ، اى بالالف قبل النون ، الا ان الزمخشرى قد حكى انه بلفظ التثنية ، فيقولون هذه البحران وانتهينا الى البحرين.

اقول : البحرانى منسوبا فى كلامهم اكثر من البحرينى ، وهذا يؤيد قول الزمخشرى ، والبحرين عدة بلاد بين البصرة وعمان ، وفى معجم البلدان : انما سموا البحرين لان فى ناحية قراها بحيرة على باب الاحصاء ، وقرى هجر بينها وبين البحر الاخضر عشرة فراسخ.

٢ ـ سبعان ، فى المعجم : هو موضع معروف فى ديار قيس ، وهو تثنية سبع ، واعرابه على النون.

٣ ـ ابانان ، علم لجبلين معا مع ما بينهما ، وبينهما ميلان ، قيل : هو بنواحى البحرين ، وقيل : غير ذلك ، وعنونه الياقوت بالالف وفى هذا البيت جاء بالياء.

تؤمّ بها الحداة مياه نخل

٧٦٤ وفيها عن ابانين ازورار

واما الجمع : فهو كالمثنى فيما قلنا ، ودونك امثلة منه.

٤٦٣

١ ـ ماطرون ، فى معجم البلدان : الماطرون موضع بالشام قرب دمشق ومن شروط هذا الاسم ان يلزم الواو وتعرب نونه ، وهو عجمى ، ومخرجه فى العربية ان يكون جمع ماطر من المطر من قولهم : يوم ماطر وسحاب ماطر ورجل ماطر اى ساكب.

٢ ـ نصيبين ، مدينة على طريق الموصل الى الشام ، ومواضع اخرى تسمى به ، وفى الحديث : رايت ليلة الاسراء مدينة فاعجبتنى ، فقلت : يا جبرئيل ما هذه المدينة ، قال : هذه نصيبين ، فقلت : اللهم عجل فتحها واجعل فيها بركة للمسلمين ، وفى معجم البلدان : ومن العرب من يجعلها بمنزلة الجمع فيعربها فى الرفع بالواو وفى الجر والنصب بالياء ، والاكثر يقولون نصيبين ويجعلونها بمنزلة ما لا ينصرف من الاسماء ، اى بالضم على النون رفعا والفتح عليها نصبا وجرا ، واثبات الكلمة على الياء والنون.

٣ ـ : صريفين ، وهى موضعان فى العراق ، احدهما قرية قريبة من عكبراء ، والآخر من قرى واسط ، قال الياقوت فى معجم البلدان : للعرب فى هذا وامثاله من نحو نصيبين وفلسطين وسيلحين ويبرين مذهبان : منهم من يقول : انه اسم واحد ويلزمه الاعراب كما يلزم الاسماء المفردة التى لا تنصرف ، فتقول : هذه صريفين ومررت بصريفين ورايت صريفين ، والنسبة اليه والى امثاله على هذا القول صريفى ، وقيل فيها غير ذلك ولسنا بصدده ، انته ، والقول الآخر ان يعرب اعراب الجمع الصحيح ، ولكن قاعدة النسبة عدم الحذف فى كلا الوجهين وقال فى صفّين : هو موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربى بين الرقة وبالس ، وكانت وقعة صفين بين على رضى الله عنه ومعاوية فى سنه ٣٧ فى غرة صفر هناك ، وقد ذكرت فى هذا الباب انها تعرب اعراب الجموع واعراب ما لا ينصرف ، وقيل لابى وائل شقيق بن سلمة : اشهدت صفين؟ فقال نعم ، وبئست الصفون ، انته.

٤٦٤

والحاصل من مشاهدة الموارد وكلمات القوم جواز كلا الوجهين فى المثنى والجمع المذكر الصحيح ، واما الجمع المكسر كزنانير علم ارض قرب جرش ، ومدائن علم قرية قريبة من بغداد ، وعلم لمواضع اخرى ، والاحقاف علم لواد بين عمان وحضرموت ، والجمع المؤنث كعرفات موقف للحاج ، من مكة اليها اربعة فراسخ تقريبا ، وابراقات علم ماءة لبنى جعفر بن كلاب ، واذرعات بلد قريب من الشام ، فان اجتمع فيها مع العلمية سبب آخر فتعرب اعراب غير المنصرف ، والا فاعرابه بالثلاثة حتى فى الجمع المؤنث.

المسالة الرابعة

مما شوهد فى كلمات القوم : ان العلمية تحصر الاسم وتحفظه من الزيادة والنقصان ، اى لا يغير بعد العلمية عما كان عند وضعه علما ، وعلى هذا فينبغى ان يقال فيما مر فى المسالة الثالثة : ان المثنى اذا وضع علما وتلفظ به الواضع عند الوضع مع الالف والنون او الياء والنون حفظ على ما كان عليه ويعرب آخره بالحركات ، وكذا الكلام فى الجمع كما ان الاسم ان وضع علما مع ال فلا يجوز حذفها ، نحو اليسع ، ولا يحذف الهمزة فى الدرج ، وبالعكس ان كان بلا ال عند الوضع نحو اكثر الاعلام فلا يجوز زيادتها عليه ، فما استعمل على خلاف القاعدة فيتبع ان ثبت استعماله من عربى اصيل ، والا فلا ، وكذا ان سمى احد بانبساط مثلا فلا يحذف همزته فى درج الكلام وان كانت فى الاصل همزة الوصل ، ونحو اسقب على وزن انصر بصيغة الامر علم بلدة من عمل برقة كذلك ، ولا يصغر العلم بعد وضعه مكبرا ولا يستصحب احكام اصله ان كان مشتقا او جملة او شبه جملة او غير ذلك ، فهو مفرد جامد وان كان فى الاصل غير ذلك ، ولكن شوهد فى كلام العرب خلاف ذلك قليلا.

المسالة الخامسة

العلم اما مفرد او مركب ، والمركب اقسام عشرة المركب الاسنادى والاضافى

٤٦٥

والمزجى والعددى والتضمنى والبيانى والتقييدى والظرفى والحالى والمركب بالتثنية والجمع وياتى تفصيلها فى المبحث السادس.

المسالة السادسة

اعلم ان العلم يقابل اسم الجنس لان مدلوله حسب الوضع شخص معين ، ومدلول اسم الجنس حسب الوضع معنى شائع صادق على افراد كثيرة ، واحد المتقابلين لا يقبل ما يختص بالآخر ، ومما يختص باسم الجنس وينافى العلمية التثنية والجمع والاضافة وال ودخول لا التى لنفى الجنس ودخول من التى لتاكيد النفى ولحوق من التى للبيان او التبعيض والوصف بالنكرة ، ولكن شوهد فى كلام العرب اعلام معروضة لهذه الاشياء ، والنحاة قالوا : انما ذلك بعد اعتبار تنكير وشيوع لها ، ونحن نذكرها بالتفصيل ، ونبين الاعتبار المذكور.

١ ـ : وقع فى الآثار والكلمات : الحسنان وابو الحسنين والمراد بهما ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفواطم والمراد بهن بنت رسول الله وام امير المؤمنين ومراة اخرى جاء بهن على عليه‌السلام من مكة الى المدينة ايام الهجرة ، والعمران والمراد بهما ابن الخطاب وابن عبد العزيز ، وغير ذلك من تثنية الاعلام وجمعها وليس ذلك بقليل.

قالوا : لا يمكن تثنية العلم وجمعه ، لان علامة التثنية تفيد ان مدلول المثنى فردان من معنى واحد ، وعلامة الجمع تفيد ان مدلوله افراد من معنى واحد ، ومدلول العلم فرد وشخص واحد لا اكثر ، فلا يمكن ان يلحقه علامتهما ، ولكن يصح ان اعتبر له معنى مشترك ، وذلك اذا قلت : جاءنى الزيدان او الزيدون ، فمعناه : جاءنى فردان مسميان بزيد وافراد مسمون بزيد ، وهكذا.

قال الرضى فى شرح الكافية : اذا ثنى العلم او جمع فلابد من زوال التعريف

٤٦٦

العلمى لان هذا التعريف انما كان بسبب وضع اللفظ على المعين ، والعلم المثنى او المجموع ليس موضوعا على معين ، فاذا زال التعريف العلمى وجب جبر ذلك التعريف الفائت باخصر اداة التعريف ، وهى اللام ، فلا يكون مثنى العلم ومجموعه الا معرفين باللام العهدية.

وقيل : ان اريد تثنية المركب من الاعلام او جمعه ادخل عليه ذوا او ذووا ان كان مذكرا ، وذاتا او ذوات ان كان مؤنثا ، فيقال : ذوا سيبويه مثلا ، اى ذوا هذا الاسم ، وهكذا.

اقول : غاية ما فى هذا الباب هو التجوز فى علامة التثنية والجمع. واما معنى الزيدين هو المسميان بزيد فلا يفهمه العرف ، بل القرينة تعين المراد كما اذا كان مفردا لانه علم مشترك ، واما لزوم ال لاستبدال التعريف فلا يدل عليه دليل قاطع ، والتعريف ليس بزائل بعد وجود القرينة ، ومع عدمها فالمفرد ليس بمتعين لعروض الاشتراك ، وكذا لزوم ذوا وغيره على المركب لا يدل عليه دليل ، بل المشهود فى الاستعمال جمع التكسير النهائى كجمع عبد الله بعبادلة وتثنيته بعبدى الله ، فافحص وانظر.

٢ ـ : استعمل العلم مضافا كما فى هذه الابيات.

مدينة جدّنا لا تقبلينا

٧٦٥ فبالز فرات والاحزان جينا

تالله يا ظبيات القاع قلن لنا

٧٦٦ ليلاى منكنّ ام ليلى من البشر

الا ابلغ بنى خلف رسولا

٧٦٧ احقّا انّ اخطلكم هجانى

علا زيدنا يوم النقاراس زيدكم

٧٦٨ بابيض ماضى الشفرتين يمانى

وقد كان منهم حاجب وابن امّه

٧٦٩ ابو جندل والزيد زيد المعارك

يا زيد زيد اليعملات الذبّل

٧٧٠ وزيد دارىّ الفلاة المجهل

قالوا : اضافة العلم فى هذه وامثالها بعد اعتبار معنى مشترك هو التسمية ، فان القائل : زيدنا قد اعتبر عدة مسماة بزيد فاضاف احدهم ، وقيل : يقدر وصف هو

٤٦٧

المضاف ، اى زيد صاحبنا.

اقول : هذا الاعتبار ايضا ليس خاطرا بذهن المتكلم ، بل الحق ان العلم الواحد اذا تعدد وضعه لاشخاص متعددة احتاج لتعيين المراد الى القرينة كاسم الجنس المشترك الموضوع لمعان متعددة ، والاضافة احدى القرائن ، ومصحح الاضافة اشتراكه بسبب تعدد الوضع.

٣ ـ : دخول ال على العلم انما هو للزينة ولا اثرلها فى المعنى كما مر فى بعض الابيات ، ونحو قول على عليه‌السلام خطابا الى ابن عباس : اعلم ان البصرة مهبط ابليس ومعرس الفتن ، وان جعل الاسم مع ال علما فلا يجوز حذفها.

٤ ـ : اذا وقع العلم بعد لا النافية للجنس فباعتبار التسمية ، كقول ابى سفيان بعد دعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا قريش بعد اليوم ، اى لا مسمى بقريش ، وفى كلام بعضهم : لا بصرة لكم ، اى لا مسمى ببصرة ، ونحو قولك لمن له ولد اسمه احمد : لا احمد لى ، اى لا مسمى باحمد لى.

٥ ـ : دخول من على العلم فباعتبار التسمية ايضا ، وهو يقع فى الكلام المنفى ، نحو ما من موسى كموسينا ، وكذا اتيان من بعده للبيان او التبعيض ، نحو رايت محمدا من ابناء فارس ، وجاءنى حامد من الحامدين.

٦ ـ : قد يجرد العلم عن العلمية ويستعمل استعمال النكرة ، ويراد به الموصوف باخص اوصاف المسمى ، نحو لكل فرعون موسى ، اى مع كل جبار فى الناس يضلهم ويظلمهم هاد من الله يهديهم ويبرهم ، وكذلك حاتم المشتهر بالسخاء ، وعنترة المشتهر بالشجاعة وسجبان المشتهر بالفصاحة والحجاج المشتهر بالقساوة ، وسلمان المشتهر بالعلم والايمان ، فان كلا من هذه الاعلام يجرد عن العلمية ويراد به الجواد والشجاع والفصيح والقسى والعالم الكامل الايمان ، فيقال مثلا : فلان سلمان الزمان ولا سلمان اليوم ورب سلمان رايته ، وكذا غيره.

المسالة السابعة

٤٦٨

العلم ثلاثة اقسام : علم الشخص وعلم الجمع وعلم الجنس

الاول : علم الشخص ، وهو اللفظ الدال على فرد معين كاعلام الاوادم وغيرهم ، وقد مرت امثلته.

الثانى : علم الجمع ، وهو اللفظ الدال على مجموع افراد اعتبر لها جهة وحدة ، كاعلام القبابل والبلاد والشوارع والخانات ، واعلام الكتب كالقرآن والتورا والانجيل وغيرها ، واسماء السور ، واسماء المصانع والمعامل وغيرها.

الثالث : علم الجنس ، وهو فى المعنى اسم جنس ، وضع لمعنى واحد شائع فى الافراد الكثيرة ، لكن العرب عاملته عمل العلم من جهة الاحكام اللفظية ، فسماه النحاة بهذا الاعتبار علم الجنس وتلك الاحكام انه يقع مبتدا ولا يدخل عليه آل ولا يضاف ويوصف بالمعرفة ولا يقع تمييزا ولا حالا ، بل يقع ذا تمييز وذا حال ، ويمنع من الصرف ان وجد فيه سبب آخر غير العلمية من الاسباب العشرة ، وهذه من خواص العلم ، وهو على ضربين :

الاول ما وضع للذوات نحو اسامة وابو الحارث علمان للاسد ، وثعالة وابو الحصين علمان للثعلب ، وشبوة وام عريط علمان للعقرب ، وابو جعد ونوالة علمان للذئب ، وابو المضاء علم للفرس ، وابو ايّوب علم للجمل ، وابو صابر علم للحمار ، وبنت طبق علم للسّلحفاة ، وابو اليقظان علم للديك ، وابو الدعفاء للانسان الاحمق ، وهيّان بن بيّان وطامر بن طامر للانسان المجهول نسبه.

الثانى ما وضع للاحداث والمعانى ، نحو امّ قشعم علم للموت ، كيسان علم للغدر ، يسار علم لليسر ، فجار علم للفجور ، برّة علم للبّر ، امّ صبور علم للبليّة ، وغير ذلك ايضا.

وعلم الجنس سماعى ، يقتصر على ما سمع من العرب ، ولا يقاس عليه ، لانه خلاف الاصل ، اذ معناه يقتضى ان يعامل معاملة الجنس ، ولكن لا باس بما يفعل الناس من وضعهم اعلاما لاجناسهم الخاصة بمصانعهم ومعاملهم ، والظاهر انه يجرى

٤٦٩

عليها احكام العلم.

المسالة الثامنة

اسم الجنس اما نكرة واما معرفة ، لانه لفظ وضع لمعنى ذهنى مشترك بين افراد كثيرة ، والمعارف غير العلم هكذا على ما ياتى بيانه ، وبعضهم لم يفرقوا بين النكرة واسم الجنس ، والحق انه يعم النكرة والمعارف غير العلم ، ونذكر سائر المعارف فى الابواب الآتية.

وهنا امور

١ ـ : اسم الجنس قد يتعين وينطبق على فرد معين فى الخارج ، وهذا لا يخرجه عن كونه اسم الجنس لان تعينه بالعرض ، نحو رايت رجلا عالما عندك ، وسافر الذى جاءنى امس ، ونحو قوله تعالى : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) ـ ٧٣ / ١٦ ، كما ان العلم قد يعرضه عدم التعيين لاشتراكه ، فيحتاج الى قرينة معينة ، وهذا لا يخرجه عن كونه علما.

٢ ـ : علامة النكرة قبولها لال التعريف ، او وقوعها موقع ماله قبول لها ، كذو وفروعه ، فانه لا يقبل ال لانه لازم الاضافة ، ولكن يقع موقعه لفظ صاحب ، وهو يقبل ال ، وهذا يختص بالمعرب فان المبنى لا يقبلها ، وياتى بيان اقسام ال فى بابها.

٣ ـ : النكرة فى قبال المعرفة ، والمعارف محصورة معلومة ، وهى سبع وغيرها نكرة كائنا ما كان ، واوسع النكرات شىء وموجود ومحدث وممكن ، وقد يضيق الواسع حسب القيود ، كما تقول : عندى رجل ، ففيه احتمال واسع ، واذا قلت : عندى رجل مؤمن ضاق دائرة الاحتمال وهكذا.

٤٧٠

الباب الثانى

فى الضمير ، وجهه تعريفه انطباقه على المتكلم او المخاطب او الغائب عند استعماله فى الكلام ، واما الواضع فقد وضعه لكل متكلم او مخاطب او غائب من دون تعيين واختصاص ، فهو من اقسام اسم الجنس لاشتراك معناه حسب الوضع فى الكثير ، بخلاف العلم فانه عند الوضع يعين لفرد واحد ، وان حصل اشتراك فهو لاجل تعدد الوضع لاشخاص متعددة ، ويقال للضمير : المضمر والمكنّى والكناية ايضا ، وفى هذا الباب مسائل.

المسالة الاولى

الضمير اما مرفوع او منصوب او مجرور ، والمرفوع والمنصوب ينقسمان الى المنفصل والمتصل ، والمرفوع المتصل ينقسم الى البارز والمستتر ، والمستتر ينقسم الى ما يجب استتتاره وما يجوز استتاره.

واطلاق المرفوع والمنصوب والمجرور على الضمير مع انه من المبنيات باعتبار وقوعه محل الاسم المرفوع والمنصوب والمجرور ، كما يقع المرفوع المنفصل مبتدا والمتصل فاعلا ، ويقع المنصوب مفعولا ، والمجرور مضافا اليه ، فليس هذا الاطلاق باعتبار اواخر الضمائر ، وان اعتبرت ذلك قلت : ان الضمير مبنى على الفتح او الكسر او الضم او السكون ، لان هذا هو الاصطلاح فى المبنيات كما مر بيانه فى الامر العاشر من المقدمة ، والحاصل ان الضمير مبنى لفظا ومعرب محلا ، وهذا الاطلاق باعتبار محله.

والضمير المنفصل امره واضح ، واما المتصل فالمجرور منه يتصل بالمضاف او بالجار ، والمنصوب منه يتصل بالفعل ، وبالحرف كانّ واخواتها ، وبالضمير المرفوع المتصل والمنصوب المتصل ، ولا يتصل بالاسم الظاهر لان المتصل به مجرور دائما.

واما المرفوع المتصل فبارزه يتصل بالفعل فقط ، ومستتره يستتر فى الفعل وما يشبهه من الوصف واسم الفعل ، والاستتار يجب فى السابعة والثالثة عشرة والرابعة عشرة من صيغ المضارع والامر ، ويجوز فى الاولى والرابعة من صيغ الماضى والمضارع والامر ، و

٤٧١

معنى الاستتار واجبا او جائزا ان الفعل يحتوى معنى الضمير ، ويجب ايضا فى فعل التعجب واسم التفضيل الا فى مسالة الكحل وفى اسم الفعل غير الماضى ، ويجوز فى سائر المشتقات واسم الفعل الماضى.

ومعنى وجوب الاستتار انه لا يجوز ان يكون فاعل الفعل اسما ظاهرا او ضميرا بارزا ، وان وقع بعده ضمير فهو تاكيد ، نحو اضرب انت ، او اسم ظاهر فهو منادى ، نحو اكتب زيد ، وهل تاكل عمرو ، اى يا زيد ويا عمرو ، ومعنى جواز الاستتار انه يجوز الوجهان ، نحو ضرب زيد وزيد ضرب ، وفى الوجه الثانى ان وقع بعده ضمير فهو تاكيد ايضا ، نحو زيد ضرب هو ، ولا يقع بعده اسم ظاهر.

المسالة الثانية

الاصل فى الضميران يكون متصلا ، سواء اكان الموصول به اسما ام فعلا ام حرفا ، لان المتصل اخصر واداؤه اسهل ، ولكن يعدل عن الاصل فى مواضع لعدم امكان الاتصال فيها.

١ ـ ان يكون عامله معنويا ، وهو اذا وقع مبتدا ، نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ـ ١١٢ / ١ ، (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٢ / ٣٩ ، (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) ـ ٤٣ / ٥٩ ، وفى الحديث : انتم بنوا آدم وآدم من تراب.

٢ ـ ان يكون مقدما على عامله ، نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ـ ١ / ٥ ، (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ـ ٢ / ١٧٢.

٣ ـ ان يكون عامله محذوفا ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ـ ١٦ / ٥١ ، وقول على عليه‌السلام : اياك والغضب فان اوله جنون وآخره ندم ، اياكم والغلو فينا قولوا انا مربوبون واعتقدوا فى فضلنا ما شئتم.

٤ ـ ان يكون فصلا ، نحو قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ ٢ / ١٢٩ ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ٢ / ٥ ، (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) ـ ٣٧ / ٧٧ ، وياتى شرح

٤٧٢

هذا الضمير.

٥ ـ ان يكون خبرا ، نحو قوله تعالى : (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ـ ٢٧ / ٤٢ ، وما فى بعض الخطب : والصلاة على نبيه وآله الذين هم هو الا النبوة.

٦ ـ ان يكون منادى ، نحو قول على عليه‌السلام يوم صفين وهو فى المعركة : يا هو يا من لا هو الا هو.

٧ ـ ان يكون تابعا تاكيدا او غير تاكيد ، نحو قوله تعالى : (لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) ـ ٢٧ / ٦٨ ، (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) ـ ٢٠ / ٤٢ ، (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) ـ ٦٠ / ١ ، (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ـ ٦ / ١٥١.

٨ ـ ان يكون محصورا او محصورا فيه بعد انما او محصورا فيه بعد الا ، نحو قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) ـ ١٨ / ١١٠ ، (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ـ ٢ / ٢٥٥ ، (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ـ ١٧ / ٢٣ ، وفى الحديث : قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل : لا يؤدى عنك الا انت او رجل من اهل بيتك ، وقول الشاعر :

انا الذائد الحامى الذمار وانّما

٧٧١ يدافع عن احسابهم انا او مثلى

ومجيئه متصلا بعد الا كما فى البيتين شاذ.

وما نبالى اذا ما كنت جارتنا

٧٧٢ ان لا يجاورنا الّاك ديّار

اعوذ بربّ العرش من فئة بغت

٧٧٣ علىّ فمالى عوض الّاه ناصر

٩ ـ : ان يكون مفعولا لمصدر اضيف الى فاعله ، نحو اعطائك اياى حسن ، ومنعك اياه قبيح ، او فاعلا لمصدر اضيف الى مفعوله ، نحو بنصركم نحن كنتم ظافرين.

١٠ ـ : ان يكون تاليا لحرف ليس بجار له ولا ناصب له ، نحو قوله تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ـ ٥٨ / ٢ ، وكما فى هذه الابيات.

فآليت لا انفكّ احد وقصيدة

٧٧٤ تكون وايّاها بها مثلا بعدى

ان هو مستوليا على احد

٧٧٥ الّا على اضعف المجانين

٤٧٣

فان انت لم ينفعك علمك فانتسب

٧٧٦ لعلّك تهديك القرون الاوائل

ومن ذلك ما وقع بعد لولا ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا انت يا على لم يعرف المؤمنون بعدى ، والقاعدة تقتضى ان يكون الضمير بعدها مرفوعا لانه مبتدا ، ولكن جاء بعدها ضمير متصل غير مرفوع ، نحو لولاك لما خلقت الافلاك ، والحق ان يقال : انه ضمير مجرور ناب عن المرفوع ، وهو مرفوع محلا لانه مبتدا بلا ريب ، ولا وجه لاشتراط كونه فى الضرورة كما ذكر فى ثالث المغنى بعد وقوعه فى الفصيح.

وفى هذه الابيات جاء الضمير منفصلا ، وهو من الشذوذ بمكان.

وما اصاحب من قوم فاذكرهم

٧٧٧ الّا يزيد هم حبّا الىّ هم

ان وجدت الصديق حقّا لايّا

٧٧٨ ك فمرنى فلن ازال مطيعا

بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت

٧٧٩ ايّاهم الارض فى دهر الدّهارير

تتمة

اذا كان ضميران متتاليان مفعولى لفعل واحد او اسما وخبرا لفعل ناقص جاز فى الثانى الانفصال والاتصال ، والاتصال اكثر وارجح.

مثال الاتصال قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ـ ٢ / ١٣٧ ، (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) ـ ١١ / ٢٨ ، (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) ـ ٤٧ / ٣٧ ، (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) ـ ٤٧ / ٣٠ ، (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) ـ ٣٣ / ٣٧ ، وكما فى هذين البيتين.

بلغت صنع امرئ برّ اخالكه

٧٨٠ اذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا

لوجهك فى الاحسان بسط وبهجة

٧٨١ انا لهماه قفو اكرم والد

وفى الحديث قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر لما طلب ان يقتل ابن الصيّاد حين اخبر بانه الدجّال : ان يكنه فلن تسلط عليه وان لا يكنه فلا خير لك فى قتله ، واتصال الضميرين او لهما مجرور بمصدر او وصف كما فى هذين البيتين شاذ.

٤٧٤

لئن كان حبّك لى كاذبا

٧٨٢ لقد كان حبّيك حقّا يقينا

لا ترج او تخش غير الله انّ اذى

٧٨٣ واقيكه الله لا ينفكّ مامونا

ومثال الانفصال قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) ـ ٩ / ١١٤ ، وكما فى هذين البيتين.

اخى حسبتك ايّاه وقد ملئت

٧٨٤ ارجاء صدرك بالاضغان والاحن

لئن كان ايّاه لقد حال بعدنا

٧٨٥ عن العهد والانسان قد يتغيّر

وان كان الضميران مرفوعا ومنصوبا لغير الافعال الناقصة وجب الاتصال وتقديم المرفوع ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ـ ١٠٨ / ١ ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ـ ٩٧ / ١ ، (وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) ـ ١١٠ / ٣ ، الا ان يكون فى الكلام ما يوجب التاخير كالحصر ، نحو قولك : ما ضربه الا انت.

المسالة الثالثة

قد يتوسط بين المبتدا والخبر وما كان مبتدا وخبرا ضمير مرفوع يسمى فصلا لوقوعه بينهما ، وعمادا لاعتماد ما بعده عليه كاعتماد الخبر على المبتدا ، ودعامة لان الكلام يدعم به اى يؤكد به ، نحو قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ٢ / ٥ ، (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) ـ ٢٨ / ٥٨ ، (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ـ ٥ / ١١٧ ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) ـ ٣٧ / ١٦٥ ، (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) ـ ٣٧ / ١٧٢ ، وذكروا لهذا الضمير شروطا.

١ ـ ان يكون المبتدا قبله معرفة ، وتخلف هذا الشرط فى قوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) ـ ١٦ / ٩٢.

٢ ـ ان يكون الخبر بعده معرفة ، وهذا الشرط غير لازم لانه منقوض بكثير ، نحو قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) ـ ٧٣ / ٢٠ ، (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) ـ ٨٥ / ١٣ ، (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) ـ ٣٥ / ١٠ ، (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) ـ ٥٣ / ٤٣ ـ ٤٤

٤٧٥

٣ ـ ان يكون مرفوعا مطابقا لما قبله ان كان ضميرا فى التكلم والخطاب والغيبة كما شوهد فى الامثلة ، وما فى هذا البيت شاذ.

وكائن بالاباطح من صديق

٧٨٦ يرانى لو اصبت هو المصابا

وفائدة هذا الضمير تاكيد ثبوت الخبر للمبتدا ، وتخليص الخبر عن شباهة النعت ان كان معرفة ، وقد يفيد اختصاص الخبر بالمبتدا ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ـ ١٠٨ / ٣ ، وفى اعراب هذا الضمير اقوال مذكورة فى المغنى ، والاسهل الاحسن ان يقال : انه مبتدا وما بعده خبر والجملة خبر لما قبله ، فان كان ما بعده مرفوعا فهو ، والا فبتقدير يكون لان تقدير الفعل العام سهل ملائم فى كل موضع.

المسالة الرابعة

الاصل ان يكون مرجع ضمير الغائب مذكورا قبله لفظا ورتبة او لفظا فقط ، نحو قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ـ ١٠١ / ٧ ، فان من مقدم على هو لفظا ، وهو ظاهر ، ورتبة لان رتبة الشرط مقدم على رتبة الجزاء ، وقوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ـ ٢ / ١٢٤ ، فان ابراهيم مقدم على ضميره لفظا لا رتبة لانه مفعول ورتبة المفعول مؤخر عن رتبة الفاعل ، واما كلمات فمقدمة على ضميرها لفظا ورتبة ، ولكن تخلف عن هذا الاصل وجاء الضمير مقدما على مرجعه لفظا ورتبة فى مواضع ، ولفظا فقط فى مواضع اخرى ، اما المواضع الاولى فهى :

١ ـ : ان يكون الضمير مستترا فى بئس او نعم او ما بمعناهما من افعال المدح والذم ويفسر بتمييز بعده ، نحو قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ـ ٥١٨ ، فان فاعل كبرت

٤٧٦

ضمير مستتر فيها راجع الى كلمة ، وهى تمييز له تفسره ، وليست فاعلة للفعل على حسب الصناعة لان كل فاعل مرفوع ، وليس من هذا الموضع : نعم رجلا كان زيد بل من المواضع الاخرى وياتى بيانه ، ولا نحو قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ـ ٧ / ١٧٧ ، و (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) ـ ١٨ / ٥٠ ، كما ذهب اليه ابن هشام ، لان القوم فاعل ساء ومثلا تمييزه وليس فى ساء ضمير ، وفى بئس ضمير يرجع الى ابليس المذكور قبله وبدلا تمييزه ، والالتزام بالمرفوعين بعد هذه الافعال فى جميع الموارد مع صحة الكلام بمرفوع واحد وتمييز قبله او بعده لا ملزم له.

٢ ـ : ان يكون الضمير مرفوعا باول المتنازعين المعمل ثانيهما ، نحو ضربنى وضربت زيدا ، فان فى ضربنى ضميرا يرجع الى زيدا ، ولولاه بقى الفعل بلا فاعل ، وزيدا مؤخر عن ضميره لفظا وهو ظاهر ، ورتبة لان الجملة المعطوفة مؤخرة رتبة عن الجملة المعطوف عليها ، ومنه قول الشاعر :

جفونى ولم اجف الاخلّاء انّنى

٧٨٧ لغير جميل من خليلى مهمل

وليس من هذا الموضع نحو اكل ونام زيد ، وجهل وعلم رجلان ، لان زيد فاعل الفعلين ، وكل من الرجلين فاعل لكل من الفعلين ، ومبحث تنازع العاملين مر فى المقصد الاول.

٣ ـ : ان يكون ضمير الشان والقصة ، والكوفيون يسمونه ضمير المجهول ، وهو المسند اليه جملة مذكورة بعده ، وهذا الضمير راجع الى مضمون تلك الجملة ، ولذلك سمى بضمير الشان والقصة ، وتسميته بضمير المجهول لان مرجعه مجهول فى اول الامر لعدم ذكره قبله.

نحو قوله تعالى : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ ٢١ / ٩٧ ، (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) ـ ٦٤ / ٦ ، (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ

٤٧٧

فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٦ / ٥٤ ، (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) ـ ٧٢ / ١ ، واربع آيات بعده فى سورة الجن ، وقول على عليه‌السلام : اما انه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم مندحق البطن ياكل ما يجد ويطلب ما لا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه ، وقول الشاعر :

هى الدنيا تقول بملئ فيها

٧٨٨ حذار حذار من بطشى وفتكى

وهذا الضمير لا يكون الا مبتدا او اسما لناسخ ، ولا يكون بعده الا جملة تفسره ، ولا تتقدم عليه ولا جزء منها ، ولا يتبع بتابع ، وملازم للافراد ، واما تذكيره وتانيثه فان كان احدى عمدتى الجملة التى بعده مونثة جاز تانيثه والا فهو مذكر.

وليس منه قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ـ ١١٢ / ١ ، كما قيل ، لان هو يرجع الى ربك فى كلام من جاء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا محمد صف لنا ربك ، فنزلت ، او راجع الى المبدء تعالى باعتبار انه ظاهر لفطرة كل احد ، على ما قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) ـ ٣١ / ٢٥.

٤ ـ : ان يفسر بما بعده من تمييز او بدل والاول فى باب رب كقول الشاعر.

ربّه فتية دعوت الى ما

٧٨٩ يورث المجد دائبا فاجابوا

وهذا الضمير مفرد مذكر دائما وان كان مخالفا لمفسره ، والثانى نحو قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ـ ٢١ / ٣ ، وليس الضمير راجعا الى الناس ، لان كلهم لم يكونوا اهل هذه النجوى ، ومنه قولهم : اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم ، وقول الشاعر.

قدا صبحت بقرقرى كوانسا

٧٩٠ فلا تلمه ان ينام البائسا

٥ ـ : ان يكون متصلا بفاعل فعل راجعا الى مفعوله المتاخر ، نحو ضرب اخوه زيدا ، وكما فى هذه الابيات.

ولو انّ مجدا اخلد الدهر واحدا

٧٩١ من الناس ابقى مجده الدهر مطعما

٤٧٨

وما نفعت اعماله المرء راجيا

٧٩٢ جزاء عليها من سوى من له الامر

كسا حلمه ذا الحلم اثواب سؤدد

٧٩٣ ورقّى نداه ذا الندى فى ذرا المجد

ولمّا عصى قومه مصعبا

٧٩٤ فادّاهم الكيل صاعا بصاع

وهذا فى ضرورة الشعر ، واما فى النثر فيجب تقديم المفعول ، كما فى قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) ـ ٢ / ١٢٤.

والمواضع التى تقدم فيها الضمير على مرجعه لفظا فقط ، وهو متاخر عنه فى الرتبة ، نحو فى داره زيد ، وفى داره قيام زيد ، وقولهم : فى اكفانه درج الميت ، ومنه قول الشاعر :

بمسعاته هلك الفتى او نجاته

، ونعم رجلا كان زيد ، نعم وتمييزه خبر كان ، ونحو هل افضل منك زيد ، ان قلنا زيد مبتدا مؤخر لا فاعل افضل ، وكذا قول الشاعر.

فخير نحن عند الناس منكم

٧٩٥ اذا الداعى المثوّب قال يالا

المسالة الخامسة

الاصل فى مرجع ضمير الغائب ان يكون اسما ملفوظا به ، وقد يكون فعلا باعتبار مصدره ، وقد يكون مفهوما من سياق الكلام قبله.

مثال الاول قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ـ ٥ / ٨ ، اى العدل اقرب لها ، وقوله : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) ـ ٤٠ / ٣٥ ، اى كبر ذلك الجدال.

مثال الثانى قوله تعالى : (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ، اى ان الحياة الا حياتنا الدنيا ، هذه الآية فى سورة الانعام والمؤمنون والجاثية ، ويفهم مرجع هى من الآيات المذكورة قبلها ، وقوله تعالى : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ، ) اى على تبليغ الرسالة ، وهذه الجملة فى عدة آيات ، ويفهم مرجع الضمير مما ذكر قبله وبعده ، وقوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ـ ٤ / ١٢٣ ،

٤٧٩

اى ليس اجر العمل بامانيكم الخ ، وهذا يفهم مما بعده ، وقوله تعالى : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) ـ ٦٩ / ٢٧ ، اى يقول الكافر يوم القيامة : يا ليت موتة الدنيا كانت قاضية بفنائى ابدا ولم ابعث ، يعلم ذلك مما بعد ومما قبل ، وقوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) ـ ٥٦ / ٨٣ ، (تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٥٦ / ٨٧ ، (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) ـ ٧٥ / ٢٦ ، مرجع ضميرها والذى فى بلغت فى الآيتين يعلم من سياق الكلام ، وهو روح المحتضر.

المسالة السادسة

اذا كان فاعل الفعل ومفعوله ضميرين لواحد وجب دخول لفطة نفس على المفعول الا فى باب ظن واخواتها وفقد وعدم ، فلا يقال : ابغضتنى ، بل ابغضت نفسى ، ونحو قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) ـ ١٨ / ٢٨ ، (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) ـ ٢ / ١٣٠ ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ـ ٢ / ٢٣١ ، (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) ـ ٣٣ / ٥٠ ، (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) ـ ٢٨ / ١٦ ، (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ـ ٢ / ٤٤ ، وشذ قول الشاعر :

قد بتّ احرسنى وحدى ويمنعنى

٧٩٦ صوت السباع به يضبحن والهام

وكذا ان كان الفعل ذا مفعولين ، نحو قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ـ ٣ / ٢٨ ، ومنه ما كان احد المفعولين نائبا عن الفاعل ، نحو قوله تعالى : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) ـ ٤ / ٨٤ ، وكذا ان كان العامل شبه الفعل ، نحو قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) ـ ١٨ / ٦ ، واما ان كان بواسطة الحرف جاز الوجهان ، اتيان لفظة نفس ، نحو قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ـ ٦ / ٥٤ ، (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) ـ ٤ / ١١١ ، (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) ـ ١٢ / ٧٧ ، (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ـ ٤ / ١٣٥ ، (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) ـ ١٧ / ٧ ، (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) ـ ٣٧ / ١١٣ ، وعدم

٤٨٠