علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

٣ ـ حيث

وهو ظرف مكان مبنى على الضم ، وجاز كسر آخره وفتحه ، وفى قراءة بعضهم (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٧ / ١٨٢ ، بكسر الثاء ومن العرب من يقول حوث ، ويتعلق بفعل مذكور قبله او بعده ، وقد يدخل عليه من الاسندائية ، نحو قوله : تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) ـ ٢ / ١٩١ ، (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ـ ٢ / ١٤٩ ، (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) ـ ٢٠ / ٦٩ ، (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ـ ٧ / ٢٧ ، (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) ـ ١٥ / ٦٥ ، (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) ـ ٥٩ / ٢.

هنا امور

١ ـ قد يخرج حيث من الظرفية ويقع مفعولا به كما فى قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ـ ٦ / ١٢٤ ، ومر بيانه فى باب اسم التفضيل فى المبحث الثانى والعشرين من المقصد الاول.

٢ ـ وقع فى حيث ندور كما فى هذه الابيات ، والبيان فى شرح الشواهد.

حيثما تستقم يقدّر لك الله

٧٣٤ نجاحا فى غابر الازمان

ونطعنهم تحت الحيا بعد ضربهم

٧٣٥ ببيض المواضى حيث لىّ العمائم

اما ترى حيث سهيل طالعا

٧٣٦ نجما يضئ كالشهاب لامعا

فشدّ ولم يفزع بيوتا كثيرة

٧٣٧ لدى حيث القت رحلها امّ قشعم

بحيث ناصى اللمم الكثاثا

٧٣٨ مور الكثيب فجرى وحاثا

انّ حيث استقرّ من انت راعي

٧٣٩ ه حمى فيه عزّة وامان

اذا ريدة من حيث ما نفحت له

٧٤٠ اتاه بريّاها خليل يواصله

امن ازديارك فى الدجى الرقباء

٧٤١ اذ حيث كنت من الظلام ضياء

٣ ـ لا يضاف وجوبا من الظروف الى الجملة الا اذ واذا وحيث ، وغيرها

٤٤١

يضاف اليها ولا تجب ، وياتى ذكر ذلك فى القسم الثالث.

٤ ـ منذ ومذ

وهما ان وقع بعدهما مفرد فحرفا جر قد مر ذكرهما فى مبحث معانى حروف الجر ، وان وقع بعدهما جمله فظرفان للزمان ، مبنيان على الضم والسكون ، مضافان اليها كاذ ، متعلقان بفعل مذكور قبلهما او بعدهما ، كما فى هذه الابيات.

ما زال مذ عقدت يداه ازاره

٧٤٢ فسما فادرك خمسة الاشبار

وما زلت ابغى المال مذ انا يافع

٧٤٣ وليدا وكهلا حين شبت وامردا

بدا الصبح فيها منذ فارقت مظلما

٧٤٤ فان ابت صار اللّيل ابيض ناصعا

ومعناهما عند الاضافة مدة حصول تلك الجملة ، واذا وقع بعدهما انّ فبفتح الهمزة لانهما مضافان والجملة فى تاويل المفرد ، نحو ما غششتك منذ انك صاحبى.

وقد يقع بعدهما مفرد مرفوع وهو لغة بعض العرب ، فالاحسن على قواعد الفن ان يكون فاعلا لكان التامة فيكون جملة ، كما هو الشان فى كثير من الموارد التى يكون فيها مرفوع واحد من دون فعل اسند اليه ، نحو ما رايت ابى مذ اسبوع ، اى مذ كان اسبوع ، وان شئت فقل ان اسبوع خبر ومذ منصوب محلا بدون الاضافة ، والتقدير : ما رايته زمانا هو اسبوع ، وقد اطنب بعضهم اطنابا فى بحث مذ ومند كالرضى فى شرح الكافية فى مبحث الظروف بما هو جدير بالرفض.

القسم الثالث

ما يضاف من الظروف الى المفرد والجملة.

١ ـ يوم

مثاله مضافا الى المفرد قوله تعالى : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ـ ٢ / ١١٣

٤٤٢

(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ـ ٩ / ٣ ، (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) ـ ١٩ / ٣٩ ، (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٤٢ / ٧ ، وفى هذه الامثلة اضيف يوم الى المصدر ، والى غيره نحو قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) ـ ٧ / ٥١ ، (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) ـ ٧ / ١٦٣.

ومثاله مضافا الى الجملة قوله تعالى : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) ـ ٢٦ / ٨٧ ، (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) ـ ٤٠ / ١٦ ، (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ـ ٥١ / ١٣ ، (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) ـ ٥٠ / ٤٢ ، (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) ـ ٣ / ١٦٦.

وهنا امور

١ ـ يوم ظرف متصرف ، فهو يعرب حسب العوامل ، نحو قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ـ ١ / ٤ ، (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ـ ٥ / ١١٩ ، (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ـ ٧ / ١٤ ، (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ـ ٢١ / ١٠٣ ، (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) ـ ٧٨ / ١٧ ، (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ـ ٥٢ / ٤٥ و ٤٦.

٢ ـ ان اضيف يوم الى الجملة فلا يحتاج الى رابط فيها لان نفس الاضافة رابطة كالاضافة الى المفرد ، ولكن لا باس باتيان الرابط تاكيدا للربط ، كما فى دعاء الوضوء : اللهم بيض وجهى يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهى يوم تبيض فيه الوجوه ، وقول الرضى فى مبحث الظروف فى شرح الكافية : وقد يقول العوام يوم تسود فيه الوجوه ونحو ذلك ، خلاف الادب لان الدعاء ماثور عن المعصوم عليه‌السلام ، فكان الرضى لتوغله فى النحو لم يطلع على الماثورات الحديثية ، مع انه جاء فى هذين البيتين.

وتسخن ليلة لا يستطيع

٧٤٥ نباحا بها الكلب الّا هريرا

٤٤٣

مضت سنة لعام ولدت فيه

٧٤٦ وعشر بعد ذاك وحجّتان

ويجب الربط ان لم يكن مضافا الى الجملة التالية ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) ـ ١٤ / ٤٢ ، (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ـ ٧٠ / ٤ ، (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ ،) ـ ٢ / ٢٥٤ ، وقد يحذف الرابط فى هذه الصورة للقرينة ، نحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ـ ٢ / ٤٨ ، اى فيه.

٣ ـ : قد يحذف الجملة التى اضيف اليها يوم ، وعوض عنها اذ ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ـ ٨٢ / ١٩ ، اى يوم لا تملك الخ ، (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ـ ٢٠ / ١٠٢ ، اى يوم ينفخ الخ ، (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) ـ ٢٣ / ١٠١ ، اى يوم نفخ الخ ، (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ـ ٣٧ / ٣٣ ، اى يوم هم مستسلمون.

والمشهور ان اذ تاكيد ليوم ، والتنوين عوض عن المضاف اليه المحذوف ، والمضاف فى الواقع هو يوم ، وكذا حين وغيره.

٢ ـ حين

وهو كيوم فى كل ما ذكرناه له.

مثاله مضافا الى المفرد قوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) ـ ٢٨ / ١٥ ، (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) ـ ٣٨ / ٣ ، (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) ـ ٣٩ / ٤٢.

ومثاله مضافا الى الجملة قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) ـ ١٦ / ٦ ، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) ـ ٢٦ / ٢١٨ ، (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ـ ٣٠ / ١٧ ، وكما فى البيتين.

انّ شرّ النّاس من يبسم لى

٧٤٧ حين القاه وان غبت شتم

٤٤٤

ولا خير فيمن لا يوطّن نفسه

٧٤٨ على نائبات الدهر حين تنوب

ومثاله مضافا الى الجملة المحذوفة قوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) ـ ٥٦ / ٨٤.

٣ ـ بعد

اعلم ان الجملة المضاف اليها فى تاويل المصدر كائنة ما كانت ، ولكن المشهود فى الكلام ان الظرف المضاف الى الجملة ان كان ظرفا للحدث الواقع فيها كما هو ظرف لمتعلقه كيوم وحين واذ وغيرها فليس على الجملة حرف مصدرى كما شاهدت فى الامثلة ، وان لم يكن ظرفا له اى للحدث الواقع فيها كبعد وقبل وجب تصديرها بحرف مصدرى.

مثاله قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ـ ٢ / ١٨١ ، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) ـ ٣ / ١٠٥ ، (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) ـ ١٢ / ١٠٠ ، (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) ـ ٢١ / ٥٧ ، (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) ـ ٩٨ / ٤ ، واما نحو قوله تعالى : (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) ـ ٣٤ / ٣٢ ، فان بعد مضاف الى اذ وهو مضاف الى الجملة ، ولا باس باضافة الزمان الى الزمان لكونهما مختلفين ، وهذا من قبيل اضافة بعد الى المفرد.

ومثاله مضافا الى المفرد قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٢ / ١٧٨ ، (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ـ ٢ / ٥٦ ، (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) ـ ٣ / ٨٦ ، (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ـ ٤ / ١٦٥.

ومن الداخلة على بعد ابتدائية ، ومر فى التقسيم الرابع ان بعض الظروف ومنها بعد يقطع عن الاضافة فيبنى على الضم ، والبناء قرينة على حذف المضاف اليه ،

٤٤٥

لان تلك الظروف معربة فى الاصل.

٤ ـ قبل

وهو كبعد فى جميع ما ذكرناه له.

مثال اضافته الى المفرد قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ـ ٤ / ١٥٩ ، (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) ـ ١١ / ٦٢ ، (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) ـ ١٢ / ٧٦.

ومثاله مضافا الى الجملة قوله تعالى : (قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) ـ ٧ / ١٢٩ ، (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) ـ ١٨ / ١٠٩ ، (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) ـ ٣٩ / ٥٤ ،.

خاتمة فيها امور

الامر الاول : قس على ما ذكرنا من الظروف ما لم نذكر منها ، فانها كثيرة لا حاجة الى ذكر جميعها مع ان اكثرها ليس له احكام خاصة ، ومن الظروف ما هو مبنى فى الاصل ، والذى فى نظرى الآن منها : الآن ، امس ، حيث ، ثمّ ، هنا ، قط ، عوض ، مذ ومنذ ، بينا وبينما ، اذ ، لدن ولدى ، والظروف التى لها معنى الشرط والاستفهام ، وياتى فى مبحثهما فى المقصد الثالث ، ومر تقسيم الظرف المعرب الى المتصرف وغير المتصرف.

ومن الظروف التى يكثر دورها فى الكلام اسماء الجهات الست ، وهى فوق وعلو واعلى وعالى ، تحت وسافل واسفل ودون وسفل وسفلى ، يمين وميمنة ، يسار وشمال وميسرة ، امام وقدّام وتجاه وازاء وحذاء ، خلف ووراء.

الامر الثانى : من الظروف ما هو تاكيد فى الكلام لا تاسيس ، لان معناه يفهم

٤٤٦

من متعلقه ، نحو قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ـ ١٧ / ١ ، فان الاسراء هو التسيير فى الليل فليلا تاكيد ، (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) ـ ٤٨ / ٢٣ ، فان من قبل يفهم من خلت ، فهو تاكيد ، وهذا ليس تاكيدا نحويّا لانه احد التوابع وياتى ذكره فى مبحثها.

ومن الظروف ما هو تاكيد نحوى ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) ـ ٣٠ / ٤٩ ، من قبله تاكيد للاول ، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) ـ ٣٠ / ١٤.

الامر الثالث : ان الظروف المضافة الى اذ والى الجملة ان كانت معربة فى الاصل يجوز بناؤها على الفتح ، ولكنه خلاف الاصل ، نظير اضافة غير ومثل ان اضيفا الى الجملة المصدرة بحرف مصدرى ، ومر من ذلك شىء فى الفصل الخامس من المبحث الاول ، ومنه ما فى هذا البيت.

على حين عاتبت المشيب على الصبا

٧٤٩ فقلت المّا تصح والشيب وازع

الامر الرابع : من الظروف ما يدخل عليه حرف الجر ، وان كان مبنيا او غير متصرف ، منها قبل وبعد وعند ولدن ولدى ومتى واين وهنا وثم وحيث واذا والآن واسماء الجهات الست ، وما يدخل عليها من الحروف من وعن وعلى والى وحتى.

الامر الخامس : من الظروف قط وعوض ، وياتى ذكرهما فى المبحث الخامس عشر من المقصد الثالث ، ومنها ثمّ وهنا ، وياتى ذكرهما فى المبحث الخامس ، ومنها عن وعلى ، وياتى ذكرهما فى خاتمة الكتاب.

٤٤٧

المبحث الرابع

فى الظرف والجار والمجرور ، ويقال الظرف للثانى تشبيها بالاول لجامع لزوم التعلق بالحدث ، ويقال لكل منهما شبه الجملة لوقوعهما محل الجملة على ما ياتى بيانه فى المبحث التاسع ولانه ان قدر متعلقه فعلا فجملة فى التقدير : وفى هذا المبحث فصول.

الفصل الاول

ان متعلقهما بفتح اللام اما فعل او مصدر او مشتق او جامد مؤول بالمشتق فى المعنى.

مثال الفعل قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ـ ١ / ٧ ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ـ ١١٤ / ١ ، (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ـ ٩٧ / ١ ، (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) ـ ٩٦ / ٢ ، (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ـ ١٠٧ / ٣.

مثال المصدر قوله تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ـ ٩٧ / ٥ ، (حَتَّى) متعلقة ب (سَلامٌ ،) اى هى سالمة حتى مطلع الفجر ، (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ـ ٤٣ / ٨٤ ، فى متعلقة بالاه وهو بمعنى معبود ، والمجموع خبر لمبتدا محذوف هو عائد الموصول ، والتقدير : وهو الذى هو فى السماء الاه وهو فى الارض

٤٤٨

الاه ، وقول الشاعر.

واشتعل المبيضّ فى مسودّه

٧٥٠ مثل اشتعال النار فى جزل الغضى

مثال المشتق قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ـ ١ / ٧ ، (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ـ ١٠٧ / ٤ ـ ٥ ، (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) ـ ١٠٤ / ٨ ، (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ـ ٩ / ١٢٨ ، وقول الشاعر :

انا البازى المطلّ على نمير

٧٥١ اتيح من السماء لها الضبابا

مثال الجامد المؤول بالمشتق ما فى هذين البيتين.

اسد علىّ وفى الحروب نعامة

٧٥٢ فتخاء تنفر من صفير الصافر

وانّ لسانى شهدة يشتفى بها

٧٥٣ وهوّ على من صبّه الله علقم

وهذا كثير فى كلامهم ، نحو فلان اب لى ، اى عطوف رؤوف بى ، وليس منه قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) ـ ٦ / ٣ ، لان لفظ الجلالة كان مشتقا فى الاصل ، والتعلق باعتبار معناه الاصلى ولا قول الشاعر :

ونعم مزكا من ضاقت مذاهبه

٧٥٤ ونعم من هو فى سرّ واعلان

ومثال الظرف من هذه الاربعة.

١ ـ : قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) ـ ٢ / ١١٠ ، (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) ـ ٩ / ٧٤ ، (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ـ ٤٨ / ١٨.

٢ ـ : قوله تعالى : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ـ ٩٨ / ٨ ، (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ـ ٣ / ٨٠ ، بعد متعلق بالكفر ، ويحتمل تعلقه بيامر ، (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) ـ ٤٩ / ١١ ، وقول الشاعر :

اكفرا بعد ردّ الموت عنّى

٧٥٥ وبعد عطائك المائة الرتاعا

٣ ـ : قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) ـ ٦ / ١٨ ،

٤٤٩

(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) ـ ١٧ / ٥٨.

٤ ـ : قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) ـ ٣ / ١٦٣ ، اى متفاضلون ، وكما فى هذين البيتين.

انا ابو المنهال بعض الاحيان

٧٥٦ ليس علىّ حسبى بصوّان

انا ابن ماريّة اذ جدّ النّقر

٧٥٧ وجاءت الخيل اثابىّ زمر

وهنا امور

الامر الاول

ان المراد بالظرف هنا ما هو ظرف لحدث ما ، وهو اعم من المفعول فيه من وجه واخص منه من وجه ، لانه يقع غير المفعول فيه ، نحو قوله تعالى : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ـ ٨ / ٤٢ ، فان اسفل خبر ، (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ـ ٥ / ٤٨ ، فان بين يديه صلة للموصول ، (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) ـ ٦٦ / ١٠ ، فان تحت خبر لكانتا.

ويقع المفعول فيه غير الظرف ، نحو سافرت طلوع الشمس ، ويجتمعان معا ، نحو قوله تعالى : (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) ـ ٧٨ / ١٢ ، واما الظرف المجرور بالحرف فهو داخل فى قبيل الجار والمجرور ، ومر بيان هذا المطلب فى المبحث العاشر من المقصد الاول.

الامر الثانى

الحق جواز تعلقهما بالافعال الناقصة والجامدة ، اذ يكفى لتعلقهما رائحة الحدث ، وهى لا تخلو منها ، نحو قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ـ ٣٨ / ٧٤ ، (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ٢ / ١٣٥ ، (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ـ ٣ / ١٤٥ ، (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ ، لَهُما) ـ ١٨

٤٥٠

ـ ٨٢ ، (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٣ / ١٦٤ ، (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) ـ ١٠١ / ٥ ، (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ـ ٥ / ٣٠ ، (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) ـ ٢٢ / ٥٥ ، (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) ـ ٥ / ١١٧ ، (عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) ـ ٣٦ / ٣٩ ، (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) ـ ١٨ / ٥٠ ، (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) ـ ١٠ / ٢ ، وكقول الشاعر.

ونعم مزكا من ضاقت مذاهبه

٧٥٨ ونعم من هو فى سرّ واعلان

ان قلت : ان كان كالعهن المنفوش مثلا متعلقا بتكون فاين خبرها ، فالتقدير : تكون الجبال كائنة كالعهن المنفوش ، قلت : هذا تقدير لا يحتاج اليه المعنى ولا يفهمه اهل اللسان ، فما بال الموجود لا يغنى عن المعدوم حتى يحتاج الى التقدير ، وما بالهم يقولون : ان كالعهن المنفوش مثلا خبر لتكون ، وليس متعلقا بها مع ان المعمولية اخص من التعلق واينما وجد الاخص وجد الاعم ، فليكن متعلقا وخبرا ، فالحق ما قلنا وفاقا للاكثر كما يظهر من ابن هشام فى ثالث المغنى.

الامر الثالث

هل يتعلقان بالحرف ام لا ، فالحق انه لا ، لان الحرف لا يتم امر معناه الا بغيره الذى يتعلق به فما فرض متعلقا به فهو متعلق به ، وذكر ابن هشام فى ثالث المغنى ان منهم من زعم ذلك فى موارد ، ونحن نذكرها ونقول ما عليها.

١ ـ : قال ابو على وابو الفتح فى يا لزيد : ان اللام متعلقة بحرف النداء ، بل قالا فى يا عبد الله : ان نصب الاسم بحرف النداء ، وياتى تفصيل ذلك فى مبحث حرف النداء فى المقصد الثالث.

٢ ـ : قال بعضهم ان الظرف فى هذا البيت متعلق بحرف النفى.

وما سعاد غداة البين اذ رحلوا

٧٥٩ الّا اغنّ غضيض الطرف مكحول

٣ ـ : قوله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ـ

٤٥١

٦٨ / ١ ـ ٢ ، ان الظرف حال للمبتدا ، اى ما انت مع نعمة ربك مجنون ، والنعمة هى الرسالة ، وليس متعلقا بحرف النفى لما قلنا ، ولا بمجنون كما قيل ، اذ لو علق به يفيد نفى جنون خاص ، وهو الجنون المقيد بنعمة ربك ، ولا يعقل جنون يحصل بسبب نعمة الرسالة.

٤ ـ : قال ابن الحاجب فى قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ـ ٤٣ / ٣٩ : اذ بدل من اليوم ، واليوم اما ظرف للنفع المنفى واما لمعنى النفى فى لن.

اقول : اليوم متعلق بلن ينفع ، لا بلن وحدها ولا بالفعل وحده ، فلا يصح الترديد ، ثم ان قوله : اذ بدل من اليوم خطا ، لاختلاف زمنى الفعلين ، لان عدم النفع لهم فى الآخرة ، وظلمهم فى الدنيا ، فاذ فى الآية ليس ظرفا ، بل اداة تعليل ياتى بيانها فى المبحث الثانى عشر من المقصد الثالث.

الامر الرابع

مما اشتهر بينهم ان الظرف يعمل فيه رائحة الفعل بخلاف سائر المعمولات ، فلذا يعمل فيه المصغر كقول بعضهم : اظننى مرتحلا وسويرا فرسخا ، ويعمل فيه اسم المكان كقوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٣ / ١٨٨ ، الظاهر ان مفازة اسم مكان ومن العذاب متعلق بها.

الفصل الثانى

الفعل اى الحدث اما عام واما خاص ، والعام هو الكون والوجود والحصول والثبوت والاستقرار بمعنى الثبوت ، وانما يقال لها العام لانها معنى واحد يعم جميع الافعال بل جميع الاشياء ، وغيرها ليس كذلك ، ولكن يرد السؤال فى الافعال التى معناها العدم ، كعدم وانعدم ونفى وانتفى وزال وفنى وانتفى وغيرها ، لانها تقابل

٤٥٢

الكون فليس شاملا لها ، فلا بدان يقال : انه عام لغيرها او ان لها كونا ذهنيا ، ثم يجب حذف المتعلق ان كان من افعال العموم فى اربعة مواضع.

الموضع الاول ان يقع الظرف خبرا ، نحو قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ـ ١ / ١ ، (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٢ / ٢ ، (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) ـ ٦٧ / ٢٦ ، (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ـ ٤٨ / ١٠ ، وقد لا يحذف وهو قليل ، نحو قوله تعالى : (أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) ـ ٣٧ / ١٤٣ ، (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) ـ ٢٧ / ٤٠ ، وكقول الشاعر.

لك العزّ ان مولاك عزّ وان يهن

٧٦٠ فانت لدى بحبوحة الهون كائن

الموضع الثانى ان يقع صلة ، نحو قوله تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) ـ ٢١ / ١٩ ، (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) ـ ١٦ / ٩٦ ،(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) ـ ٢٠ / ٦ ،.

الموضع الثالث ان يقع نعتا ، وذلك ان كان الموصوف نكرة ، والا فهو حال كما ياتى ، نحو قوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) ـ ٣ / ٩٦ ، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) ـ ٢ / ١٤٠ ، عنده ومن الله نعتان للشهادة.

الموضع الرابع ان يقع حالا ، نحو قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) ـ ٢٨ / ٧٩ ،(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ) ـ ٦٧ / ١٩ ، (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) ـ ٥٤ / ١٢ ،(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) ـ ٥٤ / ٢٥ ، من بيننا حال لضمير عليه ، ويجب الحذف فى ثلاثة مواضع والمتعلق من افعال الخصوص : باب الاشتغال ، ومر فى المبحث السادس عشر من المقصد الاول ، وفى القسم بغير الباء ، وياتى فى المبحث الرابع عشر من المقصد الثالث ، وفى الامثال وشبهها ، وشبه المثل نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم حوالينا لا علينا ، اى انزل المطر فى حوالينا لا علينا ، وقولهم : بالخير والسلامة لمن اراد السفر ، اى تسافر بهما ، وبالرفاء والبنين لمن اعرس ، اى اعرست بهما ، وامثال ذلك كثير فى الدعاء.

٤٥٣

الموارد السماعية

من حذف المتعلق موارد غير مندرجة تحت ضابط ، منها.

١ ـ : قوله تعالى : (كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) ـ ٢ / ١٩ ، اى نازل منها.

٢ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) ـ ٢ / ١٧٨ ، اى الحر يقاص بالحر الخ ، ومثلها قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) ـ ٥ / ٤٥.

٣ ـ : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) ـ ٥٥ / ٥ ، اى يجريان بحسبان ، اويد خلان منازلهما بحسبان.

تنبيه

ينظر فى تقدير المتعلق المحذوف من نواح ثلاث.

١ ـ : هل يقدر فعل او مشتق؟ لا خلاف فى تعين الفعل فى بابى القسم والصلة ، لان القسم والصلة لا يكونان الاجملتين ، واما فى غيرهما فلا فرق بينهما ، ولكن يجب رعاية القوانين ، فان قدر الفعل فالظرف جملة فى التقدير ، والا فهو مفرد.

٢ ـ : المقدر ان كان من افعال العموم وكان محذوفا كما هو الاصل فالظرف حاو لمعناه ، فيقال له الظرف المستقر ، اى معنى متعلقه استقر فيه ، وذلك لما قلنا من ان معنى الكون حاصل فى جميع الاشياء ، وان كان مذكورا عاما كان او خاصا فالظرف لغو ، اى خال من معنى متعلقه لانه مذكور بنفسه ، وكذا يقال له الظرف اللغو ان كان خاصا ومحذوفا اذ لا يدل الظرف على الخاص ، والدال عليه هو القرينة.

٤٥٤

٣ ـ : هل يقدر المتعلق المحذوف قبل الظرف او بعده ، فالاصل ان يقدر قبله كما هو الشان فى الفعل بالنسبة الى جميع متعلقاته ، وقد يعرض ما يرحج تقديره مؤخرا ، نحو فى الدار زيد ، فالتقدير : فى الدار زيد كائن ، لان الاصل فى الخبر تاخيره عن المبتدا ، او يوجب تقديره مؤخرا ، نحو خرجت فاذا بالباب ابوك ، فان قدرت المتعلق فعلا وجب ان يؤخر ويقال : فاذا بالباب ابوك يقف ، لان اذا الفجائية لا يليها الجملة الفعلية.

تنبيه آخر

اذا وقع بعد الظرف مرفوع نحو (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) ـ ٥٣ / ١٥ ، (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) ـ ٣٩ / ١٦ ، (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) ـ ٢٣ / ٦٢ ، فان قدرت فعلا مقدما على المرفوع فالجملة فعلية ، وان قدرت فعلا او وصفا مؤخرا عنه فالجملة اسمية ، ويجب رعاية التطابق مع المبتدا ، وان قدرت وصفا مقدما عليه على ان يكون خبرا وجب التطابق ايضا ، واما على ان يكون الوصف مبتدا والمرفوع بعده فاعلا سادا مسد الخبر فلا يجوز الا ان يعتمد على احد السبعة التى مر بيانها فى المبحث الثانى والعشرين فى المقصد الاول ، نحو قوله تعالى : (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) ـ ٦ / ٥٧ ، (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) ـ ٥٣ / ٣٥ ، (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ـ ٩٨ / ٢ ـ ٣ ، (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ـ ٤٦ / ١٥ ، (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) ـ ٥٧ / ٢٥ ، وقولك : يا داخلا فى الدنيا الخداعة اخرج نفسك منها ، رب عامل للخير بلا نية صالحة فلا ينفعه ، ورب عامل للشر مع نية حسنة فلا تنفعه اذ لا عمل الا بالنية ولا نية الا بالسنة.

ثم عامل الظرف على جميع الفروض هو المتعلق المحذوف ، واما المرفوع بعده فان فرض مبتدا فعامله الابتداء ، وان فرض فاعلا فعامله المتعلق المحذوف ايضا ، وقال ابن هشام فى ثالث المغنى : ان العامل فيه هو الظرف ، وذلك باعتبار اشتماله

٤٥٥

على معنى متعلقه ان كان عاما ، فالمآل واحد.

الفصل الثالث

يستثنى من قولنا : لابد لحرف الجر من متعلق مواضع.

الاول الحرف الزائد نحو ما فى الدار من احد ، لان الزائد يؤتى به لتاكيد الكلام لا لربط الحدث لان الربط حاصل بدونه فلا تعلق له بالحدث ، وياتى ذكر حروف الزيادة فى الخاتمة.

الثانى لعل فى لغة عقيل ، اذ هو فى حكم الناصب فى لغة غيرهم ، ومر ذكرها فى مبحث معانى حروف الجر.

الثالث رب ، لانها مع مجرورها فى حكم اسم واحد فى مقام المبتدا او المفعول وقد مر ذكرها هناك.

الرابع : لولاى ولولاك ولولاه ، وفى الحديث لولاك لما خلقت الافلاك ، قال سيبويه : ان الضمير مجرور بلولا ، فان كان كذلك فهو كلعل فى لغة عقيل ، وياتى تفصيله فى باب الضمائر.

الخامس : خلا وعدا وحاشا ، وياتى ذكرها فى مبحث ادوات الاستثناء فى المقصد الثالث.

الفصل الرابع

قد دار على السنة النحاة : يتسع فى الظروف ما لا يتسع فى غيرها ، ومرادهم انه يجوز فيها ما لا يجوز فى غيرها من المعمولات ، واورد ابن هشام ذلك فى ثامن المغنى فى القاعدة التاسعة ، ونحن نذكر من ذلك امثلة.

الاول : جواز تقدمه على المبتدا مطلقا ان كان خبرا ، سواء اكان المبتدا نكرة ام معرفة ، وسواء اكان اسم ناسخ ام لا ، بخلاف غيره ، فان تقدمه ممتنع او مشروط : وقد مر تفصيله فى

٤٥٦

مبحث المبتدا والخبر ومبحث النواسخ فى المقصد الاول.

الثانى : جواز تقدمه على معمولى النواسخ وتوسطه بينهما ، وقد مر ذلك فى مبحث النواسخ بخلاف غيره ، ومن ذلك قول الشاعر.

فلا تلحنى فيها فانّ بحبّها

٧٦١ اخاك مصاب القلب جمّ بلابله

الثالث : فصله بين فعل التعجب ومعموله ، نحو قول على عليه‌السلام : ما احسن بالانسان ان يصبر عما يشته وان لا يشته ما لا ينبغى ، وقولهم : ما احسن فى الهيجاء لقاءك ، وما ارسخ عند الحرب قدمك.

الرابع : فصله بين حرف الاستفهام والمستفهم عنه كقول الشاعر :

ابعد بعد تقول الدار جامعة

٧٦٢ شملى بهم ام تقول البعد محتوما

الخامس : تقدمه على عامله الموصول بال ، نحو قوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) ـ ١٢ / ٢٠.

السادس : تقدمه على عامله المنفى بما ، نحو قول الشاعر :

ونحن عن فضلك ما استغنينا

٧٦٣ فثبّت الاقدام ان لا قينا

السابع : تقدمه على عامله الذى يجب حذفه ، نحو قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ،) فان عامله كائن المقدر.

٣ ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام : قال : قام عيسى بن مريم عليه‌السلام خطيبا فى بنى اسرائيل ، فقال يا بنى اسرائيل لا تحدّثوا الجهّال بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها اهلها فتظلموهم.

٤٥٧

المبحث الخامس

فى النكرة والمعرفة.

اعلم ان الاسم اذا وضع لفرد معين اختص به ويقال له العلم ، اى هو علامة لذلك الفرد ، ولا يصح ان يطلق على غيره بهذا الوضع ، والعلم يكون لكل شىء ولا ينحصر فى افراد الانسان ، فان لفظ الله علم للمبدا تعالى ، وجبرئيل علم لملك الرسالة ، ومريخ علم لكوكب سيار ، وابليس علم لابى الشياطين ، وحراء علم لجبل بمكة ، وفرات علم لنهر عظيم فى العراق ، وهكذا اعلام الاناسى والبلاد والقبائل وكثير من الدواب والجبال والاراضى وغيرها ، وان لم يوضع لفرد معين ، بل وضع لمعنى عام فهو اسم الجنس.

ثم ان اسم الجنس قسمان : قسم يحصل لمعناه عند التركيب جهة تعين وتعرف مخصوص فهو سائر اقسام المعرفة غير العلم ، وقسم لا يحصل له ذلك ، فهو نكرة فالفرق بينها وبين العلم ان تعين العلم للفرد بالوضع ، وتعين سائر المعارف بالاستعمال عند تركيب الكلام وياتى بيان جهة تعين كل منها عند ذكره.

والمعرفة بدلالة التتبع والاستقراء على اقسام سبعة : العلم ، الضمير ، الموصول ، اسم الاشارة ، المصدر بال ، المضاف الى احد هذه الخمسة ، والنكرة المقصودة بالنداء ، وذكر الاخير ياتى فى مبحث حروف النداء فى المقصد الثالث ، وذكر المضاف مضى فى مبحثه ، ونفتح للخمس الباقية ابوابا خمسة فى هذا المبحث ، ونذكر احكام كل منها فى

٤٥٨

بابه.

ولا يخفى ان مقسم المعرفة والنكرة وكذا اسم الجنس واسم العلم انما هو الاسم ، والفعل والحرف والجملة وشبه الجملة خارجة عن هذا الطراز ، ولكن يعامل بالجملة وشبهها معاملة النكرة ، فلذا يوصف النكرة بكل منهما ، ويؤتى بها للمعرفة حالا ، وقد يجعل الجملة علما على ما يجئ ذكره.

الباب الاول

فى العلم ، وجهة تعريفه هى تعينه بالوضع ، وفى هذا الباب مسائل.

المسالة الاولى

العلم اما مرتجل او منقول او بالغلبة.

العلم المرتجل هو ما لم يوضع قبل علميته لشئ آخر ، بل الواضع ارتجل اى اخترع فى ذهنه لفظا ووضع لشئ بعينه ، كادم وهابيل وقابيل وشيث ، فان الظاهر انها لم تكن اسماء لاشياء قبلهم ، وكذا سائر الاشياء التى شاهدها الانسان فى اول امره كزحل ومريخ وغيرهما من الكواكب ، وكبعض الاسماء التى يضعها اصحاب الاختراع لمخترعاتهم ، وذكروا فى كتب النحو من المرتجل ادد علم رجل ، وسعاد علم امرة ، وعلى كل فالمرتجل قليل ، واكثر الاعلام منقول.

ومن المرتجل ما غير حروفه بالتعريب كقرميسين معرب كرمانشاه ، او ركب من لفظين او اكثر من دون سبق وضع للمركب وان كان لكل جزء منه وضع سابق كبعلبك لبلد قريب من الشام.

ومنه ما لم يسبقه استعمال اسما ، كيحيى ، قال تعالى : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) ـ ١٩ / ٧ ، وكان يستعمل يحيى عند العرب فعلا ، او لم يسبقه استعمال علما ، فهو مرتجل فى العلمية كحسن وحسين علمان لابنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد

٤٥٩

جاء فى الآثار انه لم يسم بهما قبلهما احد ، وكانا يستعملان عند العرب وصفين ، ونقل بعضهم : حسين على وزن شريف علما لرجل من العرب.

ثم ان الارتجال ياتى فى غير العلم من اسماء الاجناس لان الارتجال مقدم على النقل ، والبشر اول ما واجه الاشياء اخترع لها الفاظا وسماها بها اجناسها ، ثم جرى النقل فيها.

والعلم المنقول : هو ما وضع لجنس ثم يسمى به شخص ، نحو طلحة ، فانها اسم الشجرة الكبيرة ، ثم سمى بها رجل ، وجعفر اسم للنهر ، فسمى به رجل ، وجابر ومحمود واحمد وباقر وعباس وغيرها من المشتقات ، فانها وضعت لمعان كلية ذات افراد كثيرة ، ثم سمى بها اشخاص ، ويمكن الانعكاس بان يوضع ما هو علم اولا لجنس.

ويعتبر فى النقل اختلاف المنقول منه والمنقول اليه بالشخصية والجنسية كما قلنا ، فان سمى شخص بحامد مثلا ثم سمى شخص آخر به ، او وضع لفظ العين مثلا للباصرة ثم وضع للجارية فليس ذلك من النقل ، بل هو اشتراك فى الاسم ، سواء اهجر المعنى الاول فى الاستعمال ام لم يهجر.

والعلم بالغلبة : هو ما يطلق على الشخص باعتبار انه احد الافراد ، ثم اشتهر به لكثرة الاستعمال بحيث لا يخطر بالبال سواه اذا اطلق كالمدينة ، فان اسمها كان يثرب ، فلما هاجر اليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال المسلمون : مدينة النبى انتسابا وتشريفا مع ان مكة ايضا مدينته ، ثم صارت علما لها لكثرة الاستعمال ، فحذفوا الانتساب والاضافة وقالوا : المدينة ، وكواسط ، فانه بلد بين البصرة والكوفة ، منه الى كل منهما خمسون فرسخا ، فاول ما بنى بانيها قيل له واسط وصفا لتوسطه بينهما ، ثم صار له علما ، وابن عباس ، كان يقال لعبد الله اولا باعتبار انه واحد من ولد العباس ، ثم اشتهر به بحيث اذا اطلق انصرف الذهن اليه دون غيره من ولده ، وكذا ابن عمر ينصرف الى عبد الله بن عمر لما ذكرنا ، والمصحف للقرآن ، وامام النحاة كان ينصرف عند البصرية الى سيبويه وعند الكوفية الى الكسائى ، وغير ذلك.

ومنها اعلام القبائل فانها كانت اسماء اصولها ، ثم حذف المضافات ، وصارت

٤٦٠