علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

باب لا التبرئة ، ومبحث حروف النداء فى المقصد الثالث.

الخامس : اذا حذف احد المتضائفين يقال لتلك الاضافة : المقدرة ، لان الاضافة نسبة قائمة بالطرفين ، فاذا كان احدهما مقدرا فالاضافة ايضا مقدرة ، وفى قبالها الاضافة الظاهرة ، وهى فيما ذكر الطرفان ، وقد مر ذكر الحذف فى الفصل التاسع والعاشر والحادى عشر ، ويكثر حذف ياء المتكلم اذا وقعت مضافا اليها ، ومر فى الفصل السابع وياتى ذكرها فى باب الضمائر من مبحث النكرة والمعرفة.

السادس : يجوز اضافة الجمع الى المثنى ويراد به المثنى ان امن اللبس ، وهذا افصح لئلا يجتمع المثنيان ، نحو قوله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) ـ ٦٦ / ٤ ، ومن المعلوم ان لكل واحدة منهما قلبا واحدا ، فالمراد قلبا كما ، وقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ـ ٥ / ٣٨ ، والمراد يديهما ، والقرينة بيان الشارع ، وكذا يجوز اضافة المفرد اليه وارادة المثنى نحو قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ـ ٤ / ١١ ، كما يجوز على الاصل ، نحو قولك لابويك : حفظ الله رأسيكما وطيب قلبيكما.

السابع : اذا اضيف اسم الى الجملة يكتسب التخصيص لا محالة ، نحو (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) ـ ٣ / ١٠٦ ، وياتى ذكر الجملة المضاف اليها فى مبحث الجمل.

الثامن : قد يضاف العلم ، وياتى ذكره فى مبحث المعارف ، ولا يضاف غير العلم من المعارف ابدا ، الا الوصف المحلى بال على ما مر بيانه فى الفصل السابق.

التاسع : لا يضاف الاسم الى مرادفه ، فلا يقال : ليث الاسد ، انسان البشر ، لان المضاف يتقيد بالمضاف اليه من جهة المعنى ، والمعنى الواحد لا يتقيد بنفسه ، فان رايت من ذلك شيئا فالاعتبار متعدد ، وياتى من ذلك شىء فى باب العلم.

العاشر : المشهور ان المضاف اليه ما مر ذكره ، وهو المجرور بالاسم الداخل عليه ، ولكن ابن الحاجب فى الكافية تبعا لسيبويه جعله اعم حيث قال : والمضاف اليه كل اسم نسب اليه شىء بواسطة حرف جر لفظا او تقديرا ، والمنصوب بنزع الخافض يشمله

٣٦١

ايضا هذا الحد ، ولا باس به نظرا الى اللغة لان الاضافة فى اللغة هى النسبة ، وكل مجرور قد نسب اليه معنى اسمى او فعلى ، بل هذا حال كل جزء من الكلام ، والفصل المميز هو قوله : بواسطة حرف جر لفظا او تقديرا ، ولا يخفى ان هذا الحد لا يشمل المضاف اليه بالاضافة اللفظية ، اذ ليس اضافة الوصف الى معموله بتقدير حرف الجر ، اللهم الا ان يقال : يقدر لام التقوية ، فان قولك : ضارب زيد بمنزله ضارب لزيد ، ولكن لا يتاتى هذا فى اضافة الوصف الى الفاعل ، نحو زيد قائم الاب.

الفصل الرابع عشر

فى اضافات غريبة اختلفوا فيها.

الاول اضافة المسمى الى الاسم ، نحو سعيد كرز ، شهر رجب ، يوم الخميس ، علم الحساب ، عيد الفطر ، حبل الوريد ، شجر الزقوم ، كوكب الزهرة ، ارض البطحاء وامثال ذلك ، ومرادهم منها ان المضاف اليه اسم للمضاف وهما شىء واحد ، فالمراد من شهر رجب مثلا : شهر مسمى برجب وكذا غيره.

الثانى اضافة المؤكد الى المؤكد ، وهى نحو اضافة الزمان الى اذ المقطوعة عما تضاف اليه ، كيومئذ ونظائرها ، فان اذ تاكيد ليوم لانهما زمان واحد للجملة المحذوفة ، وقيل من ذلك قول الشاعر :

فقلت انجوا عنها نجا الجلد انّه

٥٩٩ سير ضيكما منها سنام وغاربه

الثالث اضافة الاسم المعتبر الى الملغى وبالعكس ، والمراد بالملغى ما ان حذف لم يختل المعنى كما فى هذه الابيات.

ولو بلغت عوّى السماء قبيلة

٦٠٠ لزادت عليها نهشل وتعلّت

اقام ببغداد العراق وشوقه

٦٠١ لاهل دمشق الشام شوق مبرّح

الى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

٦٠٢ ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

ما هاج شوقك من هديل حمامة

٦٠٣ تدعو على فنن الغصون حماما

٣٦٢

الرابع اضافة الموصوف الى الصفة ، نحو مسجد الجامع ، دار الاخرة ، جانب الغربى ، صلاة الاولى ، حب الحصيد ، اذن خير ، علم اليقين ، فان الموصوف والصفة شىء واحد ، وتقدير الكلام : مسجد يوصف بالجامع ، وكذا غيره.

الخامس اضافة الموصوف نائبا عن الصفة كما فى البيتين.

علا زيدنا يوم النقا راس زيدكم

٦٠٤ بابيض ماضى الشفرتين يمانى

يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

٦٠٥ وزيد دارىّ الفلاة المجهل

ثم قال فريق : ان هذه الاضافات معنوية اذ ليست من اضافة الوصف الى معموله ، وقال فريق : انها لفظية ، اذهى فى تقدير الانفصال ، لان المعنى لا يستقيم الا بتكلف التقديرات المذكورة ، وقال ابن مالك على ما نقل السيد شارح الصمدية : انها واسطة بينهما مع قوله بالتاويل كما صرح به فى الفيته بقوله.

ولا يضاف اسم لما به اتّحد

٦٠٦ معنى فاوّل موهما اذا ورد

اقول : القسم الخامس من قبيل اضافة العلم ، وياتى بيانها فى المبحث الخامس ، والاضافة فى البواقى بمعنى من ، فراجع ، فالحق هو القول الاول ، ولا حاجة الى تكلف تلك التقديرات.

تنبيه

حصل من جميع ما ذكرنا ان الاضافة قسمان : مفيدة التعريف ومفيدة التخصيص ، ولا واسطة بينهما ، واضافة الوصف الى معموله ليست الا مفيدة التخصيص ، ولا يقدر فيها حرف بين المضاف والمضاف اليه ، ولا باس ان قدرت لام التقوية ، فان قولك : انا ناصرك وانا ناصر لك واحد وسائغ استعمالهما ، وغير ذلك من الاضافات يفيد التخصيص ان كان المضاف اليه نكرة ، ويفيد التعريف ان كان معرفة الا ان يكون المضاف متوغلا فى الابهام كغير ومثل فلا يتعرف ، ولكن يتخصص ، وتقدير الحرف فى اضافة غير الوصف لا ينحصر فى من وفى واللام ، بل امكن ان يقدر

٣٦٣

غيرها بالمناسبة ، نحو قولك : سماؤنا شفيفة وسماؤكم كدرة ، اى السماء علينا والسماء عليكم ، فانظر.

الفصل الخامس عشر

فى اضافة كلمة ذو وفروعها ، فان لها وجوها وخصائص لا يخلو ذكرها من الفائدة.

الوجه الاول اضافتها الى المصدر ، وهذا استعمالها الشائع الكثير ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ـ ٢ / ٢٨٠ ، (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ـ ٦٥ / ٢ ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) ـ ٢٧ / ٦٠ ،

الوجه الثانى اضافتها الى اسم الذات ، نحو قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) ـ ٨٥ / ١٥ ، (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ـ ٦ / ١٤٦ ، (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) ـ ٦٨ / ١٤ ، (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) ـ ٢٢ / ٢ ، (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) ـ ٥٤ / ١٣.

ومن القسمين ما يكون موصوفه مبهما ، نحو قوله تعالى ، (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) ـ ٨ / ١ ، اى اصلحوا خصالا وحوادث صاحبة لبينونتكم ، اى التى اوجبت تفرقتكم ، فالبين مصدر ، وامكن ان يكون ظرفا ، كما فى (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) ـ ١٨ / ٧٨ ، فالتقدير : اصلحوا خصالا وحوادث هى صاحبة لتفرقتكم واقعة بينكم ، والوجه الاول اولى ، ونحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٥ / ٧ ، اى عليم بعقائد ونيات صاحبة لصدوركم.

الوجه الثالث اضافتها الى اسماء الزمان ، نحو جاءنا ذا يوم ، وكنت عنده ذات ليلة ، وتماشينا ذا صباح ، وخرجنا ذا مساء ، وامثال ذلك ومنه قول الشاعر.

عزمت على اقامة ذى صباح

٦٠٧ لا مرما يسوّد من يسود

الوجه الرابع اضافتها الى اسماء المكان ، نحو قوله تعالى : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا

٣٦٤

طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) ـ ١٨ / ١٧ ـ ١٨ ، ونحو جلست ذات ورائهم.

قال بعضهم : ان كلمة ذا وذات فى هذين القسمين زائدة ، جئ بها لغرض التصريح والتاكيد ، فان نقلبهم ذات اليمين مثلا ، اى نقلبهم يمينا ، وقيل : انها اقيمت مقام الظرف واعربت باعرابه ، وهى صفة له اضيفت الى اسم ذلك الظرف ، والتقدير : جاءنا زمانا صاحبا لاسم صباح ، ونقلبهم جهة صاحبة لاسم اليمين ، وهكذا ، وهذا لا ينافى غرض التصريح والتاكيد ، مع ان الزيادة والتقدير كلاهما خلاف الاصل ، فلابد فى امثال هذه المواضع رعاية الاولى منهما.

الوجه الخامس اضافتها الى اسماء يكون زيادتها لنكتة كما فى هذه الابيات.

اليكم ذوى آل النبىّ تطلّعت

٦٠٨ نوازع من قلبى ظماء والبب

فكذّبوها بما قالت فصبّحهم

٦٠٩ ذو آل حسّان يزجى الموت والشرعا

اذا ما كنت مثل ذوى عدىّ

٦١٠ ودينار فقام علىّ ناعىّ

وقيل فى هذا القسم بالزيادة وذلك التقدير ايضا ، فان معنى اليكم ذوى آل النبى ، اى اليكم يا اصحاب هذا الاسم والعنوان ، فان المتكلم يشير باضافة هذه الكلمة الى خصوصية لهم بالمضاف اليه.

الوجه السادس اضافتها الى مرة وفروعها ، نحو قولك : زرته ذات مرة ، وفى هذا الاسلوب صفة لمفعول مطلق محذوف ، اى زيارة صاحبة لمرة ، وهذا مفعول مطلق عددى وزيادة ذات يفيد التاكيد والتصريح.

الوجه السابع اضافتها فى قولهم : اذهب بذى تسلم وكذا سائر صيغ المضارع بهذه المادة ، فقيل : اضيفت الى الاسم لان الجملة فى تاويل المصدر ، والتقدير : اذهب بصاحب السلامة ، وقيل : كلمة ذى موصولة ، والتقدير : اذهب بالشان الذى تسلم معه ، وقيل : اسم اشارة ، والتقدير : اذهب بهذه الحالة مشيرا الى ما عليه من السلامة ، ثم يقول مستانفا تسلم لغرض التاكيد ، وقيل : انه بمعنى وقت ، اى اذهب

٣٦٥

فى وقت تسلم فيه ، والجملة على التقادير دعاء ، كالمتعارف اليوم من قولهم : بالسلامة او مع السلامة.

الوجه الثامن اضافتها فى الاعلام ، نحو ذو النون ، ذو الكفل ، ذو القرنين ، ذو المعالى ، ذو الرياستين ، فانها كانت فى الاصل من الوجه الاول او الثانى ، ثم صارت اعلاما.

ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، الا انّ الله يحبّ بغاة العلم.

٣٦٦

المبحث الثانى

فى معانى حروف الجر ، ويقال لها الحروف الجارة ، وحروف الخفض وحروف الاضافة وحروف النقل ، لا نهاتجر وتخفض وتضيف وتنقل معانى متعلقاتها الى الاسماء التى بعدها ، وهى عشرون ، جمعها ابن مالك فى هذين البيتين.

هاك حروف الجرّ وهى من الى

حتّى خلا حاشا عدا فى عن على

مذ منذ ربّ اللّام كى واو وتا

والكاف والبا ولعلّ ومتى

ونحن نذكرها فى فصول

الفصل الاول

فى معانى الباء ، وهى تاتى لاربعة عشر معنى :

المعنى الاول : الالصاق ، قيل : وهو معنى لا يفارقها ، ولهذا اقتصر عليه سيبويه ، ولم يذكر لها معنى غيره.

اقول : الالصاق معنى واسع يوجد فى غير الباء ، سواء ااريد به الحسى ام غير الحسى ، والتعدية من انواع الالصاق ، وفى كثير من الحروف يوجد مع معنى آخر.

ومعنى الالصاق وحده فى الباء نحو قوله تعالى : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ

٣٦٧

ـ ٤٣ / ٤٣ ، والباء المتعلقة بالايمان والكفر وما يؤدى معناهما ايضا للالصاق ، وكقول الشاعر :

سقى الله ارضا لو ظفرت بتربها

٦١١ كحلت بها من شدّة الشوق اجفانى

والباء فى نحو مررت بزيد للالصاق المجازى لان جسم المار يلصق بمكان يقرب من الممرور به لا به نفسه ، وكذا ان استعمل مع على فللاستعلاء المجازى لان المار يستعلى على مكان كذلك ، وهذه المادة استعملت مع كلا الحرفين.

المعنى الثانى : التعدية ، وتسمى باء النقل ، نحو قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ـ ٢ / ١٧ ، (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) ـ ٢٣ / ٢٠ ، وقرئ من باب الافعال فالباء للتاكيد ، وجاء انبت لازما ايضا ، كقول الشاعر :

رايت ذوى الحاجات حول بيوتهم

٦١٢ قطينا لها حتّى اذا انبت البقل

المعنى الثالث : الاستعانة ، نحو قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ، (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) ـ ١١ / ٨٨ ، (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ) ـ ٧ / ١٢٨ ، ولا يلزم التكرار ، لان ما فى الفعل استعانة المستعينين ، والباء تفيد استعانة المستعان ، وهذه المادة تتعدى ايضا بنفسه ، نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ـ ١ / ٥.

قالوا : كل باء داخلة على آلة الفعل فهى للاستعانة نحو كتبت بالقلم ونجرت بالقدوم ، وسافرت بالطيارة ، وقطعت بالسكين وفتحت الباب بالمفتاح ، ورصدت الكواكب بالمنظار.

اقول : الاولى ان تكون السببية لان الطبع يا بى ان يقول الانسان : جعلت القلم معينى للكتابة ، ولان الاستعانة طلب العون والطلب الحقيقى انما هو من ذى الشعور ، اللهم الا ان يراد به المجاز.

واما قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ـ ٢ / ٤٥ ، ان اريد بهما العبادتان فالباء سببية ، اى استعينوا الله بسبب هاتين العبادتين ، وان اريد بهما رجلان فالباء للاستعانة.

٣٦٨

المعنى الرابع : السببية ، نحو قوله تعالى : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) ـ ٢ / ٥٤ ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) ـ ٢٩ / ٤٠ ، (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ـ ٩٦ / ٣ ـ ٤ ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ـ ٢ / ٢٥١ ، ومنه قولهم : لقيت بزيد الاسد ، اى لقيت الاسد بسبب لقائى زيدا ، ومنه ما فى هذه الابيات.

قد سقيت آبالهم بالنار

٦١٣ والنار قد تشفى من الاوار

جزى الله الشدائد كلّ خير

٦١٤ عرفت بها عدوّى من صديقى

انّما ينكر الديانة قوم

٦١٥ هم بما ينكرونه اشقياء

المعنى الخامس : المصاحبة ويقال المعية ايضا ، نحو قوله تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) ـ ١١ / ٤٨ ، (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ـ ٥ / ٦١ ،(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) ـ ١٥ / ٩٨ ، ونحو ذكر السجود : سبحان ربى الاعلى وبحمده ، اى ومع حمده اسبحه ، ونحو قولك : بعت الفرس بسرجه ، واشتريت اللحم بعظمه ، اذهب بالسلامة ، وسافر بالرفيق ، ويدفن الشهيد بثيابه.

المعنى السادس : الظرفية ، نحو قوله تعالى : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) ـ ٥٤ / ٣٤ ، اى فى سحر ، (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) ـ ٣ / ١٢٣ ، (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) ـ ٣٧ / ١٣٧ ، (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) ـ ٢٨ / ٤٤ ، (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) ـ ٩٠ / ٢ ، (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) ـ ٨٩ / ٩ ، (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ـ ٨٩ / ١٤ ، (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ـ ٨١ / ٢٣ ، والظرفية محسوسة وغير محسوسة ، وياتى بيانهما فى حرف فى.

المعنى السابع : المقابلة ، ويقال لها المعاوضة والمبادلة ، نحو قوله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ١٦ / ٣٢ ، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) ـ ٧٦ / ١٢ ، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٥٢ / ١٩ ، (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

٣٦٩

أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ـ ٩ / ١١١ ، (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) ـ ١٢ / ٢٠ ، ونحو اشتريت هذا الثوب بدرهم ، وبعت هذا الكتاب بدرهمين.

المعنى الثامن : البدلية ، والفرق بينها وبين المبادلة انها بين شيئين لاثينن والبدلية بين شيئين لواحد ، نحو قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) ـ ٢ / ١٧٥ ، (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) ـ ٣ / ١٧٧ ، وكما فى هذين البيتين.

فليت لى بهم قوما اذا ركبوا

٦١٦ شنّوا الاغارة فرسانا وركبانا

انّ الّذين اشتروا دنيا بآخرة

٦١٧ وشقوة بنعيم ساء ما فعلوا

والباء بهذا المعنى تطرد مع مادة الفدية والبدل ، نحو قوله تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ،) ـ ٧٠ / ١١ ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ـ ٢ / ١٠٨ ، (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ـ ٢ / ٦١ ، ومن ذلك قولهم : بابى انت وامى ، اى انت مفدىّ بابى وامى ، وهذه الجملة تستعمل كناية عن كمال المحبة.

المعنى التاسع : المجاوزة ، اى بمعنى عن ، نحو قوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) ـ ٢٥ / ٥٩ ، اى فاسال خبيرا عن الله تعالى وصفاته ، لان السؤال الاستخبارى يتعدى الى المفعول الثانى بعن ، نحو قوله تعالى : (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) ـ ٣٣ / ٢٠ ، وكقول الشاعر :

فان تسالونى بالنساء فانّنى

٦١٨ بصير بادواء النساء طبيب

واما الباء فى قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) ـ ٧٠ / ١ ، فليست بمعنى عن ، بل زيدت للتاكيد ، لان السؤال طلبى ، وهو يتعدى الى المفعول الثانى بنفسه ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ـ ٣٣ / ٥٣ ، والتقدير : سال سائل الله عذابا واقعا ، لانه اشارة الى القول المنقول فى سورة الانفال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا

٣٧٠

بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٨ / ٣٢.

ولم ير الباء بمعنى عن متعلقة بغير السؤال ، وقيل : ان الباء المتعلقة بمادة الغرور ايضا بمعنى عن ، نحو قوله تعالى : (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ـ ٥٧ / ١٤ ، اى خدعكم الشيطان واغفلكم عن الله ، والظاهر انها سببية ، اى خدعكم الشيطان ونال منكم ما اراد بسبب قوله لكم ان الله كريم فافعل ما شئت من المعاصى.

وقيل : ان الباء فى قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ـ ٥٧ / ١٢ ، بمعنى عن والظاهر انها بمعنى فى ، وقيل كذلك فى قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) ـ ٢٥ / ٢٥ ، بقرينة نظيرها فى قوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) ـ ٥٠ / ٤٤.

اقول : ان القياس بينهما باطل ، لان بالغمام فى الآية الاولى ليس بمنزلة عنهم فى الآية الثانية ، اذ التقدير : يوم تشقق السماء عن الملائكة فينزلون ويوم تشقق الارض عن الناس فيخرجون سراعا ، والباء بمعنى مع ، والغمام بمعنى السحاب الابيض الرقيق ، وبمعنى الكوكب ، وفى احاديثنا : ان الغمام فى هذه الآية استعارة لامير المؤمنين عليه‌السلام فانه حاكم باذن الله يوم القيامة بين العباد كما نطقت بذلك روايات كثيرة ، ويمكن ان يكون الباء بمعنى فى بقرينة قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ـ ٢ / ٢١٠ ، فالمعنى : يوم تشقق السماء عن الملائكة فينزلون الى الارض حالكونهم مع الغمام او فى الغمام ، واما لزوم الغمام لنزول الملائكة وعدمه وكيف يركبون عليه فمحل بيانه كتاب التفسير.

المعنى العاشر : انتهاء الغاية ، اى بمعنى الى ، نحو قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ـ ١٢ / ١٠٠ ، لان الاحسان يتعدى بالى ، كقوله تعالى : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) ـ ٢٨ / ٧٧ ، ولا باس بان يقال : ان الباء ايضا للتعدية ، لان الفعل الواحد يمكن ان يتعدى بحروف متعددة كما مر بيانه فى مبحث تعدى الفعل

٣٧١

لزومه فى المقصد الاول ، او يكون فى الفعل تضمين معنى اللطف.

المعنى الحادى عشر : الاستعلاء ، اى بمعنى على ، نحو قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) ـ ٣ / ٧٥ ، لان الامن يتعدى الى المفعول الثانى بعلى ، نحو قوله تعالى : قال : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) ـ ١٢ / ٦٤ ، وامكن ان يكون فى الفعل تضمين ، اى ان تامنه على دينار ثم تطالبه به ، والباء باعتبار معنى المطالبة ، وبمعنى على بلا كلام قول الشاعر :

اربّ يبول الثعلبان برأسه

٦١٩ لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

المعنى الثانى عشر : معنى من ، نحو قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) ـ ٧٦ / ٦ ، لان الشرب يتعدى بمن ، نحو قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ـ ٢ / ٢٤٩ ، ويحتمل التضمين ، اى عينا يشرب منها ويفرح بها عباد الله ، والباء باعتبار معنى الفرح ، ومنه قول الشاعر :

شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

٦٢٠ متى لجج خضر لهنّ نئيج

والشرب والاكل يتعديان الى الماكول والمشروب بنفسهما فان عدى بمن فهى للتبعيض ان كان مدخولها ماكولا او مشروبا ، كقوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) ـ ٢ / ٦٠ ، وان كان مدخولها ظرفا لهما فهى للابتداء ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) ـ ٧٦ / ٥ ، (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) ـ ٢٤ / ٦١ ، والتى للتبعيض ايضا ما فى آية الوضوء والتيمم : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ـ ٥ / ٦ ، (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) ـ ٤ / ٤٣ ، اى امسحوا بعض رؤوسكم وارجلكم ووجوهكم وايديكم ، فلذا يكتفى بمسح بعضها ، ولو لا معنى التبعيض لكان الباء زائدة لان المسح يتعدى بنفسه.

وقال ابن هشام فى المغنى : والظاهر ان الباء فيهن للالصاق ، اقول : ان الالصاق لا ينافى التبعيض لانه يجتمع مع المعانى الاخرى ، والتبعيض هنا مراد

٣٧٢

قطعا ، مع ان الالصاق يفهم من نفس المسح ، لانه اخص منه فلا حاجة لافادة معناه الى الباء ، واما قوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) ـ ٣٨ / ٣٣ ، فيحتمل التبعيض ، ويحتمل ان يكون فى الكلام قلب ، اى فطفق يمسح السوق والاعناق بيده او بالسيف على اختلاف التفسير.

المعنى الثالث عشر : القسم ، وياتى فى مبحث ادوات القسم فى المقصد الثالث.

المعنى الرابع عشر : التاكيد ، وياتى فى خاتمة الكتاب.

الفصل الثانى

فى معانى من ، وهى ستة.

المعنى الاول : الابتداء ، فيكون مدخولها مبدا مكانا او زمانا او غيرهما للفعل الذى تعلقت به ، وعلامتها وقوع الى بعدها داخلة على شىء آخر هو منتهى ذلك الفعل سواء اذكرت ام لا ، وان لم تقع بعدها الى تسمى بالنشوية ، ويطلق عليها الابتدائية ايضا ، وياتى ذكرها.

نحو قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ـ ١٧ / ١ ، (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) ـ ٩ / ١٠٨ ، اى من اليوم الاول الى هذا اليوم ، (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ـ ٢٧ / ٣٠ ، اى من سليمان الى ، (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) ـ ٥٧ / ٤ ، اى ما يخرج منها الى فوق الارض ، وما ينزل من السماء الى الارض ، (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ـ ٨٥ / ١١ ، اى الى منتهى مجراها ، قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ـ ٦٢ / ٨ ، اى تفرون منه الى الحياة بزعمكم ، (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٦٦ / ١١ ، اى الى حيث لا يصل الىّ اذاهم ، وفى الحديث عن النبى صلّى الله عليه

٣٧٣

وآله : على وليكم من بعدى ، اى ولايته عليكم من ابتداء الزمان الذى بعدى الى ان يكون بينكم ، وفى الرواية : مطرنا من الجمعة الى الجمعة ، وكقول الشاعر :

تخيّرن من ازمان يوم حليمة

٦٢١ الى اليوم قد جرّبن كلّ التجارب

المعنى الثانى : التبعيض ، وعلامتها صحة وقوع بعض مكانها ، نحو قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) ـ ٢ / ٢٥٣ ، (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) ـ ٢ / ٢٥٣ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ ـ ٢ / ٢٥٤ ، (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ـ ٣ / ٩٢ ، وفى قراءة ابن مسعود : حتى تنفقوا بعض ما تحبون ، وكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ـ ٦٧ / ١٥ ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ ـ ٦٩ / ٤٩ ،

المعنى الثالث : البدلية ، وعلامتها صحة وقوع البدل مكانها ، نحو قوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) ـ ٩ / ٣٨ ، (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) ـ ٤٣ / ٦٠ ، (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ـ ٣ / ١٠ ، وفى الدعاء : يا من يكفى من كل شىء ولا يكفى منه شىء ، لا مانع لما اعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ ، وكقول الشاعر :

اخذوا المخاض من الفصيل غلبّة

٦٢٢ ظلما ويكتب للامير افيلا

قال ابن هشام فى المغنى : وانكر قوم مجئ من للبدل ، فقالوا : ان التقدير فى ارضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، اى بدلا من الاخرة ، والمفيد للبدلية متعلقها المحذوف ، واما هى فللابتداء ، وكذا الباقى ، ولم يجب ابن هشام بشئ.

اقول : لو انفتح هذا الباب لم يبق لحرف جر موضع ، لان الحرف لا يدل بنفسه الا على الربط والنسبة ، واما نوع النسبة من المعانى المذكورة فانما يستفاد من المتعلقات والمدخولات ، ولذلك قالوا : ان الحرف لا يستقل بالمعنى ، فمعنى البدلية يفهم من الحرف الرابط بين الدنيا والآخرة ، ولا حاجة الى تقدير لفظ بدل ، وان جئ بلفظ البدل فلا حاجة الى الحرف المفيد لمعنى البدل ، فيقال : ارضيتم بالحياة

٣٧٤

الدنيا بدل الآخرة ، فيالله ، ما اولع هولاء القوم بالحذف والتقدير حتى فى كلام الله تعالى بلا تحاش عن شىء ولا وجه موجب.

المعنى الرابع : التبيين ، بمعنى ان مدخولها يبين ما هو مبهم بحسب الذات او الجنس.

مثال الاول قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) ـ ٣٥ / ٢ ، فان ما من الاسماء المبهمة ، ومثلها مهما ، نحو قوله تعالى : (قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ـ ٧ / ١٣٢ ، (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) ـ ٢ / ١٠٦ ، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٧ / ٨٢ ، (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) ـ ٦٥ / ١٢.

مثال الثانى قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) ـ ١٨ / ٣١ ، من الاولى للتبعيض ، والشاهد فى الاخيرين ، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) ـ ٢٢ / ٣٠ ، وما بعد من هذه فى حكم التمييز ، راجع مبحث التمييز فى المقصد الاول.

المعنى الخامس التاكيد ، وياتى فى خاتمة الكتاب.

المعنى السادس التعليل ، وياتى بيانه فى مبحث حروف التعليل فى المقصد الثالث.

وهنا مسالتان

المسالة الاولى

قد دارت على السنة الطلبة من النشوية ، وهى ما يكون مدخولها مبدءا ومنشا لما تتعلق به بنوع من انواع المبدئية ، ولا تقع الى فى مقابلها ، ويطلق عليها الابتدائية ايضا ، بل اطلاق النشوية عليها من مستحدثات المتاخرين ، ولها مواضع

٣٧٥

نذكرها.

١ ـ ما يتعلق بمادة الخلق وما بمعناه نحو قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ـ ١٦ / ٤ ، (خَلَقَ مِنْها زَوْجَها) ـ ٤ / ١ ، (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) ـ ٢٤ / ٤٥ ، (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) ـ ٣٠ / ٢٠ ، (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) ـ ١١ / ٦١ ، (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ـ ٦ / ٩٨ ، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ـ ٧ / ١٨٩ ، (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)ـ ١٦ / ٧٢.

٢ ـ ما يتعلق بمادة النداء ، نحو قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) ـ ٢٨ / ٣٠.

٣ ـ ما يتعلق بمادة العلم وما بمعناه نحو قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) ـ ٢ / ٢٢٠ ، اى تمايز كل منهما من وجود الآخر ، ومثله (يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ـ ٣ / ١٧٩ ، (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ١٢ / ٨٦ ، (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) ـ ٢٥ / ١٢ ،

٤ ـ ما يقع خبر المبتدا ، نحو قوله تعالى : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) ـ ٢٧ / ٤٠ ، (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) ـ ٨٣ / ٢٧ ، (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) ـ ٦٩ / ٣٥ ـ ٣٦.

٥ ـ ما يتعلق بافعل التفضيل ، نحو قوله تعالى : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ـ ٤٣ / ٣٢ ، اى يبتدا خيرية الرحمة من غاية خيرية ما يجمعون وتتجاوز عنها.

قال ابن مالك : ليست من هذه للابتداء ، ولو كانت لصح وقوع الى بعدها ، ولا يصح ، بل هى بمعنى عن ، وقال ابن هشام : لو كانت بمعنى عن لصح وقوع عن مكانها ، ولا يصح.

اقول : من النشوية لا يقع فى قبالها الى ، والمعنيان اى الابتداء والمجاوزة موجودان هنا كسائر المواضع ، وياتى عن قريب بيان ذلك ، وكل من الرجلين ادرك

٣٧٦

ما غفل عنه الآخر فتنازعا.

٦ ـ ما يتعلق بمادة الاخذ ، نحو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ـ ٧ / ١٧٢ ، (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ـ ٣٣ / ٧ ، (لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٤ / ١٤٤.

قال ابن مالك : من فى اخذته من زيد بمعنى عن ، وقال ابن هشام : الظاهر انها للابتداء ، اقول : كلاهما قالا حقا ولكن كل منهما غفل عما ادرك الآخر ، وبيان ذلك ان المجاوزة على قسمين ، احدهما يجتمع مع الابتداء ، بل لاابتداء الا ومعه مجاوزة باعتبار ، ولذا اشتبه على كثير منهم فاخذوا من فى بعض الموارد بمعنى عن واخذوا عن فى بعض الموارد بمعنى من ، مع ان كلا منهما واجد لكلا المعنيين فى جميع تلك الموارد ، وياتى بيان ذلك فى معانى عن.

ثم ان من النشوية ليست محصورة فيما ذكرنا ، بل تجدها فى كثير من المواضع المختلفة ، فان ملاكها ان تفيد معنى البدائة ولا تقع الى فى قبالها ، نحو قوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ـ ١٣ / ١١ ، اى حفظهم ناش من امره تعالى ، ولا حاجة الى ان يقال : ان من فى هذه الآية بمعنى الباء ، وان قلنا فهو حق ايضا.

المسالة الثانية

من الاساليب الغريبة ما فى رواية ابن عباس : ان رسول الله كان مما يقول لاصحابه : من راى منكم رؤيا فليقصها اعبرها له ، ورواية براء بن عازب : كنا اذا صلينا خلف رسول الله مما نحب ان نكون عن يمينه ، ورواية ابن عباس : كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة اذا نزل عليه الوحى وكان مما يحرك لسانه وشفتيه ، ورواية ابى موسى : كان النبى كثيرا مما يرفع راسه الى السماء ، ورواية سمرة بن جندب : كان رسول الله مما يكثر ان يقول لاصحابه : هل راى احد منكم رؤيا ، وما فى البيتين.

٣٧٧

الف الصفون فما يزال كانّه

٦٢٣ ممّا يقوم على الثلاث كسيرا

وانّا لممّا نضرب الكبش ضربة

٦٢٤ على راسه تلقى اللسان من الفم

ثم قال قوم : ان مما فى هذا الاسلوب بمعنى ربما ، وقال ابن هشام فى المغنى فى حرف من بعد البيت الثانى : الظاهر ان من ابتدائية وما مصدرية ، وانهم جعلوا كانهم خلقوا من الضرب ، مثل (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) ـ ٢١ / ٣٧.

اقول : حاصل كلامه ان من نشوية ، وهى متعلقة فى جميع هذه الموارد بخلق المقدر ، والمضارع بعدها فى تاويل المصدر ، وجئ الكلام بهذا الاسلوب لافادة المبالغة كزيد عدل ، وان حذف مما لم يختل المعنى ، ولكن يفوت معنى المبالغة ، وهذا معنى ظاهر فى هذا الاسلوب ، ولكن لا يبعد ان يكون ما موصولة ومن للتبعيض ، والتقدير فى البيت الاخير مثلا : وانا لمن الذين نضرب الكبش الخ ، ولا باس باستعمال ما لذوى العقول لانه سائغ ، ولا باتيان ضمير المتكلم للموصول لانه واقع كما فى البيتين.

انا الّذى سمّتنى امّى حيدرة

٦٢٥ ضرغام آجام وليث قسورة

وانا الّذى قتلت بكرا بالقنا

٦٢٦ وتركت تغلب غير ذات سنام

الفصل الثالث

فى معنى الى وهو الانتهاء المقابل للابتداء الذى هو احد معانى من ، نحو قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ـ ٣٦ / ٥١ ، وفى الحديث : اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ، وفى الاكثر يكون مقابله مطويا فى الكلام ، نحو قوله تعالى : (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٤٦ / ٣٠ ، اى من الباطل ومن طريق غير مستقيم ، (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ـ ٢٠ / ٨٦ ، اى من الطور ، (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ـ ٣٧ / ٩٩ ، اى من عندكم ، و (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ـ ٤٢ / ٣ ، اى من عنده يوحى اليك الخ ،

٣٧٨

(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ـ ٢ / ١٨٧ ، اى من الفجر ، (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ـ ٢ / ٢٨٠ ، اى من عسرته ، (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ـ ٤٢ / ٥٣ ، اى من الله الى الله ، (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) ـ ٤٢ / ١٠ ، اى من عندكم الى الله ، (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) ـ ١٠ / ٧٥ ، اى بعثنا من عندنا ، وليس من بعدهم مبدء البعث ، بل هو زمان البعث.

ثم يستعمل الى للتعدية ، ولم يذكر القوم هذا المعنى لها ، مع انهم اخذوا لفظ الى فى حد التعدية ، اذ عرفوها بانها مجاوزة اثر الفاعل الى المفعول به ، وهذا المعنى ظاهر فى مواضع كثيرة ، ولا ينافيه معنى الانتهاء ، بل هو لازم معنى التعدية ، كما ان الالصاق لازم معانى الباء.

منها مادة الهدى ، فانها تتعدى الى المفعول الثانى بالى كما تتعدى اليه بنفسها ، نحو قوله تعالى : (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٥ / ١٦ ، ولا يمكن ان يقال : انها زائدة ، وهذه المادة تتعدى باللام مكان الى نحو قوله تعالى : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ـ ٢٤ / ٣٥.

منها مادة التوفية ، نحو قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) ـ ١١ / ١٥ ، كما تتعدى بنفسها ايضا ، نحو قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٤٦ / ١٩.

منها مادة الركون وما بمعناه ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) ـ ١١ / ١١٣ ، (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) ـ ٦٨ / ٣٢.

منها مادة النظر وما بمعناه ، نحو قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) ـ ٢٠ / ٥٨ ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) ـ ١٤ / ٢٨ ، وفى غير هذه المواضع ايضا جاءت للتعدية ، ولعلهم لم يذكروا هذا المعنى لها اكتفاء عنه بمعنى الانتهاء.

ثم اعلم انه ليس لالى معنى غير الانتهاء والتعدية ، ونقل ابن هشام عن

٣٧٩

القوم فى المغنى لها معانى اخرى ، ولكنها مؤوله الى التضمين او غيره ، وهى.

١ ـ : المعية ، نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ـ ٣ / ٥٢ ، قيل : اى من انصارى مع الله ، وليس كذلك ، بل التقدير : من انصارى قربة الى الله ، (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ـ ،) ٢ / ١٤ ، قيل :

اى واذا خلوا مع شياطينهم ، والتقدير : واذا انتهوا الى شياطينهم فى الخلوة ، (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ـ ٥ / ٦ ، قيل : اى مع المرافق ، اذ يجب غسل المرفق ، فان كان الى بمعنى الانتهاء لزم خروجه عن حكم الغسل ، لان ما بعد الى غاية خارجة ، بخلاف حتى فان ما بعدها غاية داخلة ، وليس كذلك ، لان الى تستعمل كحتى ايضا ، نحو (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ـ ١٧ / ١ ، فان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل ليلة الاسراء فى المسجد الاقصى وصلى فيه ، ونحو قولك : قرات القرآن من اوله الى آخره.

٢ ـ : معنى اللام ، اى الاختصاص ، ومثلوا بقوله تعالى : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) ـ ٢٧ / ٣٣ ، والتقدير : والامر ينته اليك ولا يتجاوز عن رايك ، وبقولهم : احمد اليك الله سبحانه ، والتقدير : احمده سبحانه موجها اليك كلامى ، مع ان كون الى بمعنى اللام فى هذا الكلام لا يخلو من شائبة الشرك.

٣ ـ : التبيين ، قالوا : وهى المبينة لفاعلية مجرورها بعد صيغة التعجب او اسم التفضيل من مادة الحب او البغض او ما بمعناهما ، نحو (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ـ ١٢ / ٣٣ ، كما ان اللام تبين مفعولية مجرورها ، نحو ابى احب لى من امى ، ولا باس به ، ولكن الكلام لا يخلو من معنى الانتهاء ايضا.

٤ ـ : معنى عند ومثلوا بقول الشاعر :

ام لا سبيل الى الشباب وذكره

٦٢٧ اشهى الىّ من الرحيق السلسل

٥ ـ : معنى من ، اى الابتداء ، ومثلوا بقول الشاعر :

تقول وقد عاليت بالكور فوقها

٦٢٨ ايسقى فلا يروى الىّ ابن احمرا

٣٨٠