علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

وعلامة الرفع فى الصيغ الخمس الضمة ان لم تكن ناقصة والا فهى مقدرة ، وفى الصيغ السبع النون المكسورة فى المثنى والمفتوحة فى الجمع المذكر والمفرد المؤنث المخاطب.

الفصل الخامس

فى المضارع المجزوم ، وجازمه نوعان : نوع يجزم فعلا واحدا ، وهو لم ولما ولام الامر ولاء النهى ، ونوع يجزم فعلين وهو ادوات الشرط ، وياتى بيانها فى مبحثها فى المقصد الثالث ، وجزمه بسكون لام الفعل من الصيغ الخمس ، وبحذف النون التى هى عوض عن الضمة من الصيغ السبع ، وان كان الفعل ناقصا فجزمه فى الصيغ الخمس بحذف لام الفعل ، لان الضمة حذفت من مرفوعه قبل دخول الجازم.

وهنا امور

الامر الاول

ان لم ولما تشتركان فى النفى وجزم الفعل وقلبه الى الماضى بالمعنى وتتفارقان فى اشياء.

١ ـ : ان لم تقترن باداة الشرط كلا النافية ، نحو قوله (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ـ ٥ / ٦٧ ، (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) ـ ٩٦ / ١٥ ، بخلاف لما.

٢ ـ : ان النفى بلما يستمر الى زمان التكلم ، نحو قوله تعالى : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) ـ ٣٨ / ٨ ، ولا يجوز استعمالها فيما انقطع نفيه بان يقال : لما يجئنى زيد ثم جاء ، بل يجوز ان يقال : لما يجئنى ولكنه يجئ ، بخلاف لم فانها للاعم ، نحو (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) ـ ١٩ / ٤ ، وهذا النفى مستمر الى زمان التكلم ،

٢٨١

(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) ـ ١٩ / ٦٧ ، ثم صار شيئا بخلقه تعالى ، ومن النفى المستمر قول الشاعر :

وكنت اذ كنت الا هى وحدكا

٤١٥ لم يك شىء يا الاهى قبلكا

ولاجل كون لم للاعم يكون قولك : قمت فلم يقم زيد مبهما ، اذ المفهوم ان زيدا لم يقم عقيب قيامك بلافصل ، ولعله قام بعد قيامك بمدة ولعله لم يقم الى الحال ، بخلاف قولك : قمت فلما يقم زيد فانه صريح فى انه لم يقم الى الحال ، وذلك لافادة لما استمرار النفى الى زمان التكلم.

٣ ـ : ان منفى لما متوقع ثبوته فيما بعد زمان التكلم ، لان قولك : لم يفعل الى الآن يشعر بقرينة الى الآن انك متوقع فعله فيما بعد ، ولما تفيد معنى لم مع الى الآن ، سواء اعلم وقوعه ، اى وقوع الفعل بعد زمان التكلم نحو قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ـ ١٠ / ٣٩ ، وقولك لمن ينتظر الصباح : لما يطلع الفجر ، فان المسلمين يعلمون اتيان تاويل ما اخبر الله تعالى عنه فى كتابه من امور المعاد وغيرها ، وكذا يعلم كل احد فى الليل ان الفجر سيطلع ، ام لم يعلم ، نحو قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) ـ ٨٠ / ٢٣ ، لان ظاهر الآية فى الانسان الكافر ، والمسلمون لم يكونوا يعلمون اى كافر يقضى ما امره الله فيما بعد نزول الآية واى كافر لا يقضى ، وكقولك : لمن لم يحج : لما تربيت الله ، ولمن ينتظر ركوب الامير : لما يركب الامير ، وللمتوانى فى العمل المغرور بشبابه : لما تشب ، وكل ذلك من المحتمل وقوعه وعدم وقوعه.

واما اذا علم امتناعه وعدم وقوعه فلا يصح استعمال لما ، كما تقول : لا كمه ينكر نور الشمس : لما تر الشمس ، وابراؤه بالاعجاز خارج عن المعتاد ، وعلى اى حال فالتوقع لا يستلزم الوقوع كما يستشم من بعض الكلمات ووقوعه فيما بعد اولا وقوعه ليس مدلول لما ، فان علم اولم يعلم فمن القرائن ، فلما لا تدل الاعلى استمرار النفى الى حال التكلم ، وعلى توقع الوقوع لا نفس الوقوع.

٢٨٢

قال الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ـ ٤٩ / ١٤ : معنى التوقع فى لما دال على ان هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.

اقول : ليس لما دالة على ذلك كما بينا ، والى الآن لم يعلم اى من اولئك الاعراب آمن واى منهم لم يؤمن ، بل علم ان كثيرا منهم ارتدوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما رواه الفريقان ، وارتدادهم دليل على عدم دخول الايمان فى قلوبهم.

وقال شارح التصريح : التوقع فى لما غالب لا لازم ، ومن غير الغالب : ندم ابليس ولما ينفعه الندم.

اقول : قيد بالغالب لتوهم ان التوقع يستلزم الوقوع ، وبينا انه ليس كذلك ، على ان ندامة ابليس الى الآن غير معلومة ، وباى شاهد علم انه ندم ، وما فى بعض الآثار من ملاقاته بعض الانبياء والاولياء ومكالمته معهم لا يدل على ندامته ، وعدم نفع الندم مطلقا ان فرض واقعا ففيه تامل.

٤ ـ : ان لما لا تستعمل فى الممتنع لدلالتها على توقع الثبوت فيما بعد ، وامتناع الشئ ينافى توقع ثبوته الا من الاحمق ، بخلاف لم فانها تستعمل فى الممكن ، نحو قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) ـ ٩٠ / ٧ ، (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) ـ ٩٨ / ١ ، (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) ـ ٨٩ / ٧ ـ ٨ ، وتستعمل فى الممتنع نحو قوله تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ـ ١١٢ / ٣ ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) ـ ٢ / ٢٤ ،

٥ ـ : قالوا : ان منفى لما يكون قريبا من حال التكلم ولا يشترط ذلك فى منفى لم ، وهذا معنى قولهم : ان لم تنفى فعل ولما تنفى قد فعل ، لان قد لتقريب الماضى الى الحال ، فيقال : لم يكن زيد فى العام الماضى مقيما ، ولا يقال : لما

٢٨٣

يكن زيد فى العام الماضى مقيما.

اقول : ان شرط استعمال لما انما هو استمرار النفى الى زمان التكلم وكون المنفى ممكنا متوقعا سواء اكان المنفى قريبا منه ام بعيدا ، كما تقول : لما يقم زيد فى بلدنا اذا كان اقامته متوقعة ، وهى منفية من اول عمره ، ومثل ابن مالك للنقض كما نقل فى المغنى بقوله : عصى ابليس ربه ولما يندم ، وكانّ ابن مالك كان يتوقع توبة ابليس وليس ذلك بممتنع.

ثم ان لما تاتى لمعنيين آخرين هما الشرط والاستثناء ، وياتى بيان ذلك فى مبحث ادوات الشرط ومبحث ادوات الاستثناء فى المقصد الثالث.

الامر الثانى

ان مدخول لم ولما قد يحذف كما فى هذين البيتين.

فجئت قبورهم بدءا ولمّا

٤١٦ فناديت القبور فلم يجبنه

احفظ وديعتك الّتى استودعتها

٤١٧ يوم الاعازب ان وصلت وان لم

قالوا : حذف مدخول لم سماعى ضرورى ، واما مدخول لما فيحذف قياسا ومنه هذا المثال : قاربت المدنية ولما ، اى لما ادخلها ، وانت قل : قاربت المدنية ولم ، اى ولم ادخلها بل انصرفت.

وقال بعضهم : منه قوله تعالى على قراءة بعض : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ـ ١١ / ١١١ ، بتشديدان ولما ، اى ان كلا من السعيد والشقى لما يوف اعماله ، ثم استانف فقال : (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ، وفى الآية قراءات واقوال مذكورة فى التفاسير.

الامر الثالث

القاعدة فى المخاطب من الامر عدم اللام وفى غيره وجودها وتخلف عن

٢٨٤

هذه القاعدة موارد لا يقاس عليها.

نحو قوله تعالى فى قراءة بعض : فبذلك فلتفرحوا ـ ١٠ / ٥٨ ، بصيغة الخطاب مع اللام ، وفى الحديث : لتاخذوا مصافكم ، اى خذوا ، وكما فى هذه الابيات.

لتقم انت يا ابن خير قريش

٤١٨ فلتقضى حوائج المسلمينا

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

٤١٩ اذا ما خفت من شىء تبالا

على مثل اصحاب البعوضة فاخمشى

٤٢٠ لك الويلحرّ الوجه او يبك من بكى

فلا تستطل منّى بقائى ومدّتى

٤٢١ ولكن يكن للخير منك نصيب

قلت لبوّاب لديه دارها

٤٢٢ تاذن فانّى حمؤها وجارها

الامر الرابع

لام الامر مكسورة الا اذا دخلت عليها الواو او الفاء اوثم ، فساكنة الا قليلا ، نحو قوله تعالى : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ـ ٢ / ١٨٦ ،(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ـ ٢٢ / ٢٩ ، (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) ـ ١٩ / ٧٥ ، وكونها مكسورة مع الواو نحو قوله تعالى : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ـ ٢٩ / ٦٦ ، على ان يكون اللام للامر التهديدى نحو اعملوا ما شئتم ، وقيل : انها الجارة ، وهذا اظهر بقرينة ليكفروا.

الامر الخامس

استعمال الامر للمتكلم وحده او مع غيره قليل لان الانسان لا يامر نفسه الا بعناية خاصة ، نحو قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ـ ٢٩ / ١٢ ، وفى الحديث : قوموا فلاصل لكم ، ورويت هذه الكلمة بغير صيغة الامر ، وكذا النهى كما فى البيتين.

لا اعرفن ربربا حورا مدامعها

٤٢٣ مرادفات على اعقاب اكوار

اذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد

٤٢٤ لها ابدا ما دام فيها الجراضم

٢٨٥

الامر السادس

جاء المضارع خلافا للقاعدة بعد لم منصوبا او مرفوعا فى موارد قليلة ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ـ ٩٤ / ١ ، بنصب الحاء فى قراءة بعض وكما فى هذه الابيات.

اىّ يومين من الموت افرّ

٤٢٥ يوم لم يقدر ام يوم قدر

لولا فوارس من نعم واسرتهم

٤٢٦ يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

وتضحك منّى شيخة عبشميّة

٤٢٧ كان لم ترى قبلى اسير ايمانيا

الامر السابع

قد يفصل بين لم وفعلها ولا وفعلها فى الضرورة كما فى هذه الابيات.

فذاك ولم اذا نحن امترينا

٤٢٨ تكن فى الناس يدركك المراء

فاضحت مغانيها قفارا رسومها

٤٢٩ كان لم سوى اهل من الوحش تؤهل

ظننت فقيرا ذا غنى ثمّ نلته

٤٣٠ فلم ذا رجاء القه غير واهب

وقالوا اخانا لا تخشّع لظالم

٤٣١ عزيز ولا ذاحقّ قومك تظلم

وكل هذه المذكورات شاذة عن القواعد ، قان الشذوذ عن القاعدة موجود فى كلام العرب كغيره ، وله جهة من الجهات المذكورة فى الامر الخامس من المقدمة ، وقد يعثر عليها وقد لا يعثر ، ولكن رجالا اتعبوا انفسهم فى تطبيق هذه الشواذ على القواعد كابن هشام فى المغنى فى حرف اللام ولم ولما ولا ، ولعمرك انه اتعاب ليس فى اثره نافع ولا قدر له فى الواقع.

الامر الثامن

قد يستعمل لا النافية مكان الناهية ، والمضارع بعده مرفوع ، وذلك خبر اريد

٢٨٦

به الانشاء ، كقوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ـ ٥٦ / ٧٩ ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حين نزل تحريم الخمر فمن عنده منها شىء فلا يشرب ولا يبيع ، وهذا الاسلوب ابلغ من اسلوب الانشاء لان المتكلم يقدّر ان الامتثال واقع لا محالة من المخاطب فيخبر عنه.

الفصل السادس

فى المضارع المنصوب ، وناصبه ان ولن وكى واذن ، ونصبه بالفتحة فى الصيغ الخمس ناقصة كانت او غير ناقصة ، وبحذف النون كالمجزوم فى السبع الباقية ، وان وكى من الحروف المصدرية ، ولن من الحروف النافية ، واذن حرف جواب وجزاء ، وياتى كلها فى مباحثها فى المقصد الثالث.

تنبيه

ان الجملة من حيث هى هى مؤولة كانت او غير مؤولة وشبه الجملة ليس اعرابها الا محلا ، وسياتى ذكر الجمل التى لها محل من الاعراب والتى ليس لها محل منه فى مبحث احكام الجمل فى المقصد الثانى ، وياتى احكام شبه الجملة فى المبحث الرابع من المقصد الثانى ، واما الفعل من حيث هو فعل فيجرى عليه اقسام الاعراب الستة التى ذكرناها للاسم فى الامر الثانى عشر من المقدمة ، ودونك تفصيلها.

الاول ـ الاعراب اللفظى ، وهو فى اثنتى عشرة صيغة من الفعل المضارع ان لم يلحق به نون التاكيد رفعا ونصبا وجزما ، وهذا ان لم يكن ناقصا ، واما ان كان ناقصا فاعرابه تقديرى فى خمس منها كما نذكره.

الثانى ـ الاعراب المحلى ، وهو فى الفعل المبنى اذا دخل عليه ناصب او جازم ، نحو لن يضربن ، فانه مبنى على السكون ومنصوب محلا بلن ، ولا يضربن ،

٢٨٧

فانه مبنى على الفتح ومجزوم محلا بلا الناهية ، وان ضربنى زيد ضربته ، فانهما مبنيان على الفتح والسكون ومجزومان محلا بان الشرطية ، وكذا غيرها ، بل المضارع المبنى بلا جازم وناصب مرفوع محلا لوجود سبب الرفع تجردا كان او غيره ، ومر ذكر الاقوال.

الثالث الاعراب التقديرى ، وهو فى خمس صيغ من المضارع الناقص ، فان الرفع مقدر فى نحو يغزو ويرمى ويرضى ، وكذا الاربع الاخرى ، والمانع من ظهور الاعراب ثقل الضمة على الواو والياء وعدم قبول الالف الحركة.

الرابع الاعراب اللفظى مع المحلى ، وهو فى المضارع المعرب اذا كان عليه عاملان احدهما الحاكم والاخر المحكوم ، نحو من ضربنى اضربه ، ودليل وجود العاملين جواز الوجهين الرفع والجزم فى هذا المضارع ، وقد قلنا ان سبب الرفع مشابهته بالاسم ، وهى موجودة لا تزول بوجود الناصب والجازم ، وياتى بيان المطلب فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

الخامس الاعراب المحلى مع المحلى ، وهو فى الفعل المضارع المبنى الذى عليه العاملان الحاكم والمحكوم ، نحو ان تضربنى فو الله لاضربنك : فان المضارع الثانى مبنى على الفتح وله محلان من الاعراب : الرفع والجزم ، ودليل ذلك جواز الوجهين فى معطوفه ، وياتى بيانه فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.

السادس الاعراب التقديرى مع المحلى ، وهو فى المضارع المقدر اعرابه الداخل عليه العاملان الحاكم والمحكوم نحو ان كنت صالحا يرضى ابوك عنك ، والدليل جواز الوجهين ، والبيان فى ذلك المبحث.

٢٨٨

المبحث الثانى والعشرون

فى الاسماء العاملة الشبيهة بالفعل فى العمل

اعلم ان جهة العاملية فى الفعل هى معنى الحدث ، فانه يقتضى فاعلا ومفعولا وغير ذلك من المتعلقات ، فكل اسم وجد فيه معنى الحدث فله اقتضاء ان يعمل كما يعمل الفعل ، والاسم الواجد لمعنى الحدث ثمانية : المصدر واسم المصدر واسم الفاعل والمحول منه اى صيغة المبالغة واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل واسم الفعل ، والظرف والجار والمجرور ايضا يعملان باعتبار متعلقهما وياتى بيان ذلك فى مبحث شبه الجملة فى المقصد الثانى ، ونذكر الان احكام تلك الثمانية فى ابواب خمسه.

الباب الاول

فى المصدر واسم المصدر ، ونذكرهما فى فصلين.

الفصل الاول

يعمل المصدر مضافا ومنونا ومحلى بال ، والاكثر استعماله مضافا ، واضافته اما الى فاعله او مفعوله او معمول آخر له ، وهذه ثلث صور :

١ ـ : المضاف الى فاعله نحو قوله تعالى : (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) ـ ٥٨ / ١ ،

٢٨٩

(وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) ـ ٩ / ٤٦ ، والمصدران من الفعل اللازم ، وكذا قوله تعالى : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) ـ ٤٣ / ٣٨ ، مضاف الى الفاعل لا الى الظرف لان كلا من المشرق والمغرب بعيد عن الآخر لا ظرف للبعد.

ومثال مصدر الفعل المتعدى المضاف الى الفاعل قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) ـ ٤ / ١٥٣ ، (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) و (بِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) ـ ٤ / ١٥٥ ـ ١٦١ ، وهذه الآيات فى ذم اليهود ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ـ ٢ / ٢٥١ ، (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) ـ ٢٢ / ٤٧ ، (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) ـ ٣٠ / ٤ ، وكما فى هذه الابيات.

تانّ ولا تعجل بلومك صاحبا

٤٣٢ لعلّ له عذرا وانت تلوم

قد جرّبوه فما زادت تجاربهم

٤٣٣ ابا قدامة الّا المجد والفنعا

واقتل داء رؤية العين ظالما

٤٣٤ يسئ ويتلى فى المحافل حمده

اظلوم انّ مصابكم رجلا

٤٣٥ اهدى السّلام تحيّة ظلم

واذا اضيف مصدر المتعدى الى فاعله فمفعوله اما يذكر بعده منصوبا او مجرورا بالحرف واما لا يذكر كما شوهد فى الامثلة.

٢ ـ : المضاف الى مفعوله نحو قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) ـ ٤ / ١٥٧ ، (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ـ ٢٢ / ٣٩ ، (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ـ ٣٠ / ٣ ، وفى هذه الآيات اضيف المصدر الى المفعول به والفاعل غير مذكور.

واما ذكر فاعل المصدر بعد اضافته الى مفعوله فقد قيل فى مواضع لا تخلو من اشكال.

منها قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ،) قيل : ان حج اضيف الى مفعوله ومن استطاع فاعله ، والصحيح انه بدل بعض من الناس بحسب

٢٩٠

التركيب ، وان كان فاعلا للحج فى المعنى ، واشكال كونه فاعلا بحسب التركيب ان المعنى حينئذ ولله على الناس ان يحج المستطيع فيلزم تاثيم جميع الناس اذا تخلف مستطيع عن الحج.

ومنها قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) ـ ٦ / ١٣٧ ، فى قراءة بعض بجر اولاد ورفع شركاء ، واشكال هذه القراءة لزوم ان يكون شركاء المشركين اى الشياطين قاتلين ، مع انهم مزينون للقتل ، والقاتلون هم المشركون انفسهم ، الا ان يرتكب فيه المجاز.

ومنها قوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ،) قيل : ان ذكر اضيف الى مفعوله وربك فاعله ، وفيه ان ربك فى تركيب الكلام فاعل رحمة وكقول الشاعر.

ومنع ذى غنى حقوقا شين

٤٣٦ وبذل مجهود مقلّ زين

٣ ـ : المصدر المضاف الى المفعول فيه ، نحو قوله تعالى : (قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) ـ ١٨ / ٧٨ ، وقيل : ان فراق مضاف الى فاعله ، وبين فى الموضعين مصدر بمعنى البينونة ، والمعنى : قد فارق البينونه عنا ، وهذا خطا لان هذا المعنى لا يلائم الواقعة ، وقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ـ ٣٤ / ٣٣ ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) ـ ٤ / ٩٢ ، ونحو حب يوم عاقل لهوا صبا ، اى ميل الى لعب الصبيان.

٤ ـ : المصدر المضاف الى المفعول له فى المعنى ، نحو جلس جلسة الاستراحة ، اى للاستراحة ، وكذا تكبر تكبر الاستطالة ، وقطع قطع العداوة ، وليس هذا فى الاصطلاح مفعولا له ولا ذاك مفعولا فيه ، بخلاف الاول والثانى فيقال لهما الفاعل والمفعول وان كانا مجرورين بالاضافة.

واما المصدر المنون فيعمل فى المنصوب والجار والمجرور ، نحو قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) ـ ٩٠ / ١٤ ، وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ ـ ٢٣ / ١٨ ، (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) ـ ٢ / ١٧٨ ،

٢٩١

وما فى هذه الابيات.

يا قابل التوب غفرانا مآثم قد

٤٣٧ اسلفتها انا منها خائف وجل

شكرا لربّك يوم الحرب نعمته

٤٣٨ فقد حماك بعزّ النصر والظفر

بضرب بالسيوف رؤوس قوم

٤٣٩ ازلناها مهنّ عن المقيل

واما المصدر المحلى بال فاعماله قليل ضعيف كما فى البيتين.

لقد علمت اولى المغيرة انّنى

٤٤٠ كررت فلم انكلعن الضرب مسمعا

ضعيف النكاية اعداءه

٤٤١ يخال الفرار يراخى الاجل

وهنا تنبيهات

الاول : تابع ما يضاف اليه المصدر يجوز فيه الجر حملا على اللفظ ، والرفع والنصب حملا على المحل كما فى هذه الابيات.

قد كنت داينت بها حسّانا

٤٤٢ مخافة الافلاس واللّيّانا

يحسن بيع الاصل والقيانا

حتّى تهجّر فى الرواح وهاجها

٤٤٣ طلب المعقّب حقّه المظلوم

لقد عجبت وما فى الدهر من عجب

٤٤٤ انّى فللت وانت الصارم البطل

السّالك الثغرة اليقظان سالكها

٤٤٥ مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل

كذا قيل ، ولكن لا يساعده الاعتبار ، اذ ليس فى المقام عاملان حاكم ومحكوم ، فالابيات وغيرها ان وجد تحمل على التخصيص او الشذوذ.

الثانى : لا يتقدم معمول المصدر عليه الا اذا كان ظرفا او جارا ومجرورا ، نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ـ ٣٧ / ١٠٢ ، معه متعلق بالسعى ، (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) ـ ٢٤ / ٢ ، بهما متعلق برافة ، (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) ـ ١٨ / ١٠٨ ، عنها متعلق بحولا ، وفى الدعاء : اللهم اجعل لنا من امرنا فرجا ومخرجا ، مخرجا مصدر ميمى ، اى اللهم اجعل لنا فرجا و

٢٩٢

خروجا من امرنا المتعب الى الرخاء والرفاه ، ونحو قول بعضهم : وبعض الحلم عند الجهل للذلة اذعان ، اى عند جهل الجاهل اذعان للذلة.

الثالث : شرطوا لعمل المصدر امورا : صحة حلول الفعل مع حرف مصدرى محله ، ونظرهم فى هذا الشرط ان لا يكون مفعولا مطلقا فانه لا يصح ان يكون جملة مصدرة بالحرف المصدرى ، وعدم كونه مصغرا ، وان لا يكون ضميرا راجعا الى المصدر ، وان لا يكون مختوما بالتاء ، وان لا يكون فعله مذكورا ، وان لا يكون مثنى او مجموعا ، او منفصلا عن معموله.

الفصل الثانى

فى اسم المصدر ، وقد ذكروه فى كتبهم ، وفيما ذكروا خلط وابهام ، والبيان انه قد يقال باعتبار المعنى وقد يقال باعتبار اللفظ.

اما باعتبار المعنى فاسم المصدر ما اراد منه المتكلم معنى الحدث من حيث هو هو ، والمصدر ما اراد منه معنى الحدث من حيث الصدور او الاتصاف ، وانما قلنا ما اراد المتكلم ، ولم نقل ما دل اللفظ لان اسم المصدر ليس له لفظ خاص فى الاكثر ، بل كل لفظ من المصادر يمكن ان يراد منه الحدث باعتبار الصدور او الاتصاف فهو المصدر ، او يراد منه نفس الحدث فهو اسم المصدر.

فالضرب مثلا عدة حركات من الضارب وضغط بآلة على اعضاء المضروب ، فان قلت : الضرب واردت هذا المعنى فاللفظ اسم المصدر ، وان قلت : ضرب زيد عمرا حسن فاللفظ مصدر ، وهو المعتبر فى المشتقات من الفعل وشبهه ، وكذا القيام مثلا فان قلت : ان القيام من مقولة الوضع فهو اسم المصدر ، وان قلت : قيام الانسان للصلاة واجب فهو مصدر ، وهكذا.

ثم ان القوم ذكروا فى كتبهم اسماء وقالوا : هى اسماء المصادر ، منها ما هو على وزن فعل ، بكسر الفاء ، نحو سمع وحجر وسلم ، بل قيل : كل ما هو على هذا الوزن فهو اسم المصدر ، والمصدر بفتح الفاء ، ومنها بعض ما هو على وزن فعل

٢٩٣

بضم الفاء ، نحو غسل وطهر ، ومصدرهما الاغتسال والتطهر ، او على وزن فعول ، نحو وضوء وحنوط ووقود ، ومصدرها التوضى والتحنط والتوقد ، ومنها بعض ما هو على وزن فعال ، نحو عطاء ومصدره الاعطاء ، وجزاء ومصدره المجازاة ، وثواب ومصدره الاثابة ، وغذاء ومصدره التغذى ، ومنها بعض ما هو على وزن فعله ، نحو بسطة ومصدرها البسط ، وحرقة ومصدرها الاحتراق ، وقالة ومصدرها القول ، ومنها بعض ما هو على وزن مفعلة ، نحو محمدة ومصدرها الحمد ، هذا ، ولكن الحق ما قلنا من ان الفرق اعتبارى منوط بارادة المتكلم ، فان اراد من اللفظ الحدث المنسوب الى الفاعل او غيره كما هو الشان فى جميع المشتقات فهو مصدر ، والا فاللفظ اسم للمصدر.

واما باعتبار اللفظ فهو مصادر عوملت معاملة الاعلام وتبنى او تعرب اعراب ما لا ينصرف ان اجتمع العلمية مع سبب آخر ، نحو سبحان علم للتسبيح ، وفجار علم للفجرة ، وحماد علم للمحمدة ، ومرادهم ان هذه الاسماء وضعت لهذه الاسماء ، ولذلك يقال لها اسماء المصدر ، مع ان معنى سبحان وتسبيح واحد ، ويجرى الاعتباران فى هذه كما يجريان فى تلك.

والذى دعاهم الى هذا الاصطلاح فى امثال هذه المصادر انهم شاهدوا ان العرب تستعملها مبنية او غير منصرفة مجردة عن ال والتنوين والاضافة ، فقالوا : انها اسماء اى اعلام للمصادر ، والا فلا فرق من جهة المعنى الا باعتبار النسبة وعدمها كالقسم الاول ، وما اصطلحوا عليه فى هذا الباب نظير اصطلاحهم فى اعلام الاجناس ، وياتى ذكرها فى المبحث الخامس من المقصد الثانى.

تنبيه

اختلفوا فى اعمال اسم المصدر ، فمنعه قوم وجوزه آخرون ، والحق هو المنع ، لانه ان اعتبرت فى معناه النسبة الى فاعل او غيره من معمولات الفعل فليس اسما

٢٩٤

للمصدر باى لفظ ووزن كان ، بل هو مصدر ، وان لم تعتبر فلا اعمال فهو اسم للمصدر باى لفظ ووزن كان ايضا ، لان الاعمال والنسبة مثلا زمان ، بل ليس معنى الاعمال الا نسبة الحدث الى الفاعل وغيره من المعمولات فى تركيب الكلام ، واستدل المجوزون بما فى هذه الابيات.

اكفرا بعدردّ الموت عنّى

٤٤٦ وبعد عطائك المائة الرتاعا

اذا صحّ عون الخالق المرء لم يجد

٤٤٧ عسيرا من الآمال الّا ميسّرا

بعشيرتك الكرام تعدّ منهم

٤٤٨ فلا يرينّ لغيرهم الوفاء

قالوا : عطاء وعون وعشيرة اعملت فى الفاعل والمفعول مع انها اسماء المصدر ، والجواب انها ليست اسماء المصدر لاعتبار النسبة فيها ، ولم يتعين فى كلام العرب لفظ لان يكون مصدرا او اسم مصدر ، بل المناط هو الاعتبار ، فان شاهد نافيه نسبة الى معمول فهو مصدر ، والا فهو اسم المصدر.

قال الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى : (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) ـ ١٧ / ٦٣ ، انتصب جزاء موفورا بما فى جملة فان جهنم جزاءكم من معنى تجازون او بتقدير تجازون او على الحال ، ومراده بالانتصاب كونه مفعولا به ثانيا وانما ابى عن كون جزاءكم عاملا فيه لاعتباره نفس حقيقة الجزاء بدلالة حمله على جهنم ، فان المصدر لا يحمل على الذات.

ولا يخفى ان اسم المصدر قد يستعمل اسما لما يتحقق به الفعل فى الخارج ، اى موضوع اسم المصدر ، نحو الجزاء والعطاء والثواب ، وهى اسماء لما يوصل المجازى والمعطى والمثيب الى احد ، وهى ذوات قائمة بها اسماء المصدر ، والوضوء وهو الماء الذى به يتوضى ، والطهور وهو ما يحصل به الطهارة من الماء والتراب ، والوقود وهو الجسم الذى يتحقق به التوقد ، والغذاء والطعام ، وهما ما به يقع التغذى والطعم ، والحنوط وهو ما يتحنط به الميت ، وغيرها من الالفاظ ، فحينئذ يصح حملها على تلك الاشياء ، والآية من هذا القبيل.

٢٩٥

الباب الثانى

فى اسم الفاعل والمحول منه ، وهو صيغة المبالغة ، وانما يقال له المحول من اسم الفاعل لانه هو الا فى الصيغة فكان اسم الفاعل حوّل من صيغته الى صيغة اخرى ، واما المبالغة فهى راجعة الى المعنى ، ونحن نجرى الكلام عليهما مجرى واحدا ، ونذكر اسم المفعول فى ضمن هذا الباب.

فاسم الفاعل كلمة تدل على ذات وحدث على وجه الصدور ، نحو ضارب وناصر ، او الاتصاف ، نحو طاهر وعالم ، والمراد بالحدث مدلول المصدر ، والمراد بالذات ما يقابل الحدث ، فان الاسم اما لذات ويقال له اسم عين ايضا ، او لحدث ويقال له اسم معنى ايضا ، او للمركب منهما ، ويقال له الوصف والمشتق وشبه الفعل ، وهو يعمل عمل فعله ، ويستعمل كسائر الاسماء على ثلاثة اقسام : منونا او مضافا او محلى بال ، ونذكر كل قسم على حدته.

القسم الاول

ان يكون منونا ، وشرط عمله اعتماده على مبتدا او موصوف او ذى حال او استفهام او نفى او حرف نداء او رب ، وهذه سبع صور ، واليك امثلتها.

الصورة الاولى

اعتماده على المبتدا ، والمراد به هنا ما يعم مدخول الناسخ ، ولا فرق فى ان يكون مفردا او مثنى او مجموعا جمعا صحيحا او مكسرا ، وعمله فى المرفوع ضميرا وظاهرا ، وفى المنصوب مفعولا وغير مفعول.

١ ـ نحو قوله تعالى : (إِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) ـ ٢ / ٧٠ ، (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) ـ ٢ / ٥١ ، (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) ـ ٨٥ / ٢٠ ، (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ـ ٢ / ١٥٦ ،

٢٩٦

فى هذه الامثلة رفع الضمير المستتر الراجع الى المبتدا.

٢ ـ : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ـ ٢ / ٣٠ ، (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ـ ٢ / ٧٢ ، (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ـ ٣٥ / ٢٢ ، (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ـ ٢٦ / ٣ ، فى هذه الامثلة عمل فى المفعول به.

٣ ـ : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ ٢١ / ٩٧ ، عمل فى الفاعل الظاهر

٤ ـ : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) ـ ٢ / ١٩ ، (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ٢ / ٢٥ ، (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٢ / ٧٤ ، (إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) ـ ٨٤ / ٦ ، (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) ـ ٨٥ / ٧ ، عمل فى الجار والمجرور ، وـ المنصوب فى قوله تعالى : (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) ـ ٥٦ / ٥٥ ، مفعول مطلق.

الصورة الثانية

اعتماده على الموصوف ، نحو قوله تعالى : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ٥٨ / ٥ ، (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) ـ ١٦ / ٦٩ ، (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) ـ ٣٨ / ٥٩ ، (كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) ـ ٢ / ٨٩ ، فى هذه الامثلة عمل فى الفاعل المستتر والظاهر والظرف والمفعول به بواسطه لام التقوية ، وقد يكون الموصوف محذوفا ، نحو قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) ـ ٣٥ / ٢٨ ، اى صنف مختلف الوانه ، (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) ـ ٣٥ / ٣٢ ، اى فمنهم عبد ظالم لنفسه.

الصورة الثالثة

اعتماده على ذى الحال : نحو قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) ـ ٢ / ٢٣٨ ، (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) ـ ٢ / ٥٨ ، (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ـ ٢ / ٦٠ ، (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) ـ ٤٨ / ٢٧ ، (وَما أُمِرُوا

٢٩٧

إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ) ـ ٩٨ / ٥ ، (وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) ـ ٢١ / ٣ ، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) ـ ٧٦ / ١٢ ـ ١٣ ، (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ـ ٧٢ / ٢٣ ، (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) ـ ٦٨ / ٤٣ ، (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) ـ ٦٧ / ٢٢ ، (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) ـ ٥٤ / ٧ ، والوصف فى بعض هذه الامثلة عمل فى الفاعل المستتر ، وفى بعضها فى الفاعل الظاهر ، وفى بعضها فى الجار والظرف ، وفى بعضها فى المفعول به.

الصورة الرابعة والخامسة

اعتماده على الاستفهام والنفى ، نحو قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) ـ ١٩ / ٤٩ ، (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) ـ ٣٥ / ٣ ، وكما فى البيتين.

خليلىّ ما واف بعهدى انتما

٤٤٩ اذا لم تكو نالى على من اقاطع

اقاطن قوم سلمى ام نووا ظعنا

٤٥٠ ان يظعنوا فعجيب عيش من قطنا

ومن هذا الباب وقوع كلمة غير قبل الوصف لانه فى معنى الحرف كما فى البيتين.

غير لاه عداك فاطّرح اللهو

٤٥١ ولا تغترر بعارض سلم

غير مأسوف على زمن

٤٥٢ ينقضى بالهمّ والحزن

وقد مر فى المبحث الاول ان الوصف المعتمد على النفى او الاستفهام من اقسام المبتدا ، وما بعده فاعل ساد مسد الخبر.

الصورة السادسة

اعتماده على حرف النداء : نحو ما جاء فى الدعاء من قولهم : يا نافذا حكمه ، يا دائما بقاؤه ، يا واسعا عطاؤه ، يا كافيا من استكفاه ، يا عالما ما يرى وما لا يرى ، يا خالقا كل شىء ، يا حيا قبل كل حى ، يا حيا بعد كل حى ، يا مطلعا على النيات ،

٢٩٨

يا مفرجا عن المكروبين ، يا منفسا عن المهمومين ، والوصف عمل فى هذه الامثلة فى الفاعل الظاهر والمفعول به والظرف والجار والمجرور ، ويقال لهذه الاوصاف العاملة لما بعدها شبه المضاف والاسم المطول لتطويله بمعموله.

ثم ان ابن مالك عد هذه الصورة فى الالفية ، وانكر عليه غيره ، وقالوا : ان هذا من قبيل المعتمد على الموصوف وموصوفه محذوف ، لان الوصف يعمل لشباهته بالفعل وحرف النداء لكونه مختصا بالاسم يبعده عن المشابهة ، فكيف يكون عماده فى العمل.

اقول : الحق مع ابن مالك لان الاصل عدم الحذف والتقدير ، ولان هذا التعليل كسائر تعليلاتهم ، ولان الوصف يعمل عمل الفعل مع ال بلاخلاف وهو اقوى اختصاصا بالاسم من حرف النداء ، لان حرف النداء يدخل على الجملة الفعلية كما ياتى فى مبحثه فى المقصد الثالث ، وال لا تدخل الا على الاسم الظاهر الصريح.

الصورة السابعة

اعتماده على رب ، كقول على عليه‌السلام : رب متحرز من شىء فيه آفته ، رب منعم عليه مستدرج بالنعمى ، رب مغبوط برجاء هو داؤه ، عمل الوصف فى هذه الامثلة فى الجار والمجرور ، وما بعد رب مبتدا لا محالة لانه مسند اليه وما بعده خبره.

وقد يحذف الخبر فى هذا الاسلوب نحو قول على عليه‌السلام : رب قاعد عما يسره ، رب جامع لمن لا يشكره ، رب عاطب بعد السلامه ، رب سالم بعد الندامة ، رب ساع فيما يضره ، فان الجار والظرف فى هذه الامثلة متعلقان بالوصف ، والخبر محذوف من كائن ونحوه.

٢٩٩

القسم الثانى

ان يكون الوصف العامل محلى بال ، نحو قوله تعالى : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) ـ ٣ / ١٣٤ ، (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) ـ ٣٣ / ٣٥ ، (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) ـ ٧٩ / ٥ ، (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) ـ ٧٧ / ٥ ، (فَالْحامِلاتِ وِقْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) ـ ٥١ / ٢ و ٤ ، (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) ـ ٣٧ / ٣ ، والتاء فى هذه الآيات للمبالغة ، (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) ـ ٤٨ / ٦ ، (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) ـ ٣٣ / ٣٥ ، (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) ـ ٢٢ / ٣٥ ، وال فى هذا القسم موصول ، وياتى بيان ذلك فى باب الموصولات فى المبحث السادس من المقصد الثانى ، وحديث الاعتماد فى هذا القسم ساقط لان الموصول عماد صلته ، فان قولك : الناصر ابى انا بمنزله الذى ينصر ابى انا.

القسم الثالث

ان يكون مضافا الى فاعله او مفعوله ، واليك الامثلة.

١ ـ المضاف الى فاعله ، نحو قوله تعالى : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) ـ ٦ / ١٢٠ ، وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ ـ ٣٧ / ٤٨ ، ونحو زيد طاهر الاصل ، وعمرو منقطع النسل ، والوصف المتعدى لا يضاف الى فاعله.

٢ ـ المضاف الى المفعول به ، نحو قوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ ٣ / ٥٥ ، (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) ـ ٣٧ / ٣٨ ، (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ ٢٨ / ٧ ، (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٣ / ٩ ، (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ـ ١٨ / ٥٣.

٣ ـ : المضاف الى المفعول به الاول مع عمل النصب فى الثانى ، نحو قوله تعالى : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) ـ ١٨ / ٥١ ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) ـ ٣٥ / ١ ، (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) ـ ٢ / ١٢٤.

٤ ـ : المضاف الى المفعول به الثانى مع عمل النصب فى الاول ، نحو قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) ـ ١٤ / ٤٧ ، وحديث الاعتماد فى هذا القسم

٣٠٠