علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ـ ٤ / ٦ ، اى قيم اليتيم ان كان فقيرا فلياكل من مال اليتيم بلا اسراف اجرا لقيامه بامور اليتيم.

٢ ـ (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ـ ٢ / ١٨٧ ، الرفث التكلم بما يستقبح ذكره من آلات التناسل وغيرها ، وهو يتعدى بالباء ، وتعدى فى هذه الآية بالى لتضمين معنى الافضاء ، واصل الافضاء هو التحرك الى الفضاء ، اى احل لكم الرفث اذا تحركتم الى فضاء فيه نسائكم للخلوة معها والتمتع بها ، والمراد احلال التمتع بالنساء ليلة الصيام وعدم قبح الرفث فى تلك الحال.

٣ ـ : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) ـ ٣٧ / ٨ ، ضمن التسمع معنى الاصغاء فعدى بالى ، والا فهو متعد بنفسه ، والاصغاء هو التوجه الى شىء ليستمع منه شيئا ، والمراد ان الشياطين لا يتوجهون بسمعهم الى الملا الاعلى بعد ولادة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اذ منعوا من ذلك بالشهب ، وكانوا قبل ذلك يصعدون الى السماء ويسمعون اخبار الحوادث من الملائكة ويرجعون ويلقونها الى الكهّان.

٤ ـ : سمع الله لمن حمده ، اى سمع حمده واستجاب له ، فتعديته باللام باعتبار معنى الاستجابة ، والغرض انه تعالى يستجيب للحامدين دعاءهم ، كما جاء فى الحديث : احمدوا الله وعظموه وصلوا علينا ثم ادعوا الله.

٥ ـ : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ـ ٢ / ٢٢٦ ، الايلاء بمعنى الحلف ، ضمن معنى الامتناع فعدى بمن ، اى للذين يمتنعون من وطى نسائهم بالحلف تربص اربعة اشهر ، والمراد ان نفس الامتناع ليس موضوعا لحكم التربص ، بل الحلف على الامتناع.

٦ ـ : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٢٤ / ٦٣ ، ضمن المخالفة معنى الاعراض فعديت بعن والا فهى متعدية بنفسها ، والاعراض هنا ترك التوبة والتمادى فى العصيان ، والغرض ان الفتنة والعذاب الاليم لمن ترك التوبة ، واما التائب فيشمله الغفران.

٢٦١

٧ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ـ ٦١ / ١٤ ، اى من ينصرنى ويتقرب الى الله بنصرى ، والغرض ان نصرته من دون التقرب الى الله ليس بشئ.

٨ ـ : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) ـ ٢٨ / ١٥ ، ضمن دخل معنى اطلع فعدى بعلى ، اى دخل موسى وكان مطلعا على غفلتهم لا غافلا ، وقيل : على بمعنى فى وليس بشئ.

٩ ـ : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) ـ ٦٩ / ٢٨ ، ضمن اغنى معنى دفع فتعدى بعن ، اى ما كفانى مالى وما دفع عنى شيئا من العذاب.

١٠ ـ : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ـ ٢١ / ٧٧ ، ضمن نصر معنى انتقمنا فعدى الى مفعول ثان بمن ، اى نصرناه وانتقمنا له منهم.

١١ ـ : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) ـ ١٠٧ / ١ ، ضمن يكذب معنى كفر فتعدى بالباء ، والا فهو متعد بنفسه كقوله تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ) ـ ١٠ / ٧٣ ، وجمع بين اللفظين فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ـ ٥ / ١٠.

١٢ ـ : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) ـ ١١ / ٦٠ ، ضمن كفر معنى كذب فعدى بنفسه على عكس مامر ، وامكن ان يراد : ما شكروا ، فلا تضمين ، لان كفر فى قبال شكر يتعدى بنفسه كما فى قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) ـ ٢ / ١٥٢.

١٣ ـ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) ـ ١٤ / ٣ ، ضمن يستحبون معنى يختارون فعدى الى ثان بعلى ، والمراد ان اخذ الدنيا وترك الآخرة مذموم ، واما اخذها لتحصيل الآخرة ذاكر الله تعالى فلا ، قال : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) ـ ٢٤ / ٣٧ ،.

١٤ ـ : (قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ـ ١٢ / ١٠٠ ، ضمن احسن معنى

٢٦٢

لطف فعدى بالباء ، اى ان احسانه الى من جهة لطفه بى.

١٥ ـ : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) ـ ٣ / ١١٥ ، ضمن يكفروه معنى يحرموه فعدى الى مفعولين ، والكفر هنا مقابل الشكر ، اى يشكرون على اعمالهم ويعطون ثوابها ، فلذا قالوا : ان شكر الله تعالى للعبد اعطاؤه جزاء عمله فان الله شاكر عليم ـ ٢ / ١٥٨ ،.

١٦ ـ : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) ـ ٢ / ١٣٠ ، عدى سفه الى المفعول مع انه لازم لتضمنه معنى اهلك ، اى الراغب عن ملة ابراهيم يهلك نفسه عن سفاهته وهذا الوجه اولى من ان يكون نفسه تمييزا

١٧ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ـ ٣ / ١١٨ ، لا يالون اى لا يقصرون ، وهو يتعدى الى مفعول واحد بفى ، يقال : قصر زيد فى العمل ، ولكن ضمن معنى لا يمنعون فعدى الى مفعولين ، والخبال هو الفساد ، فالمرادان الكفار لا يقصرون فى الفساد عليكم ولا يمنعونه.

١٨ ـ : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) ـ ٢ / ١٨٥ ، ضمن التكبير معنى الحمد بقرينة على ، اى لتكبروا الله وتحمدوه على نعمة الهداية.

١٩ ـ : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) ـ ٢ / ٢٢٠ ، اى يعلم المفسد ويميزه من المصلح ، فضمن يعلم معنى يميز.

٢٠ ـ : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) ـ ٢ / ٢٥٩ ، اى اماته الله والبثه فى الموت مائة عام ثم بعثه ، لان الاماته تقع فى ساعة ، ولا تمتد الى زمان ، والممتد زمانا هو الموت.

٢١ ـ : قول على عليه‌السلام : احمده الى نفسه كما استحمد الى خلقه ، اى احمده واوجه حمدى الى نفسه لا الى غيره كما امر خلقه بحمده فى كتابه بقوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ـ ٢٩ / ٦٣ ، ويوصل نفع حمده الى خلقه.

وقال ابن هشام فى حرف الى من المعنى : يقولون : احمد اليك الله سبحانه ،

٢٦٣

اى انهى حمده اليك ، وهذه الجملة شوهدت فى صدر بعض المكاتيب ، ومعنى انهاء حمده تعالى الى غيره هو ايصال ثوابه اليه اتحافا.

٢٢ ـ : ما فى هذه الابيات.

كيف ترانى قالبا مجنّى

٤٠١ قد قتل الله زيادا عنّى

اذا رضيت علىّ بنو قشير

٤٠٢ لعمر الله اعجبنى رضاها

ممّن حملن به وهنّ عواقد

٤٠٣ حبك النطاق فشبّ غير مهبّل

حملت به فى ليلة مزؤودة

٤٠٤ كرها وعقد نطاقها لم يحلل

وهنا تنبيهات

يبحث فى علم النحو عن التضمين من حيث نقل الفعل من اللزوم الى التعدى وبالعكس ونيابة حرف عن حرف آخر باعتبار المعنى التضمينى ، ويبحث عنه فى علم البيان من حيث انه حقيقة او مجاز ، والحق انه حقيقة لا مجاز لان المجاز ذكر اللفظ وارادة معنى غير معناه الاصلى ، ولا كناية لانها ذكر اللفظ وارادة لازم معناه ، والتضمين ارادة معنى مع المعنى الاصلى ، غاية الامر ان للتضمين شبها بالمجاز من جهة لزوم التناسب بين المعنيين والحاجة الى القرينة.

والحق ان ارادة المعنيين او اكثر من لفظ واحد جائز مع القرينة خلافا لبعض اصحاب اصول الفقه ، كجواز الدلالة التضمنية ، فانها دلالة اللفظ على معنيين او اكثر بالوضع من حيث انها دلالة تضمنية كالانسان الدال على الحيوان العاقل ، فاذا جاز الوضع لذلك جاز الارادة فى غير الوضع بالقرينة ، كالكناية ان قلنا انها ارادة المعنى الاصلى والمعنى اللازم معا ، وهو احد القولين.

والحق ان التضمين قياسى لا انه موقوف على السماع كما قال بعض لكثرة وروده فى الآيات والاشعار ، فللكاتب والخطيب ان ياتى به مع رعاية تناسب المعنيين والاتيان بالقرينة وقد اجتمع التضمين والتنازع ، فى قوله تعالى : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ

٢٦٤

حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) ـ ٣٨ / ٣٢ ، اى وشغلنى عن ذكر ربى ، فان حب الخير تنازع فيه احببت فيطلبه مفعولا مطلقا وشغل فيطلبه فاعلا ، والمضاف اليه اى الخير وهو بمعنى الخيل يغنى احببت عن المفعول به ، اى احببت الخيل وشغلنى حبها عن ذكر ربى ، والمراد بذكر ربى صلاته اول الوقت ، وحبه للخيل لانها كانت خيلا يجاهد بها فى سبيل الله.

الامر الخامس

فى المنصوب بنزع الخافض : وهو المنصوب بالفعل الذى تعلق به بالجار المحذوف ، ودليل حذفه استدعاء معنى الفعل لذلك الحرف ، وهذا الحذف قياسى فى الاسم المؤول وسماعى فى الاسم الصريح ، والقياسى فى ثلاثة مواضع.

الموضع الاول : قبل ان نحو قوله تعالى : (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) ـ ٥ / ٨٤ ، اى فى ان يدخلنا الخ ، والطمع هو انتظار الانتفاع بما فى يد الغير ، ومنه ممدوح ومنه مذموم ، والممدوح ما لا ينافى حقا ، كما فى الآية ، والمذموم بخلافه نحو قوله تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ـ ٣٣ / ٣٢ ، وهذه المادة تتعدى بفى كقول على عليه‌السلام : ولعل بالحجاز او اليمامة من لا طمع له فى القرص ولا عهد له بالشبع ، وقوله الاخر خطابا للناس : اصبحت والله لا اصدق قولكم ، ولا اطمع فى نصركم.

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) ـ ٤ / ١٣١ ، اى بان اتقوا الله ، وهذه المادة تتعدى الى المفعول الثانى بالباء ، نحو قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) ـ ١٩ / ٣١ ، (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ـ ٦ / ١٥١ ، وفى باب التفاعل تتعدى الى واحد بالباء ، ويتشارك الفاعل والمفعول الاول فى الفعل ، نحو قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ـ ١٠٣ / ٣.

٢٦٥

وقوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ،) اى عن ان تنكحوهن او فى ان تنكحوهن على اختلاف التفسير ، وياتى ان هذه المادة تتعدى باحد ثلاثة حروف ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ـ ٩٦ / ٦ ، اى لان (رَآهُ اسْتَغْنى) ، ونظير آيه ترغبون قول الشاعر :

ويرغب ان يبنى المعالى خالد

٤٠٥ ويرغب ان يرضى صنيع الالائم

الموضع الثانى : قبل انّ ، نحو قوله تعالى : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) ـ ٦ / ١٣٠ ، اى بانهم الخ فان شهد يتعدى بالباء ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٢٤ / ٢٤ ، (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٦ / ١٠٩ ، اى بانها ، لان الاشعار يتعدى الى المفعول الثانى بالباء ، كقوله تعالى : (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) ـ ١٨ / ١٩.

الموضع الثالث : قبل كى الناصبة ، نحو قوله تعالى : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) ـ ٢٨ / ١٣ ، اى لكى تقرعينها ، (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ـ ٥٩ / ٧ ، اى لكيلا يكون الخ ، وهذا اولى من ان يقال : ان كى بمعنى اللام ، والمقدر هو ان بعدها ، لان كى كاختها ان من الحروف الناصبة للمضارع ، واللام قد ظهرت عليها فى مواضع كثيرة نحو قوله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) ـ ٥٧ / ٢٣.

ثم السماعى منه فى موارد نذكر بعضا منها.

١ ـ : قوله تعالى : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) ـ ١١ / ٦٠ ، (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) ـ ١١ / ٦٨ ، قيل : حذف الباء من ربهم فى موضعين ، والاولى ان يقال : انه من باب التضمين كما مر بيانه فى الفصل الرابع.

٢ ـ : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) ـ ٧ / ١٥٥ ، قيل : اى من قومه ، والاولى ان يقال : ان سبعين بدل بعض من قومه اشارة الى نكتة بلاغية ، هى ان اختيارهم اختيار القوم كلهم لانهم نخبتهم.

٣ ـ : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) ـ ٣٦ / ٣٩ ، قال ابن هشام فى خامس المغنى

٢٦٦

فى باب حذف الجار : اى قدرنا له منازل ، وهذا ليس بمتعين ، لان قدر يجرى مجرى جعل ، فيتعلق بالواحد وبالاثنين ، وتعلقه بالواحد نحو قوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) ـ ٢٥ / ٢ ، وتعلقه بالاثنين نحو قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) ـ ٢٧ / ٥٧ ، والآية من هذا القبيل كقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) ـ ١٠ / ٥ ، فمنازل مفعول ثان بتقدير فى او ذا ، اى وقدره فى منازل ، او قدره ذا منازل لان نفس القمر ليست بمنازل ، ومن هذا الاسلوب يفهم ان القمر من اول امره كان يجرى فى منازله ، بخلاف ذلك الاسلوب ، لان مفاد قدره ذا منازل انه جعل ذا منازل ، ومفاد قدر له منازل ان منازل جعلت له ، فلم يفهم ان القمر خلق ثم جعلت له منازل ، او جعلت له من اول خلقه.

٤ ـ : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) ـ ٧ / ٤٥ ، قال ابن هشام : اى يبغون لها عوجا ، وعلى هذا فعوجا مفعول به ، والعوج عدم الاستقامة ، وامكن ان يقال : ان الضمير مفعول به وعوجا حال ، اى يطلبون سبيل الله بهذه الحالة.

٥ ـ : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) ـ ٣ / ١٧٥ ، قال ابن هشام : اى يخوفكم باوليائه ، وهذا غير متعين لان خوف يتعدى الى مفعول ثان بالباء وبنفسه ، وياتى بيانه فى الفصل السادس ، فامكن ان يكون المعنى : الشيطان يخوف اولياءه من بنى آدم بالفقر وغيره.

٦ ـ : ما فى هذه الابيات.

تحنّ فتبدى ما بها من صبابة

٤٠٦ واخفى الّذى لو لا الاسى لقضانى

تمرّون الديار ولم تعوجوا

٤٠٧ كلامكم علىّ اذن حرام

ولقد جنيتك اكمؤا وعساقلا

٤٠٨ ولقد نهيتك عن بنات الاوبر

فتولّى غلامهم ثمّ نادى

٤٠٩ اظليما اصيدكم ام حمارا

امرتك الخير فافعل ما امرت به

٤١٠ فقد تركتك ذا مال وذا نشب

٢٦٧

تنبيه

حذف الجار لا يختص بالمفعول بالواسطة ، بل يعمه وغيره من مدخول الجار كما شوهد فى الامثلة ، ويسمون هذا الصنيع بالحذف والايصال ، اى حذف الجار وايصال الفعل الى مدخوله.

تنبيه آخر

اختلفوا فى ان محل ان وان وكى بعد حذف الجار منصوب بالفعل او مجرور بالحرف المقدر ، واستدل للقول الثانى بهذين البيتين.

وما زرت ليلى ان تكون حبيبة

٤١١ الىّ ولا دين بها انا طالبه

اذا قيل اىّ النّاس شرّ قبيلة

٤١٢ اشارت كليب بالاكفّ الاصابع

ويقول اعرابى قيل له : كيف اصبحت : خير عافاك الله ، اى على خير ، وقولهم :

بكم درهم اشتريت ، اى بكم من درهم اشتريت ، ويقال فى القسم : الله لا فعلن ، اى بالله ، والامر سهل ، وهذه الامثلة لا يقاس عليها ، والثمرة تظهر فى العطف ، ولا ينافى جواز الوجهين قاعدة من القواعد.

الامر السادس

من الافعال ما يستعمل متعديا بنفسه تارة وبحرف الجر اخرى ، ولا يوجب ذلك تفاوتا فى المعنى مع احتمال اختلاف فى الاعتبار ، وذلك كثير نذكر منه بعضا. ١ ـ شكر ، نحو قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) ـ ٢ / ١٥٢ ، و (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) ـ ٢٧ / ١٩ ، ويمكن ان يقال : ان هذا الفعل يتعدى الى المنعم باللام والى النعمة بنفسه كما هو فى الآيات كذلك ، واما قوله تعالى : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) ـ ١٦ / ١٢١ ، فاللام

٢٦٨

للتقوية لا للتعدية ، ولكن جاء فى غير كتاب الله متعديا بنفسه الى المنعم كقول على عليه‌السلام : ومن شكره جزاه ، اى من شكر الله ، وقوله ايضا : قل شكرت الواهب وبورك لك فى الموهوب.

٢ ـ نصح ، نحو قوله تعالى :(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ) ـ ٧ / ٦٢ ، وقول على عليه‌السلام : فاتقى عبد ربه ونصح نفسه وقدم توبته وغلب شهوته ، هذه الجمل امر فى صورة الماضى.

٣ ـ صدق ، استعمل فى الآيات وغيرها متعديا بنفسه وبالباء ، ولكن تعديته بالباء باعتبار تضمين معنى الايمان نظير كذب كما مر فى فصل التضمين ، واما قوله تعالى : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) ـ ٣ / ٨١ ، فاللام للتقوية.

٤ ـ رضى ، نحو قوله تعالى : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) ـ ٢٢ / ٥٩ ، (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ـ ٥ / ١١٩ ، (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) ـ ٩ / ٣٨ ،.

٥ ـ زوج ، نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) ـ ٣٣ / ٣٧ ، وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ـ ٥٢ / ٢٠ ، وكذا يجوز تعديته الى المفعول الثانى بمن ، نحو زوجتك من جميلة.

٦ ـ هدى ، نحو قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ـ ١ / ٦ ، (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) ـ ٧٦ / ٣ ، (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٦ / ١٦١ ، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٤٢ / ٥٢ ، (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) ـ ١٠ / ٣٥ ، (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ـ ٢٤ / ٣٥.

٧ ـ او فى نحو قوله تعالى :(وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) ـ ٢٢ / ٢٩ ، (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) ـ ٧٦ / ٧.

٨ ـ وفى ، فانه يتعدى الى مفعولين بنفسه ، نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ـ ١١ / ١١١ ، ويتعدى الى مفعوله الاول بالى ، نحو قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) ـ ١١ / ١٥.

٢٦٩

٩ ـ : وعد ، يتعدى بنفسه الى مفعولين ، نحو قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ـ ٢ / ٢٦٨ ، والى المفعول الثانى بالباء ، ولكن لم يات فى القرآن ، فلا حاجة الى تقدير الباء على ان وان اذا وقع مفعولا ثانيا كما فعل ابن هشام لمجئ الاسم الصريح بدون الباء كما فى الآية.

١٠ ـ خوف ، يتعدى الى المفعول الثانى بنفسه ، وبالباء وبمن ، نحو قوله تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) ـ ٣٩ / ١٦ ، وقول على عليه‌السلام فتجلى لهم سبحانه فى كتابه من غير ان يكونوا راوه بما اراهم من قدرته وخوفهم من سطوته ، وقوله ايضا : يذكرون بايام الله ويخوفون مقامه ، اى ويخوفون الناس مقام ربهم ، وكذا الثلاثى وغيره من ابواب المزيد.

١١ ـ من ، يتعدى بنفسه وبالباء ، نحو قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) ـ ٢٦ / ٢٢ ،(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) ـ ٤٩ / ١٧ ، وقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام : يا على ان القوم سيفتنون بعدى باموالهم ويمنون بدينهم على ربهم ، ويتمنون رحمته ويامنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والا هواء الساهية ، وقول على عليه‌السلام : فاتقوا الله الذى نفعكم بموعظته ووعظكم برسالته وامتن عليكم بنعمته.

١٢ ـ سمع يتعدى الى الصوت بنفسه وبالباء وباللام ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) ـ ٥٠ / ٤٢ ، (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) ـ ١٩ / ٦٢ ، (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) ـ ٢ / ٧٥ ، (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ـ ٣٩ / ١٨ ، (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) ـ ٣٥ / ١٤ ، وقوله تعالى : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) ـ ٣٨ / ٧ ، (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ) ـ ١٢ / ٣١ ، (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) ـ ١٧ / ٤٧ ، وقوله تعالى : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) ـ ٢٠ / ١٣ ، (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ)

٢٧٠

٤١ / ٢٦ ، (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) ـ ٦٣ / ٤.

ويتعدى الى صاحب الصوت بنفسه ، نحو قوله تعالى : (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) ـ ٢٦ / ٧٢ ، والتقدير : هل يسمعون قولكم ، لان السمع لا يتعلق بالذات بل بالحدث المسموع ، وامكن ان يكون التقدير : هل يسمعونكم تقولون ، فهذا اذن من القسم الآتى ، ومثلها (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) ـ ٣٦ / ٢٥ ، اى فاسمعوا قولى ، او فاسمعونى اقول لكم ، واما قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ـ ١٠ / ٤٢ ، فبتضمين معنى التوجه والاقبال فلذا تعدى بالى.

ويتعدى الى صاحب الصوت بمن مع تعديه الى الصوت بنفسه ، نحو قوله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) ـ ٣ / ١٨٦ ، وهذا الاسلوب اصرح تطبيقا على المعنى الواقع من غيره.

ويتعدى الى صاحب الصوت بنفسه والى الصوت فى صياغ الجملة ، نحو قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) ـ ٣ / ١٩٣ ، (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) ـ ٢١ / ٦٠ ، والظاهر انهما مفعولا سمعنا ، كما هو الشان فى راى فى نحو قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ـ ٧ / ١٩٨.

وقيل : ان الجملة الفعلية حال لمناديا ولفتى لا مفعول ثان ، وهذا خطا ، لان تعلق السمع بالاصالة بالحدث المسموع ، وذكر الذات اولا توطئة ، وتقدير المعنى : اننا سمعنا نداء مناد للايمان.

وقال ابن هشام فى ثانى المغنى فى الجملة الثالثة من الجمل التى لها محل من الاعراب : ان راى البصرية وسائر افعال الحواس انما تتعدى لواحد بلا خلاف الاسمع المتعلقة باسم عين ، نحو سمعت زيدا يقرا ، فقيل : سمع هذا متعد لاثنين ثانيهما الجملة ، وقيل : تعدى الى واحد والجملة حال ، فان تعلق بمسموع فمتعد لواحد اتفاقا ، نحو (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) ـ ٥٠ / ٤٢ ، انته.

٢٧١

اقول : ان قوله ان راى البصرية وسائر افعال الحواس انما تتعدى لواحد بلا خلاف منقوض بقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ) ـ ١٢ / ٢٨ ، (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) ـ ٢٢ / ٢ ، (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) ـ ١٨ / ١٩ ، وامثال هذه كثيرة ، راجع فى هذا المقام الى المبحث الخامس.

الامر السابع

من الافعال ما يتعدى بالحروف المختلفة ، ويختلف معناه بذلك ، وهو كثير

١ ـ : نظر ، يتعدى بفى ، وهو حينئذ بمعنى تفكر ، نحو قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ـ ٣٧ / ٨٨ ، (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ ٧ / ١٨٥ ، لان تفكر يتعدى بفى ، نحو قوله تعالى : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ ٣ / ١٩١ ، ونظر بهذا المعنى يتعدى بنفسه الى الجملة ويعلق بها كافعال القلوب لان التفكر فعل قلبى ، نحو قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) ـ ٨٦ / ٥.

ويتعدى بالى ، وهو حينئذ بمعنى توجيه شعاع البصر نحو المرئى ، نحو قوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) ـ ٢ / ٢٥٩ ، (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) ـ ٧ / ١٤٣.

وقد يتعدى بالى لمفرد مستتبع جملة ، نحو قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) ـ ٨٨ / ١٧ ـ ٢٠ ، والجمل الاستفهامية ابدال لما قبلها ، ومتعلقة بينظرون وفيه تضمين ، اى افلا ينظرون الى الابل ويتفكرون فى كيفية خلقها الخ.

ويستعمل نظر بمعنى انتظر متعديا بنفسه ، نحو قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) ـ ٤٧ / ١٨ ، وبمعنى راى كذلك ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ

٢٧٢

ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ـ ٧٨ / ٤٠ ، والنظر المتعدى بالى مقدمة للروية فتستعمل مكانه فتتعدى بالى ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) ـ ١٤ / ٢٨ ، اى الم تنظر اليهم.

٢ ـ رغب ، يتعدى بالى ، فهو بمعنى الميل والحب ، نحو قوله تعالى : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) ـ ٩٤ / ٧ ـ ٨ ، وكذا ان تعدى بفى ، نحو قول على عليه‌السلام : وارغبوا فيما وعد الله المتقين فانه اصدق الوعد ، وان تعدى بعن فبمعنى الاعراض والبغض ، نحو قوله تعالى : (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) ـ ١٩ / ٤٦.

٣ ـ : شهد ، يتعدى بعلى فمدخولها من يحكم عليه بعد تمام الشهادة ، ويتعدى بالباء فمدخولها ما يظهر الشاهد من القول لاداء الشهادة ، نحو قوله تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) ـ ٤١ / ٢٠ ، (فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) ـ ١٢ / ٨١ ، وقد يكون المشهود به جملة غير مصدرة بحرف مصدرى او مصدرة به والباء مذكورة او محذوفة ، لانه مقول القول وهو جملة ، نحو قوله تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ) ـ ١٢ / ٢٦ ، (آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ـ ٣ / ٥٢ ، (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)ـ ٦٣ / ١ ،(قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ـ ١١ / ٥٤ ، ويستعمل شهد بمعنى حضر فيتعدى بنفسه ، نحو قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ـ ٢ / ١٨٥ ، (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢٤ / ٢.

الامر الثامن

من الافعال ما يستعمل لازما ومتعديا من باب واحد او من بابين ، وهى كثيرة منها :

٢٧٣

١ ـ : رجع ، يستعمل لازما فيتعدى بمن وعن وفى والى وعلى والباء نحو قوله تعالى : (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ـ ٢٠ / ٨٦ ، اى من الطور ، وهذا بمعنى عاد ، وهذا المعنى يستلزم من والى ، وقوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) ـ ٢٧ / ٣٥ ، وهذا بمعنى ياتى ، فالباء للتعدية او بمعنى مع ، وقول على عليه‌السلام : حتى اذا قبض الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجع قوم على الاعقاب وغالتهم السبل ، وهذا بمعنى انقلب وارتد. ويستعمل بهذا المعنى متعديا بعن فمدخولها المرتد عنه ، كقول على عليه‌السلام : حتى رايت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون الى محق دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقوله عليه‌السلام خطابا لطلحة وزبير : فارجعا ايها الشيخان عن رايكما ، وقولهم : رجع فلان فى هبته ، اى استردها ، ورجع الحيوان فى قيئه اى اكله ، ويستعمل متعديا الى واحد بنفسه مع تعلقه بثان بفى او الى ، نحو قولهم : رجع فيه بصره ، اى تامله بعد ان رآه ومنه قول على عليه‌السلام : لقد رجعت فيهم ابصار العبر ، اى فى الاموات ، وقوله تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) ـ ٦٧ / ٣ ، اى فارجع البصر فى خلق الرحمان ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) ـ ٢٠ / ٨٩ ، وهذا بمعنى رد ، ومثلها (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ) ـ ٢٠ / ٤٠ ، ويستعمل متعديا الى واحد من باب الافعال ، وقيل : هو لغة هذيل ، وليس فى القرآن منه شاهد ، واما قوله تعالى : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٢ / ٢٨ ، وامثاله فمجهول من الثلاثى.

٢ ـ : شتر ، يستعمل متعديا من باب ضرب يضرب بمعنى قلب ، يقال : شتر الله عينه اى قلب جفنه ، ولازما من باب سمع يسمع بمعنى انقلب ، يقال : شترت عينه ، اى انقلب جفنها ، ويستعمل متعديا من باب الافعال.

٣ ـ : ثلم ، يستعمل متعديا ولازما من ذانك البابين ، وهو بمعنى احداث الخلل وحدوث الخلل فى الحائط وغيره ، ويقال فى الامور المعنوية ايضا كما فى الحديث : اذا مات العالم ثلم فى الاسلام ثلمة لا يسدها شىء ، على صيغة المجهول ،

٢٧٤

ونائب الفاعل ثلمة والفاعل موت العالم ، وان قرئ ثلم من باب سمع معلوما فثلمة فاعل ، وهى بمعنى الخلل والفرجة وليست مصدرا.

٤ ـ ثرم ، من ذانك البابين بمعنى كسر الثنية وانكسارها ، ويقال لمن انكسرت منه : اثرم ومؤنثه ثرماء.

٥ ـ : كسى ، يستعمل من باب سمع يسمع متعديا الى واحد بمعنى لبس ، يقال :

كسى زيد جبته ، ومنه هذا البيت :

وان يعرين ان كسى الجوارى

٤١٣ فتنبو العين عن كرم عجاف

ويتعدى الى واحد ايضا بمعنى ستر من باب نصر ينصر ، يقال : كسا النبات الارض اى سترها ، ومنه قول الشاعر :

واركب فى الروع خيفانة

٤١٤ كسا وجهها سعف منتشر

ويستعمل متعديا الى اثنين من هذا الباب بمعنى البس ، نحو كسوت ابنى قميصا ، ومنه قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) ـ ٢ / ٢٥٩.

ثم قال ابن هشام فى آخر رابع المغنى : هذا عندنا من باب المطاوعة ، يقال : شتره فشتر كما يقال : ثرمه فثرم وثلمه فثلم ومنه كسوته الثوب فكسى ، ومراده ان لازم هذه الافعال مطاوع لمتعديها ، ولا شاهد لقوله ، ونقل عن الكوفيين انهم قالوا : هذا من باب التعدية ، فان الفعل يتعدى بنقله من باب الى باب آخر ، ويرد قولهم مجئ رجع متعديا ولازما من باب واحد ، فالحق انه تفنن استعمال من العرب فيتبع ، ولا يتعدى فيه من السماع.

الامر التاسع

ان افعال القلوب وافعال التصيير التى ذكرناها فى المبحث الخامس قد قلنا انها ان تعلقت بغير النسبة تتعدى الى واحد ، وان تعلقت بالنسبة فالى اثنين ، وان المتعدى للواحد منها اذا نقل الى باب الافعال والتفعيل يتعدى الى اثنين ،

٢٧٥

وقد ذكرت هناك امثلة القبيلتين ، وكذا انبا واخواتها.

ولكن قد تزاد الباء على معمول هذه الافعال مع انها متعدية بنفسها ، كانها لتاكيد تعلق الفعل بمعموله ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ـ ٩٦ / ١٤ ،(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) ـ ١٨ / ٢٢ ، (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) ـ ٣٦ / ٢٦ ، (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ـ ١٧ / ٣٦ ، (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) ـ ٤٩ / ١٦ ، (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ـ ٦ / ١٦٤ ، (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ـ ٢ / ٣٣ ، واما بنعمة ربك فحدث ، وكذا معمول القول ان كان مضمون الجملة لا نفس الجملة ، كقول على عليه‌السلام : وقولا بالحق واعملا للاجر ، وقوله الآخر : فلا تقولوا بما لا تعرفون ، وقوله الآخر : من اسرع الى الناس بما يكرهون قالوا فيه بما لا يعلمون.

الامر العاشر

قال القوم : ان للفعل المتعدى علامتين : ان يكون صالحا لصياغة اسم المفعول ، وان يصل به ضمير غير فاعله يعود على غير مصدره ، نحو الخير عملته ، لا نحو قمته لان هذا الضمير يرجع الى المصدر ، اى قمت قياما.

اقول : العلامة الاولى دورية لان صلوح صياغة اسم المفعول يتوقف على كون الفعل متعديا ، ولو انعكس لزم الدور ، والعلامة الثانية لا توجد فى كل مورد ، وان اريد صنع مثال لذلك فلابد من معرفة المتعدى واللازم فيلزم الدور ايضا ، مع انه منقوض بقول على عليه‌السلام لشريح القاضى يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه الا نبى او وصى نبى او شقى ، فان يجلسه لازم والضمير المتصل به يرجع الى مجلسا وهو غير مصدره ، فالحق ان معرفة التعدى واللزوم تتوقف على معرفة معنى الفعل ، ومعرفة كون الفعل متعد يا بنفسه او بالحرف او النقل تتوقف على مراجعة موارد الاستعمال كما ذكرنا فى هذا المبحث من ذلك كثيرا.

٢٧٦

المبحث الواحد والعشرون

فى بناء الفعل واعرابه.

ليس الفعل معربا الا المضارع ، وتفصيل ذلك فى فصول.

الفصل الاول

فى بيان بناء صيغ الماضى.

١ ـ المفرد المذكر الغائب مبنى على الفتح ، نحو ضرب واكرم وتفاعل ودحرج وتزلزل ، الا اذا كان ناقصا مفتوح العين ، فالفتحة مقدرة على الالف ، نحو رمى ودعا وتعالى واستخفى ، وان شئت فقل مبنى على السكون.

٢ ـ المثنى المذكر الغائب كالمفرد ، والفتحة ظاهرة فى الناقص ايضا ، لان لام الفعل لا ينقلب الفا ، نحو رميا ودعوا.

٣ ـ الجمع المذكر الغائب مبنى على الضم لاجل واو الجمع ، وان شئت فقل مبنى على الفتح المقدر والضمة عارضة لاجل الواو والناقص منه مبنى على حذف لام الفعل ، نحو دعوا ورموا ورضوا وسروا واعطوا وغشوا وابتلوا وتمنوا واستغشوا وسلقوا وتجعبوا ، وان شئت فقل مبنى على الفتح المقدر او الضم المقدر على لام الفعل المقدر.

٤ ـ المفرد المؤنث الغائب كالمفرد المذكر ، الا مفتوح العين من الناقص منه فانه مبنى على حذف الالف ، نحو دعت ورمت وتعالت واستخفت.

٢٧٧

٥ ـ المثنى المؤنث الغائب كمفرده ، نحو ضربتا ودعتا ورمتا وتعالتا واستخفتا ، وان شئت فقل فيه وفى الذى قبله بالفتحة المقدرة على لام الفعل المقدر.

٦ ـ : الجمع المؤنث الغائب مبنى على السكون لاتصال الضمير الظاهر المتحرك بها وكراهة توالى الحركات الكثيرة ، والمراد من الكراهة حصول الثقل على اللسان المعبر عنه فى علم المعانى بتنافر الحروف ، وكذا الصيغ الثمان الباقية ، ولا فرق بين الناقص وغيره ، واستخرج امثلتها من كتاب الصرف ، والحاصل ان بناء صيغ الماضى فتح وضم وحذف وسكون ، والاولى رفض التعليلات المذكورة فى الكتب لانها مخلوقات.

الفصل الثانى

فى بيان بناء صيغ الامر الست.

١ ـ : المفرد المذكر المعلوم ، وهو يبنى على السكون ، نحو اضرب واكرم واستخرج وزلزل ، والناقص منه مطلقا مبنى على حذف لام الفعل ، نحو ادع وارم واخش واعط ولاق وانته وتمن وتعال واستغن واعلول وسلق وتسلق ، واذا اتصل به نون التاكيد يبنى على الفتح مطلقا ، اذ يرجع المحذوف من الناقص ، نحو اضربن وادعون الخ.

٢ ـ : المثنى المذكر المعلوم ، وهو يبنى على حذف النون التى هى عوض عن الضمة فى المفرد المضارع ، نحو اضربا الخ وادعوا الخ ، واذا اتصلت به نون التاكيد لم يتغير عما كان عليه ، نحو اضربان وادعوان الخ.

٣ ـ : الجمع المذكر المعلوم ، وهو يبنى على حذف النون ايضا ، نحو ادعوا وارموا واخشوا ، واذا اتصلت به نون التاكيد يحذف واو الجمع ايضا ، نحو اضربن وادعن وارمن ، الا فى مفتوح العين ، نحو اخشون ، لان ما قبل الواو فى غيره مضموم يدل على حذفها ، وفى هذا مفتوح فلا دال على حذفها فلا تحذف.

٢٧٨

٤ ـ : المفرد المؤنث المعلوم ، وهو يبنى على حذف النون ايضا ، نحو اضربى وادعى وارمى واخشى ، واذا اتصلت به نون التاكيد يحذف ضمير المؤنث ايضا الا فى مفتوح العين نحو اخشين لوجود الكسرة الدالة عليها فى غيره ، وليست فيه.

٥ ـ : المثنى المؤنث المعلوم ، وهو كالمثنى المذكر فى كل شىء.

٦ ـ : الجمع المؤنث المعلوم ، وهو يبنى على السكون ، نحو اضربن وادعون وارمين واخشين ، واذا اتصلت به نون التاكيد لم يتغير عما كان عليه لوجود الالف الفاصل بين النونين ، نحو اضربنان وادعونان وارمينان واخشينان.

والحاصل ان هذه الست تبنى على ما يجزم مضارعها ، وياتى بيان جزم المضارع ، واما الثمان الاخرى فمعربة بالجزم لانها مضارعة من حيث الصيغة اذ لا يحذف منها حرف المضارعة ، وكذا صيغ الامر المجهول ، فانها كلها مضارعة بالصيغة وحكمها حكم المضارع ، كما بينا ذلك كله فى كتاب الصرف.

الفصل الثالث

فى الصيغ المبنية من المضارع وهى ما اتصلت به نون الجمع المؤنث او نون التوكيد مباشرة.

الاول صيغتان مبنيتان على السكون مطلقا وان كان الفعل ناقصا او اتصل به نون التاكيد ، نحو يضربن وتضربن ويدعون وتدعون ويرمين وترمين ويرضين وترضين ، والصيغ الباقية معربة ان لم يتصل بها نون التاكيد ، وياتى بيان اعرابها.

الثانى ما اتصل به نون التاكيد مباشرة ، وهو خمس صيغ يعرب آخرها بالضمة ، فاذا اتصل به نون التاكيد يبنى على الفتح ، وهى يضرب وتضرب وتضرب واضرب ونضرب ، ولا فرق بين الناقص منها وغيره ، والمراد بالمباشرة اتصال نون التاكيد بلام الفعل ، والصيغ السبع الباقية لا تباشر نون التاكيد لام الفعل منها ، لوجود الف التثنية فى الاربع منها ، وواو الجمع وياء الاناث فى الثلاث منها وان كانتا مقدرتين

٢٧٩

فقال قوم : هذه السبع بعد لحوق نون التاكيد معربة ، كما هى معربة من دون لحوقها ، لان علامة جزم المضارع ونصبه حذف النون من آخر هذه السبع ، فهى محذوفة بعد لحوق نون التاكيد فى حالة الجزم والنصب ، وعلامة رفعه وجود النون فى آخرها ، وهى مقدرة بعد لحوق نون التاكيد فى حالة الرفع ، وانما حذفت لئلا تجتمع النونات ، فالرفع تقديرى والجزم والنصب لفظيان.

وقال آخرون : هذه السبع بعد لحوق نون التاكيد مبنية كتلك الخمس الباقية ، ولكن بنائها بحذف النون وهذا القول اصوب لاطراده فى جميع الصيغ ، وعدم التغير فى آخر الفعل المؤكد بالنون بدخول العوامل ، مع انه لا جدوى لخلافهم وتعليلاتهم.

والحاصل ان الفعل المعرب هو اثنتا عشرة صيغة من المضارع ، ويعتريها البناء بلحوق نون التاكيد ، كما ان من الاسماء المعربة ما يعتريه البناء كما ياتى ذكره فى مبحث النداء وغيره ، فالبناء اصلى وعارضى ، وياتى ذكرهما فى المبحث السادس من المقصد الثانى.

الفصل الرابع

فى المضارع المرفوع ، وهو المجرد عن عامل النصب والجزم غير لاحق به نون الاناث ونون التاكيد ، والمشهوران عامل الرفع هو التجرد ، وفيه اقوال اخرى ذكر السيد فى شرح الصمدية اول الحديقة الثالثة ، ولا فضل فى درايتها.

وقال ابن هشام فى الامر التاسع من سادس المغنى : قولهم فى المضارع : انه مرفوع لخلوه من ناصب وجازم خطا ، والصواب انه مرفوع لحلوله محل الاسم ، اقول : قوله اقوى لان الرفع امر وجودى يناسبه سبب وجودى ، ولكن الحلول محل الاسم لا يختص بالمضارع ، بل الماضى ايضا يقع خبرا وحالا ومضافا اليه وغيرها ، فالاولى ترك هذا البحث اذ لا ينته الى امر قائم على ساق ، والسبب الحقيقى لاعراب الكلمات وبنائها كما نبهنا عليه فى الامر الخامس من المقدمة هو استعمال العرب على ما جعل الله فيهم من الغريزة.

٢٨٠