علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

تستعمل اساليب اخرى للتعجب ، ولكن لا تختص به كاللتين مضتا ، ويفهم منها التعجب بالقرائن.

١ ـ شد ، كقول على عليه‌السلام : فيا عجبا بينا هو يستقبلها فى حياته اذ عقدها لاخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها ، وفيه معنى التعجب مع الاستنكار.

٢ ـ سبحان ، كقوله تعالى : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)ـ ١٧ / ٩٣ ، والتعجب مما قال المشركون فى الآيات السابقة.

وفى الحديث : سبحان الله ان المؤمن لا ينجس ، والتعجب من قول من يقول انه ينجس ، والمراد نجاسة الكفر ، وفى هذا الاسلوب تنزيه له تعالى من ان يرضى بذلك.

٣ ـ ما يؤدى بصيغة الماضى غير شد ، نحو قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ـ ١٨ / ٥ ، وقولهم : احسنت ونظيره لمن عمل عملا ناصعا او قال قولا بارعا من نثر او نظم ، ومن ذلك قولهم : عظم بلاءك.

٤ ـ كلمة وى ، نحو قوله تعالى : (يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) ـ ٢٨ / ٨٢ ، ونظيرها ويل وويح وغيرهما ، ومر ذكرها فى المبحث الثامن ، وذكرنا هنا ايضا استعمال المفعول المطلق فى مقام التعجب ، وكما فى البيتين.

وى كان من يكن له نشب يح

٣٤٩ بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ

ولقد شفى نفسى وابرا سقمها

٣٥٠ قيل الفوارس ويك عنتر اقدم

٥ ـ كلمة وا ، نحو قول على عليه‌السلام : واعجباه اتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة ، وكقول الشاعر :

٢٤١

وا بابى انت وفوك الاشنب

٣٥١ كانّما ذرّ عليه الزرنب

او زنجبيل وهو عندى اطيب

٦ ـ ما يؤدى بالاستفهام ، ويقال له : الاستفهام التعجبى ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) ـ ١٠٥ / ١ ، (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٣٦ / ٢٢ ، (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) ـ ١١ / ٧٢ ، وكما فى هذه الابيات.

فان كنت بالشورى ملكت امورهم

٣٥٢ فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وان كنت بالقربى حججت خصيمهم

٣٥٣ فغيرك اولى بالنّبىّ واقرب

احيا وايسر ما قاسيت ما قتلا

٣٥٤ والبين جار على ضعفى وما عدلا

شباب وشيب وافتقار وثروة

٣٥٥ فلله هذا الدهر كيف تردّدا

ما بال من اوّله نطفة

٣٥٦ وجيفة آخره يفخر

٧ ـ ما يؤدى بالنداء ، نحو قولهم : يا لها من مصيبة ، يا له رجلا ، هذه اللام متعلقة بمحذوف ، والضمير مبهم يبين بما بعده من التمييز المنصوب او المجرور ، والتقدير : يا قوم اعجبوا له رجلا ، واعجبوا لها من مصيبة ، وهذا من مواضع ارجاع الضمير الى المتاخر لفظا ورتبة ، وكما فى هذه الابيات.

فيا لك بحرا لم اجد فيه مشربا

٣٥٧ وان كان غيرى واجدا فيه مسبحا

يا لك من تمر ومن شيساء

٣٥٨ ينشب فى المسعل واللهاء

فيا لك من ليل كانّ نجومه

٣٥٩ بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل

٨ ـ ما يؤدى باللام بدون النداء ، نحو قولهم : لله در فلان ، لله بلاء فلان ، لله بلاد فلان ، لله نادى فلان ، لله نائح فلان لله انت ، لله ابوك.

ثم التعجب يؤدى بمادته بصيغ مختلفة ، وهو ظاهر ، ويؤدى باساليب غير هذه الاساليب ، منها افعال المدح والذم ، وتاتى فى المبحث اللاحق.

٢٤٢

المبحث التاسع عشر

فى افعال المدح والذم ، وهى لانشاء المدح والذم ، ولها صيغ كثيرة ، منها صيغتان اصيلتان لا تستعملان الا فيهما ، هما نعم وبئس ، ولهما فى الاستعمال صور خمس.

الصورة الاولى نحو نعم الرجل زيد وبئس الشاب بكر ، فالاسم الاول فاعل الفعل ، والثانى بدل من الفاعل او عطف بيان له ، ويقال له المخصوص بالمدح او الذم ، ومنه قوله تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ـ ٣ / ١٧٣ ، (أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ـ ٨ / ٤٠ ، فالمخصوص بالمدح محذوف للقرينة اى الله ، وكذا قوله تعالى : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) ـ ٣٧ / ٧٥ ، اى نحن ، (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) ـ ٣٨ / ٤٤ ، اى ايوب ، (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ـ ٧٧ / ٢٣ ، اى نحن ، وقول على نعم الطارد للشك اليقين ، نعم قرين العقل الادب ، نعم الزاد حسن العمل ، نعم الدواء الاجل ، نعم الطارد للهم الرضا بقضاء الله تعالى ، نعم زاد المعاد الاحسان الى العباد ، نعم صارف الشهوات غض الابصار ، نعم دليل الايمان العلم ، نعم وزير العلم الحلم ، نعم المحدث الكتاب ، ومراده كتاب الله ، نعم المعونة الصبر على البلاء ، نعم الحكم الله.

ومثال بئس قوله تعالى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) ـ ٣ / ١٩٧ ،

٢٤٣

اى جهنم ، (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) ـ ٤٣ / ٣٨ ، اى انت ، يقوله الظالم لمن اخذه قرينا وحبيبا فى الدنيا ، (بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) ـ ١١ / ٩٨ ، (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) ـ ١١ / ٩٩ ، الورد ما يرده الانسان وغيره من مشرع الماء وغيره ، والرفد العطاء ، اى بئس الورد الذى يرده آل فرعون النار ، وبئس العطاء الذى اعطاهم فرعون اللعنة ، وكقول على عليه‌السلام : ولبئس المتجران ترى الدنيا لنفسك ثمنا ، بئس الطعام الحرام ، بئس الرجل من باع دينه بدنيا غيره.

الصورة الثانية ان يكون بعد الفعل مرفوع ومنصوب ، فالمرفوع فاعل والمنصوب تمييز للفاعل سواء تقدم او تاخر ، كقوله تعالى : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) ـ ١٨ / ٥٠ ، فى بئس ضمير يرجع الى ابليس ، وكقول الشاعر :

نعم امر اين حاتم وكعب

٣٦٠ كلاهما غيث وسيف عضب

وقد ياتى التمييز فى هذا الموضع مع من كما ياتى معها فى مواضع اخرى ، وقد مر ذكره فى مبحث التمييز ، كقول الشاعر :

تخيّره ولم يعدل سواه

٣٦١ فنعم المرء من رجل تهامىّ

ومن هذه الصورة ما يكون المنصوب بلفظ المرفوع مع تخصيص بنعت او بدل او اضافة ، كقول على عليه‌السلام فى كتاب له الى معاوية : ولبئس الخلف خلفا يتبع سلفا هوى فى نار جهنم ، يتبع نعت لخلفا وهوى نعت لسلفا ، وكما فى هذه الابيات.

نعم الفتى فجعت به اخوانه

٣٦٢ يوم البقيع حوادث الايّام

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

٣٦٣ ردّ التّحيّة نطقا او بايماء

تزوّد مثل زاد ابيك فينا

٣٦٤ فنعم الزاد زاد ابيك زادا

والتغلبيّون بئس الفحل فحلهم

٣٦٥ فحلا وامّهم زلّاء منطيق

الصورة الثالثة ان يكون بعد الفعل موصول وصلة ، وهو فاعل الفعل ، والمخصوص اما محذوف او مذكور ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) ـ ٤ / ٥٨ ، اى نعم ما يعظكم به ، ادغمت الميم فى الميم ، و

٢٤٤

المخصوص ان تحكموا بالعدل حذف لقرينة ذكره من قبل ، (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ـ ٢ / ٩٣ ، والمخصوص حب العجل ، (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) ـ ٣ / ١٨٧ ، اى بئس ما يشترونه ، والمخصوص الثمن القليل ، بئسما اشتروا به انفسهم ان يكفروا بما انزل الله ، والمخصوص ان يكفروا الخ ، وما فى هذه الآيات موصوله.

الصورة الرابعة ان يكون فاعل الفعل كلمة ما بمعنى الشئ ، نحو قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) ـ ٢ / ٢٧١ ، اى ان تظهروا الصدقات فنعم الشئ الصدقات الظاهرة ، ثم قال : وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ، ومن ذلك قولهم : غسلته غسلا نعما ، ودققته دقا نعما ، اى نعم الشئ غسلى ، ونعم الشئ دقى ، والمراد غسلته غسلا جيدا ودققته دقا جيدا.

الصورة الخامسة ، نحو زيد نعم الرجل ، فزيد مبتدا ونعم الرجل خبره ، وليس فى نعم ضمير ، بل الرابط اعادة المبتدا بمعناه الكلى ، وكذا ان صدر باحد النواسخ ، نحو ان زيدا نعم الرجل ، وكان زيد نعم الرجل وكما فى هذه الابيات.

حياة على الضيم بئس الحياة

٣٦٦ ونعم الممات اذا لم نعزّ

انّ ابن عبد الله نعم

٣٦٧ اخو الندى وابن العشيرة

اذا ارسلونى عند تعذير حاجة

٣٦٨ امارس فيها كنت نعم الممارس

يمينا لنعم السيدان وجدتما

٣٦٩ على كلّ حال من سحيل ومبرم

ثم ان ما ذكرنا من اعراب هذه الصور الخمس مختارنا الذى لا يحوجنا الى تكلف الالتزام بالحذف والتقدير والقول بالتقديم والتاخير ، وهذا اسهل الوجوه فى اعرابها ، وفيه اقوال اخرى لا تخلو عن التكلف ، من اراد فليراجع مظانها.

وههنا امور

٢٤٥

الامر الاول

اعلم ان الموجود اذا مدح او ذم فليس باعتبار ذاته ، بل باعتبار وصف له او فعل له ، وقد ورد فى الحديث : ان الله لا يبغض المشرك لذاته بل لشركه ، فهذان الفعلان جئ لهما بالاسمين او ما هو بمنزلة الاسمين ، يدل احدهما على الممدوح والآخر على وصفه او فعله الذى هو مورد المدح او الذم ، فان قوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ) ـ ٣٨ / ٤٤ ، اى ايوب يمدحه لوصف العبودية ، وبئس للظالمين بدلا يذم ابليس لوصف بدليته عن الله تعالى للظالمين ، وفبئس ما يشترون يذم الثمن القليل اى الدنيا لوقوعها مختارة لاهلها بدلا عن الآخرة ، وقولك : زيد نعم الرجل تمدحه لوصف الرجولية ، وهكذا ، فلذلك لا يكتفى بمرفوع بعدهما مع انهما لا يعدان من الافعال المتعدية.

الامر الثانى

قد يحذف احد اللفظين فى بعض الصور اما الفاعل او المخصوص بالمدح او الذم ، وقد مر بعض الامثلة.

ومن حذف الفاعل قوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ـ ١٣ / ٢٤ ، اى فنعم العقبى عقبى داركم الدنيا ، (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) ـ ٦٢ / ٥ ، اى بئس المثل مثل القوم الخ.

ومن حذف المخصوص قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ، اى الله ، وقول الشاعر.

خير ايّام الفتى يوم نفع

٣٧٠ فاتّبع الحقّ فنعم المتّبع

الامر الثالث

لا يجب رعاية المطابقة فى الفعلين ، فيجوز الزيدون نعم الرجال وهند نعم المراة ، ونقل تثنيتهما وجمعهما ، وكانه لغة قوم ، وجاء مؤنثا فى هذا الحديث :

٢٤٦

من توضا يوم الجمعة فبها ونعمت ، اى فبالسنة عمل ونعمت السنة التوضى ، والظاهر بقرينة يوم الجمعة ان المراد به غسل الجمعة ، وقول الشاعر :

نعمت جزاء المتّقين الجنّة

٣٧١ دار الامان والمنى والمنّة

الامر الرابع

لا تنقلب تلك الصور عما عليه ، ولكن جاء الفصل بين الفعل ومعموليه وبين معموليه بتابع او غيره ، كقول على عليه‌السلام خطابا لاصحابه الناكلين : لبئس لعمر الله سعر نار الحرب انتم ، وكما فى هذه الابيات.

نعم الفتى المرّىّ انت اذاهم

٣٧٢ حضروا لدى الحجرات نار الموقد

لعمرى وما عمرى علىّ بهيّن

٣٧٣ لبئس الفتى المدعوّ باللّيل حاتم

فنعم ابن اخت القوم غير مكذّب

٣٧٤ زهير حسام مفرد من حمائل

فصل

فى غير الفعلين مما يستعمل فى المدح والذم ، وهى افعال لها تصرف ، وتستعمل فى غير المدح والذم ايضا.

منها ساء ، ومثاله من الصورة الاولى قوله تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) ـ ٢٦ / ١٧٣ ، اى فساء المطر مطر المنذرين ، والمراد العذاب النازل من السماء شبهه بالمطر.

ومثاله من الصورة الثانية قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ـ ٧ / ١٧٧ ، (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) ـ ٤ / ٣٨ ، وقول الشاعر.

االوم من بخلت يداه واغتدى

٣٧٥ للبخل ترباساء ذاك صنيعا

ومثاله من الصورة الثالثة قوله تعالى : (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٩ / ٩ ، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ـ ٢٩ / ٤.

٢٤٧

ومنها حب للمدح ولا حب للذم كما فى هذه الابيات.

الا حبّذا اهل الملا غير انّه

٣٧٦ اذا ذكرت مىّ فلا حبّذا هيا

الا حبّذا عاذرى فى الهوى

٣٧٧ ولا حبّذا الجاهل العاذل

يا حبّذا النيل على ضوء القمر

٣٧٨ وحبّذا المساء فيه والسحر

حبّذا انتما خليلىّ ان لم

٣٧٩ تعذلانى فى دمعى المهراق

الا حبّذا غنم وحسن حديثها

٣٨٠ لقد تركت قلبى بها هائما دنف

يا حبّذا جبل الريّان من جبل

٣٨١ وحبّذا ساكن الريّان من كانا

وحبّذا نفحات من يمانية

٣٨٢ تاتيك من قبل الريّان احيانا

وتركيب هذا الاسلوب ان ذا اسم اشارة مرفوع فاعل لحب والمرفوع بعده عطف بيان له ، هذا بحسب التركيب النحوى ، واما بحسب المعنى فالمذكور هو الممدوح او المذموم ، وليس فيه بيان جهة المدح والذم ، لان ذا اسم مبهم لا يدل على شىء عند المخاطب الا على المذكور بعده كقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) ـ ٢ / ٢ ، وكذا غير هذا الموضع.

وقال ابن هشام فى باب المبتدا من خامس المغنى : ان المرفوع بعد ذا ليس بعطف بيان له ، اذ لا تبين المعرفة بالنكرة باتفاق ، وهو نكرة فى هذا البيت : وحبذا نفحات الخ ، اقول : ان المرفوع بعده فى الاكثر الاغلب معرفة ، وان ذا وان كان اسم اشارة ، ولكنه مبهم يحتاج الى بيان ، ولذا نقل عن سيبويه : ان حبذا مجموعا اسم فعل وما بعده فاعل له.

ثم قد يجاء بتمييز للمرفوع بعده مقدما عليه او متاخرا عنه ، وبه يعلم جهة المدح او الذم ، كما فى البيتين.

حبّذا الصبر شيمة لامرئ رام

٣٨٣ مباراة مولع بالمغانى

الا حبّذا قوما سليم فانّهم

٣٨٤ وفوا وتواصوا بالاعانة والصبر

واستعمل حب بدون ذا فى البيتين ، ومحذوف المرفوع فى البيت الثالث.

٢٤٨

فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

٣٨٥ وحبّ بها مقتولة حين تقتل

حبّ بالزور الّذى لا يرى

٣٨٦ منه الّا صفحة او لمام

الا حبّذا لو لا الحياء وربّما

٣٨٧ منحت الهوى ما ليس بالمتقارب

فصل

يستعمل للمدح او الذم كل فعل ماض ثلاثى مضموم الوسط واجد لشرائط ان يبنى منه صيغة التعجب ، نحو قوله تعالى : (حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) ـ ٤ / ٦٩ ، (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) ـ ١٨ / ٣١ ، (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) ـ ٢٥ / ٧٦ ، (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) ـ ٦١ / ٣ ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ـ ١٨ / ٥ ، ولهذه الافعال فاعلات ولفاعلاتها تمييزات ، والفاعل اما ضمير او اسم صريح او مؤول ، فانظر فى الآيات ، وقد يستعمل بلا تمييز.

ثم ان اريد المدح او الذم بهذا الاسلوب ولا يكون الفعل مضموم العين حول اليه وان كام معتلا او مضاعفا ، نحو صبر زيد على البلاء ، وجهل عمرو بنفسه ، ووعد حميد ، ورضو كريم ، الا انه لا يظهر الضمة فى الاجوف والمضاعف لمكان القلب والادغام ، وقد ينقل الضمة الى الفاء وسكن العين كقول الشاعر.

لا يمنع الناس منّى ما اردت ولا

٣٨٨ اعطيهم ما ارادوا حسن ذا ادبا

فصل آخر

ويستعمل الكلام فى المدح والذم بغير ما ذكرنا ، وذلك تابع للقرينة ، نذكر هنا بعضا منه.

١ ـ قول على عليه‌السلام فى ذم الدنيا : والله لدنياكم هذه اهون فى عينى من عراق خنزير فى يد مجذوم ، ومدحه لاهل التقوى فى كلامه للهمام وهو فى نهج البلاغة فراجع.

٢٤٩

٢ ـ ما جاء فى كتاب الله تعالى من قول نسوة مصر فى يوسف عليه‌السلام : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ـ ١٢ / ٣١.

٣ ـ قول عليه عليه‌السلام للاشعث بن قيس : حائك بن حائك منافق بن كافر ، والله لقد اسرك الكفر مرة والاسلام اخرى.

٤ ـ ما يتداول بين الناس من التشبيهات والاستعارات ، نحو فلان قمر او شمس او حمار او ذئب وامثال ذلك على الكثرة فى الاستعمال.

٥ ـ فى الكافى : عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : من افتى الناس بغير علم ولا هدى لعنه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزرمن عمل بفتياه.

٢٥٠

المبحث العشرون

فى تعدى الفعل ولزومه.

قد ذكرنا فى كتاب الصرف ان الفعل اما لازم او متعد ، واللازم ما لا يقتضى المفعول به بنفسه ، والمتعدى ما يقتضيه بنفسه ، وهو على اربعة اقسام :

القسم الاول : ما يتعدى الى مفعول واحد ، وهذا القسم كثير فى الكلام جدا ، نحو قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ـ ٢٧ / ١٦ ، (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) ـ ١٠٩ / ٢ ، (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ـ ٦ / ١ ، (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ـ ٤٧ / ٧.

القسم الثانى : ما يتعدى الى مفعولين هما المبتدا والخبر فى الاصل او بعد تعلق الفعل ، وهذا قد مر بيانه فى المبحث الخامس.

القسم الثالث : ما يتعدى الى مفعولين ليسا مبتدا وخبرا ، وهذا القسم كثير فى الكلام ، نحو قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) ـ ٣ / ٥٧ ،(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ـ ١٠٨ / ١ ، (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) ـ ٤٠ / ٤٥ ، (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) ـ ٢ / ١٣٧ ، (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) ـ ٩ / ٧٢ ، (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ) ـ ٩ / ٦٨ ، (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ـ ١ / ٦.

القسم الرابع ما يتعدى الى مفاعيل ثلاثة ، وهو ثمانية افعال من باب التفعيل

٢٥١

والافعال ، كانت فى الاصل ذات مفعولين هما المبتدا والخبر ، فعديت باحد البابين فازدادت مفعولا آخر جعل اولا وجعل ذانك ثانيا وثالثا ، والمفعول الاول فاعل فى المعنى للثانى والثالث ، ويقع الالغاء والتعليق فيهما كما يقعا فى مفعولى القسم الثانى ، ومربيا نهما فى المبحث الخامس ، وتلك الافعال الثمانية.

الاول : ارى ، نحو قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) ـ ٨ / ٤٣ ، (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) ـ ٨ / ٤٤ ، (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) ـ ٢ / ١٦٧.

مثال تعليقه قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ـ ٢ / ٢٦٠ ، (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ـ ٣١ / ١١.

مثال الغائه قول الشاعر.

وانت ارانى الله امنع عاصم

٣٨٩ واراف مستكف واسمح واهب

الثانى : اعلم ، نحو قولك : اعلمت محمودا حميدا عالما.

مثال تعليقه قول على عليه‌السلام فى آدم عليه‌السلام : واعلمه ان فى الاقدام عليه ، (اى على اكل الشجرة) التعرض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته.

مثال الالغاء نحو البركة اعلمنا الله مع البسمله.

الثالث : اخبر : كقول الشاعر :

وما عليك اذا اخبرتنى دنفا

٣٩٠ وغاب بعلك يوما ان تعودينى

مثال التعليق قول على عليه‌السلام خطابا لطلحة وزبير : الا تخبرانى اى شىء لكما فيه حق دفعتكما عنه ، وقوله الآخر لاصحابه عند زيارة القبور : اما لو اذن لهم فى الكلام لاخبروكم ان خير الزاد التقوى.

مثال الالغاء : الواقعة اخبرنا الله تعالى فى كتابه ليس لوقعتها كاذبة.

الرابع : خبّر كقول الشاعر :

وخبّرت سوداء الغميم مريضة

٣٩١ فاقبلت من اهلى بمصر اعودها

٢٥٢

مثال التعليق : خبرنى مولاى ان الروح والراحة فى اليقين والرضا والقناعة وان التعب والعناء فى الشك والسخط ، وخبرنا نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله لن يفترق عترته وكتاب الله حتى يردا عليه الحوض.

مثال الالغاء : الموت خبرنا هو المحتوم.

الخامس : انبا ، كقول على عليه‌السلام : انبئت بسرا قد اطلع اليمن ، اى هجم عليها ، وبسركان امير جيش من قبل معاوية ، وكقول الشاعر :

وانبئت قيسا ولم ابله

٣٩٢ كما زعموا خير اهل اليمن

مثال التعليق قوله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) ـ ١٠ / ٥٣.

مثال الالغاء : التقوى انبانا الله فى كتابه انها خير الزاد للآخرة.

السادس : نبّا ، كقول الشاعر :

نبّئت زرعة والسفاهة كاسمها

٣٩٣ يهدى الىّ غرائب الاشعار

مثال التعليق قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) ـ ٢٦ / ٢٢١ ، (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ـ ٣٤ / ٧ ، (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) ـ ١٥ / ٤٩ ـ ٥٠ ، وكقول الشاعر :

نبّئت انّ ابا قابوس اوعدنى

٣٩٤ ولا قرار على زار من الاسد

مثال الالغاء : اول الدين نبانا امير المومنين عليه‌السلام معرفة الله تعالى.

السابع : حدّث كقول الشاعر.

او منعتم ما تسألون فمن

٣٩٥ حدّ تتموه له علينا العلاء

مثال التعليق : لا تحدث احدا انك فى الدار مقيم.

مثال الالغاء : الله حدثنا ليس بغافل عما يعمل الظالمون.

الثامن : ادرى كقولك : ادريت عزيرا اباه قد سافر.

٢٥٣

مثال التعليق قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) ـ ٨٢ / ١٧ ، (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) ـ ٩٧ / ٢ ،.

مثال الالغاء قولنا : محمد اد رينا الا لاه نبيه.

وهنا امور

الامر الاول

ان الفعل فى اللغة حصول اثر من شىء ، وفى الاصطلاح ما مر بيانه فى الامر الرابع من المقدمة ، وقال ابن هشام فى ثامن المغنى : انهم يعبرون بالفعل عن امور اربعة : وقوعه وهو الاصل ومشارفته وارادته والقدرة عليه ، ومراده ان الفعل فى كلام العرب تستعمل فى احد هذه الاربعة ، ومراده بالاصل ان الاستعمال الاول حقيقى والثلاثة الاخرى مجازية.

مثال الاول اكثر الاستعمالات المتداولة ، فانك فى قولك قام زيد استعملت قام فى نفس الفعل الواقع من الفاعل اى القيام.

مثال الثانى قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ـ ٢ / ٢٣٠ ، فان المراد ببلغن : شارفن بلوغ الاجل وقاربنه لانفس البلوغ لان المطلقات اذا بلغن اجل العدة اى نهاية مدتها فلا مجال لا مساكهن بالرجوع ، بل الحاجة ماسة بعقد جديد ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) ـ ٢ / ٢٤٠ ، اى والذين يقاربون الوفاة ويقاربون ترك الازواج ليوصوا وصية لازواجهم ، اذ لا مجال عند الوفاة للوصية ، وقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ـ ٤ / ٩ ، اى لو شارفوا ترك الذرية بالموت ، وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ـ

٢٥٤

٢ / ١٨٠ ، اى اذا شارف حضور الموت ، وكقول الشاعر :

الى ملك كاد الجبال لفقده

٣٩٦ تزول وزال الراسيات من الصخر

مثال الثالث قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا الخ) ـ ٥ / ٦ ، اى اذا اردتم القيام الى الصلاة ، ويجرى هذا التقدير فى هذه الآيات ايضا : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ـ ١٦ / ٩٨ ، (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) ـ ٥٨ / ١٢ ، (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) ـ ٥ / ٤٢ ،(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ـ ١٦ / ١٢٦ ، (إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) ـ ٥٨ / ٩ ،(إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) ـ ٦٥ / ١ ، واستعمال الفعل فى ارادته فى هذه الآيات ظاهر ، ثم اتى ابن هشام بآيات اخرى فى غير الشرط والجزاء وزعم انها من هذا الباب وليس كما زعم.

مثال الرابع قوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ـ ٢١ / ١٠٤ ، اى انا كنا قادرين على الاعادة ، كون فاعلين بمعنى قادرين انما هو على اصلهم من اخذ الزمان فى مفهوم الفعل ، والمثال الظاهر لذلك قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) ـ ٣٠ / ٤٠ ، اى هل من شركائكم من يقدر على شىء من ذلك.

ثم وجه المجار فى الاستعمالات الثلاثة كون الاشراف والارادة والقدرة من اسباب الفعل ، فهى من ذكر المسبب وارادة السبب.

ثم قال : وعكس ذلك اى ذكر القدرة وارادة الفعل قوله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) ـ ٥ / ١١٢ ، معناه هل يفعل ربك فعبر عن الفعل بالاستطاعة لانها شرطه ، وقوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ـ ٢١ / ٨٧ ، اى لن نواخذ فعبر عن المواخذة بشرطها وهو القدرة عليها.

اقول : لم يتعين ما قال ابن هشام فى معنى يستطيع ، فراجع التفاسير ، وكذا

٢٥٥

ما قال فى لن نقدر ، والظاهر انه من القدر بمعنى التضييق لا من القدرة ، اى فظن ان لن نضيق عليه كما فى قوله تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) ـ ٨٩ / ١٦ ، اى فضيق عليه رزقه.

الامر الثانى

ان الفعل ينقسم الى المتعدى واللازم وما ليس بلازم ولا متعد ، فالاول قد مر ذكره ، والثالث هو الافعال الناقصة من كان واخواتها وعسى واخواتها ، لانها لا تتعلق بفاعل ولا مفعول ، بل تتعلق بنسب الجمل التى تدخل عليها ، وتعرض معانيها على تلك النسب على ما مر بيانه فى المبحث الثالث والرابع ، والثانى اى الفعل اللازم يكون على عشرة وجوه :

١ ـ كون الفعل على وزن فعل بضم العين كظرف وكرم وشرف ووجه ولطف.

٢ ـ كونه على فعل بالفتح او فعل بالكسر ووصفه على فعيل فقط ، كذل وعز ، فان وصفهما ذليل وعزيز ، وقوى ومرض ، فان وصفهما قوى ومريض.

٣ ـ كونه على وزن افعل من باب الافعال بمعنى الصيرورة ، نحو اغد البعير اى صار ذاغدة ، اثمر الشجر ، اى صار ذا ثمر ، اشعر الجنين ، اى صار ذا شعر ، ونحن عبرنا فى كتاب الصرف عن هذا المعنى بالواجدية.

٤ ـ : ان يكون رباعيا مزيدا فيه ، واطلب امثلته من كتابنا فى الصرف.

٥ ـ : كونه على وزن استفعل بمعنى التحول ، نحو استحجر الطين ، ومنه قول الشاعر :

انّ البغاث بارضنا يستنسر

٣٩٧ والاتن فى اسواقنا تستحمر

٦ ـ ما يكون مطاوعا للفعل المتعدى الى واحد ، سواء اكان من باب الانفعال ام غيره ، واطلب امثلته من كتاب الصرف.

٧ ـ : كونه على وزن افعل وافعال ، نحو احمر واحمار.

٢٥٦

٨ ـ : كونه على وزن تفاعل على ما نقل فى رابع المغنى عن ثعلب ، نحو تضارب زيد وعمرو ، ولكن نقل عنهم : تعاطينا الدراهم ، وجاء فى الحديث عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعاهدوا نعالكم عند ابواب مساجدكم ، وكذا جاء متعديا فى هذين البيتين.

تجاوزت احراسا اليها ومعشرا

٣٩٨ علىّ حراصا لو يسرّون مقتلى

بينا تعانقه الكماة وروغه

٣٩٩ يوما اتيح له جرئ سلفع

٩ ـ كونه عارضة روحية ، نحو فرح وكسل واشر وبطر وحزن وغضب ، ولكن هذا اكثرى اذ جاء مقت متعديا ، او عارضة جسمية ، نحو سمن وهزل وقعم وجاع وعطش.

١٠ ـ : كونه لونا او عيبا ، نحو ادم وعور.

تنبيه

ان الفعل اللازم على ثلاثة اقسام.

١ ـ اللازم الاصلى ، وهو المتبادر اذا اطلق ، نحو قام ونام وذهب وجاء وضعف وطال وقصر وغيرها.

٢ ـ اللازم النسبى ، وهو الفعل المتعدى لواحد بالنسبة الى اثينن ، والمتعدى لاثين بالنسبة الى ثلاثة ، نحو نسيته وانسيت زيدا شغله ، وفى القرآن : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) ـ ١٨ / ٦٣ ، (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) ـ ٥٩ / ١٩ ، ونحو علمتك فاضلا ، واعلمتك اخاك فاضلا ، رايتك مسرورا واريتك اباك مسرورا.

٣ ـ اللازم العرضى ، وهو كل متعد يراد دلالته على لزوم الحدث لفاعله ، فيضم عينه فيدل على ذلك ، نحو علم او جهل فلان ، اذا اردت ان تقول : ان العلم والجهل لازم له ، وكذا عبد ، اكل ، عشق وغيرها كائنا ما كان من الافعال المتعدية التى يصح اعتبار لزومه لفاعله دائما او فى اكثر الاوقات ، بحيث صار له سجية وطبيعة ،

٢٥٧

واماما لا يصح فيه فلا ، نحو بلغ وملا ووجد وولد وورث ، وتحويل الفعل الى هذا الباب لقصد المدح او الذم او المبالغة او التعجب ، وقد اشير اليه فى مبحث افعال المدح والذم ، ولا يكون الا فى الثلاثى المجرد.

الامر الثالث

ان الفعل اللازم يتعدى بامور.

الاول : بنقله الى باب الافعال ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) ـ ٢ / ٢٢ ، (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ ٢ / ٢٨ ، (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) ـ ٧١ / ١٧ ـ ١٨ ، (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) ـ ٤٦ / ٢٠ ، والثلاثى من هذه الافعال نزل ، خرج ، حى ، مات ، نبت ، عاد ، دهب ، وكلها لازم قاصر.

وان كان الفعل ذا مفعول واحد يتعدى الى اثينن ، نحو قوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) ـ ٥٨ / ١٩ ، (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ـ ٣٥ / ٣٢ ، (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) ـ ٣٧ / ١١٧ ، (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) ـ ٣٩ / ٢٦ ، نسى وورث واتى وذاق متعدية الى واحد ، فتعدت الى اثنين بهمرة الافعال ، والمتعدى الى اثنين يتعدى الى ثلاثة ، ومر مثاله.

الثانى : بنقله الى باب التفعيل ، نحو قوله تعالى : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ٢ / ٤٧ ، (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) ـ ٢ / ٤٩ ، (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ـ ٢ / ١١٨ ، (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ـ ١٠ / ٢٢ ، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) ـ ٩١ / ٩ ، (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) ـ ٩ / ١٠٣ ، والثلاثى منها فضل ونجا وسار وزكا وطهر ، وهى لازمة.

وان كان ذا مفعول واحد يتعدى الى اثنين ، نحو قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ

٢٥٨

كُلَّها ،) ـ ٢ / ٣١ ، (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) ـ ٧ / ٦٢ ، (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ـ ٢ / ٢٨٦ ، (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) ـ ٢١ / ٧٩ ، (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) ـ ٧٦ / ١١ ، والمتعدى الى اثنين يتعدى الى ثلاثة ، ومر مثاله.

وقد يتعدى مادة واحدة بكلا البابين ، نحو انزل ونزل ، وانجى ونجى كما جاء فى القرآن ، والقول بالفرق بين البابين فى التعدية كما ذهب اليه الزمخشرى فى تفسيره ، ونقل عنه ابن هشام فى آخر رابع المغنى وهم ، اذ لا يفهم فرق من هيئة الباب ، وان فهم فى بعض المواضع فمن قرينة خارجة.

الثالث : بنقله الى باب الاستفعال فيتعدى الى مفعول واحد ان كان بمعنى الطلب نحو قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) ـ ١١ / ٩٠ ، اى اطلبوا منه المغفرة ، او بمعنى وجدان شىء على صفة ، نحو (اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ـ ٢ / ٣٤ ، اى وجد نفسه بوهمه كبيرا ، وعبر فى المغنى عن هذا المعنى بنسبة الصفة الى شىء ، ومثل بقوله : استحسنت زيدا واستقبحت الظلم ، وما قلنا اظهر.

وقد يتعدى ذو المفعول الواحد فى هذا الباب الى اثنين ، نحو قوله تعالى : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) ـ ١٢ / ٩٧ ، اى استغفر الله لنا ذنوبنا ، وكقول الشاعر :

استغفر الله ذنبا لست محصيه

٤٠٠ ربّ العباد اليه الوجه والعمل

ولكن الاكثر استعمال المفعول الثانى باللام ، نحو (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ـ ٤٠ / ٥٥ ، اى استغفر الله لذنبك ، وكقولهم : استكتبته الكتاب.

الرابع : بصوغه على وزن نصر ينصر لافادة الغلبة ان كان لازما من غير هذا الباب ،نحو جاملت اخى فجملته ، اى غلبته فى الجمال ، وقد اتينا ببيان المغالبة فى التقسيم الثانى من مبحث الافعال فى كتاب الصرف.

الخامس : بنقله الى باب المفاعلة ، واللازم لا يتعدى فى هذا الباب فى المعنى بل فى اللفظ ، ولكن يزيد عليه معنى المعية فى الفعل ، نحو صابرت العدو ، اى صبرت معه وجالست صديقى ، اى جلست معه ، وكذا ما شيته وسايرته وغير ذلك ، والمتعدى

٢٥٩

لواحد اذا نقل الى هذا الباب فلا يزيد عليه شيئا الا المقابلة فى الفعل كما بينا فى كتاب الصرف ، واذا تعدى الى اثنين فالامر كذلك ، نحو جاذبت زيدا ثوبا ، اى جذبته مع زيد.

السادس : بنقله الى باب الافتعال ، وهذا قليل ، نحو ما اقتعدك عن شغلك ، ثلاثيه قعد ، اى ما اقعدك ، واقتعدت الحمار ، اى قعدت عليه.

السابع : بنقله الى باب الافعيعال ، وهذا ايضا قليل نحو اعروريت الحمار ، اى ركبته عاريا ، واحلوليت الخضرة ، اى وجدته حلوا.

الثامن : بحرف الجر ، وياتى تفصيله فى مبحث الحروف الجارة فى المقصد الثانى.

التاسع : بالتضمين ، وياتى بيانه فى الفصل الرابع.

العاشر : باسقاط الجار توسعا فى الكلام ، ويسمى بالمنصوب بنزع الخافض ، وياتى تفصيله فى الفصل الخامس ، اعلم انه يقال للمفعول الذى يتعدى اليه الفعل بنفسه : المفعول المسرح من اى باب كان ، اى غير المقيد بالجار ، ولما يتعدى اليه بواسطه الحرف : غير المسرح باى وجه كان.

الامر الرابع

فى التضمين ، وهو ان يراد معنى اللفظ مع معنى آخر يناسبه ، وبه قد يصير المتعدى لازما وقد يصير اللازم متعديا ، وقد يتغير ما يتعلق به من الحرف الجار ، وكل ذلك قرينة على ارادة ذلك المعنى الاخر مع معنى اللفظ ، فالمتكلم يؤدى المعنيين بلفظ واحد ، ونذكر من ذلك امثلة.

١ ـ : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) ـ ٤ / ٢ ، تعدى الاكل الى مفعول ثان بواسطة الى لتضمين لا تاكلوا معنى لا تضموا ، اى اكل اموال اليتامى منهى ان ضممتموها الى اموالكم وجعلتموها منها ، لا مطلقا ، كما قال فى سورة النساء : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً

٢٦٠