علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

تمييز ، وفيه تفصيل ياتى فى باب الصفة المشبهة فى المبحث الثانى والعشرين ، ومن ذلك قولهم : المت بطنك ، ورشدت امرك ، اى بطنا وامرا ، وكقول الشاعر.

رايتك لمّا ان عرفت وجوهنا ٣٠٩

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

الامر الرابع

قيل : ان المنصوب الثانى بعد ملايملا تمييز ، وليس به ، بل هو مفعول ثان ، وذلك لوجوه.

١ ـ ان هذا الفعل يتعلق بمنصوبين احدهما الظرف والاخر مظروفه من غير تحويل ، والتمييز بعد المنصوب ليس كذلك ، بل هو اما فاعل بالمعنى ، نحو قوله تعالى : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) ـ ٤٠ / ٧ ، اى ربنا وسع رحمتك وعلمك كل شىء ، واما مفعول فى المعنى دون المنصوب قبله ، نحو قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ـ ٢٠ / ١٠٤ ، اى رب زد علمى ، وقولك : ملات الحوض ماء ليس كذلك ، فهما مفعولان.

٢ ـ ان الفعل يعدى اليه بنفسه وبمن والباء ، نحو قوله تعالى : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) ـ ٧٢ / ٨ ، (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٣٨ / ٨٥ ، وقول على عليه‌السلام : قاتلكم الله لقد ملاتم قلبى قيحا ، وقوله الاخر فى كتاب له الى معاوية : فرارا من الحق وجحودا لما هو الزم لك من لحمك ودمك مما قد وعاه سمعك وملى به صدرك ، وقوله فى وصف الملائكة : وملا بهم فروج فجاج السماء ، ولو كان تمييزا امتنع دخول الجار عليه لانهم صرحوا بامتناع دخول الجار على التمييز المحول الى الفاعل او المفعول.

٣ ـ ان تمييز النسبة حيثية من حيثيات المنسوب اليه كما مر بيانه ، والمنصوب الثانى بعد هذا الفعل ليس كذلك ، وهذا ظاهر فى الامثلة المذكورة.

فهذا الفعل من الافعال التى تتعدى الى المفعول الثانى بنفسه او بالحرف ، نحو قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ـ ٧٦ / ٢١ ، (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى

٢٢١

مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) ـ ١٤ / ١٦ ، (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) ـ ١٣ / ٤ ،.

واما حديث الابهام فان كثيرا من الافعال ذات المفعولين اذا ذكر مفعوله الاول وقع فيه ابهام حتى يذكر الثانى ، نحو اعطيت زيدا وعلمت سعيدا ، (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا) ـ ٢٨ / ٤٢ ، فهذه مبهمة حتى يقال بعد ما ذكر : درهما ، فقها ، لعنة.

الامر الخامس

يشترك الحال والتمييز فى اربعة امور ، هى انهما منصوبان ، فضلتان ، رافعتان للابهام ، نكرتان الا قليلا ، ويفترقان فى ستة امور :

الاول : ان الحال تكون جملة وشبه الجملة والمفرد ، والتمييز لا يكون الا مفردا.

الثانى : ان الحال قد يتوقف افادة الكلام عليها ، ومر بيانه وامثلته فى الامر الرابع من المبحث الرابع عشر ، بخلاف التمييز.

الثالث : ان الحال يبين هيئة ذى الحال ، والتمييز يرفع ابهام النسبة او الذات كما مر بيانه.

الرابع : ان الحال تتعدد ، وقد مر امثلتها فى مبحث الحال ، قالوا : والتمييز لا يتعدد ، وهذا منقوض بكلام الحسين عليه‌السلام فى ابنه عليه‌السلام يوم العاشور : اللهم اشهد على هولاء القوم فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نعم لا يتعدد بغير العطف بخلاف الحال فانها تتعدد بالعطف وبغير العطف.

وقال ابن هشام فى رابع المغنى : الحال تتعدد بخلاف التمييز ، ولذلك كان خطا قول بعضهم فى هذا البيت.

بدات ببسم الله فى النظم اوّلا ٣١٠

تباركت رحمانا رحيما وموئلا

انهما تمييزان ، والصواب ان رحمانا منصوب باضمار اخص او امدح ، ورحيما حال منه لا نعت له لان الرحمان علم.

٢٢٢

اقول : هذا البيت للشاطبى المتوفى ٥٩٠ قاله فى صدر منظومته فى القراءات والتجويد ، وكون رحمانا او رحيما حالا يشعر بتخصيص لا يليق به تعالى ، لانه عزوجل تبارك وتعالى يرحم او يلعن ، نعم كون رحيما حالا لرحمانا كما قال ابن هشام لا باس به لان معناه انه تعالى رحمان حال كونه رحيما ، اى رحمتاه العامة والخاصة تجتمعان ، ولكن كون رحمان علما اول الكلام ، بل كون الله علما خاليا عن معنى الوصف اول الكلام ، والبحث فى موضعه.

الخامس : ان الحال تتقدم على عاملها وصاحبها ، وقد مر امثلتها فى مبحث الحال بخلاف التمييز ، ولكن جاء فى الشعر نادرا وذلك للضرورة كما فى هذه الابيات.

انفسا تطيب بنيل المنى ٣١١

وداعى المنون ينادى جهارا

اذا المرء عينا قرّبا لعيش مثريا ٣١٢

ولم يعن بالاحسان كان مذمّما

رددت بمثل السيد نهد مقلّص ٣١٣

كميش اذا عطفاه ماء تحلّبا

ضيّعت حزمى فى ابعادى الاملا ٣١٤

وما ارعويت وشيبا راسى اشتعلا

فهنّ اسلن دما مقلتى ٣١٥

وعذّبن قلبى بطول الصدود

السادس : ان الحال تكون مؤكده لعاملها ، نحو (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ـ ٢ / ٦٠ ، وقد مر ذكره فى مبحث الحال ، قالوا : ولا يكون التمييز مؤكدا.

اقول : ياتى مؤكدا فى باب اسم التفضيل ، كقوله تعالى : فى آيات كثيرة : (أَهْدى سَبِيلاً) و (أَضَلُّ سَبِيلاً) ، لان الهدى والضلال يدلان على السبيل ، فلذا جاء فى آيات كثيرة بدون ذكر التمييز ، نحو قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٦٧ / ٢٢.

الامر السادس

الاصل فى الحال الاشتقاق وفى التمييز الجمود ، وقد يتعاكسان فتاتى الحال

٢٢٣

جامدة كقوله تعالى : (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) ـ ٧ / ٧٤ ، وهذا لا يجوز ان يكون تمييزا لان التمييز جهة ثابتة فيما له التمييز يسند الفعل اليه باعتباره على ما مر بيانه ، والجبال لا تكون بيوتا الا بالنحت ، وقد مر غير هذا من الامثلة فى مبحث الحال.

وقد ياتى التمييز مشتقا ، واكثر ذلك بعد فعل الكفاية كقوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) ـ ٤ / ٦ ، (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) ـ ٤ / ٨١ ، (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) ـ ٤ / ٥٥ ، كفى بالموت واعظا ، وفى غيره نحو (حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) ـ ٤ / ٦٩ ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) ـ ٤ / ٨٧ ، ولله در فلان فارسا.

ودليل كون المنصوب فى هذه الامثلة وغيرها تمييزا جواز كونه محولا ، كما تقول : كفى حساب الله ، وكفى وعظ الموت ، وكذا غير ذلك ، مع امتناع بعضها حالا لانه تعالى كاف حال الحساب وغيرها ، وبيان المحول وغير المحول مر فى الامر الاول.

الامر السابع

قد قلنا ان التمييز جهة وحيثية فيما له التمييز ، ولذلك يصير جهة التشبيه فى بعض الاساليب ، وذلك فيما يرفع ابهام النسبة فى الجملة الاسمية ، نحو سلمان لقمان حكمة ، اى هو كلقمان فى الحكمة او يقال : هو حكيم كلقمان ، وزيد سحبان فصاحة ، وبكر حاتم جودا ، وفلان ثعلب مراوغة ، واخوك رستم شجاعة ، وابنى الصغير رجل قوة ، وابوك صبى ادراكا ، وانت زهير شعرا ، وجارك هبنقة حمقا.

واما المنصوب فى امثال هذا الاسلوب : اما العبيد فذو عبيد ابوك ، واما علما فعالم ابنك فمفعول ، والتقدير : مهما تذكر علما فعالم ابنك ، ومهما تذكر العبيد فذو عبيد ابوك ، وان اشتبه الحال بالتمييز فالحق ان يقال : انه ان كان مشتقا ولا مانع لكونه حالا فليكن حالا ، والا فليكن تمييزا.

٢٢٤

المبحث السادس عشر

فى الاشتغال.

وهو ان يشتغل عامل بضمير راجع الى اسم قبله لو لا ذلك الضمير عمل فى ذلك الاسم نحو زيدا اكرمته ، فان الضمير معمول اكرمت ، وزيدا معمول بلا عامل ، ولا يجوز على قواعدهم وجود معمول بلا عامل ، ولا يجوز ان يكون معمولا لاكرمت ايضا لانه لا يقتضى الا مفعولا واحدا وقد اخذه ، وهو الضمير.

وانما فتحوا هذا الباب اى باب الاشتغال ليحكموا بان الواجب تقدير عامل لذلك المعمول لئلا يبقى بلا عامل ، ولا محالة هو من سنخ المذكور ، فتقدير زيدا اكرمته : اكرمت زيدا اكرمته ، وانت ترى ان وجوب هذا التقدير ليس لنقص فى الكلام من جهة المعنى ، بل لاقتضاء القاعدة ، وهى قاعدة ان كل معمول له عامل وكل عامل له معمول ، ولا شىء من العوامل يعمل فى اكثر مما يقتضيه ويطلبه ، هذا خلاصة الكلام فى هذا الباب.

وهنا امور

الامر الاول

يقال لذلك الاسم المتقدم : المنصوب على شريطة التفسير ، اذ لا يكون مرفوعا

٢٢٥

ولا مجرورا ، لان المرفوع اما مبتدا فعامله الابتداء او خبر فعامله المبتدا او فاعل او نائب فاعل فعامله فعله ، والمجرور اما مدخول حرف جار او مدخول مضاف فهو عامله ، ومن شرط هذا الباب ان لا يكون للاسم المتقدم عامل ، فاذن ليس الا منصوبا ، واما شرط التفسير فلان الفعل المشتغل بضمير ذلك الاسم يفسر عامله المقدر.

فان لم يكن مفسرا بان يكون مثله مذكورا قبله فليس من هذا الباب ايضا ، نحو قوله تعالى : (يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) ـ ١٢ / ٤ ، فان رايت الثانى تاكيد لرايت الاول ، لا تفسير له لان الفعل المشتغل بضمير الاسم السابق يفسر عامله ان كان مقدرا لا مذكورا.

مثال ذلك قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ـ ٥٤ / ٤٩ ، (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) ـ ٥٤ / ٥٢ ، (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) ـ ٥٤ / ٢٤ ، (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها) ـ ٧٩ / ٣٠ ـ ٣٢ ، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) ـ ٧٨ / ٢٩ ، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) ـ ٣٦ / ١٢ ، (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) ـ ١٥ / ١٩ ، (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) ـ ٥١ / ٤٧ ، (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) ـ ٥١ / ٤٨ ، (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) ـ ١٧ / ١٢ ، (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ـ ١٧ / ١٣ ، (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) ـ ١٦ / ٥.

والاكثر الاغلب فى قراءة امثال هذه الآيات نصب الاسم المتقدم ، وقرا بعضهم فى بعضها برفعه ، والقاعدة تجوز كلا منهما فى كل مورد ، والمرجح هو الذوق البلاغى او نكتة رآها المتكلم او ضرورة تلجئ الشاعر الى احدهما ، فان رفع فالجملة اسمية موكدة بتصدير الاسم ، وحينئذ يكون خارجا عن هذا الباب لان معنى الابتداء عامل فى الاسم المرفوع ، وان نصب فهى فعلية موكدة بتكرار المعمول لفظا وتكرار العامل تقديرا ، وهو من هذا الباب ، والرفع فيه ارجح لو لم يكن للنصب موجب لسلامة الكلام من تكلف التقدير ، ولكن المشاهد فى الآيات ان قراءة النصب اكثر كما قلنا.

٢٢٦

الامر الثانى

قد قلنا ان الاسم المتقدم لا يكون الا منصوبا ، ولكن الضمير الراجع اليه قد يكون مجرورا بالحرف ، نحو قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) ـ ٧٦ / ٦ ، (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ـ ٧٦ / ٣١ ، ونحو زيدا مررت به ، او مجرورا بالاسم ، نحو قولك : زيدا رايت راسه وعمرا هدمت داره.

ويشكل ان يكون هذا من باب الاشتغال مع ان الاسم المتقدم لا عامل له ، لان من شرط هذا الباب ان يكون العامل المقدر من سنخ المذكور وان يجوز اعمال المذكور فى الاسم المتقدم لو لا ضميره ، والفعل المتعدى بالحرف لا يعمل بنفسه ، فلا يعمل مررت مثلا فى زيدا ، ولا يقال : مررت زيدا ، مع اختلال المعنى فى كثير من الموارد ، فلا يقال : يشرب عينا اذ العين ليست مشروبة ، بل المشروب ماءها ، ولا يصح هدمت عمرا لان المهدوم داره.

والعلاج باحد امرين : الاول ان يقدر مشابه الفعل المذكور مما لا يخل تقديره بالمعنى ولا بالقواعد ، فيقدر فى زيدا مررت به : جاوزت زيدا مررت به ، وفى اباك غفر الله له : رحم الله اباك غفر الله له ، وفى عينا يشرب بها عباد الله : يشاهدون عينا يشربون بها ، وفى الظالمين اعد لهم عذابا اليما : عذب الظالمين اعد لهم عذابا اليما ، وهكذا ، فيخصص الشرط فى هذه الموارد بكون المقدر مشابه المذكور.

والامر الثانى للعلاج ان يقدر عامل من سنخ الفعل المذكور مع اعادة الجار ، فيقال : فى زيدا مررت به : مررت بزيد مررت به ، وفى عمرا هدمت داره : هدمت دار عمرو هدمت داره ، وفى الظالمين اعد لهم : اعد للظالمين اعد لهم ، وهكذا ، فعلى هذا لا يخصص الشرط المذكور.

ثم من الافعال ما يتعدى بالحرف وبنفسه فلا حاجة الى العلاج ، بل يقدر نفس الفعل لكونه ذا الوجهين ، نحو زيدا رضيت عنه ، فتقول : رضيت زيدا رضيت عنه ،

٢٢٧

وعمرا هديت له ، فتقول : هديت عمرا هديت له ، والفعل من هذا القبيل كثير.

الامر الثالث

يجب رفع الاسم المتقدم ان كان على الفعل المشتغل ما يطلب الصدارة ، نحو زيد ان رايته فسلم عليه ، وابوك ما اعطفه عليك ، وخالد هل صاحبته ، فلا يجوز نصب هذه الاسماء لان ان الشرطية وما التعجبية وهل الاستفهام من طوالب الصدارة ، والنصب يخل بصدارتها لان المقدر كالمذكور فكانها واقعة بعده وياتى ذكر ما يطلب الصدارة فى مبحث طالبات الصدارة فى المقصد الثالث ، ولو حذف الضمير من الفعل فى هذه الامثلة لا يعمل فى الاسم السابق لصدارته ، بل يجب بقاءه على الرفع بالابتداء مع تقدير رابط اليه.

الامر الرابع

يجب نصب الاسم المتقدم اذا كان قبله ما يختص بالفعل كادوات التحضيض وهل الاستفهام واداة الشرط نحو هلا زيدا اكرمته ، وهل صديقك رايته ، وحيثما سعيدا لقيته فاعطه شيئا ، لان الرفع يجعل الجملة اسمية وهذه الادوات لا تدخل الا على الفعلية ، ولكن هل الاستفهام تدخل بشرط ان يكون الخبر اسما وهنا ليس كذلك ، وفى وجوب دخول ادوات الشرط على الجمل الفعلية كلام ياتى فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث.

الامر الخامس

قالوا : يترجح النصب فى مواضع منها ما يكون الفعل المشتغل طلبا ، نحو اللهم عبدك ارحمه ، فان نصب عبد ارجح من رفعه لان الطلب انما يكون بالفعل فالاولى ان يكون الجملة التى فيها الطلب فعلية ، ولكن هذا منقوض بقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ

٢٢٨

وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ـ ٥ / ٣٨ ، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ. جَلْدَةٍ) ـ ٢٤ / ٢ ، فان السبعة قراوا فيهما بالرفع ، وبقول الشاعر.

وقائلة خولان فانكح فتاتهم ٣١٦

واكرومة الحيّين خلو كماهها

فالقوم اخذوا فى التوجيه والخلاف ، والاحرى ترك ما قالوا والاحالة الى الذوق البلاغى فى الترجيح فى غير واجب الرفع او النصب.

ـ فى الكافى عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : من طلب العلم ليباهى به العلماء او يمارى به السفهاء او يصرف به وجوه الناس اليه فليتبوّء مقعده من النار ، انّ الرياسة لا تصلح الّا لاهلها.

٢٢٩

المبحث السابع عشر

فى تنازع العاملين ، وهو ورود عاملين على معمول واحد متاخر عنهما يطلبه كل منهما ، وهذا على عكس الاشتغال لانه عامل واحد ومعمولان ، وهذا معمول واحد وعاملان ، والعاملان اما يطلبان منصوبين او مرفوعين او مختلفين.

مثال الاول نحو قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ـ ٦٩ / ١٩ ، فان كلا من هاؤم واقراوا يطلب كتابيه بالمفعولية ، وهاؤم اسم فعل بمعنى خذوا ، (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ـ ١٨ / ٩٦ ، آتونى يطلب قطرا مفعولا ثانيا وافرغ يطلبه مفعولا ، وكقول الشاعر :

عهدت مغيثا مغنيا من اجرته

٣١٧ فلم اتّخذ الّا فناءك موئلا

مثال الثانى نحو قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ـ ٧ / ١٨٥ ، يتنازع يكون واقترب على اجلهم فيطلبه الاول اسما والثانى فاعلا ، وان قلت انّ يكون دخلت على الجملة الفعلية تخلفا عن القاعدة فقد قلت كما ذكرنا فى المبحث الثالث ، وما فى البيتين.

قضى كلّ ذى دين فوفّى غريمه

٣١٨ وعزّة ممطول معنّى غريمها

تعفّق بالارطى لها وارادها

٣١٩ رجال فبذّت نبلهم وكليب

مثال الثالث قول الشاعر.

٢٣٠

بعكاظ يغشى الناظري

٣٢٠ ن اذا هم لمحوا شعاعه

وهنا امور

الامر الاول

ان رفع التنازع وعلاجه باعمال احد العاملين فى المعمول المذكور المتنازع فيه وتقدير مثله للاخر وان كان مرفوعا ، او اعمال احدهما فى المتنازع فيه واعطاء ضميره للاخر وان لزم ارجاع الضمير الى المتاخر فانه فى هذا الباب مغتفر كمواضع اخرى ياتى ذكرها فى باب الضمائر فى المبحث السادس من المقصد الثانى ، ولكنه خلاف الاصل ، وباعتبار اعمال احد العاملين يسمى هذا الباب باب الاعمال ايضا ، ومثال اعطاء الضمير ما فى هذين البيتين.

جفونى ولم اجف الاخلّاء انّنى

٣٢١ لغير جميل من خليلى مهمل

اذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

٣٢٢ جهارا فكن للغيب احفظ للعهد

ثم ان نحاة الكوفة قالوا : ان اعمال العامل الاول اولى لسبقه على الثانى ، ونحاة البصرة قالوا : ان اعمال الثانى اولى لقربه من المعمول ، والكل حكموا بجواز كل منهما.

اقول : ان اعطى العامل المهمل ضمير المتنازع فيه فاعمال الاول اولى ، اذ يرجع الضمير الى المتاخر لفظا فقط ، نحو قد بغى واعتد يا عبداك لان عبداك من الجملة المعطوف عليها لانه فاعل بغى فرتبته متقدمة على الجملة المعطوفة اى اعتديا ، فهو متاخر لفظا لا رتبة ، بخلاف اعمال الثانى فان الضمير حينئذ يرجع الى المتاخر لفظا ورتبة نحو يحسنان ويسىء ابناك ، فان ضمير يحسنان يرجع الى ابناك وهو متاخر عن الضمير لفظا ورتبة لانه مع يسئ جملة معطوفة على يحسنان.

٢٣١

الامر الثانى

اذا وقع المعمول قبل العاملين او بينهما فليس من هذا الباب بل هو للمتقدم ويقدر للمتاخر معمول آخر لان الثانى ياتى بعد ان اخذ الاول معموله ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ـ ٢٢ / ٦٥ ، بالناس معمول لرؤوف على التعيين ، ويقدر لرحيم مثله ، وقوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) ـ ٩٣ / ٣ ، فان الكاف معمول ودع على التعيين ، ويقدر لقلى مثله ، اى وما قليك.

الامر الثالث

لا يقع التنازع بين حرفين اذا كانا عاملين ، بل العمل للمتاخر على التعيين لان المتقدم دخل ثانيا ، نحو قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) ـ ٢ / ٢٤ ، فان الجزم حق لم ، لان ان دخلت ثانيا واثر معناها الذى هو الشرط فى مجموع لم تفعلوا ، وقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) ـ ١٦ / ٦٦ ، فان كم مجرور باللام ، ولا عمل لان الا فى مجموع الجار والمجرور ، وكذا اذا اجتمع حرف وغيره فان العمل للاصق المعمول ، نحو مررت بزيد.

الامر الرابع

ليس تاكيد العامل من المتعدد لان المؤكد والمؤكد فى حكم الواحد ، فليس ذلك من هذا الباب كما فى هذه الابيات.

فهيهات هيهات العقيق ومن به

٣٢٣ وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

حتّى تراها وكانّ وكان

٣٢٤ اعناقها مشدّدات بقرن

فاين الى اين النجاة ببغلتى

٣٢٥ اتاك اتاك اللّاحقون احبس احبس

الامر الخامس

عنون بعضهم مبحث التنازع فى عاملين ومعمول واحد هو فاعل او مفعول ، و

٢٣٢

لكن يجرى فى المجرور وفى اكثر من عاملين ، ودونك امثلته.

١ ـ فى الحديث : تكبرون وتحمدون وتسبحون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، فتنازع ثلاثة عوامل فى معمولين ، هما دبر كل صلاة فانه منصوب على الظرفية ، وثلاثة وثلاثين فانه مفعول مطلق ، اى ثلاثا وثلاثين تكبيرة الخ ، والسنة فى التكبيرة اربع وثلاثون كما فى غير هذه الرواية.

٢ ـ : فى دعاء الافتتاح : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وامينك وصفيك وحبيبك وخيرتك من خلقك وحافظ سرك ومبلغ رسالاتك افضل واحسن واجمل واكمل وازكى وانمى واطيب واطهر واسمى واكثر ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على احد من عبادك وانبيائك ، فان افضل الى اكثر يطلب كل منها ما صليت مضافا اليه ، فقل : هو للاخير وقدر لغيره مثله ، ولا باس بان اعطيته لغير الاخير ، ولكن يلزم الفصل بين المضاف والمضاف اليه ، وهو قليل ، وكذا صليت الى سلمت يطلب كل منها تعلق على احد به ، فهو لاحدها وللباقية يقدر مثله ، ولا باس بالفصل بين الفعل ومتعلقه.

٣ ـ : ما فى هذه الابيات :

كساك ولم تكسه فاشكرن له

٣٢٦ اخ لك يعطيك الجزيل وناصر

كسانى ولم استكسه فحمدته

٣٢٧ اخ لى يعطينى الجزيل وناصر

ما صاب قلبى واضناه وتيّمه

٣٢٨ الّا كواعب من ذهل بن شيبان

٤ ـ قوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) ـ ٤ / ١٧٦ ، كل من الفعلين يطلب الجار.

ثم لا يخفى ان فى هذا الباب من كتب القوم امثلة من معمولات الافعال الناقصة وافعال القلوب واحكاما مذكورة لها ، تركتها اذ لم اجد منها شيئا فى آيات الكتاب واشعار العرب ، وهى امثلة مخلوقة وتراكيب منكرة ، لم يكد يتفوه بها عربى ، نحو اظن ويظنانى اخا زيدا وعمرا اخوين فى الرخاء من ارادها فالى كتب القوم.

٢٣٣

تنبيه

مما اوحى الى القوم : ان العوامل فى النحو كالمؤثرات الحقيقية واجتماع مؤثرين على اثر واحد ممتنع ، ولذلك ابوا فى باب التنازع ان يقولوا : ان الواحد معمول لعاملين او عوامل ، وتمحلوا لهذا الخطر بالحذف والتقدير او الاتيان بضمير المتنازع فيه ، وحكموا بايجاب الحذف او الذكر فى موضع وتحريمه فى موضع آخر ، وحكموا بشذوذ المأثور المخالف لما حكموا ، ولم يخالفهم فى ذلك الا الفراء.

مثلا : قال السيوطى : ان اعملت الاول واحتاج الثانى الى منصوب وجب ايضا اضماره ، اى الاتيان بضمير المتنازع فيه نحو ضربنى وضربته زيد وندر قوله.

بعكاظ يغشى الناظري

٣٢٩ ن اذا هم لمحوا شعاعه

اقول : ان البيت من البلاغه بمكان ، وهو كما روى لعاتكه بنت عبد المطلب.

واما الممتنع واقعا فى هذا الفن فهو اجتماع الاثرين اى اجتماع الرفع والنصب مثلا على كلمة واحدة الا ان يكون احدهما لفظا والآخر محلا وذلك لامتناع التلفظ بهما معا لان كلا منهما حركة الى جهة ، والمتحرك الواحد لا يمكن ان يتحرك الى جهتين معا ، الا ان يكون احدهما تابعا كالراكب للسيارة السائرة الى جهة وهو يسير فيها الى خلفها.

واما اجتماع المؤثرين فهو ممتنع فى المؤثر التام الحقيقى ، لان الاثر الواحد ان اسند الى علتين تامتين لزم الخلف ، اذ الاسناد اليهما يدل على كونهما غير تامتين وباجتماعهما حصلت العلة التامة ، واما العوامل النحوية فليست بعلل فكيف بكونها تامة ، بل هى علامات تدل على المرادات كما ذكرنا فى المقدمة.

فالحق ان قولك : جاء وجلس زيد سائغ كجاء زيد وجلس ، ورايت فاكرمت زيدا سائغ كرايت زيدا فاكرمته ، وان شئت فقل : رايته واكرمت زيدا فانه كرايت زيدا فاكرمته ، وكذا غير ذلك من الاساليب ، كما مر امثلتها ولا باس بارجاع

٢٣٤

الضمير الى المتاخر لانه ورد فى الكلام الاصيل ، وان شئت فقل : ان الضمير يرجع الى ما فى ذهن المتكلم ، وهو كذلك ، كما نقول فى قل هو الله احد : ان هو راجع الى الكائن الازلى المشاهد لكل احد بعين الفطرة.

ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : يغدو الناس على ثلاثة اصناف : عالم ومتعلّم وغثاء. فنحن العلماء وشيعتنا المتعلّمون وساير الناس غثاء.

٢٣٥

المبحث الثامن عشر

فى افعال التعجب.

والتعجب هو حالة تعرض على الانسان عند ادراك ما ليس بمعتاد او ليس بمتوقع ، وتلك الحالة انقباض ووقفة للروح البخارى عند ذاك الادراك ، ثم تزول تلك الحالة بمعرفة علل ذاك الامر غير المعتاد او غير المتوقع ، ويتبعه الضحك فى الاغلب ان كان معه عاقل آخر.

وانه تعالى منزه عنه اذ ليس محلا للحوادث ، وما وقع فى كلامه منه فانما هو باعتبار المخاطبين ، كما خاطب بقوله : (إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ـ ١٣ / ٥ ، وفى كلام العرب جمل واساليب تستعمل فى التعجب اشهرها صيغتان.

الاولى : ما افعله ، نحو قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) ـ ٢ / ١٧٥ ، اى عجيب صبرهم على النار ، اى صبر العاصين على نار جهنم ، وصبرهم ليس بالاختيار بل عن الاضطرار ، وقول على عليه‌السلام : ما اسرع الساعات فى الايام واسرع الايام فى الشهور واسرع الشهور فى السنة ، واسرع السنة فى العمر ، وقوله : ما ابعد الخير ممن همته بطنه وفرجه ، وقوله : ما اقرب الحياة من الموت وما ابعد الاستدراك من الفوت ، وقوله : ما اخسر من ليس له فى الاخرة نصيب ، وقوله : ما اكثر الاخوان

٢٣٦

عند الجفان واقلهم عند حادثاث الزمان ، ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عند الله سبحانه وما احسن تيه الفقراء على الاغنياء اتكالا على الله سبحانه ، وقوله : ما اقرب الدنيا من الذهاب والشيب من الشباب والشك من الارتياب وما اكثر العبر واقل المعتبر ، وكما فى هذه الابيات.

ما اصعب الفعل لمن رامه

٣٣٠ واسهل القول على من اراد

ما اجمل الهجرة بالاحرار

٣٣١ ان ضنّت الاوطان بالقرار

ما احسن الدين والدنيا اذا اجتمعا

٣٣٢ واقبح الكفر والافلاس بالرجل

الثانيه : افعل به ، نحو قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ١٩ / ٣٨ ، (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) ـ ١٨ / ٢٦ ، وكقول الشاعر :

اذا عمّر الانسان تسعين حجّة

٣٣٣ فابلغ بها عمرا واجدر بها شكرا

ولصياغة فعل التعجب شروط ثمانية ، هى شروط صياغة افعل التفضيل ، وياتى ذكرها فى المبحث الثانى والعشرين.

وههنا امور

الامر الاول

تركيب ما افعله : ان ما اسم للاستفهام التعجبى بمعنى اى شىء ، وفى افعل ضمير الفاعل يرجع اليه ، والمنصوب بعده مفعول به ، كانك فى قولك : ما احسن زيدا تقول متعجبا من حسنه اى شىء جعل زيدا حسنا هذا الحسن البالغ ، وتركيب افعل به ، هو صيغة امر من باب الافعال ، فيه ضمير المخاطب كانك فى قولك : اجمل بزيد تقول متعجبا من جماله : ايها المشاهد لجمال زيد اعتقد الجمال الكامل فى زيد ، قيل : ان الباء زائدة كما فى كفى بالله شهيدا ، وعلى هذا فالتقدير : اجعل زيدا

٢٣٧

جميلا كاملا فى عقيدتك.

الامر الثانى

قد يتوسط الظرف او الشرط او النداء بين فعل التعجب ومعموله ، كقوله على عليه‌السلام : ما احسن بالانسان ان يصبر عما يشته ، وما احسن بالانسان ان لا يشته ما لا ينبغى ، وما اقبح بالانسان باطنا عليلا وظاهرا جميلا ، ما احسن بالانسان ان يقنع بالقليل ويجود بالجزيل ، ما اقبح بالانسان ان يكون ذا وجهين ، وكقوله عليه‌السلام لما راى عمار بن ياسر رحمه‌الله يوم صفين مقتولا مطروحا على الارض : اعزز على ابا اليقظان ان اراك صريعا مجدلا ، اى بان اراك ، وتوسط النداء ايضا كما فى قوله الاخر : ما اعظم اللهم ما نرى من خلقك وما اصغر عظمته فى جنب قدرتك ، وكما فى هذه الابيات.

بنى تغلب اعزز علىّ بان ارى

٣٣٤ دياركم امست وليس بها اهل

خليلىّ ما احرى بذى اللّبّ ان يرى

٣٣٥ صبورا ولكن لا سبيل الى الصبر

اعزز علىّ بان تكون عليلا

٣٣٦ او ان يكون لك السقام نزيلا

وقال نبىّ المسلمين تقدّموا

٣٣٧ واحبب الينا ان يكون المقدّما

اقيم بدار الحزم ما دام حزمها

٣٣٨ واحر اذا حالت بان اتحوّلا

اهون علىّ اذا امتلات من الكرى

٣٣٩ انّى ابيت بليلة الملسوع

وهذه الظروف متعلقة بفعل التعجب ، وجاء متقد ما فى قول على عليه‌السلام : ويح العاصى ما اجهله وعن حظه ما اعدله.

الامر الثالث

قد يتوسط كان الزائدة للتوكيد بين ما وفعل التعجب كما فى هذه الابيات.

ما كان اجمل عهدهم وفعالهم

٣٤٠ من لى بعهد فى الهناء تصرّما

٢٣٨

ما كان احوج ذا الجمال الى

٣٤١ عيب يوقّيه من العين

ما كان اسعد من اجابك آخذا

٣٤٢ بهديك مجتنبا هوى وعنادا

حجبت تحيّتها فقلت لصاحبى

٣٤٣ ما كان اكثرها لنا واقلّها

ونقل ابن هشام فى المغنى فى آخر الباب السابع اقوالا فى كان هذه ، اشهرها انها زائدة للتوكيد ، وهذا اسهل الاقوال واحسنها ، ومر ذكر زيادتها فى غير التعجب فى المبحث الثالث.

الامر الرابع

قد يحذف معمول فعل التعجب ، نحو قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ـ ١٩ / ٣٨ ، اى وابصر بهم ، وكما فى هذه الابيات.

جزى الله عنّى والجزاء بفضله

٣٤٤ ربيعة خيرا ما اعفّ واكرما

اعزز بنا واكف ان دعينا

٣٤٥ يوما الى نصرة من يلينا

ارى امّ عمرو دمعها قد تحدّرا

٣٤٦ بكاء على عمرو وما كان اصبرا

فذلك ان يلق المنيّة يلقها

٣٤٧ حميدا وان يستغن يوما فاجدر

الامر الخامس

لا فرق فى الصيغيتن بين المذكر والمؤنث ، بل كلاهما لكليهما ، وكذا كان اذا زيدت بعد ما ، ويجب ان يكون مفعولهما معرفة او نكرة مختصة كما مضى فى الامثلة ، ويمتنع كونه نكرة محضة لعدم الفائدة ، كما تقول ما احسن انسانا ، ما اعبد مؤمنا ، ما اصلب حجرا ، ما ارفع جبلا ، اكرم برجل ، اعدل بعالم ، وامثالها.

الامر السادس

لا تصريف فى هاتين الصيغتين بشئ ، وتصغيرها فى هذا البيت شاذ.

٢٣٩

يا ما اميلح غزلانا شدنّ لنا

٣٤٨ من هؤليّائكنّ الضّال والسمر

وقال ابن هشام فى القاعدة الاولى من ثامن المغنى : انهم منعوا افعل التفضيل ان يرفع الظاهر لشبهه بافعل فى التعجب وزنا واصلا وافادة للمبالغة ، واجازوا تصغير افعل فى التعجب لشبهه بافعل التفضيل فيما ذكر ، اى وزنا واصلا وافادة للمبالغة.

اقول : الظاهر انه اراد بالاصل عدد حروف الاصول ، واما تشابههما فى الوزن فالمعمول فى الفن ان يوزن الاسم بالاسم والفعل بالفعل ، واما افادة المبالغة فان معنى التفضيل غير المبالغة ، ولا يفيد فعل التعجب معنى المبالغة ، اللهم الا بالقرينة ، وهو اذا استعمله المتكلم فى غير مورد التعجب ، كما يقال : ما احسن زيدا مع انا نعلم ان حسنه لم يكن فوق العادة ، فيفهم ان المتكلم اراد المبالغة باستعمال هذه الصيغة ، واما اذا كان حسنه فوق العادة فالتعجب فى مكانه ولا مبالغة.

واما اجازتهم فمعناها جواز القياس ، ولا يصح القياس بوروده فى مورد او موردين ، مع ان تصغير الفعل لا معنى له اصلا ، وانه من خواص الاسم ، فما ورد فهو شاذ لا يقاس عليه.

الامر السابع

لا فرق فى صياغة فعل التعجب بين الفعل اللازم والمتعدى ، فان المنصوب بعده فاعل فى الحقيقة والمعنى ، ومفعول فى الصورة والتركيب ، فقولك : ما احسن زيدا وما اضربه وما اعطاه واحد ، ومرادك انشاء التعجب ممن له هذه الافعال بدون النظر الى مفعول حسب المعنى ، وان اردت ان تاتى بمفعوله فباللام الجارة المؤدية معنى التعدية ، نحو ما اضرب زيدا لعمرو ، وما انصر بكرا لقومه ، وان كان الفعل ذا مفعولين تاتى بالثانى منصوبا ، نحو ما اعطى اباك لك دينارا ، وما اهدى عالم البلد للناس طريقهم.

٢٤٠