علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

انّ الكريم ليخفى عنك عسرته ٢٧٩

حتّى تراه غنيّا وهو مجهود

القسم الثانى

نحو قوله تعالى : (جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ـ ٤ / ٩٠ ، (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ) ـ ١٢ / ٧١ ، (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) ـ ٢٦ / ١١١ ، (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ـ ٧٦ / ١ ، (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ـ ٦ / ١١٩.

ثم ان صاحب المغنى قال : وجب دخول قد عند البصريين الا الاخفش على الماضى الواقع حالا اما ظاهرة واما مقدرة ، وخالفهم الكوفيون والاخفش فقالوا لا تحتاج لذلك لكثرة وقوعه حالا بدون قد.

اقول : الحق مع الكوفية ، وتعليل البصرية بان قد تقرب الماضى الى الحال فيناسب دخولها على الماضى الواقع حالا خلط بين معنيى الحال ، وتقريب قد من الحال اول الكلام ، وهذا التعليل ان تم فلا يفيد الوجوب.

القسم الثالث

نحو قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ـ ٧٤ / ٦ ، (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) ـ ٥ / ٨٤ ، (يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ) ـ ٦١ / ٥ ، (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) ـ ٦٢ / ٥.

ومثال شبه الجملة قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) ـ ٧٦ / ٨ ، (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) ـ ٢٨ / ٧٩ ، (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) ـ ١٧ / ١٠٦ ، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) ـ ١٧ / ٩٧ ، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ) ـ ٦٧ / ١٩.

٢٠١

وهنا امور

الامر الاول

يشترط فى الجملة الحالية ان تكون خبرية مشتملة على رابط يربطها بصاحب الحال ، لانها كخبر المبتدا بالنسبة الى صاحبها ، ورابطها الواو التى تسمى واو الحال او ضمير راجع الى ذى الحال او كلاهما كما شوهد فى الامثلة ، ولا يجوز خلوها عنهما ، ومجيئها خالية عنهما فى هذا البيت للضرورة.

نصف النهار الماء غامره ٢٨٠

ورفيقه بالغيب لا يدرى

ولا يوتى بالواو فى سبع صور.

١ ـ اذا وقعت بعد عاطف كقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ـ ٧ / ٤.

٢ ـ اذا كانت موكدة لمضمون الجملة ، كقوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) ـ ٤٠ / ٥٩ ، (لا) مؤكدة لعاملها ، نحو (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ـ ٣ / ٢٣.

٣ ـ اذا كانت جملة ماضوية بعد الا ، نحو قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) ـ ٦ / ٤ ، (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ١٥ / ١١ ، ووقوعها فى هذا البيت شاذ.

نعم امرؤ هرم لم تعر نائبة ٢٨١

الّا وكان لمرتاع بها وزرا

٤ ـ اذا كانت معطوفة عليها جملة اخرى ، نحو لاضربنه ذهب او مكث ، وكقول الشاعر.

كن للخليل نصيرا جار او عدلا ٢٨٢

ولا تشحّ عليه جاد او بخلا

٥ ـ اذا كانت جملة مضارعية مثبتة غير مقترنة بقد ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ـ ٧٤ / ٦ ، واعلم ان قد والواو متلازمتان على الجملة الحالية المضارعية المثبتة ، فان كانت احديهما فمع الاخرى والا فلا ، كقوله تعالى : (وَقَدْ

٢٠٢

تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ) ـ ٦١ / ٥ ، وشذ قول الشاعر :

فلمّا خشيت اظافيرهم ٢٨٣

نجوت وارهنهم مالكا

٦ ـ اذا كانت جملة مضارعية منفية بلا ، نحو قوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) ـ ٥ / ٨٤ ، (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) ـ ٢٧ / ٢٠ ، وكقول الشاعر.

ولو انّ قوما لارتفاع قبيلة ٢٨٤

دخلوا السماء دخلتها لا احجب

واما قوله تعالى : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) ـ ١٤ / ١٢ ، فحال بتقدير فى ، اى وما لنا من العذر فى حال عدم توكلنا على الله ، فالحال من قبيل شبه الجملة.

٧ ـ اذا كانت جملة مضارعية منفية بما ، كما فى البيتين.

كانّها يوم صدّت ما تكلّمنا ٢٨٥

ظبى بعسفان ساجى الطرف مطروف

عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة ٢٨٦

فما لك بعد الشيب صبّا متيّما

ثم ان الجملة المضارعية ان كانت منفية بغير ما ولا جاز فيها الواو والضمير ، احدهما او كلاهما نحو قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) ـ ٦ / ٩٣ ،(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ـ ٣ / ١٤٢ ، فى الآيتين كلاهما ، وقوله تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) ـ ٣ / ١٧٤ ، فى هذه الآية الضمير وحده ، ومثال الواو وحدها قولك : ذهبت ولم تطلع الشمس ، وكما فى هذه الابيات من الامثلة الثلاثة.

فان كنت ماكولا فكن خير آكل ٢٨٧

والّا فادركنى ولمّا امزّق

سقط النصيف ولم ترد اسقاطه ٢٨٨

فتناولته واتّقينا باليد

كانّ فتات العهن فى كلّ منزل ٢٨٩

نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم

ولقد خشيت بان اموت ولم تدر ٢٩٠

للحرب دائرة على ابنى ضمضم

لاخرجنّ من الدنيا وسرّكم ٢٩١

بين الجوانح لم يعلم به احد

٢٠٣

الامر الثانى

ان العامل فى الحال هو العامل فى صاحبها ، وهذه قاعدة مسلمة ، والاعتبار يساعدها لان الحال حيثية لصاحبها كالصفة للموصوف ، فينبغى ان يكون عاملهما واحدا كما ان عاملهما واحد ، وصاحب الحال اما فاعل او نائبه او مفعول به او مجرور بالحرف او بالاسم او مبتدا او خبر ، فهذه سبعة ، نذكر كلا منها على حدته لان ذكرها لا يخلو عن الفائده.

القسم الاول

ما يكون صاحب الحال فاعلا ، نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ـ ٢٧ / ١٣ ،(قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٢٦ / ٩٦ ، العامل فى آياتنا ومبصرة هو جاءت ، والعامل فى (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) قالوا ، وواو الجمع صاحب الحال ، وقوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) ـ ٧٤ / ٤٩ ـ ٥٠ ، كانهم حمر حال من الضمير المستتر فى معرضين ، ومعرضين حال من الضمير المجرور ، فعامل معرضين هو كائن العامل فى لهم ، وعامل كانهم حمر هو معرضين العامل فى ضميره المستتر فيه الذى هو فاعله.

القسم الثانى

ما يكون صاحب الحال نائبا عن الفاعل ، نحو قوله تعالى : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) ـ ١٩ / ٣٣ ، (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) ـ ٢٦ / ١٤٦ ، (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ـ ١٦ / ١٠٦.

القسم الثالث

ما يكون صاحب الحال مفعولا به ، نحو قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) ـ ٦ / ١١٤ ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ

٢٠٤

عِوَجاً قَيِّماً لِيُنْذِرَ) ـ ١٨ / ١ ـ ٢ ، (قَيِّماً) حال من (الْكِتابَ) ، (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) ـ ٦ / ٤٨ ، (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) ـ ١٩ / ١٢ ، (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) ـ ٢٩ / ١٤ ، (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ٢٦ / ٢٠٢ ، ومجيئ الحال لسائر المفاعيل غير موجود ، وان وجد فهو نادر.

القسم الرابع

ما يكون صاحب الحال مجرورا بالحرف ، نحو قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) ـ ٣٧ / ٢٥ ، (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) ـ ٧٤ / ٤٩ ، وقد مر بيانه فى القسم الاول.

القسم الخامس ما يكون صاحب الحال مجرورا بالاسم ، ولا يجيئ الحال منه الا على احد الوجوه الثلاثة.

الاول ان يكون المضاف وصفا او مصدرا ليصلح ان يكون عاملا فى الحال ، نحو قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ـ ١٠ / ٤ ، مرجع مصدر ميمى ، وجميعا حال من كم ، (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ـ ٩٨ / ٨ ، خالدين حال من هم فى جزاءهم ، ونحو اعجبنى ذهابك مسرعا ، وانا شارب السويق ملتوتا ، وانت آكل الميراث باطلا.

الثانى ان يكون المضاف بعض المضاف اليه ، كقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) ـ ١٥ / ٤٧ ، اخوانا حال من المضاف اليه ، وصدور بعضه ، ووحدة العامل فى هذا الوجه حاصلة بالاعتبار لان الجزء لشدة اتصاله بالكل بمنزلته ، فالحال منه كانها حال منه ، وعامل المضاف متعلق الجار بواسطته وهو عامل اخوانا ، ومثلها قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) ـ ٧ / ٤٣ ، و

٢٠٥

فان ميتا حال من اخيه فكانه حال من لحم ، وعاملهما ياكل.

الثالث ان يكون المضاف كبعض المضاف اليه ، وعلامته صحة قيام المضاف اليه مقام المضاف ، ووحدة العامل حاصلة بالاعتبار الذى قلنا فى الوجه الثانى ، نحو قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) ـ ١٦ / ١٢٣ ، فان حنيفا حال من ابراهيم ، ويصح ان يقوم مقام ملة ويقال : ان اتبع ابراهيم حنيفا ، وقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) ـ ٢٩ / ٤١ ، اتخذت حال من العنكبوت ، ومثل كالجزء منها ، وقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) ـ ٦٢ / ٥ ، يحمل حال من الحمار ، والعامل فى مثل فى الآيتين كائن بواسطة الكاف الجارة.

القسم السادس

ما يكون صاحب الحال مبتدا او اسما لاحد النواسخ ، نحو قوله تعالى : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) ـ ٤٦ / ١٢ ، اما ما حال من كتاب ، (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) ـ ٦ / ١٣٩ ، خالصة على قراءة النصب حال للموصول ولذكورنا خبره ، (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) ـ ٣٥ / ١٠ ، جميعا حال للعزة ، ونحو قولهم : هذا بسرا اطيب منه رطبا ، بسرا حال من هذا ورطبا حال من الضمير المجرور ، ونحو قولك : زيد مفردا انفع من عمرو معانا ، ليتكم جميعا عندى ، لعل ابنى سالما يقدم من السفر ، وكما فى هذه الابيات.

كانّ قلوب الطير رطبا ويابسا ٢٩٢

لدى وكرها العنّاب والحشف البالى

عدس ما لعبّاد عليك امارة ٢٩٣

امنت وهذا تحملين طليق

بنا عاذ عوف وهو بادى ذلة ٢٩٤

لديكم فلا يعدم ولاء ولا نصرا

تعيّرنا انّنا عالة ٢٩٥

ونحن صعاليك وانتم ملوكا

والعامل فى هذه الاحوال كلها اما معنى الابتداء او الناسخ لان صاحب الحال

٢٠٦

اما مبتدا او اسم للناسخ ، وهذا مقتضى تلك القاعدة التى ذكرناها فى اول الامر الثانى ، وللقوم فى هذا المقام اختلافات من احب لقاءها فعليه الرجوع الى كتبهم.

القسم السابع

ما يكون صاحب الحال خبرا ، والخبر اما جامد غير متحمل للضمير ، او متحمل للضمير فعلا او وصفا.

مثال الاول قوله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) ـ ١١ / ٧٢ ، (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) ـ ٢٧ / ٥٢ ، (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) ـ ٧ / ٧٣ ، (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ـ ٢١ / ٩٢ ، (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) ـ ٦ / ١٥٣ ، شيخا وخاوية وآية وامة ومستقيما احوال للاخبار فى هذه الجمل ، ومنه قولك : هذا مالك ذهبا ، وهذه جبتك خزا ، وسهمك من الميراث خاتم فضة وشجرة نخلا ، وانت القمر بدرا وانا الرجل كاملا.

والعامل فيها على تلك القاعدة هو الناسخ ان كان الخبر لناسخ او الابتداء على القول بكونه عاملا فى الخبر او المبتدا على القول بانه عامل فيه ، وفى هذا المقام ايضا اختلاف ان اردته راجع الخامس عشر من سادس المغنى.

واما الخبر المتحمل للضمير فالحال لضميره وهو عامل فيهما ، نحو قولك : انا مسافر راكبا ، فان مسافر عامل فى ضميره المستتر وفى راكبا ، ومر فى القسم الاول نظير هذا ، وكقول الشاعر.

ها بيّنا ذا صريح النصح فاصغ له ٢٩٦

وطع فطاعة مهد نصحه رشد

الامر الثالث

الاصل فى صاحب الحال ان يكون معرفة كما ان الاصل فى الحال ان تكون نكره لانهما كالمبتدا والخبر ، ولكن يجيئ صاحب الحال نكرة فى اربعة مواضع قياسا.

٢٠٧

الاول ان يسبقه نفى او نهى او استفهام ، كقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) ـ ١٥ / ٤ ، ونحو لا يبغ احد على احد مستسهلا بغيه ، وكقول الشاعر :

يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى ٢٩٧

لنفسك العذر فى ابعادها الاملا

الثانى ان يتخصص بشئ من الوصف كقول الشاعر :

يا ربّ نجّيت نوحا واستجبت له ٢٩٨

فى فلك ماخر فى اليمّ مشحونا

الثالث ان تكون الحال جملة مصدرة بالواو كقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ـ ٢ / ٢٥٩.

الرابع ان يتاخر عنها ذو الحال كقول الشاعر :

وما لام نفسى مثلها لى لائم ٢٩٩

ولا سدّ فقرى مثل ما ملكت يدى

وجاء ذو الحال نكرة سماعا فى غير هذه المواضع كما فى هذا الحديث : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا وصلى وراءه رجال قياما ، ونحو لى عليك مائة بيضا ، اى مائة درهم.

الامر الرابع

قالوا فى تعريف الحال : انها فضلة ، وهى ما يتم الفائدة بدونها ، الا ان من الكلام ما لا يتم فائدته بدون الحال ، وذلك فى ثلاثة مواضع :

الاول ان يختل مراد المتكلم لولاها ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) ـ ١٧ / ٣٧ ، (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ـ ٤ / ٤٣ ، (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) ـ ٤ / ١٤٢ ، (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) ـ ٦ / ٤٨ ، (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ـ ٤٤ / ٣٨ ، وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ـ ٢٦ / ١٣٠ ، وكما فى البيتين.

ولست ممّن اذا يسعى لمكرمة ٣٠٠

يسعى وانفاسه بالخوف تضطرب

٢٠٨

انّما الميت من يعيش كئيبا ٣٠١

كاسفا باله قليل الرجاء

فان لم تكن هذه الاحوال لتناقض الكلام او انقلب المعنى المراد او بقى الكلام بلا فائدة.

الثانى ان يكون الحال سادة مسد الخبر مفيدة فائدته ، نحو افضل صدقة الرجل مستقرا ، ويقدر الخبر من افعال العموم نحو حاصل ، اكثر شربى السويق ملتوتا ، قراءتى كتاب الله تعالى متوضئا ، وفى الحديث : اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، اخطب ما يكون الامير قائما ، وما بعد اسم التفضيل فى هذه الجمل فاعل له فى المعنى ، اى كون الامير اخطب حاصل فى حال قيامه.

الثالث ـ ان تكون الحال دالة على عاملها المحذوف وياتى تفصيله فى الامر التاسع.

الامر الخامس

ان العرض من الحال تقييد حصول عاملها بوقت حصولها ، فان المعنى بقولك : جاء زيد والشمس طالعة تقييد حصول المجيئ بزمان طلوع الشمس ، اى جاء زيد فى زمان طلوع الشمس وجاء زيد راكبا ، اى جاء زيد فى زمان ركوبه ، وعلى هذا فيشكل تقسيم الحال الى المقارنة وغير المقارنة وتقسيم غير المقارنة الى المقدرة والمحكية على ما مر فى الفصل الرابع فى اول المبحث.

فاجيب بانها باعتبار التقدير والحكاية ، ولذلك سميت بالمقدرة والمحكية ، فان قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) ـ ٤٨ / ٢٧ ، يؤول الى لتدخلن المسجد الحرام مقدرين حلق رؤوسكم ، وقوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) ـ ٢ / ٧٥ ، يؤول الى افتطمعون ايمانهم حاكين ان فريقا منهم كانوا كذا ، وهكذا فى كل مورد ومنه قوله تعالى : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ـ ٣٧ / ٩٩ ، اى انى ذاهب الى ربى مقدرا هدايته

٢٠٩

اياى فيما ياتى من الزمان ، وعلى هذا فلا يتوجه انكار ابن هشام الى من قال : ان سيهدين جملة حالية ، كما ذكر فى آخر الباب الثانى من المغنى عند ذكر القيد الرابع.

اقول : لا حاجة الى هذا التكلف ، فان الحال قيد لصاحبها من دون نظر المتكلم الى الزمان ، فان نظره فى قوله : جاء زيد راكبا مثلا الى ان زيدا جاء فى هذه الهيئة ، واتحاد زمان المجيئ والركوب يعلم من خارج الكلام ، انظر الى قول امراة ابراهيم عليه‌السلام : (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) ـ ١١ / ٧٢ ، فانها لا تريد الا ان تقيد نفسها بالعجوز وبعلها بالشيخوخية ليصح استبعاد ولادتها من دون نظر الى زمان الولادة والبعولة والعجوز والشيخوخية ، فتوافق الزمانين فى الاكثر لا يوجب امتناع تخالفهما فى بعض الموارد.

والحاصل ان الحال قيد للتحقق لا للزمان فقوله تعالى : لتدخلن محلقين اى يتحقق دخولكم مع الحلق سواء اكان فى زمان واحد ام فى زمانين ، وانى ذاهب الى ربى سيهدين ، اى يتحقق ذهابى مع الهداية ، وجاءنى زيد راكبا اى تحقق المجيئ مع الركوب ، واما فى زمان واحد فلا موجب لذلك واقعا ولا دلالة عليه فى الكلام ، ولكن القوم شاهدوا الاحوال فى الاكثر الاغلب انها متحدة من حيث الزمان مع عاملها ، فحكموا بذلك واوّلوا ما ليس كذلك ليكون الحكم كليا ، ولكنه لا موجب له.

الامر السادس

ان قلت : قد تكرر قولكم : ان الحال وذا الحال بمنزلة الخبر والمبتدا فى المعنى ، ونقل عن سيبويه : انهما اشبه بهما من الصفة والموصوف ، وفى الفصل السابع فى اول المبحث قسمتم الحال الى المتحدة والمغايرة ، وقلتم ان المغايرة تحمل على صاحبها بالتاويل ، ولكن من الاحوال ما لا يحمل على صاحبها لا بنفسه ولا بالتاويل ، وهو الجملة الحالية التى رابطها الواو فقط ، نحو (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ

٢١٠

الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) ـ ١٢ / ٢٤ ، فان جملة نحن عصبة حال من يوسف او الذئب وليست حالا من فاعل قالوا ولا يمكن ان تكون خبرا عن احدهما ، ومثله قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ـ ٨ / ٥ ، وان فريقا الخ حال من فاعل اخرجك او مفعوله ، ولا يمكن حملها على احدهما ، ونحو قمت من النوم والشمس طالعة ، وكقول الشاعر :

وقد اغتدى والطير فى وكناتها ٣٠٢

بمنجرد قيد الاوابد هيكل

قلت : نقل الجواب ابن هشام فى رابع المغنى فى باب اقسام الحال بما حاصله ان هذه الاحوال فى حكم الظروف ، اى قمت من النوم زمان طلوع الشمس ، وهكذا.

اقول : ان هذا الجواب لا يصحح تشبيه الحال بالخبر ، اذ لا يحمل ظرف الزمان على ذى الحال ، فان ذا الحال فى قمت انا ، فلا يصح ان يقال : انا زمان طلوع الشمس ، فالحق ان يقال ان هذه الاحوال خارجة عن التشبيه ، فالتشبيه اكثرى لا كلى ، وكذا تشبيهما بالموصوف والصفة.

الامر السابع

اذا وقع جملة او شبه جملة بعد نكرة ولم يدل دليل على تعينها حالا امكن ان تكون حالا او نعتا للنكرة وكونها نعتا اولى كقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) ـ ٢٦ / ٢٠٨ ، جملة (لَها مُنْذِرُونَ) تصلح ان تكون حالا (مِنْ قَرْيَةٍ) او نعتا لها ، (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) ـ ٥٤ / ١٣ ـ ١٤ ، (تَجْرِي) حال من ذاتِ أَلْواحٍ او نعت لها ، (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً) ـ ٥ / ١١٤ ، جملة تكون صفة لمائدة او حال منها ، ولو كانت على لها منذرون واو تعينت للحالية خلافا للزمخشرى ، وياتى ذكر مذهبه فى باب النعت من المبحث الحادى عشر من المقصد الثانى.

الامر الثامن

الاصل فى الحال ان تتاخر عن عاملها وصاحبها ، ولكن قد تتقدم عليهما او

٢١١

على احدهما جوازا او وجوبا.

مثال تقدمها عليهما قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) ـ ٥٤ / ٦ ـ ٧ ، فان (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) حال من فاعل (يَخْرُجُونَ ،) اى يخرجون يوم يدع الداع خشعا ابصارهم ، وليس حالا من (عَنْهُمْ) لعدم استقامة المعنى كما ان يوم متعلق بيخرجون لا بتول لذلك ايضا ، فوجب الوقف على عنهم ، وكانهم الخ حال اخرى له ، ونظيرها بالترتيب قوله تعالى : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) ـ ٧٠ / ٤٤ ، فان سراعا الى ذلة اربع احوال مترادفة لفاعل يخرجون وكما فى هذه الابيات.

لئن كان برد الماء هيمان صاديا ٣٠٣

الىّ حبيبا انّها لحبيب

غافلا تعرض المنيّة للمرء ٣٠٤

فيدعى ولات حين نداء

ها بيّنا ذا صريح النصح فاصغ له ٣٠٥

وطع فطاعة مهد نصحه رشد

تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم ٣٠٦

بذكراكم حتّى كانّكم عندى

اذا المرء اعيته السيادة ناشئا ٣٠٧

فمطلبها كهلا عليه عسير

ومن ذلك قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) ـ ٣٤ / ٢٨ ، كافة حال من الناس ، وبشيرا ونذيرا حالان من مفعول ارسلناك ، وانما قدم كافة لتمتاز عنهما ولا يتوهم انها ايضا حال من مفعول ارسلناك ، والتقدير : وما ارسلناك الا بشيرا ونذيرا للناس كافة. وفى الآية اقوال.

ثم يجب تاخير كل من الحال وصاحبها عن الآخر ان كان محصورا فيه ، نحو قوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) ـ ٦ / ٤٨ ، وقولك : ما جاءنى راكبا الا زيد ، ويجب تقديمها ان كانت من اهل الصدارة ، كقوله تعالى : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ـ ٦٨ / ٣٦ ، ويجب تاخيرها فى مواضع.

٢١٢

١ ـ ان يكون العامل فعلا جامدا نحو ما احسن اخاك قارئا ، نعم المبارز فارسا عبد الله.

٢ ـ ان يكون العامل اسم التفضيل ، نحو هذا افصح الناس خطيبا ، هذا حال من الفاعل المستتر فى افصح.

٣ ـ ان يكون العامل اسم فعل ، نحو نزال مسرعا.

٤ ـ ان يكون العامل مؤولا بالمصدر نحو حزننى ان تسافر منفردا.

٥ ـ ان يكون على العامل ما يمنع تقديم معموله عليه كلام القسم ولام الابتداء ، نحو لاحملن على العدو وحدى ، ولا قوم مدافعا.

الامر التاسع

يحذف عامل الحال قياسا فى مواضع

. الاول ان يكون الحال جوابا ، نحو راكبا للطيارة ، فى جواب من قال : كيف سافرت.

الثانى ان تكون الحال بعد الفاء الدالة على تفاوت ما بعدها لما قبلها فى المرتبة ، نحو تصدق بدرهم فصاعدا ، اى فتصدق صاعدا فى العدد ، خذ فى امورك الاهم فالاهم ، اى خذ فيها مترتبة فى الاهمية وصح هنا دخول ثم مكان الفاء.

الثالث ان يدل عليه قرينة ، كقوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) ـ ٢ / ٢٣٩ ، اى فان خفتم فصلوا راجلين او راكبين ، بقرينة حافظوا على الصلوات فى صدر الآية ، بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ـ ٧٥ / ٤ ، اى بلى نجمع عظامه قادرين ، بقرينة ما قبله ، ونحو قولك لعازم السفر : سالما غانما ، اى ترجع سالما غانما ، وللقادم من الحج : ماجورا مشكورا ، اى عملته ماجورا مشكورا ، ولمن يحدثك : صادقا ، اى تحدث صادقا ، ولمن قدمت له طعاما : هنيئا مريئا ، اى كل هنيئا مريئا ، ولمن وجهته الى امر : مسرعا مجدا ، اى اذهب مسرعا واعمل مجدا.

٢١٣

الامر العاشر

يحذف الحال اذا كانت قولا ويبقى المقول دالا عليها كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ـ ١٣ / ٢٣ ـ ٢٤ ، اى قائلين سلام عليكم ، (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) ـ ٢ / ١٢٧ ، اى قائلين ربنا تقبل منا ، (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا) ـ ٢١ / ٩٧ ، اى قائلين يا ويلنا.

ـ فى الكافى عن هشام بن سالم قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام : ما حقّ الله على خلقه فقال ان يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد ادّوا الى الله حقّه.

٢١٤

المبحث الخامس عشر

فى التمييز ، ويقال له المميز والتبيين والمبين ، وهو اسم رافع للابهام على معنى من البيانية ، فان قولك : طاب زيد نفسا ، اى طاب من جهة النفس ، واشتريت منوين سمنا ، اى منوين من السمن ، وبهذا القيد يمتاز عن غيره مما قد يفيد البيان كالنعت والحال وغيرهما فانه ليس على معنى من كما تقول : جاء ابنك التاجر فان هذا النعت يفيد بيانا لا على معنى من ، ويقال لما بين بالتمييز : المميز والمبين بصيغة المفعول ، وهو اما رافع لابهام النسبة واما رافع لابهام الذات كالمثالين المذكورين ، فنذكرهما فى فصلين.

الفصل الاول

فى التمييز الذى هو رافع لابهام النسبة ، اى نسبة حدث الى شىء ذى جهات يكون النسبة فى الواقع الى جهة من جهاته ، وانما يؤتى بالمنسوب اليه توطئة ، كقولك : طاب زيد ، فان نسبة الفعل الى زيد مبهمة لا يدرى اى جهة من جهاته طابت ، هل طاب نفسا او خلقا او عيشا او جسما او شغلا ، ام طاب كلا ، فترفع ابهامه بقولك : نفسا او عيشا او غير ذلك ، ويقال له : تمييز الجملة ايضا ، وهو على اقسام.

٢١٥

القسم الاول

ما يرفع ابهام نسبة الفعل الى الفاعل ، كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) ـ ١٩ / ٤ ، اشتعل اى انتشر فى جميع الجوانب ، والشيب : بياض الشعر ، فان نسبة الاشتعال الى الراس مبهمة ، لا يعلم اى جهة وحيثية من الراس اشتعل ، فشيبا يبينه ، والنسبة فى الواقع اليه ، اذ المعنى اشتعل شيب راسى ، وقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ـ ٤ / ٤ ، اى فان طابت نفسهن عن شىء من الصداق لكم ، وفى طبن تضمين ياتى فى مبحث اللزوم والتعدى ، وقوله تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) ـ ١٧ / ٢٧ ، اى لن يبلغ طولك الجبال ، وقوله تعالى : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) ـ ١٩ / ٢٦ ، اى ولتقر عينك ، (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) ـ ٣٩ / ٢٩ ، اى هل يستوى مثلهما ، (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) ـ ٢٠ / ٩٨ ، اى وسع علمه كل شىء ، (قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) ـ ٦٥ / ١٢ ، اى احاط علمه بكل شىء ، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) ـ ٢٠ / ١١٠ ، اى لا يحيط به علمهم.

القسم الثانى

ما يرفع ابهام نسبة الفعل الى المفعول ، كقوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ـ ٢٠ / ١١٤ ، اى زد علمى ، (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) ـ ٥٤ / ١٢ ، اى فجرنا عيون الارض ، (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) ـ ٤ / ٩٥ ، اى فضل درجة المجاهدين على درجة القاعدين ، (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) ـ ٤ / ٩٥ ، اى فضل اجر المجاهدين العظيم على اجر القاعدين.

القسم الثالث

ما يرفع ابهام نسبة الفعل الى نائب الفاعل نحو ضربت جنبا وسفكت دما وغصبت حقا واخذت ارثا وهتكت حرمة ، وهذا يرجع الى المفعول.

٢١٦

القسم الرابع

ما يرفع الابهام عن نسبة التفضيل الى المفضل كقوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) ـ ١٨ / ٣٤ ، (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) ـ ١٧ / ٢١ ، (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ـ ٦٧ / ٢ ، فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً ـ ١٨ / ١٩ ، (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) ـ ٦ / ١٩ ، (لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ـ ٤ / ١١ ، (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) ـ ٤ / ٨٤ ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) ـ ٤ / ١٢٢ ، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) ـ ٤ / ١٢٥ ، (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) ـ ١٩ / ٧٤ ، (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) ـ ٢٥ / ٢٤ ، قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ـ ١٨ / ١٠٣ ، اى مالى اكثر من مالك ونفرى اعز من نفرك ، وكذا البواقى.

القسم الخامس

ما يرفع الابهام عن الاسناد فى الجملة الاسمية ، نحو زيد حسبك عضدا ، اى عضد زيد حسبك ، داود كريم نسبا ، انت حسن وجها ، مسعود كاخيه رتبة ، اخوك زهير شعرا ، اى شاعر كزهير ، ابوك حاتم جودا ، سعيد طيب نفسا ، وكانشاد على عليه‌السلام.

وحسبك داء ان تبيت ببطنة ٣٠٨

وحولك اكباد تحنّ الى القدّ

القسم السادس

ما يرفع الابهام عن الاضافة ، نحو اعجبنى طيبك نفسا ، حزننى خسرانك مالا ، لله دره رجلا ، وعلامته صحة اضافة المضاف الى التمييز ، كما تقول : حزننى خسران مالك.

القسم السابع

ما يرفع الابهام عن نسبة افعال التعجب والمدح والذم وياتى ذكرها عن قريب.

٢١٧

الفصل الثانى

فى التمييز الذى هو رافع لابهام الذات ، والمراد بها الاسم الذى ينطبق على امور كثيرة مختلفة الحقيقة كالعدد ، فان الاربعة مثلا تنطبق على اشياء كثيرة ، فترفع ابهامها بقولك : اربعة دراهم ، فالدراهم تمييز رافع لابهام الاربعة ، ويقال له تمييز المفرد ايضا ، والاسم المبهم اما كمية او غير كمية ، والكمية اما عدد او مقدار ، وكل منهما اما معين او غير معين ، فهذه خمسة اقسام.

القسم الاول

الاسم المبهم الذى مفهومه غير الكمية ، وهو كثير جدا مختلف مصداقا لا يدخل تحت ضابط ، نحو عندى خاتم حديدا ، وعلى دارنا باب خشبا ، وفى عيبتى جبة خزا ، وهذا غير ذاك اصلا ، وان لنا غير هذه الانعام ابلا ، وانا مثلك علما ، واشتريت عباء صوفا ، ورايت عندك ساعة ذهبا ، وفى اصبعى خاتم فضة ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ـ ٥ / ٩٥ ، على قراءة نصب مثل ، اى فعليه جزاء مثل ما قتل ، فمثل الخ تمييز لجزاء ، وقوله تعالى : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) ـ ١٨ / ١٠٩ ، فان مددا تمييز لمثله ،.

القسم الثانى والثالث

العدد المعين كالثلاثة والاربعة وغيرهما من الاعداد ، فياتى ذكره فى مبحث اسماء العدد فى المقصد الثانى ، وغير المعين من العدد ، وهو كم وكاين وكذا ، وياتى ذكرها فى مبحث اسماء الكنايات فى المقصد الثانى.

القسم الرابع

المقدار المعين ، وهو المتداول بين الناس الذى يعرف به قدر الشى الذى

٢١٨

يعاملونه ، وهو وزن او كيل او مساحة.

مثال الوزن : اشتريت منوين عسلا ، وعندى رطل سمنا ، واعطيك اوقية سكرا ، وفى الحوض كران ماء ، وهل عندك قيراط مسكا.

مثال الكيل : خذ صواعا برا ، واعط صاعا دقيقا ، وهل عندك قفيز شعيرا ، شربت قدحا لبنا.

مثال المساحة : عندى ذراع نسجا ، واشتريت اشبارا طنبا ، وعندك طاقة كرباسا.

القسم الخامس

المقدار غير المعين ، ويقال له شبه المقدار ، وهو ايضا وزن او كيل او مساحة.

مثال الوزن : قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ـ ٩٩ / ٧ ـ ٨ ، ونحو لو كان عندك ابو قبيس ذهبا وانفقته فى سبيل الله لا يتقبل منك الا بالتقوى.

مثال الكيل : عندى حوض لبنا ، وراقو دخلا ، وكيس دقيقا ، وجرة ماء ، وحب عسلا ، ومثال المساحة : وهبت لك مد البصر ارضا ، وفى السماء قطعة سحابا ، وعندى عريض ثوبا وطويل حديدا.

وههنا امور

الامر الاول

يقال للتمييز الذى هو رافع لابهام النسبة : التمييز المحوّل ، لانه يحول الى المنسوب اليه ، بل هو المنسوب اليه فى الواقع كما شاهدت فى الامثلة ، نحو زيد كريم نسبا ، اى نسبه كريم ، وطبن نفسا ، اى طابت نفسهن ، وهكذا ، ويقال للذى هو رافع ابهام الذات غير المحول ، ويجوز جره بمن البيانية وبالاضافة ، وحينئذ

٢١٩

ياتى معرفة كثيرا.

كقوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ـ ٥ / ٩٥ ، النعم تمييز لمثل ، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) ـ ٢٢ / ٣٠ ، (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) ـ ١٨ / ٣١ ، ذهب تمييز لاساور ، وسندس تمييز لثيابا ، وقوله تعالى : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) ـ ٤٧ / ١٥ ، ونحو عندى راقود من الخل ، وحب من العسل ، وهكذا ، وياتى هذا الحرف فى مبحث معانى حروف الجر فى المقصد الثانى.

ومثال الاضافة لى خاتم فضة ، وقميص قطن ، وجبة خز ، ويقال لها الاضافة البيانية ، وياتى بيانها فى مبحث الاضافة ، وتمييز العدد المعين يجر وجوبا فى بعض الصور وينصب وجوبا فى بعضها ، وياتى بيانه فى مبحث اسماء العدد ، وكذا العدد غير المعين ، وياتى بيانه فى مبحث الكنايات ، كل ذلك فى المقصد الثانى.

الامر الثانى

ان عامل النصب فى تمييز النسبة هو الحدث المنسوب من فعل او شبهه ، وفى تمييز الذات هو المميز ، اى الاسم المبهم الذى يبينه التمييز.

الامر الثالث

الاصل فى التمييز ان يكون نكرة كالحال ، وقد ياتى معرفة كقوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) ـ ٢ / ١٣٠ ، اى نفسا على قول لان سفه لازم فليس نفسه مفعولا ، وفيه اقوال اخرى مذكورة فى التفاسير ، ومثله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) ـ ٢٨ / ٥٨ ، اى بطرت معيشة على قول ، وقيل : بطرت فى معيشتها ، والقول الثانى انسب لمعنى البطر ، وهو السرور بالنعمة مع ترك شكر المنعم ، وقوله تعالى : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ـ ٢ / ٢٨٣ ، على قراءة نصب قلبه ، فانه على هذه القراءة

٢٢٠