علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

٤ ـ كون فاعله متحدا مع فاعل عامله كاكثر الامثلة المذكورة ، وكقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) ـ ١٧ / ١٠٠.

٥ ـ كونه علة ، لا ان يكون مصدرا من دون افادة معنى العلية ، نحو نصحتك كمال النصح ، فانه مفعول مطلق.

اقول : ان النحاة احبوا ان يذكروا هذه الشروط فى كتبهم فذكروا ، ثم تنازعوا عليه ، والحق ان شرط جواز نصب المفعول له ان يكون مصدرا وان يكون من الافعال الباطنه ان كان حصوليا كما مر ذكرها ، مع وقوع التخلف فى هذين الشرطين قليلا.

واما الشرط الثالث فاحكم بكونه لغوا لوقوع التخلف عنه فى كثير من الموارد تشاهدها فى الآيات وغيرها ، نحو قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) ـ ٢ / ١٨٥ ، فان نزوله هذا فى ليلة القدر دفعة واحدة ، وبينه وبين حصول الهداية به للناس زمان كثير ، فاين اتحاد زمانهما.

واما الشرط الرابع فكذلك لقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) ـ ٣٠ / ٢٤ ، فان اراءة البرق فعل الله والخوف والطمع فعل العبد ، فاين اتحاد فاعلهما ، وترى غير هاتين الآيتين فى كتاب الله.

واما الشرط الخامس فلا معنى له ، لان كون المفعول له علة هو نفسه لا شرطه ، فان لم يكن علة لعامله لم يكن مفعولا له بل شى آخر كما رايت فى المثال.

الامر الثانى

يجوز تقدم المفعول له على عامله كما فى البيتين :

طربت وما شوقا الى البيض اطرب ٢٦٧

ولا لعبا منّى وذو الشيب يلعب

فما جزعا وربّ الناس ابكى ٢٦٨

ولا حرصا على الدنيا اعترانى

ويجوز حذف عامله مع القرينة كقوله تعالى : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ

١٨١

يَتَّقُونَ) ـ ٧ / ١٦٤ ، اى اعظهم معذرة ، بقرينة ما قبل.

الامر الثالث

يجوز تعدد المفعول له اذ من الممكن ان يكون لفعل واحد دواع متعددة وعلل ناقصة مختلفة ، كقوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) ـ ٣ / ١٢٦ ، و (نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) ـ ١٦ / ٨٩ ، (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) ـ ٤٦ / ١٢ ، والقول بانه لا يتعدد لان العلة فى وجود الشى لا تكون الا واحدة باطل ، منشأه توهم كون المفعول له علة تامة ، وليس كذلك بالضرورة والبداهة.

الامر الرابع

عامل المفعول له هو الفعل المعلل به لان تعلقه به ، وان كان مع الحرف فالجار والمجرور معا معموله ، نحو قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ـ ٢ / ٢٠٧ ، (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) ـ ٢ / ٢٧٢ ، (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) ـ ٧٦ / ٩ ، وقال البصريون : منصوب بالفعل على تقدير لام العلة ، اى منصوب بنزع الخافض ، وقال الكوفيون : انه مفعول مطلق وعامله الفعل المتقدم عليه ، وقال الزجاج : انه مفعول مطلق ، وعامله مقدر ، والتقدير فى نحو جئتك اكراما : جئتك اكرمك اكراما ، وكل هذه تكلفات من غير وجه.

* ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : اغد عالما او متعلّما او احبّ اهل العلم ولا تكن رابعا فتهلك ببغضهم.

١٨٢

المبحث الثانى عشر

فى المفعول معه

هو المنصوب الواقع بعد واو بمعنى مع ، وهذه الواو كواو العطف ، ولكن استعمال الاسم بعدها منصوبا وعدم ما يصلح ان يكون معطوفا عليه قبلها فى الاعراب او المعنى الجاهم الى فتح هذا الباب ، ومع ذلك هو قليل فى الكلام ونحن نذكر بعض امثلته.

١ ـ قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) ـ ١٠ / ٧١ ، لا يصح ان يكون شركاءكم عطفا على امركم ، لان الاجماع بمعنى تصميم العمل لا يتعلق بالذوات ، فالواو للمعية لا للعطف ، والمعنى ، اجمعوا انتم مع شركائكم امركم ، وقرا الحسن برفع الشركاء ، فهو معطوف على ضمير الجمع ويستقيم المعنى ، وقرا بعضهم : اجمعوا من الثلاثى ، فالواو للعطف ، لصحة تعلق الجمع بالذوات كالافعال ، وقال بعضهم : الواو للعطف ، والتقدير : وادعوا شركاءكم ، فالجملة معطوفة على الجملة.

٢ ـ (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) ـ ٥٩ / ٩ ، قالوا : التبوّء اخذ المكان للسكنى ، وهذا المعنى يناسب الدار ولا يناسب الايمان ، فالواو للمعية لا للعطف ، والمعنى : والذين تبواوا الدار مع الايمان ، اى مع كونهم مؤمنين ، وهم الانصار الذين آمنوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و

١٨٣

سلم وكانوا يسكنون فى المدينة ، والمراد بالدار المدينة ، وقال بعضهم : واعتقدوا الايمان ، او اختاروا ، او اخلصوا ، او ما يناسب من الافعال ، فالجملة معطوفة على الجملة من باب علفتها تبنا كما فى قول الشاعر :

علّفتها تبنا وماء باردا ٢٦٩

حتّى شبت همّالة عيناها

٣ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بعثت انا والساعة كهاتين فجمع السبابة والوسطى ، بنصب الساعة ، لان البعث لا يتعلق بالزمان ، بل يبعث الموتى فى القيامة ، ومراده صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الكلام انه لا نبى بعده الى يوم القيامة.

٤ ـ قول على عليه‌السلام. ما لابن آدم والفخر اوله نطفة وآخره جيفة لا يرزق نفسه ولا يدفع حتفه ، بنصب الفخر لان العطف يقتضى ان يكون العتاب متوجها الى الفخر ايضا ، ولا معنى له ، والمعنى ما لابن آدم مع الفخر وفيه مانع آخر وهو العطف على المجرور بلا اعادة الجار ، وهو شاذ ضعيف.

واما العطف فى قول آخر له عليه‌السلام : ما لابن آدم وللعجب اوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو بين ذلك يحمل العذرة ، فباعتبار التمثيل ، كانه عليه‌السلام مثل العجب شخصا فعاتبه كما مثل الدنيا شخصا فخاطبها بقوله : هيهات غرى غيرى لا حاجة لى فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، ومرجع الكلام : ما لك يا ابن آدم تقارب العجب ، وما لك ايها العجب تقارب ابن آدم ، ونظير هذين التركيبين كثير فى الكلام.

٥ ـ قول الشاعر :

فكونوا انتم وبنى ابيكم ٢٧٠

مكان الكليتين من الطحال

وليس من هذا الباب قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ـ ٢ / ٣٥ ، لان حواء ايضا كانت مامورة بالسكون فى الجنة ، لا ان آدم كان مامورا بالسكون معها فيها.

٦ ـ نحو يا فلان سر والطريق ، اى سر مع الطريق لا فى خارج الطريق ، ولو

١٨٤

رفع الطريق معطوفا على الضمير المستتر لكان الطريق مامورا بالسير ولا معنى له ، وفيه مانع آخر وهو العطف على الضمير المرفوع بلا فاصل ، وهو غير جائز عند الجمهور.

٧ ـ نحو كل رجل وضيعته بنصب الضيعه ، اى كل رجل مع ضيعته ، والضيعة بمعنى حرفة الانسان وشغله ، وان رفعت وعطفت وجب تقدير خبر نحو مقترنان.

٨ ـ نحو ما انت والرياسة فان لها اهلا ، بنصب الرياسة اى ما انت مع الرياسة ، وهذا الاسلوب يقال عند تحقير المخاطب وتذكيره بعدم اللياقة والصلاحية ، وما انت مبتدا وخبر ، وجئ بلفظ ما ، ولم يقل : من انت لما قلنا ، وان رفعت الرياسة عطفا على انت لزم ان تكون مورد الاستفهام وليس ذلك مراد المتكلم ، فلا بد من اعتبار مصحح لذلك ، كان يقال : ما انت ، اى لست بشئ ، وما الرياسة ، اى لا ينبغى للعبد ان يطلبها ، كما ورد فى الحديث : من طلب الرياسة هلك الا ان يجعل الله عبده فى ذلك المقام.

٩ ـ نحو كيف انت ومنكرا ونكيرا ، اى كيف انت معهما فى المسائلة حين ورودك فى البرزخ ، وهذا كالذى قبله فيما قلنا.

١٠ ـ هذا لك واباك ، اى هذا المعطى سهم لك مع ابيك ، وليس لابيك سهم آخر ، وان عطفت فقل لابيك باعادة الجار ، وبلا اعادته شاذ.

وذكروا لنصب ما بعد هذه الواو فى كتب النحو قيودا والتزامات واقوالا واختلافات وحذفا وتقديرات ، رفضها اجدر بنا واحق بالطلاب الذين ضاق وقتهم وذرعهم.

وهنا امور

١٨٥

الامر الاول

عامل النصب لما بعد هذه الواو هو نفس الواو ، لان الحرف ينهض لعمل النصب كثيرا ، وهى موجودة فى كل مورد بخلاف الفعل السابق عليها فانه مفقود فى كثير من المواصع ، والتقدير خلاف الاصل ، ولازم فى كثير منها والفعل اللازم لا ينهض لعمل النصب ، وهنا اقوال اخر مذكورة فى كتب النحو رفضها اولى.

الامر الثانى

قد قلنا : ان هذه الواو هى واو العطف لان الواو العاطفة تفيد ايضا معنى الجمع والمعية بنحو من انحائها ، ولكن احدثوا هذا الاصطلاح واطلقوا عليها واو مع لتخلفها عن مقتضى العطف فى الاعراب ، او لعدم استقامة المعنى كما مر بيانه ، اذا علمت هذا فاعلم ان الاسم الواقع بعد الواو المفيدة معنى الجمع له وجوه.

١ ـ وجوب النصب ، وهو فيما يكون عن العطف مانع كما مر فى الامثلة.

٢ ـ رجحان النصب ، وهو فيما يلزم من العطف شذوذ او اعتبار على خلاف الظاهر او تقدير بلا موجب كما فى المثال السابع الى العاشر.

٣ ـ امتناع العطف والنصب على كونه مفعولا معه لعدم معنى المعية مطلقا بين ما قبل الواو وما بعدها. فيجب تقدير فعل حتى يكون المنصوب بعد الواو مفعولا به لذلك الفعل نحو ما مر فى الثانى من الموارد من قول الشاعر : علفتها تبنا الخ.

٤ ـ وجوب العطف ، وهو فيما عدا هذه الموارد لان الاصل فى الواو العطف الا ان يمتنع او يكون مرجوحا.

الامر الثالث

ان معنى المعية يؤدى باساليب كثيرة : نحو (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ـ ٥٧ / ٤ ، تضارب بكر وخالد ، اكلت السمكة حتى راسها ، لا تاكل السمك وتشرب اللبن ، قمت من النوم والشمس طالعة ، اشترك احمد واخوه ، وغير ذلك من الاساليب ، وهى كثيرة.

١٨٦

المبحث الثالث عشر

فى الاختصاص والتحذير والاغراء.

قد قلنا فى المبحث التاسع ان حذف عامل المفعول به سماعى وقياسى ، ومن القياسى ما فى هذه الابواب الثلاثة ، والحذف واجب فيها ، ولا يجوز اظهار عامله ، وان ظهر فليس من هذه الابواب.

الباب الاول

فى الاختصاص ، وهو فى اللغة افراد شىء واختياره لشئ كما تخص بيتا فى دارك لعبادتك ، وفى الاصطلاح هو نصب الاسم على المفعولية بفعل مقدر كاخص او اعنى او امدح او اذم او ما يناسب المقام من الافعال لرفع الابهام عن اسم مذكور قبله ، ويقال لذلك الاسم منصوب باب الاختصاص نحو نحن العرب اسخى من بذل ، فان نحن وان كان معرفة لكنه مبهم من حيث انه يحتمل حيثيات ، فيعين المتكلم الحيثية التى اراد اسناد المحمول الى الموضوع من تلك الحيثية بقوله : نحن العرب الخ ، اى نحن من حيث انا عرب اسخى الناس ، لا من حيث انا ساكنوا البادية ، او التجار ، او اهل الحرب والشجاعة ، فيعلم ان المتكلم يريد مدح العرب ، فنصب العرب بامدح المقدر وانما سمى بالاختصاص لاختصاص المسند بجهة خاصة من

١٨٧

جهات المسند اليه ، لا لكون الفعل المقدر اخص فانه احد المقدرات حسب المناسبة.

ثم ان هذا الاسلوب ابلغ من ان يقال : العرب اسخى من بذل اذ يفيد ان عناية المتكلم فى الحكم الى ذلك العنوان المذكور اولا ، ويذكر المخصوص بعده ليتمحض مورد الحكم والجهة المنظورة فى الاسناد ، وامثله الباب.

١ ـ قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ـ ٣٣ / ٣٣ ، اى يخص الله تعالى اهل البيت باذهاب الرجس كلا وبالتطهير كاملا من حيث هم اهل بيت النبوة ، وليس هذا حكم جميع المومنين ، وقيل : ان اهل البيت منصوب على النداء ، وهذا يرشد الى الاختصاص ايضا.

٢ ـ قوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) ـ ١١١ / ٣ ـ ٤ ، اى يعنى الله تعالى بامراته حمالة الحطب ، وهى ام جميل اخت ابى سفيان عمة معاوية ، لا غيرها ، لانها شركت زوجها فى ايذاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا ان كان لابى لهب زوجة اخرى ، والا فالتقدير : يذم حمالة الحطب ، وقرئ برفع حمالة ، فهى نعت لامراته وهى عطف على ضمير سيصلى.

٣ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن معاشر الانبياء نكلم الناس على قدر عقولهم ، اى اخص معاشر الانبياء ، وقوله : سلمان منا اهل البيت ، وقول على عليه‌السلام : ما زال الزبير رجلا منا اهل البيت حتى نشا ابنه المشؤوم عبد الله.

٤ ـ فى الدعاء : منك الله نرجو الفضل والرحمة ، اى نحمد الله ، او نخص الله بهذا الرجاء.

٥ ـ قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ،) بنصب رب فى قراءة بعض ، اى نحمد رب العالمين.

٦ ـ ما فى هذا البيت.

لنا معشر الانصار مجد مؤثّل ٢٧١

بارضائنا خير البريّة احمدا

وقد يوتى بالمخصوص فى صورة المنادى ، نحو اللهم اغفر لنا ايتها العصابة ،

١٨٨

اى اعنى هذه العصابة ، وايتها مبنية على الضم كبناء اىّ وايّة فى النداء ، ولكن المقدر فى النداء ادعو او انادى ، وهنا اعنى ، وياتى بيانه فى مبحث حروف النداء فى المقصد الثالث.

الباب الثانى

فى التحذير ، وهو لغة توجيه احد نحو ما ينبغى اجتنابه ليجتنب ، وفى الاصطلاح هو نصب الاسم بفعل مقدر نحو احذر وبعد ودع وتجنب وامثالها بالمناسبة ، ويقال لذلك الاسم منصوب باب التحذير وهو على صور.

١ ـ ان يكون المنصوب ضميرا معطوفا عليه اسم ظاهر كقول على عليه‌السلام : اياك والشك فانه يفسد الدين ويبطل اليقين ، والتقدير : بعد نفسك عن الشك وبعد الشك عن نفسك ، فحذف ما حذف ، وبقى اللفظان منصوبين ، ومثله قوله عليه‌السلام : اياك والحرص فانه شين الدين وبئس القرين ، اياك والغضب فاوله جنون وآخره ندم ، اياك ومشاورة النساء فان رايهن الى افن وعزمهن الى وهن ، اياكم والغلوّ فينا قولوا انا مربوبون واعتقدوا فى فضلنا ما شئتم ، اياكم والبطنة فانها مقساة للقلب مكسلة عن الصلاة مفسدة للجسد ، اياك وحب الدنيا فانها اصل كل خطيئة ومعدن كل بلية.

٢ ـ ان يكون المنصوب ضميرا بعده جملة مصدرة بان الناصبة بتقدير من او عن ، كقول على عليه‌السلام : اياك ان ترضى عن نفسك فيكثر الساخط عليك ، اياك ان تستكبر من معصية غيرك ما تستصغر من نفسك ، اياك ان ينزل الموت وانت آبق عن ربك فى طلب الدنيا ، اياك ان تحب اعداء الله او تصفى ودك لغير اولياء الله فانه من احب قوما حشر معهم ، اياك ان تغلبك نفسك على ما تظن (اى البقاء فى الدنيا الى مدة) ولا تغلبها على ما تستيقن (اى الموت) ، والتقدير فى هذه الصورة : بعد نفسك عن هذه الامور.

١٨٩

٣ ـ ان يكون المنصوب اسما مكررا وهو المحذر منه كقول على عليه‌السلام فى وصيته : الله الله فى الايتام فلا تغبوا افواههم ولا يضيعوا بحضرتكم ، والله الله فى جيرانكم فانهم وصية نبيكم ما زال يوصى بهم حتى ظننا انه سيورثهم ، والله الله فى القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم ، والله الله فى الصلاة فانها عمود دينكم ، اى اتقوا الله ، والتكرار للمبالغة.

ومن هذا القبيل قولهم : الاسد الاسد ، الحية الحية ، اى تجنبهما ، وياتى بلا تكرار كقوله تعالى : (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها ،) اى دعوها وشربها ، (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) ـ ٢٠ / ١٣١ ، اى تجنب واترك زهرة الحياة الدنيا ، وقيل فيه غير ذلك ، ومنه قولهم : يدك ، اى ابعد يدك عما عليه ، السيارة ، اى تباعد منها ، البئر ، اى لا تقع فيها.

ويجوز فى هذه الصورة دون سائر الصور ذكر عامله كقوله تعالى : (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) ـ ٦٣ / ٤ ، (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) ـ ٢ / ٢٤ ، وكقول على عليه‌السلام : احذر الدنيا فانها شبكة الشيطان ومفسدة الايمان ، احذروا سوء الاعمال وغرور الامال ونفاد المهل وهجوم الاجل ، وكقول الشاعر.

احذر مصاحبة اللّئيم فانّها ٢٧٢

تعدى كما يعدى السليم الاجرب

٤ ـ ان يكون المحذر والمحذر منه اسمين ظاهرين متعاطفين ، نحو ثوبك والنار ، اى بعده عنها وبعدها عنه ، صديقك والجفاء ، الله وسوء الظن به ، وهذه كالصورة الاولى.

٥ ـ ان يكون من او عن ظاهره على المحذر منه ، نحو نفسك عن مخالطة اللئام ، ودينك من الريب والاوهام ، وقلبك من تكديره بالآثام ، اى خلص هذه من هذه.

١٩٠

تنبيهان

١ ـ المعمول بين القوم تقدير المحذوف انشائيا كما شوهد فى الامثلة ، ولكن يجوز تقديره اخباريا ، نحو قولك لصديقك : التوانى التوانى ، اى احذرك عن التوانى ، وجاء اخباريا مذكورا فى قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ـ ٣ / ٢٨.

٢ ـ جاء التحذير بجملة اسمية او فعلية من دون تقدير شىء ، نحو (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) ـ ٩ / ٨١ ، (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) ـ ١٧ / ٢٩ ، (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ ٢٢ / ٧٢ ،.

الباب الثالث

فى الاغراء ، وهو لغة الحض على العمل ، وفى الاصطلاح هو نصب الاسم بفعل مقدر يفيد الترغيب والتقريب من شىء ، وهذا على خلاف التحذير ، لانه امر بالاجتناب وهذا امر بالارتكاب ، وله صورتان ليس فيهما ذكر المغرى بل يذكر المغرى به الذى يسمى منصوب باب الاغراء.

الصورة الاولى : التكرار بلا عطف ، كقول على عليه‌السلام : الجهاد الجهاد عباد الله الا وانى معسكر فى يومى هذا فمن اراد الرواح الى الله فليخرج ، اى احضروا الجهاد ، وقوله : دينكم دينكم فان السيئة فيه تغفر والحسنة فى غيره لا تقبل ، اى احفظوا دينكم ، وقوله : الحذر الحذر فو الله ستر حتى كانه قد غفر ، وهذا اغراء بالحذر ، اى افعلوا الحذر ، وقول عمار رحمه‌الله فى الصفين : الرواح الرواح الى الجنة ، اى تاهبوا له ، ونحو الصلاة جامعة ، اى احضروها ، وجامعة حال ، وقولهم : الغزال الغزال ، اى ارمه ، الهلال ، اى انظروا اليه ، وقول الشاعر :

اخاك اخاك انّ من لا اخا له ٢٧٣

كساع الى الهيجا بغير سلاح

وانّ ابن عمّ المرء فاعلم جناحه ٢٧٤

وهل ينهض البازى بغير جناح

١٩١

الصورة الثانية : العطف بلا تكرار ، نحو نفسك وما يعنيها ، اى الزمها معه ، ويجوز الرفع ، نحو انتم والسلاح اى كونوا معه ، ويجىء الاغراء كالتحذير فى اساليب اخرى مفيدة لمعناه كقوله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ـ ٥ / ١٠٥ ، وعليكم اسم فعل ياتى ذكره فى المبحث الثانى والعشرين ، والآن نشرع فى بعض المنصوبات المتعلق بالفعل غير المفاعيل.

ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : جاء رجل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله ما العلم ، قال الانصات ، قال ثمّ مه ، قال الاستماع ، قال ثمّ مه ، قال الحفظ ، قال ثمّ مه ، قال العمل به ، قال ثمّ مه يا رسول الله قال نشره.

١٩٢

المبحث الرابع عشر فى الحال

، وهو ما يبين هيئة صاحبها غير تابع فى الاعراب بخلاف النعت فانه يبين هيئة متبوعه وتابع فى الاعراب ، والمراد بالهيئة الوضع والكيفية والصفة ، ويقال لصاحب الحال : ذو الحال ايضا ، وله تقسيمات الى نكرة ومعرفة ، ومشتقة وجامدة ، ومنتقلة وثابتة ، ومقارنة وغير مقارنة ، وموسسة وموكدة ، ومفردة وجملة ، وحقيقية وسببية ، ومتحدة ومغايرة ، وواحدة ومتعددة ، ومفردة ومركبة ، ومقصودة وموطئة ، هذه احد عشر تقسيما ، واقسامها تتداخل ، نذكرها فى احد عشر فصلا.

الفصل الاول

الحال اما نكرة واما معرفة ، والاكثر كونها نكرة.

مثال النكرة قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)ـ ٧٦ / ٣ ، (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) ـ ٩٩ / ٦ ، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) ـ ٧٦ / ١٢ ـ ١٣.

مثال المعرفة وذلك فيما تؤول الى النكرة ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ـ ٣٩ / ٤٥ ، لا الاه الا الله وحده وحده ، اى واحدا والتكرار تاكيد ، ونحو ادخلوا الاول فالاول ، اى مترتبين ، رجع المسافر

١٩٣

عوده على بدئه ، اى عائدا بلا توقف فى المقصد ، جاؤوا الجماء الغفير ، اى جميعا ساترين وجه الارض لكثرتهم واجتماعهم ، افعل هذا جهدك وطاقتك اى جاهدا قويا ، جاء القوم قضهم ، اى جميعا ، وكقول الشاعر :

فارسلها العراك ولم يذدها ٢٧٥

ولم يشفق على نغص الدخال

الفصل الثانى

الحال اما مشتقة واما جامدة ، والاكثر كونها مشتقة.

مثال المشتقة وقد مر بعض منه قوله تعالى : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) ـ ٢٠ / ٧٠ ،(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) ـ ٢٠ / ٧٤ ـ ٧٥ ، (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) ـ ١٧ / ٢٩ ، (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) ـ ١٧ / ٣٣.

مثال الجامدة قوله تعالى : (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) ـ ٧ / ٧٤ ، (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) ـ ٨٩ / ٢٢ ، (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) ـ ١٧ / ٦١ ، (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) ـ ١١٠ / ١ ، ونحو ادخلوا رجلا رجلا ، قرات القرآن حزبا حزبا ، تصفحت الكتاب ورقا ورقا ، ظهر زيد اسدا ، خط هذا الثوب قميصا ، ابر هذه القصبة قلما ، بعته يدا بيد ، اى سلمت السلعة واخذت الثمن بلا فصل.

ثم يكثر وقوع المصدر حالا ، وهو فى تاويل الوصف فاعلا او مفعولا ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ـ ١٢ / ٢ ، اى مقروا عربيا ، (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) ـ ٧ / ٥٧ ، اى بشيرا ، (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) ـ ١٧ / ٤٩ ، اى مخلوقين جديدا ، (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) ـ ١٠٠ / ٥ ، اى مجتمعة.

ونحو جاء ركضا ، اى راكضا ، قتله صبرا ، اى مصبورا بمعنى محبوسا ممنوعا عما يريد ، طلع علينا فجاة ، اى مفاجئا ، لقيته كفاحا ، اى مواجها ، ناديته عيانا ، اى مبصرا اياه ، كلمته مشافهة ، اى مشافها ، تدرست سماعا ، اى سامعا لما قال الاستاد ،

١٩٤

قرات القرآن حفظا ، اى حافظا.

الفصل الثالث

الحال اما منتقلة واما ثابتة ، والاكثر كونها منتقلة ، والاولى ما يزول عن صاحبها ، والثانية ما لا يزول عنه.

مثال المنتقلة قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) ـ ١٧ / ١٠٤ ، واللفيف بمعنى المجتمع المختلط ، ثم يفصل بينهم ويذهب كل الى مقره ويزول الاختلاط ، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) ـ ٢٥ / ٥٦ ، ثم ذهب من بين الناس وتم تبشيره وانذاره وبقى بين الناس ما بشر به وانذر وهو كتاب الله تعالى ومبينوه ، (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) ـ ١٧ / ١٠٧ ،.

مثال الثابتة قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) ، * فى كثير من الايات ، (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) ـ ٣ / ١٨ ، (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) ـ ٨٩ / ٢٨ ، (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ـ ٧٨ / ٨ ، (يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) ـ ١٩ / ٣٣ ، (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) ـ ٦ / ١١٤ ، ونحو خلق الله الزرافة يداها اطول من رجليها ، برفع يداها واطول ، وهما مبتدا وخبر ، والجملة حال من الزرافة ، وروى بنصبهما ، وهو ليس بحسن ، فيديها بدل من الزرافة ، واطول حال مفردة.

ومن الحال ما يزول بطول المدة ، فاحسبها من ايهما شئت ، كقوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ـ ٤ / ٢٨ ، فان ضعفه يزول على التدريج حتى يكبر ، ثم اذا عمر نكس فى الخلق ، ان الانسان خلق هلوعا (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) ـ ٧٠ / ١٩ ـ ٢١ ، فان هلعه يزول على التدريج بالايمان ان آمن وكمل ايمانه.

ومن الحال ما ليس له حصول حتى يزول او لا يزول ، بل تفرض ويقال لها حال مفروضة ، نحو قوله تعالى : (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى) الى قوله : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) ـ ١٧ / ٩٢ ، اى قطعا ، فان السماء ليست قطعا ، بل هم فرضوه معلقا عليه

١٩٥

ايمانهم ، وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) ـ ١٧ / ٩٥ ، مشى الملائكة فى الارض مطمئنين مفروض معلق عليه نزول ملك رسولا.

الفصل الرابع

الحال اما مقارنة واما غير مقارنة ، والاكثر كونها مقارنة ، والمقارنة مع عاملها فى الزمان ، وغير المقارنة يقال لها مقدرة ان كانت فى مستقبل عاملها ، ومحكية ان كانت فى ماضى عاملها.

مثال المقارنة قوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ـ ٧٢ / ١٩ ، فان زمان القيام والدعوة واحد ، (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) ـ ٧١ / ١١ ، فان زمان ارسال السماء ودره واحد ، والمراد بالسماء المطر ، (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) ـ ٦٨ / ٢١ ، فانهم تنادوا فى الصباح.

مثال المقدرة قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) ـ ٤٨ / ٢٧ ، فان التحليق والتقصير انما هما بعد الدخول وبعد كثير من مناسك الحج ، (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ـ ٧٦ / ٣ ، فان شكره بالطاعة او كفره بالمعصية يقع بعد الهدآية والبيان ، (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) ـ ١٥ / ٤٦ ، (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) ـ ٣٩ / ٧٣ ، فان الامن والخلود بعد الدخول ، ونحو مررت برجل معه صقر صائدا به غدا.

مثال المحكية قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) ـ ٢ / ٧٥ ، وقد كان الخ جملة حالية ، وسمعهم كلام الله اى التوراة وتحريفهم اياه قبل زمان رجاء المسلمين لايمانهم ، ونحو سافر زيد فى الصباح وقد كان مريضا امس.

١٩٦

الفصل الخامس

الحال اما مؤسسة واما مؤكدة والاكثر كونها مؤسسة ، وهى ما لها معنى غير معنى عاملها ، والمؤكدة ما لها معنى هو معنى عاملها.

مثال المؤسسة ما ذكر وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٦٧ / ٢٢ ،.

مثال المؤكدة قوله تعالى : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) ـ ٢٧ / ١٩ ، (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ـ ٤ / ٧٩ ، (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ـ ٢٦ / ١٨٣ ، (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) ـ ٩ / ٢٥ ، (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) ـ ٢٧ / ١٠ ، (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) ـ ٢ / ٨٣ ، وكقول الشاعر.

اصخ مصيخا لمن ابدى نصيحته ٢٧٦

والزم توقّى خلط الجدّ واللّعب

وقد تاتى مؤكدة لصاحبها ، كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) ـ ١٠ / ٩٩ ، ونحو جاء القوم طرا وقد تاتى مؤكدة لمفاد الجملة ، نحو قوله تعالى : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) ـ ٧ / ٧٣ ، فان كون الناقة آية لهم يفهم من الجملة المتلوة ، وعاملها معنى الاشارة وصاحبها ناقة الله ، وكقول الشاعر :

انا ابن دارة معروفا بها نسبى ٢٧٧

وهل بدارة يا للنّاس من عار

وياتى امثلة من الحال المؤكدة فى باب التاكيد من مبحث التوابع فى المقصد الثانى.

الفصل السادس

الحال اما حقيقية واما سببية ، والاكثر كونها حقيقية ، والحقيقية ما تبين صفة صاحبها ، والسببية ما تبين صفة ما يتعلق بصاحبها.

مثال الحقيقية ما قد مر وقوله تعالى : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) ـ ٣٧ / ٥٠ ،.

ومثال السببية قوله تعالى : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى

١٩٧

الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) ـ ٧٦ / ١٢ ـ ١٤ ، دانية الخ حال ، عاملها وصاحبها جزيهم ، بقرينة عطفه على متكئين ، والدنو صفة ظلال الجنة ، وظلال الجنة مما يتعلق باهل الجنة ، وان شئت فخذهما حالين للجنة ، فكلتاهما حينئذ سببية ، وقوله تعالى : (وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) ـ ٢١ / ٢ ، فان لاهية قلوبهم حال لفاعل يلعبون ، واللهو صفة لقلوبهم ، والسببى ياتى فى النعت والخبر ايضا.

الفصل السابع

الحال اما متحدة مع صاحبها او مغايرة ، والاكثر كونها متحدة ، والمتحدة هى التى يصح حملها على صاحبها بنفسها حتى تكون خبرا له ، والمغايرة ما لا يصح حملها عليه الا بالتأويل.

مثال المتحدة قد مر وقوله تعالى : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) ـ ٤ / ١٤٣ ، مذبذبين حال من فاعل لا يذكرون وهم منافقون ، ويصح حمله عليهم فيقال : هم مذبذبون.

مثال المغايرة ظهر زيد اسدا ، اى شجاعا ، وضح الحق شمسا ، اى ظاهرا لا ريب فيه ، وقع المصطرعان عدلى حمار ، اى مصطحبين كما يقع عدلا حمار حين يفك وثاقهما ، (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً) ـ ١٩ / ١٧ ، ومن قال : ان بشرا تمييز فقد اخطا لان التمييز جهة فى الفاعل على ما ياتى بيانه ، والبشرية ليست من جهات الملك ، بل المعنى تمثل متشكلا بشكل البشر ، اشتريت الثوب ذراعا بدينار ، اى مقدرا بذراع ، ومن هذا القسم المصدر ان وقع حالا ، ومر امثلة منه فى الفصل الثانى ، وهذه الاحوال لا تحمل على اصحابها الا بتاويل قريب فى بعضها وبعيد فى بعضها.

١٩٨

الفصل الثامن

الحال اما واحدة وهى الاكثر واما متعددة ، وهى مترادفة او متداخلة ، والمراد من المتعددة ما يتعدد لفظها لا المثنى والجمع ، فان كلا منهما بوحدته ان وقع حالا فواحدة.

مثال الواحدة كثير مما مر ، وقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ـ ٤٤ / ٣٨ ، (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) ـ ١٤ / ٣٣ ،.

مثال المترادفة قوله تعالى : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) ـ ١٩ / ٥٨ ، (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ) ـ ٩٨ / ٥ ، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) ـ ١٧ / ٩٧ ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً ـ ١٧ / ١٨ ، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) ـ ٦٧ / ١٩.

وقد يكون بالعكس ، اى يكون الحال واحدة وذو الحال متعددا ، نحو قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ) ـ ١٦ / ١٢ ، على قراءة نصب مسخرات ، وقد يكون كلاهما متعددا ، نحو لقيت زيدا صاعدا هابطا احديهما للفاعل والاخرى للمفعول ، وكقول الشاعر :

خرجت بها امشى تجرّ وراءنا ٢٧٨

على اثرينا ذيل مرط مرحّل

مثال المتداخلة ، وهى المتعددة التى كل منها حال لما قبلها ، نحو قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) ـ ٢١ / ٢ ، استمعوه حال من مفعول ياتيهم ، وهم يلعبون حال من فاعل استمعوه ، ولاهية قلوبهم حال من فاعل يلعبون ، ولو اخذتها مترادفة بان يكون جميعها احوالا لمفعول ياتيهم لا يختل المعنى ، ولكن يفوت ما يراد من تقييد كل منها بما قبلها.

وقد يتضمن حال واحدة لحالين ، وهى من المتعددة ، نحو قوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) ٢١ / ١ ، اى وهم فى غفلة وهم معرضون ، اذ امكن افراد كل من الغفلة والاعراض عن الآخر.

١٩٩

الفصل التاسع

الحال اما مفردة وهى الاكثر واما مركبة.

مثال المفردة قد ذكر ، والمركبة نحو فعلوا بادى بداة ، تفرقوا ايادى سبا ، زيد جارى بيت بيت ، ذهبوا شذر مذر ، لقيته كفة كفّة ، تبددوا شغر بغر ، ساروا اباديد تباديد ، وهذه المركبات مبنى جزءاها كخمسة عشر ، وياتى بيان اقسام التركيب فى المبحث السادس من المقصد الثانى.

الفصل العاشر

الحال اما مقصودة وهى الاكثر واما موطئة

. والموطئة ما يكون جامدا موصوفا جيئ به توطئة لوصفه ، نحو قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) ـ ٤٦ / ١٢ ، فان لسانا وحده لا يفيد فائدة ، فيجئ به توطئة لما بعده ، ولو ذكر عربيا وحده فات صراحة الموصوف ، (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ـ ٢١ / ٩٢ ، (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) ـ ١٩ / ١٧.

الفصل الحادى عشر

الحال اما مفردة واما جملة ، والجملة لا تقصر عن المفردة فانها كثيرة.

مثال المفردة اكثر ما ذكر من قبل ، والمفردة هنا فى قبال الجملة ، فتشمل المتعددة والمركبة ، والجملة اما اسمية او فعلية ، وهى اما ماضوية او مضارعية ، فهى ثلاثة اقسام ، وشبه الجملة قد يقع حالا وياتى مثاله.

القسم الاول

نحو قوله تعالى : (أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) ـ ١٢ / ١٣ ، (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ـ ٨ / ٥ ، (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ) ـ ٢ / ٢٤٣ ، (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) ـ ٢ / ٣٦ ، وكقول الشاعر.

٢٠٠