علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

٣ ـ الضمير الراجع اليه : كقوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) ـ ٥ / ١١٥ ، فان الضمير الغائب فى اعذبه راجع الى عذابا.

٤ ـ الوصف له : كقوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ـ ٢٠ / ٨٢ ، اى عمل عملا صالحا ، ومن ذلك عملوا الصالحات فى جميع القرآن ، اى عملوا الاعمال الصالحات ، (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) ـ ٢ / ٣٥ ، اى اكلا رغدا ، ونحو قولهم : اشتملت الصماء ، اى الشملة الصماء ، والصماء فى الاصل المراة التى لا تسمع ، والمراد هنا اشتمال الثوب على البدن كله من غير ان يجعل له موضع تخرج منه اليدان او الرجلان ككفن الميت.

٥ ـ الموصوف له : كقوله تعالى : (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) ـ ٩ / ٣٩ ، اى شيئا من الضر ، (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ)ـ ٢١ / ٦٦ ، اى شيئا من النفع.

٦ ـ العدد له : كقوله تعالى : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ـ ٢٤ / ٥٨ ، (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ـ ٢٤ / ٨ ، (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ـ ٩ / ٨٠ ، (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) ـ ٩ / ١٠١ ، وهذا لا ينافى ما جاء فى الرواية : ان الله اكرم من ان يعذب عبده مرتين ، لان المراد مرتين على ذنب واحد ، واما المنافق فله ذنبان : الكفر باطنا ، والكذب فى ادعائه الايمان.

٧ ـ المقدار له : كقول الشاعر :

الغنى فى يد اللّئيم قبيح ٢٣٦

قدر قبح الكريم فى الاملاق

٨ ـ الالة له : نحو ضربته سوطا ، اى ضربا بالسوط ، ووعظته عملا ، اى وعظا بالعمل ، وفى الحديث : كونوا دعاة للناس بغير السنتكم ، اى دعوة بغيرها ، اى باعمالكم

١٦١

وآدابكم واخلاقكم.

٩ ـ الزمان له : كقول الشاعر :

الم تغتمض عيناك ليلة ارمدا ٢٣٧

وبتّ كما بات السليم مسهّدا

١٠ ـ اسم الاستفهام او الشرط : كقوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ـ ٢٦ / ٢٢٧ ، ان كان منقلب مصدرا ميميما لا ظرف مكان ، ونحو قولك : اى ذنب اذنب الذى جلدته امس ايها القاضى؟ ، اى عمل صالح عملت فلن يضيع الله اجرك.

الامر الثامن

الاصل ان يكون المفعول المطلق مصدرا موافقا لعامله فى المعنى والمادة والباب ، ولكن قد يتخلف عنه فى الثانى والثالث ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) ـ ٦٧ / ٤ ، والكرة بمعنى الرجوع ، وفى الحديث : ترجع الدنيا الى ورائها القهقرى ، اى ترجع الى الجاهلية والقهقرى مصدر بمعنى الرجوع الى خلف ، وهى مفعول مطلق لترجع ، وقعد القرفصى ، وهى القعود على الاليين مع رفع الركبتين ، ونحو جلست قعودا ، وكقوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) ـ ٧١ / ١٧ ، (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ـ ٧٣ / ٨ ، و (أَساؤُا السُّواى) ـ ٣٠ / ١٠ ، واغتسل غسلا وتوضا وضوءا.

الامر التاسع

بعض المصادر يستعمل مفعولا مطلقا على صيغة المثنى مضافا ، ولا يفارق المصدرية ، ولا يذكر عامله ، وهى.

١ ـ لبّيك ، مثنى اللب ، كان فى الاصل لبين منى لك ، فحذف منه ما حذف واضيف الى الكاف ، واللب ياتى بمعنى الاقامة واللزوم والتوجه الى المنادى لاجابته ، ويقال هذه الكلمة فى جواب الداعى ، فان الحجاج يجيبون دعوته تعالى

١٦٢

الى بيته بقولهم ذلك عند الاحرام ، فانهم يعنون بهذه الكلمة : ايها الداعى الى بيتك انا مقيم فى مقام اجابتك ولازم لامتثال امرك ومتوجه بقلبى اليك ، والتثنية للتوكيد ، وتقدير عامله : الب لك لبين منى ، وجاء مضافا الى ضمير الغائب والمتكلم والاسم الظاهر فى هذه الابيات.

انّك لو دعوتنى ودونى ٢٣٨

زوراء ذات مترع بيون

لقلت لبّيه لمن يدعونى

دعونى فيا لبّىّ اذ هدرت لهم ٢٣٩

شقائق اقوام فاسكنها هدرى

دعوت لما نابنى مسورا ٢٤٠

فلبّى فلبّى يدى مسور

لبّى نداك لقد نادى فاسمعنى ٢٤١

يفديك من رجل صحبى وافديكا

٢ ـ سعديك ، وهو كلبيك فيما قلنا ، والسعد مصدر بمعنى العون والنصر ، والقائل بهذه الكلمة فى جواب الداعى يقول : انا مقيم فى مقام نصرك وعونك فى امرك ، وفى الحديث : ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول فى افتتاح الصلاة لبيك وسعديك والخير فى يديك والشر ليس اليك.

٣ ـ حنانيك ، والحنان ياتى بمعنى الرحمة والعطف والرزق والبركة ، وهذه الكلمة تقال عند طلب الرحمة والعطف ، اى تحنن على تحننا بعد تحنن ، والاضافة فى هذه الكلمة الى الفاعل ، وفى تينك الى المفعول ، وكما فى هذه الابيات.

ابا منذر افنيت فاستبق بعضنا ٢٤٢

حنانيك بعض الشرّ اهون من بعض

حنانيك مسؤولا ولبّيك داعيا ٢٤٣

وحسبى موهوبا وحسبك واهبا

ويمنعها بنو شمجى بن جرم ٢٤٤

معيزهم حنانك ذا الحنان

٤ ـ دواليك ، هو من المداولة ، وهى دور الشى بين عدة على التناوب يكون بيد كل مدة ، قال الله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ـ ٣ / ١٤٠ ، وهذه الكلمة تستعمل للامر بالمداولة ، اى لا تخص ما بيدك بنفسك ، بل اجعله فى يد غيرك

١٦٣

ليستفيد منه ، ويستعمل لغير ذلك ، ومثاله ما فى هذه الابيات.

ناكل الارض ثمّ تاكلنا الار ٢٤٥

ض دواليك افرعا واصولا

اذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله ٢٤٦

دواليك حتّى كلّنا غير لابس

وصاحب صاحبته ذى مافكة ٢٤٧

يمشى الدواليك ويعدو البنكة

٥ ـ حجازيك ، من الحجز وهو المنع ، اى امنع وكف نفسك عما لا يعنيك ولا يليق بك ، ويمكن ان يستعمل بمعنى كن حاجزا بين الناس عن اضرار بعضهم بعضا ، ومثله هذا ذيك من الهذ بمعنى القطع ، اى اقطع نفسك عن هواها ، وحذاريك من الحذر ، اى احذر عن اهواء نفسك وشرور الخلق.

وهذه المصادر بهذه الصورة مفعولات مطلقة ، صارت افعالها الناصبة لها متروكة منسية ، بل صار استعمالها كاستعمال اسماء الافعال التى نذكرها فى آخر المقصد.

الامر العاشر

ومصادر اخرى لا فعل لها من لفظها ، وتستعمل مضافة منصوبة على انها مفعولات مطلقة ، وغير مضافة مع ال او بدونها مرفوعة على الابتداء ، وهى :

١ ـ ويل ، وهى كلمة تهديد وتهويل وتخويف بالعذاب وكلمة تفجع وتوجع وفزع عند ظهور الشر والبلاء ، كقوله تعالى : (وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ـ ٤٦ / ١٧ ، (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ) ـ ٢٨ / ٨٠ ،(يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) ٢١ / ٩٧ ، وقد تلحق به التاء للتاكيد كقوله تعالى : (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ) ـ ٥ / ٣١ ،.

واستعمالها غير مضافة على الابتداء ، نحو قوله تعالى : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) ـ ٢١ / ١٨ ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ـ ٣٨ / ٢٧ ، وقول على عليه‌السلام : ويل لمن غلبت عليه الغفلة ونسى الرحلة ولم يستعد للاخرة ، وكما فى هذه الابيات.

١٦٤

لامّك ويلة وعليك اخرى ٢٤٨

فلا شاة تنيل ولا بعير

كسا اللّؤم تيما خضرة فى جلودها ٢٤٩

فويلا لتيم من سراويلها الخضر

ويل بزيد فتى شيخ الوذ به ٢٥٠

فلا اعشّى لدى زيد ولا ارد

ثم ان استعملت للتوجع والفزع تضاف الى الفاعل ، اى فاعل التوجع والفزع ، كانه يقول اتوجع من هذا البلاء المقبل ، وان استعملت للتخويف والتهديد تضاف الى المفعول ، كان القائل بهذه الكلمة يقول لمخاطبه : اهددك واخوفك ، وجاءت فى هذا البيت على خلاف ذلك.

قالت هريرة لمّا جئت زائرها ٢٥١

ويلى عليك وويلى منك يا رجل

وتضاف الى ام كقول على عليه‌السلام فى ذم بعض السفلة : ويلمّه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء ، اصله ويل امّه ، وكيلا مفعول مطلق لفعل محذوف ولو للتمنى ، ومراده عليه‌السلام : ويل ام من يرمينى بالكذب ان الحكم والمعارف التى لا تبلغها عقولكم اكيلها لكم كيلا بلاثمن ، نظير ما اسالكم عليه من اجر ، يا ليت لتلك المعارف وعاء ، نظير قوله عليه‌السلام : ها ان ههنا لعلما جما لو اصبت له حملة.

٢ ـ ويب ، تستعمل بمعنى ويل كقول الشاعر.

يا زبرقان اخا بنى خلف ٢٥٢

ما انت ويب ابيك والفخر

٣ ـ ويح كلمة تعطف وترحم على المخاطب فى غالب الاستعمال كقول على عليه‌السلام : ويح النائم ما اخسره قصر عمله وقل اجره ، ويح ابن آدم اسير الجوع ، صريع الشبع ، غرض الآفات ، خليفة الاموات.

وتاتى للتوبيخ والتخويف كقول على عليه‌السلام لعاصم بن زياد الذى يتزهد فى الدنيا واهمل امور اهل بيته : ويحك انى لست كانت ، بعد ان قال له عاصم : انت يا امير المؤمنين تزهد فى الدنيا ، وقوله : ويح المسرف ما ابعده عن صلاح نفسه واستدراك امره ، ويح العاصى ما اجهله وعن حظه ما اعدله.

وتاتى للردع والتخطئة كقوله عليه‌السلام فى اخر خطبة همام للسائل المعترض :

١٦٥

ويحك ان لكل اجل وقتا لا يعدوه وسببا لا يتجاوزه فمهلا لا تعد لمثلها فانما نفث الشيطان على لسانك ، وقوله لمن ظن ان قدر الله جبر على العباد : ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما ، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد.

٤ ـ ويس ، وهى كويح ، وقيل : كلمة رافة واستملاح للصبى ، تقول له : ويسه ما املحه ، واستعملت ايضا بمعنى ما يريده الانسان او ما يكرهه ، كقول ابن الاعرابى منشدا :

عصت سجاح شبثا وقيسا ٢٥٣

ولقيت من النكاح ويسا

وهذه الكلمات تستعمل فى المحاورات فيما اذا اراد المتكلم ان يظهر من نفسه شيئا او يوقع فى خلد المخاطب امرا ، ويعرف ذلك من قرائن الكلام واحوال المتكلم ، ولذلك ترى اصحاب اللغة اختلفوا فى بيان معانيها ، ولا تخلو فى الاكثر من معنى التعجب.

وقد قلنا ان هذه المصادر لا فعل لها ، ولكن استعمل تويّل بمعنى قال يا ويلاه ، وهما يتوايلان ، اى دعا كل منهما بالويل على الاخر ، وويل وائل للمبالغة ، كشغل شاغل وليل لائل وشعر شاعر وثكل ثاكل وكفل كافل.

فى الكافى عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : محادثة العالم على المزابل خير من محادثة الجاهل على الزرابىّ.

١٦٦

المبحث التاسع

فى المفعول به ، وهو المنصوب بالفعل الذى فعل به ، وهذه الباء للالصاق ، اى الصاق المفعول المطلق به ، فانه من كل فعل متعد ملصق بشئ هو المفعول به لذلك الفعل ، تقول : ضربت زيدا ، اى فعلت الضرب اللاصق بزيد ، واكرمتك ، اى فعلت الاكرام اللاصق بك.

وفى التنزيل : (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا) ـ ٢١ / ٥٩ ، وهذا اشارة الى جذ اصنامهم ، (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ) ـ ١٢ / ٨٩ ، وما عبارة عن القائه فى غيابة الجب واهانته وشرائه بثمن بخس ، واطلاق المفعول على المفعول به اختصار فى التعبير ، نظير اطلاق المشترك على المشترك فيه والمرضى على المرضى عنه.

ان قلت : ان التعريف لا يشمل المنفى ، نحو ما اكلت شيئا ، قلت : يشمل اكلت شيئا ، والنفى لاحق متاخر ، ولا عبرة به فى اصطلاح الفن ، وفى هذا المبحث فصلان.

الفصل الاول

فى حكم التقديم والتاخير ، وهنا مسائل.

المسألة الاولى

الاصل فى المفعول تاخره عن الفاعل ، ويجب رعاية هذا الاصل فى مواضع.

١٦٧

الاول : ان يكون المفعول محصورا فيه بالا او انما ، نحو ما رايت الا زيدا ، وانما راى ابى زيدا ، والمعنى نحن لم نر غيره ، وان قدم على الفاعل بان يقال : ما راى زيدا الا انا ، وانما راى زيدا ابى انعكس المعنى الى ان زيدا لم يره غيرنا ، ومنه قوله تعالى : (فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ـ ٨٧ / ٦ ، وان يقدم بان يقال : فلا ينسى ما شاء الله الا انت بطل المعنى.

ولكن لا باس بان حفظ المفعول متصلا بالا ويتاخر عنه الفاعل لان كونه محصورا فيه يعلم من وقوعه بعد الا بلا فصل ، كما جاء فى هذه الاشعار ، بخلاف انما فانها لا ياتى فيها ذلك.

ولمّا ابى الّا جماحا فؤاده ٢٥٤

ولم يسل عن ليلى بمال ولا اهل

تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة ٢٥٥

فما زاد الّا ضعف ما بى كلامها

وهل ينبت الخطّىّ الّا وشيجه ٢٥٦

ويغرس الّا فى منابتها النخل

الثانى : ان يشتبه احدهما بالاخر ، وذلك حيث لم يظهر الاعراب وكان كل من اللفظين صالحا لكل منهما ، نحو علم موسى عيسى ، ضرب اخى غلامى ، غلب هواك حجاك ، اكرم هذا ابى ، الا ان يريد المتكلم ابهاما.

الثالث : ان يكون كل منهما ضميرا ولا يكون فى الكلام حصر يوجب تاخير الفاعل كما ياتى ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) ـ ٨٢ / ٦ ، (وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) ـ ٨٣ / ٣٢ ، و (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) ـ ٨٦ / ١٧ ، (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) ـ ٧٧ / ٢٠ ـ ٢١ ، و (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) ـ ٧٦ / ١٩ ،.

الرابع : ان يكون الفاعل وحده ضميرا ، فيجب اتصاله بالفعل الا ان يوجب تاخيره حصر ، كقوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) ـ ٧٩ / ٤٠ ، (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) ـ ٨٩ / ١٧ ، (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا)

١٦٨

ـ ٨٩ / ١٩ ،.

المسالة الثانية

يجب خلاف هذا الاصل فى مواضع :

الاول : ان يكون الفاعل محصورا فيه بالا او انما ، نحو ما راى زيدا الا انا ، وانما راى زيدا ابى ، ان كان المراد ان زيدا لم يره غيرنا ، ولو جرى على الاصل انعكس المعنى المراد كما مر بيانه ، ومنه قوله تعالى : (وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) ـ ٨٣ / ١٢ ، ولو قيل : وما يكذب كل معتد اثيم الا به بطل المعنى ، (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ـ ٣٥ / ٢٨ ، فان خشيته تعالى منحصرة فيهم لان الجاهل بالله لا يخشاه ، ولو تقدم وقيل : لا يخشى العلماء الا الله انقلب المعنى وليس مراده وان كان حقا ، لان مراده تعالى اخراج الجاهل من هذا الحكم ، ولا يفهم من الاسلوب الثانى.

ولكن لا باس هنا ايضا بما قلنا فى المسالة الاولى من وقوع المحصور فيه تلو الا ، وان تاخر عنه المفعول كما فى هذه الابيات.

ما عاب الّا لئيم فعل ذى كرم ٢٥٧

ولا جفا قطّ الّا جبّا بطلا

نبّئتهم عذّبوا بالنّار جارهم ٢٥٨

وهل يعذّب الّا الله بالنار

فلم يدر الّا الله ما هيّجت لنا ٢٥٩

عشيّة انآء الديار وشامها

والحاصل ان المحصور فيه بالا كائنا ما كان يجب ان يليها ، سواء تقدم المحصور او تاخر ، واما الحصر بانما فيجب ان يكون المحصور اولا والمحصور فيه ثانيا ، والحصر باب فى علم المعانى.

الثانى : ان يتصل بالفاعل ضمير يعود الى المفعول ، فيجب تاخير الفاعل لئلا يلزم عود الضمير الى المتاخر لفظا ورتبة ، فانه قبيح ومخالف للقاعدة كما ياتى بيانه فى باب الضمير فى مبحث المعارف من المقصد الثانى ، نحو قوله تعالى : (وَإِذِ

١٦٩

ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ـ ٢ / ١٢٤ ، و (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) ـ ٤٠ / ٥٢ ، (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) ـ ٨٩ / ١٥ ،.

الثالث : ان يكون المفعول ضميرا والفاعل اسما ظاهرا ، فيتصل المفعول بالفعل ويتاخر الفاعل ، اذ لا يجوز ان يوتى بالضمير المنفصل مع امكان المتصل الا ان يكون لانفصاله موجب كلزوم تقدمه على الفعل او الحصر ، نحو قوله تعالى : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ،) ـ ٨٧ / ١١ ، (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) ـ ١٠٢ / ١ ، (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) ـ ٨٥ / ١٧ ، (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) ـ ٧٩ / ٦.

المسالة الثالثة

وفى غير ما فى المسالتين يجوز تقديم المفعول على الفاعل وتاخيره عنه ، ولكن يقدم عليه لجهات كرعاية الفواصل فى الآيات والقوافى فى الاشعار والسجع فى الانثار وغير ذلك ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) ـ ٥٤ / ٤١ ، (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) ـ ٨ / ٥٠ ، وكما فى هذين البيتين.

ابت لى حمل الضيم نفس ابيّة ٢٦٠

وقلب اذا سيم الاذى شبّ وقده

ولا خير فى حسن الجسوم وطولها ٢٦١

اذا لم يزن حسن الجسوم عقول

المسالة الرابعة

يجب تقديم المفعول على عامله فى مواضع :

الاول : اذا يراد حصر عامله فيه بدون انما والا ، كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ـ ١ / ٥ ، اى لا نعبد الا اياك ولا نستعين الا اياك ، ونحو المثل المشهور اياك اعنى واسمعى يا جارة.

الثانى : ان يكون المفعول من الاسماء التى لها صدارة ، كقوله تعالى : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) ـ ٤٠ / ٨١ ، (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ـ ١٨ / ١٧ ، (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما

١٧٠

لَهُ مِنْ هادٍ) ـ ٣٩ / ٢٣ ، (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ـ ١٧ / ١١٠ ، (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ـ ٣٦ / ٣١ ، (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) ـ ٢٨ / ٢٨.

الثالث : ان يقع عامله بعد فاء الجزاء فى جواب اما ظاهرة او مقدرة ولا معمول له غيره ، فيتقدم المفعول على الفاء لوجوب فاصل بين اما والفاء ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) ـ ٣ / ٩ ـ ١٠.

ومثال اما المقدرة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ـ ٧٤ / ١ ـ ٥ ، فان الفاء على هذه الافعال تدل على تقدير اما فى اول الكلام ، اى واما ربك فكبر ، والا فلا وجه لوجود هذه الفاء ، وياتى تفصيله فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث.

المسالة الخامسة

يجب تاخير المفعول عن عامله فى مواضع :

الاول : ان يكون المفعول اسما مؤولا بالمصدر ، نحو قوله تعالى : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) ـ ٦ / ٨١ ، (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) ـ ٥ / ٥٢ ، (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ـ ١٨ / ٥٣ ، (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) ـ ١٨ / ٨٢ ،.

الثانى : ان يكون معمولا لفعل التعجب ، نحو ما احسن صنع الله ، وياتى بيانه فى المبحث الثامن عشر.

الثالث : ان يوجب تقديمه اشتباها بالمبتدا ، حيث لم يظهر الاعراب ، نحو وعظ هذا ابى ، ولو قيل : ابى وعظ هذا توهم ان ابى مبتدا مع انه مفعول مقدم.

الرابع : ان يكون المفعول اىّ الموصولة ، نحو (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) ـ ١٩ / ٦٩ ، اى لننزعن الذى هو اشدهم عتيا.

الخامس : ان يكون عامله مقترنا بلام الابتداء او لام القسم او ما النافية او لا

١٧١

النافية فى جواب القسم او حرف الاستثناء على ما قال ابن هشام فى النوع الثانى عشر من الجهة السادسة من خامس المغنى ، او مقترنا بقد او سوف او ربما او قلما او مؤكدا بنون التاكيد كما قال بعضهم ، وياتى تفصيل كل منها فى موضعه.

المسالة السادسة

اذا كان الفعل ذا مفعولين او ثلاثة فتقديم المفعول عليه فى باب ظن واخواتها هو الالغاء الذى مر بيانه فى المبحث الخامس ، وفى غير هذا الباب يكون احد المفعولين اصلا والاخر فرعا وان لم يكن مبتدا وخبرا ، فالاصل فى الاصل ان يكون مقدما والاخر مؤخرا وكلاهما مؤخرين عن عاملهما ، نحو قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ـ ٧٦ / ٢١ ،(وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) ـ ٧٧ / ٢٧ ، (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) ـ ٧٦ / ٣ ، (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) ـ ٧٦ / ١١ ، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً) ـ ٧٦ / ١٢ ، (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) ـ ٧٧ / ١٦ ـ ١٧ ، و (انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) ـ ٢ / ٢٥٩ ، ومما ذكرنا من حكم التقديم والتاخير فى ذى المفعول الواحد يعلم حكمهما فى ذى المفعولين والثلاثة ، وان كان وقوع ذلك فيه قليلا فلا نطيل الكلام بتفصيله.

الفصل الثانى

فى حكم حذف المفعول وعامله.

اعلم ان غرض المتكلم تاره يتعلق بالاخبار عن نفس وقوع الفعل مع قطع النظر عن الفاعل والمفعول ، نحو وقع القتل ، ومنه قوله تعالى : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) ـ ١٠ / ٥١ ، اى وقع العذاب من دون نظر الى معذب ومعذب.

وتارة يتعلق بالفعل والفاعل مع قطع النظر عن المفعول ، وهذا فى القرآن كثير ، كقوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ـ ٧٦ / ٣٠ ، (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ)

١٧٢

ـ ٤ / ١٦٧ ، (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ـ ٣ / ٦٦ ، و (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) ـ ٧٧ / ٣٥ ، (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) ـ ٨٩ / ٣٥ ـ ٢٦ ، (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ـ ٤٠ / ٦٨ ، (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٩ / ٩ ، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) ـ ٧ / ٣١ ، فالنظر فى امثال هذه الى نفس الفعل المنتسب الى الفاعلين من دون نظر الى مفعول.

وكذا الكلام فى ذى المفعولين او الثلاثة اذا ذكر البعض وترك البعض او الكل كقوله تعالى : (وَآتُوا الزَّكاةَ) ـ ٢ / ٤٣ ، (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ـ ٩٣ / ١١ ، (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) ـ ٢ / ٢٢١ ، (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى) ـ ٢٤ / ٣٢ ، (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) ـ ٩٩ / ٤ ، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) ـ ٩٢ / ٥ ، (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ـ ٣٥ / ١٤ ، فلا نظر فيها الى ما ترك من مفاعيلها.

اذا علمت هذا فاعلم ان الحذف فى اصطلاح هذا الفن لا يطلق على هذه المواضع ، بل هو ما اقتضته صناعة الاعراب كخبر بلا مبتدا او بالعكس ، وفعل بلا فاعل او بالعكس ، وشرط بلا جزاء او بالعكس ، ومعمول بلا عامل ، او فضلة من المفاعيل او غيرها لا تكون فى الكلام ، وتدل القرينة على انها مراد المتكلم ، فعند ذلك يقال : حذف وقدر ، وذاك محذوف ومقدر ، وهذا الحذف لا يجوز الا مع دلالة القرينة الا اذا اراد المتكلم ابهاما.

ثم الحذف بالمعنى المصطلح اما سماعى او قياسى ، وذكرنا فى كل مبحث ما كان له وسنذكره ايضا ، وياتى احكام الحذف مطلقا فى المبحث العاشر من المقصد الثانى ، والآن نريد ان نذكر حذف المفعول به وعامله ، فنقول : يحذف المفعول فى باب تنازع العاملين ، ويحذف عامله فى باب الاشتغال وباب النداء وباب التحذير والاغراء وباب الاختصاص وباب النعت المقطوع وباب نزع الخافض ، وهذا كله قياسى ، ياتى تفصيل كل منها فى مبحثه ، وناتى الآن بعجالة من حذف كل منهما سماعا.

١٧٣

الاول : حذف المفعول سماعا ، كقوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) ـ ٩٣ / ٣ ، اى وما قليك ، (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ـ ٥٨ / ٢١ ، اى من حادنى ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) ـ ٢ / ٢٤ ، اى فان لم تفعلوا امرا ولن تفعلوا مثل القرآن ، (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) ـ ٢٠ / ٢ ـ ٣ ، اى لمن يخشى الله ، (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ـ ٢٨ / ٦٢ ، اى تزعمون انهم شركائى ، (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) ـ ٢٥ / ٤١ ، اى بعثه الله رسولا (، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ) ـ ٤ / ٩٢ ، اى لم يجد رقبة ، (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) ـ ٥٨ / ٤ ، اى لم يستطع صيام شهرين ، (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ) ـ ٦ / ١٤٩ ، اى فلو شاء هدايتكم.

الثانى : حذف عامله سماعا ، كقوله تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ـ ١٦ / ٣٠ ، اى انزل خيرا ، (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) ـ ٤ / ١٧١ ، اى واتوا خيرا لكم ، والتقدير : انتهوا يكن الانتهاء عن التثليث خيرا لكم ، (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ـ ١٣ / ٢٣ ، اى يقولون سلام عليكم ، وحذف القول هكذا كثير فى الكلام ، يكاد ان يكون قياسيا ، وياتى فى المبحث العشرين ما يرتبط بهذا المبحث.

ـ فى الكافى عن امير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : روّحوا انفسكم ببديع الحكمة فانّها تكلّ كما تكلّ الابدان.

١٧٤

المبحث العاشر

فى المفعول فيه.

وهو المنصوب بالفعل الذى فعل فيه ، وبينه وبين الظرف اعم واخص من وجه ، لان الظرف كل اسم يدل على زمان او مكان وان كان مرفوعا نحو يوم الجمعة يوم مبارك ، وهذا ليس مفعولا فيه ، والمفعول فيه قد يكون غير ظرف ، نحو جلست ظل الشمس ، وقد يجتمعان نحو قوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ـ ٢١ / ٢٠ ، والبصريون يطلقون الظرف على المفعول فيه مطلقا.

ثم المجرور بفى وان كان فى المعنى مفعولا فيه ، ولكن لا يقال له المفعول فيه فى الاصطلاح ، نحو قوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) ـ ٧٤ / ٤٢ ، وياتى بيان هذا الحرف فى مبحث الحروف الجارة فى المقصد الثانى ، ونذكر الظروف واقسامها بحثا مستقلا فى المبحث الثالث من المقصد الثانى.

وههنا امور

الاول : ان الظرف اما مشتق او جامد ، وكل منهما اما للزمان او للمكان ، والجامد ايضا اما مبهم او معين ، فهذه ستة اقسام ، والمعين ما دل على المحدود ، والمبهم ما دل على غير المحدود ، والمراد بالمحدود قطعة من الزمان او المكان

١٧٥

ينته حدودها الى قطعة اخرى حسب مفهوم اللفظ نحو الدار والبيت والبلد والبحر والجبل والارض ، ونحو الساعة واليوم والشهر والصباح والمساء ، وغير المحدود ما لا ينته حدوده الى قطعة اخرى ، نحو فوق وتحت وخلف ووراء وقدام ويمين ويسار وشمال وجانب وناحية ، ونحو زمان ووقت ومدة وازل وابد وحين ، واما المشتق فمعين فقط لتعينه بالحدث الواقع فيه ، فان المجلس مثلا يتحدد ويتعين بجلوس الجالس فيه ، وكذا الموعد مثلا ، والمبهم قد يتعين بالاضافة وغيرها ، وياتى مثاله.

ان قلت : ان الجهات الستة لها حدان ، مثلا فوق له حد هو مفرق راس الانسان مثلا ، وحد آخر هو نهاية البعد الفوقانى اذ قد ثبت فى فن الحكمة تناهى الابعاد ، قلت : فى هذا الفن يبحث من حيث مدلول اللفظ لا من حيث ما ثبت بالبرهان والعقل ، فان الفوق ليس فى مفهومه الانتهاء الى قطعة اخرى من المكان ، بخلاف الدار مثلا فان فى مفهومه الانتهاء والتحدد بالحدود الاربعة.

واما امثلة الاقسام الستة فهى :

١ ـ المشتق المكانى ، نحو قوله تعالى : (أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) ـ ٧٢ / ٩ ، (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) ـ ١٧ / ٨٠ ، (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) ـ ١٩ / ٥٧ ، (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) ـ ٧ / ١٤٣.

٢ ـ المشتق الزمانى ، (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) ـ ٧٨ / ١٧ ، (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) ـ ١١ / ٨١ ، وهما ليسا مفعولا فيهما.

٣ ـ الجامد المكانى المبهم ، نحو قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) ـ ١٨ / ١٧.

٤ ـ الجامد المكانى المعين ، نحو قوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) ـ ٧١ / ٢٨ ، (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) ـ ٤٠ / ٦٠ ، وقيل : ان المنصوب بدخل وما بمعناه مفعول به ، لا مفعول

١٧٦

فيه ، والحق انه مفعول فيه ، وياتى بيانه فى المبحث الثالث من المقصد الثانى.

٥ ـ الجامد الزمانى المبهم ، نحو (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) ـ ١٨ / ٣٥ ، وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ـ ٣٤ / ٤٤.

٦ ـ الجامد الزمانى المعين ، نحو (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ـ ٧ / ٣٤ ، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) ـ ٧٩ / ٤٦.

الثانى : ان اسماء الزمان مطلقا واسماء المكان المبهم يجوز انتصابها ودخول فى عليها ، واما اسماء المكان المعين فلا يجوز انتصابها بل تستعمل مع فى ، فلا يقال : ضربت زيدا الدار وتعلمت المدرسة وصليت المسجد ونمت البيت ، بل يقال : فى الدار ، فى المدرسة ، فى المسجد ، فى البيت ، ويستثنى من هذا الحكم مواضع يجوز فيها الامران.

١ ـ المشتق اذا وافق عامله فى المادة ، نحو (أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) ـ ٧٢ / ٩ ، (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) ـ ١٤ / ٤٥ ،.

٢ ـ المقادير الممسوحة ، كفرسخ وميل وبريد ، تقول : سرت فرسخا وفى فرسخ ، وركضت ميلا وفى ميل ، وماشيته بريدا وفى بريد.

٣ ـ ما يكون عامله من مادة الدخول والحلول وما بمعنى ذلك ، نحو (أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) ـ ٣٥ / ٣٥ ، (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) ـ ١٢ / ٣٦ ، (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) ـ ٢٧ / ١٢ ، وجواز الامرين فى هذه المواضع قياسى ، والحاكم بالترجيح هو الذوق البلاغى.

الثالث : قد قلنا ان بين الظرف والمفعول فيه عموم وخصوص من وجه ، ولكن قوما قالوا : كل ما هو مفعول فيه فهو ظرف ، وبعض الظروف ليس بمفعول فيه ، اى بينهما عموم وخصوص مطلق ، واما المنصوب الذى وقع الفعل فيه وليس بظرف ، نحو سافرت طلوع الشمس فهو نائب عن المفعول فيه وليس بمفعول فيه ، ولا جدوى لهذا الخلاف ، ولا موجب لتكثير الاصطلاح ، وعلى اى حال يقع غير الظرف مفعولا فيه

١٧٧

ان كان احد هذه الامور.

١ ـ المضاف الى الظرف ، نحو قوله تعالى : (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ـ ٢ / ٢٥٩ ، كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ـ ٢ / ٢٠ ، (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) ـ ٧٣ / ٢٠.

٢ ـ صفة الظرف ، نحو قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) ـ ٧٣ / ٢ ، اى زمانا قليلا من الليل ، (تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) ـ ٧٣ / ٢٠ ، اى زمانا اقل منهما.

٣ ـ العدد الذى يكون الظرف مميزا له ، نحو قوله تعالى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) ـ ٧ / ١٤٢ ، (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ـ ١١ / ٦٥ ،.

٤ ـ موصوف الظرف ، كقولك : كنت اتعلم تلك الايام.

٥ ـ المصدر الذى يفيد معنى الظرف ، نحو جلست قربك ، وسافرت طلوع الشمس ، واستيقظت صلاة الصبح ، وآتيك خفوق النجم ، واقم ريث اذهب وارجع ، والريث بمعنى البطؤ ، اى طول مدة ذهابى ورجوعى.

ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال عيسى بن مريم عليه‌السلام : ويل للعلماء السّوء كيف تلظّى عليهم النار.

١٧٨

المبحث الحادى عشر

فى المفعول له ، ويقال له المفعول لاجله والمفعول من اجله وهو المنصوب الذى فعل له ، واستعماله على اقسام.

١ ـ مجردا عن ال والاضافة ، نحو قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) ـ ١٣ / ١٢ ، و (ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ـ ٢١ / ١٠٧ ، و (نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً) ـ ١٦ / ٨٩ ، وكما فى هذه الابيات.

يغضى حياء ويغضى من مهابته ٢٦٢

فلا يكلّم الّا حين يبتسم

واغفر عوراء الكريم ادّخاره ٢٦٣

واعرض عن شتم اللّئيم تكرّما

وامر تشتهيه النفس حلو ٢٦٤

تركت مخافة سوء السماع

انّا لقوم ابت اخلاقنا شرفا ٢٦٥

ان نبتدى بالاذى من ليس يؤذينا

٢ ـ مع الاضافة ، كقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) ـ ١٧ / ٣١ ،(يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) ـ ٢ / ١٩ ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ـ ٢ / ٢٠٧.

٣ ـ مع ال ، وهذا القسم قليل فى الكلام كقول الشاعر.

لا اقعد الجبن عن الهيجاء ٢٦٦

ولو توالت زمر الاعداء

١٧٩

وههنا امور

الامر الاول

ذكروا لجواز نصبه شروطا خمسة ، فان وجدت جاز نصبه وجره باحد الحروف التعليلية ، والا فيجب الجر باحدها ، والحروف التعليلية : اللام والباء ومن وكى وغيرها ، وياتى ذكرها فى المبحث الثانى عشر من المقصد الثالث ، وتلك الشروط :

١ ـ كونه مصدرا كما شوهد فى الامثلة ، والا وجب جره بالحرف نحو قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) ٥٥ / ١٠ ، (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ـ ٢ / ٢٩ ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) ـ ٢٧ / ٦٠ ، اى بماء السماء ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ـ ٢ / ٢٥١.

٢ ـ كونه من الافعال الباطنية لا الظاهرة الجارحية ، وهى افعال قلبية كالعلم والجهل والظن والاعتقاد والحسبان ، او واردات نفسية كالارادة والكراهة والجبن والغضب والرضا والخشية ، او حركات ادراكية كالتوهم والتفكر والتخيل والنظر ، او صفات نفسية كالاهتداء والضلال والكفر والايمان والحسد والشجاعة والبخل ، كما شوهد بعضها فى الامثلة.

ولكن هذا الشرط فيما كان المفعول له حصوليا سابقا على الفعل ، واما ان كان تحصيليا متاخرا عنه فلا ، ويجوز النصب مطلقا ، نحو ضربت ابنى تاديبا ، فانه يحصل بعد الضرب ، والتاديب هو تنظيم العمل طبقا لحكم الشرع ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ـ ٧ / ١٦٤ ، فان معذرتهم عند الرب فى المعاد ، والمعذرة هى ذكر ما يدفع المواخذة.

٣ ـ كونه متحدا مع عامله زمانا ، نحو قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً) ـ ٢ / ٩٠ ، وقعدت عن الحرب جبنا ، فلا يجوز تاهبت سفرا ، بل للسفر ، لان السفر بعد زمان التاهب.

١٨٠