علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

خلقها الله وسخرهما ، وهذا الحذف قياسى واقع بعد مادة القول كثيرا ، وتقدير المرفوع مبتدا ايضا ممكن ، لكن الانسب كونه فاعلا لمجئ مثله مذكورا فى آيات اخرى كقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ـ ٤٣ / ٩ ،.

٣ ـ قالوا : فى نحو (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) ـ ٩ / ٦ ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) ـ ٨٤ / ١ ، و (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) ـ ١٧ / ١٠٠ ، ونظائرها من الجمل الاسمية التى وقعت بعد ادوات الشرط : يقدر فعل بعد اداة الشرط لان الشرط يناسب الفعل ، وياتى فى المقصد الثالث فى مبحث ادوات الشرط ان هذا الالتزام تكلف مستغنى عنه.

الامر السادس

قد يحذف الفعل مع الفاعل ، وذلك فى موارد :

١ ـ اذا كان جوابا عن سؤال ، كقوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ـ ١٦ / ٣٠ ، اى انزل ربنا خيرا ، واما اساطير الاولين فى قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ١٦ / ٢٤ ، فمرفوع على الخبرية ، اى هذا القرآن الذى تقولون ايها المؤمنون انه منزل عليكم من ربكم احاديث السابقين ، لان المستكبرين لو اجابوا بالنصب كالمتقين لزمهم الاعتراف بانزال الرب تعالى ، وهم منكرون للانزال.

٢ ـ اذا قام المفعول المطلق مقام الفعل ، كقوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٢٣ / ٤٤ ، اى فبعدوا بعدا عن رحمة الله ، حذف الفعل والفاعل وجئ بالمصدر مكان الفعل وبقوم مكان الفاعل ، وهو مع جاره فى التركيب الموجود صفة للمصدر ، والعامل هو الفعل المحذوف ومثله : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) ـ ٦٧ / ١١ ، فسحقا اى فبعدا ، وهذا دعاء جاء فى ستة مواضع من القرآن ، وفى

١٤١

موضع منها ذكر الفعل نفسه ، وهو أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ ـ ١١ / ٩٥ ، ومن ذلك قولهم : سقيا ورعيا وغيرهما ، اى سقاك الله سقيا ورعاك الله رعيا ، واكثر ما يكون هذا فى الدعاء.

٣ ـ اذا كان الفعل من مادة القول كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ـ ١٣ / ٢٣ ، اى يقولون سلام عليكم ، وجاء مذكورا فى آية اخرى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ـ ١٦ / ٣٢ ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) ـ ٢٥ / ٤١ ، اى يقولون : اهذا الذى الخ ، (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) ـ ٤٦ / ٢٠ ، اى يقول لهم خزنة جهنم : (أَذْهَبْتُمْ) الخ ، (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ) ـ ٤٦ / ١٧ ، اى ويقولان لولدهما : ويلك الخ.

٤ ـ اذا عطف منصوب فعل على منصوب فعل آخر بينهما مناسبة يحذف الفعل الاول او الثانى ، كما فى هذين البيتين.

اعمرو بن هند ما ترى راى صرمة ٢١٧

لها سبب ترعى به الماء والشجر

علّفتها تبنا وماء باردا ٢١٨

حتّى شبت همّالة عيناها

وحذف الفعل او الفاعل او هما فى هذه المواضع قياسى ، ومن ذلك ما ياتى فى الاستثناء والنعت المقطوع والاشتغال والاختصاص والتحذير والاغراء والنداء ، وكل فى مبحثه.

٥ ـ وقد حذفا فى مواضع سماعا ، وهى كثيرة فى الامثال وغيرها ، نحو قولهم : الكلاب على البقر ، اى ارسل الكلاب الخ ، وقولهم : امر مبكياتك لا امر مضحكاتك ، اى اقبلى امرها لا امرها ، وقولهم : اهلا وسهلا ومرحبا ، اى اتيت اهلا لا غرباء ومكانا سهلا لا حزنا وسعة لا ضيقا ، وسلاما بالنصب اى اسلم سلاما ، وسلام بالرفع مبتدا خبره محذوف ، اى سلام عليكم.

١٤٢

الامر السابع

قد يكون الفاعل ضميرا غائبا وليس له مرجع فى اللفظ ، ولكن يفهم من قرائن الكلام كقوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) ـ ٥٦ / ٨٣ ، اى بلغت الروح الحلقوم ، ولا ذكر لها من قبل ، وهذا لا يختص بالفاعل ، بل ياتى فى غيره ، ونذكره فى باب الضمائر من مبحث المعارف فى المقصد الثانى.

الامر الثامن

لا معنى لتقدم الفاعل على الفعل ، اذ بتقدمه يخرج عن كونه فاعلا وحينئذ يكون الفاعل ضميرا فى الفعل يرجع اليه ، ولكن يتقدم المفعول على كل من الفعل والفاعل ، وان كان الاصل تاخره عنهما ، وياتى ذكر ذلك فى مباحث المفاعيل.

ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا فى الدنيا قيل يا رسول الله وما دخولهم فى الدنيا ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله اتّباع السلطان فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم.

١٤٣

المبحث السابع

فى نائب الفاعل.

وهو اسم مرفوع واقع بعد ما اسند اليه على وجه الوقوع ، والفعل الذى اسند اليه يقال له الفعل المجهول ، اى المجهول فاعله ، اذ لم يذكر فى الكلام واعطى اعرابه للمفعول فناب منابه ، ويقال له ايضا : ما لم يسم فاعله ، والمفاعيل خمسة ، ولا ينوب عن الفاعل الا المفعول به والمفعول المطلق والمفعول فيه ، لا المفعول له ولا المفعول معه ولا ثانى باب علم ولا ثالث باب اعلم ، وينوب الجار والمجرور ايضا ، ويتعين المفعول به ان كان ، والا فاحد الثلاثة الاخرى ، وقد ذكرنا صيغ الفعل المجهول فى كتاب الصرف فراجع ، ونذكر هنا امثلة من النواب الاربعة.

١ ـ المفعول به ، كقوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ـ ١٦ / ١٢٦ ، (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ـ ٢ / ١٩٦ ، (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ١١ / ٤٤ ، (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) ـ ٤ / ٨٦ ، (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) ـ ٦٩ / ٥ ـ ٦ ، (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ـ ١٠٢ / ٨ ، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) ـ ٦٩ / ١٨ ، وكما فى هذه الابيات.

١٤٤

واذا اصيب القوم فى اخلاقهم ٢١٩

فاقم عليهم مأتما وعويلا

انّ الكبار من الامو ٢٢٠

ر تنال بالهمم الكبار

اعندى وقد مارست كلّ خفيّة ٢٢١

يصدّق واش او يخيّب سائل

يهون علينا ان تصاب جسومنا ٢٢٢

وتسلم اعراض لنا وعقول

٢ ـ المفعول فيه ، كقوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) ـ ٢٤ / ٥٤ ، ومثاله مع ذكر الفاعل قوله تعالى : (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) ـ ١١ / ٤٣ ، فاذا حذف الموج وهو الفاعل قيل : وحيل بينهما اى بين نوح وابنه ، وبين منصوب بالظرفية ومرفوع محلا بنيابته عن الفاعل كالجار والمجرور اذا وقع نائبا عنه ، نحو قوله تعالى : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ـ ٧ / ١٤٩ ، وفاعله المحذوف الندم ، اى ولما سقط الندم فى ايديهم اى صاروا محل الندم ووقع الندم عليهم وراوا ضلالتهم قالوا الخ ، فحذف الفاعل وغيرت الصيغة واسند السقوط الى الجار والمجرور.

٣ ـ المفعول المطلق ، كقوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) ـ ٦٩ / ١٣ ـ ١٥ ،.

٤ ـ الجار والمجرور ، كقوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) ـ ٥٠ / ٢٠.

وهنا امور

الامر الاول

اذا كان الفعل لازما فنائب فاعله غير المفعول به ، وهذا ظاهر واذا كان ذا مفعول واحد تعين كونه نائبا عن الفاعل ، ولا يصل النوبة الى سائر المفاعيل ، ولكن جاء

١٤٥

على خلاف هذا الاصل فى. قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ٤٥ / ١٤ ، على قراءة ليجزى بصيغة المجهول ، فنائب الفاعل على هذه القراءة الجار والمجرور لان المفعول به وهو قوما موجود فى الكلام منصوبا ، وفى قول الشاعر.

لم يعن بالعلياء الّا سيّدا ٢٢٣

ولا شفى ذا الغىّ الّا ذو هدى

الامر الثانى

اذا كان الفعل ذا مفعولين من باب افعال القلوب ، تعين المفعول الاول للنيابة ، ولا يجوز نيابة الثانى ، نحو علمت ذا هدى ، ومن غير هذا الباب يجوز ، ولكن نيابة الاول اولى ان امن اللبس والا تجب ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ـ ٦٩ / ١٩ ، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) ـ ٦٩ / ٢٥ ، (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ـ ٢٧ / ١٦ ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) ـ ٩ / ٥٨ ،.

ومثال نيابة الثانى من غير باب افعال القلوب قولك : اعطى فقيرا دينار ، ومثال اللبس قولك : جعل خادمك خادم المسجد ، وقال ابن مالك : ولا ارى منعا فى افعال القلوب ايضا اذا ظهر القصد وامن اللبس ، ولا باس بما قال.

واذا كان الفعل ذا مفاعيل ثلاثة فلا يجوز نيابة الثالث كائنا ما كان ، وحكم الاول والثانى حكم المفعولين من غير افعال القلوب ، ومثاله : اعلمت ابنى مريضا ، ويلتبس ان تقلبه وتقل : اعلم ابنى اياى مريضا ، ولا يلتبس فى هذا المثال : اعلم الطبيب ابنك مريضا بان يقال : اعلم الطبيب ابنك مريضا.

الامر الثالث

ان عامل نائب الفاعل اما الفعل المجهول ، ومرت امثلثها ، او المصدر او اسم

١٤٦

المفعول كقول الشاعر :

وانّما يرضى المنيب ربّه ٢٢٤

ما دام معنيّا بذكر قلبه

ولا يعمل فى نائب الفاعل غير المصدر واسم المفعول من العوامل المشبهة بالفعل ، وهى عشرة ياتى ذكرها فى مبحثها وهو المبحث الثانى والعشرون ، وياتى بيان عمل المصدر واسم المفعول فى نائب الفاعل فى ذلك المبحث مشروحا ، ولا يبنى المجهول ولا اسم المفعول الا من الفعل المتصرف.

الامر الرابع

قالوا : لا يقع نائبا عن الفاعل المفعول له ولا المفعول معه ولا غير المفعول من متعلفات الفعل كالحال والتمييز والمستثنى الا الجار والمجرور كما مر وكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ـ ٦٢ / ٩ ، للصلاة مفعول له بالمعنى لنودى ونائب عن فاعله ، والمفعول به ايضا غير مذكور ، ومن يوم الجمعة بيان لاذا ، وكقول الشاعر.

يغضى حياء ويغضى من مهابته ٢٢٥

فلا يكلّم الّا حين يبتسم

وكذا التمييز المجرور بمن كما تقول فى فاضت العين من الدمع : فيض من الدمع ، واما قول الكسائى على ما نقل السيد فى شرح الصمدية : جازت نيابة التمييز لكونه فى الاصل فاعلا فتقول فى طاب زيد نفسا : طيب نفس ، فقياس على المعدوم ، اذ لم يعهد فى كلام العرب ، مع ان الفاعل فى الاصل لا يصير نائبا عنه ، اذ لا معنى لكون الشى نائبا عن نفسه ، فطاب زيد نفسا يؤول الى طابت نفس زيد ، فطيب نفس غلط.

الامر الخامس

قالوا : باعث المتكلم على عدم ذكر الفاعل واقامة المفعول مقامه احد هذه

١٤٧

الامور : خوف الفتنة من اظهار الفاعل ، ارادة الابهام لئلا يفهم المخاطبون من الفاعل ، حفظ وزن الشعر ، تحقير الفاعل بترك ذكره او اعظامه بذلك ، علم المخاطب بالفاعل ، جهل المتكلم به ، الاختصار فى الكلام ، سجع الكلام المنثور ، كبرياء المتكلم او المخاطب بحيث لا يليق ذكر الفاعل عنده ، وذكرها السيد عن ابى حيان فى ارجوزته هكذا.

وحذفه للخوف والابهام ٢٢٦

والوزن والتحقير والاعظام

والعلم والجهل والاختصار ٢٢٧

والسجع والوقار والايثار

والوقار اى الكبرياء ، والايثار اى اختيار اسم المفعول لان يجعل عمدة فى الكلام ، وهذا ليس بوجه ، بل هو نفس العمل الموجه باحد تلك الوجوه.

الامر السادس

لا ريب ان كل فعل له فاعل اسند اليه على وجه القيام كحسن محمود وقبح عثمان ، او الصدور كنصر حامد وقتل داود ، وينسب الى كل من المفاعيل والمتعلقات بنسبة مخصوصة فنسبته الى المفعول المطلق نسبة الوقوع ، اى المفعول المطلق هو نفس القائم بالفاعل او الصادر منه ، ونسبته الى المفعول به نسبه الوقوع به ، اى الفعل الصادر من الفاعل انما وقع بسببه ، ولولاه لم يصدر منه هذا الفعل ، ونسبته الى المفعول فيه نسبة الوقوع فيه وهو ظاهر ، ونسبته الى المفعول له نسبة العلية ، اى المفعول له داع للفاعل الى ايقاع الفعل ، ونسبته الى المفعول معه نسبة شركة الفاعل او المفعول به فيه ، ونسبة الفعل الى التمييز والحال والمستثنى نظير هذه النسب ، وللمجرور بالحرف احدى من النسب الدالة عليها الحروف ، وياتى بيان كل منها فى مبحثه ، فصوغ الفعل مجهولا واعطاء الرفع لواحد من المفاعيل مقام الفاعل لا يوجب تغييرا فى اسناد الفعل الى الفاعل ، ولا فى هذه النسب من جهة الواقع والمعنى ، بل هو تركيب من الكلام كسائر التراكيب الكلامية ، اريد فيه اخفاء الفاعل ، اذا علمت

١٤٨

هذا فاعلم انهم اختلفوا هنا فى امرين.

الاول : المفعول ان جر بحرف زائد ووقع نائبا عن الفاعل فلا خلاف فى كونه هو النائب وحده ، وهو فى محل الرفع بالنيابة ، نحو لم يقتل من احد من المؤمنين ، اى لم يقتل احد منهم ، وان جر بحرف غير زائد ففيه خمسة اقوال : النائب هو المجرور وحده ، هو الجار وحده ، هما معا ، ضمير فى الفعل راجع الى مصدر الفعل ، ضمير مبهم راجع الى مصدره او زمانه او مكانه.

اقول : لا معنى لهذا الاختلاف فى هذا المبحث ، اذ لا فرق بين حال بينهما الموج وحيل بينهما الا ان الحائل مجهول للمخاطب بحسب الظاهر فى التركيب الثانى ، واما نسبة الحيلولة الى الظرف فواحدة فى التركيبين ، وكذا سقط فى ايديهم وسقط الندم فى ايديهم ، فان نسبة السقوط الى ايديهم واحدة ، وكذا نودى للصلاة ونادى منادى المسلمين للصلاة ، فان نسبة النداء الى الصلاة لا تختلف.

واما النيابة فلا ريب انها تابعة لتعلق الفعل ، فان المفعول انما ينوب عن الفاعل لتعلق الفعل به ، ولا شبهة ان الفعل يتعلق بالجار والمجرور ان لم يكن الجار زائدا ، والا فوجوده كالعدم وان شئت فقل : يتعلق بالمجرور بدخالة الجار ، فان قولك : اخذت المال واخذت من المال ، وعنده علم الكتاب وعنده علم من الكتاب يفهم منه ان للفظة من دخلا فى تعلق الفعل بمجرورها ، وذلك بافادة معنى التبعيض ، فالفعل يتعلق بهما معا ، وكذا قولك : اذهبت زيدا وذهبت بزيد ، فان الباء تفيد ما تفيد الهمزة ، فالحق ان الفعل يتعلق بهما ، فهما معا نائب عن الفاعل ، مرفوع المحل بالنيابة عن الفاعل كما اذا وقعا خبر المبتدا ، فالحق هو القول الثالث.

الثانى : اذا بنى فعل لازم بصيغة المجهول نحو جلس ففى النائب اقوال اربعة : ضمير المصدر ، اى جلس جلوس ، ضميره معهودا ، اى جلس ذلك الجلوس ، ضمير مبهم راجع الى مصدر الفعل او زمانه او مكانه ، ان الفعل فارغ عن الضمير ، وقال ابن هشام فى الفصل الاول من سابع المغنى فى رد من قال : اقيم ضمير

١٤٩

المصدر مقام الفاعل : اقامة غير المفعول به مقامه مع وجوده ممتنعة ، بل اقامة ضمير المصدر مقامه ممتنعة ولو كان وحده لانه مبهم ، وهذا القول هو الحق وياتى فى الامر الثامن ما يوضحه.

الامر السابع

ان الظرف اما مبنى كحيث واذا ، واما معرب ، والمعرب اما متصرف فى الاعراب ، اى يقبل انواع الاعراب ويقع مبتدا وخبرا وفاعلا ونائبا عنه ومجرورا ومنصوبا كيوم وشهر وارض ، واما غير متصرف اى لا يفارق النصب بالظرفية كمع ، وان فارق فالى الجر بالاضافة او بالحرف ، نحو ذهب من عندك وهذا فراق بينى وبينك.

ثم ان وقع الظرف المتصرف نائبا عن الفاعل يرفع بالضمة لفظا ، نحو صليت يوم الجمعة ، فعند نيابته تقول : صلى يوم الجمعة ، والظرف المبنى لا يتغير بناؤه عند النيابة ويرفع محلا ، نحو يسار اذا تسير ، وغير المتصرف لا يتغير عن نصبه وان كان معربا ، كما هو شانه اذا وقع خبرا او نعتا او حالا او غير ذلك.

الامر الثامن

شرطوا فى المفعول المطلق والمفعول فيه الاختصاص ، ومرادهم به ان لا يكون معنى اللفظ كليا مبهما ، فلا يقال : ضرب ضرب ولا صيم نهار ولا اعتكف مسجد ، ولا جلس جلوس بل يجوز ذلك ان اختص وخرج من الابهام ، نحو قتل قتل لم يقع مثله من اول الدهر ، سجد سجود واحد فى الفى سنة ، اعتكف مكان لم يعتكف فيه الا ابراهيم عليه‌السلام ، وصيم زمان لا طاقة لاحد به ، وجلس جلوس قلب امور الناس.

اقول : هذا الاشتراط ليس فى الفعل المجهول فقط ولا فى نائب الفاعل اذا كان مفعولا فيه او مفعولا مطلقا ، بل يجب رعايته فى كل كلام كائنا ما كان ، فانك

١٥٠

اذا قلت : اكل شىء ، دخل فى دار ، عند رجل شىء ، ضرب احد ، طار طائر ، ولد مولود ، مطرت ارض ، فكلامك مبهم لا فائدة فيه حتى اذا تخصص بشئ يوجب الافادة ، فذكر الاختصاص فى هذا المبحث خاصا لا وجه له.

الامر التاسع

احكام نائب الفاعل هى احكام الفاعل من رفعه ووجوب تاخيره عن الفعل ، ومطابقته لمرجعه ان كان ضميرا الا ما استثنى منه ، وافراد فعله ان كان ظاهرا وغير ذلك مما ذكر فى مبحث الفعل والفاعل.

ولكن ان وقع الجار والمجرور نائبا فالفعل مفرد مذكر دائما سواء قدم ام اخر نحو بهند ذهب او ذهب بهند بهولاء سير او سير بهولاء لان الفعل خال عن الضمير فى الصورتين ، وكذا الكلام فى غير المتصرف من الظروف ، نحو حيل بينهم وبينهم حيل ، واذا تسير يسار ويسار اذا يسيرون ، وهكذا.

واما المفعول به والمفعول المطلق والظرف المتصرف فكالفاعل ، تقول : ضرب الرجال والرجال ضربوا ، نفخ نفخة واحدة ونفخة واحدة نفخت ، وصلى ايام والايام صليت ، وسر ذلك ان الحرف والاسم المبنى وغير المتصرف من الظروف لا تثنى ولا تجمع بحال.

الامر العاشر

نائب الفاعل كالفاعل ثلاثة اقسام : الظاهر والضمير والمؤول ، ومر امثلة الظاهر والضمير فى الفعل ، ومثال الضمير فى اسم المفعول قوله تعالى : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) ـ ١٠٤ / ٨ ، (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ـ ٣٤ / ٣٥ ، ومثال الاسم المؤول : علم انك فاضل ، يخشى ان تصيبنا بلية.

١٥١

الامر الحادى عشر

قالوا : اذا ناب المفعول عن الفاعل فلا يجوز ذكر الفاعل ، فلا يقال : ضرب زيد وضاربه خالد لانه ينافى الغرض.

اقول : ليس كذلك ، اذ ربما يكون غرض المتكلم هكذا لداع هو يعلمه ، وقد وقع ذلك فى التنزيل فى قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) ـ ٢٤ / ٣٦ ، على قراءة يسبح بصيغة المجهول.

الامر الثانى عشر

قال ابن هشام فى آخر سادس المغنى : ينبعى للمعرب ان يقول فى المرفوع بفعل لم يسم فاعله : نائب عن الفاعل ، ولا يقول : مفعول ما لم يسم فاعله لصدقه على المنصوب فى نحو اعطى زيد دينارا ، اقول : مع ذلك لا يخلو اطلاق المفعول عليه من شىء حسب الاصطلاح ، لانه كان مفعولا ، والآن هو نائب عن الفاعل ، ثم الآن نشرع فى مباحث المفاعيل الخمسة ، وهى المفعول المطلق والمفعول به والمفعول فيه والمفعول له والمفعول معه.

ـ فى الكافى عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : زكاة العلم ان تعلّمه عباد الله.

١٥٢

المبحث الثامن

فى المفعول المطلق.

وهو مصدر يوكد عامله او يبين نوعه او عدده ، وانما سمى بالمطلق لانه نفس الاثر المتحقق من الفاعل من دون تقييد ، والمفعول الحقيقى هو هذا المفعول لانه اثر الفاعل فان قولك : احسنت بمنزلة فعلت الاحسان ، وليس غيره كذلك ، ولا تاثير للفاعل فى تحققه ، بل يقع فعله به او فيه او له او معه ، نعم كثيرا يكون المفعول له فعلا لفاعل عامله ايضا كما ياتى بيانه.

والحاصل ان المفعول بلا قيد هو هذا المفعول ، ولكن حيثما ذكروه فانما ذكروه بقيد المطلق ، وعكسوا الامر فى المفعول به ، قال ابن هشام فى اوائل سابع المغنى : جرى اصطلاحهم على انه اذا قيل مفعول واطلق لم يرد الا المفعول به ، لما كان اكثر المفاعيل دورا فى الكلام خففوا اسمه ، وانما كان ذلك حق المفعول المطلق ، ولكنهم لا يطلقون على ذلك اسم المفعول الا مقيدا بقيد الاطلاق ، انته كلامه ، وهذا المفعول على ثلاثة اقسام : التاكيدى والنوعى والعددى.

القسم الاول

المفعول المطلق التاكيدى ، وهو ما يوكد عامله فقط ، ويقال له المبهم لعدم

١٥٣

بيانه للنوع والعدد ، كقوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ـ ٤ / ١٦٤ ، (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) ـ ٣٧ / ١ ـ ٢ ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ـ ٣٣ / ٥٦ ، (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) ـ ٧٨ / ٢٨.

القسم الثانى

المفعول المطلق النوعى ، وهو ما يبين نوع الفعل لان كل فعل يتنوع الى انواع مختلفة حسب وصفه وآلاته وفاعله وسائر ما يرتبط به ، كقوله تعالى : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ـ ١٥ / ٨٥ ، (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً)ـ ٧٠ / ٥ ، (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) ـ ١٧ / ٦٣ ، (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) ـ ١٧ / ٨٠ ،(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) ـ ٦٩ / ١٠ ، وكقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ، وقول على عليه‌السلام : والذى بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر حتى يعود اسفلكم اعلاكم واعلاكم اسفلكم ، بلبلة وغربلة مصدران توكيديان وسوط القدر نوعى ، وكقولهم : مررت برجل فاذا له صوت صوت حمار ، ومررت بامراة فاذا لها صراخ صراخ الثكلى ، وكما تقول : ضربت ابنى ضربا باليد ، وجلست جلوس العبد.

القسم الثالث

المفعول المطلق العددى ، وهو ما يبين عدد الفعل حسب شخصه او نوعه ، كقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) ـ ٣٣ / ١٠ ، اى انواعا من الظن (فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) ـ ٦٩ / ١٤ ، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ـ ٢٤ / ٢ ، (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ـ ٢٤ / ٤.

ثم ان وزن فعلة بكسر الفاء يوتى به للنوع ولكن مبهما ، كقولك : ضربت ابنى ضربة ، اى نوعا من الضرب ، ويقال له مصدر الهيئة ، والهيئة بمعنى الكيفية ، و

١٥٤

وزن فعلة بفتح الفاء للعدد ، كقولك : وقفت وقفة وضربت ضربات ، ويقال له مصدر المرّة ، وشرحناهما فى كتاب الصرف ، وقد يطلق المصدر فى كلامهم ويراد به المفعول المطلق.

وهنا امور

الامر الاول

عامل المفعول المطلق اما فعل او مصدر او وصف بشرط التصرف والتمام ، فالافعال الناقصة وافعال المقاربة لا تعمل فيه لنقصانها ، وافعال التعجب والمدح والذم واسماء الافعال لا تعمل فيه لعدم تصرفها ، فلا يقال مثلا : كان زيد قائما كونا ، ولا عسى زيد ان يقوم عسا ، ولا نعم الرجل حامد مدحا ، ولا صه سكوتا ، وغير ذلك.

الامر الثانى

قال بعضهم فى المصدر النوعى : انه ان كان مضافا فالاصح اعتباره نائبا عن المصدر ، كقولك : اعطيتك اعطاء الامير ، لاستحالة ان يفعل احد فعل غيره ، فالاصل فى مثله ان يقدر : اعطيتك اعطاء مثل اعطاء الامير.

اقول : لا حاجة الى تكلف هذا التقدير ، لان المذكور فى امثال هذا نوع اعطاء الامير ، والممتنع ان يفعل احد فعل غيره بشخصه ، ثم التعبير بالاصح لا يناسب مع اعتقاد الاستحالة.

الامر الثالث

ان المصدر التاكيدى لا يثنى ولا يجمع لانه مؤكد لنفس الفعل ، والفعل واحد

١٥٥

دائما ، وتثنيته وجمعه باعتبار الضمائر الملحقة به ، واما النوعى والتاكيدى فياتيان مفردين ومثنيين ومجموعين كما يشاهد فى الامثلة.

الامر الرابع

امكن ان يكون المصدر النوعى مغايرا مع عامله بالشخص ، فامكن حينئذ ان يكون له معمولات غير معمولات عامله ، نحو نصرت ابنك يوم الحرب بما عندى من العدة والعده نصرك اياى يوم هجم على عدوى فى دارى ، ويشم منه رائحة التشبيه ، بخلاف التوكيدى والعددى فانهما لا يكونان مغايرين مع عاملهما بالشخص ، فلا تشبيه ولا لهما معمول غير معمول عاملهما ، نعم قد يجتمع النوعى مع العددى بان يكون المصدر انواعا كقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) ـ ٣٣ / ١٠ ، ولعنت الشيطان لعنات الصالحين ، ويمكن ان يقال : ان النوعى والعددى لا يخلوان عن معنى التوكيد.

الامر الخامس

يحذف عامل المفعول المطلق قياسا فى مواضع.

١ ـ اذا كان العامل امرا ، كقوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) ـ ٤٧ / ٤ ، اى فاضربوهم ضرب الرقاب ، وكقول الحسين عليه‌السلام لاصحابه رضوان الله عليهم : صبرا بنى الكرام فما الموت الا قنطرة يعبر عليها الى الجنان الواسعة والنعماء الدائمة ، اى اصبروا صبرا يا بنى الكرام ، وكما فى البيتين.

فصبرا فى مجال الموت صبرا ٢٢٨

فما نيل الخلود بمستطاع

اكابرنا عطفا علينا فانّنا ٢٢٩

بنا ظمأ برح وانتم مناهل

ومنه قولهم : مهلا مهلا ، اى امهل مهلا ، والتكرار للتاكيد ، وكقولك للطلبة : فراغا واجتهادا لا اشتغالا وتوانيا ، اى افرغوا لتحصيل العلوم واجتهدوا فيه ولا تشتغلوا بما لا يعنيكم ولا تتوانوا فى الدرس والبحث.

١٥٦

٢ ـ اذا كان الكلام دعاء بالخير او الشر كقوله تعالى : (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٢٣ / ٤١ ، اى بعدوا عن رحمة الله بعدا ، وقولهم : سقيا لك ورعيا ، وجدعا لعدوك الملحد.

٣ ـ اذا كان الكلام توبيخا مقرونا باستفهام انكارى كقوله تعالى : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) ـ ٣٧ / ٨٦ ، اى اتافكون افكا ، ثم بين افكهم بقوله : آلهة الخ ، وقيل فى نصبه غير هذا ، وكما فى هذه الابيات :

اطربا وانت قنسرىّ ٢٣٠

والدهر بالانسان دوّارىّ

خمولا واهمالا وغيرك مولع ٢٣١

بتثبيت اركان السيادة والمجد

اعبدا حلّ فى شعبى غريبا ٢٣٢

الؤما لا ابا لك واغترابا

٤ ـ اذا كان فى موضع التعجب ، نحو عجبا لحلم الله ، اى اعجب عجبا ، وقول على عليه‌السلام : فيا عجبا بينا هو يستقبلها فى حياته اذ عقدها لاخر بعد وفاته ، اى اعجبوا ايها الناس عجبا ، وقول الاخر : فيا عجبا للدهر اذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى ولم تكن له كسابقتى ، اى اعجب عجبا من الدهر اذ صار قرينا لى من لم يسع سعيى ولم تكن له سابقة كسابقتى.

٥ ـ اذا كان فى مقام الحمد والشكر ، نحو شكرا لله وحمدا لله لا كفرا لنعمائه ، اى اشكر شكرا ، وكذا غيره.

٦ ـ اذا كان فى مقام التنزية والاستعاذة ، كقوله تعالى : (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ١٢ / ١٠٨ ، اى اسبح الله سبحانا ، ثم حذف الفعل واضيف المصدر الى المفعول به ، وقوله : (قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) ـ ١٢ / ٢٣ ، اى اعوذ بالله معاذا ، فحذف الفعل والباء ، وجر مدخولها باضافة المصدر اليه.

٧ ـ فى مقام اظهار الرضا والمحبة ، كقولك حبا وكرامة فى جواب من طلب منك شيئا ، اى افعل ما طلبت واحبك حبا واكرمك كرامة ، ومنه : سمعا وطاعة فى جواب من يا مرك بشئ ، اى اسمع قولك سمعا واطيع امرك طاعة.

١٥٧

٨ ـ عند اظهار السخط والكراهة ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) ـ ٢٥ / ٢٢ ، اى يقول الملائكة لهم نمنعكم من دخول الجنة منعا اكيدا ، ومحجورا وصف تاكيدى ، نحو نسيا منسيا ، وليلا لائلا ، اى شديد الظلمة ، وكذا ليل اليل ، ومن ذلك قولك فى جواب من يدعوك الى امر : لا كودا ولا هما ، اى لا اكاد كودا ، اى لا اقرب قربا من امرك ، ولا اهتم له هما.

٩ ـ ما يكون تفصيلا لما يترتب على ما قبله ، كقوله تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ـ ٤٧ / ٤ ، اى فشدوا وثاق الكفار الاسراء ، اى حبالهم حين اسرتموهم لئلا يفروا ولا يبسطوا اليكم ايديهم ، فبعد ذلك اما تمنون عليهم منا فتطلقونهم ، واما تفدونهم فداء فتطلقونهم ، وهذا حكم من اسر بعد انقضاء الحرب ، واما من اسر والحرب قائمة فالتفصيل فى كتاب الجهاد ، وكقول الشاعر :

لاجهدنّ فامّا درء مفسدة ٢٣٣

تخشى وامّا بلوغ السؤل والامل

١٠ ـ ان يكون المصدر عقيب جملة فيها معناه بحيث يفهم منها ، كقوله تعالى : (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ـ ٢ / ١٨٠ ، اى حق هذا حقا ، اى ثبت فى الدين ثبوتا ، وكون الوصية ثابتا على المتقين للوالدين والاقربين يفهم من خطاب الله تعالى ، ومنه قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) ـ ٨ / ٤ ، (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) ـ ٤ / ١٥١ ، اى حق ايمانهم حقا ، وكفرهم حقا ، ومنه هذا الذكر الشريف : لا الاه الا الله حقا حقا لا الاه الا الله ايمانا وتصديقا لا الاه الا الله تعبدا ورقا ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ـ ٩ / ١١١ ، اى يعدهم بذلك وعدا عليه ، وحقا نعت لوعدا ، ومعنى الوعد يفهم من اشترى الخ ، ومثله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ـ ١٦ / ٣٨ ، وقوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ

١٥٨

صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ـ ٢٧ / ٨٨ ، اى صنعها الله صنعه ، ومعنى صنعه تعالى يفهم من ترى الجبال الخ ، ومثال الفقهاء فى كتاب الاقرار : له على الف دينار اعترافا اى اعترف بذلك اعترافا ، واعتراف المقر يفهم من كلامه ، ومن ذلك قولهم : هذا اخى حقا ، وبتا وبتاتا وبتة وصرفا وقطعا وجزما وامثالها الواقعة بعد الكلام فى محاورات الناس ، فكلها مفعولات مطلقة لافعال محذوفة من مادتها.

ثم قد حذف عامل المصدر فى كثير من الموارد سماعا ، كقوله تعالى : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) ـ ٣٧ / ٩٣ ، اى فراغ عليهم يضربهم ضربا ، (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) ـ ٣٨ / ٣٣ ، اى فطفق يمسح مسحا.

وقال بعض النحاة : ان المصادر الموكدة اذا حذف عاملها لم يصح تسميتها مؤكدة ، لان التاكيد تقوية الثابت بالتكرار لفظا او معنى والمحذوف ليس بثابت ، فلا تاكيد مع الحذف ، فالحق ان تسمى بالمصادر النائبة فيكون المفعول المطلق على اربعة اقسام ، والجواب ان المقدر كالمذكور فلا داعى الى تكلف زيادة الاصطلاح ، على ان التاكيد راجع الى المعنى وان يكن لفظيا ، ولذلك ذكروه فى علم المعانى ، والمعنى ثابت مع الحذف ايضا.

الامر السادس

اذا وقع المصدر خبر المبتدا ، فالمبتدا اما اسم حدث نحو سيرك سير سريع ، وعلمك علم كثير ، فلا كلام فيه حينئذ ، واما اسم ذات ، وهو على ضربين.

١ ـ ان يراد من اتيان المصدر المبالغة ، فالمصدر حينئذ يرفع على الخبرية ، اذ النصب يوجب زوال المبالغة ، نحو زيد عدل ، وابراهيم كرم ، وقارون بخل ، وفى الحديث : الدنيا كلها جهل الا مواضع العلم ، اى اهلها كلهم جاهلون الا من وضع الله عندهم العلم ، والحمل مجاز ، ومصحح المجاز ارادة المبالغة.

٢ ـ ان لا يراد المبالغة ، فيجب نصب المصدر على ان يكون مفعولا مطلقا لفعل

١٥٩

محذوف هو الخبر واقعا ، اذ لا يصح حمل الحدث على الذات حقيقة ولا مجازا من دون مصحح ، نحو ان انت الا زهدا ، اى تزهد زهدا ، وما انا الا درسا ، وما انت الا تعطيلا ، وهل ابوك عطفا ، واخوك اكلا ونوما ، وكقول الشاعر :

انا جدّا جدّا ولهوك يزدا ٢٣٤

د اذا ما الى اتّفاق سبيل

وشرطوا للنصب ان يكون المصدر مكررا او محصورا او مستفهما عنه او معطوفا ومعطوفا عليه كما شوهد فى الامثلة ، ولكن القرآن جاء بما هو خارج عن هذه الشروط ، وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ـ ٤٧ / ٨ ، اى فتعسهم الله تعسا ، ويشهد بذلك عطف اضل عليه ، والتعس : التردى والزلة المهلكة ، وبمعنى الاهلاك والازلال المهلك.

الامر السابع

قد يكون المفعول المطلق غير المصدر وسموه النائب عن المصدر ، وذلك اما مضاف الى المصدر او اسم اشارة اليه او ضمير يرجع اليه او وصف له او موصوف له او عدد له او مقدار له او آلة له او زمان له ، او اسم استفهام او شرط ، وهذه عشرة ، تقع نائبة عنه لارتباطها به ، وقد يجتمع المضاف مع بعض التسعة الاخرى ، ودونك امثلتها.

١ ـ المضاف الى المصدر : كقوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ـ ٢٤ / ٤ ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ـ ٤ / ١٢٩ ، (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ـ ١٧ / ٢٩ ، وفى الحديث : لا تثق باخيك كل الثقة فان صرعة الاسترسال لا تستقال ، ونحو سرت احسن السير ، وعاملت انفع المعاملة ، وكقول الشاعر.

وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما ٢٣٥

يظنّان كلّ الظنّ ان لا تلاقيا

٢ ـ اسم الاشارة اليه : نحو قولك : ضربت ابنى هذا الضرب مشيرا الى ضرب وقع من غيرك بحضرتك.

١٦٠