علوم العربيّة - ج ٢

السيد هاشم الحسيني الطهراني

علوم العربيّة - ج ٢

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

٣ ـ ليس

حرف نفى فى المعنى وفعل فى الصورة ، ولها اربع عشرة صيغة من الماضى فقط ، ويدخل كثيرا على خبرها الباء الجارة لتاكيد النفى كقوله تعالى : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) ـ ٦ / ٦٦ ، ولها ذكر فى المبحث التاسع من المقصد الثالث ، وقد يحذف خبرها كما فى البيتين.

لهفى عليك للهفة من خائف ١٢٥

يبغى جوارك حين ليس مجير

ليس شىء الّا وفيه اذا ما ١٢٦

قابلته عين البصير اعتبار

٤ ـ دام

ومصدرها الدوم والدوام والديمومة ، ولا تكون ناقصة الا اذا دخلت عليها ما المصدرية الظرفية ، وليس لها ان كانت ناقصة الا صيغ الماضى الثلاثى المجرد ، نحو قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) ـ ١٩ / ٣١ ، اى مدة دوام حياتى ، (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ـ ٥ / ٩٦ ، اى مدة دوامكم فى الاحرام ، (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) ـ ٥ / ٢٤ ، فهى مع ما بعدها فى تاويل المصدر وظرف للفعل المذكور قبلها ، وتكون ايضا مع ما تامة كقوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)ـ ١١ / ١٠٧ ، اى مدة بقاء السماوات والارض ، والجنة فى هذه الآية جنة البرزخ.

٥ ـ ٩ : اصبح ، اضحى ، امسى ، ظلّ ، بات

مصدر هذه الافعال : الاصباح والاضحاء والامساء والظل والظلول والبيت وو البيات والبيتوتة ، وهذه الافعال متصرفة ، لها صيغ الماضى والمضارع وغيرهما ككان ، وتفيد اتصاف المبتدا بالخبر فى هذه الاوقات كقوله تعالى : (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)

١٠١

ـ ٦٨ / ٢٠ ، اى فصارت جنتهم فى الصباح كالصريم ، والصريم : الارض السوداء المحرقة ، (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) ـ ١١ / ٩٤ ، ونحو اضحت الحامل فارغة ، اى وضعت حملها فى النهار ، ويطلق الضحى على النهار كله وعلى بعضه ، وبالخصوص من طلوع الشمس الى الظهر ، وكما فى البيتين.

اضحتخلاء واضحى اهلها احتملوا ١٢٧

اخنى عليها الّذى اخنى على لبد

اضحى يمزّق اثوابى ويضربنى ١٢٨

ابعد شيبى يبغى عندى الادبا

ونحو اصبحت كرديا وامسيت عربيا ، وقول على عليه‌السلام فى ذم الدنيا : وحرىّ اذا اصبحت له متنصرة ان تمسى له متنكرة ، حرى خبر مقدم لان تمسى ، اى ان الدنيا اذا انتصرت وساعدت لاحد فى الصباح فحرى به تنكرها وخذلانها فى المساء ، وايضا قوله عليه‌السلام فى ذمها ، ولا يمسى احد منها فى جناح امن الا اصبح على قوادم خوف ، غرارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها ، لا خير فى شىء من ازوادها الا التقوى.

ومثال بات وظل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) ـ ٢٥ / ٦٤ ، (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) ـ ٥٦ / ٦٥ ، وقول على عليه‌السلام فى وصف الانسان المبتلى فظل سادرا اى حائرا ، وبات ساهرا فى غمرات الالام ، وكما فى هذه الابيات.

ابيت نجيّا للهموم كانّما ١٢٩

خلال فراشى جمرة تتوهّج

ابيت اسرى وتبيتى تدلكى ١٣٠

وجهك بالعنبر والمسك الزكىّ

بات نديما لى حتّى الصباح ١٣١

اغيد مجدول مكان الوشاح

ظلت بها تنطوى على كبد ١٣٢

نضيجة فوق خلبها يدها

ظللنا عند باب ابى نعيم ١٣٣

بيوم مثل سالفة الذباب

وياتى هذه الافعال تامة بمعنى الدخول والكون فى تلك الاوقات ، نحو (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) ـ ٦٨ / ١٧ ، اى داخلين

١٠٢

فى الصباح ، (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) ـ ٣٠ / ١٧ ، اى فسبحوا الله حين تدخلون فى المساء وهو صلاة المغرب ، وحين تدخلون فى الصباح وهو صلاة الصبح ، وقول على عليه‌السلام فى وصف المؤمن : واعلموا عباد الله ان المؤمن لا يمسى ولا يصبح الا ونفسه ظنون عنده ، اى متهم بالنقص والتقصير فى طاعة الله تعالى ، والجملة بعد الا حال لا خبر ، وفى وصف المتقى : يمسى وهمه الشكر ، ويصبح وهمه الذكر ونحو قول الشاعر :

تطاول ليلك بالاثمد ١٣٤

ونام الخلىّ ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة ١٣٥

كليلة ذى العائر الارمد

١٠ ـ ١٣ : زال ، برح ، فتأ ، انفكّ

مفاهيم هذه الافعال عدمية ، ولا تكون ناقصة الا اذا دخلت عليها النفى ، فينقلب معناها اثباتا بمعنى دام ، اى تفيد دوام ثبوت الخبر للمبتدا لان نفى النفى اثبات ، وتتصرف فى صيغ الماضى والمضارع ، وفى غيرهما قليل جدا ، وامثلتها قوله تعالى : (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) ـ ٢١ / ١٥ ، (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) ـ ٢ / ٢١٧ ، وقول على عليه‌السلام : فو الله ما زلت مدفوعا عن حقى مستأثرا على منذ قبض الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يوم الناس هذا ، وقوله تعالى : (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) ـ ٢٠ / ٩٠ ، وقوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)ـ ١٢ / ٨٥ ، اى ما تفتؤ بتقدير حرف النفى ، وكما فى هذه الابيات.

فقلت يمين الله ابرح قاعدا ١٣٦

ولو قطعوا راسى لديك واوصالى

ليس ينفكّ ذا غنى واعتزاز ١٣٧

كلّ ذى عفّة مقلّ قنوع

قلائص لا تنفكّ الّا مناخة ١٣٨

على الخسف او نرمى بها بلدا قفرا

فلن انفكّ اهجو عائديّا ١٣٩

طوال الدهر ما نادى المنادى

١٠٣

وههنا امور

الاول هذه الافعال تاتى تامة لهذا المعنى ولغيره كثيرا من ابواب مختلفة ، ومرجع ذلك كتب اللغة.

الثانى هذه المشهورة من الافعال الناقصة ، وذكروا كما فى شرح الكافية افعالا استعملت ناقصة ، ولكن استعمالها تامة اكثر ، هى راح ، غدا ، آض ، كمل ، تمثل ، رجع ، عاد ، استحال ، تحول ، قعد ، جاء ، ارتد ، تم ، آل ، حال ، انقلب ، اتى ، ومرجعها كتب اللغة ، وجاء بعضها فى كتاب الله.

الثالث قالوا : ان الافعال الناقصة غير التى تدخل عليها النفى وما دام وليس تستعمل بمعنى صار ، نحو قوله تعالى : (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) ـ ١١ / ٤٣ ، (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) ـ ١٦ / ٥٨ ، (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) ـ ٣ / ١٠٣ ، فان كان وظل بمعنى صار ، واصبحتم بمعنى صرتم.

اقول : كل فعل يستلزم الصيرورة لان الاشتغال بكل حدث انتقال من تركه اليه ، وانتقال من غيره الذى كان مشتغلا به ، فالحى اليقظان متلبس دائما بالصيرورة ، غير ان هذا المعنى ظاهر فى بعض الموارد وخفى فى بعض ، فلا فرق بين كان من المغرقين وكان زيد من المتقين فى تحقق الخبر للمبتدا مؤكدا ، الا ان الصيرورة ظاهرة فى الاول بقرينة وحال بينهما الموج وغير ظاهر فى الثانى ، وكذلك فاصبحتم بنعمته اخوانا لم ينتف فيه معنى الاصباح لان المؤمنين يصبحون كل يوم اخوانا ، وظهور معنى الصيرورة انما هو لقرينة فالف بين قلوبهم ، على ان العداء والشقاق كان ليلا مظلما فاصبحوا فى صباح الالفة والوداد اخوانا ، وكذا ظل وجهه مسودا فانه كل يوم مسود وجهه ، وقس على ما ذكر ما لم يذكر ، فلا يوجب ظهور معنى الصيرورة زوال المعنى الاصلى.

الرابع : قال الكوفيون : ان المرفوع فى هذا الباب فاعل والمنصوب بعده حال ، فانكروا الفعل الناقص راسا ، وهذا المذهب لا يستقيم لان الحال فضلة لا يختل

١٠٤

الكلام بدونه ، واخبار هذه الافعال ليست كذلك ، على ان الاصل فى الحال ان لا يكون ضميرا وجامدا ومعرفة ، واخبار هذه الافعال تقع كثيرا كذلك ، فالحق ما عليه البصريون من ان المرفوع والمنصوب بعدها كانا فى الاصل مبتدا وخبرا ، وهما شبيهان بالفاعل والمفعول.

الخامس : قالوا : لا تدخل هذه الافعال بل الناسخ مطلقا على الاسماء التى لها صدر الكلام كاسماء الشرط والاستفهام ، وان دخل وذلك كثير فى الكلام وجب تقدير ضمير الشان لئلا تنحط عن مقام الصدارة ، وهذا تكلف مستغنى عنه لان معنى صدارة الكلمة عدم تقدم شى من اجزاء الجملة التى هى فيها عليها ، والناسخ داخل على الجملة كالحروف العاطفة ، فلا يضر بصدارتها ، على انهم قالوا : ان ضمير الشان له الصدارة ايضا مع ان الناسخ يدخل عليه ، واسم الاستفهام له الصدارة ، وافعال القلوب تدخل على الجملة التى هو فيها ، فالحق هو الالتزام بعدم الحذف والتقدير مهما امكن لانه خلاف الاصل ، وفى كتابه من غير موجب من جهة المعنى جرأة عليه تعالى ، وياتى الكلام فى الصدارة فى المبحث الثالث عشر من المقصد الثالث. السادس : ان من الجمل ما يساق سوق المثال فى عدم التغيير ، فلا يجوز ان يدخل عليه ناسخ ، نحو (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) ـ ١٣ / ١٩ ، فان هذه الكلمة يلتزم فيها ان تكون مبتدا بهذه الصورة وخبرها اللام الجارة مع مجرورها ، ونحوها : لله در فلان ، ولله بلاد فلان ، وصيغتا التعجب ، وويل له ، وسلام عليكم ، واسماء القسم كايمن ويمين وعمر ، وكذا لا يدخل الناسخ على الجملة المصدرة باذا الفجائية او لو لا الامتناعية ، وهذا ما فى خاطرى ، ولعل غيرها كمثلها.

السابع : قد تستعمل ونى ينى ورام يريم بمعنى زال فيفيد ان معناه مع حرف النفى ويعملان عمله كما فى هذه الابيات.

لا ينى الحبّ شيمة الحبّ مادا ١٤٠

م فلا تحسبنه ذا ارعواء

فارحام شعر يتّصلن ببابه ١٤١

وارحام مال لا تنى تتقطّع

١٠٥

اذا رمت ممّن لا يريم متيّما ١٤٢

سلوّا فقد ابعدت من رومك المرمى

الثامن : الاكثر فى خبر هذه الافعال كونه مضارعا وقد يكون غيره ، ومر بعض الامثله ، واستعمال المشتق من هذه الافعال ناقصا ايضا قليل ، ومن ذلك قول الشاعر.

قضى الله يا اسماء ان لست زائلا ١٤٣

احبّك حتّى يغمض العين مغمض

التاسع : يجوز تقديم خبر هذه الافعال على اسمها كقوله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٣٠ / ٤٧ ، (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ـ ٢ / ١٧٧ ،(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ـ ٢ / ٢٧٢ ، (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ) ـ ١٩ / ٣٥ ، وما فى هذه الابيات.

سلى ان جهلت الناس عنّا وعنهم ١٤٤

فليس سواء عالم وجهول

لا طيب للعيش ما دامت منغّصة ١٤٥

لذّاته بادّكار الشيب والهرم

ما دام حافظ سرّى من وثقت به ١٤٦

فهو الّذى لست عنه راغبا ابدا

العاشر : يجوز تقديم معمول خبرها عليها نحو قوله تعالى : (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) ـ ٧ / ١٧٧ ، (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) ـ ٣٤ / ٤٠ ، (قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) ـ ٢٣ / ٤٠ ، (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) ـ ١١ / ٨ ، يوم ياتيهم متعلق بمصروفا وضمير ليس يرجع الى العذاب وكقول الشاعر :

ورجّ الفتى للخير ما ان رايته ١٤٧

على السنّ خيرا لا يزال يزيد

خيرا مفعول ليزيد ، قالوا : فاذا جاز تقديم معمول الخبر على هذه الافعال جاز تقديم خبرها عليها ايضا ، وهذا ليس بلازم ولم ياتوا بمثال من الكلام الماثور.

الحادى عشر : يجوز تقديم معمول خبرها على خبرها ، نحو قوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ٢ / ٥٧ ، (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) ـ ٣ / ٧٥ ، (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) ـ ٥ / ١٠٢ ، (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) ـ ٢٠ / ٩١ ،.

الثانى عشر : يجوز تقديم معمول خبرها على اسمها كما فى البيتين.

١٠٦

قنافذ هدّاجون حول بيوتهم ١٤٨

بما كان ايّاهم عطيّة عوّدا

باتت فؤادى ذات الخال سالبة ١٤٩

فالعيش ان حمّ لى عيش من العجب

فوادى مفعول لسالبة ، وحم اى قدر ، ومنع هذا بعضهم وقال : ينوى ضمير الشان اسما للناسخ ليكون ما بعده مبتدا وخبرا والجملة خبرا له ، وهذا لا يتاتى فى البيت الثانى لان سالبة منصوبة ، فالقول بالجواز اولى.

ولكنهم اتفقوا على الجواز ان كان معمول الخبر ظرفا او جارا ومجرورا ، نحو كان عندك او فى المسجد زيد معتكفا ، ومثاله من كتاب الله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) ـ ٢ / ٩٤ ، لكم متعلقة بخالصة ، واما تقديم اسمها عليها فلا يتصور ، لان اسم هذه الافعال كالفاعل اذا تقدم خرج عن كونه اسما وصار الاسم ضميرا يرجع اليه.

واعلم ان جواز التقديم والتاخير فى هذه الصور اذا لم يكن مانع منهما ، والا يجب رعاية ذلك ، وقد ذكرنا تفصيله فى احكام المبتدا والخبر ، وهى تجرى ههنا ، لان الاسم والخبر فى باب النواسخ هما المبتدا والخبر قبل دخول الناسخ.

الثالث عشر : قد تدخل كان على الجملة الفعلية ، نحو قوله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ـ ٤٠ / ٨٥ ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ـ ٤٠ / ٢٢ ، (عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ـ ٧ / ١٨٥ ، (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ـ ٦٤ / ٦ ، وتذكير كان وتانيثها باعتبار ما هو العمدة فى الجملة التى بعدها ، كتذكير ضمير الشان وتانيثه.

ثم لا موجب لتقدير ان على الفعل الذى بعد كان تشبيها لها بعسى ، ولا اخذ الفعلين من باب التنازع ، ولا الالتزام بتقدير ضمير الشان ، ولا الالتزام بتقديم الخبر على الاسم ، فليكن هذا من باب تخصيص القاعدة.

الرابع عشر : اذا كان احد هذه الافعال ماضيا وخبره مضارعا انقلب المضارع ماضيا تبعا له ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ)

١٠٧

ـ ٦ / ١٥٩ ، (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) ـ ٧ / ٩ ، (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٧ / ٥٣ ، ونظائرها كثيره ، وهذا المعنى ثابت الا ان يدل قرينه على خلافه.

ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : وجدت علم الناس كلّه فى اربع اوّلها ان تعرف ربّك والثّانى ان تعرف ما صنع بك والثالث ان تعرف ما اراد منك والرابع ان تعرف ما يخرجك من دينك.

١٠٨

المبحث الرابع

فى النوع الثالث من النواسخ.

وهو كاد واخواتها ، ويقال لها افعال المقاربة ، وتعمل عمل الافعال الناقصة ، بل هى ناقصة ايضا ، لكنهم ذكروها على حدتها لفروق ياتى ذكرها وهذه الافعال على ثلاثة اقسام.

القسم الاول

كاد وكرب واوشك ، وهذه الثلاثة تدل على قرب المبتدا من وقوع الخبر ، نحو كاد ابراهيم يكتب ، اى قرب من كتابته ، ويكاد احمد يسافر ، اى يقرب من سفره ، ونحو قوله تعالى : (قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) ـ ٧ / ١٥٠ ، (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ـ ٧٢ / ١٩ ، (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) ـ ١٧ / ٧٤ ، (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) ـ ٢ / ٢٠ ، (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ) ـ ١٩ / ٩٠.

وكثيرا يدخل عليها ان المخففة وعلى خبرها اللام الفارقة للتوكيد ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) ـ ٦٨ / ٥١ ، (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) ـ ٢٨ / ١٠ ، (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ

١٠٩

الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) ـ ١٧ / ٧٦ ،.

تنبيه

ان هذا الفعل اذا لم يسبقها نفى يفيد دنو المبتدا من الخبر سواء كان مدخولها مثبتا او منفيا ، والدنو اعم من الوقوع وعدم الوقوع ، ولكنه يستعمل فيما لم يقع ، فقولك : كاد زيد يموت اى دنا منه ولكن لم يمت ، وقولك : كاد زيد لم يعط شيئا ، اى دنا من عدم الاعطاء ولكن اعطى ، فلذا اشتهر بين النحاة ان اثبات كاد نفى للفعل الواقع بعده ، وفى المثال الثانى نفى للمنفى فنتيجته الاثبات ، وهذا حق لا من جهة مفهوم هذا الفعل لان مفهومه ليس عدميا ، بل استعماله جرى على نفى الفعل بعده.

واما اذا دخل النفى على نفس هذا الفعل فيفيد نفى دنو المبتدا عن الخبر ، ونفى الدنو ايضا اعم من الوقوع وعدم الوقوع ، ولا يعلم احدهما الا بالقرينة ، ولولاها احتمل الامران ، فما اشتهر ايضا بينهم من ان نفى كاد اثبات للفعل مستشهدين بآية البقرة ليس بحق ، لان الكلام نفسه لا يدل على ذلك ، بل قرينة فذبحوها تدل على الوقوع ، واما الكلام نفسه فمعناه : وما كانوا يقربوا من فعل الذبح لانهم كانوا اولا بعداء عن ذبحه حسب اظهاراتهم وتعللاتهم ، ثم قربوا فذبحوها ، والله تعالى اخبر عن الامرين : عن وقوع الذبح بقوله فذبحوها وكونهم بعداء عنه اولا بقوله : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ـ ٢ / ٧١ ، فاغتنم ما تلوت عليك فان للقوم ههنا كلمات قلما يجد الطالب منها مخرجا واضحا.

والشاهد على ما بينا استعماله فيما لم يقع بدلالة القرينة فى قوله تعالى : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) ـ ٤ / ٧٨ ، والمراد بهولاء القوم المنافقون ، فانهم بنفاقهم واعراضهم قلبا عن الحق لم يفقهوا حديث القرآن ، وكذا قوله تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) ـ ٢٤ / ٤٠ ، اى من كان فى ظلمات اعماله التى بعضها

١١٠

فوق بعض اذا رفع يده عنها لينظر اليها لا يراها ، وكذا فى وصف اهل النار : (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) ـ ١٤ / ١٧ ، اى يتجرع حميم جهنم ولا يكون سائغا له.

واما اوشك وكرب فليس منهما فى كتاب الله شىء ، ومثالهما فى هذه الابيات.

ولو سئل الناس التراب لاوشكوا ١٥٠

اذا قيل هاتوا ان يملّوا ويمنعوا

يوشك من فرّ من منيّته ١٥١

فى بعض غرّاته يوافقها

كرب القلب من جواه يذوب ١٥٢

حين قال الوشاة هند غضوب

سقاهاذوواالاحلامسجلا على الظما ١٥٣

وقد كربت اعناقها ان تقطّعا

وفى الحديث : يوشك ان ادعى فاجيب وانى سائلكم حين تردون على عن الثقلين كتاب الله وعترتى اهل بيتى انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، وفيه ايضا : يوشك ان ينزل فيكم عيسى بن مريم حكما عدلا ، ان قلت : يوشك اى يقرب ، وليس نزول عيسى قريبا من زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل هو بعد ظهور المهدى عليه‌السلام. قلت : قال الله تعالى : إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً ـ ٧٠ / ٧ ، وكقول على عليه‌السلام : ان لم تكن حليما فتحلم ، فانه قل من تشبه بقوم الا اوشك ان يكون منهم ، وقوله : رويدا يسفر الظلام كان قد وردت الاظعان يوشك من اسرع ان يلحق ، الاظعان جمع الظعينه وهى الهودج الذى يركبه المسافر ، واراد عليه‌السلام سفر الآخرة.

القسم الثانى

عسى واخلولق وحرى ، ومعناها كلعل الترجى والاشفاق والتنبيه على امكان الامر ، كقوله تعالى : (عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) هذا للترجى ، و (عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) ـ ٢ / ٢١٦ ، هذا للاشفاق ، (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) ـ ٥ / ٥٢ ، (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ـ ٤ / ١٩ ، (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ـ ١٧ / ٧٩ ، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا

١١١

فِي الْأَرْضِ) ـ ٤٧ / ٢٢ ، وهذا الاخير للاشفاق ايضا ، وكقول على عليه‌السلام : احبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما ما ، وابغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون حبيبك يوما ما ، الهون مصدر بمعنى الخفة ، وهو نعت للمفعول المطلق المحذوف ، اى حبا خفيفا لا فى الغاية ، وبغضا خفيفا لا فى الغاية.

والاخران اى اخلولق وحرى ليس لهما مثال فى التنزيل ، ومثالهما فى الكلام قليل ، ونقل سيبويه عن العرب : اخلولقت السماء ان تمطر ، وفى نهج البلاغة ، وطال الامد بهم ليستكملوا الخزى ويستوجبوا الغير حتى اذا اخلولق الاجل ، اى اخلولق الاجل ان ياتيهم ، وقال الرضى فى شرح الكافية : وقد يستعمل حرى زيد ان يفعل كذا بكسر الراء واخلولق عمرو ان يقوم استعمال عسى بلفظ الماضى فقط.

القسم الثالث

افعال الشروع ، وهى تدل على شروع الفاعل فى الفعل الذى ذكر بعدها ، وهى كثيرة اشهرها.

١ ـ طفق ، كقوله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ـ ٧ / ٢٢ ، اى آدم وحواء بعد اكل الشجرة المنهية ، (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) ـ ٣٨ / ٣٣ ، اى فطفق سليمان يمسح مسحا ، وقول على عليه‌السلام فى الخطبة الشقشقية : وطفقت ارتئى بين ان اصول بيد جذاء او اصبر على طخيه عمياء.

٢ ـ جعل ، كقول على عليه‌السلام : فجعلت اتبع مأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطأ ذكره حتى انتهيت الى العرج ، اى شرعت فى اتباع مسيره فى الهجرة الى المدينة ، فاطا ذكره اى جعلت آخذ خبره فى المسير ، والعرج موضع قريب من المدينة على طريق الحاج ، وكقول الشاعر.

وقد جعلت قلوص بنى سهيل ١٥٤

من الاكوار مرتعها قريب

ومنها انشا ، نحو قولك : انشا الشيخ يحدثنا ، واخذ وعلق وهبّ كما فى

١١٢

هذه الابيات.

واخذت اسال والرسوم تجيبنى ١٥٥

وفى الاعتبار اجابة وسؤال

اراك علقت تظلم من اجرنا ١٥٦

وظلم الجار اذلال المجير

هببت الوم القلب فى طاعة الهوى ١٥٧

فلحّ كانّى كنت باللّوم مغريا

وههنا امور

الاول استعمال هذه الافعال بهذه المعانى قليل ، وبغيرها كثير ، ومظانها كتب اللغة

الثانى قالوا : تسمية هذه الافعال بالمقاربة على سبيل التغليب لاشتراكها فى بعض الاحكام ، واما معنى المقاربة فهو فى القسم الاول فقط ، اقول : القسم الثانى والثالث لا يخلوان من معنى القرب والدنو باعتبار.

الثالث : الاكثر فى اخبار هذه الافعال كونها جملة فعلية مضارعية ، كما شوهد فى الامثلة ، وجاء غيرها نادرا كما فى هذه الابيات.

فأبت الى فهم وما كدت آئبا ١٥٨

وكم مثلها فارقتها وهى تصفر

اكثرت فى اللّوم ملحّا دائما ١٥٩

لا تكثرن انّى عسيت صائما

وقد جعلت قلوص بنى سهيل ١٦٠

من الاكوار مرتعها قريب

وقولهم : عسى الغوير ابؤسا ، الغوير تصغير الغار ، وابوس جمع بوس وهو الشدة والعذاب ، هذا مثل يضرب لمن ينتظر وقوع شر من جهة معينة ، وهذا كله من تخصيص القاعدة فلا حاجة مع استقامة المعنى الى توجيهات وتقديرات ذكروها لينطبق عليها.

الرابع : تدخل ان المصدرية على خبر القسم الاول والثانى من هذه الافعال ، ولا سيما على خبر عسى بحيث يشذ عدم دخولها ، نحو قوله تعالى : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) ـ ٤ / ٩٩ ، (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) ـ ١٧ / ٨ ، (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) ـ ٢٨ / ٦٧ ، وقول على عليه‌السلام فى اخيه عقيل : فاحميت له حديدة ثم ادنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيح ذى

١١٣

دنف من المها وكاد ان يحترق من ميسمها ، وايضا قوله عليه‌السلام : واعلموا ان ليس من شى الا ويكاد صاحبه ان يشبع منه ويمله الا الحياة ، وفى الحديث : كاد الفقر ان يكون كفرا ، اى الافتقار الى الناس من دون الاتكال على الله ، وقد مر بعض الامثلة الاخرى.

واستشكل فى هذا الاسلوب بان حرف المصدر يؤول مع ما بعده الى المصدر ، والمصدر لا يقع خبرا عن الذات ، واجيب بوجوه.

١ ـ انه على تقدير مضاف اما قبل الاسم اى عسى امر الله عفوه عنهم ، او قبل الخبر اى عسى الله ذا العفو عنهم ، وكذا فى كاد ، كما يقدر هكذا فى قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) ـ ٢ / ١٧٧ ، اى ولكن صاحب البر من آمن بالله ، او ولكن البر بر من آمن بالله ، لئلا يلزم حمل الذات على الحدث.

٢ ـ انه جئ بان لارادة معنى المبالغة كما فى نحو زيد عدل وعمرو صوم كما فى قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) ـ ١٠ / ٣٧ ،.

٣ ـ انّ ان زائدة لا مصدرية ، وليس هذا الوجه بشى لانها تنصب ولا تسقط فى عسى الا قليلا.

٤ ـ انه من باب نزع الخافص ، اى عسى الله لان يعفو عنهم ، وكاد عقيل من ان يحترق.

٥ ـ ان مع مدخولها سد مسد الاسم والخبر بدلا عن المرفوع ، كما يقال هذا فيما لا يكون فى الكلام مرفوع قبلها وليس فيه حديث البدلية وياتى الآن مثاله.

الخامس : قد يكون معمول عسى واوشك واخلولق ان المصدرية مع مدخولها فقط من دون ضمير فيها يكون اسمها كقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ـ ١٧ / ٧٩ ، (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) ـ ١٨ / ٢٤ ، (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) ـ ١٩ / ٤٨ ، والحق فى التركيب ان يقال : ان مع مدخولها سد مسد الجزاين اى الاسم والخبر ،

١١٤

وتغنى غنائهما ، وان كانت بحسب التركيب تؤول الى المفرد كما فى افعال القلوب ، نحو (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) ـ ٢٩ / ٢ ، وياتى بيانه فى المبحث الخامس.

السادس : قالوا : لا يجوز دخول ان على القسم الثالث من هذه الافعال لانه دال على الحال وان للاستقبال ، ولكن الاصل فى عسى ان يكون خبرها مصدرا بان ولم يات فى التنزيل بدونها ، وجاء فى غيره مجردا عنها كما فى هذه الابيات.

عسى طيّئ من طيّئ بعد هذه ١٦١

ستطفئ غلّات الكلى والجوانح

عسى الكرب الّذى امسيت فيه ١٦٢

يكون وراءه فرج قريب

وما ذا عسى الحجّاج يبلغ جهده ١٦٣

اذا نحن جاوزنا حفير زياد

عسى منهل يصفو فيروى به الظماء ١٦٤

اطال صداها المنهل المتكدّر

السابع : قد يدخل بعض هذه الافعال على الجملة الفعلية كقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) ـ ٩ / ١١٧ ، وكما فى هذين البيتين ، وذلك من تخصيص القاعدة.

واسقيه حتّى كاد ممّا ابثّه ١٦٥

تكلّمنى احجاره وملاعبه

وقد جعلت اذا ما قمت يثقلنى ١٦٦

ثوبى فانهض نهض الشارب الثمل

الثامن : اعملت عسا فى هذين البيتين عمل لعل ، لانها بمعناها ، فهى فى هذه الصوره حرف كلعل لا فعل.

فقلت عساها نار كاس وعلّها ١٦٧

تشكّى فآتى نحوها فاعودها

تقول بنتى قد انى اناكا ١٦٨

يا ابتا علّك او عساكا

واعلم ان هذه الاساليب الستة فى هذه الافعال انما هى مختلفة من جهة التركيب الفنى ، واما من جهة المعنى فواحدة ، تفيد معنى حرفيا بين المسند والمسند اليه من دنو وهو فى القسم الاول ، او ترج واشفاق وهو فى القسم الثانى ، او شروع وهو فى القسم الثالث ، ولكن القوم اطنبوا الكلام فى هذه الاساليب.

التاسع : لا يتقدم خبر هذه الافعال عليها ولا على اسمها ، بخلاف الافعال

١١٥

الناقصة ، وقد مر ذكر ذلك ، ولكن قد يحذف كقوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) ـ ٣٨ / ٣٣ ، اى فطفق يمسح مسحا ، ومن قولهم : ما فعل ولكنه كاد ، اى كاد يفعل ، ومن تانى اصاب او كاد ومن عجل اخطا او كاد ، اى كاد يصيب وكاد يخطى ، وقول الشاعر :

ما كان ذنبى فى جار جعلت له ١٦٩

عيشا وقد ذاق طعم الموت او كربا

العاشر : يستعمل عسى مفردة فى جميع الحالات ، وهذا لغة الحجاز نحو قوله تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) ـ ٤٩ / ١١ ، فحكم عسى حينئذ حكمها المذكور فى الامر الخامس ، واما بنو تميم فانهم يجرون عسى مجرى غيرها من الافعال فى هذا الحكم ويقولون مثلا : هند عست ان تاتى ، والرجلان عسيا ان يذهبا ، وهولاء الرجال عسوا ان يقوموا ، فحكمها حينئذ حكمها المذكور فى الامر الرابع.

الحادى عشر : ان هذه الافعال ملازمة لصيغة الماضى الا كاد واوشك وكرب ، ومر بعض الامثلة ، وقيل : الا طفق وجعل وعسى ايضا ، نقل ذلك فى شرح التصريح ، واستعمل اسم الفاعل لثلاثة منها ، وهى كاد واوشك وكرب كما فى هذه الابيات.

ابنىّ انّ اباك كارب يومه ١٧٠

فاذا دعيت الى المكارم فاعجل

اموت اسى يوم الرجام وانّنى ١٧١

يقينا لرهن بالّذى انا كائد

فانّك موشك ان لا تراها ١٧٢

وتعدو دون غاضرة العوادى

واستعمل المصدر لطفق على صيغة طفق وطفوق ، ولكاد على صيغه كود ومكاد ومكادة وكيد ، ولاوشك على صيغة ايشاك على ما ذكر فى شرح التصريح ، وهذا كله باعتبار هذه المعانى ، واما بغيرها فتصرفاتها كسائر الافعال ، وهى تامة مرفوعها فاعل ومنصوبها مفعول.

الثانى عشر : قالوا : يجوز فى عسى كسر السين وفتحها ، وقرا نافع : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ـ ٤٧ / ٢٢ ، بكسر السين.

١١٦

المبحث الخامس

فى النوع الرابع من النواسخ.

اعلم ان الفعل اما مكتف بالفاعل ولا يستدعى مفعولا به ، ويقال له القاصر واللازم وغير المتعدى ، واما يستدعى مفعولا به ، ويقال له : المتعدى ، والمتعدى اما يستدعى مفعولا واحدا او اثنين او ثلاثة ، ومن المستدعى لاثنين ما يكون مفعولاه قبل دخول الفعل مبتدا وخبرا ، ويقال لهذا القبيل : افعال القلوب ، ومنه ما يصير موضوعا ومحمولا بعد تعلق الفعل ، ويقال له : افعال التصيير والتحويل ، ومنه ما ليس كذلك ، وليس له اسم خاص ، ونحن نذكر الاولين فى فصلين.

الفصل الاول

فى افعال القلوب ، وتسمى افعال الجوانح ايضا ، لان الجوانح هى العظام المكتنفة بالقلب ، وقد تستعار للقلب نفسه ، وهى افعال تتعلق بنسبة القضايا كالعلم والظن والاعتقاد والحسبان وغيرها مما ياتى ، ويقال لغيرها افعال الجوارح ، وهى اجزاء البدن التى هى مصادر للافعال المختلفة التى يسمى كل منها باسم خاص ، والفعل غير القلبى اما احساس كالسمع والابصار والشم ، ويقال لها : افعال الحواس ، واما حركة او سكون كالجلوس والضرب ، ويقال لها افعال الاعضاء ، وهذا للانسان ، واما

١١٧

غيره فله اشتراك معه فى بعض الافعال واختلاف فى بعضها ، ومن افعال القلوب ما يتعدى الى مفعول واحد كالارادة والتفكر ، ولسنا هنا بصدده ، والتى نحن بصدده ما يتعلق بمفعولين ، وهى.

١ ـ علم وما يشتق منه

نحو قوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) ـ ٦٠ / ١٠ ، فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ـ ٢٤ / ٣٢ ،(إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً) ـ ٨ / ٧٠ ، وكقول الشاعر.

علمتك الباذل المعروف فانبعثت ١٧٣

اليك بى واجفات الشوق والامل

٢ ـ رأى وما يشتق منه

نحو قوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) ـ ٧٠ / ٧ ، (قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ـ ١٢ / ٣٦ ، (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٦ / ٧٤ ، (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) ـ ١١٠ / ٢ ، وكقول الشاعر.

رايت الله اكبر كلّ شىء ١٧٤

محاولة واكثرهم جنودا

٣ ـ درى وما يشتق منه

دريت وفىّ العهد يا عمرو فاغتبط ١٧٥

فانّ اغتباطا بالوفاء حميد

٤ ـ وجد وما يشتق منه

نحو قوله تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) ـ ٧ / ٤٤ ، (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) ـ ٧ / ١٧.

٥ ـ الفى وما يشتق منه

١١٨

نحو قوله تعالى : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) ـ ٣٧ / ٦٩ ، وقول على عليه‌السلام : لالفيتم دنياكم هذه ازهد عندى من عطفة عنز ، وقوله : يا بنى عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل امير المومنين قتل امير المومنين الا لا تقتلن بى الا قاتلى.

٦ ـ تعلّم بمعنى اعلم

تعلّم شفاء النفس قهر عدوّها ١٧٦

فبالغ بلطف فى التحيّل والمكر

٧ ـ ظنّ وما يشتق منه

نحو قوله تعالى : (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) ، وقال موسى (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) ـ ١٧ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) ـ ١١ / ٢٧ ، وكما فى هذين البيتين.

ظننتك ان شبّت لظى الحرب صاليا ١٧٧

فعرّدت فيمن كان فيها معرّدا

ظننت فقيرا ذا غنى ثمّ نلته ١٧٨

فلم ذا رجاء القه غير واهب

٨ ـ خال وما يشتق منه

كقول على عليه‌السلام فى وصف الغراب : تخال قصبه مدارى من فضة ، وكما فى هذه الابيات.

اخالك ان لم تغمض الطرفذا هوى ١٧٩

يسومك ما لا يستطاع من الوجد

ضعيف النكاية اعداءه ١٨٠

يخال الفرار يراخى الاجل

ما خلتنى زلت بعدكم ضمنا ١٨١

اشكو اليكم حموّة الالم

دعانى الغوانى عمّهنّ وخلتنى ١٨٢

لى اسم فلا ادعى به وهو اوّل

٩ ـ حسب وما يشتق منه

١١٩

نحو قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ،) ـ ١٤ ـ ٤٢ ، (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) ـ ٢ / ٢٧٣ ، وقول على عليه‌السلام فى وصف المتقين : ينظر اليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ، وكما فى البيتين.

وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة ١٨٣

عشيّة لاقينا جذام وحميرا

حسبت التقى والجود خير تجارة ١٨٤

رباحا اذا ما المرء اصبح ثاقلا

١٠ ـ جعل وما يشتق منه

نحو قوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) ـ ٤٣ / ١٩ ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ـ ١٣ / ٣٣ ، وقول على عليه‌السلام فى وصف الخفاش : وجاعلة الليل سراجا تستدل به فى التماس ارزاقها.

١١ ـ حجا

قد كنت احجوا ابا عمرو اخا ثقة ١٨٥

حتّى المّت بنا يوما ملمّات

١٢ ـ عدّ وما يشتق منه

نحو قوله تعالى : (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) ـ ٣٨ / ٦٢ ، وقول على عليه‌السلام فى وصف آخر الزمان : يعدون الصدقه فيه غرما ، وكقول الشاعر.

فلا تعدد المولى شريكك فى الغنى ١٨٦

ولكنّما المولى شريكك فى العدم

١٣ ـ زعم وما يشتق منه

نحو قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ـ ٢٨ / ٦٢ ، اى تزعمونهم شركائى ، وكقول الشاعر.

زعمتنى شيخا ولست بشيخ ١٨٧

انّما الشيخ من يدبّ دبيبا

١٢٠