مفاهيم القرآن - ج ٥

الشيخ جعفر السبحاني

مفاهيم القرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6243-75-4
الصفحات: ٥٣٩

المهاجرين هجرتين ، روي أنّه شرب الخمر وأقام عليه عمر الحد (١).

كما أنّ المشهور أنّ عبد الرحمن الأصغر بن عمر بن الخطاب قد شرب الخمر (٢).

وقد ارتد طلحة بن خويلد عن الإسلام وادّعى النبوّة ، ومثله مسيلمة بن العنسي الكذّاب وأمرهما أشهر من أن يذكر.

إنّ بعض الصحابة خضب وجه الأرض بالدماء ، فاقرأ تاريخ بسر بن أرطاة حتّى أنّه قتل طفلين لعبيد الله بن عباس. وكم وكم بين الصحابة لِدّة هؤلاء من رجال العبث والفساد قد احتفل التاريخ بضبط مساوئهم ، أفبعد هذه البيّنات يصحّ لأيّ ابن أُنثى أن يتقوّل بعدالة الصحابة مطلقاً ويتّخذها مذهباً ويرمي المخالف له ، بما هو بري منه ؟!

والنظرية القويمة المستقيمة هي نظرية الشيعة المنعكسة في الدعاء المروي عن الإمام الطاهر علي بن الحسين عليهما‌السلام ترى أنّه يدعو الله سبحانه في حق أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا لكلّهم ، بل للذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، والذين عاضدوه وأسرعوا إلى وفادته ، وإليك تلك الكلمات المباركة من الصحيفة السجادية :

« اللهم وأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون

__________________

(١) أُسد الغابة : ٤ / ١٩٩ ، وسائر الكتب الرجالية.

(٢) نفس المصدر : ٣ / ٣١٢.

٤٦١

تجارة لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته ، وانتفت منهم القربات إذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس اللّهم ما تركوا لك وفيك ، وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك ، دعاة لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم ، اللّهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا ... » (١).

خاتمة المطاف

إنّ لأبي المعالي الجويني كلاماً حول الصحابة دعا فيه إلى أنّ الواجب ، الكف والإمساك عن الصحابة وعمّا شجر بينهم ، نقله الشارح الحديدي في شرحه على نهج البلاغة كما نقل نقد بعض الزيدية له ، الّذي سمعه من أُستاذه النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى وعشرة وستمائة ببغداد وعنده جماعة ، وما نقله عن أُستاذه رسالة مبسوطة في الموضوع فيها نكات بديعة لا يسعنا إيرادها في المقام ولذلك نقتبس بعضها ، وقد نقل فيها قضايا تعرب عن جريان السيرة على النقد والرد والمشاجرة ، وإليك بعضها :

١. هذه عائشة أُم المؤمنين خرجت بقميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت للناس : هذا قميص رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنّته ، ثم تقول : اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً ، ثم لم ترض بذلك حتّى قالت : أشهد أنّ عثمان جيفة على الصراط غدا.

٢. هذا المغيرة بن شعبة وهو من الصحابة ، ادّعي عليه الزنا وشهد عليه قوم بذلك ، فلم ينكر ذلك عمر ولا قال : هذا محال وباطل ، لأنّ هذا صحابي من

__________________

(١) الصحيفة السجادية : الدعاء الرابع مع شرحه : في ظلال الصحيفة السجادية : ٥٥ ـ ٥٦.

٤٦٢

صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز عليه الزنا ، وهلا أنكر عمر على الشهود وقال لهم : ويحكم هلا تغافلتم عنه لمّارأيتموه يفعل ذلك ، فإنّ الله تعالى قد أوجب الإمساك عن مساوئ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوجب الستر عليهم ؟! وهلاّ تركتموه لرسول الله في قوله دعوا لي أصحابي ؟! ما رأينا عمر إلاّ قد انتصب لسماع الدعوى وإقامة الشهادة وأقبل يقول للمغيرة : يا مغيرة ذهب ربعك ، يا مغيرة ذهب نصفك ، يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك حتّى اضطرب الرابع ، فجلد الثلاثة ، وهلاّ قال المغيرة لعمر : كيف تسمع فيّ قول هؤلاء وليسوا من الصحابة وأنا من الصحابة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ؟ ما رأيناه قال ذلك ، بل استسلم لحكم الله تعالى.

٣. وهاهنا ، من هو أمثل من المغيرة وأفضل ، كقدامة بن مظعون ، لما شرب الخمر في أيّام عمر فأقام عليه الحد ، وهو رجل من علية الصحابة ، ومن أهل بدر المشهود لهم بالجنة ، فلم يرد عمر الشهادة ولا درأ عنه الحد ، لعلّة أنّه بدري ، ولا قال قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذكر مساوئ الصحابة ، وقد ضرب عمر أيضاً ابنه حداً فمات ، وكان ممّن عاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تمنعه معاصرته له من إقامة الحد عليه.

٤. كيف يصحّ أن يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » ، لأنّ هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى ، وأن يكون أهل العراق أيضاً على هدى ، وأن يكون قاتل عمار بن ياسر مهتدياً ، وقد صحّ الخبر الصحيح أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : « تقتلك الفئة الباغية » ، وقال الله سبحانه : ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ ) (١) ، فدلّ على أنّها ما دامت موصوفة

__________________

(١) الحجرات : ٩.

٤٦٣

بالمقام على البغي مفارقة لأمر الله ، ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتدياً ، وكان يجب أن يكون بسر بن أرطاة الّذي ذبح ولدي عبيد الله بن عباس الصغيرين ، مهتدياً ، لأنّ بسراً من الصحابة أيضاً ، وكان يجب أن يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللّذان كانا يلعنان علياً وولديه أدبار الصلاة ، مهتديين ; وقد كان في الصحابة من يزني ، ومن يشرب الخمر ، كأبي محجن الثقفي ; ومن يرتد عن الإسلام ، كطليحة بن خويلد ، فيجب أن يكون كل من اقتدى بهؤلاء في أفعالهم مهتدياً.

٥. هذا الحديث ( أصحابي كالنجوم ) من موضوعات متعصبة الأُموية ، فإنّ لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث ، إذا عجز عن نصرهم بالسيف ، وكذا القول في الحديث الآخر وهو قوله : « القرن الّذي أنا فيه » وممّا يدل على بطلانه انّ القرن الّذي جاء بعده بخمسين سنة ، شر قرون الدنيا ، وهو أحد القرون الّتي ذكرها في النص ، وكان ذلك القرن هو القرن الّذي قتل فيه الحسين ، وأوقع بالمدينة ، وحوصرت مكة ، ونقضت الكعبة ، وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه المنتصبون في منصب النبوة ، الخمور وارتكبوا الفجور ، كما جرى ليزيد بن معاوية وليزيد بن عاتكة ولوليد بن يزيد ، وأُريقت الدماء الحرام ، وقتل المسلمون وسبي الحريم ، واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار ، ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم ، وذلك في خلافة عبد الملك ، وإمرة الحجاج ، وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية ، شراً كلّها لا خير فيها ولا في رؤسائها وأُمرائها ، والناس برؤسائهم وأُمرائهم ، والقرن خمسون سنة فكيف يصحّ هذا الخبر ؟!

٦. فأمّا ما ورد في القرآن من قوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ ) (١) ، وقوله : ( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) (٢) ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الفتح : ١٨.

(٢) الفتح : ٢٩.

٤٦٤

« إنّ الله اطلع على أهل بدر » إن كان الخبر صحيحاً فكله مشروط بسلامة العاقبة ، ولا يجوز أن يخبر الحكيم مكلفاً غير معصوم ، بأنّه لا عقاب فيه فليفعل ما شاء.

٧. من الّذي يجترئ على القول بأنّ أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تجوز البراءة من أحد منهم وإن أساء وعصى بعد قول الله تعالى للّذي شرّفوا برؤيته : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ) (١) ، وبعد قوله : ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وبعد قوله : ( فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ ) (٣) ، إلاّ من لا فهم ولا نظر معه ولا تمييز عنده.

٨. والعجب من الحشوية وأصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء ويثبتون أنّهم عصوا الله تعالى ، وينكرون على من ينكر ذلك ويطعنون فيه ويقولون : قدري ، معتزلي ، وربما قالوا ملحد مخالف لنص الكتاب ، وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادل في هذا الباب فتارة يقولون : إنّ يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة ، وتارة يقولون : إنّ داود قتل أُوريا لينكح امرأته ، وتارة يقولون : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كافراً ضالاً قبل النبوة ، وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الفداء يوم بدر ، فأمّا قدحهم في آدم عليه‌السلام وإثباتهم معصيته ومناظرتهم من ينكر ذلك ، فهو رأيهم وديدنهم ، فإذا تكلم واحد في « عمرو بن العاص » وفي « معاوية » وأمثالهما ونسبهم إلى المعصية وفعل القبيح احمرت وجوههم ، وطالت أعناقهم وتخازرت أعينهم ، وقالوا : مبتدع ، رافضي ، يسب

__________________

(١) الزمر : ٦٥.

(٢) الأنعام : ١٥.

(٣) ص : ٢٦.

٤٦٥

الصحابة ويشتم السلف.

فإن قالوا : إنّما اتّبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب.

قيل لهم : فاتبعوا في البراءة عن جميع العصاة نصوص الكتاب ، فإنّه تعالى قال : ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (١) ، وقال : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ ) (٢) ، وقال : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (٣). (٤)

قتل الخليفة المفترض الطاعة

قد تصافق أهل السير والتاريخ انّ عثمان بن عفان قد حوصر ثم هوجم وقتل في عاصمة الإسلام ، وقد قتله الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، حتّى منعوا عن تجهيزه وتغسيله ودفنه والصلاة عليه ، وهذا إمام المؤرخين يتلو علينا كيفية الإجهاز عليه والهجوم على داره بعد محاصرته قرابة أربعين يوماً.

يقول الطبري : دخل محمد بن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته ... ثم دخل الناس ، فمنهم من يجأه بنعل سيفه ، وآخر يلكزه ، وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في ترقوته ، ودخل آخرون فلمّا رأوه مغشياًعليه جروا برجله ، وجاء التجيبي مخترطاً سيفه ليضعه في بطنه ، فوقته نائلة فقطع يدها ، واتكأ بالسيف عليه في صدره ، وقتل عثمان رضي‌الله‌عنه قبل غروب الشمس.

__________________

(١) المجادلة : ٢٢.

(٢) الحجرات : ٩.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) الشرح الحديدي : ٢٠ / ١٢ ـ ٣٠ والرسالة مبسوطة مفصلة ، أخذنا المهم منها.

٤٦٦

وفي نص آخريقول : طعن محمد بن أبي بكر جنبيه بمشقص في يده ، وضرب كنانة بن بشر مقدم رأسه بعمود ، وضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجبينه ، ووثب عمرو بن الحمق فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات ، إلى آخر ما ذكره (١).

وقد وقعت الواقعة بمرأى ومسمع من معظم الصحابة وليس لأحد أن يتفوّه انّهم لم يكونوا عالمين بها ، فإنّها ما كانت مباغتة ولا غيلة حتّى يكونوا في غفلة عنها ، وقد استدام الحوار أكثر من شهرين والحصر حوالي أربعين يوماً ، كل ذلك يعرب عن أنّهم كانوا راضين بهذه الاحدوثة ، لو لم نقل انّهم كانوا بين مباشر لها ، إلى خاذل للمودي به ، إلى مؤلّب عليه ، إلى مثبط عنه ، إلى راض بما فعلوا ، إلى محبّذ لتلك الأحوال ، كما هو واضح لمن قرأ تاريخ الدار وقتل الخليفة متجرداً عن أهواء وميول أُموية.

فعندئذ يدور الأمر بين أمرين بأيّهما أخذنا يبطل الأصل المزعوم من عدالة الصحابة أجمع.

فإن كان الخليفة ، قائماً على جادة الحق غير مائل عن الطريقة المثلى ، فالمجهزون على قتله والناصرون له فسّاق ان لم نقل انّهم مرّاق عن الدين لخروجهم على الإمام المفترضة طاعته.

وإن كان مائلاً عن الحق ، منحرفاً عن الطريقة المثلى ، مستحقاً للقتل ، فما معنى القول بعدالة الصحابة كلهم من إمامهم إلى مأمومهم ؟

وأمّا تبرير عمل المجهزين عليه ، والهاجمين على داره بأنّهم كانوا عدولاً

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٤٢٣.

٤٦٧

خاطئين في اجتهادهم ، فهو خداع وضلال وتمهل لا يصار إليه ، ولا يركن إليه أيّ ذو مسكة من العقل إذ أيّ قيمة لاجتهادهم ، تجاه نصوص الكتاب العزيز ، قال عز من قائل : ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) (١).

هذا غيض من فيض ، وقليل من كثير من تاريخ الصحابة وأحوالهم ، وهي مشحونة بالصواب والخطأ والهدى والضلال ، ضعه أمام عقلك وفكرك ، فاقض ما أنت قاض ولا تتبع الأهواء.

( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) (٢).

عثرة لا تقال

لمّا انتهت محاضراتنا في البحث عن عدالة الصحابة وقفنا على كتاب باسم « صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأكرم » تأليف الكاتب : السيد أبو الحسن الندوي الهندي ـ أقال الله عثراته ـ وقد بالغ في الذب عن عدالتهم بملفق الكلام وتزويره ، مضافاً إلى ما فيه من بوادر وعثرات أعاد فيها ما سبقه الآخرون من رمي الشيعة الإمامية إلى نسب مفتعلة هم برآء منها ، وكأنّه لم يك يحسب أن يأتي عليه يوم يناقشه قلم التنقيب أو كان غير مكترث لأيّة تبعة ومغبة.

وقد صاغ كتابه هذا في قالب « علم كلام جديد » لم يسبقه إليه أحد من أئمّة الاعتزال وأعلام الأشاعرة ، فأصبح كحاطب ليل رزم في حزمته كل رطب ويابس ولذلك عقدنا الفصل التالي لتتبع عثراته وزلاته ، وإلى الله المشتكى.

__________________

(١) المائدة : ٣٢.

(٢) المائدة : ٤٢.

٤٦٨

٤

صورتان متضادتان

أو

رسالتان متضادتان

دراسة موجزة وتحليل رائع

للشروط اللازمة للرسالة الخالدة والنبوة الدائمة

٤٦٩

في هذا الفصل

١. نظريتان متضادتان حول الشعب الإيراني المسلم.

٢. الحوافز الّتي دعت الكاتب إلى اتخاذ موقفين متضادين.

٣. الملامح العامة للشعب الإيراني في الرسالة الأُولى.

٤. الملامح العامة المناقضة لها في الرسالة الثانية.

٥. النشاطات القرآنية في الجمهورية الإسلامية.

٦. موقف الكاتب من الطغمة الأثيمة وركونه إليها في حلّه وترحاله.

٧. الشرط الأوّل للرسالة الخالدة.

٨. نظرية الكاتب تواكب نظرية الملاحدة : ماركس وانجلس والبهائية.

٩. النبي الأكرم كان ناجحاً في دعوته لا بمعنى عدالة كل من صحبه.

١٠. ارتداد الصحابة على أدبارهم القهقرى في الصحيحين : البخاري ومسلم.

١١. الشرط الثاني للرسالة الخالدة وموقف الشيعة منه.

١٢. حكم الكتاب العزيز والسنّة النبوية في هذا المجال.

١٣. الشرط الثالث للرسالة الخالدة وإصفاق الشيعة والسنّة على صحته وتحقّقه.

١٤. الكتب المؤلفة بيد أعلام الشيعة في صيانة الكتاب من التحريف.

١٥. اعتماد الكاتب على روايات ضعاف لا قيمة لها في سوق الاعتبار.

١٦. نظرية قائد الثورة الإسلامية حول التحريف.

١٧. اقتراح للمتسرعين في الكتابة وطلب إقامة مؤتمر حر في إحدى العواصم الإسلامية.

١٨. الشرط الرابع للرسالة الخالدة وتحليله وما هي مشكلة المسلمين الأساسية.

٤٧٠

« صورتان متضادتان »

أو

« رسالتان متضادتان »

في هذه الظروف الصعبة الّتي تمر بها الأُمّة الإسلامية في كافة أرجاء العالم ويعاني فيها المسلمون من أنواع الابتلاءات والمحن ، وصلنا كتاب باسم « صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم » نشره المجمع الإسلامي العلمي في « لكهنو » في الهند عام ١٤٠٥ ه‍ . ق ـ ١٩٨٥ م ، أُلّف بقلم العالم الأديب السيد أبوالحسن الندوي أصلح الله حاله ، وقد ترجم الكتاب إلى لغات عديدة وتم نشره على نطاق واسع.

والنتيجة الّتي أُريد للقارئ أن يستنبطها من خلال سبر هذا الكتاب ، هي : أنّ هناك أُمّة إسلامية كبيرة باسم الشيعة الإمامية يعتقدون بأُمور ـ على زعم الكتاب ـ لا تجتمع مع شروط النبوة الخالدة والرسالة المستمرة.

والكتاب بمادته وصورته ـ إلاّ ما شذ ـ على غرار الرسائل الكثيرة الّتي أُلّفت على مر القرون بهدف النيل من عقيدة هذه الطائفة ، والّتي أُجيب عنها عشرات المرّات على أيدي المحقّقين وأصحاب البصائر ، والكل يشتمل على نبش الدفائن وإثارة الضغائن ، وما يشق به عصا المسلمين ، وتنفك به أواصر الوحدة بينهم ، مضافاً إلى التهم المفتعلة والنسب الباطلة إلى هذه الطائفة ، وكان المترقب من

٤٧١

كاتب مثل السيد الندوي وخاصة في ظروفنا الحساسة أن يسعى إلى تقريب الخطى بين المسلمين ، وإزالة النعرات الطائفية ذات الضرر العظيم ، والخطر الكبير على الرسالة المحمدية ، ولكن يا للأسف أنّ الكاتب أطلق عنان قلمه في بيان معتقدات هذه الطائفة وتحليلها على نحو لا يناسب مقام الكاتب المتحرّي للحقيقة.

ولعلّه كان مجبراً على اتخاذ تلك المواقف من قبل حكام المنطقة ، أعني : الذين لا يروقهم انتشار الثورة الإسلامية في مناطقهم واندلاعها في بلدانهم.

وأعجب من هذا أنّ الأُستاذ ألّف كتيباً باسم « اسمعي يا إيران » قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران ، ونشرته دار عرفات في الهند عام ١٣٩٣ ه‍ . ق ـ ١٩٧٢ م ، وعندما يقارن بين محتوى الرسالتين ، يقف القارئ على التناقض الواضح بين التحليلين عن شعب واحد في فترتين متقاربتين ، وعندئذ يطرح السؤال نفسه. انّ الرسالة الأُولى كتبت ونشرت قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران ، وكان الترف والتظاهر بالسفور والخمور ، والانحراف التربوي والمظاهر اللادينية ، طاغية على المجتمع ، ومع ذلك كلّه فقد وصف الكاتب الإيرانيين حكومة وشعباً بعكس ما وصفهم بعد قيام الثورة ، فأطرى في الرسالة الأُولى عليهم ، بما يناسب الحكومات المثالية ، والأُمّة المسلمة المتكاملة ، وعندما تحولت الملكية إلى الجمهورية الإسلامية ، تحولت تلك الصفات إلى خلافها ، وهذا من العجيب جداً ؟!

وإليك خلاصة ما في الرسالة الأُولى :

خاطب الأُستاذ في هذه الرسالة الشعب الإيراني على وجه يستظهر منه أنّه الفيلسوف الكبير ، العارف بالداء والدواء ، يريد نصح أبنائه وتلاميذه تحت عنوان « اسمعي يا إيران » وفيها العلماء والقادة ، والحكماء والمفكّرون ، ممّن لا يشق غبارهم

٤٧٢

علماً ، ولا يصل الكاتب مهما جد واجتهد إلى شأوهم ومستواهم ، بقوله بنص عبارته :

« كانت زيارة إيران يونان الشرق أُمنية قديمة كانت تراود النفس ، الفضل في هذه الزيارة وما لقيه أعضاء الوفد من حفاوة بالغة من حكومة إيران الموقّرة والشعب الإيراني المسلم ، والمنظمات الدينية والعلمية والشخصيات البارزة في هذا البلد الكبير ، يرجع إلى رابطة العالم الإسلامي وكان لرئاسة مجلس الأوقاف بإيران ، الّذي يشرف عليه معالي الدكتور « منوچهر آزمون » نائب رئيس وزراء إيران ، الفضل الكبير في تيسير هذه الرحلة ووضع مخططها ، وكانت الأيام العشرة التاريخية الّتي قضاها الوفد في إيران ، حافلة بالزيارات ، واللقاءات ، والرحلات ، والمحاضرات ، وكان التنزل في « پارك هتل » أحد فنادق العاصمة الكبرى ، وقد زار الوفد خلال هذه الأيام عدداً من الوزراء الكبار نخص بالذكر منهم : عباس هويدا رئيس الوزراء ، ومعالي الأُستاذ كاظم زاده وزير التعليم العالي ، ومعالي الدكتور آزمون ، فقد أقام الدكتور حفلة عشاء فاخرة ، تكريماً لأعضاء الوفد في فندق « هلتون » حضرها عدد من الوزراء ، وغيرهم.

ومن المدن الّتي زارها الوفد مدينة طهران وقم ومشهد واصفهان وشيراز ، وقد تجوّل الوفد في أحياء هذه المدن وزار في مدينة مشهد ضريح شاعر إيران الخالد الفردوسي ، كما زار قبر السيد علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ولم يعرف أثراً لضريح هارون الرشيد الّذي دوّى اسمه في الآفاق ، كما زار قبر الشيخ مصلح الدين سعدي ، وقبر الخواجه حافظ ، وتخت جمشيد في شيراز ، وقد عقدت حكومة إيران في هذا المكان « تخت جمشيد » في العام الماضي مهرجاناً بمناسبة مرور ٢٥٠٠ سنة على الامبراطورية الإيرانية حضره رؤساء الجمهوريات وملوك العالم ، وأُنفق

٤٧٣

عليه الملايين من النقود ، وتفاصيل هذا المهرجان لا تقل عن أساطير ألف ليلة وليلة ».

ثم يقول : هذا استعراض مجمل لهذه الجولة الّتي كان لها صدى في القلوب والنفوس (١).

نظرتنا حول هذه الجولة

١. كان اللازم على العالم الإسلامي ، العارف بحلال الإسلام وحرامه ، أن يرفض ضيافة حكومة جائرة زائغة عن الحق ، متسلطة على الشعب بقوة السيف ورعب الإرهاب ، لأنّ في قبول هذه الضيافة تأييداً لها ولأهدافها ، والعجب أنّ الأُستاذ يتقبل تلك الهدية الموهوبة له ولوفده من حكومة ضالّة مضلّة ، ولكنّه عوض أن يرفضها ، أخذ يفتخر بحفلات العشاء ومأدبات الطعام الّتي أُقيمت له في الفنادق الكبرى الّتي أُسست وبنيت من دم الشعب المظلوم.

فلو كان الوفد عارفاً بوظيفته ، عالماً بحدود الإسلام وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ، لاستنكر هذه الضيافات الفاخرة ، بدل الافتخار بها ، كيف ؟!! وفي البلد « بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، وأقدام حافية ».

هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، الأُسوة الحسنة لكل من أراد الاقتداء به ، لمّا بلغه أنّ عامله استجاب دعوة أحد الأثرياء ، كتب إليه : « فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت إليها ، تستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان ، وما ظننت أنّك تجيب دعوة قوم ، عائلهم مجفو وغنيهم مدعو ... فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه ،

__________________

(١) رسالة « اسمعي يا إيران » : ٤ ـ ٢٠ بتلخيص.

٤٧٤

فألفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ... هيهات ، هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

وحسبك داء أن تبيت ببطنة

وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ »

٢. لا يشك من طالع كتب الأُستاذ أو استمع محاضراته ، أنّه من المتأثرين بالوهابية ومن دعاتها ، ومن المعلوم أنّ الوهابية تعتقد بحرمة شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة المعروفة ، تمسكاً بالحديث النبوي : « لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ».

ولكن نسأل الأُستاذ وأعضاء الوفد كيف شدّوا الرحال إلى زيارة قبور أبي حامد الغزالي ، وسعدي الشيرازي ، وخواجه حافظ الدين وقد دفنوا في مشارق إيران ومغاربها ، فقد تجوّل الوفد لزيارة هذه القبور من العاصمة إلى الشرق ، ومنه إلى الجنوب ، ما هذا التناقض بين العقيدة والعمل ، والفكرة والتطبيق ، أفهل يسوغ شدّ الرحال إلى زيارة الشعراء وأصحاب الملحمات ، ويحرم شدّها إلى زيارة ضريح الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وأعجب منه انّ الأُستاذ اشتاق إلى زيارة ضريح هارون الرشيد الّذي سمّ الإمام الطاهر موسى بن جعفر عليه‌السلام وحبس كثيراً من العلويين في سجونه الّتي لا يتميز فيها النهار من الليل ، وكان له من الجنايات والفضائح ما تزخر به كتب التاريخ.

٣. وأعجب من ذلك ، التناقضات الصارخة بين ما جاء في تلك الرسالة في حق الشعب الإيراني وما جاء في الرسالة الثانية في حق هذا الشعب بعد قيام

٤٧٥

الثورة الإسلامية ، مع أنّ الأُمّة هي الأُمّة لم يتغير منها شيء إلاّ النظام السائد عليها في الفترة الأُولى ، فتبدّلت الحكومة الفردية الملكية ، إلى الجمهورية الإسلامية المباركة.

ومقتضى الطبع أن تكون الأُمّة في الفترة الثانية ، أشد تمسكاً بالقيم والأخلاق والكتاب والسنّة وأحرى بالمدح والتمجيد ، ومع ذلك فوصفها في الكتاب الثاني عنهم ، يصور تدهور الشعب الإيراني فيما يرجع الى صلب الدين ، وإليك مقارنة البيانين :

الملامح العامة للشعب الإيراني في الرسالة الأُولى

أ. انّ أوّل شيء بهرنا وأثار فينا الاستغراب مع الإعجاب ، والحيرة مع المسرة هي قوة العاطفة الإسلامية وشدة رغبة إخواننا الإيرانيين على اختلاف طبقاتهم وثقافاتهم في الوحدة الإسلامية والالتقاء على صعيد واحد من جوهر الإسلام ومبادئه الأوّلية ، وأعترف هنا أنّنا لم نكن نتوقع هذه الموجة القوية من حب الوحدة ومد يد الأُخوة والصداقة إلى سائر المسلمين في العالم ، وتكوين جبهة موحدة ضد اللادينية الّتي تتحدى جميع الأديان وجميع القيم الخلقية.

ب. والشيء الثاني ما لمسناه في هذه الزيارة من عناية زائدة بالآثار الإسلامية والتأليف باللغة العربية ، وإحياء التراث الإسلامي ، ونشر آثار علماء الإسلام ، والاعتناء الزائد بالمصاحف الأثرية ، وتزيينها ممّا يدل على التقدير والإجلال والاحترام والاهتمام وقراءة القرآن وأكثره من صوت القرّاء المصريين المسجل في المشاهد والحفلات باحترامها ، وذلك يدل على الإيمان وإجلال القرآن.

٤٧٦

ج. الغيرة الدينية ومحاربة الحركات الهدّامة الثائرة على الإسلام.

د. دماثة الخلق ورقّة العاطفة وكرم الضيافة والتواضع الزائد الّذي يلقى به المسلم الإيراني أخاه الوافد من بلاد الإسلام ، وإشعاره بأنّه بين إخوانه وأحبّائه وفي بلده (١).

الملامح العامة للشعب الإيراني في الرسالة الثانية

هذا ما عرّف به الكاتب الشعب الإيراني بما أنّهم يمثلون مذهب الشيعة الإمامية في المجتمع الإسلامي ، وإليك ما يذكره الأُستاذ عنهم في الرسالة الثانية كأنّه نسى ما ذكره في أُولاهما :

يقول :

١. « ونتيجة لما مر من آراء ومعتقدات الشيعة عن القرآن الكريم ، فانّهم لا يهتمون بالقرآن ولا يرتبطون به عملياً ، وانّ الشيعة لا يوجد فيهم حفظة القرآن ، وذلك نتيجة نفسية الشك في صحة القرآن الكريم وأصالته ، وقد جربت ذلك شخصياً لدى رحتلي إلى إيران عام ١٩٧٣ م » !!

بالله عليك أيّها الأُستاذ ، لو كان الشعب الإيراني ـ كما زعمت ـ شاكاً في صحة القرآن الكريم ، فما معنى قولك في الرسالة الأُولى في الفقرة الثانية : « الاعتناء الزائد بالمصاحف الأثرية وتزيينها ... وذلك يدل على الإيمان وإجلال القرآن » فهل يجتمع الإيمان بالقرآن مع الشك فيه ؟!!

كيف تتهم الإيرانيين بعدم الاهتمام بالقرآن وحفظه وقد وقف الأصم

__________________

(١) اسمعي يا إيران : ٢٠ ـ ٢٣ بتلخيص.

٤٧٧

والأبكم فضلاً عن السميع والبصير على أنّهم شاركوا في مسابقات عديدة لقراءة القرآن وحفظه في البلاد الإسلامية المختلفة وفازوا بالرتب الأُولى ، مرة بعد أُخرى ، وأحياناً كانوا في الدرجة الثانية من الفائزين ، ونحن نكتب هذه السطور انعقدت مسابقة دولية لتلاوة القرآن وحفظه في مسجد الإرشاد في طهران ، اشترك فيها قرّاء من ٢٦ بلداً إسلامياً آسيوياً وأفريقياً ، وتستغرق المسابقة خمسة أيام ، وذكرت الأنباء أنّ سيرلانكا ، ماليزيا ، تنزانيا ، موريتانيا ، عمان ، الهند ، غانا ، باكستان ، سورية ، بالإضافة إلى عدد آخر من الأقطار المسلمة ، قد بعثت مشاركين إلى المؤتمر ، وتقيم الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها ولحد الآن مسابقات دولية سنوية لحفظ وقراءة وتفسير وبيان مفاهيم القرآن الكريم بمناسبة عيد المبعث النبوي في ٢٧ رجب ، وكان آخرها المسابقة الّتي أُقيمت في طهران هذا العام ( ١٤٢٠ ه‍ ).

وهذه هي إذاعة القرآن الّتي أُسست بصورة مستقلة في الجمهورية الإسلامية وتبث القرآن قراءة وتعليماً وعلوماً عدة ساعات كل يوم ، فهو خير شاهد على ما قلناه.

وهؤلاء هم حفظة القرآن في عاصمة الجمهورية الإسلامية ، وسائر بلدانها يقرأون القرآن في المجالس والمحافل عن ظهر القلب ، ويشتركون في المسابقات الدولية والمؤتمرات العالمية ويفوزون وهم بين طفل لم يبلغ الحلم ، أو شاب يافع ، أو كهل ، أو شيخ طاعن في السن.

النشاطات القرآنية في الجمهورية الإسلامية

على الرغم ممّا نسب الكاتب إلى الشعب المسلم في إيران من عدم إيمانه بصحة القرآن الكريم والقول بتحريفه ، فنحن نجد في هذا البلد الإسلامي

٤٧٨

نشاطات واسعة وجادة حول القرآن الكريم بعد الثورة الإسلامية قلمّا يوجد لها نظير في سائر العواصم والبلاد الإسلامية.

ونحن نشير إلى أبرز هذه النشاطات باختصار ، مضافاً إلى ما أشرنا من تأسيس إذاعة خاصة بالقرآن :

١. تأليف ووضع دائرة المعارف القرآنية تضم كل المعلومات الّتي ترتبط بالقرآن الكريم.

٢. فتح جناح خاص بكنوز القرآن يضم أقدم المخطوطات القرآنية ، وذلك في مؤسسة دار القرآن الكريم في قم وطهران.

٣. تأسيس مؤسسة خاصة باسم « بنياد قرآن » منذ سنين تهتم بنشر كل ما يرتبط بالقرآن ويدور حوله من مؤلفات ، وقد طبعت إلى الآن عشرات الكتب والرسائل لمختلف علماء الإسلام.

٤. الاهتمام بتعليم القرآن بطريقة سريعة وميسرة ، وذلك بابتكار طريقة تتكفل تعليم قراءة القرآن لغير الناطقين بالعربية خلال ثلاين ساعة أو أقل من ذلك.

٥. تأليف كتاب يضم أكثر من ثلاثمائة حديث مروياً عن النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام تحت أبواب مختلفة باسم « القرآن في أحاديث النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين » تأليف جعفر الهادي ، وقد أُلّف للحث والتشجيع على تعلّم القرآن الكريم والعناية به قراءة وحفظاً وتجويداً ، طبعته مؤسسة تحفيظ القرآن الكريم في طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية ، مرة في القاهرة ، ومرات في إيران ، ووزّع في كثير من البلاد الإسلامية.

والروايات المتضافرة المنقولة في هذا الكتاب تمثل نظرية أهل البيت

٤٧٩

وشيعتهم في القرآن الكريم : ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) ، وأي باطل أشوه وأفظع من تطرق النقصان إليه ، سبحانك أنت القائل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) ، وأنت حفظته من إبطال المبطلين.

٢. وأضاف قائلاً : « إنّ مكتبات الاثنا عشرية لا تحتوي على آثار ونماذج كثيرة لخدمة القرآن والتأليف بمختلف مطبوعاته ولاتشهد بالحركة العلمية القوية في باين إعجازه وما يشتمل عليه من علوم وحقائق » !!

أقول : لو كانت مكتبات الشيعة الإمامية على ما وصفت ، فما معنى قولك في الفقرة الثانية من الرسالة الأُولى : « والشيء الثاني ما لمسناه في هذه الزيارة من عناية زائدة بالآثار الإسلامية والتأليف باللغة العربية وإحياء التراث الإسلامي ونشر آثار علماء الإسلام والاعتناء الزائد بالمصاحف » ؟!!

إنّ الشيعة الإمامية تهتم بالقرآن الكريم ، لأنّه الثقل الأكبر الّذي تركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الأُمّة وانّ الكتب والرسائل الّتي أُلّفت بيد تلك الأُمّة حول القرآن الكريم تتجاوز المئات ، وانّ الفهارس المطبوعة تغنينا عن طرح أسمائها.

إنّي لأعذر الأُستاذ في عدم وقوفه على كتب الشيعة في التفسير وعلوم القرآن وتبيين طرق إعجازه ، إذ ليست بينه وبينهم أية صلة ، حتّى أنّه بعد زيارته إيران لم يلتق بالعلماء الربّانيين الذين كرّسوا حياتهم لخدمة العلوم والمسائل الإسلامية ولم يلتق إلاّ بمن سمحت مديرية الأوقاف بزيارته ولقائه ، ولم يزر المكتبات العامة الكبيرة المليئة بنفائس الكتب المخطوطة والمطبوعة ، ولم يجالس علماء الشيعة

__________________

(١) فصلت : ٤١ ـ ٤٢.

(٢) الحجر : ٩.

٤٨٠