أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

عامر الحلو

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

المؤلف:

عامر الحلو


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات مركز أهل البيت عليهم السلام الثقافي الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

لو قلنا أن النهار يبرهن على النور ] ١ .

« ولا تجعل للشيطان فيه عليّ سبيلاً »

و [ الشيطان معروف ، وكل عاتٍ متمردٍ من الأنس والجن والدواب شيطان ] ٢ .

وهو : الذي يزين للإنسان عمل السوء ، ويجره إليه فإذا فعله تخلى عنه وخذله ، قال تعالى : ( وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ٣ .

وقد عَلم النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه كي يطردوا الشيطان فقال : « إلا أخبركم بشيء أن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق عن المغرب ؟ »

قالوا : بلى

قال : « الصوم يُسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحب في الله والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه » ٤ .

وقال الإمام علي عليه‌السلام : « ذكر الله مطردة للشيطان » وقال : « ذكر الله دعامة الإيمان وعصمة من الشيطان » ٥ والسبيل هو الطريق ، قال تعالى : ( قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي ) ٦ .

وقال تعالى : ( وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ) ٧

__________________

١ ـ حوار مع صديقي الملحد : ٩

٢ ـ مختار الصحاح : ٣٣٨

٣ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٤٣

٤ ـ بحار الأنوار : ٦٩ / ٣٨٠

٥ ـ التفسير المعين : ١٣٣

٦ ـ سورة يوسف ، الآية : ١٠٨

٧ ـ التفسير المعين : ٥٠٧

٨١
 &

والسبيل أيضا السبب ، قال تعالى : ( يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) ١ .

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وأجعل الجنة لي منزلا ومقيلا »

الجنة ـ لغة ـ البستان ، ومنه الجنات ، والعرب تُسمي النخيل جنة ، وجنة الله تعالى التي أعدت للمتقين عرضها كعرض السماوات والأرض ، قال تعالى : ( سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) ٢ ، قال المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات » ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أكثر ما تلج به آمتي الجنة تقوى الله ، وحسن الخلق » ، وقال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « الدنيا دار الأشقياء ، والجنة دار الأتقياء » ، وقال الإمام جعفر الصادق عليهم‌السلام : « ثلاث من أتى الله بواحدة منهن أوجب الله له الجنة الأنفاق من إقتار ، والبُشر لجميع العالم ، والأنصاف من نفسه » ٣ .

والنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو الله أن تكون الجنة له منزلاً ومؤلاً ومعاداً يكون فيه النعيم الأبدي ، والسعادة الدائمة .

« يا قاضي حوائج الطالبين »

والحوائج جمع حاجة ، وتجمع على حاجات ، وحوائج العباد بين يدي رحمة الله فهو القادر دون غيره على قضائها

__________________

١ ـ سورة الفرقان ، الآية : ٢٧

٢ ـ سورة محمد ، الآية : ٥ ـ ٦

٣ ـ التفسير المعين : ٥٠٧

٨٢
 &

وقضاء حوائج العباد التي يقدر المرء على قضائها من أفضل الأعمال لأن الله يسخر بعض عباده لقضاء حوائج المحتاجين ، وقد وردت في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم‌السلام حيث يقول الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة » .

وقال عليهم‌السلام : « من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة » .

قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام : « أن الله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة » ١ .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٧٤ / ٣١٩

٨٣
 &

دعاء اليوم الثاني والعشرين :

« اللهم أفتح لي فيه أبواب فضلك ، وأنزل عليّ فيه بركاتك ، ووفقني فيه لموجبات مرضاتك ، وأسكني فيه بحبوحات جناتك يا مجيب دعوة المضطرين »

أضواء على هذا الدعاء :

« اللهم افتح لي فيه أبواب فضلك »

جعل المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعائه هذا لفضل لله تعالى أبوابا وهذه الأبواب يطرقها الأولياء بالطاعة ، والإنابة ، والعبادة ، ويدعو الله أن تكون هذه الأبواب مفتوحة لينهل المؤمن من فضل الله سبحانه وما أكثر أبواب فضل الله وما أوسعها للطالبين ، والراغبين ، والمطيعين .

وأبواب فضله سبحانه هي أبواب رحمته التي وسعت كل شيء وجميع المخلوقات ، وأبواب فضل الله وسعتها لا يمكن ان تملأ من علمنا القاصر المتناهي لسعتها اللا متناهية .

ومن أبواب فضل الله أن خلقنا وأمدنا بالحياة ، والصحة ، والرزق لنحيا ، ونبقى ، ونعمر الأرض لنا ولغيرنا ، وأن هدانا وأصلح أمرنا ووفقنا للإيمان ، والإسلام ، والاستقامة ، والولاية لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين فكل ذلك بفضل من الله ، وتأييده ، وتوفيقه .

ثم قال المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٨٤
 &

« وأنزل عليّ فيه بركاتك »

ولولا بركات الله لما أستطاع المرء أن يعيش ويبقى ، ولن يستغني العبد عن بركات رب العالمين ، ولكن المقصود هنا بالبركات ، هي : البركات المعنوية كالإيمان ، والصلاح ، والهداية التي لولاها لما استمر الإنسان في طاعة ربه وعبادته ، ومنها : الصيام تلك العبادة التي يكابد الإنسان خلالها ببعض النصب والمشقة ، ولذلك قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ١ .

وفي ذلك تخفيف للنصب والمشقة التي يُعانيها الصائم أثناء صومه خصوصا في الحر الشديد ، والساعات الطوال ، والعمل الشاق الذي يقوم به الإنسان الصائم في حياته لدنياه .

وقد قيل للأحنف بن قيس ، أتصوم هذا اليوم مع شدة الحر ؟!

قال : [ صمت ليوم أشد منه حرا ]

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ووفقني فيه لموجبات مرضاتك »

أي وفقني لما يوجب رضاك عني ، وما أكثر ما يوجب مرضاة الله تعالى سواء ما يقدمه الإنسان من عمل عبادي لنفسه ، أو ما يقدمه من أعمال للناس ويتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ومنها إفطار الصائم ، وإكرام الضيف ، والمسح على رأس اليتيم ولتحنن عليه ، والمشي والعسي في قضاء حوائج الناس وكل ذلك يوجب مرضاة الله تعالى ، ويجعل الإنسان قريبا من رحمته ورضوانه .

__________________

١ ـ سورة البقرة : ١٨٣

٨٥
 &

ثم ينتقل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الفقرة التالية من الدعاء : فيقول :

« واسكني في بحبوحات جناتك »

وهذا نظير ما تقدم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأجعل الجنة لي منزلا ومقيلا » .

ولغة يقال : [ بُحبُوبة الدار وسُطها ] ١ ، والوسط يكون عادة أوسع وأرحب من غيره من أجزاء الدار ، والمقصود بالدعاء أسكني يا ربي في وسط جناتك لأنها أرحب وأوسع ، ولا يحصل الإنسان على ذلك إلا بالجهد والمكابدة ، وأن يحبس نفسه على طاعة الله ، ويصبر عن معاصيه .

« يا مجيب دعوة المضطرين »

ومن غير الله تعالى يجيب دعوة المضطر ، وهو القائل : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) ٢ ، والإجابة والاستجابة بمعنى واحد ، ومنه استجاب الله دعائه مأخوذة من إجابة عن سؤاله ، والمضطر يسأل الله وينتظر الإجابة ، والله هو المجيب له ، والدعوة هنا تعني الدعاء وجمعه أدعية ، قال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ٣ .

و [ المضطر ، هو : المحتاج إلى الشيء الملتجأ لغيره لخلاصه منه ، ويقال رجل ذو ضرورة ، أي : ذو حاجة ، وجمع المضطر مضطرون ] ٤ .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤١

٢ ـ سورة النمل ، الآية : ٢

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٦

٤ ـ مختار الصحاح : ٣٧٩

٨٦
 &

دعاء اليوم الثالث والعشرون :

« اللهم أرزقني فيه فضل ليلة القدر ، وصير أموري فيه من العسر إلى اليسر ، واقبل معاذيري وحطَّ عني الذنب والوزر يا رؤوفا بعباده الصالحين »

أضواء على هذا الدعاء :

١ ـ قال الشيخ القمي في المفاتيح : [ اختلفت كتب الدعوات في تقديم بعض الدعوات والعبادات على بعض ، والرواية في ذلك غير معتبرة عندي لذلك لم أتعرض لشيء منه وقد ذكر الكفعمي دعاء اليوم السابع والعشرين لليوم التاسع والعشرين ولا يبعد أن تكون الأنسب على مذهب الشيعة الدعاء في الثالث والعشرين ] ١ .

٢ ـ وقد سئل المرحوم المرجع الراحل السيد الخوئي قدس‌سره عن ليلة القدر ، فقال : [ هي في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك ] .

ولذلك جعلت هذا الدعاء لليوم الثالث والعشرين .

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في دعائه :

« اللهم أرزقني فيه فضل ليلة القدر »

وفضل ليلة القدر لا يعلمه إلا الله تعالى ، وهو القائل : ( لَيْلَةُ

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ٣١٥

٨٧
 &

الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ١ ، وقال : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )

وليلة القدر هي قلب شهر رمضان المبارك ، وهي ليلة مميزة عن كل ليالي السنة بل هي خير من ألف شهر ، وهي خير وبركة لأنها فاتحة عهد جديد بالنسبة للعرب والبشرية ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل العشر الأخير من شهر رمضان شدّ مئزره ، وأحيا ليلة القدر ، وأيقظ أهله ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » ، وأهل بيته يعلمون ليلة القدر .

قال الإمام محمد الباقر عليه‌السلام لأبي الهُذيل : « يا أبا الهُذيل لا تخفى علينا ليلة القدر أن الملائكة يطوفون بنا فيها » ٣ .

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وصير أموري فيه من العسر إلى اليسر »

باعتبار أن الله تعالى يقدر في ليلة القدر ما شاء من أمره إلى السنة القابلة ، من أمر الموت ، والأجل ، والرزق ولذلك سميت ليلة القدر على بعض الأقوال وهي كثيرة .

والأمور هنا هي المطالب ، والمقاصد ، والحاجات ، وما يتعلق منها في أحوال الدنيا والآخرة ، والله تعالى يجعل لوليه بعد الضيق والشدة فرجا ، وبعد العسر يسرا ، قال تعالى :

__________________

١ ـ سورة القدر ، الآية : ٣

٢ ـ سورة الدخان ، الآيتان : ٣ ـ ٤

٣ ـ كشف الغمة : ٢ / ٣٥١

٨٨
 &

( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) ١ .

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وأقبل معاذيري وحطَّ عني الذنب والوزر »

والمعاذير والأعذار شيء واحد ، وهي : جمع عذر ، فإذا أعتذر الإنسان من ذنبه وأقلع عنه فإن الله تعالى قابل التوبة من عباده ، وقد قال علماء الاجتماع : [ أن التوبة أبلغ أنواع الاعتذار ] .

والله تعالى يحث الإنسان على التوبة والاعتذار من المعاصي ترغيبا منه تبارك وتعالى لعباده بالطاعة ، وإنقاذا لهم من العقاب ، ففتح لهم باب التوبة والعفو الإلهي لكي يفتحوا لهم صفحة جديدة ، وسجلا آخر وعند ذلك يحطَّ عنهم الذنوب والأوزار إذا كانوا صادقين في التوبة غير عائدين إلى المعصية ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) ٢ .

ويختم النبي الأعظم دعائه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا رؤوفا بعباده الصالحين »

والله تعالى من أسمائه الحسنى الرؤوف الذي يرأف بعباده ، وهو أرأف وأرحم عليهم من أي قريب إليهم ، والمؤمن يستمطر رحمة الله وينتظر منه الرأفة والرحمة ، وإذا لم يرأف الله تعالى بالمؤمنين بمن يرأف إذن ؟! .

__________________

١ ـ سورة الشرح ، الآية : ٨

٢ ـ سورة التحريم ، الآية : ٨

٨٩
 &

وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام قوله : « وكن اللهم بعزتك لي في كل الأحوال رؤوفا ، وعليّ في جميع الأمور عطوفا » .

وقوله أيضا في نفس الدعاء : « يا مولاي فكيف يبقى في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك ورأفتك ، أم كيف تؤلمه النار وهو يأملُ فضلك ورحمتك » ١ .

__________________

١ ـ مفتاح الجنة : ٥٠

٩٠
 &

دعاء اليوم الرابع والعشرين :

« اللهم أن أسألك فيه ما يُرضيك ، وأعوذ بك مما يؤذيك ، وأسألك التوفيق فيه لأن أطيعك ولا اعصيك يا جواد السائلين »

أضواء على هذا الدعاء :

سبق أن تكرر هذا المعنى في الأدعية المتقدمة مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم أجعل لي إلى مرضاتك سبيلا » ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا : « ووفقني فيه لموجبات مرضاتك »

وكل ما يرضي الله تعالى من العبد ، هو : الالتزام بأوامره ، والانتهاء عن نواهيه ، فمن فعل ذلك فقد استحق رضا الله تبارك وتعالى .

ولا شك أن هناك أمورا آخرى تدخل في سجل ما يُرضي الله تعالى غير ما ذكرنا مثل إدخال السرور على قلوب المؤمنين ، وزيارة مرضاهم ، والسعي في قضاء حوائجهم وغير ذلك .

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وأعوذ بك مما يؤذيك »

وهنا يتعوذ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالله عز وجل مما يؤذيه ، أي : يُسخطه ويغضبه بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أسألك فيه ما يرضيك » ، والذي يقابل الرضا هو الغضب والسخط لا غير وإلا فإن

٩١
 &

الله تبارك وتعالى أجل من أن يؤذيه شيء ، وهذا ما أفهمه من فقرات هذا الدعاء .

و [ الاستعاذة مأخوذة ـ لغة ـ عاذ به واستعاذ به لجأ إليه ، وهي : عياذه ، أي : مُلجؤه ، وقولنا معاذ الله ، أي : أعوذ بالله أي : الجأ إليه وأستجير به ] ١ .

وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعاء آخر : « اللهم أني أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون ، وأسألك خير ما سألك عبادك الصالحون » ٢ .

وفي القرآن الكريم سورتان تسميان المعوذتين أولها سورة [ الفلق ] والتي تبدأ بقوله تعالى : ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، والثانية سورة [ الناس ] التي تبدأ بقوله تعالى : ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )

ثم ينتقل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الفقرة الثالثة من الدعاء فيقول :

« وأسألك التوفيق فيه لأن أطيعك ولا اعصيك »

ولا شك بأن توفيق الطاعة من الله تعالى بتوسط إرادة العبد الذي وطن نفسه على الطاعة فوفقه الله إليها وهداه لها فإذا كان المرء في طريق الطاعة والاستقامة فإن الله تعالى يزيد في توفيقه وهدايته فيستمر عليها ويواظب في طاعته لأنه أصبح أهلا للتوفيق ، وهو النجاح والفوز والفلاح في الأعمال فإذا حصل للإنسان ذلك التوفيق وتلك الهداية فإنه يبتعد عن ساحة معصية الله تعالى كل البعد ، ويكون من أهل

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٦١

٢ ـ عمدة الزائر : ٢٦١

٩٢
 &

طاعته فقط ، ولم يكن في ذهنه تفكر في الذنوب والمعاصي . ويختم النبي الأكرم دعائه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا جواد السائلين »

والجواد ، هو : الكريم الذي يتكرم على الناس ويجود والله تعالى هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، والسائل صاحب المسألة والحاجة لا يلجأ إلا لله تعالى طالبا قضاء حاجته وحل مسألته فيطرق باب أجود السائلين فهو أجود من سُئل وخير من أعطى يُعطي من سأله ومن لم يسأله تحننا منه ورحمة .

٩٣
 &

دعاء اليوم الخامس والعشرين :

« اللهم أجعلني فيه محبا لأوليائك ، ومعاديا لأعدائك مستنا بسنة خاتم أنبيائك يا عاصم قلوب النبيين »

أضواء على هذا الدعاء :

« اللهم أجعلني فيه محبا لأوليائك ، ومعاديا لأعدائك »

والحب والبغض يجب أن يكونا لله وفي الله وحب الله يستوجب حب أوليائه ويستوجب أيضا بغض أعدائه ، وهو دليل الإيمان والالتزام بالمبادئ والقيم السماوية ، ولا يمكن أن تجتمع محبة الله ومحبة أعدائه في قلب واحد ، وكذلك لا يمكن أن تجتمع محبة أولياء الله ومحبة أعدائه في قلب واحد .

قال تعالى : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) ١ .

ويروى أن الله أوحى إلى موسى هل عملت لي عملا ؟

فقال : « إلهي أني صليت لك وصمت وتصدقت وزكيت »

فقال : « أن الصلاة لك برهان ، والصوم جُنة ، والصدق ضل والزكاة نور فأي عمل عملت لي ؟! »

قال : موسى « إلهي دُلني على عمل هو لك »

__________________

١ ـ سورة المجادلة ، الآية ٢٢

٩٤
 &

قال : « يا موسى هل واليت لي وليا قط ، وعاديت لي عدوا قط ؟ »

فعلم موسى أن أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله .

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أتدرون أي عُرى الإيمان أواثق ؟ » قلنا : الصلاة .

قال : « الصلاة حسنة وليست بذلك »

قلنا : الصيام .

فقال : مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد .

فقال : مثل ذلك .

قلنا : أخبرنا يا رسول الله ؟

قال : « أواثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض فيه ، ولو ان رجلا صام النهار ولا يُفطر ، وقام الليل لم ينم ، وجاهد ولم يُحب في الله ويبغض في الله ما نفعه ذلك شيء » ١ .

وعن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله »

وفي مكارم الأخلاق للطبرسي عن المعصوم عليه‌السلام : « من تولى جائراً في جوره كان قرين هامان في جهنم »

ويروى عن الحسن البصري قوله : [ مصارمة الفاسق قربان إلى الله عز وجل ] .

__________________

١ ـ النصائح الكافية : ١٥٦

٩٥
 &

وقال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « إياك أن تُحب أعداء الله أو تُصفي ودك لغير أولياء الله فإن من أحب قوما حُشر معهم »

وقال الإمام الحسن السبط عليه‌السلام : « القريب من قربته المودة وأن بَعُد نسبه ، والبعيد من باعدته المودة وأن قَرُبَ نسبه » وعن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام أنه قال : « البِشر الحسن ، وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله ، وعبوس الوجه وسوء البِشر مكسبة للمقت وبعد من الله » وقال جعفر الصادق عليه‌السلام : « ثلاث تورث المحبة : الدين ، والتواضع ، والبذل » ١ .

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« مستنا بسنة خاتم أنبياءك »

أي : متبعا سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي : المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن عند المسلمين ، وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله ، وفعله ، وتقريره وقد يقول قائل أن الدعاء وارد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يطلب من الله أن يجعله مستنا بسنته ؟

والجواب على ذلك : لأن سنة النبي ليست ملكا له ولا خاصة به فهي لعموم المسلمين ، وهو : سيدهم .

وقد يكون ذلك من باب تعليم المسلمين حتى يلتزموا بالسنة ولا يخالفوا لها أمرا .

لأن مَن يخالف أمراً أو نهياً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد خالف الله

__________________

١ ـ التفسير المعين : ٦٥

٩٦
 &

وعصاه لأن الله يقول : ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ) ١ وقال : ( وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ ) ٢ ، ومخالفة الرسول ومعصية ما يصدر عنه مخالفة لله تبارك وتعالى .

ثم يختم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعائه بقوله :

« يا عاصم قلوب النبيين »

فالأنبياء عليهم‌السلام معصومون والله تعالى عصمهم من الذنوب والمعاصي والأخطاء لأنهم قادة وهُداة ، وهم : يهدون غيرهم إلى الصواب والصلاح فكيف يتصور في حقهم الانحراف أو الانزلاق والأخطاء ، والله تعالى وجد فيهم الاستعداد لذلك فعصمهم من الذنوب وكل ما لا يناسب مقامهم الديني والروحي والتبليغي المؤثر في الأمم والشعوب .

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « من ألهم العصمة أمن الزلل » .

وقال : « من اعتصم بالله لم يضره الشيطان » ٣ .

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٨٠

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٣٢

٣ ـ التفسير المعين : ٢٤١

٩٧
 &

دعاء اليوم السادس والعشرين :

« اللهم اجعل سعيي فيه مشكورا ، وذنبي فيه مغفورا ، وعلمي فيه مقبولا ، وعيبي فيه مستورا يا أسمع السامعين »

أضواء على هذا الدعاء :

« اللهم اجعل سعيي فيه مشكورا »

أي أجعل عملي من صيام ، وقيام ، وتلاوة القرآن ، وسائر الفرائض والمستحبات مشكوراً ، أي : مقبولاً لديك ، ويقال : دائماً شكر الله سعيك .

والسُعي مأخوذ من قولهم : سعى سعياً ، أي : عدا وكذا إذا عمل وكسب .

و [ من أعمال الحج السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط تختتم في عمرة التمتع بالتقصير ، أي : أخدُ شيء من الشعر ، أو الأظافر ، ولكن الأحوط عدم الاكتفاء بأخذ شيء من أظافر اليد أو الرجل ، وتأخير الإتيان به عن الأخذ من الشعر ] ١ .

ويكون السعي هذا بعد الطواف وركعتيه ، وهناك سعي آخر هو لحج التمتع يكون بعد طواف الحج وركعتيه ، ويكون بعد الوقوفين بعرفات ومِنى .

وشكر الله لعباده ، هو : قبوله بلطفه أعمالهم الصالحة .

__________________

١ ـ مناسك الحج : ١٧٨

٩٨
 &

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وذنبي فيه مغفورا »

فشهر رمضان شهر التوبة ، والمغفرة ، والإنابة ، والعودة ، والرجوع إلى الله تعالى ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته الشهيرة التي أستقبل بها شهر رمضان وهي من بليغ كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة ، والرحمة ، والمغفرة » ، وقال : « أن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم » ١ .

والله تعالى يغفر ذنوب العباد إذا أقلعوا عنها وتركوها ، ويروى أن عيسى بن مريم عليه‌السلام مر على قوم يبكون ، فقال : « ما لكم تبكون ؟ »

قالوا : نبكي لذنوبنا

فقال : « أتركوها تُغفر لكم » .

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُعلم بذلك أمته وإلا ليس للنبي ذنب .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وعملي فيه مقبولا »

وكل عمل يقوم به المرء ويكون خالصا لوجه الله تعالى سيكون مقبولا عند الله ، وعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم هو العبادة من صوم ، وصلاة ، وهداية الناس وإرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم وكل ذلك عمل مقبول عند الله تبارك وتعالى

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ٢٣٥

٩٩
 &

« وعيبي فيه مستورا »

والعيب ، هو : الشيء المستقبح الذي لا يمكن إظهاره ، ولا بد من ستره ، والله تعالى هو ستار العيوب وغفار الذنوب

والإنسان يجب عليه أن يفتش عن عيوبه ليسترها قبل أن يتحدث عن عيوب الآخرين ، قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه » ١

وقال : « أعقل الناس من كان بعيبه بصيرا ، وعن عيب غيره ضريرا » ، وقال أيضا : « من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره » ٢ .

ثم يختم الدعاء بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا أسمع السامعين »

والله تعالى ، هو : أسمع السامعين ، وأبصر الناظرين ، وقد تفضل الله على الإنسان أن جعله سميعا بصيرا حيث يقول تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) ٣ .

وقال : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) ٤ ، وقال : ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) ٥ .

وقال : ( وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ٦ .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٧٧ / ١٢٦

٢ ـ التفسير المعين : ٦٠٣

٣ ـ سورة الإنسان ، الآية : ٢

٤ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٣٦

٥ ـ سورة مريم ، الآية : ٣٨

٦ ـ سورة النحل ، الآية : ٧٨

١٠٠