عامر الحلو
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات مركز أهل البيت عليهم السلام الثقافي الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٠
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى ١٤٢٦ هـ ـ ٢٠٠٥ م
منشورات مركز أهل البيت عليهم السلام الثقافي الإسلامي فيينا ـ النمسا التنضيد والإخراج الفني : دار المودة
بسم الله الرحمن الرحيم
طبع على نفقة الدكتور المحسن الفاضل : ( طاهر مسلم عبد الحسين ) رحم الله من يقرأ الفاتحة لروح والده
تَمهيد :
يسر مركز أهل البيت عليهمالسلام الثقافي الإسلامي في ـ فيينا ، بالنمسا ـ أن يقدم للقراء الكرام هذا الجهد الإيماني والروحي بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك .
وذلك ليطلعوا على ثروة عقائدية ، وأخلاقية ، وتربوية . حفلت بها أدعية موجزة مأثورة عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد رواها عنه الصحابي الجليل :
( عبد الله بن عباس رضياللهعنه )
ونحن نحاول قدر الإمكان أن نشرحها شرحاً مختصراً موجزاً ، لكي تكون في متناول أيدي القراء لينعموا بعطائها الثر ، وزادها المفيد ، فخير كلام بعد كلام الله تعالى كلام نبيه الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكيف إذا كان الكلام بصيغة الدعاء ، الذي يستوجب الخشوع والتذلل لله سبحانه في شهر رمضان المبارك ، شهر الطاعة والمغفرة ، والعبادة ، والابتهال .
ونسأل الله التوفيق والسداد وللأخوة القراء الأعزاء الفائدة والمنفعة لدينهم ودنياهم ، والله من وراء القصد .
ولابد من الإشارة إلى التشجيع الذي لقيناه من العلامة الجليل السيد : ( محمد سعيد الخلخالي ) ، لإنجاز هذا العمل المتواضع فجزاه الله خيرا ورحم الله أباه الشهيد السيد :
( محمد رضا الخلخالي )
وثواب هذا العمل لروحه فذكروه بالفاتحة .
صاحب الأدعية :
هو النبي الأعظم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أشرف خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين .
ولد يتيما فآواه ونصره بجده عبد المطلب ، وعمه أبي طالب ، قال تعالى : ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ) ١
وقد سئل الإمام : زين العابدين عليهالسلام لما أوتم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ ، من أبويه .
فقال : « لئلا يوجب عليه حق المخلوق » ٢
وأشهر أسمائه : محمد ، وقد نطق به القرآن المجيد في أكثر من آية ومنها قوله تعالى :
١ ـ ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) ٣
٢ ـ ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ٥
٣ ـ ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ ) ٥
٤ ـ ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ٦
__________________
١ ـ سورة الضحى ، الآية : ٦
٢ ـ كشف الغمة : ٢ / ٢٩٤
٣ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤
٤ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٤٠
٥ ـ سورة محمد ، الآية : ٢
٦ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩
وهو الرحمة الإلهية المهداة إلى البشرية من الله تعالى .
[ أن محمدا لا يقال له : عبقري خلاق ، ولا مصلح ثائر ، ولا عظيم خالد فما أكثر العباقرة ، والمصلحين ، والثائرين ، أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة مهداة من إله السماء لأهل الأرض أجمعين ، ورحمة الله فوق العبقرية والعباقرة ، والإصلاح والمصلحين ، وفوق العظمة والعظماء الخالدين .
بل هي فوق الناس مجتمعين والسماوات والأرض لأنها تتسع لكل شيء ، ولا يتسع لها شيء إلا قلب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من سار على نهجه وعمل بمبادئه وسنته . ] ١
__________________
١ ـ نفحات محمدية : ٢٧
قالوا في محمد :
سوف أذكر هنا بعض ما قاله غير المسلمين في محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكون شاهدا على صدق ما يدعيه المسلمون من عظمته وأنه المنقذ للبشرية ، والصادع بالحق ، والمنقذ من الظلمات .
١ ـ يقول برنادشو :
[ أن رجلا مثل محمد لو تسلم زمام الحكم المطلق اليوم في العالم كله لتم له النجاح في حكمه ، وقاده إلى الخير ، وحل مشاكله بوجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة ]
٢ ـ يقول ويل ديورانت ـ صاحب قصة الحضارة ـ :
[ إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس ، قلنا : أن محمدا كان أعظم عظماء التاريخ ] ١
٣ ـ يقول مايكل هارت ـ صاحب كتاب المائة الأوائل :
[ وجدت محمدا وهو صاحب الحق الوحيد في أن أعتبره صاحب أعظم تأثير على الإطلاق في التاريخ الإنساني ] ٢
وقد أخذ المؤلف على نفسه ، أن يرتب المئة في الذكر تبعا لأهمية كل منهم . فالأول عظمة هو الأول ذكرا ، وقد أختار الأول من المئة محمدا ، وجعل المسيح في الرقم الثالث وموسى في الرقم السادس ، وموضوع كتابه :
__________________
١ ـ نفحات محمدية : ١٤
٢ ـ المائة الأوائل : ٢١
أهم مئة رجل في التاريخ الإنساني كله .
وكان المؤلف على درجة عالية من التجرد ، وعدم الانحياز في ذلك الكتاب ١ .
وكانت معجزة النبي الكبرى ، والخالدة هي : القرآن الكريم ، الذي نزهه الله من كل ألوان التحريف والزيادة والنقيصة ، وتكفل بحفظه بقوله تعالى :
( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ٢ .
__________________
١ ـ مجلة العربي : س ١٩٧٨ ، ع ٢٤١
٢ ـ سورة الحجر ، الآية : ٩
الدعاء :
الدعاء سلام المؤمن الذي يرفعه في وجه الأزمات والمحن ، يستمطر به شآبيب الرحمة الإلهية ، حيث إن الله يحُب من عبده أن يدعوه ليستجيب له بقوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ١ .
وقد فسروا الدعاء :
١ ـ بطلب الحاجات من الله .
٢ ـ ويرى الصوفية أن المراد بالدعاء هو : [ فزع القلب إلى الله وشعوره بالحاجة إلى معونته والتجاؤه إليه ] ٢ .
٣ ـ والدعاء هو : ( ثمرة التجربة ) ، إذ غني عن البيان أن البشر ما كانوا ليجتمعوا على الدعاء كأسلوب لقضاء الحاجات ، وتحقيق الأهداف والأغراض إلا بعد أن ثبت لهم بالتجربة على مر العصور جدوى الدعاء وفائدته ، فإن من خصائص الكائن الحي بصفة عامة أن يكف عن أي نشاط لا يعود عليه بأي فائدة .
وقد أثبت علماء السلوك المعاصرون أن الحيوانات نفسها تكف عن أي نشاط لا تراه محققا لأهدافها ، فمن المحال أن نتصور الإنسان يظل على مر العصور يرفع أكفه بالضراعة إلى السماء مع أن ذلك لا يحقق له أي منفعة .
والحق أن الدعاء كان دائما ذا جدوى وفائدة للإنسان في حالتي الإجابة وعدم الإجابة ، وفي حالة الاستجابة لا نحتاج
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٦
٢ ـ دائرة معارف القرن العشرين : ٤ / ٤٧
بطبيعة الحال إلى شرح في جدواها ، وأما الجدوى في عدم الاستجابة فقد كانت تتجلى في بحث الإنسان للأسباب التي حالت دون تحقيق الاستجابة ، وأن ذلك قد يكون للذنوب والمعاصي التي يغرق فيها ، فيعمل على أصلاح نفسه وشأنه قبل معاودة الدعاء مرة ثانية] ١ .
وقد حث القرآن الكريم على الدعاء فقال :
( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ٢ .
وحث عليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث يقول : « أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة »
وحث عليه الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام ـ حيث يقول في وصيته لولده الإمام الحسن عليهالسلام ـ « فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته ، فلا يقنطنك إبطاء أجابته ، فإن العطية على قدر النية » ٣ .
وقال : الإمام الصادق عليهالسلام « أن الدعاء يفل القضاء ولو أبرم إبراما » .
__________________
١ ـ الطاقة الإنسانية : ٣٤٢
٢ ـ سورة غافر ، الآية : ٦٠
٣ ـ نهج البلاغة : ٤٨٢
المؤمن والدعاء :
[ أن دعاء المؤمن الغريزي لله بأن يكون في عونه هو أمر طبيعي ، ولكن يجب على المؤمن أن يعرف أن الأمور بأسبابها ، والعلل بمعاليلها ، فالمؤمن الذي لا يعرف سنن الله لا تطيعه تلك السنن مهما بكى لها واسترحم ، كما فعل المصريون فيما قابلوا حملة نابليون على مصر بقراءة صحيح البخاري لدفع آذاه ، أو كما يفعل أحيانا البعض فيما يحدث عطل في آلة ما أن يواجهوا الموضوع بالدعاء ، يجب أن يعلموا أن ميكانيكية الدعاء تعمل في قطاعها ، فعالم الشهادة يواجه بالجهد وعالم الغيب يواجه بالدعاء ] ١
__________________
١ ـ الطب محراب الإيمان : ٢ / ٢٥
آداب عامة لاستجابة الدعاء :
[ هناك آداب عامة يجب أن تتحقق ليُستجاب الدعاء منها :
١ ـ أن يترصد المؤمن لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ، وشهر رمضان من الأشهر ، ويوم الجمعة من الأسبوع ، ووقت السَحَر من ساعات الليل .
٢ ـ أن يغتنم الأحوال الشريفة كزمن الصفوف للجهاد في سبيل الله ، وعند نزول الغيث ، ووقت إقامة الصلوات ، ووقت صفاء القلب .
٣ ـ خفوت الصوت بين المخافة والجهر ، قال تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) ١ .
٤ ـ الإلحاح في الدعاء وطلب المسألة فقد ورد : ( إذا دعوت فأسأل الله كثيرا فإنك تدعوا كريما )
٥ ـ أن لا يظهر على الداعي التكلفُ والرياء ، بل يكون في حالة تضرع وترسل ، وأن يتصف الداعي بالتضرع ، والخشوع ، والرغبة ، والرهبة .
٦ ـ أن يتحقق الأدب الباطني ، وهو الأصل في تحقيق الإجابة ، ومعناه التوبة ورد المظالم ، والإقبال على الله بكل الهمة ، فذلك هو السبب القريب في الإجابة ] ٢ .
__________________
١ ـ سورة الأعراف ، الآية : ٥٥
٢ ـ الطاقة الإنسانية : ٣٤٤
٧ ـ أن يدعو الداعي بالمأثور من الأدعية وأفضلها ما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته الطاهرين عليهمالسلام ، فهم مدرسة في الدعاء حُرم المسلمون كثيرا من الدخول فيها لمعرفة ما فيها بسبب الحواجز والموانع النفسية ، والافتعالية ، والسياسية المغرضة التي أبعدت الأمة عن آل البيت المكرمين ، وحرمتهم من زادهم الإيماني الثر ، ولذلك اخترنا هذه الأدعية الواردة عن النبي لأن كلامه فوق كلام المخلوقين جميعا .
٨ ـ ومن أسباب الاستجابة التوجه إلى الله بالأنبياء والمرسلين ، والأوصياء والأولياء الصالحين ، فإنهم الوسيلة إلى الله تعالى .
٩ ـ التوجه إلى الله بالدعاء في الأماكن المشرفة كمكة المكرمة والمدينة المنورة ، وأماكن العبادة من المساجد والمزارات
١٠ ـ أن لا يكون ظالما في دعائه .
١١ ـ أن يبدأ الدعاء بالصلاة على محمد وآل محمد مع التمجيد والتقديس لله تعالى .
شهر رمضان :
هو شهر المغفرة والتوبة والطاعة ، قال : الإمام الصادق ، « أنه من لم يُغفر له في شهر رمضان لم يُغفر له إلى قابل ، إلا أن يشهد عرفة »
ويقول : عليهالسلام أيضا ، « إذا أصبحت صائما فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك عن المحرمات » وقال : عليهالسلام أيضا ، « لا يكون يوم صومك كيوم إفطارك » وعنه : عليهالسلام أيضا ، « سمع رسول الله امرأة تساب جارية لها وهي صائمة ، فدعا رسول الله بطعام ، فقال لها : كلي فقالت : أنا صائمة يا رسول الله
فقال : كيف تكونين صائمة ، وقد سببت جاريتك »
أن الصوم ليس من الطعام الشراب ، وإنما جعل الله ذلك حجاب عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول ، ما أقل الصوم وأكثر الجوع .
عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : « قال النبي لجابر أبن عبد الله ، يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره ، وقام وردا من ليلته ، وصان بطنه وفرجه ، وحفظ لسانه لخرج من الذنوب كما يخرج من الشهر » .
قال جابر : يا رسول الله ما أحسنه من حديث
فقال رسول الله : « وما أصبعها من شروط » .
أسماء الشهر :
ورد في الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام في دعائه عند دخول شهر رمضان :
« الحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره : ١ ـ شهر رمضان ، ٢ ـ شهر الصيام ، ٣ ـ وشهر الإسلام ، ٤ ـ وشهر الطهور ، ٥ ـ وشهر التمحيص ، ٦ ـ وشهر القيام الذي أنزل فيه القرآن » ١ .
وقد فرض الله في هذا الشهر عبادة الصوم على نبيه وعلى المسلمين ، وكان صومه مفوضا من قبل على الأنبياء دون أممهم كما ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام حيث يقول : « أن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على احد من الأمم قبلنا ، وإنما فرضه على الأنبياء دون الأمم ، ففضل الله به هذه الأمة ، وجعل صيامه فرضا على رسول الله وعلى أمته » ٢ .
والصوم عبادة تربوية إصلاحية تستهدف تربية الفرد من الداخل ، وهو يُميت مراد النفس وشهوة الطبع الحيواني ، وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح ، وعمارة الباطن ، والشكر على النعم ، والإحسان إلى الفقراء .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قال : الله عز وجل ، الصوم لي وأنا أجزي به » ٣ .
__________________
١ ـ الصحيفة السجادة : ٢١٩
٢ ـ وسائل الشيعة : ٢ / ١٧٣
٣ ـ أفضل الشهور : ٣٠٨
دعاء اليوم الأول : *
« اللهم أجعل صيامي فيه صيام الصائمين ، وقيامي فيه قيام القائمين ، ونبهني فيه عن نومة الغافلين ، وهب لي جُرمي فيه ، يا إله العالمين وأعفُ عني يا عافياً عن المجرمين »
أضواء على هذا الدعاء :
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ٢ ، والصوم أو الصيام له معنيان وهما :
١ ـ المعنى اللغوي : وهو الإمساك والكف عن الشيء ، قال أبن دريد : [ كل شيء سكنت حركته فقد صام ] ومنه قول الشاعر :
خيل صيام وخيل غير صائمة |
|
|
عند اللقاء وخيل تعلك اللجما ٣ |
٢ ـ المعنى الشرعي ، أو الاصطلاحي ، ومعناه :
[ الإمساك عن الأكل والشرب ، وغشيان النساء ، وجميع
__________________
* ـ قال المرحوم المقدس الشيخ : عباس القمي ، في كتابه مفاتيح الجنان : ٣١١ ، [ فقد روي عن أبن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه ذكر لكل يوم من أيام شهر رمضان منه دعاء يخصه ذو فضل كثير وأجر جزيل ، ونحن نقتصر على أيراد الدعوات ] .
وراجع : مرقاة الجنان : ٢٢١
٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٣
٣ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : ٢ / ٢٧١
المفطرات من الفجر إلى المغرب احتسابا لله ، وأعداد للنفس وتهيئة لها لتقوى الله بمراقبته في السر والعلن ]
ورسول الله في دعائه ، يدعو الله تعالى أن يتقبل منه صومه خالصا لوجهه الكريم ، وان يجعله الصوم المقبول عنده والذي يُثاب عليه صاحبه حقا ، وذلك إذا تحققت فيه القربة المطلقة لله والامتثال لأمره سبحانه .
وصيام الصائمين هو صيام الإبدال الأبرار أولياء الله الذين يصومون احتسابا وتقربا ، فيكون صومهم مضرب مثل لغيرهم .
ويدعو النبي أن يجعل الله قيامه فيه قيام القائمين ، والمقصود بالقيام هنا الصلاة التي يأتي بها العبد في شهر رمضان المبارك زيادة منه في الطاعة وإكثارا منه في التعبد والتهجد ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فأسالوا الله تعالى ربكم بنيات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وقيامه ، فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم » ١ .
وقيام الليل هو سبيل خاصة أولياء الله تعالى كما قال وليه الأعظم الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام في وصف المتقين : « أم الليل فصافون أقدامهم ، تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يُحزنون به أنفسهم ويستبشرون به دواء دائهم ، منهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم واكفهم ورُكبهم وأطراف أقدامهم ، يطلبون الله تعالى في فكاك رقابهم » ٢ .
__________________
١ ـ مفاتيح الجنان :
٢ ـ نهج البلاغة : ٤٤٠
وينتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه ليقول :
« ونبهني فيه من نومة الغافلين »
والمقصود هنا بالنومة الغفلة حيث شبه الغفلة بالنومة ، لأن الغافل شبيه النائم ، والنبي يدعو الله تعالى أن يهبه التنبيه حتى لا يغفل عن ذكر الله وطاعته وعبادته .
ثم يقول : « وهب لي جرمي فيه يا إله العالمين »
الجرم هو : الذنب والخطيئة ومنه الجريمة ، والنبي منزه عن ذلك ، لكنه يدعو بذلك تواضعا منه لله ، وتعليما منه للناس من بعده .
ولا يهب الله الجرم للعبد إلا بعد أن يتوب منه ويقلع عنه ، ثم هو الذي يتفضل بالقبول ويشمل الإنسان بالهداية ويسقط عنه الذنب .
ثم يختم دعائه لليوم الأول بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأعف عني يا عافياً عن المجرمين »
والعفو هو : الصفح والرضا بعد الغضب ، والله تعالى هو الذي يعفو أي يغفر ويقبل من عباده بعد الندم والإقلاع عن المعاصي والذنوب .
والمجرمون هم الذين ارتكبوا الجرائم بحقهم أو بحق غيرهم ، فما كان بحق غيرهم فالله لا يغفره إلا بعد رضا من ارتُكبت الجريمة بحقه لأنه يتعلق بحق الغير الذي لا يغفر إلا بموافقته ، وما كان بحقهم فإن تابوا وأصلحوا فإن الله واسع المغفرة قابل التوب من عباده ، ودعاء النبي هذا هو تذكرة وعبرة للناس .