أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

عامر الحلو

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

المؤلف:

عامر الحلو


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات مركز أهل البيت عليهم السلام الثقافي الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وقال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يدع عليها حسنة » ١ .

ثم ينتقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الفقرة الثانية فيقول :

« اللهم أرزقني فيه أطعام الطعام »

وإطعام الطعام فيه ثواب عظيم وأجر كبير في هذا الشهر خصوصا إفطار الصائمين ، فشهر رمضان شهر الكرم ، والجود ، لذا يقول الناس عنه ( رمضان كريم ) .

وقد روى العلامة الحلي قدس‌سره في الرسالة السعدية عن الإمام الصادق : « أن أيما مؤمن أطعم مؤمنا لقمة في شهر رمضان كتب الله له أجر من أعتق ثلاثين رقبة مؤمنة ، وكان له عند الله دعوة مستجابة » ، ويقول عليه‌السلام : « أن الله عز وجل يحبّ الإطعام في الله ، ويحبّ الذي يطعم الطعام في الله ، والبركة في بيته أسرع من الشفرة في سنام البعير » ٢ ويزداد الأجر ويعظم الثواب إذا كان الذين يقدم لهم الطعام فقراء محتاجين فهم أولى من غيرهم بالإطعام .

ثم يقول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« اللهم أرزقني إفشاء السلام »

وهي خصلة تدل على الكرم وسمو الأخلاق ، وإفشاء السلام أمر محبب ، والسلام أسم من أسماء الله الحسنى .

__________________

١ ـ التفسير المعين : ١٢

٢ ـ مكارم الأخلاق : ١ / ٢٩٤ ، ح ٩١٢ / ١٧

٤١
 &

[ وإفشاء السلام يعني نشره وإذاعته حتى يعتاد الناس عليه ، وفشا الخبر لغو ذاع ] ١ .

وقد وردت أحاديث كثيرة في السلام وآدابه منها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح ، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار » .

وقال أيضا : « أن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام »

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « السلام تطوع ورده فريضة » .

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « السلام سبعون حسنة تسعة وستون للمبتدأ وواحد للراد »

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا » ٢ .

ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وارزقني فيه صحبة الكرام »

والصحبة ، تعني : المرافقة والمصاحبة ، ولكن يجب أن تكون مع كرام الناس دينا ، وخلقا ، وورعا ، وتواضعا ، فإن الإنسان يستفيد كل هذه المعاني والقيم من خلال صحبته لهم .

ثم يختم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعائه بقوله :

« بطولك يا ملجأ الآملين »

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٤

٢ ـ بحار الأنوار : ٧٦ / ١٢

٤٢
 &

و [ الطَولُ لغة لمن ، يقال تطوّلَ عليه ، أي : أمتن عليه ] ١ ، والله تعالى يلجأ إليه الآملون فضله ، وثوابه ، ورضوانه ، وعفوه ، ويقال لغة : [ الجأ آمره إلى الله أسنده ] .

و [ الآمل هو الرجاء ، يقال أمَلَ خيره يأمُل أملا وأملَه تأميلا ، أي رجاه ] ٢ .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٠١

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٥

٤٣
 &

دعاء اليوم التاسع :

« اللهم أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة ، واهدني فيه لبراهينك الساطعة ، وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين »

أضواء على هذا الدعاء :

« اللهم أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة »

و [ النصيب لغة ، هو : الحظ والجد ، يقال حظّ الرجل يحظُ حظا ، أي : صار ذا حظٍ من الرزق ] ١ .

وبعد معرفة المعنى لغويا يتضح المقصود من هذه الفقرة من الدعاء الشريف ، أي أجعل لي يا رب حظا من رحمتك التي وسعت كل شيء ، كما ورد أيضا في دعاء كميل لأمير المؤمنين عليه‌السلام حيث يقول : « اللهم أني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء » ٢ .

وقد قال الإمام زين العابدين علي عليه‌السلام في دعاء السَحَر :

« واجعلني من أوفر عبادك عندك نصيبا من كل خير أنزلته وتنزله في شهر رمضان وفي ليلة القدر »

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« واهدني فيه لبراهينك الساطعة »

ولا شك بأن الهداية للعبد من الله بتوسط إرادة العبد نفسه .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٤٣

٢ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٠

٤٤
 &

١ ـ والهداية تشريعية ، وهي التي أرسل الله بها الرسل والأنبياء لهداية البشرية ، قال تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )

٢ ـ والهداية التكوينية ، وتشترك بها المخلوقات والحق سبحانه يقول : ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) ١ .

و [ البراهين جمع برهان وهو لغة الحجة وقد برهن عليه ، أي : أقام الحجة ] ٢ .

والمقصود بهذه الفقرة من الدعاء أن يهديه الله تعالى وهو الهادي ليعرف الله بالبرهان والدليل والحجة ، وليقيم بذلك الحجة على المنكرين ، وكيف يمكن للمنكر أن ينكر البرهان الساطع والحجة الدامغة قال تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ) ٣ .

ثم قال في الفقرة الأخيرة من الدعاء :

« وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين »

الناصية لغة واحدة النواصي ، وهي : مقدمة شعر الرأس والمراد بالدعاء أن يهديه الله ويوجهه إلى حيث ما يوجب رضاه ، ومغفرته ، وعفوه ، ومرضاة الله الجامعة كل ما يؤدي إلى رضا الله عن العبد ، ويبعد عنه غضبه وسخطه ، وأن يأخذ بيده لِما فيه الخير ، والصلاح ، والرضوان .

__________________

١ ـ سورة السجدة ، الآية : ٢

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٠

٣ ـ سورة الطور ، الآية : ٣٥

٤٥
 &

ويقسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة الله لأوليائه ومحبة أوليائه له أن يوفقه الله لذلك .

والله تعالى هو أمل من أملهُ من عباده الصالحين المشتاقين لعفوه ورحمته ، وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام قوله : « وهب لي الجدَ في خشيتك ، والدوام في الاتصال بخدمتك حتى أسرح إليك في ميادين السابقين ، وأسرع إليك في المبادرين ، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين » ١ .

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٥

٤٦
 &

دعاء اليوم العاشر :

« اللهم أجعلني فيه من المتوكلين عليك ، واجعلني فيه من الفائزين لديك ، واجعلني فيه من المقربين إليك بإحسانك يا غاية الطالبين »

أضواء على هذا الدعاء :

[ التوكل ـ لغة ـ : أظهار العجز والاعتماد على غيرك ، وأتكل على فلان في أمره إذا أعتمده ، وإذا أتكل كل واحد منهما على صاحبه ، أي : أعتمد عليه ] ١ .

والمؤمن الصادق في إيمانه لا يعتمد إلا على الله تعالى في كل أموره ومهامه ، وإذا لم يتكل ويعتمد على الله فعلى من يعتمد إذن ؟ ، وهو القادر على كل شيء وبيده مقاليد الأمور .

والفوز ، معناه : النجاة والظفر بالخير والسلامة ، ومنه قوله تعالى : ( فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ) ٢ ، أي : بمنجاة منه .

والمؤمن يطلب من الله تعالى الفوز بالرضوان والجنة ، ويطمع دائما بكرم الله تعالى أن يجعله من الفائزين عنه ، وأن يحقق له النجاح في دينه ودنياه

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« واجعلني فيه من المقربين إليك »

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٤

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨٨

٤٧
 &

والمؤمن يكون مقربا من الله بإيمانه ، وتقواه ، وورعه ، ورجاءه فيكون مشمولا بالرحمة الإلهية والإمداد الغيبي وغاية منى العبد أن يكون مقربا إلى الله تعالى ، وقريبا من رحمته ، ولا يتم ذلك إلا بالجهد ، وبالجد ، والاجتهاد ، وترويض النفس .

ويختم المصطفى دعائه لليوم العاشر من شهر رمضان المبارك بقوله :

« بإحسانك يا غاية الطالبين »

والله تعالى هو المحسن المتفضل ، وقد أمر بالإحسان بقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) ١.

وهو تعالى مصدر الإحسان و [ الحُسنُ لغة ضد القبح ، والجمع محاسن ، والحسنة ضد السيئة والمحاسن ضد المساوئ والحُسنى ضد السُوءى ] ٢

وهنا ندرك المعاني الجميلة للإحسان ومشتقاته والله تعالى هو الغاية القصوى المرجوة من العبد الذي يطلب من الله الرحمة ، والرضا ، والقبول ، والعفو ، والصفح ، و [ الغاية لغة مدى الشيء ، والجمع غاي ] ٣ .

__________________

١ ـ سورة النحل ، الآية : ٩٠

٢ ـ مختار الصحاح : ١٣٦

٣ ـ مختار الصحاح : ٤٨٨

٤٨
 &

دعاء اليوم الحادي عشر :

« اللهم حَبّبْ إليّ فيه الإحسان ، وكرّه إليّ فيه الفُسوق والعصيان ، وحرم عليَّ فيه السَخط والنيران بعونك يا غياث المستغيثين »

أضواء على هذا الدعاء :

في هذا الدعاء المبارك يطلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله تعالى أن يجعل الإحسان لديه محبوبا حتى يفعله ويأتي به ، والإنسان إذا أحب شيء صار مرغوبا عنده فيقدم عليه وهو ضد الكُره ، ومراد الدعاء على اختصاره أن يلقي الله محبة الإحسان في قلب المؤمن حتى يواظب عليه ، وعادة إذا لم يحب الإنسان أمراً ما يبتعد عنه وينأى بنفسه عنه ، وإذا أحب أمراً ما أقبل عليه ، ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وكرّه إليّ فيه الفُسوق والعصيان »

فإذا كره الإنسان شيئاً أبتعد عنه وأعرض ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو الله أن يكون الفسوق والعصيان عنده مكروهين بقدرة الله وتوفيقه ، وتأييده ، وهدايته .

[ الفسوق لغة مأخوذ من فسقت الرطبة خرجت من قشرها ، وفسق عن أمر ربه ، أي : خرج ] ١ .

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى : ( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ) ٢ .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٣

٢ ـ سورة الحجرات ، الآية : ١١

٤٩
 &

والفسوق شرعا هو الخروج عن طريق الطاعة ، و [ العصيان لغة ضد الطاعة ، وقد عصاه معصية وعصياناً ، فهو عاص ] ١ .

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وحرم عليّ فيه السَخط والنيران »

أي اجعل يا ربي السَخط وهو الغضب والنيران حراما عليّ لأني في طاعتك وعبادتك ، وفي فناء شهرك الفضيل الذي تغلق فيه أبواب النيران ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فلا تحرمني من عفوك وجنانك ، لأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، لأنه شهر المغفرة ، والعفو ، والرحمة ، والحرمة لغة ما لا يحل انتهاكه .

ويختم الدعاء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :

« بعونك يا غياث المستغيثين »

فالله تعالى هو المستعان ومنه نطلب العون وبه نستعين ، وهو غياث من لا غياث له ، وسند من لا سند له ، وذخر من لا ذخر له ، والمستغيث هو : من يطلب الغوث ، وهو : النصرة والمساعدة .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٣٨

٥٠
 &

دعاء اليوم الثاني عشر :

« اللهم زينيّ فيه بالستر والعفاف ، واستُرني فيه بلباس القنوع والكَفاف ، واحملني فيه على العدل والأنصاف ، وآمني فيه من كل ما أخاف بمعصيتك يا عصمة الخائفين »

أضواء على هذا الدعاء :

« اللهم زينيّ فيه بالستر والعفاف » ، ورد في اللغة : أن [ الزينة ما يُتزين به ، ويوم الزينة يوم العيد ، والزين ضد الشين ، وزينة تزينا وتزين وازدان بمعنى ، ويقال وأزينت الأرض بعُشبها ] ١ .

والستر لغة : جمعه ستور ، وأستار ، وستر الشيء غطاه ، والعفاف مأخوذ من عفّ ، أي : كف ، فعف عن الحرام ، معناه : كف عن الحرام ، ويقال : رجل عفيف وامرأة عفة وعفيفة ، ويقال : تعفف عن المسألة تكلف العفة .

والتعفف هنا يعني الحياء ، قال تعالى : ( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) ٢ .

والمقصود من هذه الفقرة : اللهم جملني فيه بأن تجعلني مستور العيوب ، مليئا بالعفة والحياء حتى أبدو جميلا في هذا اليوم وفي كل يوم .

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« واستُرني فيه بلباس القنوع والكَفاف »

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٨٠

٢ ـ سورة البقرة : الآية : ٢٧٣

٥١
 &

واللباس ما يُلبس وكذا الملبس ، وهنا يراد به اللباس المادي من ثياب وغيرها التي تستر البدن ، والمقصود من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اللباس بالمعنى الثاني غير المادي كما في قوله تعالى : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) ١ ، ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) ٢ .

[ والمقصود به هنا الحياة ] ٣ .

[ القنوع لغة : السؤال والتذلل ، وبابه خضع فهو : قانع ، وقال الفراء : القانع الذي يسألك فما أعطيته قبلهُ ، والقناعة الرضا بالقسم ، وقال بعض أهل العلم أن القنوع قد يكون بمعنى الرضا ، والقانع بمعنى الراضي ] ٤ .

وقد ورد في القناعة كثير من الأحاديث ففي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) ٥ ، قال كما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنها القناعة والرضا بما قسم الله » ٦ . وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس » ، وعن علي عليه‌السلام قال : « الهم نفسك القنوع » ٧ .

و [الكفاف من الرزق القوت ، وهو ما كفَّ عن الناس ، أي :

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٧

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ٢٦

٣ ـ مختار الصحاح : ٥٩٠

٤ ـ مختار الصحاح : ٥٥٢

٥ ـ سورة النحل ، الآية : ٩٧

٦ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : ٦ / ٣٨٤

٧ ـ التفسير المعين : ٣٣٦

٥٢
 &

اغنى ، وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم أجعل رزق آل محمد كَفافا » ] ١ .

والكفاف والقنوع معنيان متقاربان في هذا الدعاء .

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« واحملني فيه على العدل والإنصاف »

والمعنى واضح جلي ، أي اجعلني فيه متصفا بالعدل في الحكم والقول وكل ما يجب فيه العدل .

و [ العدل ضد الجور ، يقال : عدل عليه في القضية فهو عادل ، وبسط الوالي عدله .

والأنصاف هو العدل ، يقال : أنصف الرجل عَدَل ، ويقال : أنصفه من نفسه ] ٢ .

والأنصاف والعدل معنيان متقاربان في هذا الدعاء ، ثم ينتقل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فقرة أخرى من الدعاء يقول فيها :

« وآمني فيه من كل ما أخاف بعصمتك يا عصمة الخائفين »

و [ الأمان والأمانة بمعنى واحد ، وقد أمن أمانا فهو آمن وآمنه غيره من الأمن والأمان ، والأمن ضد الخوف ] ٣ .

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلب في دعائه أن يكون آمنا في ذلك اليوم من كل ما يسبب الخوف والهلع سواء كانت مخاوف دنيوية أو أخروية ، ويعتصم بالله تعالى الذي هو عصمة الخائفين ، وأمل الراجين من كل ما يحذر ويخاف .

و [ العصمة لغة ، هي : المنع ، يقال عصمه الطعام ،

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٧٤

٢ ـ مختار الصحاح : ٦٦٣

٣ ـ مختار الصحاح : ٢٦

٥٣
 &

أي : منعه من الجوع ، والعصمة أيضا الحفظ ، وأعتصم بالله أمتنع بلطفه ، ومنه قوله تعالى : ( قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ) ١ ، وقوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ٢ .

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام قوله : « من ألهم العصمة أمن الزلل » .

وقال عليه‌السلام : « من أعتصم بالله عزّ مطلبه » .

وقد سُئل الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام : ما معنى قولكم أن الإمام لا يكون إلا معصوما ؟!

فقال : « المعصوم هو الممتنع بالله من جميع المحارم » ٣ .

وقد قال الله تعالى : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ٤ .

__________________

١ ـ سورة هود ، الآية : ٤٣

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٠٢

٣ ـ التفسير المعين : ٢٤١

٤ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٠١

٥٤
 &

دعاء اليوم الثالث عشر :

« اللهم طهرني فيه من الدنس والأقذار ، وصبرني فيه على كائنات الأقدار ، ووفقني فيه للتُقى وصحبة الأبرار يعونك يا قرة عين المساكين »

أضواء على هذا الدعاء :

« اللهم طهرني فيه من الدنس والأقذار » ، والطهارة هنا معنوية وهي : [ لغة مأخوذا من طهُر الشيء يطهُر طهارة ، وقوم يتطهرون ، أي يتنزهون من الأدناس ، ورجل طاهر الثياب ، أي منزه ، وبهذه الإضاءة اللغوية يتضح معنى : الدعاء .

والدنس لغة الوسخ ، وقد دنس التوب توسخ وتدنس ودنسه غيره تدنيسا .

و [ الأقذار جمع قذر ، وهو ضد النظافة وشيء قذر بيَّن القذارة ، ويقال : قذرتُ الشيء فقذرته واستقذرته ، أي : كرهته ] ١ ، والقذر والدنس معنيان متقاربان في هذا الدعاء .

ثم يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« وصبرني فيه على كائنات الأقدار »

أي أجعلني صابرا على القضاء والقدر راضيا بقضائك وقدرك .

والصبر منزلة عالية لا ينالها إلا من امتحن الله تعالى قلبه

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٢٥

٥٥
 &

بالإيمان قال تعالى : ( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) ١ ، وقال تعالى : ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ) ٢ .

وقد سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما الإيمان ؟ ،

قال : « الصبر »

وقال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « الصبر أحسن حلل الإيمان وأشرف خلائق الإنسان »

وقال عليه‌السلام : « الصبر عن الشهوة عفة وعن الغضب نجدة وعن المعصية ورع » ٣ .

ثم ينتقل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المقطع الثالث من الدعاء فيقول :

« ووفقني فيه للتقى وصحبة الأبرار »

ولا شك بأن المؤمن يحتاج إلى توفيق الله تعالى له بالهداية شرط أن يكون مستعدا لها ، وقد ورد في الدعاء عن الإمام المهدي عليه‌السلام قوله : « اللهم أرزقنا توفيق الطاعة وبُعد المعصية ، وصدق النية ، وعرفان الحرمة ، وأكرمنا بالهدى ، والاستقامة ، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة » ٤ .

ولا يستغني المؤمن عن التوفيق الإلهي في أموره كلها خصوصا ما يتعلق منها بطاعة الله وعبادته ، والخوف منه ، وكل ذلك بتوفيق الله ، والتُقى هو التقوى ، وما هو يُتقى به

__________________

١ ـ سورة لقمان ، الآية ١٧

٢ ـ سورة النحل ، الآية : ١٢٧

٣ ـ التفسير المعين : ٥٠٦

٤ ـ مفاتيح الجنان : ١٧٠

٥٦
 &

سخط الله وذلك بلزوم الطاعات وترك المعاصي والمحرمات .

و [ الأبرار جمع بر ، وتجمع على بررة وكله مأخوذ لغة من برر ، والبر هو : ضد العقوق ، ويقال فلان يبر خالقه ، أي يطيعه ] ١ ، وإذن الأبرار هنا هم المطيعون والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو الله تعالى أن يوفقه لصحبة الأبرار المطيعين لله تعالى .

ثم يختم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعائه بقوله :

« بعونك يا قرة عين المساكين »

فهو يستعين بالله تعالى أن يوفقه لكل ما تقدم لأن ذلك يحصل بعونه تعالى لعبده المؤمن ، إذا كان مستعدا لذلك يقال : لغة [ قرت عينه ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرُد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة ] ٢ .

والمسكين جمعه مساكين ، وهو : الفقير الذي لا شيء له ، وقيل المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقيل العكس .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٧

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٢٨

٥٧
 &

دعاء اليوم الرابع عشر :

« اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات ، واقلني فيه من الخطايا والهفوات ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا ، والآفات بعزتك يا عز المسلمين »

أضواء على هذا الدعاء :

« اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات »

أخذ لغة تناول والمقصود بالدعاء هناك : اللهم لا تتناولني بالعقوبة إذا عثرت في حياتي فعصيتُ لك أمراً وخالفت لك حُكما .

وقد جاء في قوله تعالى : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) ١ .

و [ العثرات جمع عثرة ، وهي : لغة الزلة التي تؤدي إلى السقوط ، فيقال عثر في ثوبه ، وعثر به فرسه فسقط ] ٢ .

والمقصود بها في الدعاء الذنوب التي تؤدي بالسقوط في المعاصي .

« وأقلني فيه من الخطايا والهفوات »

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦

٢ ـ مختار الصحاح : ٤١٢

٥٨
 &

و [ الخطايا جمع خطيئة ، وهي : الذنب والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي ] ١ .

و [ الهفوات جمع هفوة ، وهي : لغة الزلة وقد هفا يهفو هفوة ] ٢ .

والمعنيان هنا متقاربان ، ومعنى ذلك ، أي : يا ربي أحملني فيه على التباعد عن الخطايا والهفوات حتى أسرح في رياض طاعتك وأذوق حلاوة عبادتك ، وقد جاء في دعاء كميل :

« وأقلني عثرتي ، وأغفر زلتي ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا والآفات » .

والغرض ـ لغة ـ ، هو : الهدف الذي يُرمى فيه ويقال فيهم غرضه ، أي قصده .

والبلايا جمع بلية والبلوى والبلاء ، ومنه ما هو بلاء حسن ، ومنه بلاء خير حسن في نتائج البلاء وانعكاسها ، و [ الآفات جمع آفة ، وهي : العاهة والزرع وأصابتهُ آفة فتلف ] ٣ .

والمراد بالدعاء هنا : يا ربي لا تجعلني هدفا للمصائب ، والابتلاءات الصعبة التي يصعب النجاح فيها ، وادفع عني الأرزاء ، والعاهات وكل ما يمنعني من مواصلة عبادتك ، والصبر على طاعتك .

« بعزتك يا عز المسلمين »

والعِزة ضد الذل والله تعالى هو : ذو العزة والجلال ويهب العِزة لأوليائه ، وفي طليعة أوليائه الرسول الأعظم

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٨٠

٢ ـ مختار الصحاح : ٦٩٦

٣ ـ مختار الصحاح : ٣٢

٥٩
 &

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنون ، قال تعالى : ( وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ١ ، والله تعالى هو : عز المسلمين الذين آمنوا به وعبدوه ، ووحدوه ، ولم يُشركوا به شيئا ، وآمنوا برسله ، وملائكته ، واليوم الآخر ، يستمدون قوتهم ومنعتهم ورفعتهم من صاحب العِزة الأول وهو : الله تبارك وتعالى ، ومن أسمائه الحسنى تبارك أسمه العزيز .

قال تبارك وتقدس : ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) ٢ .

__________________

١ ـ المنافقون : ٨

٢ ـ سورة الملك ، الآية : ١

٦٠