الاخوة فيها وفي مراتب كثيرة ، منها أنّه مماثله في النفس بنصّ القرآن المجيد ، وقد سبق بيانه في آية المباهلة ، (١) ومنها انّه مضاهيه في الولاية ، لقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٢) الآية وقد تقدّم أيضا ، ومنها انّه نظيره في العصمة بدليل قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) (٣) الآية ، وقد مضى شرحه ، ومنها أنّه مشابهة ومشاركه في الأداء والتبليغ بدليل الوحى من الله سبحانه إلى الرّسول يوم إعطائه براءة لغيره ، فهبط جبرئيل عليهالسلام وقال : لا يؤدّيها إلّا أنت أو رجل منك ، فاستعادها من أبى بكر ودفعها إلى علىّ عليهالسلام ، وقد سلف بيانه ، (٤) ومنها انّه نظيره في النسب الطاهر الكريم ، ومنها انّه نظيره في الموالاة لقول النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كنت مولاه فعلى مولاه كما مرّ ، (٥) ومنها فتح بابه في المسجد كفتح باب النّبى صلىاللهعليهوآلهوسلم وجوازه في المسجد كجوازه ودخوله في المسجد جنبا كحال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد مرّ أيضا (٦) ومنها أنّه نظيره في النور قبل خلق آدم بأربعة آلاف عام (٧) والتسبيح والتقديس يصدر منهما لله عزوجل
__________________
(١) تقدم مدارك كون المراد من الأنفس في آية المباهلة عليّا عليهالسلام في (ج ٣ ص ٤٦ ، الى ص ٦٢).
(٢) تقدم بعض مدارك نزول هذه الآية في شان على عليهالسلام في (ج ٢ ص ٣٣٩ ، الى ص ٤٠٨).
(٣) تقدم بعض مدارك نزول هذه الآية في شان على عليهالسلام في (ج ٢ ص ٥٠٢ ، الى ص ٥٤٤).
(٤) تقدم بعض مداركه في (ج ٣ ص ٤٢٧ ، الى ص ٤٣٨).
(٥) تقدم مداركه في (ج ٢ ص ٤١٥ ، الى ص ٤٦٥ وج ٦ ص ٢٢٥ ، الى ص ٣٦٨).
(٦) تقدم مداركه في (ج ٥ ص ٥٤٠ ، الى ص ٥٨٦)
(٧) تقدم مداركه في (ج ٥ ص ٢٤٢ ، الى ص ٢٥٥).
وقد تقدم هذا أيضا ومنها أنّه نظيره في استحقاق الامامة ، لأنّه يستحقّها على طريق استحقاق النّبى صلىاللهعليهوآلهوسلم النّبوة ، سواء بدليل قوله تعالى لإبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ، قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ، الآية وقد مضى بيان ذلك وإنّهما عليهماالسلام دعوة إبراهيم الخليل عليهالسلام ومنها أنّه أخوه بسببين آخرين وهو أن النّبى صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يسمى فاطمة بنت أسد امّا ، والعم يسمى أبا بدليل قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) الآية وقال الزجاج : أجمع النّسابون على انّ اسم أبى إبراهيم تارخ وبقوله تعالى حكاية عن يعقوب : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) ، الآية وإسماعيل كان عمّه إلى غير ذلك من الأشياء الشريفة الّتى شابهه وناظره فيها وتعذر استقصاؤها هاهنا ، ومن يكون مشاكلا ومضاهيا للرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه المراتب العظيمة الجلية ، لا ريب في أنّه يكون أحقّ بالخلافة وأجدر ممّن لم يحصل له شيء من هذه أو بعضها ، وهذا ظاهر لمن تأمّله بيّن لمن تدبّره إنشاء الله سبحانه ، وأما ما ذكره من أنّ أبا بكر كان خليل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فانّما توهّمه من الحديث الموضوع الّذى وقع فيه الخلّة على وجه الفرض والتقدير وهو ما رووا عنه إنّه قال : لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، يعنى لو اتّخذت من غير أهل بيتي خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا فلا يلزم وقوع الخلّة وقال في شأن علىّ عليهالسلام بحرف التحقيق وصيغة الجزم في رواية ابن مردويه : (١) إنّ خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أتركه بعدي يقضى ديني وينجز موعدي علىّ بن أبي طالب ، فلا يعارض ما روى في شأن أبى بكر ما روى في شأن علىّ عليه آلاف التحية والثناء وأين المخيل من المحقّق؟ والمفروض من المجزوم به؟ ، ولو فرض وضع حديث يدلّ على تحقّق الخلّة لما كان معارضا لذلك ، لعدم الاتّفاق عليه ، ولمعارضته ما روى من نقائصه معه هذا. وقد أغمض النّاصب عن التعرض لما ذكره المصنّف من الحديث الجمع بين الصحاح
__________________
(١) تقدم بعض مداركه في (ج ٤ ص ٥٤ ، الى ص ٥٦)
ولعلّه استحيا نعم ، ونعم ما قيل :
شعر :
اسم على العرش مكتوب كما نقلوا |
|
من يستطيع له محوا وترقينا (١) |
قال المصنّف رفع الله درجته
الرابع عشر : في مسند أحمد بن حنبل وفي الصحاح الستّة عن النّبى صلىاللهعليهوآلهوسلم من عدّة طرق : إنّ عليّا منّي ، وأنا من عليّ وهو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة من بعدي لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ (٢) ، وفيه أيضا انّه (٣) لما قتل عليّ عليهالسلام أصحاب الألوية يوم احد قال جبرئيل عليهالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ هذه لهى المواساة فقال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ عليّا منّي وأنا منه فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : اتّصال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعليّ في النسب وأخوة الإسلام والنصرة والموازرة غير خفي على احد ، ولا دلالة على النصّ بخلافته ، لأنّ مثل هذا الكلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لغير عليّ كما ذكر أنّه قال الأشعريّون إذا قحطوا أرملوا ، وأنا منهم وهم منّي ، ولا شكّ أنّ الأشعريّين بهذا الكلام لم يصيروا خلفاء فلا يكون هذا نصّا «انتهى».
__________________
(١) الترقين : تسويد الموضع لئلا يتوهم أنه أبيض.
(٢) تقدم بعض مداركه في (ج ٥ ص ٢٧٤ ، الى ص ٣١٧)
(٣) تقدم بعض مداركه في (ج ٥ ص ٢٨٤ ، الى ص ٢٧٨).
أقول
الكلام الذي نقله عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في شأن الأشعريّين ، وزعم أنّه مثل ما قاله صلىاللهعليهوآلهوسلم في شأن عليّ عليهالسلام ليس بمتّفق عليه بين أهل الإسلام ، فلا يتمّ به المعارضة ولو أغمضنا عن ذلك فنقول : إنّه من جملة حديث ذكره البخاري بإسناده إلى أبي موسى الأشعريّ حيث قال : قال أبو موسى الأشعريّ : قال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الأشعريّين إذا ارملوا في الغزو وقلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب ، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة ، فهم منّي وأنا منهم «انتهى» وأبو موسى مع كونه مقيم الفتنة ومضلّ الامة ، ومع ما علم من فسقه وكفره وعناده بالنّسبة إلى أمير المؤمنين عليهالسلام أوان خلافته وفي يوم التحكيم فيه تهمة جلب النفع بذلك لنفسه في جملة الأشعريّين ، فلا يلتفت إلى حديثه ويقوى تهمة الكذب في ذلك ما رواه صاحب جامع الأصول : من أنّه قال عامر ابنه : حدّثت بذلك معاوية فقال : ليس كذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : هم منّي وإلىّ ، قلت : ليس هكذا حدّثني أبي ولكنّه حدّثني قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : هم منّي وأنا منهم ، قال : فأنت أعلم بحديث أبيك أخرجه التّرمذى ، «انتهى» ولو تنزلنا عن هذا أيضا نقول : رواية البخاري صريحة في أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقصد أنّ الأشعريّين منه وهو منهم مطلقا ومن جميع الوجوه ، بل في مواسات عيالهم وإخوانهم فقط كما صرّح به القسطلاني في شرح البخاري ، وسوق الكلام وتفريع قوله : فهم منّي وأنا منهم ، على ما قبله صريحان فيه أيضا ، والنّاصب حذف مقدّمة الحديث وفاء التفريع عن التتمة الّتي ذكرها ، مع ارتكاب تقديم ما هو مؤخّر فيها ، لئلا يتفطن أحد بالخصوصيّة الملحوظة فيها ، بخلاف ما ورد في شأن عليّ عليهالسلام في أحاديث متعدّدة وطرق شتّى ، فانّها مطلقة مشعرة بالجنسيّة والمشابهة والمماثلة في صفات
الكمال كما مرّ على التفصيل في تفسير قوله تعالى : (أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) الآية ، وقد فسّر بما يدلّ على ذلك في جملة حديث رواه ابن حجر في صواعقه يتضمّن شكاية بريدة عن عليّ عليهالسلام عند العود معه من اليمن ، وهو قوله عليهالسلام : إنّ عليّا منّي وأنا منه (١) ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ذرّيّة بعضها من بعض ، والله سميع عليم «انتهى» فانّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : خلق من طينتي بمنزلة تفسير لقوله : عليّا منّي وأنا منه كما لا يخفى ، وحاصله ما ذكرنا من الجنسيّة والمماثلة والمشابهة المطلقة والمماثلة ، ومن ثبت له الجنسيّة والمماثلة والمشابهة المطلقة بخير البشر كان الاتباع له والاقتداء به أوجب وأفرض ، وفي كونه عليه الصلاة والسلام مماثلا ومجانسا له أدلّ دليل على أنّه أولى بمقامه من جميع الخلائق كما لا يخفى ، فلخصوصيّة إرادة الجنسيّة الموجودة في خطاب علىّ عليهالسلام المفقودة في خطاب الأشعريّين ، لم يصيروا خلفاء ولا ادّعوا ذلك ، والا لكان أقل ما يجب على الأمّة أن يدخلوا بعضهم في الشورى فافهم ، ويدلّ على أنّ الفضيلة التامة في اطلاق العبارة المفيدة للجنسيّة أنّه لم يطلق ذلك مرّة على أحد من عمّه عبّاس وجعفر وعقيل وغيرهم من رجال أهل بيته ، ولا على أبى بكر وعمر وعثمان الّذين كانوا أقرب إلى الرّسول من الأشعريّين بالاتّفاق ، ويدلّ على ما ذكرناه أيضا ما رواه أحمد في مسنده والثعلبي في تفسيره من قول جبرئيل في قصّة البراءة : لا يؤدى عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فانّا نعلم ضرورة أنّ المعنى المستفاد من كلمة من «منّى خ ل» هاهنا ليس المعنى المستفاد من قوله للاشعريّين : فهم منّى ، ولو كان المراد منه ما أريد في خطاب الأشعريّين من المشابهة والقرب في الجملة ، لما دلّ قوله : رجل منك على وجوب عزل أبى بكر ونصب علىّ عليهالسلام ، لصدق أنّ أبا بكر رجل من النّبى صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمعنى الحاصل للأشعريّين ، وإلّا لزم الإزراء بجلالة قدر أبى بكر عند
__________________
(١) راجع كتابنا هذا (ج ٥ ص ٢٤٢ الى ص ٢٦٦ وص ٢٧٤ ، الى ص ٣١٧)
القائلين بخلافته وأفضليّته عن سائر الصحابة ، فعلم أنّ هنا خصوصيّة زائدة على ما في خطاب الأشعريّين ، كما قرّرناه ، وكذا يدلّ عليه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) لو فد ثقيف حيث جاءوا : لتسلمن أولا بعثنّ رجلا منّى أو قال : مثل نفسي فليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم ، وليأخذن أموالكم قال عمر : فو الله ما تمنّيت الأمارة إلّا يومئذ وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول : هو هذا قال : فالتفت إلى علىّ فأخذ بيده ، ثم قال : هو هذا ، كذا في الاستيعاب (٢) ، ولولا المراد من كلمة من «منّى خ ل» فيه ما ذكرناه لما تمنّاه عمر على ذلك الوجه ، فتوجّه.
قال المصنّف رفع الله درجته
الخامس عشر : في مسند (٣) أحمد بن حنبل أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لعليّ عليهالسلام : إنّ فيك مثلا من عيسي أبغضه اليهود حتّى اتهموا (بهتوا خ ل) امه وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه المنزل الّذى ليس له بأهل ، وقد صدق النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ الخوارج أبغضوا عليّا عليه الصلاة والسلام والنصيرية اعتقدوا فيه الربوبيّة «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : الحمد لله الّذى جعل السنّة معتدلين بين الفريقين من المفرطة في حبّ عليّ كالنصيريّة التي يدعون ربوبيّته ، وكالاماميّة الّتي يدّعون انّ اصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كفروا كلّهم لمخالفة النصّ في شأنه ، ومن المفرطة في بغضه كالخوارج
__________________
(١) تقدم منا بعض مدارك هذا الحديث في (ج ٦ ص ٤٤٩ ، الى ص ٤٥٨)
(٢) فراجع الاستيعاب (ج ٢ ص ٤٦٤ ط حيدرآباد الدكن)
(٣) تقدم منا بعض مدارك هذا الحديث في (ج ٧ ص ٢٨٤ ، الى ص ٢٩٦)
المبغضة ، وأمّا أهل السنّة والجماعة بحمد الله فيحبّونه حبّا شديدا ، وينزّلونه في منزلته الّتي هو أهل لها من كونه وصيّا وخليفة من الخلفاء الأربعة وصاحب ودائع العلم والمعرفة «انتهى».
أقول
إن الاماميّة لا يكفّرون كلّ أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا كلّ من خالف النصّ الجليّ الوارد في شأن علىّ عليهالسلام ، وانما يكفّرون من سمع النصّ ثمّ خالفه ، وهم جماعة معدودة كما حقّقناه في كتاب مجالس المؤمنين بل لا يكفّرون عند طائفة منهم سوى محاربى عليّ عليهالسلام من الصّحابة دون المخالفين له منهم ، وقد مرّ تفصيل الكلام في ذلك نقلا عن شرح المصنّف للتجريد ، وأما ما فعله النّاصب من إدخال الاماميّة في المفرطة كالنصيريّة حيث قال : وكالاماميّة الّتي يدّعون أنّ أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كفروا كلّهم بمخالفة النصّ في شأنه إلى آخره ، فمن فرط حماقته أو بغضه كالخوارج لعليّ عليهالسلام ، وكيف يتجه وصفهم بالإفراط في حبّه عليهالسلام؟ مع ما ذكر من استدلالهم على تلك الدعوى بمخالفتهم للنصّ الوارد في شأنه عليهالسلام وكيف يرضى محبّ بمحبّة من خالف حبيبه ، ومنع النصّ الوارد في شأنه ودفعه عن مقامه وأظهر عداوته ، ولنعم ما قيل :
تودّ عدوّى ثمّ تزعم انني |
|
صديقك إنّ الرّأي عنك لعازب |
نعم لو لم يكن تلك الدعوى منهم معلّلا بشيء يصلح عذرا لهم في ذلك لكان نسبتهم إلى الإفراط في محبّة عليّ عليهالسلام متجها وليس فليس ، ودعوى انّ دعواهم ذلك باطلة وتعليلهم فاسد ولو سلّم فهو بحث آخر لا دخل له في اثبات الإفراط وعدمه ، وأما ما ذكره من أن أهل السنة يحبّون عليّا حبا شديدا ، فخلافه ظاهر (١) ، وانّما يظهر بعضهم
__________________
(١) حكاية عجيبة : ان من علماء أهل السنة في عصرنا صبغة الله البغدادي وله وله متعصب
حبّه عليهالسلام حياء ورئاء للنّاس من باب قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) ، وقد كشف القاضي ابن خلّكان من أعلام أهل السنّة عن سرائر قلوبهم ، فقال في تاريخه الموسوم بوفيات الأعيان عند بيان أحوال عليّ بن جهم القرشي (١) وكونه منحرفا عن عليّ عليهالسلام : انّ محبّة عليّ لا يجتمع مع التسنن ، ولم يقصر الناصب أيضا في هذا الكتاب ، بل في هذا المقام عن اظهار عداوته عليهالسلام حيث أخره عن مرتبته الّتى رتبها الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم له ورآه أهلا ، لأن ينزّله في المرتبة
__________________
متعند قرع سمعي ان ذلك اللعين قال : ليتني كنت في أصحاب معاوية فأحارب عليا عليهالسلام فانظروا معشر العقلاء الى حبهم الشديد.
وقد صرح ابن أبى الحديد في شرحه على نهج البلاغة ان العداوة كانت محكمة بين بنى هاشم وتيم واثبت شيخنا هاشم بن سليمان البحراني في كتاب سلاسل الحديد على أهل السنة وأصحاب التقليد ان أبا بكر كان مبغضا عدوا لعلى عليهالسلام فهل يصلح للخلافة النبوية من هو منافق مبغض للعترة الزكية؟ «وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر».
وصرح أيضا شيخنا الحراني في هذا الكتاب نقلا عن بعضهم وهو ابو جعفر النقيب ان عمر افتعل حديثا يوم السقيفة وأوهم ان رسول الله (ص) ذم عليا عليهالسلام ، فاعتبر أقول : هكذا وجد بخط بعض الأفاضل ، وغير خفى ان كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد من مؤلفات شيخنا العلامة ففيه الشيعة الشيخ يوسف البحراني الحائرى كما صرح به نفسه في اللؤلؤة ، ومولانا السيد هاشم البحراني لا مؤلف له يسمى بهذا الاسم كما هو واضح لمن سبر كتب التراجم.
(١) على بن جهم هذا عليه ما عليه كان معاصرا لمولانا الرضا عليهالسلام وله سؤالات عنه عليهالسلام على سبيل الامتحان بتحريك المأمون وبمقتصى طبعه الميشوم ، وهي مذكورة في كتاب عيون أخبار الرضا وكتاب الاحتجاج. منه «قد».
الرابعة من خلفائه ويجعل الثلاثة أميرا عليه ، مع ظهور أنّ ذلك لا يليق بشأن قنبر من عبيده بل بحال كلب باسط ذراعيه في وصيده ، ولنعم ما قال العارف الغزنوي في قصيدته :
آنكه او را بر عليّ مرتضى خواني أمير |
|
بالله ار بر مي تواند كفش قنبر داشتن |
قال المصنّف رفع الله درجته
السادس عشر : (١) في مسند أحمد بن حنبل وهو مذكور في الجمع بين الصحيحين وفي الجمع بين الصحاح الستة إنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : هذا الحديث صحيح لا شكّ فيه ، وفي رواية هذا الحديث عن عليّ رضياللهعنه : (٢) أنّه قال : عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلىّ أن لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق ، والحمد لله الّذى جعلنا من أهل محبّته وملأ قلوبنا من صفو مودّته وبالله التوفيق «انتهى».
أقول
اخباره عن الجعل المذكور كذب على الله تعالى وعلى نفسه ، وقد شهد فاتحة أمره وخاتمته على أنّ الله سبحانه لم يجعل التوفيق رفيقا له في ذلك بحمد الله تعالى ، ومن الشواهد ما يرى من تحريفاته للآيات والأحاديث عن الموضع والمستقر
__________________
(١) تقدم منا بعض مدارك هذا الحديث في (ج ٧ ص ١٨٩. الى ص ٢١٥)
(٢) تقدم منا بعض مدارك هذا الحديث في (ج ٧ ص ١٩٥ ، الى ص ٢٠٨)
وتعصّباته الّتي تشمّ منها رائحة إحراقه في السقر.
قال المصنّف رفع الله درجته
السابع عشر : في مسند (١) أحمد بن حنبل : انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا ، قال عمر : أنا هو يا رسول الله ، قال : لا ولكنّه خاصف النعل ، وكان عليّ عليهالسلام يخصف نعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحجرة عند فاطمة عليهماالسلام ، وفي الجمع بين الصحاح الستة : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لتنتهنّ معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا منّي امتحن الله قلبه للايمان يضرب رقابكم على الدّين ، قيل : يا رسول الله أبو بكر ، قال : لا ، قيل : عمر ، قال : لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : صحّ هذا الحديث وهذا يدلّ على أنّه يقاتل البغاة والخوارج وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ، فقاتلهم أمير المؤمنين وعلم النّاس قتال الخوارج والبغاة كما قال الشافعي : انّه لو لم يقاتل أمير المؤمنين البغاة ما كنّا نعلم كيفيّة القتال معهم ، وهذا لا يدلّ على النصّ بخلافته ، بل إخبار عن مقاتلته في سبيل الله مع العصاة والبغاة «انتهى».
أقول
__________________
(١) تقدم منا بعض مدارك هذا الحديث في (ج ٦ ص ٢٤ ، الى ص ٣٨)
في الحديثين دليل (١) قاهر وبيان ظاهر وإشارة واضحة إلى النصّ على مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام من الله سبحانه وتعالى وذلك أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ليبعثن الله عليكم فكانت ولايته من الله ، لأنّه تعالى هو الباعث له والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مخبر عن الله سبحانه ، وهو (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ، فيثبت ولايته بالوحي العزيز بما نطقت به أخبار الفريقين ، ويزيد ذلك بيانا وإيضاحا ، انّ ضرب الرقاب على الدّين بعد الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يكون إلّا للإمام فقط ، لأنّه المتولى لها دون الامّة ، وقول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله يقتضي التشبيه والمماثلة ، لأنّ الكاف للتشبيه ، ومشابه الرسول لا بدّ وأن يكون حقا للمواد المتّصلة إليه من الله سبحانه ، فلا يجوز أن يشبّه الشّيء بخلافه ولا يمثّله بضدّه ، بل يشبه الشيء بمثله ، ويمثله بنظيره ، فيكون عليهالسلام مشابهة صلىاللهعليهوآلهوسلم في الولاية ، لهذا ولاية التنزيل ، ولهذا ولاية التأويل ، ويكون قتاله على التّأويل مشبّها بقتاله على التنزيل ، لأنّ إنكار التّأويل كإنكار التنزيل ، لأنّ منكر التنزيل جاحد لقبوله ، ومنكر التأويل جاحد للعمل به ، فهما سواء في الجحود ، وليس مرجع قتال الفريقين إلّا إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الامام ، فدلّ على أنّ المراد بذلك القول الامامة لا غير ، وحديث خاصف النعل حديث مشتهر بين الفريقين ، وقد نظمه السيّد الحميري والعبدى وغيرهما ولقد أجاد بعض العلويّات رحمها الله تعالى في نظمه حيث قالت :
شعر :
وله إذا ذكر الفخار فضيلة |
|
بلغت مدى الغايات بالإيقان (استيقان) |
إذ قال أحمد إنّ خاصف نعله |
|
لمقاتل بتأوّل القرآن |
قوما كما قاتلت عن تنزيله |
|
وإذا الوصيّ بكفّه نعلان |
__________________
(١) ولا يخفى ان الناصب جعل هذين الحديثين في فصل واحد ، وفي النسخة الموجودة عندنا من نسخ الكتاب جعلهما في فصلين ، والأمر فيه سهل ، منه نور الله مرقده.
هل بعد ذاك على الرّشاد دلالة؟ |
|
من قائم بخلافه ومعان |
قال المصنّف رفع الله درجته
الثامن عشر : (١) في مسند أحمد بن حنبل والجمع بين الصّحاح الستّة عن أنس بن مالك قال : كان عند النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم طاير قد طبخ له ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي ، فجاء عليّ عليهالسلام فأكله معه ، ومنه عن ابن عبّاس انّه لما حضرت ابن عبّاس الوفاة قال : اللهم إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام«انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : حديث الطير مشهور وهو فضيلة عظيمة ومنقبة جسيمة ، ولكن لا يدلّ على النصّ ، والكلام ليس في عدّ الفضائل ، وأمّا التوسل بولاية عليّ فهو حقّ ، ومن أقرب الوسائل «انتهى».
أقول
انّ حديث الطير مع أنّه كما اعترف به النّاصب مشهور بل بالغ حدّ التواتر ، وقد رواه (٢) خمسة وثلاثون رجلا من الصحابة عن أنس وغيره عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وصنف أكابر المحدّثين فيه كتبا ورسائل مؤيّد بما مرّ من حديث خيبر وغيره ، ووجه التأييد شهادة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عليّ عليهالسلام بمحبة الله تعالى له ، ومحبته لله تعالى كما ذكره المصنّف في شرح الياقوت لا معني لها إلّا زيادة الثواب ، وذلك لا يكون إلّا بالعمل ،
__________________
(١) تقدم منا بعض مدارك هذا الحديث في (ج ٥ ص ٣١٨ ، الى ص ٣٦٨)
(٢) فراجع ما تقدم منا في الموضع المتقدم ذكره.
أن يكون عمل عليّ عليهالسلام أكثر من غيره ، واعلم : أنّ المحبّة مرتبة عليّة ودرجة سنيّة هي من صفات الله سبحانه حقيقة يعبّر عنها المتكلم بالإرادة ، والحكيم بالعناية ، وأهل الذوق بالعشق ، وقد فاض شيء من رحيق كأسها بحسب الاستعدادات والقوابل من الحقّ على الخلق ، فكلّ بها يطلب العود إلى مبدئه ، ومن خلا منها فهو من المطرودين الذين رضوا بالحياة الدّنيا واطمئنّوا بها ، فهم كالأرض الساكنة الّتي لا حراك بها ، وبتلك المحبّة حركة الأفلاك والأملاك والعقول والنفوس والأرواح والقوى والعناصر والمواليد الثلاثة طلبا للكمال ، واهتزازا من مشاهدة الجمال ، ورجاء للتخلص عن قيد التشخّص والسير إنّما هو على اقدام الاقدام بها ، والطّيران إنّما هو بأجنحة اجتلاء (امتلاء خ ل) القلوب عنها ، والكتب السماويّة والآيات الربانيّة والأحاديث النّبويّة تشهد بثبوتها ووجودها ، قال تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ، وقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، وقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) ، وقال الله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، وقال تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) ، وروت الثقاة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر عن الله تعالى انّه قال : لا يزال عبدى يتقرّب إلىّ بالنوافل حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الّذى يسمع به ، وبصره الّذى يبصر به ، ويديه الّتي يبطش بها ، ورجله الّتي يمشي عليها ، فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يأخذ ، وبي يعطي ، وبي يقوم ، وبى يقعد ، وإذا سألنى أعطيته وإذا استعاذنى استعذته ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذا أحبّ الله عبدا دعا جبرئيل فقال له : إنّى أحبّ فلانا فأحبّه ، قال : فيحبّه جبرئيل فينادى في السماء إنّ الله يحبّ فلانا فأحبّوه ، فيحبّه من في السماء ، ثمّ يوضع له القبول في العناصر ، فما يتركّب منها شيء إلّا أحبّه ، ولهذا روى في المشهور أنّه لما رأى محمّد بن سليمان العبّاسى (١) حسن
__________________
(١) ورأيت في بعض الكتب انه ابن راشد ويمكن أن يكون أحدهما الأب الحقيقي والآخر الجد. منه رحمهالله.
مناظرة بهلول بن عمرو العارف العاقل المعروف مع عمر بن عطاء العدوى ، في امامة علىّ بن أبي طالب عليهماالسلام قال : ما خاطب البهلول بقوله : ما الفضل إلّا فيك؟ وما العقل إلّا من عندك؟ والمجنون من سماك مجنونا ، لا اله الّا الله ، لقد رزق الله علىّ بن أبي طالب عليهماالسلام لبّ كلّ ذى لبّ ، فقد ثبت من الكتاب والسنة ، وكلام أكابر الامّة وجود المحبّة وثبوتها ، غير أنّها وان اشترك اسمها في الإطلاق ، لكنّها يختلف باختلاف المتعلّق ، فمحبّة الله لعبده تخصيصه بانعام مخصوص ، يكون سببا لتقريبه وازلافه من محالّ الطهارة والقدس ، وقطع شواغله عمّا سواه ، وتطهير باطنه عن كدورات الدّنيا ، ورفع الحجاب حتّى يشاهده في جميع الأشياء ، ويشهد أنّ جميع الأشياء بالحقّ قائمة وأنّ وجوده وجوده ، ولا وجود لشيء إلّا بنحو من الانتساب كما استعذبه ذوق المتألهين من الحكماء أيضا ، فيأخذ بالله ، ويعطى بالله ، ويحبّ لله ، ويبغض لله ، وهذا سرّ لا إله إلّا الله ، وحقيقة لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، فهذه الإرادة هي المحبّة وإن كانت إرادته لعبده أن يختصّه بمقام من الأنعام دون هذا المقام كإرادته ثوابه ودفع عقابه ، وهذه الإرادة هي الرّحمة ، فالمحبّة أعمّ من الرحمة ، وأما محبّة العبد لله تعالى ، فهي ميله إلى نيل هذا الكمال وإرادته الوصول إلى هذا المقام الّذي يتسابق إليه الرّجال وتتهافت على التحلي به همم الأبطال ، وإذ قد عرفت محبة الربّ ومحبّة العبد ، وانقدت النّاس ، عرفت أنّ بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس لأحد هذا المقام ، إلّا لأمير المؤمنين عليه آلاف التحيّة والثناء ، بيان ذلك : أنّ النّبى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لمّا علم اتصاف علىّ بهذه الصّفة (المحاسن خ ل) من الجانبين وكانت أمرا معنويّا لا يدرك إلّا بإظهار أمر محسوس من لوازمها ، يشهد ذلك الأمر لمن اتّصف به باتصافه بتلك المحبّة أثبتها صلىاللهعليهوآله لعلىّ عليهالسلام بأمرين : أحدهما فتح خيبر ، فجمع صلىاللهعليهوآلهوسلم في وصفه بين المحبّة والفتح بحيث يظهر لكلّ أحد صورة الفتح ويدركه بحس البصر ، فلا يبقى عنده تردّد في اتّصافه بالصفة المعنويّة المقرونة
بالصّفة المحسوسة ، وثانيهما حديث الطائر ، جعل صلىاللهعليهوآلهوسلم وإتيانه وأكله معه من ذلك الطائر ، وهما أمران محسوسان دليلا موضحا لاتّصافه بتلك الصّفة ، ليعلم أنّه عليهالسلام هو وأتباعه هم الّذين أخبر الله تعالى عنهم بقوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ، ومما يصرّح بهذا المعنى ما سبق (١) من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لتنتهنّ يا قريش ، أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا يضرب رقابكم على التأويل كما ضربت رقابكم على تنزيله ، فقال بعض أصحابه : من هو يا رسول الله؟ أبو بكر ، قال : لا ، قال : عمر ، قال : لا ، ولكنه خاصف النعل «الحديث» ، وإذا سبرت أحواله واعتبرت أقواله ظهر لك اتّصافه بهذه المحبّة باعتبار تعلّقين أما محبّة الله تعالى فظاهرة آثارها ساطعة أنوارها من ازلافه سبحانه وتعالى من مقام التقديس ومقرّ التّطهير ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما سبق أيضا من حديث النجوى (٢) المشهور : ما انتجيته ولكن الله انتجاه ، وروى ابن مسعود ، قال : قال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله يبعث أناسا وجوههم من نور على كراسيّ من نور عليهم ثياب من نور في ظلّ العرش بمنزلة الأنبياء والشهداء ، فقال أبو بكر : أنا منهم يا رسول الله؟ قال : لا ، قال عمر : أنا منهم؟ قال : لا ، قيل : من هم يا رسول الله؟. فوضع يده على رأس عليّ عليهالسلام وقال : هذا وشيعته ، وروى محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السروىّ المازندراني رحمهالله ، قال : حدّثني الحافظ أبو العلاء الهمداني ، والقاضي أبو منصور البغدادي بالاسناد عن أبي بكر (٣) وعن أنس ، وروى مشايخنا عن الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين السلام ، عن آبائه ، عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه قال : خلق الله عزوجل من نور وجه عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبّيه إلى يوم القيامة ، وفي كتاب
__________________
(١) تقدم منا نقل بعض مداركه في (ج ٦ ص ٢٤ ، الى ص ٣٨)
(٢) تقدم منا نقل بعض مداركه في (ج ٦ ص ٥٢٥ ، الى ص ٥٣١)
(٣) تقدم منا نقل بعض مداركه في (ج ٦ ص ١١٣ و ١١٤)
الحدائق عن أبي تراب الخطيب بإسناده إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (١) إنّ الله قد خلق من نور وجه عليّ عليهالسلام ملائكة يسبحونه ويقدسونه ويجعلون ثواب ذلك لعليّ ولمحبّيه ، وأما محبته لله تعالى فهي معلومة لكلّ أحد من عباداته ومجاهداته ورفضه الدّنيا واعراضه عما سوى الله ، وإقباله بكلا كله (٢) على مولاه ، ولو أردنا استقصاء بعض من ذلك لطال المطال وكثرت المقال ، ولربما حصل لبعض الملال ، ولقد اتضح بما قرّرناه بطلان ما ذكره النّاصب الشقي : من أنّ الحديث لا يدلّ على النص ، إلى آخره ، وذلك لما عرفت : من أنّه دالّ على الأفضليّة ، لدلالته على أنّه عليهالسلام أحبّ الى الله من كلّ المخلوقات ، وأما عدم كونه عليهالسلام أحبّ من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد علم من خارج ، وهو انعقاد الإجماع على أنّه عليهالسلام أحبّ الى الله تعالى من جميع المخلوقات بلا استثناء ، فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم مستثنى بالإجماع ، وبقرينة السؤال ، وأمّا الملائكة فليس شيء يخرجهم عن هذا الحكم ، فيكون هو عليهالسلام أحبّ منهم ، وأجاب صاحب المواقف بأنّ الحديث لا يفيد كون عليّ عليهالسلام أحبّ إلى الله تعالى في كلّ شيء لصحة التقسيم ، وإدخال لفظ الكلّ والبعض ، الا يرى أنّه يصحّ أن يستفسر ويقال : أحبّ خلقه اليه في كلّ شيء أو في بعض الأشياء ، وحينئذ جاز أن يكون أكثر ثوابا في شيء دون آخر ، فلا يدلّ على الأفضليّة مطلقا ، وفيه أنّ قوله عليهالسلام : أحبّ لفظ عام أو مطلق ، فمن خصّه أو قيّده بوقت دون وقت وببعض الأشياء دون بعض ، فعليه الدليل ، لأنّ العام والمطلق لا يخصّ ولا يقيّد بالاقتراح ، بل يخصّ أو يقيّد بالدليل ، ودون ذلك خرط القتاد ، وأيضا على هذا التقدير لا فائدة في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ايتني بأحبّ خلقك ، لأنّ كلّ مسلم أحبّ عند الله من وجه وفي وقت دون وقت ، وأيضا يتوجّه عليه ما قاله بعض أصحابنا : من أنّ مثل هذا البحث يجرى في استدلالهم
__________________
(١) تقدم منا نقل بعض مداركه في (ج ٦ ص ١١٥)
(٢) الكلاكل : الجماعات.
على أفضليّة أبى بكر بقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) ، (١)
__________________
(١) قال قطب فلك التحقيق في كتابه الموسوم «بدرة التاج» : سيم اگر خلافت أبو بكر باطل باشد ممدوح عظيم نباشد عند الله لكن او چنين است لقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) وقوله تعالى : (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ) الى قوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ، واو از سابقانست در دين ولقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) ، ومراد أبو بكر است پيش اكثر اهل تفسير ، ودليل بر آنكه مراد ابو بكر است آنست كه أتقى أكرم است عند الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ، وأكرم پيش خداى تعالى أفضل باشد وافضل خلق بعد از نبى صلىاللهعليهوآلهوسلم يا ابو بكر است يا على بإجماع ومراد على نيست چه در وصف آن اتقى گفته : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) ، ونبى را پيش على نعمت تربيت وشراب است وطعام وآن نعمتى است كه تجزى ، ونبى را پيش ابو بكر جز نعمت ارشاد نبود وآن نعمتى است كه لا تجزى چه خداى تعالى حكايت كرده از انبياء كه ايشان با قوم خود ميگفتند (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى ...) الله رب العالمين ، آيه دلالت كرد بر اينكه أبو بكر افضل خلق است ، انتهى من ميگويم اين دليل نا مستقيم وبى صورت است ، چه مدلول منطوق ومفهوم آيه كريمه توصيف اتقى است به آنكه معطى زكاة باشد به اين طريق كه از مال خود زكاة دهد (ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) الكريم بى آنكه كسى از آخذين زكاة را از او نعمتى باشد نزد او در ايتاء مجازات واداى حق نعمتش ملحوظ مزكى باشد چنانكه فقهاء در كتب فروع بيان كرده اند پس مراد از لاحد احد من آخذين الزكاة منه است ، وضمير عنده باتقى مزكى عائد ونبى را (ص) در آن مدخلي نيست چه زكاة واجب ومنصوب بر جناب او محرم است وهيچ مسلم را شك نيست كه اين وصف بر حال شريف أمير المؤمنين على بن أبي طالب صلوات الله عليه منطبق است كه در ايتاء زكاة ودر جميع اعمال محض ابتغاء وجه كريم اللهى ملحوظ نفس مقدس بوده ولهذا ذات كريمش سورة الإخلاص است ودر كتاب مبين وجود عبارت است
مع أنّه عمدة أدلّتهم على أفضليّته ، وذلك لصحّة الاستثناء في الأتقى ، وإدخال لفظة الكلّ والبعض ، فلم يبق الّا العناد والغفلة والرّقاد ، ولنعم ما قال ابن رزيك رحمهالله :
شعر :
وفي الطائر المشوى أو في دلالة |
|
لو استيقظوا من غفلة وسبات |
وقال الصاحب بن عبّاد رحمهالله تعالى :
شعر :
علىّ له في الطّير ما طار ذكره |
|
وقامت به أعداؤه وهي شهّد |
قال المصنّف رفع الله درجته
التاسع عشر : (١) في مسند أحمد بن حنبل وصحيح مسلم ، قال : لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : سلوني إلّا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا مدينة العلم (٢) وعلى عليهالسلام بابها «انتهى».
__________________
از نظام جمل موجودات ولهذا قال رسول الله (ص) : مثل على بن أبي طالب فيكم مثل (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) في القرآن ، وما بفضل الله تعالى اين معنى را بسطى لايق كرده ايم در كتاب تقديسات وديگر كتب وتعاليق خود بغايت عجيب است از مصنف وساير اعاظم اهل علماى سنت وجماعت با براعت در علوم لسان وعلوم عقلي كه در تفسير اين آيه كريمه در چنين التباسى افتاده اند ، (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، من افادات السيد السند الأجل الأعظم الأفخم محمد باقر داماد في جواب ما ذكره محمد.
(١) سيأتي نقل الأحاديث الواردة في ذلك في فصل العلم إن شاء الله تعالى.
(٢) تقدم نقل بعض مدارك هذا الحديث في (ج ٥ ص ٤٦٨ ، الى ص ٥٠١) ويتلوه قوله صلىاللهعليهوآله : انا مدينة الحكمة وعلى بابها وتقدم نقل بعض مداركه في (ج ٥ ص ٥٠٢
قال النّاصب خفضه الله
أقول : هذا يدلّ على وفور علمه واستحضاره أجوبة الوقائع واطلاعه على شتات العلوم والمعارف ، وكلّ هذه الأمور مسلّمة ، ولا دليل على النصّ ، حيث انّه لا يجب أن يكون الأعلم خليفة ، بل الأحفظ للحوزة والأصلح للامّة ، ولو لم يكن أبو بكر أصلح للامّة لما اختاروه كما مرّ «انتهى».
أقول
في الحديث إشارة إلى قوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) ، وفي كثير من روايات ابن المغازلي تصريح بذلك ، ففي بعضها مسندا إلى جابر : أنا مدينة العلم وعليّ عليهالسلام بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب ، وفي بعضها مسند إلى علىّ عليهالسلام : يا عليّ أنا مدينة العلم وأنت الباب ، كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلّا من الباب ، وروى عن ابن عبّاس : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد الجنّة فليأتها من بابها ، وعن ابن عبّاس أيضا بطريق آخر : أنا دار الحكمة (١) وعليّ بابها ، فمن أراد الحكمة فليأت الباب ، وهذا يقتضى وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، لأن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كنّي عن نفسه الشريفة بمدينة العلم ، وبدار الحكمة ، ثمّ أخبر أنّ الوصول إلى علمه وحكمته وإلى جنّة الله سبحانه من جهة عليّ عليهالسلام خاصّة ، لأنّه جعله كباب
__________________
الى ص ٥٠٥ ويتلوه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا مدينة الفقه وعلى بابها ، وتقدم نقل بعض مداركه في (ج ٥ ص ٥٠٥) ويتلوه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا دار العلم وعلى بابها وتقدم نقل بعض مداركه في (ج ٥ ص ٥٠٦) ويتلوه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : انا دار الحكمة وعلى بابها ، وتقدم نقل بعض مداركه في (ج ٥ ص ٥٠٧ الى ص ٥١٥).
(١) وقد تقدم بعض مداركه في (ج ٥ ص ٥٠٧ الى ص ٥١٥)
مدينة العلم والحكمة والجنّة الّتي لا يدخل إليها إلّا منه ، وكذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلّا من الباب ويشير إليه الآية أيضا كما ذكرناه ، وفيه دليل على عصمته وهو الظاهر ، لأنّه عليهالسلام أمر بالاقتداء به في العلوم على الإطلاق ، فيجب أن يكون مأمونا عن الخطاء ويدلّ على أنّه امام الامّة لأنّه الباب لتلك العلوم ، ويؤيد ذلك ما علم من اختلاف الامّة ، ورجوع بعض إلى بعض وغنائه عليهالسلام عنهما ، ويدلّ أيضا على ولايته عليهالسلام وإمامته ، وانّه لا يصحّ أخذ العلم والحكمة ودخول الجنّة في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا من قبله ، ورواية العلم والحكمة إلّا عنه لقوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) ، حيث كان عليهالسلام هو الباب ولله درّ القابل :
مدينة علم وابن عمّك بابها |
|
فمن غير ذاك الباب لم يؤت سورها |
ويدل أيضا على أنّ من أخذ شيئا من هذه العلوم والحكمة الّتي احتوى عليها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من غير جهة عليّ عليهالسلام ، كان عاصيا كالسّارق والمتسوّر ، لأنّ السّارق والمتسوّر إذا دخلا من غير الباب المأمور بها ووصلا إلى بغيتهما كانا غاصبين ، وقوله عليهالسلام فمن أراد العلم فليأت الباب ، ليس المراد به التخيير ، بل المراد الإيجاب والتهديد ، كقوله عزوجل : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، والدّليل على ذلك أنّه ليس هاهنا نبيّ غير محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم هو مدينة العلم ودار الحكمة ، فيكون العالم مخيّرا بين الأخذ من أحدهما دون الآخر ، وفقد ذلك دليل على إيجابه ، وانّه فرض لازم ، والحمد لله ، وأما ما ذكره النّاصب من أنه لا يجب أن يكون الأعلم خليفة ، فقد عرفت فساده مما ذكرناه هاهنا وفيما مرّ وأما ما ذكره من أنّه يكفي الأحفظ للحوزة والأصلح للامّة ، فقد مرّ بيان عدم تحقّق الأحفظية بدون الأعلمية ، ومنع أن أبا بكر كان أحفظ وأصلح ، وما ذكره : من أنّه لو لم يكن أبو بكر أصلح ، لما اختاروه كما مرّ ، فقد مرّ ما فيه من بطلان ثبوت الامامة بالاختيار سيّما اختيار بعض الامّة كما عرفته ، ومن جملة تعصّبات ابن حجر المتأخّر الناشية عن حماقته أنه منع صحّة الحديث أوّلا ، ثمّ قال : وعلى تسليم صحّته أو حسنه فأبو بكر محرابها ،