تراثنا ـ العدد [ 13 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 13 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤

صاحب «اللباب» أن المشتهر بهذه النسبة جماعة؟!

ليت شعري هل استخرجه الدكتور باليانصيب؟!

إن ابن المغازلي المترجم هو أحد حفاظ الحديث المشهورين المعروفين عند أهل الفن ، غير منكور ولا مجهول ، وكتابه «المناقب» مطبوع عدة مرات وهو في متناول اليد ، وقد حققه الشيخ محمد باقر البهبودي ، وطبع في طهران من منشورات المكتبة الإسلامية ، وفي بيروت من منشورات دار الأضواء.

وابن المغازلي هذا هو الحافظ أبو الحسن أو أبو محمد علي بن محمد ، الشهير بابن المغازلي الواسطي ، وهو مؤرخ واسط وخطيبها ، ثم انتقل إلى بغداد في أواخر عمره وبها توفي سنة ٥٣٤ ه ، روى عن جماعة غفيرة من الرواة والمحدثين منهم : أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله القاضي الشافعي ، وأبو طاهر محمد بن علي بن محمد البيع البغدادي الشافعي ، وأبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي الواسطي الشافعي ، وأبو بكر محمد بن عبد الوهاب بن طاوان الشافعي الواسطي.

كما قد روى عنه آخرون منهم : ابنه أبو عبد الله محمد القاضي بن علي بن محمد بن الطيب الجلابي ، المعروف كأبيه بابن المغازلي ، المتوفى سنة ٥٤٢ ، ومنهم أبو القاسم علي بن طراد الوزير البغدادي ، وأبو المظفر عبد الكريم بن محمد المروزي الشافعي الشهير بابن السمعاني ، المتوفى سنة ٥٦٢ ، صاحب كتاب «الأنساب» فإنه يروي عن ابن المغازلي المذكور بواسطة ولده القاضي أبي عبد الله محمد.

ذكره ـ أعني ابن المغازلي ـ السمعاني في الأنساب الصفحة ١٤٦ (طبع مرجليوث) إلا أنه قال : غرق ببغداد في دجلة في صفر سنة ٤٨٣ وحمل ميتا إلى واسط ودفن بها. كما قد ذكره الزبيدي في تاج العروس ١ / ١٨٦.

هذا ، وقد نقل عنه كثيرون في كتبهم أمثال الذهبي في «ميزان الاعتدال» والهمداني في «مودة القربى» والقندوزي في «ينابيع المودة» والحمويني في «فرائد السمطين» وابن حجر العسقلاني في «تبصير المنتبه».

١٩ ـ وذكر المصنف في الصفحة ٥٣ : «وروى (ع) [ووضع المحقق كلمة

٢١

(كذا) بعده] بإسناده عن ابن المغازلي ...».

وقال الدكتور المحقق في الهامش : «لعل حرف (ع) اختصار ل (عليه‌السلام أو عليه الرحمة) ، ولكن لم أهتد إلى هذا المدعو له وإني لا تسأل : أما يكون قد سقط شئ من كلام المصنف؟».

أقول : لا شئ سقط هنا من كلام المصنف ، ولا هو اختصار لعليه السلام أو عليه الرحمة ، ولم يكن الأمر يحتاج إلى هذا التكلف ، بل الأمر ينكشف ببعض الدقة والتنبه ، فإنه قد تكرر النقل من كتاب «عمدة صحاح الأخبار» لابن البطريق الحلي وحرف (ع) إشارة إلى هذا الكتاب لا إلى (عليه‌السلام) فإن الإمام لا يروي عن ابن المغازلي!!!

٢٠ ـ ومما مر يظهر خطؤه أيضا في هذا الباب ـ في الصفحة ١٠٧ ـ عندما قال المصنف : «روى (ع) عن ابن المغازلي بإسناده المتصل ...».

قال السامرائي في الهامش : «جاء في (ط) بعد قول المصنف (روى) حرف (ع) وكأنه يشير به إلى أبي عمر يوسف بن عبد البر».

أقول : لا أدري ما هو الربط بين حرف (ع) وبين أبي عمر يوسف بن عبد البر؟! فليس أول هذا الاسم حرف (ع) حتى يرمز إليه بهذا الحرف ، والعجب من المحقق أنه حذف حرف (ع) من المتن وأشار إليه في الهامش على خطأ! وأعجب منه أنه في الصفحة ١٥٢ قد حذف حرف (ع) من المتن ولم يشر إليه في الهامش عند قول المصنف : «ورواه أحمد بن حنبل في أسانيد كثيرة ...» ، وفي المخطوطة : «ورواه (ع) عن أحمد بن حنبل ...» فحذف المحقق حرف (ع) لا لشئ سوى جهله بمعناه .. والمرء عدو ما جهل!!

٢١ ـ قال المصنف ـ الصفحة ٦٩ ـ : «ولقد ضرب مقدم العلماء في زمنه ابن الخطيب الرازي في المثل بأمير المؤمنين ...».

قال المحقق في الهامش : «لم اهتد إلى ابن الخطيب».

أقول : إني لم أرد انتقاد الدكتور لعدم وجدانه ترجمة الرازي هذا وإلا

٢٢

فإني قد أحصيت الموارد التي أشار في الهامش إلى أنه لم يهتد إلى معرفتها أو معرفة مظانها فبلغت ٥٩ موردا مع أنها موجودة في مظانها وتحتاج إلى قليل من الجهد للعثور عليها ، ولكني أود أن أشير إلى أن الرازي هذا هو من الشهرة بمكان بحيث لا يجهله من كان له أدنى مطالعة حتى تلاميذ المدارس فضلا عمن يعمل في حق التحقيق والتأليف! والرازي قد ترجم له كثيرون ، ويكفي أن يرجع الإنسان إلى كتاب معجم المؤلفين ١١ / ٧٩ ليقف على أكثر من أربعين مصدرا قد ترجم لفخر الدين الرازي.

وهنا ـ للاختصار ـ أنقل ما ذكره ابن خلكان فقط ، فإنه قال في كتابه وفيات الأعيان ٤ / ٢٤٨ : أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التيمي البكري الطبرستاني الأصل الرازي المولد ، الملقب فخر الدين ، المعروف بابن الخطيب ، الفقيه الشافعي ، فريد عصره ، ونسيج وحده ، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل ، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة منها تفسير القرآن الكريم جمع فيه كل غريب وغريبة.

٢٢ ـ قال المصنف في الصفحة ١٠٩ : «إذ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : بروا أولادكم بحب علي».

وقال الدكتور المحقق في الهامش : «في ط : بوروا» ثم قال : «لم أهتد إلى تخريج الحديث».

أقول : والعجب أن يصبح الصحيح غلطا والغلط صحيحا بسبب عدم فهم كلمة ، أو لعدم التمكن من قراءتها بصورة صحيحة ، وإلا فالحديث مشهور منقول فأبدل المحقق كلمة «بوروا» إلى «بروا» وجزاه الله خيرا حيث أشار في الهامش إلى الصحيح!

والحديث قد ورد في عدة مصادر منها : النهاية لابن الأثير ١ / ١٦١ مادة (بور) قال : ومنه الحديث «كنا نبور أولادنا بحب علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ» أي نمتحن.

٢٣

وكذلك قاله الزبيدي في تاج العروس ، مادة (بور).

وقال العلامة محمد طاهر بن علي الصديقي في مجمع بحار الأنوار ١ / ١٢١ طبعة لكهنو : ومنه الحديث «كنا نبور أولادنا بحب علي».

وجاء في كتاب «الغريبين» ـ المخطوط ـ للعلامة أبي عبيد الهروي وكذلك في مناقب عبد الله الشافعي ـ المخطوط ـ وفي كتاب «الأربعين» للمولى علي الهروي : ٥٤ ـ كل ذلك عن كتاب إحقاق الحق المتضمن تعليقات آية الله العظمى المرعشي النجفي ٧ / ٢٦٦ ـ : قال عبادة بن الصامت : كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب ، فإذا رأينا أحدا لا يحبه علمنا أنه ليس منا وأنه لغير رشدة.

وقد وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى بألفاظ مختلفة نشير إلى ما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٢٣٦ ، وقال ابن حيان : روي عن أحمد بن عبدة ، عن ابن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أمرنا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أن نعرض أولادنا على حب علي بن أبي طالب.

وكذلك أورده أيضا ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ٢ / ٢٣١ طبعة حيدر آباد.

٢٣ ـ قال المصنف في الصفحة ١٢٤ : «وأما ما يتعلق بالضحاك فقد ذكر ابن حبان ثلاثة بهذا الاسم وضعفهم وهم : الضحاك بن نبراس ، والضحاك بن الأهوار ، والضحاك بن حجرة المسبحي».

قال الدكتور السامرائي في الهامش معلقا على ابن حبان : «يريد كتابه الجرح والتعديل».

أقول : إن كتاب «الجرح والتعديل» هو لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي ، المتوفى سنة ٣٢٧ ، والكتاب في تسعة أجزاء واسم مؤلفه قد كتب عليه بالخط البارز ولا يحتاج في رؤيته إلى نظارات بل يرى بالعين المجردة فلا يقع فيه اشتباه ـ كقراءة المخطوطة مثلا ـ فيقرأ ابن حيان ، هذا أولا.

٢٤

وثانيا : إن ابن حبان ـ لا ابن حيان كما يذكره السامرائي! ـ هو محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي ، المتوفى سنة ٣٥٤ ، صاحب كتاب «المجروحين» الشهير ، وابن حبان معروف لدى الرجاليين وأرباب التراجم وكثيرا ما ينقلون عنه توثيقه أو تضعيفه ، وكتابه «المجروحين» قد طبع عدة مرات في ثلاثة أجزاء بتحقيق محمود إبراهيم زايد.

فقد خلط المحقق بين الكتابين ومؤلفيهما وقد حسب أن ابن حبان هو مؤلف كتاب «الجرح والتعديل» لذا فكلما نقل المصنف ابن طاووس ـ رحمه‌الله ـ عن ابن حبان سرعان ما هرع المحقق السامرائي إلى كتاب «الجرح والتعديل» ولما لم يجد فيه ما ذكره ابن طاووس أشار إلى عدم اهتدائه في الهامش.

فمثلا : عند ذكر الضحاك بن الأهوار ـ الصفحة ١٢٤ ـ : قال الدكتور المحقق : «الذي في الجرح والتعديل ٤ / ٤٦٣ : الضحاك بن يساور ، وقال : ضعفه البصريون».

وعند ذكر الضحاك بن حجرة المسبحي ـ في نفس الصفحة ـ قال الدكتور : «لم أجده في الجرح والتعديل».

وكذلك في الصفحة ١٥٣ عند قول المصنف : «قال ابن حبان عن مجالد إنه كان ردئ الحفظ» ، قال المحقق في الهامش : «لم أهتد إلى هذا في الجرح والتعديل».

وهذا ناشئ عن عدم معرفة المحقق بابن حبان أو بمؤلف «الجرح والتعديل»! وما أشد تعجبي من المحقق فإنه وبعد تصريح المصنف باسم كتاب ابن حبان فهو ـ مع ذلك ـ ينقل عن كتاب «الجرح والتعديل» ، راجع الصفحة ١٦٧ تجد المصنف ـ ابن طاووس ـ يقول : «وأما حشرج بن نباتة فإن محمد بن حبان صاحب كتاب (المجروحين) وهو لنا عدو قال ما صورته ...».

ومع ذلك ترى المحقق الدكتور السامرائي يقول معلقا على كتاب «المجروحين» في الهامش بقوله : «أراد الجرح والتعديل ظ!!! والفرق شاسع بين

٢٥

«المجروحين» وبين «الجرح والتعديل».

وهكذا ، كلما ذكر المصنف ابن حبان فإن المحقق يراجع كتاب «الجرح والتعديل» للرازي ، ثم يكتب في الهامش أنه لم يهتد إليه ، أنظر الهوامش في الصفحات ١٦٧ و ٥٢٢ و ٥٢٣ و ٥٢٤ و ٥٢٥.

وللتدليل على ذلك فمثلا العبارة الأولى التي ذكرناها آنفا ، أعني قول المصنف في الصفحة ١٢٤ : «وأما ما يتعلق بالضحاك فقد ذكر ابن حبان ثلاثة بهذا الاسم ...» فهي موجودة في كتاب المجروحين ١ / ٣٧٥ ، والضحاك الثاني هو الضحاك بن زيد الأهوازي لا (الأهوار) ، والثالث هو الضحاك بن حجوة المنبجي لا (الضحاك بن حجرة المسبحي) فراجع.

٢٤ ـ قال المحقق في الصفحة ١١٤ عند قول المصنف : «ويقول بعد كلام : هذه صدقة واجبة بتلة (كذا)».

أقول : ما أعرف محل (كذا) هنا وكلمة «بتلة» صحيحة ، قال ابن منظور في لسان العرب (بتل) : البتل : القطع ، بتله يبتله بتلا وبتلة فانبتل وتبتل : أبانه من غيره ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ـ إلى أن قال : ـ ومنه صدقة بتلة أي منقطعة عن صاحبها كبتة أي قطعها من ماله.

وأنا أعجب من الدكتور السامرائي كيف يركب شططا في مثل هذه الموارد ، والمفروض أنه ذو باع طويل في اللغة العربية التي تخصص بها ، ومن هنا ظهر لي صحة ما ادعاه بعض الأصدقاء من أن أحد المحققين قد أحصى على الدكتور السامرائي أكثر من سبعمائة غلطة في تحقيقه لكتاب «العين» الذي هو كتاب لغة كما هو معروف!

٢٥ ـ قال المصنف في الصفحة ١٦٥ : «روى محمد بن جرير وهو إمامي من طريق الواقدي ...».

قال الدكتور المحقق في الهامش : «هو محمد بن جرير الطبري ، المؤرخ المفسر الإمام ، المتوفى سنة ٣١٠ ، أنظر : إرشاد الأريب ٦ / ٤٢٣ ، وتذكرة الحفاظ

٢٦

٢ / ٣٥١ «أقول [والكلام للمحقق السامرائي] : ولا يمكن أن يكون الطبري إماميا فذلك أمر معروف ، ويبدو لي أن كلمة (إمامي) في النص تصحيف لكلمة (إمام) وعلى هذا فلا بد أن يكون النص نحوا من : (وهو الإمام) أو النص : (روى محمد ابن جرير الإمام) ...».

مهلا مهلا يا دكتور! ما كل أحمر تفاحا ... فليس كل طبري ما ذكرت ، ثم إن احتمال التصحيف وطروق باب الاجتهاد والتأويل يأتي بعد التأكد من وقوع اشتباه أو سهو من قلم الناسخ في المتن وليس هو مما نحن فيه ...

إذ أن محمد بن جرير الطبري هو اسم لشخصين ، أحدهما عامي والآخر شيعي إمامي ، وقد عاشا في زمن واحد وسميا بهذا الاسم ولقبا بالطبري وكنيتهما أبو جعفر ، لكن العامي هو محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري وقد ولد سنة ٢٢٤ ومات سنة ٣١٠ ه ، والشيعي الإمامي هو محمد بن جرير بن رستم الطبري ، وقد ذكره ابن النديم في الفهرست في الصفحة ٥٩ عند ذكره للكتب المؤلفة في غريب القرآن.

وذكر هما الشيخ الطوسي في فهرسته ، طبعة النجف ، العامي في الصفحة ١٥٠ والإمامي في الصفحة ١٥٨.

وقد ذكر النجاشي في رجاله ، الصفحة ٣٧٦ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي ـ الطبري الإمامي بقوله : «محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي أبو جعفر ، جليل من أصحابنا ، كثير العلم ، حسن الكلام ، ثقة في الحديث ، له كتاب : المسترشد في الإمامة».

وهناك محمد بن جرير الطبري ثالث ، وهو صاحب كتاب «دلائل الإمامة» وهو إمامي أيضا ، ويعبر عنه بالصغير في مقابل الطبري الإمامي الأول ، راجع الذريعة ٨ / ٢٤١ و ٢١ / ٩ و ٢٤ / ٣٤٩.

فظهر مما مر فساد قول المحقق السامرائي : «لا يمكن أن يكون الطبري إماميا».

٢٧

وكل ما في الأمر أن المصنف ينقل عن الواقدي بواسطة الطبري الإمامي لا العامي صاحب التاريخ والتفسير المعروف.

٢٦ ـ وكذلك أعلن عن عدم اهتدائه لترجمة أبي البقاء هبة الله بن ناصر ابن الحسين بن نصير عندما نقل عنه ابن طاووس في الصفحة ٧٣.

أقول : والمذكور ترجم له الميرزا عبد الله الأفندي في رياض العلماء ٥ / ٣١٢ ، وذكره تارة بعنوان : هبة الله بن ناصر بن الحسين بن نصر ، وتارة بعنوان : هبة الله بن ناصر بن نصير ، وقال عنه : إنه من علماء الأصحاب وفي درجة الشيخ الطوسي وقبيله ، يروي عن جماعة ذكرهم كما أنه يروي عنه آخرون منهم الحسين بن محمد بن طحال في شهر ربيع الأول سنة ٤٨٨ ه نقلا عن كتاب المزار الكبير لمحمد بن جعفر المشهدي ، هذا وإن الميرزا الأفندي لم يذكر تاريخ ولادته ولا وفاته.

وكذلك ذكره العلامة الضليع آغا بزرك الطهراني في الصفحة ٢٠٤ من «النابس في القرن الخامس» ووصفه بالرئيس الأجل ، فلاحظ.

٢٧ ـ قال المصنف ـ الصفحة ١٤٧ ـ : «وقد روى جماعة عن أنس منهم سعيد ابن المسيب وعبد الله بن عمير ...».

قال المحقق في الهامش مشيرا إلى عبد الله بن عمير : «وجدت أربعة بهذا الاسم ليس بينهم من روى عن أنس ...».

أقول : إن الدكتور المحقق لم يمعن النظر في المخطوطة فصحف عبد الملك بن عمير إلى عبد الله بن عمير!! وعبد الملك بن عمير ممن روى عن أنس.

٢٨ ـ قال المصنف في الصفحة ١٤٢ ناقلا عن مسند أحمد بن حنبل : «وبإسناده عن أبي الطفيل عن أبي سريحة ـ أو زيد بن أرقم ـ عن شعبة ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه».

وكتب المحقق في الهامش : «في (ط) ـ بعد شعبة ـ كلمة (الناسي)» ثم وضع علامة التعجب بعده.

٢٨

أقول : جزى الله المحقق خيرا أن أشار إلى كلمة «الناسي» في الهامش ولم يحذفها كما هو ديدنه في ما يراه غلطا وإن كان صحيحا في الواقع! وليس المقام من المسائل العويصة التي تزل القدم فيها ، فإن «شعبة» كان ناسيا ممن نقل هل هو أبو سريحة أز زيد بن أرقم ، وقد وردت كلمة «الناسي» في سند هذا الحديث في عدة مصادر لا مجال لذكرها هنا في هذا المختصر وهي موجودة في مظانها.

٢٩ ـ وقال المحقق في هامش الصفحة ١٢٩ بأنه لم يهتد إلى ترجمة يحيى بن البطريق.

إن المحقق كأنها آلى على نفسه أن لا يبحث عن ترجمة أي شيعي ، ولا يبذل في سبيل ذلك أدنى جهد ولو كان هذا الشيعي من أشهر مشاهير عصره فبمجرد ورود اسمه يذكر المحقق أنه لم يهتد إلى ترجمته ، ولعله يراجع مصدرا واحدا كأعلام الزركلي فيعلن عدم اهتدائه لترجمة الشخص ، فكأنما كتاب أعلام الزركلي هو الأول وهو الآخر في كتب التراجم ، وليت شعري هل يعلم الدكتور السامرائي تلامذته في الجامعة على هذه الطريقة من التحقيق وعلى هذا النحو من التتبع ـ إن صحت التسمية ـ فإن كان كذلك ـ وهو كذلك ـ فأقول : قرت عين جامعة بغداد بتلامذتها وخريجيها الذين سيصبحون رجال العلم في العراق وأساتذة جامعاتها ومجامعها العلمية.

أعود فأقول : إن يحيى بن البطريق هو من مشاهير علماء الإمامية وعظمائها ، وهو صاحب كتاب «عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار» المطبوع عدة مرات وكثيرا ما ينقل عنه المصنف ـ ابن طاووس ـ ويرمز إلى الكتاب بحرف «ع» والذي جهله المحقق السامرائي كما مرت الإشارة إليه.

وقد ترجم لابن البطريق كثيرون من أرباب التراجم والرجال ، وأنا أشير إلى ما قاله بعض أرباب التراجم بشأن المترجم باختصار.

قال الميرزا عبد الله الأفندي في رياض العلماء ٥ / ٣٥٨ : «الشيخ الأجل

٢٩

شمس الدين أبو الحسين يحيى بن البطريق الحلي الأسدي ، المتكلم الفاضل ، العالم المحدث الجليل ، المعروف بابن البطريق ، صاحب كتاب العمدة وغيره من الكتب العديدة في المناقب ، وقد رأيت في بعض المواضع في مدحه هكذا : الإمام الأجل شمس الدين جمال الإسلام ، العالم الفقيه ، نجم الإسلام ، تاج الأنام ، مفتي آل الرسول».

وقال عنه الحر العاملي في أمل الآمل ٢ / ٤٥ : «الشيخ أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن البطريق الحلي ، كان عالما فاضلا ، محدثا محققا ، ثقة صدوقا» ثم ذكر كتبه ...

وقال عنه البحاثة القدير آغا بزرك الطهراني في مصفى المقال ، صفحة ٥٠٢ : «الشيخ شمس الدين أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد ، الراوي عن محمد بن علي بن شهرآشوب في سنة ٥٧٥ ه ، وقد أرخ في (كشف الحجب) وفاته سنة ٦٠٠ عن سبع وسبعين سنة ، وهو صاحب كتاب العمدة المعروف بعمدة ابن البطريق ، وله (رجال الشيعة) الذي نقل عنه ابن حجر في (لسان الميزان) الذي كتبه في ما زاد على (ميزان الشيعة) للذهبي».

وقد ترجم له آخرون من الخاصة والعامة لا نطيل بذكر أسمائهم.

وختاما ، هذه بعض الملاحظات قد سجلتها على تحقيق هذا الكتاب الجليل وتركت البعض الآخر خوفا من الإطناب الممل ، وما قصدي بذلك سوى الحث على الاعتناء بالتراث الإسلامي العظيم الذي خلفه لنا سلفنا وقد بذلوا فيه أقصى ما يمكنهم من الجهد والعناء ، وقد وصل بأيدينا فلا ينبغي لنا إلا بذل الجهود المخلصة من دون تعصب أو تساهل لإيصاله إلى أيدي القراء كما هو ، وبذلك نكون أمناء في أداء رسالتنا ولنا من الأجيال الحاضرة والآتية الشكر والامتنان ومن الله الأجر والثواب ، والله من وراء القصد.

السيد علي العدناني الغريفي

٣٠

أبو الأسود الدؤلي

ودوره في وضع النحو العربي

السيد هاشم الهاشمي

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه دراسة عن أبي الأسود الدؤلي ، بحث فيها عن صلته بوضع النحو العربي ، وقد اخترت هذا الموضوع لأهميته ، ولما يدور حوله من شبهات واعتراضات وأنا أشعر بأنها تحتاج إلى إضافات أخرى ، لعل الفرصة تسمع لها ، ولكن رأيت من الجدير نشر ما كتبته في هذا المجال ، لعله يلقي بعض الضوء ، على معالم هذه الشخصية ، وعلى هذه القضية الهامة ، قضية (وضع النحو العربي).

ورأيت أن أبدأ في نشر ما كتبته حول وضع النحو العربي ، لأهميته ، وبعد ذلك سوف أنشر ترجمة أبي الأسود وتاريخ حياته ومعالم شخصيته.

فنبحث هنا حول مدى صلة أبي الأسود الدؤلي بوضع النحو العربي ، ومدى صحة الرأي القائل بأنه واضع النحو العربي ، بتوجيه من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ.

عرض الروايات

نستطيع تقسيم الروايات التي تدلنا على بداية وضع النحو العربي ، وعلى

٣١

واضعه ، وعلى سبب وضعه إلى قسمين ، وسوف نذكر هنا نماذج لكل قسم ، وهناك روايات أخرى ، يلاحظها القارئ في مختلف الكتب ، وسوف نذكر روايات أخرى خلال هذه الدراسة :

القسم الأول :

وهي الروايات التي تؤكد على أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ هو الذي وضع النحو ومنها :

١ ـ قال القفطي : «الجمهور من أهل الرواية على أن أول من وضع النحو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال أبو الأسود : دخلت على أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ فرأيته مطرقا مفكرا ، قلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال : سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية ، ثم أتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلام : اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ، ثم قال : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، وأعلم أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ومضمر ، وشئ ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر» (١).

وفي الإنباه أيضا رواية عن أبي الأسود ، قال : «دخلت على أمير المؤمنين فأخرج لي رقعة فيها : (الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى) فقلت : ما دعاك إلى هذا ، قال : رأيت فسادا في كلام بعض أهلي فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطأ ، فأخذ أبو الأسود النحو من علي ولم يظهره» (٢).

وفي الإنباه أيضا ـ ولعلها ملحقة بالرواية السابقة ـ : «إن زيادا سمع بشئ عند أبي الأسود ورأى اللحن قد فشا فقال لأبي الأسود : أظهر ما عندك للناس

__________________

(١) إنباه الرواة : ٤.

(٢) إنباه الرواة : ٥.

٣٢

ليكون إماما ، فامتنع عن ذلك ...» (٣).

٢ ـ وذكر السيد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة : «قال ركن الدين علي بن أبي بكر الحديثي في كتاب الركني : إن أول من وضع النحو أبو الأسود ، أخذه من علي ـ عليه‌السلام ـ وسببه أن امرأة دخلت على معاوية في زمن عثمان وقالت : أبوي مات وترك مالا ، فاستقبح معاوية ذلك ، فبلغ فرسم لأبي الأسود ، فوضع أولا باب الإضافة» (٤).

٣ ـ وقال ابن الأنباري : «وروي أن سبب وضع علي لهذا العلم أنه سمع أعرابيا يقرأ : لا يأكله إلا الخاطئين ، فوضع النحو» (٥).

القسم الثاني :

وهي تدل على أن أبا الأسود هو الذي وضع النحو :

١ ـ قال ابن خلكان : «وقيل : كان أبو الأسود يعلم أولاد زياد بن أبيه فجاء يوما وقال له : أصلح الله الأمير ، إنني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم ، وتغيرت ألسنتهم ، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقيمون به كلامهم ، فقال : لا ، فجاء رجل إلى زياد ، وقال : أصلح الله الأمير ، توفي أبانا وترك بنون ، فقال زياد : ادعوا لي أبا الأسود ، فلما حضر ، قال : ضع للناس الذي نهيتك عنه» (٦).

٢ ـ وفي الأغاني : «إن أبا الأسود دخل على ابنته بالبصرة فقالت : يا أبتي ما أشد الحر ، فرفعت كلمة (أشد) فظنها تسأله وتستفهم منه أي زمان الحر أشد؟ فقال : شهر ناجر ، فقالت : يا أبتي إنما أخبرتك ، ولم أسألك» (٧).

__________________

(٣) إنباه الرواة : ٥.

(٤) تأسيس الشيعة : ٤٨.

(٥) نزهة الألباء : ٣.

(٦) الوفيات ١ / ٢٤٠.

(٧) الأغاني ١١ / ١١٩.

٣٣

هذه نماذج للروايات الكثيرة في هذا المجال ، التي تمتلئ بها كتب الأدب والنحو والتاريخ ، وسوف نذكر روايات أخرى بهذا المضمون ، وسوف نفسر هذا الاختلاف في سبب الوضع والواضع.

المؤيدون وأدلتهم

المؤيدون :

لم أجد من القدماء من يتنكر لصحة هذه الروايات إلا أفرادا قلائل جدا ، أما المعاصرون فالكثير منهم قد عارض هذه الروايات ورفضها وأثبت عدم صحتها ، وهناك آخرون من المعاصرين قد اتفقوا مع القدماء في تأييدها.

والحديث الآن يدور حول المؤيدين وأدلتهم.

فقد عقد السيد حسن الصدر في كتابه «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» فصلا كبيرا جمع فيه شتى الروايات والآراء التي نسبت وضع النحو للإمام ـ عليه‌السلام ـ أو لأبي الأسود.

١ ـ ونذكر بعض المؤيدين الذين ذكروا في كتبهم آراءهم :

فمنهم : محمد بن سلام الجمحي ـ المتوفى سنة ٢٣٢ ـ يقول : «وكان لأهل البصرة قدمة بالنحو ، وبلغات العرب والغريب عناية ، وكان أول من أسس العربية وأنهج سبيلها ووضع قياسها أبو الأسود الدؤلي» (٨).

ومنهم : أبو قتيبة الدينوري ـ المتوفى سنة ٢٧٦ ـ في كتابيه «الشعر والشعراء» و «المعارف» حيث يقول : «وهو أول من وضع العربية» (٩) ويقول : أبو الأسود الدؤلي يعد في النحويين لأنه أول من عمل كتابا في النحو بعد علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١٠).

__________________

(٨) طبقات الشعراء : ٩ ـ ١٠.

(٩) الشعر والشعراء : ٥٧٠.

(١٠) المعارف : ٨٠.

٣٤

ومنهم : ابن النديم ـ المتوفى سنة ٢٨٠ ـ فيقول : «زعم أكثر العلماء أن النحو أخذ عن أبي الأسود ، وأن أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ» (١١).

ومنهم : أبو الطيب اللغوي الحلبي ـ المتوفى سنة ٣٥١ ـ حيث يقول : «ثم كان أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي» (١٢).

ومنهم : السيرافي ـ المتوفى سنة ٣٦٨ ـ يقول : «اختلف الناس في أول من رسم النحو ، وأكثر الناس على أبي الأسود الدؤلي» (١٣).

ومنهم : أبو هلال العسكري في كتابه «الأوائل» ، وأبو الفرج الأصبهاني في كتابه «الأغاني» ، والزجاجي في أماليه ، وابن خلدون في مقدمته ، والقفطي في «إنباه الرواة» ، وابن الأنباري في «نزهة الألباء» ، والسيوطي في «الأشباه والنظائر».

ولو أردنا استعراض القدماء الذين صرحوا في كتبهم بصحة هذا الرأي ، والروايات في هذا المجال ، لطال بنا الحديث ، لذلك نكتفي بذكر هؤلاء وسنذكر بعضهم خلال هذه الدراسة.

٢ ـ وهناك من القدماء من روي عنهم صحة هذا الرأي والروايات ، ويدخل في ذلك كثير من النحاة الذين رويت عنهم هذه الروايات ، أو روي عنهم أنهم صرحوا بصحة نسبة وضع النحو للإمام ـ عليه‌السلام ـ أو لأبي الأسود.

فصاحب «الأغاني» (١٤) يروي رواية تؤكد هذه النسبة ، ومن رجال سندها عبد الله بن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر ، وسيبويه ، والخليل.

ويروي صاحب «المحاسن والمساوئ» عن يونس بن حبيب النحوي ـ المتوفى سنة ١٨٣ ـ قوله : «أول من أسس العربية وفتح بابها ونهج سبيلها أبو

__________________

(١١) الفهرست : ٥٩.

(١٢) مراتب النحويين : ٥٠٦.

(١٣) أخبار النحويين البصريين : ١٠.

(١٤) الأغاني : ١٩٩ ح ١١.

٣٥

الأسود الدؤلي ، واسمه ظالم بن عمرو» (١٥).

ويروى عن معمر بن المثنى ـ المتوفى سنة ٢٠٩ ـ أنه قال : «أخذ أبو الأسود عن علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ العربية» (١٦).

ومثل ذلك يروي لنا الزجاجي في أماليه عن المبرد.

ويقول أبو عمر عثمان بن سعيد الداني ـ المتوفى سنة ٤٤٤ ـ في كتابه «المحكم في نقط المصاحف» : «حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا ابن الأنباري ، قال : حدثنا أبي ، عن عمر بن شيبة ، عن الثوري ، قال : سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول : أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي ، ثم ميمون الأقرن».

أدلة المؤيدين :

ومن خلال ذلك كله نستطيع الوصول إلى الدليل الذي استند إليه المؤيدون في رأيهم :

١ ـ يقول السيرافي : «وأكثر الناس على أبي الأسود» (١٧).

ويقول ابن الأنباري : «إن الروايات كلها تسند وضع النحو إلى أبي الأسود ، وأبو الأسود يسنده إلى علي ـ عليه‌السلام ـ» (١٨).

ويقول الفخر الرازي : «وتطابقت الروايات على أن أول من وضع النحو أبو الأسود ، وأنه أخذه أولا من علي ـ عليه‌السلام ـ» (١٩).

وهكذا يقول السيوطي.

وبذلك تكون الأدلة : إجماع العلماء واتفاقهم ، وشهرة الروايات وتواترها المعنوي ، والروايات المسندة لرجال لهم اعتبارهم ووثاقتهم.

__________________

(١٥) نقلا عن كتاب تأسيس الشيعة : ٤٠.

(١٦) أخبار النحويين البصريين : ١١.

(١٧) أخبار النحويين البصريين : ١٠.

(١٨) نزهة الألباء : ٦.

(١٩) نقلا عن مدرسة البصرة النحوية : ٤٧.

٣٦

ويتبنى هذا الاجماع والاتفاق من المعاصرين الأستاذ العقاد ، وعبد الرحمن السيد ، وكمال إبراهيم كما سنتعرض لآرائهم.

٢ ـ ولا أقول : إن التواتر ، والاتفاق ، والروايات الصحيحة هي الأدلة الوحيدة التي اعتمد عليها المؤيدون إلى صحة هذا الرأي ، فهناك أدلة أخرى سوف نراها تظهر خلال هذه الدراسة ، ولكنها الأدلة الرئيسية في هذا المجال.

المعارضون واعتراضاتهم

نظرة عامة :

لعل ما يثير الاستغراب والدهشة حقا ، أن يظهر فجأة من يحاول التشكيك في هذا الرأي ، وهو وضع الإمام ـ عليه‌السلام ـ أو أبي الأسود للنحو العربي ، أو يحاول تكذيبه ورفضه بعد تطابق القدماء وإجماعهم على صحة هذا الرأي.

والمعاصرون الذين أنكروا صحة هذا الرأي ، نذكر منهم أحمد أمين في كتابه «ضحى الإسلام» ، وإبراهيم مصطفى في بحثه في «مجلة كلية الآداب» المصرية ، وشوقي ضيف ، وكثيرا من المستشرقين الذين اعتبروا مثل هذه الأحاديث (حديث خرافة) أمثال دائرة المعارف الإسلامية ، وهناك غيرهم من المعاصرين لم نذكر أسماءهم.

اعتراضات المعارضين :

يلاحظ أنني قسمت الاعتراضات تقسيما محددا لنبتعد بذلك عن الاضطراب المنهجي الذي حدث للكثير ممن حاول عرض الاعتراضات الموجهة لهذا الرأي أو حاول مناقشتها ، والاعتراضات هي كما يلي :

٣٧

١ ـ بداوة العقلية في عصر الإمام ـ عليه‌السلام ـ :

ولعل هذا الاعتراض هو أهم الاعتراضات ، وأظن أن المصدر الأول له هم المستشرقون (٢٠) ، كما يبدو من دائرة المعارف الإسلامية ، وقد تبناه أحمد أمين حيث يقول ـ بعد عرض الروايات السابقة ـ : «كل هذا حديث خرافة ، فطبيعة زمن علي ـ عليه‌السلام ـ وأبي الأسود تأبي هذه التعاريف وهذه التقاسيم الفلسفية ، والعلم الذي ورد إلينا من هذا العصر في كل فرع يتناسب مع الفطرة ، وليس فيه تعريف ولا تقسيم ، إنما هو تفسير آية أو جمع لأحاديث ليس فيها ترتيب ولا تبويب ، فأما تعريف وأما تقسيم منطقي فليس في شئ مما صح نقله إلينا عن عصر علي وأبي الأسود» (٢١).

وسعيد الأفغاني يؤيد أحمد أمين في رأيه هذا فيقول : «ولعل الأستاذ ـ أي أحمد أمين ـ لم يكن بعيدا من الصواب حين روى هذا الخبر فعلق عليه ما يلي» (٢٢) ،

__________________

(٢٠) ولا نريد الآن الحديث على المستشرقين ودراسة واقعهم ، فكثير من الباحثين المسلمين والعرب قد درسوا حركة المستشرقين ـ أسسها وأهدافها وآثارها ورجالها ـ دراسة مركزة وتوصلوا إلى نتائج لها أهميتها في هذا المجال ، لعل من أهم هذه الأهداف هي محاولة أكثر المستشرقين ـ لا كلهم بالطبع ـ عن عمد أو غير عمد في تشويه الإسلام والانتقاص من قدرات المسلمين ، وخاصة العناصر والحركات والمعتقدات الصالحة والمستقيمة من المسلمين ، وكان بودي دراسة هذه الحركة لولا ضيق المجال وبعدها عن صميم الرسالة وكتابة البعض من الكتاب المسلمين المنصفين عنها ، ولكن من الغريب أن نرى عند بعض كتابنا الإيمان بكل ما يكتبه المستشرقون كحقيقة موضوعية راهنة لا تقبل النقاش ، كأحمد أمين وغيره ، ولو أن الحديث عن أحمد أمين لا يقل اتساعا وغرابة من الحديث حول المستشرقين وخاصة موقفه من الشيعة ـ معتقداتها وأحاديثها ورجالها ـ وقد درس هذا الموقف منه بعض كتاب الشيعة ، فلعل رأيه هذا ـ في وضع النحو ـ كسائر مواقفه تجاه الشيعة ، كما نلاحظ تأثره بالمستشرقين في هذا المجال عند قوله عن هذه الروايات بأنها (حديث خرافة) وهو نفس التعبير الذي أطلقه بعض المستشرقين كما يلاحظ ذلك من النص الذي نذكره عن إبراهيم مصطفى ، ومن هنا نرى مدى تأثير المستشرقين على فكرنا المعاصر ونلاحظ أيضا مدى بقاء الأفكار التقليدية الجاهلية في أذهان البعض.

(٢١) ضحى الإسلام ٢ / ٢٨٥.

(٢٢) في أصول النحو : ١٥٥.

٣٨

ثم يذكر حديث أحمد أمين السابق.

وهذا الرأي يتبناه أيضا إبراهيم مصطفى فيقول : «ولكننا لا نستطيع أن نتقبل ذلك ـ أي وضع الإمام (عليه‌السلام) للنحو ـ بيسر ، ولا أن نستسيغ أن هذا الزمن المبكر قد تمكن فيه العرب من الاشتغال بالعلوم ووضع القواعد على هذا الوجه الذي نراه في كتب العربية ، وقد أنكر ذلك المستشرقون وعدوه حديث خرافة» (٢٣).

ويقول عبد الكريم الدجيلي : «وفي وسعنا أن نقول : إن طبيعة العرب في صدر القرن الأول للهجرة لم تكن طبيعة تقسيم وتبويب وتعريف للجزئيات والأقسام والفصول ، ولا يقع في تفكير هذا الطبع الساذج ذلك الجدل النحوي ولا تلك المماحكات ، وإنما هو طبع بسيط ينظر للأمور عامتها لا خاصتها ، وكلياتها لا جزئياتها ، وهذا القول يتناسب وما ورد إلينا من التراث الثقافي لذلك العصر كتفسير بعض الآيات» (٢٤).

إذا فالمعاصرون يستبعدون هذه النسبة ـ نسبة وضع النحو للإمام (عليه‌السلام) أو لأبي الأسود ـ : «لقرب العرب في عصر أبي الأسود من غضاضة البداوة ، إذ لا بد من وضع قواعد العلوم من مدارسة واصطلاح لم تهيأ لها عقول العرب بعد» (٢٥).

٢ ـ التأثر بالثقافات الأجنبية :

وهذا الاعتراض لا يقل أهمية عن الاعتراض الأول ، بل لعله يرتبط به ارتباطا وثيقا ، فيقول المعارضون : «إن ما جاء في التحديدات والتقسيمات من طبيعة منطقية أو فلسفية لم تكن تتناسب والعقلية العربية في ذلك الزمن ، وإنما

__________________

(٢٣) مجلة كلية الآداب : ١ ـ ٦.

(٢٤) مقدمة ديوان أبي الأسود : ٦٦.

(٢٥) مصطفى السقا ، نشأة الخلاف في النحو ، مجلة اللغة العربية ، ج ١ ص ٩٥.

٣٩

وقع بعد نقل الفلسفة والمنطق اليوناني إلى العربية ، وتغلغل ذلك في علوم العربية والعلوم الإسلامية» (٢٦) ، ويذهب لهذا الرأي الكثير من المستشرقين والمتأخرين.

٣ ـ تاريخ التدوين :

وهناك اعتراض آخر يوجه إلى تاريخ تدوين هذه الروايات ، حيث يذكر بأنها متأخرة ، فلم تذكر آراء نحوية للإمام ـ عليه‌السلام ـ أو لأبي الأسود في الكتب النحوية الأولى ككتاب سيبويه أو أي كتاب نحوي آخر ، يقول إبراهيم مصطفى : «ويلاحظ أول ما يلاحظ أننا لم نجد في كتاب سيبويه ، ولا فيما بعده رأيا نحويا نسب إلى أبي الأسود ، ولا إلى طبقتين بعده ، فنحن أمام حقيقة واضحة أخذت من كتب النحو ، وهي أن أقدم من نسب إليه رأي نحوي هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي» (٢٧).

٤ ـ اختلاف الروايات :

في لفظها ومتنها ، وفي سبب وضع النحو ، وفي واضعه ، مما يؤدي إلى الشك في الروايات نفسها ، يقول أحمد أمين بعد حديثه السابق : «ويشهد لهذا ـ أي لرأيه في تكذيب الروايات ـ الروايات الكثيرة المتناقضة في سبب الوضع» (٢٨).

ويقول : الدجيلي : «وهذه الروايات التي تتنازع واضع النحو ، والتي تتباين في سبب وضعه ، تبدو للمتتبع الممحص مختلفة مضطربة لا يركن إليها ، ولا يطمأن إلى ما تهدف إليه» (٢٩).

ويقول فؤاد حنا ترزي : «وتبدو هذه الروايات مضطربة متناقضة» (٣٠).

__________________

(٢٦) كمال إبراهيم ، واضح النحو الأول ، مجلة البلاغ ، السنة الأولى ، العدد ٨ ص ١٧.

(٢٧) نقلا عن كتاب مدرسة البصرة النحوية : ٥٣.

(٢٨) ضحى الإسلام ٢ / ٢٨٥.

(٢٩) مقدمة ديوان أبي الأسود : ٦٧.

(٣٠) في أصول اللغة والنحو : ١٠.

٤٠