تراثنا ـ العدد [ 11 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 11 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٨

عمر ، قال : حضرت موت حسن بن علي فقلت للحسين بن علي : إتق الله! ولا تثير فتنة ولا تسفك الدماء وادفن أخاك إلى جنب أمه ، فإن أخاك قد عهد ذلك إليك ، فأخذ بذلك حسين (١٢٤).

قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن إسماعيل بن رجاء ، قال : أخبرني من رأى حسين بن علي قدم على الحسن بن علي سعيد بن العاص وقال : لولا أنها سنة ما قدمتك! (١٢٥).

قال : أخبرنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سالم ابن أبي حفصة ، عن أبي حازم الأشجعي ، قال : قال حسين بن علي لسعيد بن العاص تقدم ، فلولا أنها سنة ما قدمتك ـ يعني على الحسن بن علي ـ.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي الأشعث ، عن حسين بن علي : أنه قال لسعيد بن العاص ـ وهو يطعن بإصبعه في منكبه ـ : تقدم ، فلولا أنها السنة ما قدمناك.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا الحسن بن عمارة ، عن راشد عن حسين بن علي : أنه قال يومئذ : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : الإمام أحق بالصلاة!

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا هاشم بن عاصم ، عن جهم بن أبي جهم ، قال : لما مات الحسن بن علي بعثت بنو هاشم إلى العوالي صائحا يصيح في كل قرية من قرى الأنصار بموت حسن ، فنزل أهل العوالي ولم يتخلف أحد عنه (١٢٦).

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا داود بن سنان ، قال : سمعت

__________________

(١٢٤) رواه ابن عساكر في تاريخه ص ٢١٦ بإسناده عن ابن سعد.

(١٢٥) عندنا أن الإمام لا يجهزه ولا يصلي عليه إلا الإمام الذي بعده ، والإمام الحسن ـ عليه‌السلام ـ جهزة أخوه الحسين ـ عليه‌السلام ـ وهو الإمام بعده ، وصلى عليه خفية ليؤدي ما عليه ، وقدم سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ للصلاة عليه في الظاهر وأمام الملأ ، فهذه الرواية وما يأتي في الروايات الآتية أن سعيد بن العاص قم للصلاة عليه ـ على يفرض صحتها ـ لا تنافي ما ذكرنا.

(١٢٦) رواه ابن عساكر في تاريخه برقم ٣٧١ بإسناده عن ابن سعد.

١٨١

ثعلبة بن أبي مالك قال : شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع ، فلقد رأيت البقيع ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على إنسان (١٢٧).

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، قال : بكى على حسن (١٢٨) بن علي بمكة والمدينة سبعا النساء والرجال والصبيان.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن أبي جعفر ، قال : مكث الناس يبكون على حسن بن علي سبعا ما تقوم الأسواق (١٢٩).

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن جعفر ، عن أم بكر بنت المسور ، قالت : كان الحسن بن علي سقي مرارا ، كل ذلك يفلت حتى كانت المرة الآخرة التي مات فيها ، فإنه كان يختلف كبده ، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا (١٣٠).

__________________

(١٢٧) رواه ابن عساكر في تاريخه برقم ٣٧٢ ، والمزي في تهذيب الكمال ، كلاهما في ترجمة الحسن ـ عليه‌السلام ـ عن ابن سعد.

وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٣٧٣ ، والذهبي في تلخيصه ، وابن حجر في الإصابة ١ / ٣٣٠ ، كلهم عن الواقدي.

(١٢٨) كان في الأصل : حسين! والصحيح : حسن ، فإنه في ترجمته ، وكذا ابن عساكر رواه في ترجمة الحسن ـ عليه‌السلام ـ من تاريخه برقم ٣٧٣ بإسناده عن ابن سعد وفيه : حسن ، وكذا ابن كثير في تاريخه ٨ / ٤٤.

ومهما كان ، سواء كان حسنا أو حسينا فإن هذه الرواية والروايات الآتية الثلاث تدل على جواز البكاء والنوح والحداد على الميت عند من يحتج بعمل الصحابة وعمل أهل المدينة.

وقد روى ابن إسحاق عن مساور ، قال : رأيت أبا هريرة قائما على المسجد يوم مات الحسن يبكي وينادي بأعلى صوته : يا أيها الناس ، مات اليوم حب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فابكوا [تهذيب الكمال للمزي ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٣٠١ ، والبداية والنهاية ٨ / ٤٤].

وأقوى من ذلك كله ما يأتي في ترجمة الحسين ـ عليه‌السلام ـ من بكاء جده وأبيه عليه ـ صلوات الله عليهم ـ فراجع.

(١٢٩) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٧٣ عن الواقدي ، وليس فيه : سبعا.

(١٣٠) تقدم في صفحة ١٥٢ ، ورواه الحافظ المزي في تهذيب الكمال ، وابن عساكر في تاريخه برقم ٣٣٨ ، كلاهما عن ابن سعد.

وقال ابن الأثير في أسد الغابة ١ / ١٦ : ولما مات الحسن أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا ، ولبسوا الحداد سنة.

١٨٢

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثتنا عبيدة بنت نابل ، عن عائشة بنت سعد ، قالت : حد نساء بني هاشم على حسن بن علي سنة (١٣١).

قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن عمرو بن بعجة ، قال : أول ذل دخل على العرب موت الحسن بن علي (١٣٢).

قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن جويرية بن أسماء ، قال : لما مات الحسن ابن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ أخرجوا جنازته فحمل مروان سريره! فقال له الحسين : تحمل سريره ، أما والله لقد كنت تجرعه الغيض؟! فقال مروان : إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال (١٣٣).

قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن مسلمة بن محارب ، عن حرب بن خالد ، قال : مات الحسن بن علي لخمس ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة خمسين.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، قال : سمعت أبان بن عثمان يقول : إن هذا لهو العجب يدفن ابن قاتل عثمان مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأبي بكر وعمر!! ويدفن أمير المؤمنين المظلوم الشهيد ببقيع الغرقد (١٣٤).

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا علي بن محمد العمري ، عن

__________________

ورواه ابن كثير في تاريخه ٨ / ٤٣ عن الواقدي كما هنا ، وقال في ص ٤٤ : وقد بكاه الرجال والنساء سبعا واستمر نساء بني هاشم ينحن عليه شهرا ، وحدث نساء بني هاشم عليه سنة.

(١٣١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٧٣ ، وابن كثير في تأريخه ٨ / ٤٣ ، عن الواقدي وهو محمد بن عمر.

وعبيدة ـ بضم العين كما في الاكمال ٦ / ٣٩ ـ بنت نابل ـ بالباء ـ ، ففي الاكمال ٧ / ٣٢٥ : أما نابل ـ بعد الألف باء معجمة بواحدة ـ فهو ... وعبيدة بنت نابل تروي عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ...

(١٣٢) وأورده الحافظ المزي في تهذيب الكمال عن ابن سعد ، ورواه محمد بن حبيب في أماليه من قول ابن عباس ، كما نقله عنه ابن أبي الحديد ١٦ / ١٠.

(١٣٣) رواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص ٧٤ ، وعنه ابن أبي الحديد ١٦ / ٥١ ورواه قبله في ص ١٣ عن المدائني ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ١٨٣.

(١٣٤) بل العجب كل العجب تدخل أبناء الشجرة الملعونة في شؤون النبي وذريته ـ عليه وعليهم‌السلام ـ ، نعم العجب كل العجب دفن الأباعد عنده! ومنع عترته من الدفن معه!

١٨٣

عيسى بن معمر ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال : سمعت عائشة تقول يومئذ : هذا الأمر لا يكون أبدا! يدفن ببقيع الغرقد ، ولا يكون لهم رابعا ، والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، في حياته ، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري ، وما أثر علي ـ رحمه‌الله ـ عندنا بحسن! (١٣٥).

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن مروان بن أبي سعيد ، عن نملة بن أبي نملة ، قال : أعظم الناس يومئذ أن يدفن معهم أحد! وقالوا لمروان : أصبت يا با عبد الملك! لا يكون معهم رابع أبدا (١٣٦).

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن إبراهيم بن يحيى بن زيد ، قال : سمعت خارجة بن زيد يقول : صوب الناس يومئذ مروان ورأوا أنه عمل بحق! لا يكون معهما ـ يعني أبا بكر وعمر ـ ثالث أبدا (١٣٧).

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني محرز بن جعفر ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا هريرة يقول يوم دفن الحسن بن علي : قاتل الله مروان ، قال : والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد دفن عثمان بالبقيع!

فقلت : يا مروان إتق الله ولا تقل لعلي إلا خيرا ، فأشهد لسمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [يقول] يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله

__________________

(١٣٥) نترك التعليق هنا لزميلنا العلامة الباحث الشيخ محمد علي برو ، حيث كتب مقالا إضافيا ودراسة شاملة حول مدفن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وحجرة عائشة ، فليراجع ، فقد طبع غير مرة باسم : أين دفن النبي؟ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١٣٦) من هؤلاء الناس الذين صوبوا رأي مروان؟ لم يصوب رأيه إلا من كان على شاكلته من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن ، معاوية ونظراؤه من رؤوس الشقاق والنفاق الذين لم يزالوا حربا لله ولرسوله ولآل بيت رسوله منذ الجاهلية وهلم جرا.

بل إنما وقف مروان هذا الموقف إرضاء لمعاوية ليرد إليه ولاية المدينة فصوبه معاوية وشكره برده إلى حكم المدينة : راجع التصريح بذلك في الصفحات ١٨٠ و ١٨٧ ـ ١٨٨ و ١٨٩.

(١٣٧) رواه ابن عساكر في تاريخه ص ٢١٧.

وراجع التعليقة السابقة.

١٨٤

ليس بفرار ، وأشهد لسمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول في حسن : اللهم إني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبه.

فقال مروان : والله إنك قد أكثرت على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الحديث فلا نسمع منك ما تقول ، فهلم غيرك يعلم ما تقول.

قال : قلت : هذا أبو سعيد الخدري ، فقال مروان : لقد ضاع حديث رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري ، والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا غلام ، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بيسير ، فاتق الله يا با هريرة ، قال : قلت : نعم ما أوصيت به ، وسكت عنه.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، قال : سمعت أبا هريرة يومئذ يقول لمروان : والله ما أنت وال ، وإن الوالي لغيرك فدعه ، ولكنك تدخل في ما لا يعنيك ، إنما تريد بهذا إرضاء من هو غائب عنك.

قال : فأقبل عليه مروان مغضبا فقال له : يا با هريرة ، إن الناس قد قالوا : أكثر عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الحديث ، وإنما قدم قبل وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بيسير!

فقال أبو هريرة : قدمت على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بخيبر سنة سبع وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات ، فأقمت معه حتى توفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه ، وأنا والله يومئذ مقل وأصلي خلفه وأغزو وأحج معه ، فكنت والله أعلم الناس بحديثه ، قد والله سبقني قوم لصحبته والهجرة من قريش والأنصار فكانوا يعرفون لزومي له فيسألوني عن حديثه ، منهم عمر بن الخطاب ـ وهدي عمر هدي عمر ـ ، ومنهم عثمان وعلي! والزبير وطلحة.

ولا والله لا يخفى علي كل حدث كان بالمدينة ، وكل من أحب الله ورسوله ، وكل من كانت له عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ منزلة ، وكل

١٨٥

صاحب لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فكان أبو بكر ـ رضي‌الله‌عنه ـ صاحبه في الغار ، وغيره قد أخرجه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من المدينة أن يساكنه.

فليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه ، فإنه يجد عندي منه علما كثيرا جما.

قال : فوالله إن زال مروان يقصر عنه عن هذا الوجه بعد ذلك ويتقيه ويخاف جوابه ، ويحب على ذلك أن ينال من أبي هريرة ولا يكون هو منه بسبب ، يفرق أن يبلغ أبا هريرة أن مروان كان من هذا بسبب فيعود له بمثل هذا فكف عنه (١٣٨).

قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن سحيم بن حفص وعبد الله بن فائد ، عن بشير بن عبد الله ، قال : أول من نعى الحسن بن علي بالبصرة عبد الله بن سلمة بن المحبق أخو سنان ، نعاه لزياد ، فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه وبكى الناس ، وأبو بكرة مريض فسمع الضجة فقال : ما هذا؟ فقالت امرأته عبسة بنت سحام ـ من بني ربيع ـ : مات الحسن بن علي فالحمد الله الذي أراح الناس منه! فقال أبو بكرة : اسكتي ـ ويحك ـ فقد أراحه الله من شر كثير وفقد الناس خيرا كثيرا.

قال محمد بن عمر : قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال : لما جاء معاوية نعي الحسن بن علي استأذن ابن عباس على معاوية ، وكان ابن عباس قد ذهب بصره فكان يقول لقائده : إذا دخلت بي على معاوية فلا تقدني فإن معاوية يشمت بي ، فلما جلس ابن عباس قال معاوية : لأخبرنه بما هو أشد عليه من أن أشمت به ، فلما دخل قال : يا أبا العباس ، هلك الحسن بن علي ، فقال ابن عباس : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعرف ابن عباس أنه شامت به فقال : أما والله يا معاوية لا يسد حفرتك ولا تخلد بعده ، ولقد أصبنا

__________________

(١٣٨) البلاذري في أنساب الأشراف ج ٣ ص ١٦ رقم ١٩ عن المدائني عن أبي اليقظان؟ ورواه ابن عساكر في ترجمة بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة من تاريخه ١٠ / ١٥٧ بإسناده عن ابن سعد.

١٨٦

بأعظم منه فجبرنا الله بعده ، ثم قال ، فقال معاوية : لا والله ما كلمت أحدا قط أعد جوابا ولا أعقل من ابن عباس (١٣٩).

قال : أخبرنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا سلام أبو المنذر ، قال : قال معاوية لابن عباس : مات الحسن بن علي ـ ليبكته بذلك ـ ، قال : فقال : لئن كان قد مات فإنه لا يسد بجسده حفرتك ، ولا يزيد موته في عمرك ، ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقدا منه فجبر الله مصيبته.

قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن مسلمة بن محارب ، عن حرب بن خالد ، قال : قال معاوية لابن عباس : يا عجبا من وفاة الحسن! شرب عسلة بماء رومة فقضى نحبه! لا يحزنك الله ولا يسوؤك في الحسن ، فقال : لا يسوؤني ما أبقاك الله! فأمر له بمائة ألف وكسوة.

قال : ويقال : إن معاوية قال لابن عباس يوما : أصبحت سيد قومك ، قال : ما بقي أبو عبد الله فلا.

قال : أخبرنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، قال : قال معاوية : واعجبا للحسن! شرب شربة من عسل يمانية بماء رومة فقضى نحبه!! ثم قال لابن عباس : لا يسوؤك الله ولا يحزنك في الحسن ، فقال : أما ما أبقى الله لي أمير المؤمنين فلن يسوءني الله ولن يحزنني!

قال : فأعطاه ألف ألف من بين عرض وعين ، فقال : اقسم هذه في أهلك.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبيه ، قال : لما مات الحسن بن علي بعث مروان بن الحكم بريدا إلى معاوية يخبره أنه قد مات.

قال : وبعث سعيد بن العاص رسولا آخر يخبره بذلك ، وكتب مروان يخبره بما أوصى به حسن بن علي من دفنه مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأن ذلك لا يكون وأنا حي ، ولم يذكر ذلك سعيد.

__________________

(١٣٩) رواه ابن عساكر برقم ٣٦٨ بإسناده عن ابن سعد.

١٨٧

فلما دفن حسن بن علي بالبقيع أرسل مروان بريدا آخر يخبره بما كان من ذلك وقيامه ببني أمية ومواليهم ، وإني يا أمير المؤمنين عقدت لواء وتلبسنا السلاح ، وأحضرت معي ممن اتبعني ألفي رجل ، فلم يزل الله بمنه وفضله يدرأ ذلك أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالثا أبدا ، حيث لم يكن أمير المؤمنين عثمان المظلوم رحمه‌الله ، وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا.

فكتب معاوية إلى مروان يشكر له ما صنع واستعمله على المدينة ونزع سعيد بن العاص.

وكتب إلى مروان : إذا جاءك كتابي هذا فلا تدع لسعيد بن العاص قليلا ولا كثيرا إلا قبضته!.

فلما جاء الكتاب إلى مروان بعث به مع ابنه عبد الملك إلى سعيد يخبره بكتاب أمير المؤمنين ، فلما قرأه سعيد بن العاص صاح بجارية له : هات كتابي أمير المؤمنين ، فطلعت عليه بكتابي أمير المؤمنين فقال لعبد الملك : اقرأهما ، فإذا فيهما كتاب من معاوية إلى سعيد بن العاص يأمره حين عزل مروان بقبض أموال مروان التي بذي المروة والتي بالسويداء والتي بذي خشب ولا يدع له عذقا واحدا ، فقال : أخبر أباك فجزاه عبد الملك خيرا ، فقال سعيد : والله لولا أنك جئتني بهذا الكتاب ما ذكرت مما ترى حرفا واحدا.

قال : فجاء عبد الملك بالخبر إلى أبيه فقال : هو كان أوصل منا إليه.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن صالح بن كيسان ، قال : كان سعيد بن العاص رجلا حليما وقورا ، ولقد كانت المأمومة التي أصابت رأسه يوم الدار قد كاد أن يخف منها بعض الخفة وهو على ذلك من أوقر الرجال وأحلمه.

وكان مروان رجلا حديدا ، حديد اللسان سريع الجواب ذلق اللسان قل ما صبر أن يكون في صدره شئ من حب أحد أو بغضه إلا ذكره.

وكان في سعيد خلاف ذلك ، كان من أحب صبر عن ذكر ذلك له ، ومن أبغض فمثل ذلك ، ويقول : إن الأمور تغير والقلوب تغير ، فلا ينبغي للمرء

١٨٨

أن يكون مادحا اليوم عائبا غدا.

قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : حج معاوية سنة خمسين ، وسعيد بن العاص على المدينة وقد وليها قبل ذلك في آخر سنة تسع وأربعين ، وهي السنة التي مات فيها الحسن بن علي ، فلم يزل معاوية يهم بعزله ويكتب إليه مروان يعلمه ما أبلى في شأن حسن بن علي وأن سعيد بن العاص قد لاقى بني هاشم ومالأهم على أن يدفن الحسن مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأبي بكر وعمر! فوعده معاوية أن يعزله عن المدينة ويوليه ، فأقام عليها سعيد ومعاوية يستحي من سرعة عزله إياه ، وسعيد يعلم بكتب مروان إلى معاوية ، فكان سعيد يلقى مروان ممازحا له يقول : ما جاءك فيما قبلنا بعد شئ؟! فيقول مروان : ولم تقول لي هذا؟ أتظن أني أطلب عملك؟! فلما أكثر مروان من هذا سكت سعيد بن العاص واستحى.

وبلغ مروان أنه كتب إلى سعيد من الشام يعلم بكتبك إلى أمير المؤمنين تمحل بسعيد وتزعم أن سعيدا في ناحية بني هاشم ، ثم جاءه بعد العمل وقد حج سعيد سنة ثلاث وخمسين ودخل في الرابعة فجاءه ولاية مروان بن الحكم ، فكان سعيد إذا لقيه بعد يقول له ممازحا له : قد كان وعدك حيث توفي الحسن بن علي أن يوليك ويعزلني فأقمت كما ترى سنتين والله يعلم لولا كراهة أن يعد ذلك مني خفة لاعتزلت ولحقت بأمير المؤمنين ، فيقول مروان : أقصر فإنا رأينا منك يوم مات الحسن بن علي أمورا ظننا أن صغوك مع القوم ، فقال سعيد : فوالله للقوم أشد لي تهمة وأسوأ في رأيا منهم فيك.

فأما الذي صنعت من كفي عن حسين بن علي فوالله ما كنت لأعرض دون ذلك بحرف واحد وقد كفيت أنت ذلك.

قال محمد بن عمر : قال عبد الرحمن بن أبي الزناد : قال أبي : فلم يزالا متكاشرين فيما بينهما فيما يغيب أحدهما عن صاحبه ليس بحسن ، وهم بعد يتلاقيان ويقضي أحدهما الحق لصاحبه إذا لزمه ، وإذا التقيا سلم أحدهما على صاحبه

١٨٩

سلاما لا يعرف أن فيه شيئا مما يكره ، وكان هذا من أمورهما (١٤٠).

قال : أخبرنا محمد بن عمر : إن الحسن بن علي مات سنة تسع وأربعين وصلى عليه سعيد بن العاص ، وكان قد سقي مرارا ، وكان مرضه أربعين يوما (١٤١).

قال ابن سعد : وولد الحسن بن علي في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.

__________________

(١٤٠) رواه ابن عساكر برقم ٣٩١ بإسناده عن ابن سعد.

(١٤١) رواه ابن عساكر بإسناده عن ابن سعد في ترجمة الحسن ـ عليه‌السلام ـ من تاريخ دمشق رقم ٣٥٦.

١٩٠

الاثنا عشرية الصومية

للشيخ البهائي

الشيخ علي المرواريد

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

المؤلف :

الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي الجبعي. ينتهي نسبه إلى الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني ، الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

كان فقيها أصوليا محققا محدثا مفسرا عارفا رياضيا أديبا شاعرا.

مولده ووفاته :

ولد ببعلبك يوم الأربعاء ٢٧ ذي الحجة سنة ٩٥٣ ، كما وجده صاحب «رياض العلماء» من المنقول عن خط والده : الشيخ حسين. وقيل : مولده سنة ٩٥١.

وتوفي بأصفهان ١٢ شوال سنة ١٠٣٠ ، كما ذكره المجلسي الأول الذي حضر وفاته وتشرف بالصلاة عليه. ثم نقل جسده إلى مشهد الرضا عليه‌السلام عملا بوصيته ، ودفن بها في داره قريبا من الحضرة المشرفة.

١٩١

أقوال العلماء في حقه :

قال المجلسي الأول ـ رحمه‌الله ـ : كان شيخ الطائفة في زمانه ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلو مرتبته أحدا.

وقال الشيخ الحر العاملي ـ رحمه‌الله ـ : حاله في الفقه والعلم والفضل والتحقيق والتدقيق وجلالة القدر وعظم الشأن وحسن التصنيف ورشاقة العبارة وجمع المحاسن أظهر من أن يذكر ، وفضائله أكثر من أن تحصر ...

أساتذته :

تلمذ الشيخ البهائي عند كثير من أساتذة العلم والفن ، والمذكور منهم في المعاجم :

١ ـ والده الشيخ حسين بن عبد الصمد ، المتوفى سنة ٩٨٤ ، وهو أحد أعلام الطائفة وتلمذ عند الشهيد الثاني ـ قدس‌سره ـ وجاء مع ابنه محمد ـ وهو صغير ـ إلى بلاد العجم.

٢ ـ المولى عبد الله اليزدي ، المتوفى سنة ٩٨١ ، وهو صاحب الحاشية في المنطق تلميذ جلال الدين محمد الدواني. قال في رياض العلماء : صرح البهائي في بعض المواضع بأنه قرأ كليات القانون وغيره على المولى عبد الله اليزدي.

٣ ـ المولى علي المذهب ، تلمذ عنده في العلوم الرياضية.

وقد ذكروا في كتب التراجم أنه صار شيخ الإسلام بأصفهان في زمان الشاه عباس الأول ، ثم ترك ذلك المنصب ، وأخذ في السياحة ، فساح مدة طويلة ، واجتمع في تلك الأسفار بكثير من أرباب الفضل. ثم عاد إلى إيران وأخذ في التأليف والتصنيف والتدريس.

تلامذته :

تلمذ عنده ، ويروي عنه بالإجازة كثير من العلماء والفضلاء ، منهم : العلامة

١٩٢

المجلسي الأول ـ المتوفى ١٠٧٠ ـ والفيض الكاشاني ـ المتوفى ١٠٩١ ـ وسلطان العلماء ـ المتوفى ١٠٦٤ ـ والفاضل الجواد.

مؤلفاته :

له مؤلفات كثيرة في شتى العلوم ، من التفسير والحديث والدراية والدعاء والفقه وأصوله والأدب والرياضيات والهيئة ، تصل إلى سبعين كتابا ورسالة ، منها : العروة الوثقى ، والحبل المتين ، والجامع العباسي ، والاثنا عشريات الخمس ، وزبدة الأصول ، وخلاصة الحساب ، ومفتاح الفلاح ، ومشرق الشمسين ، وتشريح الأفلاك ، ودراية الحديث ، والفوائد الصمدية.

وله شعر كثير بالعربية والفارسية ، ومنه قوله في مدح مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه :

صاحب العصر الإمام المنتظر

من بما يأباه لا يجري القدر

حجة الله على كل البشر

خير أهل الأرض في كل الخصال

من إليه الكون قد ألقى القياد

مجريا أحكامه فيما أراد

إن تزل عن طوعه السبع الشداد

خر منها كل سامي السمك عال

يا أمين الله يا شمس الهدى

يا إمام الخلق يا بحر الندى

عجلن عجل فقد طال المدى

واضمحل الدين واستولى الضلال

هاكها مولاي يا نعم المجير

من مواليك «البهائي» الفقير

مدحة يعنو لمعناها «جرير»

نظمها يزري على عقد اللآل

هذه الرسالة :

ذكروا من جملة مؤلفاته الفقهية خمس رسائل في الطهارة والصلاة

١٩٣

والزكاة والصوم والحج ، كلها مبوبة على اثني عشر ، وتسمى بالاثني عشرية.

ورسالتنا هذه : الاثنا عشرية الصومية ، إحدى تلك الرسائل. وقد وصفها الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل بأنها عجيبة ، ولعله من جهة كيفية تدوين المسائل المهمة في الصوم تحت فصول منقسمة باثني عشر ، واشتمالها على أقوال الفقهاء وإقامة الأدلة على نحو الايجاز.

وقد ألفها الشيخ في خاتمة شهر شعبان المعظم سنة ١٠١٩.

النسخ المعتمدة :

اعتمدنا في تحقيق هذه الرسالة على نسختين مخطوطتين في المكتبة الرضوية على صاحبها السلام. وتمتاز النسختان بجودة الخط والاشتمال على الحواشي من المؤلف ، وقد أشير إليها ب «منها دام ظله العالي».

والنسخة الأولى تحت رقم ٧٤١٤ ، في ضمن الاثني عشريات الخمس ، ممتازة بأنها مقروءة لدى المصنف ، ويوجد خطه ـ رحمه‌الله ـ في آخر رسالة الحج ، تاريخ كتابتها : ١٠٢٨.

والنسخة الثانية تحت رقم ٢٦٨٤ ، وهي أيضا نسخة دقيقة لا تختلف في متنها عن النسخة الأولى ، ويوجد في حواشيها بعض التوضيحات مثل تعيين مرجع الضمائر وغيره.

عملنا في التحقيق :

١ ـ مقابلة متن النسختين ، ولم نجد بينهما اختلافا معتدا به.

٢ ـ تخريج الأحاديث من الكتب الأربعة ووسائل الشيعة.

٣ ـ تخريج الأقوال من الكتب الفقهية التي كانت في متناولنا.

٤ ـ توضيح اللغات المشكلة من كتب اللغة.

٥ ـ مقابلة حواشي النسختين التي كانت من المؤلف ، وإثباتها في الهامش مشيرا إليها ب (منه قدس‌سره).

١٩٤

٦ ـ تقويم نص المتن والحواشي من حيث الاملاء ووضع الفوارز والنقط وغيرها.

الفهرست :

١ ـ حقيقة الصوم شرعا.

٢ ـ ما لا يتحقق الصوم إلا بالإمساك عنه اثنا عشر.

٣ ـ الصوم الواجب اثنا عشر.

٤ ـ الصوم المستحب مؤكده اثنا عشر.

٥ ـ الصوم المحرم اثنا عشر.

٦ ـ الأمور المعتبرة في نية الصوم اثنا عشر.

٧ ـ لا يصح الصوم من اثني عشر.

٨ ـ ما يستحب فعله ليلا في شهر رمضان اثنا عشر.

٩ ـ يكره للصائم أمور اثنا عشر.

١٠ ـ يختص شهر رمضان من بين الشهور باثنتي عشرة مزية.

مصادر الترجمة :

روضة المتقين في شرح الفقيه ج ١٤ للمجلسي الأول ، وأمل الآمل للحر العاملي ، وسلافة العصر للسيد علي خان المدني ، ورياض العلماء ج ٥ للميرزا عبد الله أفندي ، والغدير ج ١١ ، وأعيان الشيعة ج ٩ ، والذريعة ج ١.

والحمد لله رب العالمين

علي المرواريد

مؤسسة آل البيت / مشهد

١٩٥

١٩٦

١٩٧

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الصوم جنة من النار ، والصلاة على أشرف الخلائق محمد وآله الأطهار.

يقول أقل العباد محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي ـ وفقه الله للعمل في يومه لغده ، قبل أن يخرج الأمر من يده ـ :

لما فرغت من تأليف المقالة الاثني عشرية في الصلاة اليومية ، وأختها الاثني عشرية الحجية ، التمس مني بعض الأخلاء الأجلاء ـ وفقه الله لارتقاء معارج الكمال ـ تأليف اثني عشرية صومية على ذلك المنوال ، فأسعفته بذلك مع ضيق المجال وتوزع البال ، والله أسأل أن ينفع بها الطالبين ، وأن يجعلها من أحسن الذخائر ليوم الدين.

فأقول :

الأمور التي لا بد للصائم من اجتنابها نوعان :

الأول : أمور يفسد الصوم بارتكابها ، ويتوقف حصول حقيقته على اجتنابها ، كالأكل والجماع عمدا.

الثاني : ما ليست كذلك ، ولكن ورد الشرع بنهي الصائم عنه ، كالحقنة على الأقرب ، والارتماس عند بعض.

والأمور الأولى لا بد في نية الصوم من قصد المكلف الامساك عنها ولو إجمالا ، بخلاف الثانية ، وقد كثر الخلاف بين علمائنا ـ قدس الله أرواحهم ـ في تعيينها ، ومن ثم اختلفوا في بيان حقيقة الصوم شرعا على حسب اختلاف مذاهبهم فيها. فبعضهم عرفه بتوطين النفس على ترك أمور ثمانية ، وبعضهم بالإمساك عن أمور عشرة ، وبعضهم زاد وبعضهم نقص.

وقد رام بعضهم تعريفه بما ينطبق على جميع المذاهب ، فعرفه تارة بالإمساك عن المفطرات مع النية ، وأخرى بتوطين النفس على الامساك على المفطرات ، وهما

١٩٨

دوريان إلا بتكلف (١) ، مع انتقاض طرد الثاني بالنية.

وبعضهم عرفه بالإمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص ، على وجه مخصوص. وهو كما ترى (٢).

وعرفه بعضهم بكف المكلف كل النهار ـ أو حكمه ـ عن المنهيات الاثني عشر ـ الآتي ذكرها ـ مع النية ، وهو جيد. وقيل : المراد بحكم الكل النصف الأخير من النهار مع زيادة أو جزء من آخره ، لئلا يخرج نحو صوم المسافر والمريض إذا قدم أو برئ قبل الزوال والتناول ، وصوم الندب المنوي قبيل الغروب (٣).

فصل

ما لا يتحقق الصوم إلا بالإمساك عنه اثنا عشر :

الأول والثاني : الأكل والشرب ولو بغير المعتاد ، وخلاف ابن الجنيد نادر ، والمرتضى رجع عن موافقته (٤).

ويلحق بهما السعوط (٥) البالغ الحلق ، وفاقا للشيخ والعلامة (٦). لا الدماغ ،

__________________

(١) وهو أن يجرد لفظ المفطرات عن معناه الحقيقي والإشتقاقي ويراد به الأشياء المخصوصة ، كما قالوه في تعريف الطهارة باستعمال طهور مشروط بالنية من تجريد الطهور عن معناه الإشتقاقي وإرادة الماء والتراب. (منه قدس‌سره).

(٢) لا يخفى صدقه على الاحرام والتوبة بل على إمساك النائم وقت النوم عن أفعال اليقظة ، وإصلاحه بالعناية ممكن. (منه قدس‌سره).

(٣) صدره بلفظ قيل ، لعدم ارتضائه له ، لأنه لا حاجة على هذا التقدير إلى قوله : أو حكمه ، إذ يصدق على صوم المسافر مثلا إذا قدم قبل الزوال والتناول وأوقع النية أنه كف عن المنهيات كل النهار مع النية ، إذ ليس في التعريف إشعار بأن الكف منوي في كل النهار. وأيضا ينتقض على هذا التقدير بصوم من استمر على الأكل ونحوه كل النهار ناسيا ، فإن صومه صحيح.

فالصواب إرجاع الضمير في : حكمه ، إلى الكف كل النهار ، إذ ملابسة المفطر كل النهار نسيانا في حكم الكف عنه كله عند الشارع ، وحينئذ فالحاجة إلى قوله : أو حكمه ، ظاهرة. (منه قدس‌سره).

(٤) جمل العلم والعمل : ٩٠ ، الناصريات : المسألة ١٢٩ (الجوامع الفقهية : ٢٠٦).

(٥) سعطه الدواء كمنعه ونصره : أدخله في أنفه ، والسعوط كصبور : ذلك الدواء ، والسعوط كفعود : مصدر. (مجمع البحرين ٤ : ٢٥٣).

(٦) المبسوط ١ : ٢٧٢ ، والقواعد ١ : ٦٤.

١٩٩

خلافا للمفيد وسلار (٧). ولا الطعنة بما يبلغ الجوف باختياره ، وفاقا للتذكرة (٨) والمنتهى ، وخلافا للمبسوط والمختلف (٩).

وفي ابتلاع النخامة الصدرية والدماغية في فضاء الفم نظر ، والأظهر عدم الافساد ، خلافا للشهيدين (١٠) ، ووفاقا للمعتبر (١١) والمنتهى ، لإطلاق موثقة غياث (١٢) ، بل صحيحته السالمة عن المعارض.

وللمحقق قول بإفساد الدماغية فقط ، وتبعه شيخنا العلائي (١٣).

وعلى القول بالإفساد ففي لزوم كفارة الجمع إشكال ، والأظهر العدم إلا إذا انفصلت ، لعدم ثبوت التحريم على المفطر ، بل الأقرب الجواز كما تفيده رواية عبد الله بن سنان من ترجيح ابتلاعها في المسجد (١٤).

وفي الريق المتغير طعما بطاهر ـ كالعلك (١٥) ـ إشكال ، ومتغير الثلاثة أقوى إشكالا ، وعدم الافساد مطلقا قوي. والمنع من مضغه في حسنة الحلبي (١٦) لا يستلزمه ، مع معارضتها بصحيحة محمد بن مسلم المتضمنة مضغ الباقر عليه‌السلام له

__________________

(٧) المقنعة : ٥٤ ، والمراسم : ٩٨.

(٨) التذكرة ١ : ٢٥٨.

(٩) المبسوط ١ : ٢٧٣ ، والمختلف : ٢٢١.

(١٠) الدروس : ٧٤ ، وتمهيد القواعد : القاعدة ٤٣ (آخر كتاب الذكرى : ١٩).

(١١) المعتبر ٢ : ٦٥٣.

(١٢) الكافي ٤ : ١١٥ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٥ ، والوسائل ٧ : ٧٧ ، أبواب ما يمسك عنه الصائم : ٣٩ / ١.

هو غياث بن إبراهيم ، ورجال السند فيها إليه ثقات إمامية ، وهو أيضا ثقة كما قاله النجاشي وغيره ، إلا أن الكشي نقل عن بعض أشياخه عن حمدويه أنه بتري ، ولكن هذا البعض مجهول الحال. والعلامة في الخلاصة قال : إنه بتري. وظني أنه أخذ ذلك من كلام الكشي وقد عرفت حاله. فلذلك. قلنا : بل صحيحته ، لثبوت التوثيق وعدم ثبوت البترية. (منه قدس‌سره).

(١٣) الشرائع ١ : ١٩٣ ، وجامع المقاصد ١ : ١٥٣.

(١٤) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٠ رواه مرسلا ، والتهذيب ٣ : ٢٥٦ / ٧١٤ ، والوسائل ٣ : ٥٠٠ أبواب أحكام المساجد : ٢٠ / ١.

(١٥) العلك مثل حمل : كل صمغ يعلك من لبان وغيره فلا يسيل ، علكته علكا ، من باب قتل : مضغته. (المصباح المنير).

(١٦) الكافي ٤ : ١١٤ / ١ ، والوسائل ٧ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم : ٣٦ / ٢.

٢٠٠