تراثنا ـ العدد [ 11 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 11 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٨

غير أهلها لبينت جميع ما سقط من مصحف عثمان» (٩٠).

وقال الزرقاني ـ في بيان الأقوال في معنى حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ـ ما نصه : «وهو : أن المراد بالأحرف : السبعة أوجه من الألفاظ المختلفة في كلمة واحدة ومعنى واحد ، وإن شئت فقل : سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة ومعنى واحد ، نحو : هلم وأقبل وتعال وعجل وأسرع وقصدي ونحوي ، فهذه ألفاظ سبعة معناها واحد هو : طلب الإقبال.

وهذا القول منسوب لجمهور أهل الفقه والحديث ، منهم : سفيان ، وابنه وهب ، وابن جرير الطبري ، والطحاوي».

قال : «إن أصحاب هذا القول ـ على جلالة قدرهم ونباهة شأنهم ـ قد وضعوا أنفسهم في مأزق ضيق ، لأن ترويجهم لمذهبهم اضطرهم إلى أن يتورطوا في أمور خطرها عظيم ، إذ قالوا : إن الباقي الآن حرف واحد من السبعة التي نزل عليها القرآن ، أما الستة الأخرى فقد ذهبت ولم يعد لها وجود البتة ، ونسوا أو تناسوا تلك الوجوه المتنوعة القائمة في القرآن على جبهة الدهر إلى اليوم.

ثم حاولوا أن يؤيدوا ذلك فلم يستطيعوا أن يثبتوا للأحرف الستة التي يقولون بضياعها نسخا ولا رفعا ، وأسلمهم هذا العجز إلى ورطة أخرى هي : دعوى إجماع الأمة على أن تثبت على حرف واحد وأن ترفض القراءة بجميع ما عداه من الأحرف الستة ، وأنى يكون لهم هذا الاجماع ولا دليل عليه؟!

هنالك احتالوا على إثباته بورطة ثالثة وهي : القول بأن استنساخ المصاحف في زمن عثمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ كان إجماعا من الأمة على ترك الحروف الستة والاقتصار على حرف واحد هو الذي نسخ عثمان المصاحف عليه.

إلا إن هذه ثغرة لا يمكن سدها ، وثلمة يصعب جبرها ، وإلا فكيف يوافق أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على ضياع ستة حروف نزل عليها القرآن دون أن يبقوا عليها مع أنها لم تنسخ ولم ترفع؟! وقصارى القول : إننا نربأ بأصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أن

__________________

(٩٠) اليواقيت والجواهر.

١٠١

يكونوا قد وافقوا أو فكروا فضلا عن أن يتآمروا على ضياع أحرف القرآن الستة دون نسخ لها ، وحاشا عثمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ أن يكون قد أقدم على ذلك وتزعمه ...» (٩١).

قلت : ومثل هذا كثير ، يجده المتتبع لكلماتهم وآرائهم في كتب الفقه والحديث والتفسير والقراءات ، وعن الثوري (٩٢) أنه قال : «بلغنا أن ناسا من أصحاب النبي [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] كانوا يقرأون القرآن أصيبوا يوم مسيلمة فذهبت حروف من القرآن» (٩٣).

وقال ابن الخطيب في كتابه «الفرقان» (٩٤) تحت عنوان «لحن الكتاب في المصحف» : «وقد سئلت عائشة عن اللحن الوارد في قوله تعالى : إن هذان لساحران ، وقوله عز من قائل : والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ، وقوله عزوجل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون. فقالت : هذا من عمل الكتاب ، أخطأوا في الكتاب.

وقد ورد هذا الحديث بمعناه بإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي خلف ـ مولى بني جمح ـ أنه دخل على عائشة فقال : جئت أسألك عن آية في كتاب الله تعالى كيف يقرؤها رسول الله؟ قالت : أية آية؟ قال : الذين يأتون ما أتوا. أو : الذين يؤتون ما آتوا! قالت : أيهما أحب إليك؟ قال : والذي نفسي بيده ، لإحداهما أحب إلي من الدنيا

__________________

(٩١) مناهل العرفان ، الجزء الأول.

(٩٢) سفيان بن سعيد الثوري ، الملقب عندهم ب «أمير المؤمنين في الحديث» والموصوف ب «سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى» وغير ذلك. أنظر ترجمته في حلية الأولياء ٦ : ٣٥٦ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١١١ ، تاريخ بغداد ٩ : ١٥١ ، وغيرها.

(٩٣) الدر المنثور ٥ : ١٧٩.

(٩٤) طبع هذا الكتاب بمطبعة دار الكتاب المصرية سنة ١٣٦٧ ـ ١٩٤٨ ، وصاحبه من الكتاب المصريين المعاصرين ، وهو يشتمل على بحوث قرآنية في فصول تناول فيها بالبحث مسألة القراءات ، والناسخ والمنسوخ ، ورسم المصحف وكتابته ، وترجمة القرآن إلى اللغات. إلى غير ذلك. وله في هذا الكتاب آراء وأفكار أهمها كثرة الخطأ في القرآن ووجوب تغيير رسمه وجعل ألفاظه كما ينطق بها اللسان وتسمعها الأذان ، فطلب علماء الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب ، فاستجابت له وصادرته وسنذكر رأينا في خصوص ما ذكره حول خطأ الكتاب في بحوثنا الآتية.

١٠٢

جميعا. قالت : أيتهما؟ قال : الذين يأتون ما أتوا. فقالت : أشهد أن رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله] كذاك كان يقرأها وكذلك أنزلت ، ولكن الهجاء حرف.

وعن سعيد بن جبير ، قال : في القرآن أربعة أحرف لحن : والصابئون. والمقيمين. فأصدق وأكن من الصالحين. إن هذان لساحران.

وقد سئل أبان بن عثمان كيف صادرت : لكن الراسخون في العلم فهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ، ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب؟ قال : من قبل الكاتب ، كتب ما قبلها ثم سأل المملي : ما أكتب؟ قال : أكتب المقيمين الصلاة ، فكتب ما قيل له لا ما يجب عربية ويتعين قراءة.

وعن ابن عباس في قوله تعالى : حتى تستأنسوا وتسلموا. قال : إنما هي خطأ من الكاتب ، حتى تستأذنوا وتسلموا.

وقرأ أيضا : أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا. فقيل له : إنها في المصحف : أفلم ييأس؟ فقال : أظن أن الكاتب قد كتبها وهو ناعس.

وقرأ أيضا : ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، وكان يقول : إن الواو قد التزقت بالصاد.

وعن الضحاك : إنما هي : ووصى ربك ، وكذلك كانت تقرأ وتكتب ، فاستمد كاتبكم فاحتمل القلم مدادا كثيرا فالتزقت الواو بالصاد ، ثم قرأ : ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله. ووصينا الإنسان بوالديه. وقال : لو كانت «قضى» من الرب لم يستطع أحد رد قضاء الرب تعالى. ولكنها وصية أوصى بها عباده.

وقرأ ابن عباس أيضا : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء. ويقال : خذوا الواو من هنا واجعلوها هاهنا عند قوله تعالى : الذين قال لهم الذين إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. يريد

١٠٣

بذلك أن تقرأ : والذين قال لهم الناس.

وقرأ أيضا : مثل نور المؤمن كمشكاة ، وكان يقول : هي خطأ من الكاتب ، هو تعالى أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة.

وذكر ابن أشتة بأن جميع ما كتب خطأ يجب أن يقرأ على صحته لغة لا على رسمه ، وذلك كما في «لا أوضعوا ، لا أذبحنه» بزيادة ألف في وسط الكلمة. فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحنا شنيعا يقلب معنى الكلام ويخل بنظامه ، يقول الله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.

ومعنى حفظ القرآن : إبقاء شريعته وأحكامه إلى يوم القيامة وإعجازه أبد الدهر ، بحيث يظل المثل الأعلى للبلاغة والرصانة والعذوبة ، سهل النطق على اللسان ، جميل الوقع في الأذان ، يملك قلب القارئ ولب السامع.

وليس ما قدمنا من لحن الكتاب في المصحف بضائره أو بمشكك في حفظ الله تعالى له ، بل إن ما قاله ابن عباس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاء التابعين أدعى لحفظه وعدم تغييره وتبديله. ومما لا شك فيه أن كتاب المصحف من البشر ، يجوز عليهم ما يجوز على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان. والعصمة لله وحده ، ومثل لحن الكتاب كلحن المطابع ، فلو أن إحدى المطابع طبعت مصحفا به بعض الخطأ ـ وكثيرا ما يقع هذا ـ وسار على ذلك بعض قراء هذا المصحف ، لم يكن ذلك متعارضا مع حفظ الله تعالى له وإعلائه لشأنه» (٩٥).

قال : «وإنما الذي يستسيغه العقل ويؤيده الدليل والبرهان أنه إذا تعلم فرد الكتابة في أمة أمية ، فإن تعلمه لها يكون محدودا ويكون عرضة للخطأ في وضع الرسم والكلمات ، ولا يصح والحال كما قدمنا أن يؤخذ رسمه هذا أنموذجا تسير عليه الأمم التي ابتعدت عن الأمية بمراحل ، وأن نوجب عليها أخذه على علاته وفهمه على ما فيه من تناقض ظاهر وتنافر بين ، وذلك بدرجة أن العلماء الذين تخصصوا في رسم المصحف لم يستطيعوا أن يعللوا هذا التباين إلا بالتجائهم إلى

__________________

(٩٥) الفرقان : ٤١ ـ ٤٦ ملخصا.

١٠٤

تعليلات شاذة عقيمة» (٩٦).

هذا ... ومن المناسب أن ننقل في المقام ما ذكره الحجة شرف الدين بهذا الصدد ، فقد قال ما نصه :

«وما أدري والله ما يقولون فيما نقله عنهم في هذا الباب غير واحد من سلفهم الأعلام كالإمام أبي محمد بن حزم ، إذ نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري في ص ٢٥٧ من الجزء الرابع من (الفصل) أنه كان يقول : إن القرآن المعجز إنما هو الذي لم يفارق الله عزوجل قط ، ولم يزل غير مخلوق ولا سمعناه قط ولا سمعه جبرائيل ولا محمد عليهما‌السلام قط ، وإن الذي نقرأ في المصاحف ونسمعه ليس معجزا بل مقدور على مثله» إلى آخر ما نقله من الإمام الأشعري وأصحابه ـ وهم جميع أهل السنة ـ حتى قال في ص ٢١١ ما هذا لفظه :

«وقالوا كلهم : إن القرآن لم ينزل به قط جبرائيل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام ، وإنما نزل عليه شئ آخر هو العبارة عن كلام الله ، وإن القرآن ليس عندنا البتة إلا على هذا المجاز ، وإن الذي نرى في المصاحف ونسمع من القرآن ونقرأ في الصلاة ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتة ، ولا شئ منه كلام الله البتة بل شئ آخر ، وإن كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله عزوجل».

ثم استرسل في كلامه عن الأشاعرة حتى قال في ص ٢١٠ : «ولقد أخبرني علي بن حمزة المرادي الصقلي : أنه رأى بعض الأشعرية يبطح المصحف برجله ، قال : فأكبرت ذلك وقلت له : ويحك! هكذا تصنع بالمصحف وفيه كلام الله تعالى؟! فقال لي : ويلك! والله ما فيه إلا السخام والسواد ، وأما كلام الله فلا».

قال ابن حزم : «وكتب إلي أبو المرحي بن رزوار المصري : أن بعض ثقات أهل مصر من طلاب السنن أخبره : أن رجلا من الأشعرية قال له مشافهة :

__________________

(٩٦) الفرقان : ٥٨.

١٠٥

على من يقول : إن الله قال : قل هو الله أحد الله الصمد ، ألف لعنة «إلى آخر ما نقله عنهم ، فراجعه من ص ٢٠٤ إلى ص ٢٢٦ من الجزء الرابع من (الفصل) ...» (٩٧).

للبحث صلة ...

__________________

(٩٧) أجوبة مسائل جار الله.

١٠٦

من التراث الأدبي المنسي في الأحساء

الشيخ علي الصحاف

الشيخ جعفر الهلالي

نعود مع القارئ في هذه الحلقة الرابعة لنتحدث فيها عن شعراء وأدباء الأحساء المنسيين ، وها نحن نقدم إلى القراء شاعرا آخر وهو : الشيخ علي بن الشيخ محمد بن الشيخ حسين الصحاف ، وأسرة آل الصحاف من الأسر العلمية والأدبية في مدينة الأحساء توطن بعض أفرادها في العراق في كل من البصرة وسوق الشيوخ. كما توطن قسم منها الكويت ، ولا يزال هذا القسم من هذه الأسرة هناك ، وتقطن غالبية هذه الأسرة في الأحساء وطنهم الأصلي.

ولادته :

ولد المترجم له في مدينة الهفوف عاصمة الأحساء آنذاك ، ولم نقف على تاريخ ولادته.

نشأته :

نشأ شاعرنا في مدينة الهفوف مسقط رأسه ، وبها أخذ دراسته العلمية على يد رجال من أسرته ، منهم والده الشيخ محمد الصحاف ، كما أخذ عن غيره عن علماء بلده ، ولم ندر هل سافر إلى النجف للدراسة العلمية أم لا ، وإن كان الغالب من علماء بلده قد درسوا في النجف الأشرف لما لها من مركز علمي وأدبي.

١٠٧

كان الشيخ علي المترجم له من العلماء الفضلاء والأعلام الأدباء في الأحساء ، ويمتاز شعره بالمتانة والقوة ، وله أخ اسمه الشيخ حسن الصحاف وكان شاعرا أيضا إلا أن مترجمنا يمتاز على أخيه بمواهبه الأدبية ...

ديوانه وشعره :

للشاعر المترجم له ديوان شعر حافل في مختلف الأغراض والمناسبات وهو يشتمل على القصائد والتخاميس ، وهو الآن عند بعض أحفاده في مدينة الأحساء أو الكويت ، وقد ذكر ولد المترجم الشيخ كاظم الصحاف (١) في ترجمته لوالده ديوانه هذا ، ولكننا لم يتسن لنا الاطلاع عليه ، وما ننقله من شعره هنا فقد نقلناه عن بعض المجاميع الخطية في الأحساء ، وقد ذكر بعض أشعار المترجم له السيد هاشم الشخص في مؤلفه عن علماء وأدباء الأحساء.

والسيد هاشم الشخص (٢) هو أحد فضلاء الشباب المحصلين في الأحساء ، والحريصين على حفظ هذا التراث ، ومؤلفه هذا لا يزال قيد التأليف وسيسد فراغا كبيرا ، فنرجو له التوفيق في إنجاز عمله المشكور هذا.

وفاته :

توفي المترجم له في إيران في مدينة قم المقدسة سنة ١٣٢١ ه.

ويظهر أن الظروف القاسية التي مرت بها بلاد الشاعر دعته إلى مغادرة وطنه والهجرة إلى إيران ، وهناك الكثير من علماء هذه المنطقة وما يجاورها قد تركوا أوطانهم وهاجروا بعد أن تعرضوا إلى الامتهان والخوف من كيد الأعداء المتربصين ، يجد ذلك كل من تتبع تراجم مجموعة من علماء الأحساء والقطيف والبحرين الذين عاشوا هذه الظروف القاسية ، وهذا موضوع مؤلم حقا لعلنا

__________________

(١) الشيخ كاظم الصحاف هو أيضا أحد شعراء الأحساء ، وسنتحدث عنه فيما يأتي من هذه الحلقات إن شاء الله.

(٢) اعتمدنا في بعض ما كتبناه عن شعر وترجمة الشاعر على مؤلف السيد هاشم هذا نقلا عن كتاب «تذكرة الأشراف في آل الصحاف» تأليف الشيخ كاظم أحد أنجال المترجم.

١٠٨

نتحدث عنه في مناسبات أخرى.

هذا ، وقد خلف شاعرنا الصحاف أربعة من الأولاد ، وهم : الشيخ أحمد ، والشيخ حسين والشيخ كاظم ، والملا ناصر ، وقد امتهن هذا الأخير الأعمال الحرة ، ثم تفرغ أخيرا للخطابة عن طريق المنبر الحسيني.

وها نحن نقدم أمام القارئ بعض النماذج الشعرية لشاعرنا المذكور ، فهذه قصيدة يستنهض بها الإمام الحجة المنتظر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ ويخاطب بها أيضا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ويرثي الحسين ـ عليه‌السلام ـ ، قال :

ما بال ثارك عن مثارك نازح

ولكم شجاه من الصبابة صادح

وإلى م لم تنهض به متطلبا

والسيف في كف انتصارك لائح

وشباه (٣) يقدف بالشواظ (٤) إذا انجلى كالصبح إلا أنه هو ذابح

يا من له الشرف الذي لا يرتقى

من دونه انحط السماك (٥) الرامح

هلا دريت بأن أوج قبابكم

هدمت وقوض من علاها الصالح (٥)

وشرائع الإيمان غير حكمها

مع محكم القرآن جل الفادح

فلئن تطل في الغيب غيبتك التي

كبرت وأنت بها خفي واضح

فالحق ما في الدار غيرك مطلبا

للطالبين له يد ومنائح (٦)

أنت الرجا والمرتجى والغوث إذ

عزا النصير وقل فيه الناصح

حتى م حتى م النوى ابن العسكري

فمتى يلوح لك اللواء اللائح (١٠)

ضاق الخناق أبا الفتوح فلم نجد

إلاك فاتحها فأنت الفاتح

أولم تهجك من الحوادث أسهم

لم يخط عن أوتارها لك سانح

__________________

(٣) الشبا ، جمع شباة : حد كل شئ ، ومن السيف قدر ما يقطع به.

(٤) الشواظ بضم الشين وكسرها : لهب لا دخان فيه ، حر النار ، شدة الغلة ، ويراد به هنا لهيب السيف وحره.

(٥) السماك : هو أحد السماكين ، وهما كوكبان نيران يقال لأحدهما : السماك الرامح لأن أمامه كوكبا صغيرا يقال له : راية السماك رمحه ، والآخر السماك الأعزل لأن ليس أمامه شئ.

(٦) المنائح جمع منحة العطية.

١٠٩

حتى فرت من جسم جدك مهجة

بصفاحها ، الله كيف تصافح

وتقاسمت أعضاءه شفر (٧) الضبا

فتضعضت من جانبيه جوانح

(١٥) حتى هناك حلبن من رؤسائكم

دما (٨) به هاماتهم تتطايح

يا صاحب الأمر القديم إغارة

فيها الذوابل (٩) والصقال لوامح

أصقالكم أكدت (١٠) سواعد غربها

أو عربكم (١١) ضئلت وهن ضوابح (١٢)

أم غلبكم (١٣) وهنت وأنت مشيمها

أم ضاع وترك وهو عندك واضح

أتغض طرفك عن طلابك طرفة

كلا ومنهم سادة وجحاجح (١٤)

(٢٠) والسبط جدك في الطفوف ضريبة

وبه هنا لك فاجأتك جوائح (١٥)

وبعين ربات الحجال محاميا

دون الحجال وللصفاح يصافح

فكأنه والسيف في لجج الوغى

رعد وبرق في السحائب قادح

لولا القضا ما اعتاق في شرك الردى

يوما ولا صاحت عليه صوائح

وحمولة الأرزاء عمتك التي

لا غاب عنها في الحياة الفادح

(٢٥) هي في النوى مقرونة بفوادح (١٦)

تدعو وقاني الدمع هام (١٧) سانح

__________________

(٧) شفر ، وشفار وشفرات مفردها شفرة : السكين العظيمة العريضة ، حد السيف ، وهذا المعنى الثاني هو المراد للشاعر.

(٨) دما بتشديد الميم : لغة في الدم المخفف.

(٩) الذوابل : صفة للرماح ، والصقال هي السيوف ، يقال : صقل صقلا وصقالا الشئ : جلاه وملسه وكشف صدأه ، والصقيل : السيف.

(١٠) أكدى يكدي : كلت أصابعه من الحفر ونحوه ، ويريد الشاعر بقوله «أكدت» أي كلت.

(١١) يقال : خيل أو إبل عراب وأعرب : كرائم سالمة من الهجنة.

(١٢) يقال : ضبحت الخيل ضبحا وضباحا : أسمعت من أفواهها في عدوها صوتا ليس بصهيل ولا حمحمة.

(١٣) غلب جمع أغلب : وهو الغليظ الرقبة ، ويقصد به المدح هنا ، قال الشاعر : «غلب مرازبة بيض جحاجحة».

(١٤) الجحاجح جمع جحجاح : السيد المسارع إلى المكارم.

(١٥) الجوائح جمع جائحة : البلية ، والتهلكة ، والداهية العظيمة.

(١٦) الفوادح جمع فادحة : المصيبة الشديدة.

(١٧) هام : يقال : همى يهمي هميا : الماء أو الدمع إذا سال ، فهو هام.

١١٠

وتقول عاتبة وترداد الأسى

بين الجوارح والجوانح جائح (١٨)

يا راكبا يطوي السباسب (١٩) مرقلا

في كورهيما (٢٠) للرياح تراوح

عج بالغري على مليك عنده

علم المنايا والبلايا طافح

هو من حوى علم الكتاب وحكمه

نعم الخبير ومن حوته ضرائح

ومتى تجئه مفردا ويلوح من

آيات مثواه المعظم لائح (٣٠)

فعليه سلم بل وقل : حلال

كل المشكلات ومن لهن الفاتح

يا أيها النبأ العظيم ومن به

الرحمن في السبع المثاني مادح

لولاك ما خلق الكيان ولابدا

من أكرة الإمكان عبد صالح

يا ليت عينك والحسين بنينوى

وعليه ضاق من الفسيح الفاسح

يحمي الحريم ومهره في لجة

الهيجا على مجرى المهند سابح (٣٥)

ما زال في مهج العريكة موقدا

لهب الوطيس (٢١) وفي الكفاح يكافح

والروس تحت شباه (٢٢) تهوي سجدا

وعليهم أجسادهن طوائح

في معرك حاذى به فلك السما

حيث استقامت بالجسوم صحا صح (٢٣)

[وبنات أحمد بعد فقد عزيزها

أضحى يعنفها العدو الكاشح] (٢٤)

وضلوعهن من الأسى محنية

كالقوس أنحلها المسير النازح (٤٠)

يقتادها في السير أسر مثقل

لكنه هو للجوارح جارح

وبكل حي شهرت ومدينة

فبذاك تمسي ثم ذاك تصابح

حتى أتين الشام يا لك ساعة

فيها لهن صوائح ونوائح

__________________

(١٨) جائح : مهلك ، مدهي ، وقد مر معناه.

(١٩) السباسب : جمع سبسب : المفازة ، الأرض المستوية البعيدة.

(٢٠) هيما : يريد هيماء ، فحذف همزتها للضرورة الشعرية ، وهي الناقة وتجمع على هيم.

(٢١) الوطيس : التنور وما أشبه ، ويطلق على المعركة ، يقال : حمي الوطيس ، أي اشتدت الحرب ، وهذا المعنى الثاني هو المراد هنا.

(٢٢) الشبا : جمع شباة وهي : حد كل شئ ، ومن السيف قدر ما يقطع به.

(٢٣) الصحاصح ، جمع صحصح ، وصحصاح ، وصحصحان : هو ما استوى من الأرض وكان أجرد.

(٢٤) هذا البيت من وضعنا جعلناه رابطا بين البيت الذي قبله والبيت الذي بعده ، وقد يكون للشاعر مكانه بيت أو أكثر ولكنه سقط من النساخ.

١١١

والكوكب الدري من عم الورى

من راحتيه مواهب ومصالح

(٤٥) بسلاسل الأقياد مطوي الحشا

ومن الضنى (٢٥) أوهى قواه الفادح

وهو الذي لولا بقاه لما بقي

للساجدين مساجد ومصابح

علام أسرار النبوة من له

عقد الولاية زينته وشائح (٢٦)

عمت فوادحكم جلت محامدكم

عزت مدائحكم وكل المادح

أنتم لعمري آل بيت محمد

حجي ونسكي والوجود الراجح

(٥٠) وبجاهكم في الله آمل أنه

عن سيئاتي والخطايا صافح

وتقبلوا مني وشيحا زانه

وشي (٢٧) الثناء وعن (علي) سامحوا

بل فاشفعوا للوالدين بيوم إذ

تنشق عنهم للمعاد ضرائح

وملاصق في الود لا سيما أخي

حسن المتيم في المودة ناصح

والولد والقرباء ثم حسين من

هو للسعادة بالإجابة ناجح

(٥٥) هذي (صحافية) (٢٨) بصحفي أثبتت

وبها المتاجر في الولاية رابح (٢٩)

صلى الإله عليكم ما هب من

نفحات قدسكم نسيم فائح

وله قصيدة يرثي بها الإمام الحسين ـ عليه‌السلام ـ منها قوله :

أفهل أضانجم بثاقب

فجلى ضياه دجى الغياهب

أم نور قبة كربلاء

القدس قد فاقت بجانب

وسما بها بسما العلى

سام كبت عنه الكواكب

وعلت بها فوق الجنان

مراتبا أعلى المراتب

وجاء فيها :

__________________

(٢٥) الضنى : هو تمكن الضعف والهزال ، يقال : مرض فتمكن منه الضعف والهزال فهو ضني ، وضن.

(٢٦) الوشائح : جمع وشاح ، يقال : توشح بسيفه ، وبثوبه لبسه أو أدخله تحت إبطه فألقاه على منكبه.

(٢٧) الوشي من الثياب معروف ، والوشي في اللون خلط لون بلون ، والمراد هنا بوشي الثناء : ألوان الثناء.

(٢٨) صحافية : أي منسوبة إلى آل الصحاف ، لأن شاعرها من أسرة آل الصحاف ، ووردت الكلمة مخففة غير مشددة لضرورة الشعر.

(٢٩) هذا الشطر ورد في الأصل هكذا : «ولها لمتجر في الولاية رابح» ، وهو غير موزون فعدلناه من قبلنا.

١١٢

فاخضع لرفع مقامها

واسجد وقبل كل جانب

واقرأ سلاما للشهيد

بكربلا مثوى الكواكب

الحجة الكبرى على

كل الأعاجم والأعارب

ويقول في آخرها :

لهفي عليه بكربلا

لما قضى عطشان ساغب

وبكت له الأفلاك والأملاك ضجت في المحارب

وبكت عليه الكائنات

بأدمع منها سواكب

وله قصيدة ثالثة يستنهض بها الحجة المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ ويرثي الحسين ـ عليه‌السلام ـ ، منها قوله :

ألم يأن للبتار لا يألف الغمدا

يروي شباه من دمامهج الأعدا

ومنها :

سراة بني عدنان من لوليهم

حسين بأرض الطف صاروا له جندا

وباعوا على الله العلي نفوسهم

لكي يحفظوه فاشتراها له نقدا

رجال لعمري لا يضام نزيلها

وإن نزلوا يوم الحروب تخل سدا

هم الصادقون الراشدون لأنهم

قضوا ما عليهم في سجل القضا رشدا (٥)

وحيث اجتباهم ذو الجلال وخصهم بمن كان خير المرسلين له جدا

قد اتخذوا السمر الرماح معارجا

إلى الله حتى أنهم قارنوا السعدا

وزانوا جنان الخلد حين حوتهم

ونالوا بها الرضوان والفوز والخلدا

فصار حسين يستغيث ولا يرى

مغيثا سوى رن الحسام على الأعدا

يديرهم في دائرات من الردى

دواهي لا تنتجن إلا لهم ورد ، (١٠)

أحاط بكل الجيش ظهرا وباطنا

وكيف وكل الجيش قد عده عدا

إلى أن تجلى بين مشكاة صدره

خماسي أركان هوى ملكا فردا

ومنها :

تروح عليه العاديات وتغتدي

ترضض منه الظهر والصدر والزندا

١١٣

بأهلي وبي من جسمه عطر الثرى

ففاق شذاها (٣٠) المسك والند والوردا

(١٥) ومن عجب الأشياء أن كريمه

على رأس رمح يكثر الشكر والحمدا

وزينب ما بين النساء من الأسى

تكابد ما أوهى (٣١) حشاها وما أودى (٣٢)

فلله من خطب دهى قلب زينب

تكاد تخر الشم من عظمه هدا

ألا أيها الساري على كور ضامر

يجوب(٣٣) جيوب(٣٤) الحزن(٣٥) في طيه البيدا

تكفل رعاك الله مني رسالة

تبلغها الكرار من بالهدى أهدى

(٢٠) وقف بالغري واقرا السلام على الولي

أبا الأوليا من بالحرايب قد عدا

وناديه يا غوث الصريخ ألا ترى

بعينك أشبالا لك افترشت وهدا

ومنها :

أبا حسن العلام عالم دعوتي

وسامع ما أخفى الضمير وما أبدى

ألم تريا مولاي ما نال آلكم

بفقد حسين حين أن أسكن الخلدا

بأن بني سفيان قد سلبت لكم

فراقد لما تعرف السلب والفقدا

(٢٥) تجرت عليهن الأعادي جرأة

وقد سلبوها المرط(٣٦) والقرط(٣٧) والعقدا (٣٨)

وإن تلوعن عين المسلب المت

بضرب سياط اللين في جنبها جلدا

وشبوا بيوت الآل من بعد نهبها

وكانت تغيث الخائفين كذا الوفدا

وإن اللواتي قارن الصون حجبها

سبتها العدى من بعد ما انتهبوا الرفدا

على هزل يطوي بها السير لا ترى

لهن وطا من قتبهن ولا قتدا

__________________

(٣٠) الشذا : قوة ذكاء الرائحة.

(٣١) أوهى : يقال : أوهى إيهاء فلانا : أضعفه.

(٣٢) أودى : يقال : أودى به الموت : ذهب به.

(٣٣) يقال : جاب جوبا وتجوابا البلاد : قطعها.

(٣٤) الجيوب جمع جيب : يقال : جيب الأرض أي مدخلها.

(٣٥) الحزن جمع حزن وحزون : ما غلظ من الأرض ، ولا يكون إلا مرتفعا.

(٣٦) المرط ، جمعه مروط ، كل ثوب غير مخيط : كساء من صوف ونحوه يؤتزر به.

(٣٧) القرط ، جمعه أقراط وقروط : ما يعلق في شحمة الأذن من درة ونحوها.

(٣٨) العقد ، جمعه عقود : وهو القلادة.

١١٤

من ذخائر التراث

١١٥
١١٦

ترجمة الإمام الحسن

عليه‌السلام

من القسم غير المطبوع

من كتاب

الطبقات الكبير

لابن سعد

تهذيب وتحقيق

السيد عبد العزيز الطباطبائي

١١٧
١١٨

١١٩

١٢٠