تراثنا ـ العدد [ 10 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 10 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٣

١

الفهرس

كلمة التحرير

............................................................................... ٧

ملاحظات حول ثقافة الشريف الرضي وآرائه الكلامية (١)

* نادرة الشريف (عمرية) ام (عمرية)؟ ومع من وقعت؟

* مقصورة الشريف : خفيفة في ميزانه الشعري ن أم ثقيلة على القلوب لأنّها حسينية؟

...................................................... الشيخ محمدرضا الجعفري ٩

أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المكتبة العربية (٥)

.................................................... السيد عبدالعزيز الطباطبائي ٣٧

تفسير ابن فارس (٣)

.................................................. الدكتور هادي حسن حمّودي ٦١

التحقيق في نفي التحريف (٤)

.......................................................... السيد علي الميلاني ٧٨

٢

من التراث الادبي المنسي في الأحساء

الشيخ عبدالكريم المتّن

....................................................... الشيخ جعفر الهلالي ١٠٢

الاجازات عند علماء الامامية

إجازة الشيخ حسن الحلي للجوياني

............................................... الشيخ محمد السمامي الحائري ١٠٧

من ذخائر التراث

ترجمة الامام الحسين عليه السلام ومقتله ، من كتاب «الطبقات» الكبير لابن سعد السيد عبدالعزيز الطباطبائي       ١١٧

العقود الإثنى عشر في رثاء سادات البشر ـ للسيد بحرالعلوم

......................................................................... ٢٠٧

من أنباء التراث

............................................................................ ٢١٧

خلاصة الأعداد ٧ ، ٨ ، ٩ باللغة الانكليزية

........................................................ ترجمة : علي شريف ٢٣٨

٣
٤

٥
٦

كلمة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

مع إطلالة شهر محرم الحرام ـ يصدر هذا العدد ـ وهو أحد الأشهر التي جعلها الله تعالى أوقات أمن وسلام تستريح إليها البشرية المنكودة من النار التي أججها لها شياطين الإنس والجن ـ نار الحرب ـ.

وقد حرمه أهل الجاهلية في جاهليتهم حيث ألجأتهم الفطرة إلى تحريمه حتى أن الرجل ليلقى الرجل وقد قتل أباه أو أخاه فيدعه.

في هذا الشهر المحرم استبيحت حرمة من أعظم حرمات الله بأفجع صورة عرفها التاريخ ، وإلا فما الداعي إلى منع الماء؟ وإلى قتل الطفل الرضيع العطشان في حجر أبيه؟ وإلى سبي الحرائر الخفرات من أشرف أسرة عرفتها البشرية؟ ثم ما الداعي بالسير بهن من بلد إلى بلد؟ وما الداعي إلى رض الجسد الشريف بسنابك الخيل بعد أن شفى الطغاة غيظهم على جده النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بقتل خليفته وحفيده ومن هو منه كلحمه ودمه.

ولكن ... شنشنة أعرفها من أخزم ...

هذا أبو سفيان ـ جد يزيد ـ مر بجسد حمزة بن عبد المطلب عليه‌السلام وبيده رمح فصار يجأبه في شدق حمزة ، وكان الحليس بن علقمة سيد الأحابيش ينظر إليه فصاح : يا معشر بني كنانة ، أنظروا إلى من يزعم أنه سيد قريش ما يصنع بابن

٧

عمه الذي قد صار لحما؟! .. فقال أبو سفيان ـ مستحيا منكسرا خائفا من استيقاظ الفطرة السليمة لجيشه ـ : صدقت ، إنما كانت مني زلة ، اكتمها علي.

ولكن لم يكن الحليس وأشباه الحليس حاضرين يوم الطف!

وإذا كانت فعلة أبي سفيان لا يعرفها إلا العالمون ، فإن فعلة يزيد شاء لها الله أن تخلد على الزمان وأن يعلمها الأعرابي في باديته والقروي في منقطع قريته فضلا عن القراء الكتاب.

وما هذه النهضة الإسلامية المباركة إلا ثمرة من ثمرات ثورة الحسين ـ عليه‌السلام ـ وما تخليص البشرية ـ كل البشرية ـ من آلامها على يد مهدي الأمم ـ عجل الله فرجه وسهل مخرجه ـ إلا الثمرة الكبرى لشهادة الحسين ـ عليه‌السلام ـ وإنا بانتظار ذلك اليوم الذي ينادى فيه : يا لثارات الحسين! فتتخلص البشرية من الفراعين والطواغيت.

وقد حفل هذا العدد من (تراثنا) بعدة مقالات تدور حول هذه الفاجعة التي غضب لها الله على عرشه.

فإليك ـ قارئي العزيز ـ :

إثبات قصيدة : كربلا لا زلت كربا وبلا ... في كلمة الشريف الرضي.

وقصائد لشعراء الحسين ـ عليه‌السلام ـ في الأدب المنسي في الأحساء.

والقتل الشريف ... الساقط من طبعة طبقات ابن سعد.

والاثني عشريات في رثاء الحسين ... من نظم العالم الكبير السيد مهدي بحر العلوم.

وخلود فضح يزيد ... في هذه الحلقة من أهل البيت في المكتبة العربية.

ولنتذكر ـ أخي القارئ ـ أولا وآخرا الحديث الشريف «الحسين عبرة المؤمن».

وإنا لله وإنا إليه راجعون

٨

ملاحظات حول ثقافة الشريف الرضي

وآرائه الكلامية

* نادرة الشريف (عمرية) أم (عمرية)؟ ومع من وقعت؟

* مقصورة الشريف خفيفة في ميزانه الشعري ، أم ثقيلة على القلوب لأنها حسينية؟

الشيخ محمد رضا الجعفري

لهذه البحوث تاريخ يطول ذكره ، وملخصه أنه كان لي بحث مقتضب جدا حول الشريف الرضي كمتكلم ، طلب مني أن أعيد النظر فيه وأعده للذكرى الألفية لوفاة الشريف الرضي ، رضي‌الله‌عنه وأرضاه! ولكن إعادة النظر انتهت إلى ركام من الملاحظات ـ وأقول الملاحظات ، لأن في تسلسلها كثير من الفجوات لم أستطع إلى الآن أن أملاها ـ حول ثقافة الشريف ، وأساتذته ، وعقيدته مذهبا وكلاما ، وآرائه الكلامية ، ثم طلب مني فيما بعد أن أستل منها بحثا يتناسب والعدد الذي يصدر من (تراثنا) في شهور ذكرى سيد الشهداء ، عليه وعلى المستشهدين معه سلام الله وتحياته وبركاته. وكان من بين تلك الملاحظات ما يعود إلى ما ذكره الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو في تصديره لديوان الشريف الرضي ، الذي تولت نشره له وزارة الإعلام في عراق صدام ، وأهم ما يرجع منها إلى سيد الشهداء عليه‌السلام أن الدكتور عمد إلى مقصورة الشريف الحسينية الشهيرة : (كربلا لا زلت كربا وبلا) فحذفها من الديوان ، ثم وضع المعاذير لذلك ، وبذلك أثبت ـ عمليا ـ صدق قول الشريف : إن كربلاء ما زالت كربا وبلا!

وقد ارتأيت أن أقدم ، قبل البحث عما قاله حول المقصورة ، بعض الملاحظات التي تعود إلى الشريف ، ولها صلة ـ إلى حد ما ـ بما قاله حول المقصورة ،

٩

كما لا يخفى على من قرأها ، وأما التي لا ترتبط إلا ضمن الإطار الشريفي العام ، فلم أهتم به ذلك الاهتمام ، وقد أرجأت الإشارة إليه مواضعه من البحوث القادمة ـ إن وفقت إلى ذلك بحول الله وقوته ـ وأهدف من هذا أن تكون لدى القارئ الكريم صورة واضحة المعالم للدكتور وآرائه حول الشريف تسبق البحث عن المقصورة وما قاله فيها وفي حذفها ، تماثل الصورة التي تكونت في نفسي عنه. وأنا أعتذر إليه وإلى كل من يجد في بحوثي هذه شيئا لا يقرني عليه ، وعذري في ذلك أني لم أرد الإساءة إلى أحد ، وما حصل ، إن حصل فهو أمر لم يكن بمقدوري التجنب عنه ، وأنا أؤكد للدكتور ولهؤلاء أن الاستياء النفسي الذي أحمله في نفسي حول صنيع الدكتور لا يعادله أي أثر سئ قد يتركه كلامي في نفسه أو في نفوس هؤلاء! (ولكن البادئ أظلم) ـ إن كنت ظلمت أحدا ـ!

ـ ١ ـ

نادرة الشريف (عمرية) أم (عمرية)!

هناك نادرة تذكر في سيرة الشريف الرضي وقعت له عندما حضر ، وهو طفل صغير لم يبلغ العاشرة ، عند أحد أساتذة العربية والأدب يومذاك ، أصبحت فيما بعد من أشهر النوادر العلمية التي تذكر للتدليل على حدة الذكاء ، وسرعة الخاطر ، خاصة في فترة من العمر ، الذي يكون تملك مثل هذا الذكاء وحدة الخاطر فيها يبعث إعجابا أكثر وأكبر ، ويكشف عن عبقرية مبكرة يقل لها النظير ، والقصة كما يلي :

قال ابن خلكان عندما ترجم للشريف الرضي : «وذكر أبو الفتح ابن جني النحوي في بعض مجاميعه : أن الشريف الرضي أحضر إلى ابن السيرافي النحوي ، وهو طفل جدا ، لم يبلغ عمره عشر سنين ، فلقنه النحو ، وقعد معه يوما في حلقته ، فذاكره بشئ من الإعراب على عادة التعليم ، فقال له : إذا قلنا : (رأيت عمر) فما علامة النصب في عمر؟ فقال له الرضي : بغض علي! فعجب السيرافي

١٠

والحاضرون من حدة خاطره» (١).

ولكن الدكتور الحلو ذكر القصة ، وجاء فيه : «... إذا قلنا : رأيت عمرو ، فما علامة النصب في عمرو ...) وقال في الهامش :

هكذا ذكر ابن خلكان : ٤ / ٤١٦ [وواضح أنه يشير إلى نفس طبعه الدكتور إحسان عباس] وهو أقدم من ذكر القصة [وسيأتي أن الأقدم منه هو القفطي ـ فيما وصلنا ـ ولعل هناك من هو أقدم منهما ، ولم يصلنا أو لم نعثر عليه] على أن المراد «عمرو بن العاص» وقد اعتاد النحويون التمثيل بزيد وعمرو ، وتبعه على هذا ابن الوردي في تاريخه : ١ / ٦٢٧ ، وأكد أن المراد عمرو بن العاص بقوله : (أشار إلى عمرو بن العاص وبغضه لعلي). كما زاد هذا القول توثيقا أبو الفداء في تاريخه : ١ / ١٤٥ حيث أورد القصة ، وعقب عليها بقوله : «أراد السيرافي النصب الذي هو الإعراب ، وأراد الرضي الذي هو بغض علي ، فأشار إلى عمرو بن العاص». وأورد ابن حجر القصة في لسان الميزان : ٥ / ١٤١ ، كما أوردها ابن خلكان ، واللفظ فيه (عمرو) ، أما الصفدي في الوافي بالوفيات : ٢ / ٣٧٥ ، وابن العماد في شذرات الذهب : ٣ / ١٨٢ ، والخوانساري في روضات الجنات / ٥٤٧ ، وابن معصوم في الدرجات الرفيعة / ٤٦٨ فقد جاءت اللفظة لديهم : (عمر) على أن المراد عمر بن الخطاب (...) وربما كان هذا خطأ في النسخ أو الطباعة ، وربما كان وهما سبق إلى الأذهان للنكتة اللغوية في منع صرف الكلمة. ولو كانت اللفظة صوابا لم يكن جواب الرضي سديدا [؟!] لأن شيعة علي (...) إنما يذكرون بغض عمرو بن العاص له [وأما خصوم علي ، فهم لا يذكرون إلا ولاء ابن النابغة ، وصاحبه ابن هند له ، واتباعهما وتسليمهما لأمره!] ولم يذكر أحد [لا ولا إعلام صدام الذي تولى نشر الديوان للدكتور!] أن قامت بين عمر وعلي (...) مثل هذه البغضاء التي استمرت تذكر على مدى الأيام [؟!] (٢).

__________________

(١) وفيات الأعيان ، تحقيق الدكتور إحسان عباس ، دار الثقافة ، بيروت ، بلا تاريخ ، ٤ / ٤١٦.

(٢) ديوان الشريف الرضي ، تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو ، الجمهورية العراقية ، وزارة الإعلام ، ١٩٧٧ ، ١ / ٨٠.

١١

وتعليقي على ما ذكره الدكتور الحلو :

أولا : إن الطبعة التي رجع إليها الدكتور من (وفيات الأعيان) جاء فيها (عمر) و (عمر) في الموضعين ، ولم أجد تصويبا لما جاء في هذه الطبعة ، لا في هذا الجزء ولا فيما بعده من الأجزاء ، وقد رجعت إلى المؤاخذات التي أخذها الدكتور علي جواد الطاهر على هذه الطبعة من وفيات الأعيان فلم أر له ملاحظة هنا (٣).

وقد ذكر الدكتور إحسان عباس في مدخل الجزء الرابع النسخ الكثيرة التي اعتمد عليها في تحقيق هذا الجزء ، وصنيعه يدل على أنه لم يجد ، ولا في واحدة منها ما يخالف ما أثبته في طبعته.

وهكذا جاء في الطبعة الحجرية للوفيات ـ طهران ، ١٢٨٤ ، ٢ / ١٠٧ ـ وببالي أن الدكتور مصطفى جواد ـ على ما قرأت له منذ زمن قديم ـ كان يرى أن هذه الطبعة الحجرية هي أصح طبعات الوفيات. نعم جاء في ط بولاق ١٢٩٩ ، ٢ / ٣ ، وط مكتبة النهضة المصرية ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط ١ ، ١٣٦٧ / ١٩٤٨ ، ٤ / ٤٥ ـ والمأخوذة عن طبعة بولاق ـ (عمرو) بدل (عمر) ، ولكن الدكتور لم يتخذ أيا من هذه الطبعات مرجعا له سوى طبعة إحسان عباس.

والذين ذكروا (عمر) ولم (يعمروه)! هم : عدا القفطي الذي سنذكره فيما بعد ، الذهبي ، العبر : ٣ / ٩٥ ، الصفدي ، الوافي بالوفيات : ٢ / ٥ ٣٧ ، اليافعي ، مرآة الجنان : ٣ / ١٩ ، ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب : ٣ / ٨٢ ١ ، مجالس المؤمنين : ١ / ٥٠٥ ، عن ابن خلكان واليافعي ، والدرجات الرفيعة : ٦٨ ٤ ، وقد تناقض النقل فيه ، ففي الأول (عمرا) وفي الثاني : (عمر) ـ ولم ينتبه الدكتور الحلو إلى هذا التناقض ـ ، وروضات الجنات ، ٦ / ١٩١ ، ١٩٣ ـ بالإضافة إلى الطبعة الحجرية التي أشار إليها الدكتور ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥١٤ ، معجم رجال الحديث : ١٦ / ٢٧ عن ابن خلكان.

وأما الذين ذكروا (عمرا) فالأصل هو أبو الفداء ، وابن الوردي قد أخذ تاريخه وحكاه بتلخيص ، وأضاف إليه ما لم يدركه عصره ، (راجع ابن الوردي ،

__________________

(٣) راجع : ملاحظات على وفيات الأعيان ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط ١ ، ١٣٩٧ / ١٩٧٧ / ٥١ ـ ٦٣.

١٢

١ / ٩ ـ ١٠) ولسان الميزان ، ويضاف إليهم رياض العلماء : ٥ / ٨٣ ، وهذا بنفسه دليل آخر على صحة ما جاء في الطبعة الحجرية وطبعة إحسان ، وأن ما جاء مخالفا ، إنما حرف لغرض لا يخفى أو صحف!

وثانيا : أن جمال الدين ، علي بن يوسف القفطي (٥٦٨ / ١١٧٢ ـ ٦٤٦ / ١٢٤٨) يروي القصة كما يلي :

«وكان الرضي من أهل الفضل والأدب ، والعلم ، والذكاء ، وحدة الخاطر من صغره. ذكره أبو الفتح بن جني في مجموع له جمعه ، وذكر في بعض مجاميعه : أن هذا المجموع سرق منه في طريق فارس ، وتأوه عليه كثيرا ، ومات وهو عادم له. ثم إن هذا المجموع حصل في بعض وقوف مدينة أصفهان ، ولما توجه إليها سعيد بن الدهان [سعيد بن المبارك بن علي ، ابن الدهان البغدادي ((٤٩٤ / ١١٠١ ـ ٥٦٩ / ١١٧٤) أحد علماء اللغة والأدب] وجد المجموع المذكور ، فنقل منه مجلدا واحدا ، ولم أر سواه بخط سعيد المذكور. ذكر فيه أبو الفتح بن جني : أن الرضي أحضر إلى ابن السيرافي ، وهو طفل صغير جدا ، لم يبلغ عمره عشر سنين ، فلقنه النحو ، وقعد معه يوما في الحلقة ، فذاكره بشئ من الإعراب على عادة التعليم ، فقال له : إذا قلنا : (رأيت عمر) ما علامة النصب في عمر؟ قال له الرضي : بغض علي! فعجب [ابن] (٤) السيرافي والحاضرون من حدة خاطره».

وابن خلكان ، أحمد بن محمد الأربلي (٦٠٨ / ١٢١١ ـ ٦٨١ / ١٢٨٢) وإن أدرك عصر القفطي ، إلا أنه يحكي عنه (ابن خلكان ، ٥ / ٤٧) وخاصة عن كتابه (إنباه الرواة) (ابن خلكان ، ٤ / ٦٤ ، ٦ / ١٢٩ ، ١٩٢ ـ ١٩٣) فالقفطي يعد بمنزلة أحد شيوخ ابن خلكان ، وكتابه جعله أحد مصادر وفياته ، وأظن قويا أن ابن خلكان لم ير مجموع ابن جني بنفسه ، وإنما اعتمد على القفطي وعن طريقه حكى القصة ، وإن لم يصرح به. وهو في حكاية القفطي (عمر) في الموضعين ، ولم يشر المحققون في الهامش إلى اختلاف في النسخ.

وثالثا : إن التمثيل في هذه النادرة إنما وقع من جهة الإعراب وعلاماته

__________________

(٤) هكذا جاء في المطبوع من الإنباه ، إنباه الرواة ، ٣ / ١١٤.

١٣

التي تظهر في النطق ، كما هو المدلول الواضح لكلمة (قلنا) الواردة فيها ، لا من جهة إملاء الكلمة وكيفية كتابتها ، ولفظة (عمرو) لا تختلف نطقا عن سائر الألفاظ المعربة المنصرفة ، في أنها تظهر عليها حركات الإعراب ، رفعا ونصبا وجرا ، فليس في اختيار التمثيل بها أية جهة يستدعيها امتحان الطالب واختبار ذكائه وتفهمه للقواعد النحوية ، سوى معرفة أوليات النحو ، وأبسط مبادئه ، وهي كيفية الرفع والنصب والجر ، والشريف كان قد تجاوز هذه المرحلة ، إذ ابن السيرافي كان قد لقنه النحو ، أي علمه القواعد الأولية للنحو ، ولم تقع النادرة ـ ومن الطبيعي أن لا تقع ـ في أول مجلس للتعليم ، إذ الاختبار إنما يكون بعد أن يكون الطالب قد تجاوز مرحلة يصح معها اختباره وامتحانه!

نعم ، لو كان الامتحان لا في النحو ، بل من جهة الإملاء وكيفية الكتابة لكان المناسب التمثيل ب (عمرو) الذي زيد فيه (الواو) ظلما في الهجاء ـ كما يقول الشاعر ـ ليمتاز كتابة لا نطقا عن (عمر) ، ولكن هذا (الواو) يثبت في حالتي الرفع والجر ، دون النصب ، إذ لا يتنصب (عمر).

وصحيح أن النحويين اعتادوا التمثيل بزيد وعمرو ، في فروضهم النحوية ، ولكن ليس في مثل هذا المورد! ولكن النحويين جرت عادتهم أيضا على تقديم (زيد) على (عمرو) فإذا أرادوا التمثيل بأحدهما اختاروا زيدا ، فقالوا : (قام زيد) وإذا احتاجوا إليهما معا قدموا زيدا وقالوا : (ضرب زيد عمرا)!

ورابعا : إن لفظة (عمرو) حكاها الدكتور عارية عن الإعراب ، وهي منصوبة ، وملحقا بها (الواو) ، وهذا خطأ لا يصدر من متعلم ، فكيف من عالم نحوي! والصحيح حذف (الواو) وإدخال الإعراب ، بأن يقال : (رأيت عمرا) لا : (رأيت عمرو) وقد جاءت عند أبي الفداء وابن الوردي (رأيت عمرا) ، وقد رجع إليهما الدكتور نفسه ، فما الذي أوجب غفلته ـ وهو العالم الأديب ـ عن هذه الملاحظة ، ولست أسمح لنفسي بأن أنسبه إلى التغافل كي يصح له ما قال! نعم جاءت في طبعتي بولاق ، ومحمد محيي الدين عبد الحميد كما ذكرها الدكتور ، إلا أن الدكتور لم يعتمد عليها ، بل ولم أجد ما يدل على رجوعه إليهما ، ومهما يكن فعذر

١٤

الكل : أن (الواو) هنا زيدت ظلما لعلي لا لعمرو!

وخامسا : إن قول الدكتور : (ولو كانت اللفظة صوابا لم يكن جواب الرضي سديدا ...) لا أدري كيف أبرره ، وكيف سمحت نفس الدكتور بأن يقوله! فليس خصومة علي ، ومعاوية ، وأخيه عمرو بالتي يذكرها الشيعة وحدهم ، وليست حرب صفين ومضاعفاتها بالتي أرخها الشيعة وحدهم! نعم خصومة من مكن معاوية من رقاب المسلمين ، ومن أشاد له حكمه بالشام لا أقول حولها شيئا ... ويكفي في التعرف على رأي الشريفين الرضي وأخيه المرتضى ، ورأي الشيعة الإمامية ما يحكيه أبو القاسم بن برهان الحنبلي أولا ، ثم الحنفي ، وهو ما سمعه من الشريف المرتضى في آخر لحظات حياته (٥).

نعم إن إعلام حكومة صدام ، وما يؤلف لهذا الإعلام لا تريد أن يذكر ذلك أحد! بل لا تريد أن يذكر ذاكر سيد الشهداء ـ عليه‌السلام ـ ومن علم الأباة الحمية والإباء! وبلغ بها السعي في الوصل إلى غايتها هذه أنها لا تريد أن يقرأ أحد مقصورة الشريف الرضي الشهيرة :

كربلا لا زلت كربا وبلا!

فتحذفها من طبعتها لديوان الشريف ثم تضع المعاذير لذلك ـ ومعذرة من الدكتور ، فإني لا أرى هذا صنيعه ، بل صنيعها ـ!

ـ ٢ ـ

من هو ابن السيرافي هذا؟

والسيرافيان اللذان عاصرهما الشريف ، هما :

(الأب) : الحسن بن عبد الله بن المرزبان ، أبو سعيد السيرافي ، ثم البغدادي ، المعتزلي ، الحنفي (٢٨٤ / ٨٩٧ ـ ٣٦٨ / ٩٧٩) أحد أعلام العلم والأدب واللغة.

__________________

(٥) راجع المنتظم : ٨ / ٢٦ ، ابن كثير : ١٢ / ٥٣ ، معجم الأدباء : ٥ / ١٧٦ ، وقارن بما جاء محرفا مبتورا عند ابن حجر في لسان الميزان ، ٤ / ٢٢٤.

١٥

كان أبوه مجوسيا اسمه (بهزاد) فأسلم وسماه أبو سعيد (عبد الله). ولد أبو سعيد بسيراف ، وفيها نشأ ، ثم هاجر إلى بغداد فسكنها حتى توفي عن أربع وثمانين سنة ، كان يدرس ـ كما قال عنه المترجمون له ـ القرآن ، وعلومه ، والقراءات ، والنحو ، واللغة ، والفقه ، والفرائض والكلام ، والشعر ، والعروض ، والحساب ، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين ، معتزلي العقيدة ، حنفي المذهب ، ولي قضاء بغداد وكان نزيها ، عفيفا ، جميل الأمر ، حسن الأخلاق ، لم يأكل إلا من كسب يده ، ينسخ ويأكل منه ، حتى أيام قضائه ، وله كتب كثيرة في القراءات ، والنحو ، وغيرها (٦).

و (الابن) : يوسف بن الحسن ، أبو محمد ، ابن السيرافي ، البغدادي (٣٣٠ / ٩٤١ ـ ٣٨٥ / ٩٩٥) وكان عالما بالنحو ، والأدب ، واللغة ، أخذ عن والده ، فخلفه في جميع علومه ، وتصدر مجلسه بعد موته ، وأكمل كتبه التي مات ولم يكملها ، وألف كتبا عدة ، وكان يرجع إلى علم ودين ، رأسا في العربية (٧).

فأيهما الذي حضر عليه الشريف؟

يقول الدكتور الحلو أنه الأب ، أبو سعيد نفسه ، لا ابنه أبو محمد ، ابن السيرافي (٨) ثم يتناوله بتفصيل أكثر فيقول :

ويرى الدكتور إحسان عباس أنه : (ربما كان من الوهم أن نعد أبا سعيد السيرافي واحدا من أساتذة الرضي (...) لأن السيرافي أبا سعيد توفي وعمر الرضي يقل عن ثمان سنوات (...) وابن السيرافي المشار إليه ـ فيما أعتقد هو : ابن أبي سعيد يوسف وقد توفي (...) ورثاه الرضي (...) وقد خلف يوسف أباه في علومه) (٩) وقد رد الأستاذ محمد عبد الغني حسن هذا الرأي ، وقال : إنه (لا حاجة

__________________

(٦) تاريخ بغداد : ٧ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، (ابن) النديم / ٦٨ ، المنتظم : ٧ / ٩٥ ، الأنساب : ٧ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ، إنباه الرواة : ١ / ٣١٣ ـ ٣١٥ ، ابن خلكان : ٢ / ٧٨ ـ ٧٩ ، ياقوت : ٣ / ٨٤ ـ ١٢٥ ، سير أعلام النبلاء : ١٦ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ومصادر كثيرة أخرى.

(٧) المنتظم : ٧ / ١٨٧ ، إنباه الرواه : ٤ / ٦١ ـ ٦٣ ، ياقوت : ٧ / ٣٠٧ ، ابن خلكان : ٧ / ٧٢ ـ ٧٤ ، سير أعلام النبلاء : ١٦ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، وغيرها.

(٨) ديوان الشريف الرضي : ١ / ٨٢.

(٩) الدكتور إحسان عباس ، الشريف الرضي / ٣٩ ـ ٤٠.

١٦

للإنكار ، ولا موضع للغرابة ، لأن الشريف كان شديد الذكاء ، وإذا ذهبنا مع الدكتور إحسان عباس إلى أن المراد هو ابن أبي سعيد السيرافي ، لا أبو سعيد نفسه ، فهل يحل هذه القضية وينفي تعلمه النحو ، وهو دون العاشرة؟!) (١٠).

ولست أرى مجالا للخلاف في هذه القضية ، فإن ابن جني يذكر أن الرضي أحضر إلى مجلس ابن السيرافي ، وواضح أن المراد هنا أبو سعيد ، لا ولده ، فهو الذي كان صاحب المجلس وأستاذا لابن جني ، وكان ابن جني يتلقى عنه ، فهو شاهد عيان ، ولم تذكر الرواية أن الرضي قرأ عليه شيئا ، وإنما لقنه النحو في جملة من يلقن من حضور الحلقة ، ثم ذاكره بشئ من الإعراب ليختبر تقدمه ، وقد كان يوسف ولده يفيد الطلبة في حياة أبيه ـ كما يذكر ابن خلكان ـ ولعله كان يعنى بالمبتدئين في العلم من حضور حلقة والده كالرضي.

فالرضي إذا حضر حلقة أبي سعيد ، وهو صاحب القصة معه ، وهذا لا يدفع أنه ربما استفاد من علم ولده يوسف الذي كان يفيد الطلبة في حياة أبيه ، وإن كان لا يشعر نحوه بما يشعر به الطالب نحو أستاذه ، فقصيدته في رثائه لا تدل على أنه يرثي أستاذا له ، ولم يقلها الرضي فيه إلا ليحافظ على ما ضيعه الناس من الوفاء (...) وما هكذا يفعل الرضي في رثاء أساتذته (...) (١١).

وقد سبقه إلى عد أبي سعيد السيرافي نفسه أستاذا للشريف ، شيخنا العلامة الأميني في الغدير : ٤ / ١٨٣ ، وسبقهما السيد الخوانساري في روضات الجنات في ترجمة (أبي سعيد السيرافي) : ٣ / ٧٣ ، عندما ذكر تلك النادرة التي تقدمت ، وأضاف : (ولما سمع بذلك أبوه فرح بذلك ، وقال له : أنت ابني حقا). ثم ذكر : أن الثعالبي ذكر في ترجمة الشريف : أنه له في أبي سعيد مرثية ـ وذكر ثلاثة أبيات منها ـ ثم ترجم لابنه يوسف ، وتبعه في هذا الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب : ٢ / ٣٤٠ ولا أدري كيف وقع له مثل هذا مع أن

__________________

(١٠) محمد عبد الغني حسن ، الشريف الرضي / ٢٤.

(١١) الشريف الرضي ، الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو ، معهد المخطوطات العربية ، جامعة الدول العربية ، القاهرة ، ١٣٩٦ / ١٩٧٦ / ١٠٤ ـ ١٠٦ ، وهي مكتوبة بالآلة الطابعة.

١٧

الثعالبي يصرح بأن المرثي هو أبو محمد بن أبي سعيد (١٢) وهكذا صدرت القصيدة في ديوان الشريف (١٣) والإضافة التي جاءت في حكاية الخوانساري حكاها الشريف القاضي التستري في مجالس المؤمنين : ١ / ٥٠٥ عن (تذكرة ابن عراق) ولم أتعرف عليه الآن!

وهذه إحدى المشكلتين. وهناك مشكلة أخرى ، وهي أن الشريف قد ذكر من قرأ عليهم وهم :

١ ـ علي بن عيسى بن الفرج ، أبو الحسن الربعي ، الشيرازي ، ثم البغدادي (٣٢٨ / ٩٤٠ ـ ٤٢٠ / ١٠٢٩) وتوفي الشريف ، والربعي كان لا يزال حيا.

٢ ـ أبو الفتح عثمان بن جني ، الموصلي ، ثم البغدادي (ح ٣٢٧ / ٩٣٩ ـ ٣٩٢ / ١٠٠٢).

وقال الشريف نفسه : (وقال لي شيخنا أبو الحسن علي بن عيسى النحوي ، صاحب أبي علي الفارسي ، وهذا الشيخ كنت بدأت بقراءة النحو عليه قبل شيخنا أبي الفتح عثمان بن جني ، فقرأت عليه (مختصر الجرمي) وقطعة من (كتاب الايضاح) لأبي علي الفارسي ، و (مقدمة) أملاها علي كالمدخل إلى النحو ...) (١٤).

ووجه المشكلة أن الشريف إن كان قد قرأ على السيرافي ، الأب ، أو الابن ، أيا كان ، فلماذا لم يشر إليه؟

وقال شيخنا النوري : (وظاهره أنه لم يقرأ على السيرافي ، وإلا لأشار إليه ، مع أنه عند وفاة السيرافي [الأب ، وهكذا فسره بالأب] كان ابن تسع سنين ، كما يظهر من تاريخ ولادة الأول ووفاة الثاني) ثم حكى ما حكاه ابن خلكان ، فقال : (وفي قوله : فلقنه النحو مسامحة) (١٥).

__________________

(١٢) يتيمة الدهر : ٣ / ١٤٩.

(١٣) ط. بيروت : ١ / ٤٩٠ ـ ٤٩١.

(١٤) حقائق التأويل : ٨٧ ـ ٨٨.

(١٥) مستدرك الوسائل : ٣ / ٥١٤.

١٨

والذي أراه في حل المشكلة الأولى التأكيد على مدلول (ابن) السيرافي! فإن إضافة (ابن) إنما جئ بها للتعريف ، والتعريف بالإضافة إلى الأب (السيرافي) لا يصح إلا إذا كان الأب قد بلغ من الشهرة المبلغ الذي يعد أشهر من يحمل العنوان ، فيعرف به من يضاف إليه (ابنا) كان أو (أخا) أو غيرهما ، وهذا يعني : أن المشتهر يومذاك بالسيرافي كان هو الأب ، لا الابن الذي حضر الشريف مجلسه ، وهذا لا يصح إلا إذا كان الأب أبو سعيد السيرافي نفسه ، لا أبوه بهزاد المجوسي الذي عاش في سيراف ، والذي أسلم وسماه ابنه عبد الله ، عاش مغمورا ومات مغمورا ، ولو لم يبلغ ابنه أبو سعيد ما بلغه لم يسمع بذكره أحد. وبهذا يكون الذي حضر عنده الشريف ابن أبي سعيد السيرافي أبا محمد ، لا هو نفسه. وليست المشكلة تدور حول قصر السن أو قلة الذكاء ، فإنه لا مناقشة في شدة ذكاء الشريف وحدة فطنته ، وقصر سنه لم يمنعه من الحضور على الشيخ المفيد ـ كما سيأتي ـ وسيأتي أن عمره كان يومذاك في حدود السادسة.

ولم أجد فيما أملك من المصادر قراءة ابن جني على أبي سعيد السيرافي ، وإنما الذي تتفق المصادر كلها عليه أنه قرأ على أبي علي الفارسي ، في صحبة دامت أربعين سنة ، صحبه في أسفاره ، وخلا به في مقامه (١٦) ، ويذكر ابن ماكولا أن ابن جني (سمع جماعة من المواصلة والبغداديين) (١٧) ، إلا أن أحدا لم يذكر أنه كان فيهم أبو سعيد السيرافي.

ولا نملك أي حجة تدلنا على قراءة الشريف على السيرافي ، سواء أكان الأب أم الابن ، سوى ما تدل عليه هذه النادرة ، وهي لا تدل إلا على أنه حضر مجلس الابن دون الأب ، وبهذا لا أجد أي مبرر لما احتاط الدكتور الحلو في رأيه حينما ارتأى أن الشريف قرأ على الأب ، وأضاف : (وهذا لا يدفع أنه ربما استفاد من علم ولده يوسف).

__________________

(٦) إنباه الرواة : ٢ / ٣٣٦ ، ياقوت : ٥ / ١٨ ـ ١٩ ، ابن خلكان : ٣ / ٢٤٦ البلغة في تاريخ أئمة اللغة / ١٣٧ ، نزهة الألباء / ٣١٥ ، ٣٣٣ ، سير أعلام النبلاء : ١٦ / ٣٨٠ ، ١٧ / ١٨ ، بغية الوعاة : ٢ / ١٣٢ ، روضات الجنات ، ٥ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٨٠.

(١٧) الاكمال : ٢ / ٢٨٥ ، الأنساب : ٣ / ٣١٦.

١٩

ولا يلزم أن تكون القراءة على الابن أنها كانت بعد وفاه الأب بل أرجح أنها وقعت في حياة الأب ، وفيما يقرب من تأريخ حضوره على شيخنا المفيد ـ كما سيأتي ـ وإنما اختير له الابن (وكان يفيد الطلبة في حياة أبيه) (١٨) ، أن الأب يومذاك كان قد بلغ من العمر عتيا ، ومن الشخصية العلمية ما ارتفع بها عن الاشتغال بمبادئ النحو والعربية ، وتلقين الصغار تلك المبادئ ، دون الابن وخاصة في حياة الأب ، وهو بعد لم يشغل مجلس أبيه.

والذي كان من ابن السيرافي أنه لقن الشريف النحو ، ويقصد منه التعليم الشفهي ، والتحفيظ وتقويم اللسان ، ولا تدل القصة على أن الشريف قرأ عليه شيئا من الكتب الموضوعة في النحو ، لا صغيرها ولا كبيرها ، بل وأن (مختصر الجرمي) وما كان كالمدخل إلى النحو قرأهما على الربعي فيما بعد.

ولعل لهذه الجهة ، ولأن التلقين انتهى بتلك النادرة سبب ذلك انقطاع الشريف عن أبي محمد السيرافي ، بعد أن لقنه أوليات النحو.

وأرى أن ما ذكرته كاف لتعليل تلك الظاهرة التي أشار إليها الدكتور الحلو ، والتي تبدو من رثاء الشريف لأبي محمد السيرافي ، وأظن قويا أن موقف أبي محمد السيرافي من نادرة الشريف كان موقف غضب وامتعاض ، ولم يكن يومذاك بعد ، قد أبدل (عمر) ب (عمرو) كي تخف الوطأة (ويسهل ابتلاع النادرة) ـ كما يقولون ـ ولعل ذلك الموقف ، أو ما تعقبه من ملاحظات وتعليقات خلف ذلك كله في نفس التلميذ الصغير وخاصة إن كان بمثل الشريف الرضي آثار سوء ظلت حية ، حتى وبعد أن مات أبو محمد.

وأرى أيضا أن هذا كاف لتفسير تغافل الشريف عن الأيام المعدودات التي حضر فيها عند ابن السيرافي ، وعدم الاهتمام بتلك الأيام وتغافلها ، عندما ذكر الشريف من قرأ عليه النحو والأدب.

* * *

__________________

(١٨) إنباه الرواة : ٤ / ٦١ ، ابن خلكان : ٧ / ٧٢ ، اليافعي : ٢ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠.

٢٠