تراثنا ـ العدد [ 10 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 10 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٣

ـ ٣ ـ

المقصورة الحسينية :

إن مقصورة الشريف الرضي : (كربلا لا زلت كربا وبلا) لأشهر ما نظمه على الإطلاق ، فإن كان شعره على كثرته ، وسعة أغراضه ، وسمو معانيه ، ورفعة منزلته الأدبية ، معروفا عند الأدباء ، معنيين بها ، فإن مقصورته تداولتها الأجيال الواسعة قراءة وسماعا منذ عصره إلى عصرنا الحاضر ، بل وإن الكثير منهم قرؤوها أو سمعوها وإن لم يعرفوا القائل.

وكانت الأموية التقليدية لها مجالها الضيق ، وإمكاناتها المحدودة ، ونشاطها الخاص الدائر في فلك مجالها وإمكاناتها ، فلم تصل يدها الأثيمة إلى المقصورة ولم تمسها بسوء ، إلى أن ابتلينا بالأموية الحديثة وما ملكته من أسباب وأدوات ، وما علمته من أساليب وطرق ، لم يكن يملك هذا كله سلفها غير الصالح ـ ولا حاجة إلى ذكر العوامل والأيدي والجهات التي مكنتها من ذلك ـ وليست الأموية ، قديما وحديثا ، نسبا أو عرقا ـ وإن تسترت بالنسب أو العرق ـ وإنما هي نزعة تتواجد أينما تواجد الباطل ، وخاصة أنها وجدت في السلفية الجاهلية (حليفا طبيعيا) لها! والأصح أن نقول : إن كلا منهما وجدت في صاحبتها حليفا طبيعيا لها ، بعد ما اتفقت أهدافهما ، ومن الطبيعي حينئذ أن ينسجم ويتوحد نشاطهما ، وأن يعضد كل منهما الأخرى ، والأموية الحديثة ـ لعوامل خارجة عن مجال بحثنا ذكرها ـ أصبحت ـ مع الأسف الشديد ـ الفئة الحاكمة في العراق ، ومن هنا ارتبطت بالحسين عليه‌السلام وكربلائه وعاشورائه ومآتمه ، فارتبطت بالشريف الرضي ومقصورته.

وأقولها بصراحة : إني وإن كنت هنا أناقش ما ذكره الدكتور الحلو حول المقصورة ، وما عمله من حذفها من ديوان الشريف الرضي ـ الأمر الذي لا أعذره عليه بأي حال ـ لا أخاصم الدكتور نفسه ، فإني وجدته قد تجنب هذا البحث في الكتاب الذي ألفه حول الشريف الرضي ـ وتحت تصرفي نسخة منه كتبت

٢١

بالطابعة وقد أشرت إليه من قبل ـ ولهذا مدلوله الخاص عندي ، وألف لعنة ولعنة على الظروف التي يعيشها أمثال الدكتور ـ وما أكثرهم في كل بلد وعصر ـ والتي اضطرت الدكتور الحلو سعيا وراء لقمة العيش ـ أن يستجيب لرغبات الأموية وإعلامها الصدامي فيكتب ما كتب ويصنع ما صنع! وإلا فإن ما لمسته من خلق الدكتور ، وأدبه وعفافه ، أسلوبا وتعبيرا ، وميله إلى الإنصاف ، إنصاف نفسه ، وإنصاف خصمه على سواء ، فيما قرأت له ـ وذلك ما لم ألمسه في كثير من نظرائه وأقرانه ليتناقض وموقفه هذا! ولا أجد له تفسيرا اقنع به نفسي ، إلا ما ذكرت.

ومهما يمكن فإن ما قاله الدكتور الحلو حول المقصورة يرجع إلى مصدرين :

١ ـ ما وجده من التعاليق حول المقصورة في بعض مخطوطات الديوان التي استعرض الكثير منها ووصفه في تصديره للديوان.

٢ ـ ما ارتآه هو ، وإن كان من الطبيعي أنه كان بوحي من تلك التعاليق.

فقد حكى الدكتور (التصدير / ١٦٤) أنه جاء في الأصل و (ك) (يقال : أنها آخر ما قاله من الشعر ، وأنها ربما كانت منحولة) ويقصد بالأصل : مخطوطة دار الكتب المصرية وهي انتساخ لديوان الشريف الرضي صنعة أبي حكيم الخبري ، وقد وصفها الدكتور في التصدير / ١٣١ ـ ١٣٣ ، ومن (ك) : نسخه كوبر يلي (التصدير / ١٤٧ ـ ١٤٨) ، وجاء في (س) : (لم توجد في ديوانه ، بل هي منحولة ، لكونها لينة لا تشبه شعره ، وهو الصحيح) و (س) رمز لمخطوطة في المكتبة الأهلية بباريس (التصدير / ١٥٧ ـ ١٥٨) وجاء في هامش (ي) : (إن هذه القصيدة لا يمكن أن تكون من شعره ، وإنما دسها عليه أغتام الإمامية ، لما فيها من العقائد ، والليونة التي لا تلائم نفس الشريف) وعلق الدكتور : (وواضح أن كاتب هذه الحاشية زيدي يجتوي الإمامية) و (ي) رمز للنسخة اليمنية ، وهي نسخة كتبها زيدي ، وتداولتها أيد زيدية كثيرة (التصدير / ١٣٣ ـ ١٣٨).

ومن هذه التعاليق يظهر أن التشكيك ، أو النفي يعتمد على أمرين :

١ ـ أنها لينة لا تشبه شعر الرضي.

٢٢

٢ ـ ما فيها من العقائد (ويقصدون بها : التصريح بالأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام) التي لا يعتقد بها المعلق فلم يستسغها للشريف!

يضاف إليهما ثالث ، وهو ما ارتآه الدكتور نفسه حول المقصورة ، وأنها تختلف عن منهج الشريف في حسينياته الأربع الأخرى!

* * *

وقبل الدخول في مناقشة هذه النقاط الثلاثة لا بد لي من أن أقدم تاريخا موجزا لهذه المقصورة ، بل لشعر الشريف ، وأنه كيف جمع ، وما موقع المقصورة من ديوانه ، وأكتفي هنا بما قاله الدكتور الحلو نفسه في التصدير ، وملخصه :

إن شعر الشريف كان مجموعا ـ بصورة أو بأخرى ـ في حياته ، وأنه هو كان يتولى ذلك بنفسه ، وقد اهتم عدنان ابنه بشعر أبيه بعده ، فأخرج من مسوداته أوراقا قليلة نحو كراسة ، زادها على شعر أبيه ، ثم جاء أبو حكيم الخبري فأخذ هذه الكراسة ، وضم إليها الإقطاع والأبيات التي وجدها ، وصنع من ذلك كله بابا ألحقه بالديوان سماه باب الزيادات ، وقد ذكر في خاتمه الباب أن ما اجتمع له أضعاف ما جمعه ابنه عدنان.

(وباب الزيادات الذي صنعه أبو حكيم الخبري يضم خمسة وثلاثين وتسعمائة بيت ، زادها على صنعة الرضي لديوانه ، وليس كل هذا الشعر من قبيل الأبيات المفردة ، أو المقطوعة ذات البيتين ، أو الثلاثة ، أو الخمسة ، وإنما بعض هذا الشعر قصائد ، منها قصيدته التي تضم الأبيات (٥٧٧ ـ ٦٠٧) وهي التي خاطب فيها سلطان الدولة وعرض بذم أعدائه ، ومنها قصيدته التي تضم الأبيات (١ ـ ٦٢) وهي في رثاء الحسين بن علي) (١٩) ولم يرقمها الدكتور متسلسلة لأنه تفضل فحذفها!

ولا بد من بعض التعريب بأبي حكيم الخبري هذا ، فهو : أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخبري ، البغدادي ، الشافعي (ـ ٤٧٦ / ١٠٨٤).

__________________

(١٩) التصدير / ١٢٧ ـ ١٣٠.

٢٣

إمام الفرضيين ، العلامة ـ كما يقول الذهبي وعامة المترجمين له ـ كانت له معرفة تامة بالحساب والفرائض ، وله معرفة بالأدب واللغة ، وكان متمكنا من علم العربية. تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، الفقيه الشافعي الشهير ، وسمع الحديث الكثير من جماعة. وكان مرضي الطريقة ، خيرا ، دينا صدوقا ، انتهت إليه الإمامة في الفرائض ، والأدب ، وكان يكتب الخط الحسن ، ويضبط الضبط الصحيح. شرح الحماسة ، وديوان البحتري ، والمتنبي ، والرضي ، وكان ينسخ المصحف الكريم ، ومات وهو ينسخ مصحفا ، وكانت له بنتان ، الكبرى رابعة ، وأم الخير فاطمة ، وكانتا من رواة الحديث والأدب. و (الخبري) نسبة إلى (خبر) ، وكانت قرية بنواحي شيراز ، بها قبر سعيد أخي الحسن بن أبي الحسن البصري ، كان أصله منها (٢٠).

وقد عني بجمع ديوان الشريف الرضي جماعة ، وأجود ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الخبري (٢١).

ومما تقدم يبدو بوضوح : أن الخبري لم يكن بالجاهل الذي لا يميز الأصيل من المنحول ، ولا بالغر الذي ينخدع بقول هذا أو ذاك ، ولا يتفق مع الشريف في المذهب أو العاطفة حتى ينساق مذهبيا أو عاطفيا ، وهو عند المترجمين له ـ وكلهم ممن تثق بهم الأموية ، ويطمئن إليهم الإعلام الصدامي ـ من الثقة والصدق والأمانة في المحل الذي يأبى عن الكذب والافتعال ، ولم يبعد به الزمن عن عصر الشريف ، حتى يحول بينهما عبث الأيام!

وأنا لا أملك صورة من الأصل الذي اعتمد عليه الدكتور ، ولا النسخ التي جعلها مراجع لتحقيق الديوان ، لكن اختلاف التعبير في تلك التعاليق من

__________________

(٢٠) المنتظم : ٩ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، معجم الأدباء : ٤ / ٢٨٥ ، الاكمال : ٣ / ٥١ ، الأنساب ٥ / ٣٨ ـ ٤٠ ، اللباب : ١ / ٤١٨ ـ ٤١٩ ، معجم البلدان : ٢ / ٣٤٤ ، إنباه الرواة ٢ / ٩٨ ، سير أعلام النبلاء : ١٨ / ٥٥٨ ، ابن كثير : ١٢ / ١٥٣ ـ وقد أخطأ في تعيين سنة الوفاة ، فذكر في غير محله ـ الأسنوي ، طبقات الشافعية : ١ / ٤٧١ ـ ٤٧٢ ، ابن هداية الله ، طبقات الشافعية / ١٧٢ ـ ١٧٣ ، السبكي ، طبقات الشافعية : ٥ / ٦٢ ـ ٦٣ ، بغية الوعاة : ٢ / ٢٩ ، شذرات الذهب : ٣ / ٣٥٣.

(٢١) إنباه الرواة : ٣ / ١١٥ ، ابن خلكان : ٤ / ٤١٦ ، شذرات الذهب : ٣ / ١٨٣.

٢٤

جهة ، واختلاف الحجة فيها من جهة أخرى يدل على أنها ليست من جامع الديوان (الخبري) نفسه ، بل هي كلها إما من النساخ أو القراء ، لم يقلها الخبري ، حتى الذي جاء في الأصل ونسخة (ك) منها. ولم يفصح الدكتور الحلو : أن ما جاء في (الأصل) أو (ك) إنما جاء في الهامش أم في المتن ، كما أفصح فيما جاء في (ي) ، وإن أحسنت الظن بالدكتور ، أو بالإعلام الصدامي ، فأرى أن هذا الإبهام قد يكون متعمدا مقصودا ، كي يوحي إلى القارئ أن التعليق إنما هو من صلب الديوان! ولي مما تقدم شواهد تؤكد لي حسن ظني هذا!

بل وإن كلام الدكتور نفسه عندما بحث حول الزيادات التي أفردها الخبري ، وتسأل : فما الذي صرف الرضي عنها فلم يذعها فيما أذاعه من شعره؟ ذكر أن الخبري قدم توجيها لها ، ومدلول ذلك : أن الخبري نفسه كان جازما بصحة انتسابها إلى الرضي! وإن لم يقبل الدكتور بتوجيه الخبري في بعضها وفي المقدمة المقصورة الحسينية! (التصدير / ١٦٣ ـ ١٦٤) وهذا كله. يدلنا دلالة قاطعة على أن هذه التعاليق ليست ، ولا واحدة منها من الخبري نفسه!

ونعود إلى النقاط الثلاثة التي قلت أنها هي الأساس للتشكيك أو النفي :

١ ـ فالليونة التي قيل أنها توجد في المقصورة بما لا يتناسب وشعر الشريف ، فقد قال عنها الدكتور الحلو نفسه :

أما بناء القصيدة فإن وصف جميعه بالليونة أمر مبالغ فيه ، ولكن بعض أبياتها لين لا يشبه شعر الرضي ـ مثل قوله :

يا رسول الله يا فاطمة

يا أمير المؤمنين المرتضى

كيف لم يستعجل الله لهم

بانقلاب الأرض أو رجم السما

لو بسبطي قيصر أو هرقل

فعلوا فعل يزيد ما عدا

وقوله :

ميت تبكي له فاطمة

وأبوها وعلي ذو العلا

٢٥

لو رسول الله يحيا بعده

قعد اليوم عليه للعزا (٢٢)

وأقول :

إن هؤلاء النقاد غفلوا ـ أو تغافلوا عامدين ـ عن أمر يختص به أدب الرثاء الحسيني ، وهو : أن الرثاء الحسيني ينقسم إلى قسمين : رثاء فني أدبي ، وهذا ما يشترك فيه الرثاء الحسيني وأي رثاء آخر ـ ورثاء مأتمي شعبي. ولكل منهما خصائصه وميزاته ، قد تجتمع وقد تفترق. وليست قصائد الشريف الأربع (٢٣) شعر المآتم ، وإن كانت رثاء أدبيا! ومن عاش المآتم الحسينية ـ ومع الأسف أن الدكتور الحلو لم يعشها وإن حضرها لا أثق بأنه ينفعل نفسيا بها ، والسر واضح ـ علم أن شعر المآتم لا بد وأن يكون شعرا وصفيا مأساويا ، يصف المأساة وصفا شعريا يمزج الحقيقة بالعاطفة ، والواقع بالاحساس النفسي ، كي يكسب في نفوس السامعين ـ وهم عامة الناس ، أي مختلف طبقاتهم ، الأدباء وغير الأدباء ، وذو الثقافة العالية ، والسواد الأعظم ـ الرقة والخشوع ، ويستدر منهم الدموع ، بل وأكثر من الدموع! ولا تكفي هنا الإشارة العابرة ، والكناية الأدبية ، واللغة الفنية.

ويكفي في هذا الرجوع إلى «الدر النضيد» تأليف سيدنا الأمين ، رحمه‌الله ، وإلى المقاطع التي حشى بها الشيخ ابن شهرآشوب كتابه (مناقب آل أبي طالب) والتي هي نماذج لأدب الرثاء يومذاك ، ومنها مقصورة الشريف ، دون غيرها من حسينياته.

ومن هذا أقول بكل تأكيد : إن الشريف لم ينظم حسينياته الأربع تلك كي تقرأ في المآتم ، وينوح بها النائحون والنائحات ، وهو من أعلم الناس بشعر المآتم ، شعر دعبل ، والعوني ، والناشئ ، وأضرابهم مما كان يناح به يومذاك ، نعم ، إن مقصورته تمتاز عنها بأنه قالها في كربلاء ويوم عاشوراء ، وقالها ارتجالا ، ومن المحتمل الراجح أنه قالها وهو يحضر المآتم هناك ، وفي ذلك اليوم ، ولا يمكن

__________________

(٢٢) التصدير / ١٧١ ـ ١٧٢.

(٢٣) راجع (الأولى) الديوان ـ ط بيروت ١ / ٢٧٨ ـ ٢٨١ ، و (الثانية) ١ / ٢٨١ ، ٢٨٣ ، و (الثالثة) ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٨ ، و (الرابعة) ٢ / ٦٥٨ ـ ٦٦١ ، وقارن بالمقصورة وهي في ط بيروت ، ١ / ٣٣ ، ٣٦.

٢٦

لأحد أن يلمس جو كربلاء ، وجو عاشوراء ، وجوهما معا إن اتفقا ، وجو المأتم الحسيني ، وخاصة إن كان يوم عاشوراء ، وفي كربلاء ، في الحائر الحسني ، إلا إذا كان شيعيا حسينيا ، وخاصة إن كان علويا ـ نسبا وروحا ـ كالشريف! فمقصورة الشريف شعر المآتم هناك ، يومذاك ، لا شعر المهرجانات أو المباريات الأدبية! شعر البكاء والدموع ، لا شعر الاعجاب الأدبي ، والمقدرة الفنية ، شعر النوح واللطم ، لا شعر (أمسيات الشعر)!

وهذا هو الفارق الأساس بين روح المقصورة وبين طابع حسينياته الأخرى ، فطابعها أدبي فني ، وطابع المقصورة حسيني ، وهي فن شعري ، والمقصورة ولاء حسيني ، كربلائي عاشورائي!

وسم هذا ما شئت! سمه ليونة ، أو سمه مطابقة لمقتضى الحال!

والحق أقول : إن الشريف وفق في مقصورته هذه قدر ما وفق في حسينياته تلك ، بل ولعله برز في المقصورة ما لم يبرز في غيرها! وبعد ، فالقصيدة التي تبلغ اثنين وستين بيتا ، إن وجد فيها أبيات معدودة لم ترتفع إلى المستوى العام للقصيدة نفسها ، أم لم تبلغ المستوى العام لشعر شاعرنا ، متى كان هذا دليلا يعتمد عليه على نفي القصيدة وحذفها بتمامها ، إلا بالنسبة إلى الرضي ، وفي مقصورته الحسينية خاصة ، وعند الإعلام الصدامي!!.

فمن من الشعراء ، من تقدم على الشريف منهم ، من جاهليين ، ومخضرمين ، وإسلاميين ، من أمويين أو عباسيين ، أو الذين عاصروه أو جاءوا بعده ، وإلى عصرنا الحاضر ، لا في الأدب العربي فحسب بل في الآداب الإنسانية كلها بمختلف عصورها ولغاتها من أمكنه أن يحتفظ بمستوى واحد لا يقصر عنه أبدا ، في كل ما نظم أو كتب؟!

ولا أجدني بحاجة إلى إيراد الأمثلة ، فالتهذيب والانتفاء سمة عامة لكل شاعر وأديب ، وشعر المناسبات يختلف عن الآثار الأدبية المقصود منها التبرز والظهور ، وبعد التهذيب والانتفاء لا يزال هناك فارق كبير في شعر أي شاعر ، وفي أدب أي أديب ، بين هذا الشعر وذاك وبين هذا القول وذاك!

٢٧

والرضي نفسه كان يعمد إلى مثل هذا ، وتجد مثالا لذلك في ديوان الرضي : ٢ / ٨١٦ ، وللدكتور الحلو إشارات إلى هذا الأمر ، ولعل الشريف أراد لمقصورته أن يعيد النظر فيها ويهذبها أو ينتقي منها ، ولكن المنية لم تمهله ـ في سن مبكر نسبيا ـ وهي من آخر ما قاله ، وأمانة الخبري لم تسمح له أن يصنع شيئا لم يفعله الشاعر نفسه.

* * *

وبهذا أكون قد ناقشت ما قرره الدكتور الحلو : (ولعل أفضل وسيلة للحكم عليها (أي المقصورة) هي الرجوع إلى قصائد الرضي الأخرى في رثاء الحسين بن علي (سلام الله عليها) على قلة شعره في هذا الباب بالقياس إلى شعراء الشيعة فيه) ثم يستعرض سماتها العامة ويميزها عما جاء في المقصورة فيقول : (وقد استبان من هذا العرض للمعاني التي وردت في القصائد الأربع الأولى ، والقصيدة الأخيرة : أنه لا نسب بين هذه الأربع وبينها ، فهذه الشكاة التي تنضح بها القصيدة الأخيرة ، والاستغاثة بالرسول ، صلى الله عليه [وآله] وسلم وخصومته لبني أمية في الدار الآخرة ، ووقوفه موقف المظلوم ، وتعداد الأئمة ، واعتبارهم الشافين من العمى ، والشفعاء مع الرسول يوم القيامة [والتأكيد على مقاطع معينة ، إنما هو منا ، لا من الدكتور نفسه] كل هذا لم نعهده من الرضي في رثائه لأبي عبد الله الحسين ، وإنما عهدناه ثائرا تلمع نصول السيوف في شعره ، وتتطاول لها ذم الأسنة ، مهددا بيوم يجرد فيه الخيل للوغى ، لا بالعقاب والحساب في يوم القيامة) (٢٤).

وتتلخص المناقشة : نعم هناك فارق ولكن ، لا بين شخصين ، ولكن بين روحين : فإن ما نلمسه في تلك القصائد الأربع ، إنما هو روح الشريف نفسه ، وما نلمسه في المقصورة إنما هو الوجدان الشيعي المتمثل في الشيعة ومنهم الشريف ، فالشريف في تلك يكشف عن نفسه ونفسياته الخاصة به ، وفيها يعبر عن روح الولاء الذي يحمله كل شيعي حسيني!

٢ ـ وأما الزيدية والإمامية وعقيدة الشريف ، فأرى أن البحث فيه من

__________________

(٢٤) التصدير / ١٧٠ ـ ١٧١.

٢٨

لغو القول! فلم يكن الشريف بالرجل المغمور الذي يجهل أصله ، وأهله ، والوسط الذي كان يعيش فيه ، والذين كان يتصل بهم ، أو يتصلون به ، حتى يجهل مذهبه ، ويكون مجال شك ، ثم مجال بحث واستدلال! فهو إمامي معروف ، معروف بأسرته وأهله ، ومن يتصل بهم من الإمامية ، لم يشك في ذلك أهله ولا أصحابه الإمامية! ولكن لاعتبارات لا تخفى ، أحكي كلاما لأحد علماء الزيدية حول الموضوع :

قال يوسف بن يحيى بن الحسين بن (الإمام المؤيد بالله) محمد بن (الإمام المنصور بالله) القاسم بن محمد بن علي الحسني الصنعاني الزيدي و ١٠٧٨ / ١٦٦٧ ـ ١١٢١ / ١٧٠٩) بعد أن ذكر جملة من قصيدة الرضي البائية في الأئمة الاثني عشر ، عليهم‌السلام ، ومنها :

سقى الله المدينة من محل

لباب الماء والنطف العذاب

وجاد على البقيع وساكنيه

رخي الذيل ملآن الوطاب

وأعلام القري وما استباحت

معالمها من الحسب اللباب

وقبرا بالطفوف يضم شلوا

قضى ظمأ إلى برد الشراب

وسامرا وبغدادا وطوسا

هطول الودق منخرق العباب (٢٥)

قال : هذه الأبيات من القصيدة أردت بإيرادها تبين معتقد الرضي ، رحمه الله تعالى ، فإن جماعة ممن قصر فهمهم من المؤلفين يتهمون أنه على مذهب الإمام أبي الحسين زيد بن زين العابدين ، قدس الله روحه ، ونعم ذلك المذهب الفاضل! ومن العجب أن منهم القاضي أحمد بن سعد الدين ، مع وفور علمه واطلاعه ، ويحتجون بأنه كان يريد الأمر الذي كان في يد الخليفة ذلك الزمان ، بدليل أبياته القافية الشهيرة ، التي كتبها إلى الطائع ، ولأن ابن عنبة قال في عمدة الطالب : وقيل : إن الرضي كان زيديا. ولم يعلموا أنه أراد الملك لأنه أحق به ، ولو أراد الخلافة لم تنتقض عقيدته على مذهب الإمامية ، ويلزم من هذا أن المرتضى أخاه ، حيث كان أول من بايع الخليفة هو ، كان عباسيا ، وليس كل من شهر السيف

__________________

(٢٥) ديوان الرضي ١ / ٩١.

٢٩

دعي زيديا! وإلا لكان الخوارج زيدية! وهذا شعر الرضي وروايات العلماء عنه تأبى ذلك ، وكل تابع لأهل البيت البررة الأتقياء موفق ، إن شاء الله تعالى ، وتابع جعفر الصادق وزيد بن علي لم يتبع إلا البر التقي المجمع على فضله) (٢٦).

٣ ـ وأما ما ذكره الدكتور الحلو أخيرا : (وظني الغالب أن هذه القصيدة مصنوعة ومنسوبة إلى الشريف الرضي ، أراد صاحبها لها الذيوع والانتشار في محافل عاشوراء ، فاجتهد ما وسعه الاجتهاد في أن يضع عليها ميسم الرضي ، وخانه التوفيق في بناء بعض أبياتها ، كما فضحه حشو القصيدة بعقائد لم يمرن عليها الرضي شعره ولم ينضح بها قريضه) (٢٧).

وأقول :

إن الشريف قد جعل من شعره وسيلة للتعريف بنفسه ، خاصة فيما يريد له الإذاعة والظهور ، ولأجل هذا لا نجد في شعره ما نجده في شعر كثير من شعراء الشيعة الذين وقفوا شعرهم لبيان عواطفهم وأحاسيسهم المذهبية ـ أو جعلوا ذلك أحد أهدافهم الرئيسة ، ولم يكتفوا بالإفصاح عن ذاتياتهم الخاصة ـ فلا نجد في شعره مديحا خالصا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا لأبيه أمير المؤمنين ، وأمه الصديقة الطاهرة ، عليهما‌السلام ، وهو في هذا يختلف عن العوني ، وابن حماد ، والناشئ ، وقبلهم الكميت ، ودعبل ، وأضرابهم ، فنجد شعرهم شيعيا بل ويختلف عن أخيه الشريف المرتضى أيضا ، فهؤلاء شيعة ، والتزموا أن يكشف شعرهم عن عقيدتهم ، وأن يكون معبرا عن تشيعهم ، في حين أن الشريف كان شاعرا شيعيا ، كأبي تمام ، وابن الرومي ، وأمثالهما.

ولم يشتهر الشريف بالأدب المذهبي ، وخاصة في أدب الرثاء الحسيني ، الشهرة التي تجعل المغمورين يحاولون أن يلصقوا آثارهم به فينحلون شعر غيره إياه ، كي يرتضيه السامعون إذا تلي عليهم منسوبا إلى الرضي فيروج عندهم! والنائحون

__________________

(٢٦) نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر ، ترجمة الشريف الرضي ، مخطوط ـ المصورة التي أملكها ، ج ٢ ، الورقة (٤٦١ / ب ـ ٤٦٢ / أ).

(٢٧) التصدير / ٧٢.

٣٠

والنائحات ، وقراء المآتم ، ومنشدو مجالس العزاء الحسيني إنما يهتمون بمضمون الشعر ومدى تأثيره على السامع أكثر ما يهمهم الشاعر نفسه ، بل إن الشاعر يغفل عنه غالبا عندهم وعند السامعين على سواء ، فلا يسمونه إلا نادرا ، ولأغراض خارجة عن إطار القراءة وإقامة المأتم.

ولا يسعني أن أتجاوز هذا الموضوع إلا وأن أذكر واحدا من هؤلاء ، وقد أدرك عصره الشريف ، وسمع الكثير من شعره ، وهو الناشئ البغدادي ، علي ابن عبد الله بن وصيف (٢٧١ / ٨٨٤ ـ ٣٦٦ / ٩٧٦) (صاحب المراثي الكثيرة في أهل البيت) (٢٨) قال معاصره وصديقه وحاكي سيرته وقضاياه ، الحسين بن محمد الخالع ، الأموي نسبا ، البغدادي ، (٣٣٣ / ٩٤٥ ـ ٤٢٢ / ١٠٣١) : (وكان الناشئ قؤوما بالكلام والجدل ، يعتقد الإمامة ويناظر عليها بأجود عبارة ، فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عرف بهم ، وأشعاره فيهم لا تحصى كثرة) (٢٩) وراجع قضاياه ، بل وكراماته في النوح بشعره في ياقوت : ٥ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، لسان الميزان : ٤ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، وإذا أردت نموذجا لما كان يناح به يومذاك في المآتم ، بل وإلى قرابة قرنين بعد ذلك العصر ، وهو عصر الخطيب الخوارزمي ، الموفق بن أحمد الحنفي (٤٨٤ / ١٠٩١ ـ ٥٦٨ / ١١٧٢) ، ونموذجا أيضا لشعر الناشئ ، فارجع إلى ما حكاه الخطيب الخوارزمي من شعره في مقتل الحسين عليه‌السلام : ٢ / ١٤٥ ـ ١٤٧ صدرة بقوله : (وللناشئ ، علي بن وصيف ، مما يناح به في المآتم).

وأنا أعجب من الدكتور أنه يعمد إلى أبعد الاحتمالات من الواقع ، وأقربها إلى عالم الخيال والوهم ، فيختاره ، ويغلب ظنه عليه ، وهو أن شاعرا مغمورا له القدرة على مجاراة الشريف الرضي ، ولكنه ينسى نفسه ولا يشيد بمقدرته الشخصية ، بل يتقمص الشريف الرضي ، ويقلده في قصيدة عدد أبياتها اثنان وستون بيتا ، يوفق في ذلك ، إلا في عدة أبيات!! فلم لم يسلم الدكتور بأن الرضي نفسه هو القائل ، وأنه هو الذي خانه التوفيق ـ إن كان الدكتور مصرا على هذه

__________________

(٢٨) ابن الأثير : ٨ / ٦٨٨ ، ابن خلكان : ٣ / ٣٦٩ ، لسان الميزان : ٤ / ٢٣٨.

(٢٩) معجم الأدباء : ٥ / ٢٣٥.

٣١

الخيانة!! ـ.

ولا تفسير لهذا الاختيار الشاذ عندي سوى أن الإعلام الصدامي يرضيه هذا الاختيار ، مهما كان بعيدا متكلفا فيه ، ويغضبه إذاعة الواقع ، وإن دلت عليه الحجة ، وكان هو التفسير الطبيعي والمعقول المقبول.

وأنا أعجب أكثر من قوله : (وفضحه حشو القصيدة بعقائد لم يمرن عليها الرضي ...) كيف لم يمرن عليها الشريف ، وقد مر قبيل هذا نموذج من قول الشريف ، ولا أظن أن الدكتور لم يقرأ بائية الشريف التي حكينا أبياتا منها قبيل! والدكتور نفسه قد قرأ ما قاله صاحب نسمة السحر ، ويحكي عنه جملة من قوله في هامش / ٥١ ـ ٥٢ من التصدير.

وآخر ما أقوله : إن الإعلام الصدامي لم يرد لنفسه أن يكون ناشرا للمقصورة ، ولا للشريف أن يعرف بأنه القائل لها ، فحذفها من الديوان ثم أوحى إلى من أوحى بأن يضع المعاذير لذلك!! (بل الإنسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره) (٣٠).

* * *

والكلمة الأخيرة : أنا إن سلمنا جدلا بأن ما قاله الدكتور الحلو حول المقصورة كله صحيح لا مطعن فيه لطاعن ، ولكنه بحذفه المقصورة قد فتح الباب لنوع من التحريف السافر ، والتلاعب المعلن به بالكتب والآثار ، لم يسبق أن فتحه قبله أحد! فإن القاعدة الأساسية المتبعة في نشر النصوص ـ والدكتور نفسه من أمس من يتصل بها ويعرفها ، بحكم عمله في قسم المخطوطات في جامعة الدول العربية ـ الاحتفاظ بالنص في صورته الأصلية التي أرادها المؤلف له ، وعمل المحقق والناشر لا يعدو تقويم النص وإعطاء أقرب صورة وأوثقها إلى التي اختارها المؤلف.

والدكتور قد تولى نشر ديوان الرضي لا على أساس أنه هو الذي جمعه ، فله أن يختار ما وثق بنسبته إلى الشريف ، ويحذف ما كان على ريب من ذلك ،

__________________

(٣٠) القيامة ٧٥ : ١٤ ـ ١٥.

٣٢

بل على أساس أنه ناشر لعمل جامع آخر ، وهو الخبري الذي تولى الجمع ، والطبعة نفسها تحمل هذا العنوان : (صنعة أبي حكيم الخبري) ، والتزاما منه بالأمانة بالعلمية احتفظ الدكتور بنظام الخبري القائم على أساس الأغراض ، لا التنظيم على أساس حروف القوافي ، الذي حول الديوان إليه في كثير من مخطوطاته ـ كما يذكر الدكتور في التصدير ـ وهكذا في طبعاته السابقة ، ومنها الطبعة البيروتية الأولى. ولا شك أن الخبري ـ ويسلم بذلك الدكتور ـ قد أثبت المقصورة في الزيادات التي ألحقها بالديوان.

فأقصى ما هو المسموح به للدكتور أن يبدي ريبه من نسبة المقصورة إلى الشريف ، في التصدير أو عندما تأتي في صلب الديوان ، كما صنعه بعض النساخ أو القراء ، وحكى الدكتور صنيعهم في التصدير. وصنيع الدكتور قد تجاوز كل هذه الاعتبارات ، وخرق السنة المتبعة في الاحتفاظ بالنصوص ـ على ما هي عليه ، وكما هي ـ وليس لنا إلا الحكم بأنه خيانة واضحة للأمانة العلمية ، ونقض فاضح لقواعد نشر النصوص ، وسنة سيئة قد سنها الدكتور لتبرير التحريف والتلاعب ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) [النحل ، ١٦ / ٢٥] ـ نسأل الله سبحانه أن يجنبنا ويجنب الناشرين الاستنان بها ـ

٣٣

كربلا كرب وبلا

قال وهو بالحاير الحسيني يرثي

جده سيده الشهداء عليه‌السلام :

كربلا ، لا زلت كربا وبلا ،

ما لقي عندك آل المصطفى

كم على تربك لما صرعوا ،

من دم سال ومن دمع جرى

كم حصان الذيل يروي دمعها

خدها عند قتيل بالظما

تمسح الترب على إعجالها ،

عن طلى نحرر ميل بالدما

(٥) وضيوف لفلاة قفرة ،

نزلوا فيها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حي اجتمعوا ،

بحدى السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شموسا منهم

لا تدانيها ضياء وعلى

وتنوش الوحش من أجسادهم

أرجل السبق وأيمان الندى

ووجوها كالمصابيح ، فمن

قمر غاب ، ونجم قد هوى

(١٠) غيرتهن الليالي ، وغدا

جاير الحكم عليهن البلى

يا رسول الله لو عاينتهم ،

وهم ما بين قتلى وسبا

من رميض يمنع الظل ، ومن

عاطش يسقى أنابيب القنا

ومسوق عاثر يسعى به

خلف محمول على غير وطا

متعب يشكو أذى السير على

نقب المنسيم ، مجزول المطا

(١٥) لرأت عيناك منهم منظرا

للحشى شجوا ، وللعين قذى

ليس هذا لرسول الله ، يا

أمة الطغيان والبغي ، جزا

غارس لم يأل في الغرس لهم ،

فأذاقوا أهله مر الجنى

جزروا جزر الأضاحي نسله ،

ثم ساقوا أهله سوق الإما

معجلات لا يوارين ضحى ،

سنن الأوجه أو بيض الطلى

(٢٠) هاتفات برسول الله في

بهر السعي ، وعثرات الخطى

يوم لا كسر حجاب مانع

بذلة العين ولا ظل خبا

٣٤

أدرك الكفر بهم ثاراته ،

وأزيل الغي منهم فاشتفى

يا قتيلا قوض الدهر به

عمد الدين وأعلام الهدى

قتلوه بعد علم منهم

أنه خامس أصحاب الكسا

وصريعا عالج الموت بلا

شد لخيين ولا مد ردا (٢٥)

غسلوه بدم الطعن ، وما

كفنوه غير بوغاء الثرى

مرهقا يدعوا ، ولا غوث له ،

بأب بر وجد مصطفى

وبأم رفع الله لها

علما ما بين نسوان الورى

أي جد وأب يدعوهما ،

جد ، يا جد ، أغثني يا أبا

يا رسول الله يا فاطمة ،

يا أمير المؤمنين المرتضى (٣٠)

كيف لم يستعجل الله لهم

بانقلاب الأرض أو رجم السما

لو بسبطي قيصر ، أو هرقل

فعلوا فعل يزيد ، ما عدا

كم رقاب من بني فاطمة

عرقت ما بينهم ، عرق المدى

واختلاها السيف حتى خلتها

سلم الأبرق ، أو طلح العرى

حملوا رأسا يصلون على

جده الأكرم طوعا وإبا (٣٥)

يتهادى بينهم لم ينقضوا

عمم الهام ، ولا حلوا الحبى

ميت تبكي له فاطمة ،

وأبوها ، وعلي ذو العلى

لو رسول الله يحيا بعده ،

قعد اليوم عليه للعزا

معشر منهم رسول الله

والكاشف الكرب ، إذا الكرب عرا

صهره الباذل عنه نفسه ،

وحسام الله في يوم الوغى (٤٠)

أول الناس إلى الداعي الذي

لم يقدم غيره لما دعا

ثم سبطاه الشهيدان ، فذا

بحسا السم ، وهذا بالظبى

وعلي ، وابنه الباقر ، والصادق

القول ، وموسى ، والرضا

وعلي ، وأبوه وابنه ،

والذي ينتظر القوم غدا

يا جبال المجد عزا وعلى ،

وبدور الأرض نورا وسنا (٤٥)

جعل الله الذي نابكم

سبب الوجد طويلا والبكا

٣٥

لا أرى حزنكم ينسى ، ولا

رزءكم يسلى ، وإن طال المدى

قد مضى الدهر ، وعفى بعدكم ،

لا الجوى باخ ، ولا الدمع رقا

أنتم الشافون من داء العمى ،

وغدا ساقون من حوض الروا

(٥٠) نزل الدين عليكم بيتكم ،

وتخطى الناس طرا ، وطوى

أين عنكم للذي يبغي بكم

ظل عدن دونها حر لظى

أين عنكم لمضل طالب

وضح السبل وأقمار الدجى

أين عنكم للذي يرجو بكم

مع رسول الله فوزا ونجا

يوم يغد ووجهه عن معشر

معرضا ممتنعا عند اللقا

(٥٥) شاكيا منهم إلى الله ، وهل

يفلح الجيل الذي منه شكا

رب! ما حاموا ، ولا آووا ، ولا

نصروا أهلي ، ولا أغنوا غنا

بدلوا ديني ، ونالوا أسرتي

بالعظيمات ، ولم يرعوا إلى

لو ولي ما قد ولوا من عترتي

قائم الشرك لأبقى ورعى

نقضوا عهدي ، وقد أبرمته ،

وعرى الدين ، فما أبقوا عرى

(٦٠) حرمي مستردفات ، وبنو

بنتي الأدنون ذبح للعدى

أترى لست لديهم كامرئ

خلفوه بجميل إذ مضى

رب! إني اليوم خصم لهم ،

جئت مظلوما وذا يوم القضا

للبحث صلة ...

٣٦

أهل البيت (ع)

في المكتبة العربية

(٥)

السيد عبد العزيز الطباطبائي

حرف الراء

٢٠٠ ـ الرجحان بين الحسن والحسين

للقاضي أبي محمد بن خلاد الرامهرمزي ، وهو الحافظ الحسن بن عبد الرحمن ابن خلاد الفارسي ، ويقال له الخلادي أيضا ، المتوفى قرب سنة ٣٦٠ ه.

ترجم له النديم في الفهرست ـ ص ١٧٢ ـ وقال : «حسن التأليف مليح التصنيف» وقد ذكر كتابه هذا باسم «الريحانتين : الحسن والحسين» ، ويأتي في موضعه ، وفي طبعة فلوجل للفهرست ذكر باسم : الرجحان بين الحسن والحسين.

وترجم ياقوت للرامهرمزي في معجم الأدباء ٣ / ١٤٠ ترجمة مطولة أخذا من الفهرست ويتيمة الدهر ، وفيه أيضا ـ عن الفهرست ـ : الريحانتين.

وترجم له في هدية العارفين ١ / ٢٧٠ وذكر له الكتابين ، أو هو كتاب واحد ذكر باسمين.

وله ترجمة حسنة في أنساب السمعاني ٦ / ٥٢ ، وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٧٣ ، وأشهر كتبه وأحسنها كتابه «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» وقد حققه وطبعه محمد عجاج الخطيب وترجم المؤلف في المقدمة ترجمة حسنة.

٣٧

٢٠١ ـ الرد على ابن الهمام

في موضعين من «فتح القدير» حيث أساء الأدب مع الإمام الحسن عليه‌السلام في قصة الطلاق ، ومع الإمام الباقر عليه‌السلام في مسألة سهم ذوي القربى.

لمحمد معين بن محمد أمين السندي التتوي الحنفي ، المتوفى سنة ١١٦١ ه.

وتعرض له أيضا في كتابه «دراسات اللبيب» في الدراسة الثانية عشرة ، ص ٤٣٧ من طبعة كراچي سنة ١٩٥٩ م ، ثم قال : «ولقد سبقت منا رسالة مفردة في انتقاد الموضعين ، تكلمنا فيها على الثاني واستوفينا الكلام في الجواب».

وللمؤلف ترجمة حسنة في نهاية «دراسات اللبيب» بقلم عبد الرشيد النعماني ، وله ترجمة في نزهة الخواطر ٦ / ٣٥١ ـ ٣٥٥.

وتقدم له : «إثبات إسلام أبي طالب» و «إيقاظ الوسنان» و «الحجة الجلية» ، وغير ذلك ، ويأتي له «قرة العين في البكاء على الحسين» و «مواهب سيد البشر».

وابن الهمام هو كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي الإسكندري القاهري ، الفقيه الحنفي ، المتوفى سنة ٨٦١ ه ، وكتابه «فتح القدير» في شرح الهداية للمرغيناني ، فقه حنفي ، مطبوع.

٢٠٢ ـ الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد

لابن الجوزي ، أبي الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد بن علي ابن الجوزي البغدادي الحنبلي ، المتوفى سنة ٥٩٧ ، فرغ منه المؤلف يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة ٥٨٠ ، بالمدرسة الشاطبية من باب الأزج ببغداد.

مؤلفات ابن الجوزي ص ١٠٣ رقم ١٤٣.

ألفه في الرد على عبد المغيث بن زهير الحنبلي البغدادي ، المتوفى سنة ٥٨٣ ، حيث ألف رسالة في الدفاع عن يزيد والمنع من لعنه وذمه بإنكار بعض جرائمه

٣٨

وتأويل البعض الآخر ، وقد شذ بذلك عن جماعة المسلمين أجمع ، فلا تجد أحدا مهما بلغ به النصب والتعصب وافقه على ذلك أو رضي به.

قال ابن الأثير في الكامل في ترجمته ١١ / ٥٦٢ : وصنف كتابا في فضائل يزيد بن معاوية أتى فيه بالعجائب وقد رد عليه ابن الجوزي.

فتراهم مطبقين على أن مصنفه في فضائل يزيد ، ولكنه هو أنكر ذلك عندما لقيه الناصر عند قبر أحمد فقال له : أنت عبد المغيث الذي صنف في مناقب يزيد!!

فقال : معاذ الله أن أقول إن له مناقب ، ولكن من مذهبي أن الذي هو خليفة المسلمين إذا طرأ عليه فسق لا يوجب خلعه (١).

قرت عيون المسلمين بهكذا خليفة ، حتى المحامي عنه المتعصب له المغالي فيه لا يرى له أي منقبة تؤهله لهذا المركز القدسي الذي هو تلو النبوة ولكن من من مذهبه أن الذي بلغ الحكم مهما كانت الوسائل فعلى المسلمين أن يخضعوا له وعلى الإسلام أن يعترف بشرعيته فلا يزعزعه الفسوق والفجور مهما بلغ ، بل لا ينبغي لعنه وذمه حتى إذا قتل الحسين وسبى حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستباح المدينة وهدم الكعبة وتجاهر بالإلحاد.

وقال الذهبي : وكان ثقة سنيا! ... تبارد وصنف جزءا في فضائل يزيد! وأتى فيه بالموضوعات (٢).

وقال أيضا : وقد ألف جزءا في فضائل يزيد ، أتى فيه بعجائب وأوابد ، لو لم يؤلفه لكان خيرا له ... ولعبد المغيث غلطات تدل على قلة علمه (٣).

وقال ابن كثير في ترجمته من تاريخه ١٢ / ٣٢٨ : وله مصنف في فضل يزيد ابن معاوية أتى فيه بالغرائب والعجائب ، وقد رد عليه أبو الفرج ابن الجوزي فأجاد وأصاب.

__________________

(١) ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٣٥٦.

(٢) العبر ٤ / ٢٤٩.

(٣) سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٦٠.

٣٩

ولنذكر الآن حديث ابن الجوزي عن معاصره وهو أخبر الناس به حيث عاشا سوية في بغداد وكانا يتلاقيان كل يوم في مجالس الدرس وحلقات الحديث ، فقد اشتركا في كثير من الشيوخ ، نراه يصف لنا عبد المغيث بقوله :

ما زلت أعرف هذا الشيخ بقلة المعرفة للحديث ، إنما يقرؤه ولا يعلم صحيحه من سقيمه ، ولا يفهم معناه ، فمذهبه في ذلك مذهب العوام أن كل حديث يروى ويسند ينبغي أن يكون صحيحا.

وهو مع قلة علمه وعدم فهمه معه عصبية يسميها سنة ، ومن البلية عذل من لا يرعوي عن غيه وخطاب من لا يفهم ، والكلام مع مثل هذا صعب لقلة فهمه وفقهه (٤) ...

وقال عنه أيضا : شيخ قد قرأ أحاديث مروية ولم يخرج من العصبية العامية ... وصنف جزء لينتصر فيه ليزيد! (٥).

وقال أيضا : ما زلت أعرف هذا الشيخ بقلة العلم والفهم ، وإنما يحدث من يفهم (٦).

وقال : وهذا الشيخ لا يعرف المنقولات ولا يفهم المعقولات ، لكنه قرأ الحديث ولا يعرف صحيحه من سقيمه ، ولا مقطوعه من موصوله ، ولا تابعيا من صحابي ، ولا ناسخا من منسوخه ، ولا كيف الجمع بين الحديثين ، ومعه عصبية عامية ، فإذا رأى حديثا يوافق هواه تمسك به (٧).

وبيان أنه لا يعرف علم الحديث أنه يحتج على أغراضه بأحاديث قد أسنده الكذابون ، ولا يعرف الصادق من الكاذب (٨).

وإني قد اجتمعت به يوما فذكر مسلم بن يسار قال : وكان من كبار الصحابة! فزجرته عن هذا وقلت : ما قال هذا أحد ، إنما هو تابعي.

__________________

(٤) آفة أصحاب الحديث لابن الجوزي : ٥٣.

(٥) الرد على المتعصب : ٧.

(٦) الرد على المتعصب : ٨.

(٧) الرد على المتعصب : ٨ ـ ٩.

(٨) الرد على المتعصب : ٩.

٤٠