تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٧

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٧

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤

أخبرني الأزهرى حدّثنا محمّد بن العبّاس أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب حدّثنا الحسين بن فهم حدّثنا محمّد بن سعد. قال : بشر بن آدم سمع سماعا كثيرا ، ورأيت أصحاب الحديث يتقون حديثه ، والكتاب عنه (٣).

أنبأنا محمّد بن أحمد بن رزق أخبرنا محمّد بن عمر بن غالب أخبرنا موسى بن هارون أخبرني أبي : أن مولد بشر بن آدم سنة خمسين ومائة (٤).

أخبرنا السّمسار أخبرنا الصّفّار حدّثنا ابن قانع : أن بشر بن آدم الضّرير مات في سنة ثمان عشرة ومائتين.

راد غير الصّفّار عن ابن قانع : في شهر ربيع الأول (٥).

قلت : وفي البصريّين شيخ يقال له : بشر بن آدم ، إلا أنه دون هذا في الطبقة ، وهو ابن بنت أزهر بن سعد السمان ، يروى عن جده أزهر ، وعن محمّد بن عون الزّيادي. حدث عنه أبو حاد محمّد بن هارون الحضرمي ، ويحيى بن محمّد بن صاعد ، وغيرهما.

٣٥١٦ ـ بشر بن غياث بن أبي كريمة ، أبو عبد الرّحمن المريسي ، مولى زيد ابن الخطّاب :

كان يسكن الدرب المعروف به ، ويسمى درب المريسي ، وهو بين نهر الدجاج ونهر البزازين ، وبشر من أصحاب الرأى ، أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي ، إلا أنه اشتغل بالكلام ، وجرد القول بخلق القرآن ؛ وحكى عنه أقوال شنيعة ، ومذاهب مستنكرة ، أساء أهل العلم قولهم فيه بسببها ، وكفره أكثرهم لأجلها ، وقد أسند من الحديث شيئا يسيرا عن حمّاد بن سلمة ، وسفيان بن عيينة وأبو يوسف القاضي ، وغيرهم. فمن ذلك :

ما حدّثني أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن محمّد بن على القصرى قال حدّثنا محمّد بن أحمد بن سفيان الكوفي ـ بها ـ حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد

__________________

(٣) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ٩٤.

(٤) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ٩٥.

(٥) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ٩٥.

٣٥١٦ ـ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ١٠ / ٣١. ووفيات الأعيان ١ / ٩١. والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٢٨. وميزان الاعتدال ١ / ١٥٠. ولسان الميزان ٢ / ٩٢. والجواهر المضية ١ / ١٦٤. واللباب ٣ / ١٢٨. والأعلام ٢ / ٥٥. ومعجم البلدان ٨ / ٤٠.

٦١

حدّثني الحسن بن على بن بزيع حدّثنا محمّد بن عمر الجرجاني حدّثنا بشر بن غياث عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن عطاء عن ابن البيلمانى عن أبيه عن على بن أبي طالب. قال : قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اركب ناقتي ثم امض إلى اليمن ، فإذا وردت عقبة أفيق ورقيت عليها رأيت القوم مقبلين يريدونك. فقل : يا حجر ، يا مدر ، يا شجر ، رسول الله يقرأ عليكم السلام». قال [علي : ففعلت فلما رقيت العقبة قلت : يا حجر يا مدر يا شجر رسول الله يقرأ عليكم السلام قال (١)] وارتج الأفق فقالوا : على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليك السلام. فلما سمع القوم نزلوا فأقبلوا إلىّ مسلمين (٢).

وأخبرني الحسين بن محمّد أخو الخلّال أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الشطي حدّثنا أبو صفوان الثّقفيّ حدّثنا حبيب بن محمّد الجوهريّ ـ أبو الحسن الوكيل ـ حدّثنا محمّد بن عبد الوهّاب حدّثنا أبو عبد الرّحمن بشر بن غياث عن البراء بن عبد الله الغنويّ عن الحسن. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الناس سواء كأسنان المشط ، وإنما يتفاضلون بالعافية والمرء كثير بأخيه ، ولا خير لك في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل الذي ترى له» (٣).

أخبرني أبو القاسم الأزهرى والقاضي أبو بكر محمّد بن عمر الدّاودى. قالا : أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن حدّثنا أحمد بن عبد الله بن على بن إسحاق النّاقد ـ أبو الحسين ـ حدّثنا عمارة بن معاوية. أخبرني عبد الله بن إسماعيل بن عيّاش. قال : كتب بشر المريسي إلى رجل يستقرض منه شيئا. فكتب إليه الرجل : الدخل يسير ، والدّين ثقيل ، والمال مكذوب عليه. فكتب إليه بشر : إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا ، وإن كنت معتذرا بباطل فجعلك الله معتذرا بحق.

أخبرني الأزهرى حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن أحمد المقرئ حدّثنا محمّد بن يحيى النديم حدّثنا القاسم بن إسماعيل. قال : قال لي الجاحظ : قال بشر المريسي ـ وقد سئل عن رجل ـ فقال : هو على أحسن حال وأهنئها. فضحك الناس من لحنه ، فقال قاسم التّمّار : ما هو إلا صوابا مثل قول ابن هرمة :

إنّ سليمى والله يكلأها

ضنّت بشيء ما كان يرزؤها

قال : فشغل الناس بتفسير القاسم عن لحن بشر المريسي.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٢) انظر الحديث في : تاريخ جرجان ٣٨٧. ومسند أبي حنيفة ١ / ١٣٠.

(٣) انظر الحديث في : الموضوعات ، لابن الجوزي ٣ / ٨٠. والكامل ، لابن عدي ٥ / ١٠٩٩.

٦٢

أخبرنا أبو بكر البرقاني حدّثني محمّد بن العبّاس الخزاز حدّثنا جعفر بن محمّد الصندلي قال : قال إسحاق بن إبراهيم عن عمر بن منيع : كان بشر المريسي يقول : صنوف من الزنادقة ، سماهم ـ صنف كذا وكذا ـ يقولون ليس بشيء.

أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد بن عمر البصريّ المالكي أخبرنا أحمد بن محمّد ابن عمر الخفاف ـ بنيسابور ـ حدّثنا أبو العبّاس السّرّاج قال سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول حدّثني زياد بن أيّوب قال السّرّاج : وأظن أنى سمعت من زياد قال سمعت عبّاد بن العوام يقول : كلمت بشرا المريسي وأصحاب بشر ، فرأيت آخر كلامهم أنه ينتهى إلى أن يقولوا ليس في السماء شيء!.

أنبأنا محمّد بن أحمد بن رزق حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا يحيى بن أبي طالب أخبرني عمر بن عثمان بن أخى على بن عاصم أخبرني يحيى بن على بن عاصم أخبرني عمر بن عثمان. قال : كنت عند أبي فاستأذن عليه بشر المريسي. فقلت : يا أبت يدخل عليك مثل هذا؟ فقال : يا بنى وماله؟ قال قلت : إنه يقول القرآن مخلوق ، وإن الله معه في الأرض ، وإن الجنة والنار لم يخلقا ، وإن منكرا ونكيرا باطل ، وإن الصراط باطل ، وإن الساعة باطل ، وإن الميزان باطل ، مع كلام كثير. قال فقال : أدخله علىّ ، فأدخلته عليه ، قال فقال : يا بشر أدنه ، ويلك يا بشر أدنه ـ مرتين أو ثلاثا ـ فلم يزل يدنيه حتى قرب منه ، فقال : ويلك يا بشر من تعبد ، وأين ربك؟ قال فقال : وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال : أخبرت عنك أنك تقول القرآن مخلوق وأن الله معك في الأرض ، مع كلام كثير. ولم أر شيئا أشد على أبي من قوله إن القرآن مخلوق ، وإن الله معه في الأرض. فقال له : يا أبا الحسن لم أجئ لهذا. إنما جئت في كتاب خالد تقرؤه علىّ. قال فقال له : لا ولا كرامة ، حتى أعلم ما أنت عليه أين ربك ، ويلك؟ فقال له : أو تعفيني؟ قال : ما كنت لأعفيك. قال : أما إذا أبيت فإن ربى نور في نور. قال فجعل يزحف إليه ويقول : ويحكم اقتلوه ، فإنه والله زنديق ، وقد كلمت هذا الصنف بخراسان.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ـ قراءة ـ أخبرنا أبو على بن الصواف قال وجدت في كتاب أبي حدّثنا أبو بكر الباغنديّ حدّثنا الرّبيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول : دخلت بغداد فنزلت على بشر المريسي ، فأنزلنى في غرفة له ، فقالت لي أمه : لم جئت إلى هذا؟ قلت : أسمع منه العلم. فقالت : هذا زنديق!.

٦٣

أخبرنا عبد الملك بن محمّد بن عبد الله الواعظ أخبرنا دعلج بن أحمد حدّثنا ابن خزيمة قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول أخبرني الشافعي قال : كلمتنى أم المريسي أن أكلم المريسي أن يكف عن الكلام ، فلما كلمته دعاني إليه فقال : إن هذا دين ، قال فقلت إن أمك كلمتنى أن أكلمك.

أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن على بن أيوب العكبري ـ إجازة ـ أخبرنا على بن محمّد بن عبد الملك القرشيّ ـ قراءة ـ حدّثنا عيّاش بن الحسن البندار حدّثنا محمّد بن الحسين الزعفراني أخبرني زكريّا بن يحيى حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال سمعت الحسين بن على الكرابيسي قال جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي فقالت : يا أبا عبد الله أرى ابني يهابك ويحبك ، وإذا ذكرت عنده أجلّك ، فلو نهيته عن هذا الرأى الذي هو فيه ، فقد عاداه الناس عليه ، ويتكلم في شيء يواليه الناس عليه ويحبونه؟ فقال لها الشافعي : أفعل. فشهدت الشافعي ـ وقد دخل عليه بشر ـ فقال له الشافعي : أخبرني عما تدعو إليه أكتاب ناطق ، أم فرض مفترض ، أم سنة قائمة. أم وجوب عن السلف البحث فيه ، والسؤال عنه. فقال بشر : ليس فيه كتاب ناطق ، ولا فرض مفترض ، ولا سنة قائمة ، ولا وجوب عن السلف البحث فيه ، إلا أنه لا يسعنا خلافه. فقال له الشافعي : أقررت على نفسك بالخطإ فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار ، يواليك الناس عليه وتترك هذا؟ قال : لنا نهمة فيه. فلما خرج بشر قال الشافعي : لا يفلح. قال حسين : كلمت يوما بشرا المريسي شبيها بهذا السؤال. قال : فرض مفترض. قلت : من كتاب. أو سنة ، أو إجماع؟ قال : من كلّ. قال فكلمته حتى قام وهو يضحك منه.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق وأحمد بن عمر بن أحمد الدلال. قالا : حدّثنا أحمد بن سلمان النجاد حدّثنا محمّد بن إسماعيل السّلميّ قال سمعت البويطى يقول سمعت الشافعي يقول : ناظرت المريسي في القرعة فذكرت له حديث عمران ابن حصين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القرعة. فقال : يا أبا عبد الله هذا قمار. فأتيت أبا البختريّ فقلت له : سمعت المريسي يقول : القرعة قمار. قال : يا أبا عبد الله شاهد آخر وأقتله.

حدّثني الأزهرى أخبرنا الحسن بن الحسين الفقيه الهمذاني حدّثني الزبير بن عبد الواحد حدّثني يوسف بن يعقوب بن مهران الأنماطى ـ ببغداد ـ حدّثنا داود بن على

٦٤

الأص بهانيّ حدّثنا أبو ثور قال سمعت الشافعي. يقول ، قلت لبشر المريسي : ما تقول في رجل قتل وله أولياء صغار وكبار ، هل للأكابر أن يقتلوا دون الأصاغر؟ فقال : لا. فقلت له : فقد قتل الحسن بن على بن أبي طالب بن ملجم ، ولعلى أولاد صغار؟ فقال : أخطأ الحسن بن على. فقلت : أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟! قال : وهجرته من يومئذ.

أخبرنا أبو بكر عبد الله بن على بن حمويه الهمذاني ـ بها ـ أخبرنا أحمد بن عبد الرّحمن الشّيرازيّ أخبرنا أبو شجاع الفضل بن العبّاس الهروي حدّثنا محمّد بن إسحاق الثّقفيّ. قال : سمعت قتيبة بن سعيد يقول : دخل الشافعي على أمير المؤمنين وعنده بشر المريسي ، فقال أمير المؤمنين للشافعي : ألا تدرى من هذا؟ هذا بشر المريسي! فقال له الشافعي : أدخلك الله في أسفل سافلين مع فرعون ، وهامان ، وقارون. فقال المريسي : أدخلك الله أعلى عليين مع محمّد وإبراهيم ، وموسى. قال محمّد بن إسحاق : فذكرت هذه الحكاية لبعض أصحابنا فقال لي : ألا تدرى أى شيء أراد المريسي بقوله؟ كان منه طنزا (٥) لأنه يقول ليس ثم جنة ولا نار!.

أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمّد بن نعيم الضبي قال سمعت أبا جعفر محمّد بن صالح يقول : سمعت أبا سليمان داود بن الحسين يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول : دخل حميد الطوسي على أمير المؤمنين ـ وعنده بشر المريسي ، فقال أمير المؤمنين لحميد : أتدري من هذا يا أبا غانم؟ قال : لا. قال هذا بشر المريسي! فقال ـ حميد : يا أمير المؤمنين هذا سيد الفقهاء ، هذا قد رفع عذاب القبر ، ومسألة منكر ونكير ، والميزان ، والصراط ، انظر هل يقدر أن يرفع الموت؟ ثم نظر إلى بشر ، فقال : لو رفعت الموت كنت سيد الفقهاء حقا.

أخبرني الحسن بن محمّد الخلّال حدّثنا يوسف بن عمر القواس حدّثنا أحمد بن عيسى بن السكين قال : سمعت أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم لؤلؤ يقول : مررت في الطريق فإذا بشر المريسي والناس عليه مجتمعون ، فمر يهودي فأنا سمعته يقول : لا يفسد عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة! ـ يعنى أباه كان يهوديا.

أخبرنا حمزة بن محمّد بن طاهر الدّقّاق حدّثنا الوليد بن بكر الأندلسى حدّثنا على بن أحمد بن زكريّا الهاشمي حدّثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله

__________________

(٥) الطنز : السخرية.

٦٥

ابن صالح العجلى حدّثني أبي قال : رأيت بشرا المريسي ـ عليه لعنة الله ـ مرة واحدة. شيخا قصيرا دميم المنظر ، وسخ الثياب ، وافر الشعر ، أشبه شيء باليهود. وكان أبوه يهوديا صباغا بالكوفة في سوق المراضع؟ ثم قال : لا يرحمه‌الله ، ولقد كان فاسقا.

أخبرنا أبو بكر البرقاني حدّثنا يعقوب بن موسى الأردبيلى حدّثنا أحمد بن طاهر ابن النجم الميانجى حدّثنا سعيد بن عمرو البردعي قال سمعت أبا زرعة ـ يعنى الرازي ـ يقول : بشر المريسي زنديق.

أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن على بن عياض القاضي بصور ـ أخبرنا محمّد بن أحمد بن جميع حدّثنا بن مخلد ـ إملاء ـ حدّثني يوسف بن يعقوب حدّثنا بشّار بن موسى قال سمعت أبا يوسف القاضي يقول لبشر المريسي : طلب العلم بالكلام هو الجهل ، والجهل بالكلام هو العلم ، وإذا صار رأسا في الكلام قيل زنديق ، أو رمى بالزندقة. يا بشر إنك تتكلم في القرآن ، إن أقررت لله علما خصمت ، وإن جحدت العلم كفرت.

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم حدّثنا عبد الملك بن عبد الحميد بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران الرّقي ـ بالرقة ـ حدّثنا سليم بن منصور بن عمار ـ في مجلس روح بن عبادة ـ قال : كتب بشر المريسي إلى أبيه منصور بن عمار : أخبرني القرآن خالق أو مخلوق؟! قال فكتب إليه : عافانا الله وإياك من كل فتنة ، وجعلنا وإياك من أهل السنة والجماعة فإنه إن يفعل فأعظم بها من نعمة ، وإلا فهي الهلكة ، وليست لأحد على الله بعد المرسلين حجة. نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة ، تشارك فيها السائل والمجيب ، وتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وما أعرف خالقا إلا الله وما دون الله مخلوق ، والقرآن كلام الله ، فانته بنفسك وبالمختلفين معك ، إلى أسمائه التي سماه الله بها تكن من المهتدين ، ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب وهم من الساعة مشفقون.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق أخبرنا إبراهيم بن محمّد بن يحيى المزكى أخبرنا محمّد بن إسحاق السّرّاج قال : سمعت الفضل بن إسحاق الدوري قال سمعت المعيطى يقول : كنا عند يزيد بن هارون فذكروا المريسي فقال : ما يقول؟ قالوا : يقول القرآن مخلوق. فقال : هذا كافر.

٦٦

أخبرنا هلال بن محمّد بن جعفر الحفار أخبرنا محمّد بن جعفر الأدمى القاري حدّثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي قال : كنا عند يزيد بن هارون وشاذ بن يحيى يناظره في شيء من أمر المريسي ، وهو يدعو عليه ، فسمعنا يزيد وهو يقول : من قال القرآن مخلوق فهو كافر.

أخبرنا طلحة بن على بن الصقر الكتاني أخبرنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال حدّثني أبو بكر الختلي حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشّار الواسطي قال : كنا عند يزيد بن هارون وشاذ يناظره في شيء من أمر المريسي وهو يدعو عليه ، فتفرقنا على أن يزيد قال : من قال القرآن مخلوق فهو كافر.

أخبرني الحسن بن أبي طالب حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة حدّثنا محمّد بن عبد الملك حدّثنا حامد بن يحيى عن يزيد بن هارون. قال : المريسي حلال الدم يقتل.

حدّثني أحمد بن محمّد المستملي أخبرنا محمّد بن جعفر الشروطي أخبرنا أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي حدّثنا أحمد بن الحسين الجرادى حدّثنا محمّد بن يزيد. قال : قال يزيد بن هارون : حرضت أهل بغداد على قتل بشر المريسي غير مرة.

أخبرني الحسن بن على التّميميّ حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ حدّثنا الحسن بن أحمد بن صدفة حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة أخبرنا يحيى بن يوسف الزمى قال سمعت شبابة بن سوار يقول : اجتمع رأيى ، ورأى أبي النّضر هاشم بن القاسم ، وجماعة من الفقهاء ، على أن المريسي كافر جاحد ، أرى أن يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن أبي طاهر الدّقّاق أخبرنا أحمد بن سلمان حدّثنا عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول : كنا نحضر مجلس أبي يوسف ، فكان بشر المريسي يجيء فيحضر في آخر الناس فيشغب ، فيقول : أيش تقول وأيش قلت يا أبا يوسف؟ فلا يزال يصيح ويضج ، فكنت أسمع أبا يوسف يقول : اصعدوا به إلىّ. قال أبي : وكنت في القرب منه ، فجعل يناظر في مسألة فخفى بعض قوله ، فقلت للذي كان أقرب منى : أيش قال له؟ قال : قال له أبو يوسف : لا تنتهي حتى تصعد خشبة.

أخبرنا أبو سعد المظفّر بن الحسن ـ سبط أبي بكر بن لال الهمذاني ـ حدّثنا جدي قال سمعت القاسم بن بندار يقول سمعت إبراهيم بن الحسين يقول : ركب

٦٧

عفّان بن مسلم يوما وأنا قابض على عنان البغلة ، فاستقبلنا شيخ قصير ، كبير الرأس ، كبير الأذنين ، فقال : نح البغلة ، نح البغلة ، أما ترى الكافر؟ فقلت : من هذا يا أبا عثمان؟ قال : هذا بشر بن غياث ، بشر المريسي. قال إبراهيم : ويوم مات بشر ، جعل الصبيان يتعادون بين يدي الجنازة ويقولون : من يكتب إلى مالك؟ من يكتب إلى مالك.

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن أبي طاهر الدّقّاق أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدّثني أحمد بن إبراهيم الدورقي.

وأخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق أخبرنا أحمد بن عيسى بن الهيثم التّمّار حدّثنا عبيد بن خلف البزار قال حدّثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدّثني محمّد بن نوح المضروب ـ عند المسعودي القاضي ـ قال : سمعت هارون أمير المؤمنين يقول : بلغني أن بشرا لمريسى يزعم أن القرآن مخلوق ، لله علىّ إن أظفرنى به لأقتلنه قتلة ما قتلتها أحدا قط. واللفظ لحديث ابن أبي طاهر.

أخبرنا أبو القاسم على بن محمّد بن عيسى بن موسى البزّاز أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد بن محمّد المصريّ حدّثنا محمّد بن الحسين الأنماطيّ حدّثنا يحيى بن يوسف الزمى. قال : رأيت ليلة جمعة ـ ونحن في طريق خراسان ، وفي مفازة أموية (٦) ، إبليس في المنام. قال : وإذا بدنه ملبس شعرا ، ورأسه إلى أسفل ، ورجلاه إلى فوق ، وفي بدنه عيون مثل النار ، قال قلت له : من أنت؟ قال : أنا إبليس. قال قلت له : وأين تريد؟ قال : بشر بن يحيى رجل كان عندنا بمرو يرى رأى المريسي. قال ثم قال : ما من مدينة إلا ولي فيها خليفة. قلت : من خليفتك بالعراق؟ قال : بشر المريسي ، دعا الناس إلى ما عجزت عنه. قال : القرآن مخلوق.

أخبرنا أبو بكر البرقاني قال قرأنا على محمّد بن إسحاق الصّفّار حدثكم إبراهيم ابن حمّاد حدّثنا العبّاس بن أبي طالب حدّثنا يحيى بن يوسف الزمى. قال : رأيت في المنام إبليس رجلاه في الأرض ، ورأسه في السماء ، أسود مثل الليل ، وله عينان في صدره ، فلما رأيته قلت : من أنت؟ قال : هو إبليس ، فجعلت أقرأ آية الكرسي. قال فقلت له : ما أقدمك هذه البلاد؟ قال : إلى بشر بن يحيى رجل من الجهمية ، قال قلت : من استخلفت بالعراق؟ قال : ما من مدينة ولا قرية إلا ولي فيها خليفة ، قلت : ومن خليفتك بالعراق؟ فقال بشر المريسي ، دعا الناس إلى أمر عجزت عنه.

__________________

(٦) آمو ، وأموية ، هي آمل الشط اسم أكبر مدينة بطبرستان ، والعجم يقولونها : آمو على الاختصار والعجمة (معجم البلدان).

٦٨

أخبرني الحسن بن محمّد الخلّال حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز حدّثنا الحسين بن على بن الحسين الأسديّ حدّثنا الفضل بن يوسف بن يعقوب بن حمزة القصباني حدّثنا محمّد بن يوسف العبّاسى. قال : حدّثني محمّد بن على بن ظبيان القاضي. قال : قال لي بشر بن غياث المريسي : القول في القرآن قول من خالفني غير مخلوق. قال قلت فالقول قولهم ارجع عنه ، قال أرجع عنه وقد قلته منذ أربعين سنة ، ووضعت فيه الكتب ، واحتججت فيه بالحجج.

أخبرني الحسن بن على التّميميّ حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ حدّثنا محمّد بن أبي الثلج حدّثنا عبد الله بن محمّد بن مرزوق العتكي البصريّ حدّثني أبو بكر بن خلّاد الباهليّ. قال : كنت عند ابن عيينة إذ أقبل بشر المريسي ، فتكلم بذاك الكلام الرديء ، فقال ابن عيينة : اقتلوه. قال ابن خلّاد : فأنا فيمن ضربته بيدي.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدّثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيّ حدّثني أبو الزنباع روح بن الفرج المصريّ حدّثنا حامد بن يحيى البلخيّ قال قيل لسفيان بن عيينة : إن بشرا المريسي يقول : إن الله لا يرى يوم القيامة ، فقال : قاتله الله دويبة ، ألم يسمع الله يقول : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين ١٥] فجعل احتجابه عنهم عقوبة لهم ، فإذا احتجبت عن الأولياء والأعداء ، فأى فضل للأولياء على الأعداء؟.

أخبرنا محمّد بن أحمد بن حنبل قال : أخبرت عن بشر بن الوليد. قال : كنت جالسا عند أبي يوسف القاضي ، فدخل عليه بشر المريسي ، فقال له أبو يوسف : حدّثنا إسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر حديث الرؤية ثم قال أبو يوسف : إنى والله مؤمن بهذا الحديث ، وأصحابك ينكرونه ، وكأنى بك قد شغلت على الناس خشبة باب الجسر فاحذر.

أخبرني الحسن بن محمّد الخلّال قال سمعت عمر بن أحمد الواعظ قال سمعت عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز يقول قال عبد الله بن عمر الجعفي سمعت حسينا الجعفي ـ حين حدث بحديث الرؤية يقول ـ على رغم أنف بشر المريسي.

أخبرني أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل الكاتب حدّثنا محمّد بن محمّد الواسطي قال حدّثني ابن عبد الله الحمال حدّثنا محمّد بن أبي كبشة قال سمعت هاتفا في البحر يقول : لا إله إلا الله ، على ثمامة

٦٩

وعلى المريسي لعنة الله. قال : وكان معنا في المركب رجل من أصحاب بشر المريسي فخر ميتا.

أخبرنا القاضي أبو محمّد الحسن بن الحسين بن رامين الأسترآباذي حدّثنا أبو محمّد عبد الرحمن بن محمّد بن جعفر بن أحمد بن سعيد الجرجاني حدّثنا عمران بن موسى حدّثنا الحسن بن محمّد بن الأزهر قال سمعت عثمان بن سعيد الرازي قال حدّثنا الثقة من أصحابنا. قال : لما مات بشر بن غياث المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنة أحد إلا عبيد الشونيزى ، فلما رجع من جنازة المريسي أقبل عليه أهل السنة والجماعة ، قالوا : يا عدو الله تنتحل السنة والجماعة وتشهد جنازة المريسي؟! قل : أنظرونى حتى أخبركم ، ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته ، لما وضع في موضع الجنائز قمت في الصف فقلت : اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة ، اللهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون ، اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر ، اللهم فعذبه اليوم في قبره عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين ، اللهم عبدك هذا كان ينكر الميزان ، اللهم فخفف ميزانه يوم القيامة. اللهم عبدك هذا كان ينكر الشفاعة ، اللهم فلا تشفع فيه أحدا من خلقك يوم القيامة ، قال : فسكتوا عنه وضحكوا.

أخبرنا على بن محمّد بن عبد الله المعدّل حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا الحسن بن عمرو الشيعي المروزيّ قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق ، فلو لا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود ، والحمد لله الذي أماته هكذا قولوا!.

أخبرنا الحسين بن على الطناجيرى حدّثنا محمّد بن على بن سويد المؤدّب حدّثنا عثمان بن إسماعيل بن بكرى السّكّري قال : سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن الدورقي يقول : مات رجل من جيراننا شاب ، فرأيته في الليل وقد شاب! فقلت : ما قصتك؟ قال : دفن بشر في مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من في المقبرة!.

أخبرني الحسين بن على الصيمري حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني أخبرني على ابن هارون أخبرني عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر عن أبيه. قال : مات بشر المريسي في ذى الحجة سنة ثمان عشرة ومائتين. قال : ويقال سنة تسع عشرة ومائتين.

٧٠

٣٥١٧ ـ بشر بن الحارث بن عبد الرّحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله ، أبو نصر ، المعروف بالحافي :

مروزي ، سكن بغداد ، وهو ابن عم علي بن خشرم ، وكان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد ، وتفرد بوفور العقل ، وأنواع الفضل ، وحسن الطريقة ، واستقامة المذهب ، وعزوف النفس ، وإسقاط الفضول (١).

وسمع إبراهيم بن سعد الزّهريّ ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، وحمّاد بن زيد ، وشريك بن عبد الله ، والمعافى بن عمران الموصلي ، وعبد الله بن المبارك ، وعلى بن مسهر ، وعيسى بن يونس ، وعبد الله بن داود الخريبي ، وأبا معاوية الضّرير ، وزيد بن أبي الزرقاء.

وكان كثير الحديث ، إلا أنّه لم ينصب نفسه للرواية ، وكان يكرهها ، ودفن كتبه لأجل ذلك. وكلّ ما سمع منه فإنما هو على سبيل المذاكرة (٢).

روى عنه نعيم بن الهيضم ، وابنه محمّد بن نعيم ، وإبراهيم بن هاشم بن مشكان ، ونصر بن منصور البزّاز ، ومحمّد بن المثنّى السّمسار ، وسرى السّقطيّ ، وابراهيم بن هاني النّيسابوريّ ، وعمر بن موسى الجلا ، وغيرهم.

أخبرنا الحسين بن أبي الحسن الورّاق حدّثنا عمر بن أحمد بن عثمان قال : سمعت عبد الله بن سليمان. يقول : قلت لعلي بن خشرم لما أخبرني أن سماعه وسماع بشر ابن الحارث بن عيسى واحد. قلت : فأين حديث أم زرع؟ فقال : سماعي معه ، وكتبت إليه أن يوجه به إلى ، فكتب إلي : هل عملت بما عندك حتى تطلب ما ليس عندك؟! قال علي : وولد بشر في هذه القرية وهي مرو ، وكان بشر يتفتى في أول أمره ، وقد جرح (٣).

__________________

٣٥١٧ ـ انظر : تهذيب الكمال ٦٨٢ (٤ / ٩٩ ـ ١١٠) والمنتظم ، لابن الجوزي ٤ / ١٠١ ـ ١٠٢. وطبقات ابن سعد ٧ / ٣٤٢. وتاريخ يحيى برواية الدوري ٢ / ٥٨. والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٥٦. وثقات ابن حبان ١ / الورقة ٥٠. وحلية الأولياء لأبي نعيم ٨ / ٣٣٦ ـ ٣٦٠. وتاريخ دمشق لابن عساكر ٣ / ٢٣١ ـ ٢٤٥ (تهذيبه). وتذهيب الذهبي ١ / الورقة ٨٣ / ٨٤. وتذكرة الحفاظ ١ / ٤٤٢. وتاريخ الإسلام الورقة ١٨٨ ، ١٨٩ (أيا صوفيا ٣٠٠٧). وإكمال مغلطاي ٢ / الورقة ١٢. وتهذيب ابن حجر ١ / ٤٤٤.

(١) انظر : تهذيب الكمال ٤ / ١٠١ ـ ١٠٢.

(٢) انظر : تهذيب الكمال ٤ / ١٠١ ـ ١٠٢.

(٣) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٢.

٧١

أخبرني أبو سعد المالينى ـ قراءة ـ حدّثنا أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر الدنانيرى حدّثنا أبو الفضل جعفر بن محمّد الصندلي حدّثنا محمّد بن المثنّى السّمسار قال سمعت بشر بن الحارث يقول سمعت العوفى يذكر عن الزّهريّ عن أنس. قال : اتخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتما فلبسه ، ثم ألقاه. العوفى هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف.

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ حدّثنا محمّد بن القاسم بن جعفر البزّاز حدّثنا إسحاق بن عمرو القومسى حدّثنا بشر بن الحارث عن عبد الرّحمن بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد. قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث يفطرن الصائم : الحجامة ، والاحتلام ، والقيء» (٤).

وسمعت محمّد بن أحمد بن رزق يقول : سمعت محمّد بن المثنّى يقول سمعت بشر بن الحارث يقول سمعت حجاج بن منهال يقول سمعت حمّاد بن سلمة يقول سمعت عاصما يقول سمعت زرا يقول سمعت أبا جحيفة يقول : خطبنا على بن أبي طالب على منبر الكوفة فقال : ألا إن خير الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو بكر ، ثم عمر ، ولو شئت أن أخبركم بثالث لأخبرتكم. قال : فنزل عن المنبر وهو يقول : عثمان ، عثمان!.

أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه حدّثنا يوسف بن عمر القواس حدّثنا على ابن محمّد بن سعيد الموصلي حدّثنا عبد الله ـ يعنى ابن محمّد الخراسانيّ ـ حدّثنا إبراهيم بن هانئ. قال : قلت لبشر بن الحارث : يا أبا نصر ، سمعت من مالك بن أنس؟ قال : نعم! حججت معه وسمعت منه.

أخبرنا أبو منصور محمّد بن على بن إسحاق الخازن حدّثنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي حدّثنا أحمد بن بشر المرثدى قال : حدّثنا إبراهيم بن هاشم ـ أنا سألته ـ قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : دخلت على حمّاد بن زيد فرأيت في بيته بساطا ما أعجبنى ، ما هكذا يكون العلماء.

أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدّثنا محمّد بن عمر بن سالم حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن

__________________

(٤) سبق تخريجه ، راجع الفهرس.

٧٢

محمّد الخزاعي. قال سمعت بشر بن الحارث يقول سمعت المعافى بن عمران يقول سمعت التّوزيّ يقول : رضى المتجنى غاية لا تدرك.

أخبرني أبو الحسن محمّد بن عبد الواحد أخبرنا محمّد بن الحسين السّلميّ قال : سمعت أبا الحسين الحجّاجى يقول : سمعت المحامليّ يقول : سمعت حسنا المسوحي يقول : سمعت بشر بن الحارث يقول : أتيت باب المعافى بن عمران فدققت الباب ، فقيل لي : من؟ فقلت : بشر الحافي. فقالت لي بنته من داخل الدار : لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك اسم الحافي! (٥).

أخبرنا على بن محمّد بن عبد الله المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا أبو الحسين الحسن بن عمرو الشيعي المروزيّ قال : سمعت بشرا ـ وجاء إليه أصحاب الحديث يوما وأنا حاضر ـ فقال لهم بشر : ما هذا الذي أرى معكم قد أظهرتموه؟ قالوا : يا أبا نصر ، نطلب هذه العلوم ، لعل الله ينفع بها يوما ، قال : قد علمتم أنه تجب عليكم فيها زكاة ، كما تجب على أحدكم إذا ملك مائتي درهم خمسة دراهم. فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مائتي حديث أن يعمل منها بخمسة أحاديث ، وإلا فانظروا أيش يكون هذا عليكم غدا(٦).

أخبرنا أبو الفرج محمّد بن محمّد بن عمر الجصاص حدّثنا أبو على محمّد بن أحمد بن الحسن بن الصواف حدّثنا أحمد بن المغلّس الحماني قال سمعت بشر بن الحارث ـ وقد أخذ بيد عبيد الورّاق ـ وقد قال عبيد حدّثنا ـ فقال : يا عبيد ، احذر حدّثنا ، فإن لحدّثنا حلاوة ، وقد قلت حدّثنا وكتب عنك ، فكان ما ذا؟.

أخبرني أبو القاسم الأزهرى حدّثنا أبو بكر محمّد بن على بن النّضر الديباجي حدّثنا أبو عبيد الله أحمد بن عمرو بن عثمان المعدّل ـ بواسط ـ حدّثنا عبد الله بن أبي سعد حدّثنا محمّد بن عبد الله بن علوان قال : قلت لبشر بن الحارث : لم لا تحدث؟ قال : أنا أشتهي أحدث ، وإذا اشتهيت شيئا تركته (٧).

أخبرنا أبو على الحسين بن يوسف بن محمّد الإسكاف حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن إبراهيم الشافعي حدّثنا إسحاق بن الحسن الحرمي قال سمعت بشر بن الحارث

__________________

(٥) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٢.

(٦) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٤.

(٧) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

٧٣

يقول : ليس الحديث من عدة الموت. فقلت له : قد خرجت إلى أبي نعيم؟ فقال : أتوب إلى الله من ذهابي.

أخبرنا على بن عمر بن محمّد الحربيّ الزاهد أخبرنا أبو عمر محمّد بن العبّاس الخزاز حدّثني أبي العبّاس بن محمّد بن حيويه قال ذكر لنا إبراهيم الحربيّ عن سليمان ابن حرب. قال : مكثت دهرا أشتهى أن أرى بشر بن الحارث فلم يقدر لي ـ أو كما قال ـ قال فخرجت يوما من منزلي إلى المسجد ، فإذا أنا برجل ـ أو قال بشيخ ـ كثير الشعر ، طويل الشارب عليه أطمار ـ أحسبه قال مرقعة ـ معه جراب ، وجهه إلى الحائط ، فهو يدخل يده في الجراب فيخرج منه كسرا فيأكل. فقلت له : أنت من الجند؟ قال : لا. قلت : فأنت من خراسان؟ قال : أنا آوى بغداد. قلت فما جاء بك إلى هنا؟ قال : جئت إليك لأسمع منك حديثا حسنا في الموقف ، قلت : الاسم؟ قال : وما تصنع باسمي؟ قلت : أشتهى أعرف اسمك ، قال : أنا أبو نصر. قلت : الاسم أريد؟ قال : ليس أخبرك باسمي ، وإن أخبرتك باسمي لم أسمع منك شيئا ، قلت : أخبرني باسمك فإن شئت فاسمع وإن شئت فلا تسمع ، قال : أنا بشر بن الحارث. قلت : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك ـ أو كما قال ـ. قال ووقفت عليه فجعلت أبكى ويبكى ثم جلست بين يديه فتحدّثنا ساعة ، ثم قلت له : يا أبا نصر أردت أن تدخل بلدا أنا فيه فلا تنزل عندي ، قال : ليس لي مقام ، إنما كنت بعبادان. فقلت : يا أبا نصر كتبي كلها بين يديك. قال : السلام عليكم ، وبكى وبكيت ومضى.

أخبرنا على بن محمّد المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا محمّد بن على حدّثني محمّد بن إبراهيم ـ هو ابن هاشم ـ حدّثني أبي قال : قال بشر : لو أن رجلا كان عندي في مثال سفيان ومعافى ثم جلس اليوم يحدث ونصب نفسه ، لتنقص عندي نقصانا شديدا. قال بشر : إنى وإن أذنت للرجل وهو يحدث ، فإنه عندي قبل أن يحدث أفضل كثيرا من كائن من الناس ، وإنما الحديث اليوم طرق من طلب الدنيا ، ولذة ، وما أدرى كيف يسلم صاحبه ، وكيف يسلم من يحفظه ، لأى شيء يحفظه ، قال بشر : وإنى لأدعو الله أن يذهب به من قلبي ، ويذهب بحفظه من قلبي ، وإن لي كتبا كثيرة قد ذهبت ، وأراها توطأ ويرمى بها فما آخذها ، وإنى لأهم بدفنها وأنا حي صحيح ، وما أكره ، ترك ذاك خير عندي. وما هو من سلاح الآخرة ، ولا من عدد الموت.

٧٤

أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا محمّد بن عبد الله الشافعي حدّثنا أحمد بن بشر المرثدى حدّثنا إبراهيم بن هاشم قال : دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ، ما بين قمطر وقوصرة ـ يعني حديثا (٨).

أخبرني أبو الفرج الطناجيرى حدّثنا أحمد بن منصور النوشرى حدّثنا محمّد بن مخلد حدّثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن السندي بن هارون الخلّال قال : سألت بشر بن الحارث عن حديث. فقال : اتق الله فإن كنت تريده للدنيا فلا ترده ، وإن كنت تريده للآخرة فقد سمعت. قال أبو إبراهيم : الحديث الذي سألته : عيسى بن يونس عن الأوزاعى عن حسّان بن عطيّة قال : «إن الملك ليصعد بعمل معجبا به حتى يقف بين يدي الله فيقول الله له : اجعلوه في سجين ، فإنه لم يردني به» (٩).

أخبرنا على بن محمّد المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد حدّثنا الحسن بن عمرو قال : سمعت بشرا يقول : ربما وقع في يدي الشيء أريد أن أخرجه فلا يصح لي ـ يعني من الحديث ـ وقال : ليس ينبغي لأحد يحدث حتى يصح له ، فمن زعم أنه قد صحح ، قلنا : أنت ضعيف. وقال : لا أعلم شيئا أفضل منه إذا أريد به الله ـ يعني طلب العلم (١٠).

أخبرنا الحسين بن على الصيمري حدّثنا على بن الحسن الرازي حدّثنا محمّد بن الحسين الزعفراني حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال : سمعت أبي يقول ـ وذكر بشر ابن الحارث ـ إن كان رجل تأدب بمذهب رجل ـ يعنى سفيان الثّوري ـ ففاقه ، لقلت بشر ، لو لا ما سبق لسفيان الثّوري من السن والعلم.

أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيرى أخبرنا محمّد بن الحسين السّلميّ قال : سمعت أبا محمّد بن أبي حامد يقول سمعت العبّاس بن عبد الله بن أحمد بن عصام البغدادي يقول سمعت جعفر بن عبد الله البردانى يقول : قال لي يحيى بن أكثم قال لي المأمون : لم يبق أحد في هذه الكور يستحى منه غير هذا الشّيخ ـ يعنى بشر بن الحارث.

أخبرنا على بن أحمد بن عمر المقرئ أخبرنا إسماعيل بن على الخطبي حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي ذكر بشر بن الحارث فأراه قال : رأيته

__________________

(٨) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٥.

(٩) انظر الحديث في : اتحاف السادة المتقين ٨ / ٢٦٢. والدر المنثور ٦ / ٣٢٥.

(١٠) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٥.

٧٥

على باب ابن علية ، أو رأيته ونحن منصرفون من عند ابن علية. وقال عبد الله : سمعت أبي يقول ـ وذكر بشر بن الحارث ـ فقال : إني لأذكر به عامر بن عبد الله ـ يعني ابن عبد قيس (١١).

أخبرنا محمّد بن عبد الله بن أبان الهيتى حدّثنا أحمد بن سلمان النجاد حدّثنا الحسن بن على بن شبيب قال سمعت أحمد بن محمّد يقول سمعت يحيى بن أكثم يقول : ما بلغنا عن عامر بن عبد قيس شيء إلا وفي بشر بن الحارث مثله أو أكثر منه ، إلا أن يكون كان في قلب عامر شيء لم يكن في قلب بشر مثله.

أخبرنا عبد العزيز بن على الورّاق حدّثنا على بن عبد الله بن الحسن الهمذاني حدّثنا القاسم بن الحسن بن جرير حدّثنا محمّد بن أبي عتّاب عن محمّد بن المثنّى قال قلت لأحمد بن حنبل : ما تقول في هذا الرجل؟ فقال لي : أى الرّجال؟ فقلت له : بشر ، فقال لي : سألتنى عن رابع سبعة من الأبدال ، أو عامر بن عبد قيس ، ما مثله عندي إلا مثل رجل ركز رمحا في الأرض ، ثم قعد منه على السنان ، فهل ترك لأحد موضعا يقعد فيه؟.

أخبرني البرقاني ، أخبرنا محمّد بن العبّاس ، حدّثنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن محمّد الزهيري ، حدّثنا أبو العبّاس البراني ، أخبرني المروذي. قال : لما قيل لأبى عبد الله أحمد بن حنبل : مات بشر بن الحارث. قال : مات رحمه‌الله ، وما له نظير في هذه الأمة ، إلا عامر بن عبد قيس ، فإن عامرا مات ولم يترك شيئا. وهذا قد مات ولم يترك شيئا ، ثم قال : لو تزوج كان قد تم أمره (١٢).

أخبرني الأزهرى أخبرنا عمر بن أحمد بن هارون المقرئ أن أبا الحسن بن دليل حدثه قال : سمعت إبراهيم الحربيّ يقول : قد رأيت رجالات الدنيا ، لم أر مثل ثلاثة : رأيت أحمد بن حنبل. وتعجز النساء أن تلد مثله ، ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءا عقلا ، ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام كأنه جبل نفخ فيه علم! قال عمر بن أحمد : إبراهيم (١٣) رأى الثلاثة ولم يحدث إلا عن أحمد (١٤).

__________________

(١١) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٥.

(١٢) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٥ ـ ١٠٦.

(١٣) في المطبوعة : " قال عمر بن أحمد بن إبراهيم".

(١٤) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٦.

٧٦

أخبرني الأزهري ، حدّثنا عبيد الله بن إبراهيم القزاز ، حدّثنا جعفر الخالدي قال : حدّثني أبو حامد أحمد بن خالد الحذاء قال : سمعت إبراهيم الحربيّ يقول : ما أخرجت بغداد أتم عقلا ، ولا أحفظ للسانه ، من بشر بن الحارث ، كان في كل شعرة منه عقل ، وطئ الناس عقبه خمسين سنة ، ما عرف له غيبة لمسلم ، لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء ، وما نقص من عقله شيء (١٥).

أخبرنا الحسن بن أبي بكر حدّثنا أبو على عيسى بن محمّد بن أحمد الطومارى قال : سمعت إبراهيم الحربيّ يقول : ما رأيت بعيني قط أفضل من بشر بن الحارث ـ وقد ذكر عنده.

أخبرنا عبد الكريم بن هارون القشيري النّيسابوريّ قال سمعت محمّد بن الحسين السّلميّ يقول سمعت أبا الفضل العطّار يقول سمعت أحمد بن على الدمشقي يقول ، قال لي أبو عبد الله بن الجلاء : رأيت ذا النون ـ وكانت له العبارة ـ ورأيت سهلا ـ وكانت له الإشارة ـ ورأيت بشر بن الحرث ـ وكان له الورع ـ فقيل له : إلى من كنت تميل؟ فقال : بشر بن الحارث أستاذنا.

هكذا قال في هذه الحكاية ، وأحمد بن يحيى الجلاء لم ير بشرا ولم يدركه ، وإنما أبوه يحيى أدركه وصحبه ، فالله أعلم.

أخبرنا على بن محمّد بن عبد الله المقرئ الحذاء أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمّد ابن سلم الختلي حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الخالق حدّثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عمران الوركانى يقول : تخرق إزار بشر فقالت له أخته : يا أخى قد تخرق إزارك ، وهذا البرد ، فلو جئت بقطن حتى أغزل؟ قال فكان يجيء بالإستارين والثلاثة (١٦) قال فقالت له : إن الغزل قد اجتمع أفلا تسلم إزارك إن أردت السرعة؟ فقال لها هاتيه. قال فأخرجته فوزنه وأخرج ألواحه وأخذ يحسب الأساتير ، فلما رآها قد زادت فيه قال كما أفسدتيه فخذيه. وقال المروذي سمعت بعض القطّانين يقول : أهدى إلى أستاذ لي رطب ، وكان بشر يقيل في دكاننا في الصيف ، فقال له أستاذى : يا أبا نصر هذا من وجه طيب فإن رأيت أن تأكله ، قال فجعل يمسه بيده ، قال ثم ضرب بيده لحيته وقال : ينبغي أن أستحيي من الله أنى عند الناس تارك لهذا وآكله في السر.

__________________

(١٥) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧.

(١٦) الإستار : في العدد أربعة ، وفي الزنة أربعة مثاقيل ونصف (القاموس).

٧٧

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني أخبرنا طلحة بن أحمد بن الحسن الصّوفيّ حدّثنا محمّد بن مخلد العطّار حدّثنا عبد الله بن منصور قال سمعت أبا حفص بن أخت بشر بن الحارث يقول : اشتهى بشر سفرجلة في علته ، فقالت لي أمى : يا بنى اطلب لي سفرجلة ، قال فجئت بها ، قال فأخذها فجعل يشمها ، قال ثم وضعها بين يديه ، قال فقالت أمى : يا أبا نصر كلها ، قال : ما أطيب ريحها ، قال فما زال يشمها حتى مات وما ذاقها.

أخبرني محمّد بن جعفر بن علان الورّاق أخبرنا مخلد بن جعفر الدّقّاق حدّثنا محمّد بن جرير الطبري قال حدّثني أحمد بن خالد الخلّال قال سمعت بعض أصحابنا يقول : قال بشر بن الحارث : ما أدع الفاكهة زهدا فيها ، ولكني أكره أن أعطيها شهوتها.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر حدّثنا عيسى بن محمّد الطومارى حدّثنا أبو صفوان ـ يعنى عبد الرّحمن بن حرب السّمسار ـ قال سمعت محمّد بن المثنّى يقول قال لي عمر بن أخت بشر بن الحارث : دخل علينا بشر بن الحارث يوم أضحى ، قال فقالت له أمى : أحسب أن الكلاب قد شبعت من اللحم في هذا اليوم. قال فخرج فلما كان العصر جاءنا ومعه خرقة فيها رطل لحم. فقال لها : اطبخى هذا. قال : قالت أيش أطبخه؟ قال : اطبخيه بماء وملح. قال فطبخت نصفه بماء وملح ، واشترت بحبة سلقا وطبخت النصف الآخر به ، قال فلما كان المغرب جاء ومعه رغيف وما رأيناه قط أكل عندنا شيئا ، قال : فقال لها ـ أثردى هذا الرغيف في الماء والملح وهاتيه. قال ففعلت وقدمته إليه ، قال فجعل يأكل الثريد ويدع اللحم. قال فشالته. فلما كان من الغد جاءنا ومعه رغيف ، قال فقال لها إن كان قد بقي من ذلك الماء والملح شيء فاثردى هذا الرغيف فيه وهاتيه ، قالت : ما بقي من الماء والملح شيء ، ولكن كنت قد اشتريت بحبة سلقا وعملت باقى اللحم ، وقد بقي منه شيء ، فقال : ولا هذا أيضا لي فيه حاجة. قالت له : ولم؟ قال لأن الماء والملح قلت لك بقي شيء منه فقلت لا وكذبت فيه ، وهذا أفسدتيه بسلق لا أدرى من أين هو!.

أخبرني الحسن بن أبي بكر أخبرني أبي حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد بن الرّبيع حدّثني أبي أخبرني عبد الله بن عبيد البغدادي. قال : كان بشر بن الحارث يخرج كل يوم من منزله فيغلق بابه ويضع مفتاحه عند جار له يقال خشية أن يضيع

٧٨

منه ، فكان يذهب إلى الجبان ، فإذا جاء وقت المغرب جاء الى البقال فسلم وأخذ المفتاح ، فكان هذا دأبه ، فكان البقال يحدث عنه ، قال فجاء يوما وقد عملت باذنجانا بأصباغه ، فنظر إليه فعلمت أنه قد اشتهاه ، قال فتبعته فقلت له : بأبى أنت هذا الباذنجان تعمله بنية لي من غزل تغزله وأبيعه لها ، فخذ منه ما شئت. قال فقال : ارجع حفظك الله ، قال فرجعت ومضى. ووقفت أنظر في قفاه ، قال فسمعته يقول : هيه افتضحت ـ يخاطب نفسه ـ تشتهين الباذنجان بأصباغه ، والله لا تذوقينه حتى تفارقى الدنيا. قال : ومضى.

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن محمّد بن جعفر العطّار حدّثنا أحمد بن سلمان الفقيه حدّثنا على بن أحمد بن النّضر حدّثنا الحسن بن عفّان قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : إنى لأشتهى شواء من أربعين سنة ما صفا لي درهمه!.

أخبرنا الحسن بن الحسين بن العبّاس النّعاليّ أخبرنا أحمد بن نصر الذارع قال سمعت أبا العبّاس أحمد بن محمّد بن مسروق يقول : سئل بشر بن الحارث عن القناعة فقال : لو لم يكن في القناعة شيء إلا التمتع بعز الغناء لكان ذلك يجزى ، ثم أنشأ يقول :

أفادتني القناعة أيّ عزّ

ولا عزّ أعزّ من القناعة

فخذ منها لنفسك رأس مال

وصيّر بعدها التّقوى بضاعه

تحز حالين تغنى عن بخيل

وتسعد في الجنان بصبر ساعه

ثم قال : مروءة القناعة ، أشرف من مروءة البذل والعطاء.

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمّد بن على الواسطي ، حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك ، حدّثنا العبّاس بن يوسف الشكلي ، حدّثني أبو عبد الله الأسديّ. قال : قال لي بشر بن الحارث يوما :

قطع اللّيالي مع الأيّام في خلق

والنّوم تحت رواق الهمّ والقلق

أحرى وأعذر لي من أن يقال غدا

إنّي التمست الغنى من كفّ مختلق

قالوا رضيت بذا قلت القنوع غنى

ليس الغنى كثرة الأموال والورق

رضيت بالله في عسري وفي يسري

فلست أسلك إلّا أوضح الطّرق (١٧)

__________________

(١٧) انظر الخبر والأبيات في : تهذيب الكمال ٤ / ١٠٧.

٧٩

أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي حدّثنا العبّاس بن يوسف الشكلى حدّثني على بن خليد الدّمشقيّ حدّثني أحمد بن مسكين قال : خرجت في طلب بشر بن الحارث من باب حرب فإذا به جالس وحده ، فأقبلت نحوه ، فلما رآني مقبلا خط بيده على الجدار وولى ، فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده :

الحمد لله لا شريك له

في صبحه دائما وفي غلسه

لم يبق لي مؤنس فيؤنسني

إلّا أنيس أخاف من أنسه

فاعتزل النّاس يا أخيّ ولا

تركن إلى من تخاف من دنسه

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن أحمد بن الصّلت الأهوازى حدّثنا محمّد ابن مخلد العطّار حدّثنا موسى ـ يعنى ابن هارون الطوسي ـ حدّثنا محمّد ـ هو ابن نعيم بن الهيضم ـ قال سمعت بشرا يقول :

ذهب الرّجال المرتجى لفعالهم

والمنكرون لكلّ أمر منكر

وبقيت في خلف يزيّن بعضهم

بعضا ليدفع معور عن معور

أخبرني على بن أحمد بن محمّد بن داود الرزاز حدّثنا محمّد بن الحسن بن زياد المقرئ حدّثني محمّد بن يحيى ـ بدمشق ويعرف بحامل كفنه ـ قال سمعت أيّوب العطّار يقول : انصرفت مع بشر بن الحارث يوم الجمعة من مسجد الجامع ، فمررنا في درب أبي اللّيث ، وإذا صبيان يلعبون بالجوز ، فلما رأوا بشرا قالوا : بشر بشر. واستلبوا الجوز فمروا يحضرون (١٨) ، فوقف بشر ثم قال لي : أى قلب يقوى على هذا؟ إن هذا الدرب لا مررت فيه حتى ألقى الله عزوجل!.

قال : وسمعت يوسف الجوهريّ يقول : سمعت عبّاس بن عبد العظيم العنبري. قال : كنا عند أحمد بن حنبل فذاكره إنسان بحديث رواه عيسى بن يونس ، فقال أحمد : ما روى عيسى بن يونس هذا الحديث ، ثم قال : أستغفر الله ما أدرى إن صحت رواية عيسى بن يونس لهذا الحديث ، ثم قال أستغفر الله فما يوجد إلا عند بشر بن الحارث. قال عبّاس فقلت أنا : ما أجد سبيلا إلى وصلة بشر إلا بهذا الحديث فجئت فسلمت عليه ، وحكيت القصة وما قال أحمد ، قال فجعل يقول : ألبسنى العافية ، ألبسنى العافية ، إن هذا لبلاء وفتنة ، يذكر حديث فيقال لا يصح إلا عند رجل! قال أقول أنا في نفسي : كم بين الرجلين؟!.

__________________

(١٨) يحضرون : يسرعون في السير.

٨٠