معجم القواعد العربيّة

المؤلف:

عبد الغني الدقر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات الحميد
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

(ب) أفعال تنصب الجزأين على أنّهما مفعولان لها وهي : «ظنّ وأخواتها».

(ج) حروف تنصب أوّلهما وترفع ثانيهما وهي «إنّ وأخواتها».

(انظر كلّا في بابه).

نواصب المضارع : ينصب المضارع إذا تقدّمه أحد النّواصب الأربعة وهي «أن ، لن ، كي ، إذن».

(انظر في أحرفها).

نومان : يقال يا نومان : لكثير النّوم ، ولا تقل : رجل نومان ، لأنّه يختصّ بالنّداء.

نونا التّوكيد :

١ ـ نونا التّوكيد :

هما «نون التّوكيد» الثّقيلة ، و «نون التوكيد» الخفيفة وقد اجتمعا في قوله تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً)(١).

٢ ـ ما يؤكّدان من الأفعال وما لا يؤكّدان :

يؤكّدان الأمر مطلقا نحو : «أكرمنّ جارك» ومثله الدّعاء كقوله : «فأنزلن سكينة علينا» ، ولا يؤكّدان الماضي مطلقا (٢) ، أمّا المضارع فله ـ بالنسبة لتوكيديهما ستّ حالات : (الأولى) أن يكون توكيده بهما واجبا ، وذلك : إذا كان مثبتا مستقبلا ، جوابا لقسم غير مفصول من لامه بفاصل ، نحو «والله لأجاهدنّ غدا».

(الثانية) أن يكون توكيده بهما قريبا من الواجب ، وذلك إذا كان شرطا ل «إن» المؤكّدة ب «ما» الزّائدة ، نحو : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً)(٣) ، (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ)(٤) ، (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً)(٥). وترك التّوكيد ـ في هذه الحالة ـ قليل في النّثر ، وورد في الشعر كقوله :

يا صاح إمّا تجدني غير ذي جدة

فما التّخلّي عن الخلّان من شيمي

(الثالثة) أن يكون توكيده بهما كثيرا ، وذلك إذا وقع بعد أداة طلب : نهي ، أو دعاء ، أو عرض أو تمنّ ، أو استفهام ، فالأوّل : كقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)(٦) ، والثاني : كقول الخرنق بنت هفّان :

لا يبعدن قومي الّذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر

__________________

(١) الآية «٣٢» من سورة يوسف «١٢».

(٢) لأنهما يخلصان مدخولهما للاستقبال ، وذلك ينافي الماضي.

(٣) الآية «٥٨» من سورة الأنفال «٨».

(٤) الآية «٤١» من سورة الزخرف «٤٣».

(٥) الآية «٢٦» من سورة مريم «١٩».

(٦) الآية «٤٢» من سورة إبراهيم «١٤».

٥٢١

والثالث : كقول الشّاعر يخاطب امرأة :

هلّا تمنّن (١) بوعد غير مخلفة

كما عهدتك في أيّام ذي سلم

والرّابع : كقول آخر يخاطب امرأة :

فليتك يوم الملتقى ترينّني

لكي تعلمي أنّي امرؤ بك هائم

والخامس : نحو قوله :

«أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا» (الرابعة) أن يكون توكيده بهما قليلا ، وذلك بعد «لا» النّافية» أو «ما» الزّائدة التي لم تسبق ب «إن» الشّرطية ، فالأول كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(٢) فأكّد الفعل بعد «لا» النّافية تشبيها لها بالنّاهية صورة ، والثّاني كقوله :

إذا مات منهم سيّد سرق ابنه

ومن عضة ما ينبتنّ شكيرها (٣)

وقول حاتم الطّائي :

قليلا به ما يحمدنّك وارث

إذا نال ممّا كنت تجمع مغنما

(الخامسة) أن يكون التّوكيد بهما أقلّ ، وذلك بعد «لم» وبعد «أداة جزاء» غير «إمّا» فالأوّل كقول أبي حيّان الفقعسي يصف وطب لبن :

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما

أراد الذي لم «يعلمن» بنون التوكيد الخفيفة المقلوبة في الوقف ألفا ، والثاني كقوله :

من تثقفن منهم فليس بآئب

أبدا وقتل بني قتيبة شافي

وتوكيد الشّرط بهما كثير ، أمّا الجواب فقد توكّد بهما على قلّة كقول الكميت بن ثعلبة الفقعسي :

فمهما تشأمنه فزارة تعطكم

ومهما تشأمنه منه فزارة تمنعا (٤)

أي : تمنعن ، ولا يؤكّد بإحدى النّونين في غير ذلك إلّا ضرورة كقول الشاعر وهو خذيمة الأبرش :

ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات (٥)

(السادسة) امتناع توكيده بهما ، إذا

__________________

(١) أصلها «تمنينن» بنون التوكيد الخفيفة ، حذفت نون الرفع لتوالي النونان حملا على حذفها مع الثقيلة ، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين.

(٢) الآية «٢٥» من سورة الأنفال «٨».

(٣) العضة : شجرة ، وشكيرها : ما ينبت في أصلها من الفروع والشّطر الثاني : مثل يضرب لمن نشأ كأصله. المعنى : إذا مات الأب أشبه ابنه في جميع صفاته ، فمن رأى هذا ظنّه هذا ، فكأنه مسروق.

(٤) الضمير في «منه» يعود إلى العقل وهو الدية.

(٥) أوفيت : نزلت ، العلم : الجبل ، وشمالات : ريح الشمال.

٥٢٢

كان منفيّا لفظا أو تقديرا نحو «والله لا أقوم» (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(١) إذ التقدير : لا تفتأ ، أو كان المضارع للحال كقراءة ابن كثير (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ)(٢) وقول الشّاعر :

يمينا لأبغض كلّ امرىء

يزخرف قولا ولا يفعل

أو كان مفصولا من اللّام بمعموله نحو : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(٣).

أو بحرف تنفيس نحو : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٤).

٣ ـ حكم آخر الفعل المؤكّد بهما :

إذا أكّد الفعل بأحد النّونين ، فإن كان مسندا إلى اسم ظاهر أو إلى ضمير الواحد المذكّر ، فتح آخره لمباشرة النون له ، ولم يحذف منه شيء سواء أكان صحيحا أم معتلا نحو : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)(٥) و «ليخشينّ وليدعونّ وليرمينّ» بردّ لام الفعل إلى أصلها المعتلّ ، وكذلك الحكم في المسند إلى ألف الاثنين ، غير أنّ نون الرّفع تحذف للجازم أو للنّاصب وإذا كان مرفوعا تحذف لتوالي الأمثال ، وتكسر نون التّوكيد تشبيها بنون الرّفع ، نحو «لتنصرانّ ولتدعوانّ ولتسعيانّ ولترميانّ»

وإذا أسند الفعل المؤكّد لنون الإناث زيد «ألف» بينهما وبين نون التّوكيد نحو «لتنصرنانّ يا نسوة» و «لترمينانّ ولتسعينانّ» بكسر «نون التّوكيد» فيها لوقوعها بعد الألف.

وإذا أسند الفعل المؤكّد إلى «واو الجماعة» أو «ياء المخاطبة» فإمّا أن يكون صحيحا أو معتلا. فإن كان صحيحا حذفت نون الرّفع للنّاصب أو الجازم وإذا كان مرفوعا حذفت لتوالي الأمثال ، وحذفت «واو الجماعة» أو «ياء المخاطبة» لالتقاء السّاكنين ، نحو «لتنصرنّ يا قوم» و «لتجلسنّ يا هند».

وإن كان ناقصا ، وكانت عين المضارع مضمومة أو مكسورة حذفت لام الفعل زيادة على ما تقدّم ، وحرّك ما قبل النّون بحركة تدلّ على المحذوف نحو «لترمنّ يا قوم» و «لتدعنّ» و «لترمنّ يا دعد» و «لتدعنّ».

أمّا إذا كانت عينه مفتوحة فتحذف لام الفعل فقط ، ويبقى ما قبلها مفتوحا ، وتحرّك «واو الجماعة» بالضّمّة ، و «ياء

__________________

(١) الآية «٨٥» من سورة يوسف «١٢».

(٢) الآية «١» من سورة القيامة «٧٥».

(٣) الآية «١٥٨» من سورة آل عمران «٣».

(٤) الآية «٥» من سورة الضحى «٩٣».

(٥) الآية «٤٠» من سورة الحج «٢٢».

٥٢٣

المخاطبة» بالكسرة نحو «لتبلونّ» و «لتسعونّ» و «لتبلينّ» و «لتسعينّ».

والأمر كالمضارع في جميع ما تقدّم ، نحو «انصرنّ يا محمّد» و «ادعونّ» و «اسعينّ» ونحو «انصرانّ يا محمّدان» و «ارميانّ» و «ادعوانّ» و «اسعيانّ» ونحو «انصرنّ يا قوم» و «ارمنّ» و «ادعنّ» ونحو «اخشونّ» و «اسعونّ».

وهذه الأحكام عامّة في الخفيفة والثّقيلة.

٤ ـ تنفرد الخفيفة عن الثقيلة بأحكام أربعة :

(أحدها) أنّها لا تقع بعد «الألف الفارقة» بينها وبين نون الإناث لالتقاء السّاكنين على غير حدّه ، فلا تقول «اسعينان».

أمّا الثقيلة فتقع بعد الألف اتّفاقا.

(الثاني) أنها لا تقع بعد «ألف الاثنين» لالتقاء السّاكنين أيضا.

(الثالث) أنها تحذف إذا وليها ساكن كقول الأضبط بن قريع :

لا تهين (١) الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

(الرابع) أنّها تعطى في الوقف حكم التّنوين ، فإن وقعت بعد فتحة قلبت ألفا نحو : (لَنَسْفَعاً)(٢) و (لَيَكُوناً)(٣) وقول الأعشى :

وإيّاك والميتات لا تقربنّها

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

والأصل فيهن : لنسفعن. وليكونن ، فاعبدن.

وإن وقعت بعد ضمّة أو كسرة حذفت وردّ ما حذف في الوصل من واو أو ياء لأجلها. تقول في الوصل : «انصرن يا قوم» و «انصرن يا دعد» والأصل «انصرون» و «انصرين» بسكون النون فيهما ، فإذا وقفت عليها حذفت النون لشبهها بالتّنوين ، فترجع الواو والياء لزوال التقاء السّاكنين فتقول : «انصروا» و «انصري».

نون جمع المذكّر :

(انظر جمع المذكّر السّالم ٩).

نون المثنّى : (= المثنى ٧).

نون الوقاية :

(١) نون الوقاية لا تصحب من الضّمائر إلّا ياء المتكلم ، وياء المتكلّم من الضّمائر المشتركة بين محلّي النّصب والجرّ ، فتنصب بواحد من ثلاثة :

__________________

(١) أصلها : لا تهينن بنونين ، فحذفت النون الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها.

(٢) الآية «٥» من سورة العلق «٩٦».

(٣) الآية «٣٢» من سورة يوسف «١٢».

٥٢٤

فعل ، واسم فعل ، وحرف. وتخفض بواحد من اثنين : حرف ، واسم.

وهذه العوامل على قسمين :

(١) ما تمتنع معه نون الوقاية.

(٢) وما تلحقه.

فالذي تلحقه نون الوقاية على أربعة أحوال :

وجوب ، وجواز بتساو ، ورجحان الثبوت ، ورجحان التّرك.

(٢) وجوب نون الوقاية :

تجب نون الوقاية قبل ياء المتكلّم إذا نصبها «فعل ، أو اسم فعل ، أو ليت» فأمّا الفعل فنحو «دعاني» في الماضي ، و «يكرمني» في المضارع و «اهدني» في الأمر ، وتقول : «ذهب القوم ما خلاني ، أو ما عداني ، أو ما حاشاني» بنون الوقاية ، إن قدّرتهنّ أفعالا ، فإن قدّرتهنّ أحرف جرّ ، و «ما» زائدة أسقطت النون ، وتقدير الفعلية هو الرّاجح إلّا في حاشا (١) فتثبت النّون ، قال الشاعر :

تملّ النّدامى ما عداني فإنّني

بكلّ الذي يهوى نديمي مولع

وتقول : «ما أفقرني إلى عفو الله» «وما أحسنني إن اتّقيت الله». وهذان المثالان لفعل التّعجّب ، والأصحّ أنه فعل ، وتقول «عليه رجلا ليسني» (٢) أي ليلزم رجلا غيري والأصحّ في ليس أنها فعل ، وأمّا قول رؤبة :

عددت قومي كعديد الطّيس

إذ ذهب القوم الكرام ليسي (٣)

فضرورة.

وأمّا نحو : (تَأْمُرُونِّي)(٤) ، و (أَتُحاجُّونِّي)(٥) بتخفيف النون في قراءة نافع ، فالمحذوف نون الرّفع وقيل نون الوقاية (٦).

وأمّا اسم الفعل فنحو «دراكني» بمعنى أدركني و «تراكني» بمعنى اتركني ، و «عليكني» بمعنى الزمني ، وأمّا «ليت» فقد وجبت فيها نون الوقاية أيضا لقوّة شبهها بالفعل ، نحو : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي)(٧) وشذّ قول ورقة بن نوفل :

فيا ليتي إذا ما كان ذاكم

ولجت وكنت أوّلهم ولوجا

__________________

(١) الأرجح في حاشا أنها حرف دون «ما خلاني» و «ما عداني» إذ أن «ما» فيهما مصدرية لا زائدة و «ما» المصدرية لا يليها إلا الفعل.

(٢) حكاه سيبويه عن بعض العرب ، وفي قوله «عليه» إغراء الغائب وهو شاذ ، فأسماء الأفعال لا تكون نائبة عن فعل مقرون بحرف الأمر.

(٣) «العديد» : العدد ؛ الطّيس ، الرمل الكثير.

(٤) الآية «٦٤» من سورة الزمر «٣٩».

(٥) الآية «٨٠» من سورة الأنعام «٦».

(٦) وهو مذهب الأخفش والمبرد وأكثر المتأخرين.

(٧) الآية «٢٤» من سورة الفجر «٨٩».

٥٢٥

بإسقاط النون من «ليتي» وهو ضرورة عند سيبويه ، وأجاز الفرّاء اختيارا «ليتني وليتي». وممّا تجب به نون الوقاية حرفا الجر «من وعن» إذا جرّا ياء المتكلم إلّا في الضّرورة كقول الشّاعر :

أيّها السّائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

وإن كان غير هذين الحرفين امتنعت النّون نحو «لي» (١) و «فيّ» (٢) ، و «خلاي وعداي» و «حاشاي» (٣). قال الأقيشر الأسدي :

في فتية جعلوا الصّليب إلههم

حاشاي إني مسلم معذور (٤)

(٣) جواز نون الوقاية بتساو :

يجوز إثبات نون الوقاية وحذفها فيما عدا «ليت ولعلّ» من أخوات إنّ وهي : «إنّ ، وأنّ ، ولكنّ ، وكأنّ» وذلك لما فيها من النّون المشدّدة فإن وضعنا نون الوقاية فهي الأصل ، وإن لم نضعها فللتّخفيف من كثرة النونات. كقول قيس بن الملوّح :

وإنّي على ليلى لزار وإنّني

على ذاك فيما بيننا مستديمها

(٤) رجحان ثبوت نون الوقاية :

الغالب إثبات نون الوقاية إذا كانت ياء المتكلّم مضافة إلى «لدن أو قط أو قد» (٥) ، ويجوز حذف النّون فيه قليلا ، ولا يختصّ بالضّرورة خلافا لسيبويه ، مثال الحذف والإثبات قوله تعالى : (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً)(٦) قرأ أكثر السّبعة بتشديد النّون من «لدنّي» وقرأ نافع وأبو بكر بتخفيف النّون ، وحديث البخاري في صفة النّار (قطني قطني) و «قطي قطي» بنون الوقاية وحذفها ، والنون أشهر.

وقال حميد بن مالك الأرقط :

قدني من نصر الخبيبين قدي

ليس الإمام بالشّحيح الملحد (٧)

بإثبات نون الوقاية في الأوّل ، وحذفها في الثاني ، وإن كان المضاف غير ما ذكر امتنعت النّون نحو «أبي وأخي».

(٥) رجحان ترك نون الوقاية : في «لعلّ» إذا نصبت ياء المتكلّم ، فحذف نون الوقاية أكثر نحو : (لَعَلِّي أَبْلُغُ

__________________

(١) مما هو على حرف واحد.

(٢) بتشديد الياء مما هو على حرفين.

(٣) مما هو على ثلاثة أحرف فأكثر.

(٤) معذور بعين مهملة مقطوع العذرة أي القلفة وهو المختون.

(٥) لدن : بمعنى عند ، وقط وقد : بمعنى حسب.

(٦) الآية «٧٦» من سورة الكهف «١٨».

(٧) الخبيبين : تثنية خبيب ، وأراد بهما عبد الله بن الزبير المكنى بأبي خبيب وأخاه مصعبا على التغليب.

٥٢٦

الْأَسْبابَ)(١) وشاهد إثباتها قول عديّ بن حاتم يخاطب امرأته وقد عذلته على إنفاق ماله :

أريني جوادا مات هزلا لعلّني

أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا

النّيّف : من الواحد إلى الثلاثة ، فإذا جاوز ذلك إلى التسع فهو البضع ،.

ولا يقال : نيّف إلّا بعد عقد يقال : «عشرة ونيّف ، ومائة ونيّف ، وألف ونيّف».

__________________

(١) الآية «٣٦» من سورة غافر «٤٠».

٥٢٧
٥٢٨

باب الهاء

ها : اسم فعل أمر بمعنى خذ نحو «ها كتابا» أي خذه ، ويجوز مدّ ألفها ، وتستعمل ممدودة ومقصورة بكاف الخطاب وبدونها ، فتقول : ها وهاكم ، ويجوز في الممدودة أن تستغني عن الكاف بتصريف همزتها تصاريف الكاف ، فيقال : «هاء» للمذكّر ، و «هاء» للمؤنّث ، و «هاؤما» و «هاؤم» و «هاؤنّ» ومنه قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(١).

ها : حرف تنبيه وتدخل على ثلاثة :

(أحدها) الإشارة لغير البعيد نحو «هذا».

(الثاني) ضمير الرّفع المخبر عنه باسم الإشارة نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ)(٢).

(الثالث) «أيّ» في النداء نحو «يا أيّها الرّجل» وهي في هذا واجبة للتنبيه على أنّه المقصود بالنّداء.

ها للقسم : هي «ها» للتّنبيه ، ولكنّها قد تنوب في القسم عن الواو ، تقول : «لا ها الله ذا» ، وتمدّ ألف «ها» وإن كان بعدها شدّة لفظ الجلالة ، كما تلفظ «هامّة» وإن شئت قلت «لا هلله ذا» فتحذف الألف ، وتكون في موضع الواو إذا قلت : «لا والله».

وأمّا ذا فهو الشيء الذي تقسم به ، فالتقدير : «لا والله هذا ما أقسم به» فحذفت الخبر لعلم السّامع به أو «ذا» خبر لمبتدأ محذوف ، التّقدير : «الأمر ذا.

ولفظ الجلالة يجر ب «ها» كما يجرّ بواو القسم.

ها أنا ذا وفروعه : كثر استعمال «ها» للتنبيه مع ضمير رفع منفصل بشرط أن يكون

__________________

(١) الآية «١٩» من سورة الحاقة «٦٩».

(٢) الآية «١١٩» من سورة آل عمران «٣».

٥٢٩

مرفوعا بالابتداء ، وأن يكون خبره اسم إشارة نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ)(١) فلا يجوز دخولها على الضّمير من قولك «ما قام إلّا أنا» ولا من قولك «أنت قائم».

تقول «ها أنا ذا» و «ها نحن ذان» و «ها نحن أولاء» و «ها أنت ذي» و «ها أنتما تان» و «ها أنتنّ أولاء» وهكذا ..

هاء السّكت : من خصائص الوقف اجتلاب هاء السّكت ، ولها ثلاثة مواضع :

(أحدها) : الفعل المعلّ بحذف آخره ، سواء أكان الحذف للجزم نحو «لم يغزه» و «لم يرمه» و «لم يخشه» ومنه (لَمْ يَتَسَنَّهْ)(٢) ، أو لأجل البناء نحو «اغزه» و «اخشه» و «ارمه» ومنه : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٣) ، والهاء في هذا كلّه جائزة ، وقد تجب إذا بقي الفعل على حرف واحد كالأمر من وعى يعي ، فإنّك تقول : «عه».

(ثانيها) : «ما» الاستفهاميّة المجرّدة ، فإنّه يجب حذف ألفها إذا جرّت في نحو «عمّ ، وفيم» مجرورتين بالحرف «ومجيء م جئت» (٤) مجرورة بالمضاف ، فرقا بينها وبين «ما» الموصوليّة الشرطيّة.

فإذا وقفت عليها ألحقت بها الهاء حفظا للفتحة الدّالّة على الألف المحذوفة ، وتجب الهاء إن كان الخافض ل «ما» الاستفهاميّة اسما كالمثال المتقدم : «مجيء» وتترجّح إن كان الخافض بها حرفا نحو : عمّه (٥) يتساءلون (٦).

(ثالثها) : كلّ مبنيّ على حركة بناء دائما ، ولم يشبه المعرب كياء المتكلم ك «هي» و «هو» وفي القرآن الكريم : (مالِيَهْ)(٧) و (سُلْطانِيَهْ)(٨) و (ما هِيَهْ)(٩) وقال حسّان :

إذا ما ترعرع فينا الغلام

فما إن يقال له من هوه

هب : بصيغة الأمر ، وهي من أفعال القلوب وتفيد في الخبر رجحانا ، وهي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر نحو قول عبد الله بن همّام السّلولي :

__________________

(١) الآية «١١٩» من سورة آل عمران «٣».

(٢) الآية «٢٥٩» من سورة البقرة «٢». ومعنى لم يتسنه : لم تغيره السنون.

(٣) الآية «٩٠» من سورة الأنعام «٦».

(٤) الأصل : جئت مجيء م؟ وهذا سؤال عن صفة المجيء ، أي على أي صفة جئت ثم أخّر الفعل لأنّ الاستفهام له صدر الكلام ، ولم يمكن تأخير المضاف.

(٥) وبهاء السكت قرأ البزي.

(٦) الآية «١» من سورة النبأ «٧٨».

(٧) الآية «٢٨» من سورة الحاقة «٦٩».

(٨) الآية «٢٩» من سورة الحاقة «٦٩».

(٩) الآية «١٠» من سورة القارعة «١٠١».

٥٣٠

فقلت أجرني أبا خالد

وإلّا فهبني امرءا هالكا

ويقال «هبني فعلت ذلك» أي احسبني واعددني ، ولا يقال : «هب أني فعلت».

(انظر ظنّ وأخواتها).

هبّ (١) : كلمة تدلّ على الشّروع في خبرها ، وهي من النواسخ تعمل عمل كان ، إلّا أنّ خبرها يجب أن يكون جملة فعليّة من مضارع فاعله ضمير يعود على الاسم ومجرّد من «أن» المصدريّة ، ولا تعمل إلّا في حالة المضي.

هذا ذيك بمعنى كفّ : هو مصدر مثنّى لفّظا ويراد به التّكثير ، وتجب إضافته ، ومعناه : إسراعا لك بعد إسراع ، أو قطعا بعد قطع ، ويعرب مفعولا مطلقا لفعل محذوف تقديره أسرع ، وإنّما لم يقدّر فعل من جنسه لأنّه ليس له فعل من جنسه مثل : لبّيك ، قال العجّاج يمدح الحجّاج :

ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا

يمضي إلى عاصي العروق النّحضا (٢)

هل :

١ ـ ماهيّتها :

حرف استفهام موضوع لطلب التّصديق (٣) الإيجابي ، دون التصوّر ودون التّصديق السّلبي ، فيمتنع نحو «هل زيد قائم أو عمرو» إذا أريد ب «أم» المتّصلة (٤) ، لأنّه تصوّر ، ويمتنع نحو «هل لم يقم زيد» لأنّه تصديق سلبيّ.

وحروف الاستفهام لا يليها في الأصل إلّا الفعل ، إلّا أنّهم قد توسّعوا فيها ، فابتدءوا بعدها الأسماء ، ألا ترى أنّهم يقولون : «هل زيد منطلق» و «هل زيد في الدّار» فإن قلت «هل زيدا رأيت» و «هل زيد ذهب» قبح ، ولم يجز إلّا في الشعر ، فإن اضطر شاعر فقدّم الاسم نصب تقول : «هل عمرا ضربته».

٢ ـ تفترق «هل» من الهمزة من عشرة أوجه :

__________________

(١) وفي اللسان : هب فلان يفعل كذا كما تقول : طفق يفعل كذا.

(٢) هذا ذيك أي هذّا بعد هذّ يعني قطعا بعد قطع ، والوخض : المشرع للقتل ، والعاصي : العرق لا يرقأ دمه ، والنّحض : اللحم المكتنز وهو منصوب على نزع الخافض وهو «في».

(٣) التصديق : إدراك النسبة ، وهل : موضوع لإدراك النسبة الإيجابية فإذا قلت «هل قدم أخوك» فأنت تسأل عن قدوم أخيه وهذا هو التصديق ، وإذا قلت «أزيد قدم أم بكر» فأنت تسأل عن أحدهما أي عن المفرد هذا هو التصور ، والمراد بالإيجابي غير المنفي كما هو معلوم ، والسلبي : المنفي.

(٤) وأما المنقطعة فهي بمعنى «بل» فلا تمنع التصديق.

٥٣١

(أحدها) اختصاصها بالتّصديق.

(الثاني) اختصاصها بالإيجاب ، تقول «هل زيد قائم» ويمتنع «هل لم يقم».

(الثالث) تخصيصها المضارع بالاستقبال.

(الرابع) أنّها لا تدخل على الشّرط بخلاف الهمزة نحو : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)(١).

(الخامس) أنّها لا تدخل على «إنّ» بخلاف الهمزة نحو : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)(٢).

(السادس) أنها لا تدخل على اسم بعده فعل في الاختيار ، بخلاف الهمزة نحو «أزيدا أكرمت».

(السابع) أنّها تقع بعد عاطف نحو : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(٣).

(الثامن) أنّها تأتي بعد «أم» نحو : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(٤).

(التاسع) أنّها قد يراد بالاستفهام بها النّفي ، ولذلك دخلت على الخبر بعدها «إلّا» في نحو : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٥). و «الباء» في قوله :

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم وصحّ العطف في قوله :

وإنّ شفائي عبرة مهراقة

فهل عند رسم دارس من معوّل

إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر.

(العاشر) أنّها تأتي بمعنى «قد» نحو : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(٦).

وقد يسوغ للشّاعر أن يدخل همزة الاستفهام على «هل» نحو قول زيد الخيل :

سائل فوارس يربوع بشدّتنا

أهل رأونا بسفح القفّ ذي الأكم (٧)

ومثلها قولك : أم هل فعلت ، يقول سيبويه : هي بمنزلة قد.

هلّا : من أدوات التّحضيض ، وهي كأخواتها لا تتّصل إلّا بالفعل. ويجوز فيها ـ كما يقول سيبويه ـ وفي أخواتها (انظر لو لا ، لو ما ، ألّا ، ألا) أن يكون الفعل مضمرا ، ومظهرا ، مقدّما ، ومؤخرا ، ولا

__________________

(١) الآية «٣٤» من سورة الأنبياء «٢١».

(٢) الآية «٩٠» من سورة يوسف «١٢».

(٣) الآية «٣٥» من سورة الأحقاف «٤٦».

(٤) الآية «١٦» من سورة الرعد «١٣».

(٥) الآية «٦٠» من سورة الرحمن «٥٥».

(٦) الآية «١» من سورة الدهر «٧٦».

(٧) الشدة : الحملة ، والباء بمعنى عن ، القف : جبل ليس بعال.

٥٣٢

يستقيم أن يبتدأ بعدها الأسماء ولو قلت «هلّا زيدا ضربت» جاز ، ولو قلت «هلّا زيدا» على إضمار الفعل ، ولا تذكره جاز ، والمعنى : هلّا زيدا ضربت.

هلمّ : بمعنى أقبل ، وهذه الكلمة تركيبيّة من ها للتّنبيه ، ومن لمّ ، ولكنها قد استعملت استعمال الكلمة الواحدة المفردة البسيطة ، قال الزّجاج : زعم سيبويه : أن هلمّ ، ها ، ضمّت إليها : لمّ ، وكذا قال الخليل ، وفسّرها بقوله : أصله ، لمّ ، من قولهم : لمّ الله شعثه أي جمعه كأنه أراد : لمّ نفسك إلينا : أي اقرب ، وها للتّنبيه ، وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال ، وجعلا اسما واحدا.

وأكثر اللغات : هلمّ : للواحد والاثنين والجماعة وبذلك نزل القرآن : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ).

قال سيبويه : وهلمّ في لغة الحجاز ، يكون للواحد والاثنين والجماعة.

ولا تدخل عليها النون الخفيفة ولا الثّقيلة ، لأنّها ليست فعلا ، إنّما هي اسم فعل.

وأمّا في لغة بني تميم فتدخلها النّون الخفيفة والثّقيلة لأنّهم قد أجروها مجرى الفعل ، فقالوا : هلمّنّ يا رجل وهلمّنّ يا امرأة ، وفي التثنية : هلمّانّ للمؤنث والمذكر وهلمّنّ يا رجال بضم الميم ، وهلممنانّ يا نسوة.

وعند أهل نجد فعل أمر ويلحقون بها الضّمائر ، فيقولون في المثنى «هلمّا» وفي المؤنث «هلمّي» وفي جمع المذكّر «هلمّوا» وللنّساء «هلممن» والأوّل أفصح وبه جاء التنزيل : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ)(١) (انظر اسم الفعل ٢).

هلمّ جرّا :معناها استدامة الأمر واتّصاله يقال : «كان ذلك عام كذا وهلمّ جرّا إلى اليوم» وأصله من الجرّ : السّحب ، وانتصب «جرّا» على المصدر أو الحال.

هلهل : كلمة تدلّ على معنى الشّروع في خبرها ، وهي من النّواسخ تعمل عمل كان ، إلّا أنّ خبرها يجب أن يكون جملة فعليّة من مضارع فاعله يعود على الاسم ، ومجرّد من «أن» المصدريّة ، ولا تعمل إلّا في حالة الماضي نحو «هلهل الشّتاء يقبل» أي شرع وأنشأ.

همزة الاستفهام :

١ ـ هي أصل أدوات الاستفهام ، بل

__________________

(١) الآية «١٥٠» من سورة الأنعام «٦».

٥٣٣

هي ـ كما يقول سيبويه ـ حرف الاستفهام الذي لا يزول عنه لغيره ، وليس للاستفهام في الأصل غيره ، وإنّما تركوا الألف ـ أي همزة الاستفهام ـ في : «من ، ومتى ، وهل» ، ونحوهن ، حيث أمنوا الالتباس ، ولهذا خصّت بأحكام :

(أحدها) جواز حذفها سواء تقدّمت على «أم» كقول ابن أبي ربيعة :

فو الله ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان؟

أراد : أبسبع.

أم لم تتقدّمها كقول الكميت :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني ، وذو الشيب يلعب؟ (١)

(الثاني) أنّها ترد لطلب التصوّر نحو «أخالد مقبل أم عبيدة». ولطلب التّصديق نحو «أمحمّد قادم» وبقيّة أدوات الاستفهام مختصّة بطلب التصوّر (٢) إلّا «هل» فهي مختصّة بطلب التصديق.

(الثالث) أنّها تدخل على الإثبات كما تقدّم ، وعلى النّفي نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٣).

(الرابع) تمام التّصدير ، وذلك أنّها أوّلا : لا تذكر بعد «أم» التي للإضراب كما يذكر غيرها ، لا تقول : «أقرأ خالد أم أكتب» وتقول : «أم هل كتب» وثانيا : أنّها إذا كانت في جملة معطوفة ب «الواو» أو ب «الفاء» أو «ثمّ» قدّمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التّصدير : نحو : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا)(٤)(أَفَلَمْ يَسِيرُوا)(٥)(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ)(٦) وأخواتها تتأخّر عن حروف العطف نحو : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ)(٧)(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)(٨)(فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٩)(فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(١٠)(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ)(١١)(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)(١٢).

(الخامس) تختلف همزة الاستفهام عن غيرها اختلافا في أمور كثيرة ، وما يجوز فيها لا يجوز بغيرها.

فيجوز أن يأتي بعدها اسم منصوب

__________________

(١) يريد : أو ذو الشيب يلعب ، فحذف همزة الاستفهام مع وجود معنى الاستفهام.

(٢) انظر في «هل» التعليق على معنى التصديق والتصور.

(٣) الآية «١» من سورة الانشراح «٩٤».

(٤) الآية «١٨٥» من سورة الأعراف «٧».

(٥) الآية «١٠٩» من سورة يوسف «١٢».

(٦) الآية «٥١» من سورة يونس «١٠».

(٧) الآية «١٠١» من سورة آل عمران «٣».

(٨) الآية «٢٦» من سورة التكوير «٨١».

(٩) الآية «٩٥» من سورة الأنعام «٦».

(١٠) الآية «٣٥» من سورة الأحقاف «٤٦».

(١١) الآية «٨١» من سورة الأنعام «٦».

(١٢) الآية «٨٨» من سورة النساء «٤».

٥٣٤

فتقول : «أعبد الله ضربته» و «أزيدا مررت به» و «أعمرا قتلت أخاه» أو «أعمرا اشتريت له ثوبا» ففي كل هذا قد أضمرت بين همزة الاستفهام والاسم بعدها ـ فعلا ، والفعل المذكور تفسيره ، قال جرير :

أثعلبة الفوارس أم رياحا

عدلت بهم طهيّة والخشابا (١)

ومثل ذلك : «ما أدري أزيدا مررت به أم عمرا» (٢) أو «ما أبالي أعبد الله لقيت أم عمرا» وتقول في الرّفع بعد همزة الاستفهام «أعبد الله ضرب أخوه زيدا» ، لا يكون إلّا الرفع ، لأنّ الذي من سبب عبد الله ـ وهو أخوه ـ مرفوع لأنّه فاعل ، فيرتفع إذا ارتفع الذي من سببه ، كما ينتصب إذا انتصب ، ويكون الفعل المضمر ما يرفع ، كما أضمرت في الأول ما ينصب.

فإن جعلت زيدا الفاعل قلت : «أعبد الله ضرب أخاه زيد» ....

٢ ـ دخول همزة الاستفهام على همزة الوصل :

همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة الوصل ، ثبتت همزة الاستفهام وسقطت همزة الوصل ، وذلك لأنّ همزة الوصل إنما أتي بها ليتوصّل بها إلى النطق بالساكن الذي بعدها ، فلمّا دخلت عليها همزة الاستفهام استغني عنها بهمزة الاستفهام ، فأسقطت ، نحو قولك في الاستفهام «أبن زيد أنت؟» و «أمرأة عمرو أنت؟» «أستضعفت زيدا؟» «أشتريت كتابا؟» ومنه قوله تعالى : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً)؟ (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ)؟

(أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ)؟ (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) إلى كثير من الأمثال. وقال ابن قيس الرّقيّات :

فقالت : أبن قيس ذا؟

وبعض الشّيب يعجبها وقال ذو الرّمّة :

أستحدث الرّكب عن أشياعهم خبرا؟

أم راجع القلب من أطرابه طرب؟

٣ ـ همزة الاستفهام والقسم :

تقول : «آلله» مستفهما مع التّأكيد بالقسم ، وكذلك «آيم الله؟» و «آيمن الله؟» ، فهمزة الاستفهام نابت عن «واو» القسم وجرّ بها المقسم به ، ولا تحذف هنا همزة الوصل من لفظ الجلالة أو «أيم» أو «ايمن» وإنما تجعل مدّة كما لو دخلت على غير القسم فتقول : «آلرّجل فعل ذلك؟». فهمزة

__________________

(١) وتقدير الكلام : أظلمت ثعلبة عدلت بهم طهية.

(٢) التقدير : ما أدري أجاوزت زيدا ، وتفسيره مررت به.

٥٣٥

الاستفهام هنا حملت معنيين : الاستفهام ونيابة الواو في القسم فإذا قلت : «آلله لتفعلنّ؟» فكأنّك قلت : «أتقسم بالله لتفعلنّ».

٤ ـ دخول همزة الاستفهام على «أل» التّعريفيّة :

إذا دخلت همزة الاستفهام على «أل» همزت الأولى ومددت الثّانية لا غير وأشممت الفتحة بلا نبرة كقولك «الرّجل قال ذاك؟» آلسّاعة جئت؟» ومنه قوله تعالى : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)(١)؟ (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ)(٢) ، (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ)(٣).

وقال معن بن أوس :

فو الله ما أدري أالحبّ شفّه

فسلّ عليه جسمه أم تعبّدا

٥ ـ خروج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي :

قد تخرج «الهمزة» عن الاستفهام الحقيقي فترد لثمانية معان :

(١) التّسوية : وهي التي تقع بعد كلمة «سواء» أو «ما أبالي» أو «ما أدري» و «ليت شعري» ونحوهن.

والضّابط : أنّها الهمزة الدّاخلة على جملة يصحّ حلول المصدر محلّها نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(٤) أي سواء عليهم استغفارك وعدمه وهو فاعل «سواء».

(٢) الإنكار الإبطالي : وهذه تقتضي أنّ ما بعدها ـ إذا أزيل الاستفهام ـ غير واقع ، وأنّ مدّعيه كاذب نحو : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً)(٥) ، (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ)(٦)(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ)(٧) ومنه : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٨)(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٩) ومنه قول جرير في عبد الملك :

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح؟

(٣) الإنكار التّوبيخي : وهذه تقتضي أنّ ما بعدها واقع وأنّ فاعله ملوم نحو : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ)(١٠)(أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ)(١١).

(٤) التقرير : ومعناه حملك

__________________

(١) الآية «٥٩» من سورة النمل «٢٧».

(٢) الآية «١٤٣» من سورة الأنعام «٦».

(٣) الآية «٩١» من سورة يونس (١٠).

(٤) الآية «٦» من سورة المنافقون «٦٣».

(٥) الآية «٤٠» من سورة الإسراء «١٧».

(٦) الآية «١٩» من سورة الزخرف «٤٣».

(٧) الآية «١٥» من سورة ق «٥٠».

(٨) الآية «٣٦» من سورة الزمر «٣٩».

(٩) الآية «١» من سورة الانشراح «٩٤».

(١٠) الآية «٩٥» من سورة الصافات «٣٧».

(١١) الآية «٤٠» من سورة الأنعام «٦».

٥٣٦

المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده ثبوته أونفيه ، ويجب أن يليها الشّيء الذي تقرّره به ، تقول في التقرير بالفعل «أنصرت بكرا» وبالفاعل «أأنت نصرت بكرا» وبالمفعول «أبكرا نصرت».

(٥) التّهكّم : نحو : (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا)(١).

(٦) الأمر : نحو : (أَأَسْلَمْتُمْ)(٢) أي أسلموا.

(٧) التّعجّب : نحو : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(٣).

(٨) الاستبطاء : نحو : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(٤).

همزة القطع : كلّ همزة ثبتت في الوصل فهي همزة قطع نحو «أحسن» «إحسانا» و «أمر».

همزة النداء : ينادى بها القريب ، وهو حرف بإجماعهم ، ومنه قول امرىء القيس : أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل (انظر النداء).

همزة الوصل :

١ ـ تعريفها :

هي : همزة سابقة موجودة في الابتداء مفقودة في الدّرج.

٢ ـ مواضعها :

قد تأتي في بعض الأسماء ، وبعض الأفعال ، وبعض الحروف.

٣ ـ مجيؤها في بعض الأسماء :

تجيء من الأسماء في مصادر «الخماسي» و «السداسي» ك «انطلاق» «استنفار» وفي اثني عشر اسما وهي :

«اسم ، واست (٥) ، وابن ، وابنم ، وابنة ، وامرؤ وامرأة ، واثنان ، واثنتان ، وايمن المخصوص بالقسم ، وايم لغة فيه وأل الموصولة» (انظر في حروفها).

٤ ـ مجيؤها في بعض الأفعال :

تأتي همزة الوصل من الأفعال في الفعل «الخماسي» ك «انطلق» و «اقتدر» والفعل «السداسي» ك «استخرج» وأمر الثلاثي نحو «اكتب».

٥ ـ مجيؤها في بعض الحروف :

لا تأتي همزة الوصل من الحروف إلّا بحرف واحد هو «أل».

٦ ـ حركتها :

لهمزة الوصل بالنّسبة إلى حركتها سبع حالات :

__________________

(١) الآية «٨٧» من سورة هود «١١».

(٢) الآية «٢٠» من سورة آل عمران «٣».

(٣) الآية «٤٥» من سورة الفرقان «٢٥».

(٤) الآية «١٦» من سورة الحديد «٥٧».

(٥) الاست : الدّبر.

٥٣٧

(١) وجوب الفتح في المبدوء بها مثل «أل».

(٢) وجوب الضّمّ في مثل «انطلق» و «استخرج» مبنيّين للمجهول ، وفي أمر الثلاثي المضوم العين أصالة (١) (٢) نحو «انصر» و «اقتل».

(٣) رجحان الضّمّ على الكسر ، وذلك : إذا زالت الضّمّة اللّازمة قبل الآخر لاتّصال محلها ب : «الياء المؤنّثة» نحو «اغزي» والضّم هو الراجح.

(٤) رجحان الفتح على الكسر في «ايمن» و «ايم».

(٥) رجحان الكسر على الضّم في كلمة «اسم».

(٦) جواز الكسر والضّم والإشمام في نحو «اختار» و «انقاد» مبنيّين للمجهول ، فالضّم في «اختور وانقود» والكسر والإشمام في «اختير وانقيد».

(٧) وجوب الكسر فيما بقي من الأسماء العشرة (٣) ، وفي المصادر والأفعال.

٧ ـ حذف همزة الوصل أو عدم حذفها : تحذف همزة الوصل المكسورة أو المضمومة إذا وقعت بعد همزة استفهام فالأولى نحو : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا)(٤) ، (أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ)(٥) «أبنك هذا؟» والثانية نحو : «أضطرّ الرّجل» (٦). وإن كانت همزة الوصل مفتوحة لا تحذف لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر لكن يترجّح أن تبدل ألفا تقول «الحسن عندك؟» و «آيمن الله؟» وقد تسهّل همزة الاستفهام بين الألف والهمزة مع القصر وهذا مرجوح ، ومن التسهيل قول عمر بن أبي ربيعة :

ألحقّ أن دار الرّباب تباعدت

أو انبتّ حبل أنّ قلبك طائر

٨ ـ همزة الوصل لا تثبت في الدّرج إلّا في الضرورة :

لا تثبت همزة الوصل في الدّرج إلّا في الضرورة كقول قيس بن الخطيم الأنصاري :

إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه

بنثّ وتكثير الوشاة قمين (٧)

__________________

(١) بخلاف : «امشوا» ومثلها «اقضوا» فقد ضمّا لمناسبة الواو ، والأصل فيهما : امشيوا واقضيوا ، أسكنت الياء للاستثقال ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين ، وضمّت العين لمجانسة الواو.

(١) بخلاف : «امشوا» ومثلها «اقضوا» فقد ضمّا لمناسبة الواو ، والأصل فيهما : امشيوا واقضيوا ، أسكنت الياء للاستثقال ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين ، وضمّت العين لمجانسة الواو.

(٢) المار ذكرها في رقم (٣).

(٣) الآية «٦٣» من سورة ص «٣٨» وأصلها :أإتخذناهم.

(٤) الآية «٦»» من سورة المنافقون «٦٣».

(٥) وأصلها : أأضطر.

(٦) النثّ : الإفشاء والإذاعة ، الوشاة : النمامون ، قمين : جدير.

٥٣٨

٩ ـ لا تحذف همزة الوصل خطأ إلّا في مواضع : تحذف همزة الوصل لفظا ، لا خطا إن سبقت بكلام نحو «جاء الحقّ» و «قل الصدق». وقد تحذف لفظا وخطّا في «ابن» مسبوق بعلم وهو صفة له بعده علم هو أب له ، ما لم يقع في أوّل السطر نحو «محمد بن عبد الله» وكذا في «بسم الله الرّحمن الرّحيم». بشرط أن تذكر كلّها ، وألّا يذكر معها متعلّق ، فلو كتبت : باسم الله فقط لم تحذف ألف الوصل ، ، وكذلك :

باسم الله الرحمن الرحيم كتابتي وكذا همزة «أل» إن جررت اسمها باللّام كقولك «للرّجل».

هنا : ظرف مكان لا يتصرّف إلّا بالجرّ ب «من» و «إلى» فإذا قلنا : «ها هنا» فها للتّنبيه ، وتقول : «من هنا» و «إلى هنا» ،.

هنّا : بالفتح والتّشديد للمكان الحقيقي الحسّيّ ، لا يستعمل في غيره إلّا مجازا.

هنيئا لك : (= الحال ١٦).

هنيئا لك العيد : فـ «هنيئا» حال ، والتّقدير : وجب ذلك لك هنيئا ، و «العيد» فاعل هنيئا ، ومن هذا قول أبي الطيب :

هنيئا لك العيد الذي أنت عيده

وعيد لمن سمّى وضحّى وعيّدا

هناه : (= يا هناه).

هو : ضمير رفع منفصل (انظر الضمير ٢ / أ/ ١).

هيا : لغة في «أيا» وهي أداة لنداء البعيد نحو قول الحطيئة :

فقال : هيا ربّاه ضيف ولا قرى

بحقّك لا تحرمه تا اللّيلة اللّحما

هيّا : اسم فعل أمر ، ومعناه أسرع (انظر اسم الفعل).

هيهات : مثلّثة الآخر : اسم فعل ماض معناه بعد ومثلها «أيهات وهيهان ، وأيهان ، وهايهات ، وأيهات ، وأيهات» ، كلها مثلثات و «هيهاه» ساكنة الآخر ، في نحو خمسين لغة ، نحو : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ)(١) وهيهات أكثرها استعمالا.

هيت لك : مثلثة الآخر ، وقد يكسر أوّله ، أي هلمّ وتعال ، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنّث ، إلّا أنّ ما بعد اللّام يتصرّف بالضّمائر تقول : هيت لك ولكما ولكم ولكنّ ، وهي اسم فعل أمر.

__________________

(١) الآية «٣٦» من سورة المؤمنون» ٢٣.

٥٣٩
٥٤٠