معجم القواعد العربيّة

المؤلف:

عبد الغني الدقر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات الحميد
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

نحو : «محمّد إنه رسول الله».

(١٢) في باب الحصر بالنّفي وإلّا ، بمعنى الأمثلة الآتية تقول : «ما قدم علينا أمير إلّا إنّه مكرم لنا». لأنّه ليس ههنا شيء يعمل في إنّ ولا يجوز أن تكون أنّ ، وإنّما تريد أن تقول : ما قدم علينا أمير إلّا هو مكرم لنا. وقال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(١) ومثل ذلك قول كثيرّ :

ما أعطياني ولا سألتهما

إلّا وإني لحاجزي كرمي

وبغير معنى ما تقدّم من الحصر تقول : «ما غضبت عليك إلا أنّك فاسق» وهذا بفتح همزة أن.

٨ ـ مواضع جواز كسر «إنّ» وفتحها : يجوز كسر همزة «إنّ» وفتحها في تسعة مواضع :

(١) أن تقع بعد فاء الجزاء نحو :

(مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢) قرىء بكسر «إنّ» وفتحها ، فالكسر على معنى : فهو غفور رحيم ، والفتح على تقدير أنها ومعموليها مفرد خبره محذوف ، أي فالغفران والرّحمة حاصلان.

(٢) أن تقع بعد «إذا» الفجائيّة كقول الشاعر وأنشده سيبويه :

وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا

إذا إنّه عبد القفا واللهازم (٣)

(٣) أن تقع في موضع التّعليل ، نحو : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ)(٤) هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٥) ومثله قوله تعالى :

(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)(٦) ومثله «لبّيك إنّ الحمد والنّعمة لك» بفتح «إن» وكسرها.

(٤) أن تقع بعد فعل قسم ، ولا لام بعدها كقول رؤبة :

أو تحلفي بربّك العليّ

إنّي أبو ذيّالك الصّبيّ

يروى بكسر «إنّ» وفتحها ، فالكسر على الجواب للقسم (٧). والفتح بتقدير

__________________

(١) الآية «٢٠» من سورة الفرقان «٢٥».

(٢) الآية «٥٤» من سورة الأنعام «٦».

(٣) «أرى» بضم الهمزة : بمعنى أظن يتعدى إلى اثنين و «اللهازم» جمع لهزمة بكسر اللام : طرف الحلقوم فكسر «إن» على معنى «فإذا هو عبد القفا» والفتح على معنى «فإذا العبودية» أي حاصلة.

(٤) قرأ نافع والكسائي بفتح «أن» على تقدير لام العلة ، وقرأ الباقون بالكسر ، على أنه تعليل مستأنف.

(٥) الآية «٢٨» من سورة الطور «٥٢».

(٦) الآية «١٠٣» من سورة التوبة «٩».

(٧) والبصريون يوجبونه.

١٠١

«على أني» و «أنّ» مؤوّلة بمصدر عند الكسائي والبغداديين.

(٥) أن تقع خبرا عن قول ، ومخبرا عنها بقول (١) ، والقائل واحد ، نحو «قولي إني أحمد الله» بفتح إنّ وكسرها فإذا فتحت فعلى مصدرية «قولي» أي قولي حمدا لله ، وإذا كسرت فعلى معنى المقول ، أي «مقولي إني أحمد الله» فالخبر على الأول : مفرد ، وعلى الثاني : جملة مستغنية عن العائد لأنها نفس المبتدأ في المعنى.

ولو انتفى القول الأوّل وجب فتحها نحو «عملي أنّي أحمد الله» ولو انتفى القول الثاني وجب كسرها نحو «قولي إني مؤمن». فالقول الثاني «إني مؤمن» والإيمان لا يقال لأنه عقيدة في القلب.

ولو اختلف القائل وجب كسرها نحو : «قولي إنّ هشاما يسبّح ربّه».

(٦) أن تقع بعد «واو» مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو : (إِنَّ لَكَ أَلَّا) تجوع فيها ولا تعرى وأنّك (٢) لا تظمؤ (فِيها وَلا تَضْحى)(٣).

(٧) الأكثر أن تكسر «إنّ» بعد حتى ، وقد تفتح قليلا إذا كانت عاطفة ، تقول : «عرفت أمورك حتى أنّك حسن الطّويّة» كأنّك قلت : عرفت أمورك حتّى حسن طويّتك ، ثمّ وضعت أنّ في هذا الموضع.

(٨) أن تقع بعد «أما» (٤) نحو «أما إنّك مؤدّب» فالكسر على أنّها حرف استفتاح بمنزلة «ألا» والفتح على أنها بمعنى «أحقا» وهو قليل.

(٩) أن تقع بعد «لا جرم» (٥) والغالب الفتح نحو (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ)(٦) فالفتح على أنّ جرم فعل ماض معناه وجب و «أنّ» وصلتها فاعل ، أي وجب أنّ الله يعلم ، و «لا» زائدة ، وإمّا على أنّ «لا جرم» ومعناها «لا بدّ» و «من» بعدهما مقدّرة ، والتّقدير : لا بدّ من أنّ الله يعلم.

والكسر على أنّها منزّلة منزلة اليمين عند بعض العرب فيقول : «لا جرم إنك ذاهب». (انظر لا جرم).

__________________

(١) المراد من القول الأول : لفظ القول والمراد بالثاني : أن اللفظ مما يقال قولا مثلا : «إني أحمد الله» فإنها تقال قولا عملا ، بخلاف «إني مؤمن» فالإيمان تصديق بالقلب لا قول باللفظ.

(٢) قرأ نافع وأبو بكر بكسر «إن» إمّا على الاستئناف ، وإما بالعطف على جملة «إنّ» الأولى ، وقرأ الباقون بالفتح عطفا على «ألّا تجوع» والتقدير : إنّ لك عدم الجوع وعدم الظمإ.

(٣) الآية «١١٩ ـ ١٢٠» من سورة طه «٢٠».

(٤) انظر «أما» في حرفها.

(٥) انظر «لا جرم» في حرفها.

(٦) الآية «٢٣» من سورة النحل «١٦».

١٠٢

٩ ـ المختار أنّ اسم إنّ معرفة وخبرها نكرة. إذا اجتمع في اسم إنّ وأخواتها وخبرها فالذي يختار أن يكون اسمها معرفة لأنّها دخلت على الابتداء والخبر ، ولا يكون الاسم نكرة إلّا في الشّعر نحو قول الفرزدق :

وإنّ حراما أن أسبّ مقاعسا

بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم (١)

وقول الأعشى :

إنّ محلّا وإنّ مرتحلا

وإنّ في السّفر إذ مضى مهلا (٢)

١٠ ـ حذف خبر «إنّ»

قد يحذف خبر «إنّ» مع المعرفة والنكرة للعلم به ، يقول الرّجل للرجل : «هل لكم أحد؟ إنّ النّاس إلب عليكم» فيقول : «إنّ خالدا وإنّ بكرا» أي : لنا ، وإنّما يحذف الخبر إذا علم المخاطب ما يعني بأن تقدّم ما يفهم الخبر ، أو يجري القول على لسانه.

١١ ـ «ما» الزّائدة :

تتّصل «ما» الزّائدة وهي الكافّة ب «إنّ وأخواتها» (٣). فتكفّها عن العمل وتهيّئها للدخول على الجمل الفعليّة نحو : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(٤)(كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ)(٥).

١٢ ـ العطف على اسم إن وأخواتها :

لك في هذا العطف وجهان : النصب عطفا على اسم إنّ نحو قولك : «إنّ زيدا منطلق وعمرا مقيم» وعلى هذا قرأ من قرأ والبحر بالفتح من قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ)(٦) وقد رفع آخرون : والبحر :

والواو للحال. وعلى هذا قول الرّاجز وهو رؤبة بن العجّاج :

إنّ الرّبيع الجود والخريفا

يدا أبي العبّاس والضّيوفا

والوجه الآخر : عطفه على الابتداء الذي هو اسم إنّ قبل أن تدخل عليه إنّ تقول : «إنّ زيدا منطلق وسعيد» والأصل : زيد منطلق وسعيد. وفي القرآن الكريم مثله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(٧). وقال جرير :

إنّ الخلافة والنّبوّة فيهم

والمكرمات وسادة أطهار

وإذا قلت : «إن زيدا منطلق لا

__________________

(١) الخضارم : جمع خضرم : وهو الجواد المعطاء.

(٢) المعنى : إنّ لنا في الدنيا حلولا وإن لنا عنها ارتحالا.

(٣) إلا «لا» النافية للجنس ، و «عسى» بمعنى لعل فإنها لا تدخل عليها «ما» الكافّة.

(٤) الآية «١٠٨» من سورة الأنبياء «٢١».

(٥) الآية «٦» من سورة الأنفال «٨».

(٦) الآية «٢٧» من سورة لقمان «٣١».

(٧) الآية «٣» من سورة التوبة «٩».

١٠٣

عمرو» فتفسيره كتفسيره مع الواو في وجهي النّصب والرّفع ، واعلم أنّ لعلّ وكأنّ وليت يجوز فيهنّ جميع ما جاز في «إنّ» إلّا أنّه لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء.

ولكنّ بمنزلة «إنّ» وتقول : «إنّ زيدا فيها لا بل عمرو».

وإن شئت نصبت : أي : لا بل عمرا.

أنّ :

من أخوات «إنّ» وتشترك معها بأحكام : (انظر إنّ وأخواتها).

وتختصّ بأنها تؤوّل مع ما بعدها بمصدر ، وذلك حيث يسدّ المصدر مسدّها ومسدّ معموليها. ومواضع فتح همزتها ثمانية وهي أن تكون :

(١) فاعلة نحو : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا)(١) أي إنزالنا.

(٢) نائبة عن الفاعل نحو : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ)(٢).

(٣) مفعولة غير محكيّة بالقول نحو : (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ)(٣).

(٤) مبتدأ نحو : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً)(٤). ومنه : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ)(٥). والخبر محذوف وجوبا (٦). أي ولو لا كونه من المسبّحين موجود أو واقع.

(٥) خبرا عن اسم معنى ، غير قول ، ولا صادق عليه خبر «أنّ» نحو : «اعتقادي أنّ محمدا عالم» (٧).

(٦) مجرورة بالحرف نحو : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ)(٨).

(٧) مجروة بالإضافة نحو : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٩). أي : مثل نطقكم و «ما» زائدة.

(٨) تابعة لشيء ممّا تقدّم ، إمّا على العطف نحو : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(١٠).

والمعنى : اذكروا نعمتي وتفضّلي ، أو

__________________

(١) الآية «٥١» من سورة العنكبوت «٢٩».

(٢) الآية «١» من سورة الجن «٧٢».

(٣) الآية «٨١» من سورة الأنعام «٦».

(٤) الآية «٣٩» من سورة فصلت «٤١».

(٥) الآية «١٤٣ ـ ١٤٤» من سورة الصافات «٣٧».

(٦) لأنه بعد «لولا» يقول ابن مالك «وبعد لولا غالبا حذف الخبر».

(٧) اعتقادي : اسم معنى غير قول ، ولا يصدق عليه خبر «أن» لأن «عالم» لا يصدق على الاعتقاد ، وإنما فتحت لسدّ المصدر مسدّها ومسدّ معموليها ، والتقدير : اعتقادي علمه ، بخلاف «قولي» إنه «فاضل» فيجب كسرها ، وبخلاف «اعتقاد زيد إنه حق» فيجب كسرها أيضا ، لأنّ خبرها وهو «حقّ» صادق على الاعتقاد.

(٨) الآية «٦» من سورة الحج «٢٢».

(٩) الآية «٢٣» من سورة الذاريات «٥١».

(١٠) الآية «٤٧» من سورة البقرة «٢».

١٠٤

على البدليّة نحو : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)(١). فـ «أنّها لكم» بدل اشتمال من إحدى. والتقدير : إحدى الطّائفتين كونها لكم.

(٩) بعد حقّا ، وذلك قولك : «أحقّا أنّك ذاهب» و «الحقّ أنّك ذاهب» وكذلك في الخبر إذا قلت : «حقّا أنّك ذاهب» و «الحقّ أنّك ذاهب» وكذلك : «أأكبر ظنّك أنّك ذاهب». ونظير أحقّا أنك ذاهب قول العبدي :

أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا

فنيّتنا ونيّتهم فريق

وقال عمر بن أبي ربيعة :

أألحقّ أن دار الرّباب تباعدت

أو انبتّ أنّ قلبك طائر

(١٠) بعد لا جرم نحو قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ)(٢) ومعناها : لقد حقّ أنّ لهم النار ، وهناك كثير من التّعابير بمعنى حقّا تفتح أنّ بعدها ، فتقول مثلا : «أمّا جهد رأيي فأنّك ذاهب» ونحو «شدّ ما أنّك ذاهب» هذا بمنزلة : حقّا أنّك ذاهب ، وتقول : «أمّا أنّك ذاهب» بمنزلة حقّا أنّك ذاهب ، ومثل ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٣). وتقبل همزة «إنّ» الفتح والكسر في مواضع (انظر إنّ وأخواتها).

وقد تخفف «أنّ» فتكون مخفّفة من الثقيلة (انظر إن المخففة من الثقيلة).

أنّ حذف حرف الجر قبلها قياسا (انظر اللازم ٤).

أنّ باعتبارها مصدرية (١ و ٢) (انظر الموصول الحرفي).

أنا ضمير منفصل للمتكلّم وحده خاصّ بالرفع (انظر الضمير).

إنّه ـ من أحرف الجواب ، فهو بمنزلة : أجل ، وإذا وصلت قلت : «إنّ يا هذا» قال عبد الله بن قيس الرّقيّات :

بكر العواذل في الصّبو

ح يلمنني وألومهنّه

ويقلن شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت إنّه (٤)

(انظر أحرف الجواب)

أنّى الاستفهاميّة :

تأتي بمعنى «من أين» نحو : (أَنَّى لَكِ هذا)(٥) أي من أين لك هذا وتأتي بمعنى «كيف» نحو : (أَنَّى شِئْتُمْ)(٦).

والمعنى : كيف شئتم ومتى شئتم وحيث شئتم فتكون «أنّى» على أربعة معان.

__________________

(١) الآية «٧» من سورة الأنفال «٨».

(٢) الآية «٦٢» من سورة النحل «١٦».

(٣) الآية «٢٣» من سورة الذاريات «٥١».

(٤) أو معناه : إنه الشيب. على حذف الخبر المفهوم من السياق.

(٥) الآية «٣٧» من سورة ال عمران «٣».

(٦) الآية «٢٢٣» من سورة البقرة «٢».

١٠٥

أنّى الشرطيّة :

هي من أدوات المجازاة ، وهي اسم شرط جازم يجزم بها فعلان ، وهي من ظروف المكان بمعنى «أين». واستشهد عليها سيبويه بقول لبيد :

فأصبحت أنّى تأتها تلتبس بها

كلا مركبيك تحت رجليك شاجر (١)

(انظر جوازم المضارع ٣).

أنبأ : من الأفعال التي تتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل تقول : «أنبأت زيدا أخاه قادما.

وقال الأعشى ميمون بن قيس :

وأنبئت قيسا ولم أبله

 ـ كما زعموا ـ خير أهل اليمن

(انظر المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل).

أنت :

وفروعها : أنتما أنتم أنتنّ ضمائر رفع منفصلة. (انظر الضمير ٥).

أنشأ :

فعل ماض يدلّ على الشروع ، وهي من النّواسخ ، يعمل عمل «كان» إلّا أنّ خبرها يجب أن يكون جملة فعليّة مشتملة على فعل مضارع فاعله ضمير يعود على الاسم ، مجرّد من «أن» (٢) وهي ملازمة للماضي نحو «أنشأ خالد يبني بيته» فكلمة «يبني» مضارع وفاعلها ضمير يعود على الاسم وهو خالد.

أنّما : كلّ موضع تقع فيه : «أنّ» تقع فيه أنّما وما ابتدىء بعدها صلة لها ـ ولا تكون هي عاملة فيما بعدها ، كما لا يكون الذي عاملا فيما بعده فمن ذلك قوله عزوجل : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(٣) وقال الشاعر ابن الإطنابة :

أبلغ الحارث بن ظالم المو

عد والناذر النّذور عليّا

أنّما تقتل النّيام ولا تق

تل يقظان ذا سلاح كمّيا

فإنّما وقعت «أنّما» ههنا لأنّك لو قلت : «يوحى إليّ أنّ إلهكم إله واحد» و «أنّك تقتل النّيام كان حسنا» وإن شئت قلت : إنما تقتل النّيام ، على الابتداء.

إنّما : أصلها «إنّ» ودخلت عليها «ما» الزّائدة فكفّتها عن العمل ، واختلف معناها ، وهي لتحقيق الشيء على وجه مع نفي غيره عنه ، وهذا معنى الحصر.

يقول سيبويه : واعلم أنّ الموضع الذي لا يجوز فيه «أنّ» لا تكون فيه «إنما» ويقول : ولا تكون إلا مبتدأة ، قال كثّير :

__________________

(١) معنى تلتبس : تنشب ، شاجر ، مضطرب. قال ابن السيد : العرب تشبه التّنشّب في العظائم بالرّكوب على المراكب الصّعبة.

(٢) ذلك لأن أفعال الشروع للحال و «أن» للاستقبال.

(٣) الآية «١١٠» من سورة الكهف.

١٠٦

أراني ولا كفران لله إنما

أواخي من الأقوام كلّ بخيل

أها : حكاية صوت الضّحك ، عن ابن الأعرابي وأنشد :

أها أها عند زاد القوم ضحكتهم

وأنتم كشف عند الوغى خور

أهلا وسهلا : كلمتا ترحيب والأصل فيهما : أصبت أهلا لا غرباء ووطئت سهلا ، وهما في محلّ نصب مفعول لفعل محذوف.

أو :

١ ـ حرف عطف ، وهي لأحد الأمرين عند شكّ المتكلّم أو قصده أحدهما ، فالأوّل وهو الشّكّ نحو «جاءني رجل أو امرأة».

والثاني وهو قصد أحد الأمرين ويكون بعد الطّلب نحو «تزوّج هندا أو أختها» أي لا تجمع بينهما ولكن اختر أيّهما شئت ، وكذلك اعطني دينارا أو اكسني ثوبا.

ويكون لها أيضا موضع آخر وهو الإباحة ، وذلك قولك : «جالس الحسن أو ابن سيرين» أي قد أذنت لك في مجالسة هذا النوع من الناس ، فإن نهيت عن هذا قلت : لا تجالس زيدا أو عمرا ، أي لا تجالس هذا الضّرب من الناس ، وعلى هذا قول الله عزوجل : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(١).

وتأتي «أو» للشّكّ أو الإبهام على المخاطب ، نحو : (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢) ، أو للتّفضيل نحو : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى)(٣) أو «للتّقسيم» نحو «الكلمة :

اسم أو فعل أو حرف» ، وتكون بمعنى «الواو» عند أمن اللّبس كقول حميد بن ثور الهلالي الصّحابي :

قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره أو سافع (٤)

٢ ـ وقد تكون «أو» للإضراب ك «بل وذلك بشرطين : تقدّم نفي أو نهي وإعادة العامل نحو «ما غاب علي أو غاب محمّد» ونحو «لا يقم زيد أو لا يقم عمرو» وقال قوم (٥) : تأتي للإضراب مطلقا احتجاجا بقول جرير :

ماذا ترى في عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

__________________

(١) الآية «٢٤» من سورة الدهر «٧٦».

(٢) الآية «٢٤» من سورة سبأ «٣٤».

(٣) الآية «١٣٥» من سورة البقرة «٢».

(٤) الصريخ : المستغيث ، السافع : الآخذ بناصية فرسه ، «أو» هنا بمعنى الواو ، لأن «بين» لا يعطف فيها إلّا بالواو.

(٥) هم الكوفيون وأبو علي الفارسي.

١٠٧

لو لا رجاؤك قد قتّلت أولادي

أو : ينتصب المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد «أو» تقول : «لألزمنّك أو تعطيني حقّي» كأنّه يقول : ليكوننّ اللّزوم أو أن تعطيني. ومعنى ما انتصب بعد «أو» على «إلّا أن» وعلى هذا قول امرىء القيس :

فقلت له لا تبك عينك إنّما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

وقال زياد الأعجم :

وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

والمعنى في البيتين : إلّا أن نموت فنعذر ، وكسرت كعوبها إلّا أن تستقيما (١).

وقال سيبويه : ولو رفعت لكان عربيّا جائزا على وجهين : على أن تشرك بين الأوّل والآخر ، وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعا من الأوّل ، وعلى هذا فيكون تأويل قول امرىء القيس : أو نحن ممّن يموت فيعذر وقال عزوجل : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ)(٢). إن شئت على الإشراك ـ أي بأن تعطف ب «أو» يسلمون على تقاتلونهم ـ وإن شئت على تقدير : أو هم يسلمون.

وكلمة «أو» إذا كانت للشّك ، أو للتّقسيم ، أو التّفصيل ، أو الإبهام ، أو التسوية ، أو التّخيير ، أو بمعنى «بل» أو «إلى» أو «إلّا» أو «كيف» أو «الواو» كانت عاطفة ساكنة.

وإذا كانت للتّقرير أو التّوضيح ، أو الرّدّ ، أو الإنكار ، أو الاستفهام ، كانت مفتوحة كقوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣).

أوشك :

١ ـ كلمة تدلّ على قرب الخبر ، وهي فعل ماض من النّواسخ تعمل عمل «كان» إلّا أنّ خبرها يجب أن يكون جملة فعلية مشتملة على مضارع يغلب فيه الاقتران ب «أن» وفاعله ضمير يعود على الاسم نحو قول الشاعر :

ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا

ويستعمل لأوشك : الماضي والمضارع وهو أكثر استعمالا من ماضيها ، واستعمل لها اسم فاعل وهو نادر وذلك كقول كثّير عزّة :

__________________

(١) هذا البيت من أبيات ثلاثة قافيتها مكسورة الآخر إلّا البيت الشّاهد ففيه إقواء على الرفع وسيبويه روى البيت بالنصب وجعله شاهدا عليه.

(٢) الآية «١٦» من الفتح «٤٨».

(٣) الآية «١٠٤» من سورة المائدة «٥».

١٠٨

فإنّك موشك ألّا تراها

وتعدو دون غاضرة العوادي (١)

٢ ـ وقد تأتي «أوشك وعسى واخلولق» تامّات ، وذلك بجواز إسنادهنّ إلى «أن يفعل» ولا تحتاج إلى خبر منصوب نحو «أوشك أن يحضر المعلم الدرس» وينبني على هذا حكمان (انظر أفعال المقاربة).

أوّل : أوّل الشيء : جزؤه الأسبق وهو «أفعل» ومؤنّثه «أولى» وله استعمالان :

(أحدهما) أن يكون اسما فينصرف ، ومنه قولهم «ماله أول ولا آخر» وهذا ـ كما قال أبو حيان ـ يؤنث بالتاء فتقول : «أوّلة وآخرة» بالتنوين.

(الثاني) أن يكون صفة على وزن «أفعل» تفضيل ، من دخول «من» عليه ، ومنع الصرف وعدمه.

أمّا إعرابه فله جميع أحوال أسماء الجهات ، (انظر قبل).

الأولى : مقصورا بدون مدّ الواو ـ اسم موصول لجمع المذكّر العاقل كثيرا ، ولغيره قليلا قال الشاعر :

رأيت بني عمّي الأولى يخذلونني

على حدثان الدّهر إذ يتقلّب

ومن وقوعها لغير العاقل قول الشّاعر :

تهيّجني للوصل أيّامنا الأولى

مررن علينا والزّمان وريق

أولات : بمعنى صاحبات ملحق بجمع المؤنّث السّالم ويعرب إعرابه.

(انظر الجمع بألف وتاء مزيدتين ٦ و ٧).

أولو : جمع بمعنى ذوو أي أصحاب لا واحد له ، وقيل : اسم جمع واحده «ذو» بمعنى صاحب وهو من حيث إعرابه بالحروف ملحق بجمع المذكّر السالم.

(انظر جمع المذكّر السالم).

أولاء : اسم إشارة لجمع المذكّر العاقل وقد يكون لغير العاقل وقد تسبقه «ها» للتّنبيه إن لم تكن كاف الخطاب تقول :

هؤلاء ، وأولئك. (انظر اسم الإشارة).

أوليّاء : تصغير «أولاء» (انظر التصغير ١٤).

أوليّا : تصغير «أولى» (انظر التصغير ١٤).

أوّه : اسم فعل مضارع بمعنى أشكو وأتوجّع نحو «أوّه من تساهلك» (انظر اسم الفعل ٣).

إي : حرف جواب بمعنى «نعم» ويقال بمعنى «بلى» فيكون جوابا لتصديق المخبر ولإعلام المستخبر ولوعد الطّالب ولا تقع إلّا قبل القسم نحو «إي والله»

__________________

(١) غاضرة : جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان ، العوادي : عوائق الدهر.

١٠٩

وإن شئت قلت «إي الله لأفعلنّ» أي والله ، ونصبت بنزع الخافض وهو واو القسم ، ولا يستعمل فعل القسم بعد «إي» فلا يقال : «إي أقسمت بربّي» ولا يكون المقسم به بعدها إلّا «الرّب ، والله ولعمري» وفي ياء «إي» من «إي الله» ثلاثة أوجه : حذفها للسّاكنين وفتحها تبيينا لحرف الإيجاب ، وإبقاؤها ساكنة مع الجمع بين ساكنين.

أي :حرف تفسير المفردات ، تقول : «عندي عسجد أي ذهب» وما بعدها عطف بيان على ما قبلها ، أو بدل ، لا عطف نسق ، وتقع تفسيرا للجمل أيضا كقوله :

وترمينني بالطّرف أي أنت مذنب

وتقلينني لكنّ إيّاك لا أقلي (١)

وإذا وقعت بعد كلمة «تقول» وقبل فعل مسند للضّمير حكي الضّمير نحو «تقول استكتمته الحديث أي سألته كتمانه» بضم التاء من سألته ولو جئت ب «إذا» التّفسيريّة فتحت التاء فقلت : «إذا سألته».

أي : حرف نداء للقريب وقيل للبعيد (٢). قال كثيرّ :

ألم تسمعي أي عبد في رونق الضّحا

بكاء حمامات لهنّ هدير

أيّ : أداة تأتي على ستّة أوجه :

١ ـ الاستفهام ، ٢ ـ التّعجب.

٣ ـ الشّرط.

٤ ـ الكمال.

٥ ـ الموصول.

٦ ـ النّداء ، وهاكها مرتّبة على هذا النّسق.

أيّ الاستفهاميّة : يستفهم بها عن العاقل وغيره وتقع على شيء هي بعضه ، لا تكون إلّا على ذلك في الاستفهام ، نحو «أيّ إخوتك زيد» فزيد أحدهم.

ويطلب بها تعيين الشّيء ، وتضاف إلى النكرة والمعرفة نحو : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها)(٣). (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ)(٤). ولا بدّ في كلّ ما وقعت عليه «أيّ» الاستفهاميّة من أن يكون تفسيره بهمزة الاستفهام و «أم» فتفسير «أيّ أخويك زيد» أهذا أم هذا أم غيرهما. وقد تقطع عن الإضافة مع نيّة المضاف إليه ، وحينئذ تنّون نحو «أيّا من

__________________

(١) لكن : أصلها هنا : لكن أنا على حد قوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) أي لكن أنا.

(٢) هذا ما يقوله أكثر النحاة ، وفي اللسان : وأي : حرف ينادى به القريب دون البعيد.

(٣) الآية «٣٨» من سورة النمل «٢٧».

(٤) الآية «٦» من سورة الجاثية «٤٥».

١١٠

النّاس تصادق؟» و «أيّ» الاستفهاميّة لا يعمل فيها ما قبلها ، وإنما يمكن أن يعمل فيها ما بعدها قال الله عزوجل : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً)(١). فأيّ : رفع بالابتداء ، وأحصى هي الخبر ، وقال تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(٢) فـ «أيّ» هنا مفعول مطلق ل «ينقلبون» التّقدير ينقلبون انقلابا أيّ انقلاب ، فعمل فيها ما بعدها.

أيّ التّعجّبيّة : هي التي يراد بها التّعجّب كقولك : «أيّ رجل خالد».

و» أيّ (٣) جارية زينب» ولا يجازى ب «أيّ» التّعجّبيّة.

أيّ الشّرطيّة : اسم مبهم فيه معنى المجازاة ويجزم فعلين ، ويضاف إلى المعرفة والنّكرة نحو : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ)(٤). و «أيّ إنسان جاءك فاخدمه».

وقد تقطع عن الإضافة لفظا مع نيّة المضاف إليه ، وإذ ذاك تنوّن نحو : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٥).

ويجوز أن تقترن ب «ما» كما في الآية وتعرب بالحركات الثّلاث على حسب العوامل المؤثّرة فيها.

وقد يدخل عليها حرف الجرّ فلا يغيّرها عن المجازاة نحو «على أيّ دابّة أحمل أركب» وقد تكون «أيّ» الشّرطيّة بمنزلة «الذي» إذا قصدت بها ذلك فيرفع ما بعدها ، تقول : «أيّها تشاء أعطيك».

أيّ الكماليّة : وهي الدّالة على معنى الكمال ، فتقع صفة للنّكرة نحو «عمر رجل أيّ رجل» أي كامل في صفات الرّجال. وحالا للمعرفة ك «مررت بعبد الله أيّ رجل» ، ولا تضاف إلّا إلى النّكرة لزوما.

أيّ الموصولة : تأتي بمعنى «الّذي» وهي و «الذي» عامّتان تقعان على كلّ شيء ، ولا بدّ لها كغيرها من أسماء الموصول من صلة وعائد وقد يقدّر العائد وهي معربة تعتريها الحركات الثّلاث ، إلّا في صورة

__________________

(١) الآية «١٢» من سورة الكهف» «١٨».

(٢) الآية «٢٢٧» من سورة الشعراء «٢٦».

(٣) من غير تاء التأنيث ، وفي اللسان : إذا أفردوا «أيا» ـ أي لم يضيفوها ثنوها وجمعوها وأنثوها فقالوا : «أية» وأيّتان وأيّات ، وإذا أضافوها إلى ظاهر أفردوها وذكروها فقالوا «أي الرجلين» و «أي المرأتين» و «أي الرجال» و «أي النساء» وإذا أضافوا إلى المكني ـ أي الضمير ـ المؤنث ذكروا وأنثوا فقالوا : «أيهما وأيتهما».

(٤) الآية «٢٨» من سورة القصص «٢٨».

(٥) الآية «١١٠» من سورة الإسراء «١٧».

١١١

واحدة تكون فيها مبنيّة على الضمّ (١) ، وذلك إذا أضيفت وحذف صدر صلتها نحو : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا)(٢) والتّقدير : أيّهم هو أشدّ.

ولا تضاف الموصولة إلى معرفة وقد تقطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه ، وإذ ذاك تنوّن نحو «يعجبني أيّ هو يعلّمني». ولا تستعمل الموصولة مبتدأ ، ولا يعمل فيها إلّا عامل مستقبل متقدّم عليها كما في الآية

أيّ النّدائيّة : تكون «أيّ» وصلة إلى نداء ما فيه «أل» يقال «يا أيّها الرّجل» و «يا أيّها الّذين آمنوا». ويجوز أن تؤنّث مع المؤنّث فتقول : «أيّتّها المرأة».

وإنّما كانت «أيّ» وصلة لأنّه لا يقال «يا الرجل» أو «يا الذي» أو «يا المرأة» و «أيّ هذه : اسم مبهم مبني على الضّمّ لأنّه منادى مفرد ، و «ها» لازمة لأيّ للتّنبيه ، وهي عوض من الإضافة في «أي» و «الرّجل» صفة لازمة ل «أيّ» ، ولا بدّ من أن تكون هذه الصّفة فيها «أل».

أيا : من حروف النّداء ينادى بها القريب والبعيد والأكثر أنها للبعيد أو للنّائم المستثقل لأنّها لمدّ الصّوت.

(انظر النداء).

أيّاك وأن تفعل : لا يقال إيّاك أن تفعل بلا واو ، قال ابن بري : الممتنع عند النحويين «إيّاك الأسد» لا بدّ في مثله من الواو ، فأمّا «إيّاك أن تفعل» فجائز على أن تجعله مفعولا من أجله ، أي مخافة أن تفعل ، وعند اللّغويّين لا بدّ في مثل هذا من الواو ، والعلة في ذلك : أنّ لكلّ من إيّاك والاسم فعلا ينصبه مقدّرا غير فعل صاحبه وهو معطوف عليه بالواو فإذا قلنا :

«إياك والشّرّ» فالتّقدير : احفظ نفسك واتّق الشّرّ (٣).

إيّاك ضمير نصب منفصل : تتّصل به ضمائر لتمييز صاحب الضمير نحو : «إيّاك إيّاك إيّاكما إيّاكم إيّاكنّ إلخ ..» وهذه الضّمائر الملحقة حروف وهنالك من يرى أنّها كلّها ضمير ، و «إيّاك» في «رأيتك إيّاك» بدل وفي «رأيتك أنت» تأكيد كما يقول سيبويه. (انظر الضمير ٥).

إيّاك : تأتي بمعنى احذر ، وإيّاك : نحّ ،

__________________

(١) هذا قول سيبويه ، وعليه أكثر النحاة البصريين ، وعند الخليل ويونس ، والأخفش والزجّاج والكوفيين أن «أيّ» الموصولة معربة مطلقا أضيفت أم لم تضف ، ذكر صدر صلتها أم حذف كالشّرطية والاستفهامية.

(٢) الآية «٦٩» من سورة مريم «١٩».

(٣) هذا كلام الجواليقي في شرح أدب الكاتب.

١١٢

وإيّاك : باعد ، وإيّاك : اتّق ، وما أشبه ذا ، وإيّاك هذا لا يجوز فيه إظهار فعله.

أيّان :

من أدوات المجازاة الجازمة لفعلين ، وهي ظرف زمان تضمّن معنى الشرط نحو : «أيّان تقرأ أقرأ» ولم يذكر سيبويه ولا المبرد «أيّان» في أدوات المجازاة ، وقال ابن سيده :

أيّان بمعنى «متى» فينبغي أن تكون شرطا ، قال : ولم يذكرها أصحابنا في الظّروف المشروط بها مثل متى وأين (انظر جوازم المضارع ٧).

أيّان الاستفهاميّة : معناها أيّ حين وهو سؤال عن زمان مثل «متى» قال أبو البقاء : «أيّان» يسأل به عن الزّمان المستقبل ، ولا يستعمل إلّا فيما يراد تضخيم أمره وتعظيم شأنه ، نحو : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ)(١).

إيّاي وإيّانا : ضميرا نصب منفصل (انظر الضمير ٥).

أيضا : مصدر «آض» بمعنى عاد ورجع ، ولا يستعمل إلّا مع شيئين بينهما توافق ، ويمكن استغناء كلّ منهما عن الآخر نحو : «أكرمني خالد ومنحني محمد أيضا». فلا يقال : «جاء زيد أيضا» ولا «جاء بكر ومات أيضا» ولا «اختصم زيد وعمرو أيضا».

وإعرابه : مفعول مطلق حذف عامله وجوبا سماعا.

ايم الله : أصلها : ايمن الله (٢). ثم كثر في كلامهم وخفّ على ألسنتهم حتى حذفوا النّون كما حذفوها من «لم يكن» فقالوا : «لم يك» وربّما حذفوا منه الياء ، فقالوا : «أم الله» وربّما أبقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا : «م الله ليفعلنّ كذا» وهو اسم وضع للقسم ، وهمزته في الأصل للقطع ، ثم أصبحت بكثرة الاستعمال همزة وصل.

ايمن الله : اسم وضع للقسم ، وهو بضم الميم والنّون ، وألفه ألف وصل ، واشتقاقه من اليمن والبركة كما يقول سيبويه ، ولم يجىء في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها.

وقد تدخل عليه اللام لتأكيد الابتداء تقول : «ليمن الله» فتذهب الألف في الوصل (٣) قال نصيب :

__________________

(١) الآية «٦» من سورة القيامة «٧٥».

(٢) انظر «أيمن الله» بعدها.

(٣) وقال الفراء : هي ألف قطع ، وهي جمع يمين يقال : «يمين الله وأيمن الله» وقال زهير :

فتؤخذ أيمن منّا ومنكم

بمقسمة نمور بها الدّماء

وإلى هذا القول ذهب أبو إسحاق الزّجاج.

١١٣

فقال فريق القوم لمّا نشدتهم

نعم ، وفريق : ليمن الله ما ندري

وهو مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف ، والتّقدير : ليمن الله قسمي.

أين الاستفهاميّة : اسم استفهام عن مكان ، وهي مغنية عن الكلام الكثير ، وذلك أنّك إذا قلت : «أين بيتك». أغناك عن ذكر الأماكن كلّها ، وهو سؤال عن المكان الّذي حلّ فيه الشيء ، وإذا دخلته «من» كان سؤالا عن مكان بروز الشيء تقول : «من أين قدمت» وهو مبنيّ على الفتح في الحالات كلّها.

أين الشّرطيّة : من أدوات المجازاة ولا تكون إلّا للمكان ، وتجزم فعلين ملحقة ب «ما» أو مجرّدة منها ، نحو : «أين تقف أقف» و «أينما تذهب أذهب» ولا يقال : «أين يكن أكن» بل يقول : «أين يكن زيد أكن» بإظهار الفاعل لأنّ الظروف التي لا تكون فاعلة إذا ذكرتها لم يكن بدّ من ذكر الفاعل معها نحو قول همّام السّلولي :

أين تضرب بنا الغداة تجدنا

نصرف العيس نحوها للتّلاقي

(انظر جوازم الفعل ٣).

أينما الشّرطيّة :

هي أين بزيادة «ما» الزائدة وتعمل عملها نحو قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)(١).

إيه : اسم فعل أمر ، ومعناه : الاستزادة من حديث معهود ، وإذا نوّنته كان للاستزادة من حديث مّا ، وفي الصحاح :

إذا قلت : إيه يا رجل فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما ، كأنّك قلت : هات الحديث وإن قلت إيه بالتنوين ، فكأنك قلت : هات حديثا مّا.

(انظر اسم الفعل).

إيها : اسم فعل أمر بمعنى كفّ واسكت يقال : إيها عنّا أي كفّ واسكت.

(انظر اسم الفعل).

أيّها : (انظر أيّ الندائية).

__________________

(١) الآية «٧٨» من سورة النساء «٤».

١١٤

باب الباء

الباء : من حروف الجرّ ، وتجرّ الظّاهر والمضمر نحو (آمَنُوا بِاللهِ)(١)(آمَنَّا بِهِ)(٢) ولها أربعة عشر معنى وهي :

١ ـ الاستعانة ، وهي الدّاخلة على آلة الفعل نحو «كتبت بالقلم».

٢ ـ التّعدية ، نحو (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)(٣) أي أذهبه.

٣ ـ التّعويض أو المقابلة نحو «بعتك هذا الثّوب بهذه الدّنانير».

٤ ـ الإلصاق ، حقيقة أو مجازا نحو «أمسكت بزيد» ونحو «مررت به» والمعنى : ألصقت مروري بمكان يقرب منه ، وهذا المعنى مجازي.

٥ ـ التّبعيض ، نحو (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ)(٤) ونحو (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(٥).

٦ ـ المجاوزة ، نحو (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)(٦) أي عنه ، ومثله قول علقمة بن عبدة :

فإن تسألوني بالنّساء فإنّني

بصير بأدواء النّساء طبيب

٧ ـ المصاحبة ، نحو : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ)(٧) أي معه.

٨ ـ الظّرفيّة ، نحو : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ)(٨) أي فيه ، ونحو : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(٩) أي في سحر.

٩ ـ البدل ، كقول رافع بن خديج : «ما يسرّني أنّي شهدت بدرا بالعقبة» أي بدلها.

١٠ ـ الاستعلاء ، نحو : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ)(١٠). أي على قنطار.

__________________

(١) الآية «٦٢» من سورة النور «٢٤».

(٢) الآية «٧» من سورة آل عمران «٣».

(٣) الآية «١٧» من سورة البقرة «٢».

(٤) الآية «٦» من سورة الدهر «٧٦».

(٥) الآية «٧» من سورة المائدة «٥».

(٦) الآية «٥٩» من سورة الفرقان «٢٥».

(٧) الآية «٦١» من سورة المائدة «٥».

(٨) الآية «٤٤» من سورة القصص «٢٨».

(٩) الآية «٣٤» من سورة القمر «٥٤».

(١٠) الآية «٧٥» من سورة آل عمران «٣».

١١٥

١١ ـ السّببيّة ، نحو : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ)(١).

١٢ ـ الزّائدة ، وهي للتّوكيد ، نحو : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٢) ، (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(٣).

١٣ ـ الغاية ، نحو : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي)(٤) أي إليّ ، ودخول «ما» الزّائدة عليها لا تكفّها عن العمل ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٥) (انظر الجار والمجرور).

١٤ ـ القسم ، والباء هي أصل أحرف القسم الثلاثة «الباء ، والواو ، والتاء». ولذلك خصّت بجواز ذكر الفعل معها نحو : «أقسم بالله لتفعلنّ» وجواز دخولها على الضمير نحو «بك لأفعلنّ» وجواز استعمالها في القسم الاستعطافي نحو : «بالله هل تشفع لي» أي أسألك بالله مستعطفا ، وهي من حروف الجر ، وتجرّ المقسم به.

الباء المحذوفة : قد تحذف الباء ، فينتصب المجرور بعدها على المفعول به ، لأنه نزع الخافض ، ووصل الفعل بمفعوله نحو قوله تعالى : (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ)(٦) أي بربهم. ومثله : «أمرتك الخير» والأصل : بالخير.

بات : ومعناها (٧) «سهر اللّيل كلّه في طاعة أو معصية» وقال الزّجّاج : كلّ من أدركه اللّيل فقد بات نام أو لم ينم ، وهي من أخوات «كان» تامّة التصرّف :

١ ـ وتستعمل ماضيا ومضارعا وأمرا ومصدرا نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً)(٨). وتشترك مع كان في أحكام. (انظر كان وأخواتها).

٢ ـ وقد تأتي «بات» تامّة فتكتفي بمرفوعها وهو فاعل لها ، وذلك إذا كانت بمعنى عرّس أي استراح ليلا نحو قول عمر : «أمّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد بات بمنى» أي عرّس بها ، وقول أمرىء القيس :

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذي العائر الأرمد (٩)

وقالوا : «بات بالقوم» أي نزل بهم ليلا.

بادىء بدء : ومثله : بادىء ذي بدء (١٠) ، أي

__________________

(١) الآية «١٥٥» من سورة النساء «٤».

(٢) الآية «٧٩» من سورة النساء «٤».

(٣) الآية «١٩٥» من سورة البقرة «٢».

(٤) الآية «١٠٠» من سورة يوسف «١٢».

(٥) الآية «١٥٩» من سورة آل عمران «٣».

(٦) الآية «٦٨» من سورة هود «١١».

(٧) كما يقول الفراء.

(٨) الآية «٦٤» من سورة الفرقان «٢٥».

(٩) «بات» الأولى تامة بمعنى عرّس ونزل ليلا والثانية ناقصة بمعنى صار «العائر» اسم فاعل من العور : وهو القذى أو الرمد في العين تدمع له.

(١٠) وهناك ألفاظ كثيرة غيرهما انظرها في القاموس.

١١٦

أول شيء ، وفي اللسان : أي أوّل أوّل ، فـ «بادىء» منصوب على الظرفية ، و «بدء» أو «ذي» مجرور بالإضافة. وقيل : يصحّ جعله حالا من الفاعل.

بئس : (انظر نعم وبئس).

البتّة : تقول لا أفعله البتّة كأنه قطع فعله ، والبتّ : القطع ومذهب سيبويه وأصحابه : لا يستعمل إلّا بالألف واللّام لا غير ، وأجاز الفرّاء الكوفي وحده تنكيره فأجاز «لا أفعله بتّة» وإعراب «البتّة» : مصدر مؤكّد.

بجل :

١ ـ بمعنى حسب ، وهي ساكنة أبدا ، يقولون : «بجلك» كما يقولون : «قطك» إلّا أنّهم لا يقولون : «بجلني» كما يقولون : «قطني» ولكن يقولون : «بجلي» محرّكة الجيم ، و «بجلي» ساكنة الجيم أي حسبي ، قال لبيد :

فمتى أهلك فلا أحفله

بجلي الآن من العيش بجل

ومنه قول الشاعر في يوم الجمل :

نحن بني ضبّة أصحاب الجمل

ردّوا علينا شيخنا ثمّ بجل

أي ثم حسب ، وهو اسم فعل مضارع بمعنى يكفي.

٢ ـ وقد تأتي «بجل» حرف جواب بمعنى «نعم» هكذا قيل.

بخ : اسم فعل مضارع يقال عند المدح والرّضا بالشّيء ، ويكرّر للمبالغة فإن وصلت كسرت ونوّنت فتقول : «بخ بخ».

بدأ : فعل ماض من أفعال الشّروع يعمل عمل كان نحو «بدأ الجيش يزحف».

ويجب أن يكون خبرها جملة من مضارع ، وفاعله يعود على الاسم ، وقد تأتي تامة إذا كان المعنى مجرّد البدء.

البدل (١) :

١ ـ تعريفه :

هو تابع ، بلا واسطة عاطف ، مقصود وحده بالحكم ، والمتبوع ذكر توطئة له ، ليكون كالتّفسير بعد الإبهام ولا يتبيّن البدل بغيره ، لا تقول : «رأيت زيدا أباه» والأب غير زيد ، ويصحّ أنّ يوافق البدل المبدل منه ويخالفه في التّعريف والتّنكير ، فيصحّ عند البصريين إبدال المعرفة من النّكرة ، والنّكرة من المعرفة ، والمعرفة من المعرفة ، أمّا الأول كقولك : مررت برجل زيد ، ومثله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ)(٢) ، وأمّا الثّاني فنحو مررت

__________________

(١) ويسميه الكوفيون : تكريرا كما نقل عنهم ابن كيسان ، ونقل الأخفش : أنهم يسمونه الترجمة والتبيين.

(٢) الآية «٥٢ ـ ٥٣» من سورة الشورى «٤٢».

١١٧

بزيد رجل صالح ، ومثله : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ)(١) والثالث نحو (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(٢).

٢ ـ أقسامه :

البدل أربعة أقسام :

أ ـ بدل كلّ من كلّ ويسمّى المطابق.

ب ـ بدل بعض من كل.

ج ـ بدل الاشتمال.

د ـ البدل المباين ، وهاك بيانها :

(أ) بدل كلّ من كلّ أو المطابق ، هو بدل الشّيء ممّا يطابق معناه ، نحو : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(٣) ، ونحو : «رأيت زيدا أخا عمرو» ، وأخا عمرو تصحّ بدلا وصفة.

(ب) بدل بعض من كل :

هو بدل الجزء من كلّه قلّ أو كثر أو ساوى ، يقول سيبويه في بدل البعض : وهو أن يتكلم فيقول : «رأيت قومك» ثم يبدو له أن يبيّن ما الّذي رأى منهم ، فيقول : ثلثيهم ناسا منهم. ولا بدّ من اتّصاله بضمير يرجع على المبدل منه ، إمّا مذكور نحو «أكلت الرّغيف نصفه» أو مقدّر نحو : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٤) أي من استطاع منهم.

(ج) بدل الاشتمال :

هو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه إجمالا لأنّه يقصد قصد الثّاني ولا بدّ فيه من ضمير كسابقه ، إمّا مذكور نحو : «سلب زيد ثوبه» ، لأنّ معنى سلب : أخذ ثوبه ومثله : «سرّني الحاكم إنصافه» أو مقدّر نحو قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ)(٥) أي النار فيه ، ومثل ذلك قول الله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(٦).

(د) البدل المباين :

هو ثلاثة أقسام ، وتنشأ هذه الأقسام من كون المبدل منه قصد أولا ، لأنّ البدل لا بدّ أن يكون مقصودا فالمبدل منه إن لم يكن مقصودا البتة ـ وإنما سبق اللسان إليه ـ فهو «بدل غلط» أي بدل سببه الغلط ، لا أنه نفسه غلط.

وإن كان مقصودا ، فإن تبيّن بعد ذكره فساد قصده ، فـ «بدل نسيان» أي بدل شيء ذكر نسيانا ، وإن كان قصد كلّ واحد من المبدل منه والبدل صحيحا

__________________

(١) الآية «١٥ ـ ١٦» من سورة العلق.

(٢) الآية «٥» من فاتحة الكتاب «١».

(٣) الآية «٦» من سورة الفاتحة «١».

(٤) الآية «٩٧» من سورة آل عمران «٣».

(٥) الآية «٤ ـ ٥» من سورة البروج «٨٥».

(٦) الآية «٢١٧» من سورة البقرة «٢».

١١٨

ف «بدل الإضراب» فإذا قلت : «اشتريت لحما خبزا» فهذا صالح للثّلاثة بالقصد ، والأحسن أن يؤتى لهذه الأنواع ب «بل».

٣ ـ توافق البدل والمبدل منه وعدم توافقه.

لا يجب توافق البدل والمبدل منه تعريفا وتنكيرا ، فتارة يكونان معرفتين ، نحو : «جاء أخوك عليّ» وأخرى نكرتين نحو : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدائِقَ)(١) ، أو مختلفتين نحو : (إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِراطِ اللهِ)(٢) ، (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ)(٣) وقد تقدم.

وأمّا الإفراد والتّذكير وأضدادهما فيجب التّوافق فيها إن كان بدل كلّ ، إلّا إن كان أحدهما مصدرا ، أو قصد التّفصيل ، فلا يثنّى ولا يجمع نحو (مَفازاً حَدائِقَ) وقول كثّير عزّة :

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت

وإن كان غير «بدل كل» لم يجب التّوافق نحو «سرّني العلماء كتابهم».

«أكلت التّفاحة ثلثيها».

٤ ـ الإبدال من الضّمير :

لا يبدل مضمر من مضمر ، ولا يبدل مضمر من ظاهر هذا عند الأكثرين (٤) ، ويجوز العكس أي الظاهر من مضمر مطلقا إن كان الضمير لغائب نحو : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٥) بشرط أن يكون بدل بعض نحو : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(٦). وقول غويل بن فرج :

أوعدني بالسّجن والأداهم

رجلي ، ورجلي شثنة المناسم (٧)

أو بدل اشتمال كقول النابغة الجعدي :

بلغنا السّماء مجدنا وسناؤنا

وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا (٨)

__________________

(١) الآية «٣١ ـ ٣٢» من سورة النبأ «٧٨».

(٢) الآية «٥٢ ـ ٥٣» من سورة الشورى «٤٢».

(٣) الآية «١٥ ـ ١٦» من سورة العلق «٩٦».

(٤) أمّا سيبويه فيقول : «فإن أردت أن تجعل مضمرا بدلا من مضمر ، قلت : «رأيتك إيّاه» و «رأيته إيّاه» ويقول : «واعلم أنّ هذا المضمر يجوز أن يكون بدلا من المظهر» كأنك قلت : «رأيت زيدا» ثم قلت «إياه رأيت» ومثّل المبرّد بقوله : «زيد مررت به أخيك».

(٥) الآية «٣» من سورة الأنبياء «٢١».

(٦) الآية «٢١» من سورة الأحزاب «٣٣».

(٧) الأداهم : جمع أدهم وهو القيد ، المناسم : جمع منسم : وهو خف البعير ، استعير للإنسان ، وشثنة المناسم : أي غليظتها ، والشاهد فيه «رجلي» فإن بدل بعض من الياء في أوعدني.

(٨) هذا البيت من قصيدة أنشدها بين يدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغضب وقال إلى أين المظهر يا أبا ليلى ، فقال : الجنة ، فقال : أجل إن شاء الله ، الشاهد : قوله «مجدنا» فإنه بدل اشتمال من الضمير المرفوع.

١١٩

أو بدل كلّ مفيد للإحاطة والشّمول نحو : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا)(١). ويمتنع إن لم يفد الإحاطة.

٥ ـ البدل من مضمّن معنى الاستفهام أو الشّرط :

إذا أبدل من اسم مضمّن معنى «همزة» الاستفهام أو «إن» الشّرطية أتي «بالهمزة» للاستفهام وب «إن» للشّرطيّة ، فالاستفهام نحو : «من عندك أسعيد أم عليّ» ، و «كم مالك أعشرون أم ثلاثون» ، و «ما صنعت أخيرا أم شرّا».

والشرط نحو : «من يسافر إن خالد وإن بكر أسافر معه» و «ما تصنع إن خيرا وإن شرّا تجز به».

٦ ـ البدل من الفعل :

كما يبدل الاسم من الاسم يبدل الفعل من الفعل بدل كلّ من كلّ نحو قول عبد الله بن الحرّ :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

وبدل اشتمال نحو : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ)(٢) وقوله :

إنّ عليّ الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا

ولا يبدل الفعل بدل بعض ، ولا غلط ، وأجازهما جماعة ، ومثلوا للأوّل بقولهم : «إن تصلّ تسجد لله يرحمك» وللثاني نحو «إن تطعم الفقير نكسه تثب على ذلك». والدّليل على أن البدل في الأمثلة هو الفعل وحده ظهور إعراب الأول على الثاني.

٧ ـ بدل الجملة من الجملة ، والجملة من المفرد :

تبدل الجملة من الجملة إن كانت الثانية أبين من الأولى ، نحو : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ)(٣).

وتبدل الجملة من المفرد كقول الفرزدق :

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

وبالشّام أخرى كيف يلتقيان

أبدل «كيف يلتقيان» من «حاجة وأخرى» أي إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذّر التقائهما.

٨ ـ قد تكون «أنّ» بدلا مما قبلها :

وذلك قولك : «بلغتني قصّتك أنّك فاعل» و «قد بلغني الحديث أنّهم منطلقون» فالمعنى : بلغني أنّك فاعل ، وبلغني أنّهم منطلقون. ومن ذلك : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)(٤) فإنّها مبدلة من إحدى الطّائفتين

__________________

(١) الآية «١١٤» من سورة المائدة «٥» فـ (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) بدل من «لنا» يفيد الشمول والإحاطة.

(٢) الآية «٦٨ ـ ٦٩» من سورة الفرقان «٢٥».

(٣) الآية «١٣٢ ـ ١٣٣» من سورة الشعراء «٢٦».

(٤) الآية «٧» من سورة الأنفال «٨».

١٢٠