معارج الأصول

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

معارج الأصول

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: محمد حسين الرضوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

[ الفصل ] الاول

في مباحث الالفاظ العامة

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : العام (١) [ و ] هو المستغرق لجميع ما يصلح له إذا أفاد في الكل فائدة واحدة. وزاد قاضي القضاة : في أصل اللغة من غير زيادة. واحترز به ( من ) (٢) التثنية والجمع المنكر.

ووصف ما ليس بلفظ ـ بالعموم ـ مجاز ، لعدم الاطراد ، لأنه ( لا يقال ) : (٣) ( عمهم ) (٤) الاكل كما يقال : عمهم المطر. وأيضا : فان العموم يقتضي كون المعنى حاصلا بجملته لكل واحد ، وذلك غير حاصل في قولهم : عمهم المطر وقال قوم : هو مشترك بين المعاني والالفاظ ، وذلك غير بعيد.

المسألة الثانية : في اللغة ألفاظ موضوعة للعموم ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله. وقال المرتضى : هي مشتركة كلها بين العموم والخصوص ، نظرا

__________________

١ ـ في بعض النسخ : في الكلام العام.

٢ ـ في نسخة : عن.

٣ ـ في نسخة : لا قايل.

٤ ـ في نسخة : عموم.

٨١

إلى الوضع لا إلى الشرع. وقال قوم : هي حقيقة في الخصوص ، مجاز في العموم. وتوقف آخرون.

لنا : ( لو كانت ) (١) « كل » و « جميع » ـ مثلا للعموم والخصوص ـ على الاشتراك ـ لكان القائل : رأيت الناس كلهم أجمعين ، مؤكدا للاشتباه ، وذلك باطل. بيان الملازمة : أن لفظة « كل » و « أجمعين » ـ عند الخصم ـ مشتركة على سبيل الحقيقة ، واللفظ الدال على شيء يتأكد بتكريره ، فيلزم أن يكون الالتباس ( مؤكدا ) (٢) عند تكريره. وأما بطلان اللازم : فلانا نعلم ضرورة من ( تعاضد ) (٣) أهل اللغة ازالة الاشتباه بتكرير هذه الالفاظ.

الوجه الثاني : لاشك أن قول القائل : ضربت كل الناس ، يناقضه : لم أضرب كل الناس ، فلو لم يكن الاول مستغرقا للكل ، لم يكن ( للثاني ) (٤) نقيضا.

الوجه الثالث : ان ألفاظ العموم يصح الاستثناء فيها ، والاستثناء دلالة التناول لوجهين : أحدهما : النقل. والثاني أنه مشتق من ( الثني ) وهو : المنع والصرف. وإذا كان للاخراج ، فلو لم يتناول اللفظ [ الاول ] ذلك المخرج ، لما كان اخراجا.

احتج الآخرون بوجوه :

أحدها : لو كانت للاستغراق ، لعلم ذلك اما بالبديهة ، أو بالمشافهة ، أو

__________________

١ ـ في نسخة : لو كان.

٢ ـ في بعض النسخ : متأكدا.

٣ ـ في نسخة : مقاصد.

٤ ـ في نسخة : الثاني.

٨٢

بالتواتر ، أو بالآحاد ، والثلاثة الاول باطلة ، لانها لو كانت ( حقا ) (١) لاستوينا فيها والآحاد ليست طرقا إلى العلم.

الوجه الثاني : ألفاظ العموم مستعملة في العموم والخصوص ، فتجعل حقيقة فيهما.

الوجه الثالث : لو كانت للاستغراق ، لسبق إلى الفهم عند سماع لفظه.

وجواب الاول : انه معلوم بطرق مركبة من العقل والنقل المتواتر ، وهو [ ما ] بيناه من الوجوه. ثم نقول : ان زعمتم أنه للخصوص فالحجة مقلوبة عليكم. [ وان قلتم بالاشتراك ، فالحجة عليكم ] لا لكم.

وجواب الثاني : لا نسلم أن الاستعمال دلالة على الحقيقة ، والا لكان استعمال البحر في الكريم كذلك. سلمنا [ ه ] ، لكن : ان زعمتم أنها تستعمل في الخصوص حقيقة ، فهو موضع الخلاف. وان قلتم : تستعمل فيه بغير قرينة ، [ فيكون حقيقة. قلنا : هذا باطل ، لأن المشترك لا يستعمل في أحد معنييه الا بقرينة ].

وجواب الثالث : منع وجوب سبق الذهن إلى فائدة اللفظ ، ( فانه ) (٢) ليس كل معلوم يعلم بأول وهلة. سلمنا ، ( لكن منعنا من ) (٣) الالفاظ ما هو كذلك كلفظة ( كل ) وجميع.

فوائد ثلاث :

الاولى : ( من ) و ( ما ) إذا كانتا معرفتين بمعنى ( الذي ) ، لا تعمان ، وان

__________________

١ ـ في نسخة : حقة.

٢ ـ في نسخة : وانه.

٣ ـ في نسخة : لكن معناه من ، وفي أخرى : منعنا عن.

٨٣

وقعتا للمجازاة أو الاستفهام ، عمتا ، ( إذ لو كانتا ) (١) مشتركتين ، لوجب أن يتوقف سامع : « من دخل داري أكرمته » على استفهام مستحق الاكرام ، وعدم التوقف دلالة على الاستغراق. وأيضا : فانه يجوز الاستثناء منهما ، وجواز الاستثناء دلالة على التناول ، وتقريره ما مر.

وكذلك ، « متى » : تفيد الاستغراق في الازمته. و « أين » : في الامكنة ، وتقريره ما ذكرناه.

الثانية : « كل » و « جميع » تفيدان الاستغراق ، للتأكيد كانتا أو لغيره ، وتقريره ما مر. ونزيد هنا : ان الجزء نقيض الكل ، فلو لم يكن الكل مستغرقا لما كان الجزء نقيضه.

الثالثة : النكرة ( في سياق النفي ) (٢) تعم ( جمعا ) (٣) وفي الاثبات بدلا ، لوجهين : أحدهما : ان قولك : أكلت شيئا ، يناقضه : ما أكلت شيئا ، فلو لم تكن الثانية عامة ، لم تحصل المناقضة.

الثاني : لو لم تكن للعموم ، لما كان قولنا : « لا اله الا الله » توحيدا.

المسألة الثالثة : الجمع المعرف باللام ـ مشتقا كان أو غير مشتق ـ ان كان معهودا انصرف إليه ، والا فهو للاستغراق ، خلافا لأبي هاشم.

لنا : أنه يؤكد بما يقتضي العموم في قولك : قام القوم كلهم ، ورأيت المشركين كلهم ، فلو لم يكن الاول للاستغراق ، لما كان الثاني تأكيدا.

الثاني : ان قوله : رأيت رجالا ، يفيد الجمع ، فإذا دخلت اللام ، فان

__________________

١ ـ في نسخة : إذا كانتا.

٢ ـ في نسخة : في سياق النفى منفية.

٣ ـ في نسخة : جميعا.

٨٤

( أفادت ) (١) الجمع أيضا لم يكن ثمة فائدة ، فلابد من افادة الاستغراق ، والا لتجردت اللام عن تجديد فائدة.

حجة المخالف وجهان :

أحدهما ان قولهم : [ جمع ] الامير الصاغة ، لا يعقل أنه جمع كل صائغ.

الثاني : لو كان اللام ـ في صورة النزاع ـ للاستغراق ، لكان في العهد مجازا.

وجواب الاول : ( ان ذلك ) (٢) علم بقرينة تعذر جمع صاغة الدنيا ، ويلزمهم تجويز : « جميع صاغة الدنيا » لأنهم [ لا ] يدفعون [ عنه ] الجواز (٣).

وجواب الثاني : أن اللام تقتضي التعريف ، وهو القدر المشترك بين العهد والاستغراق ، فان كان ( ثمة ) (٤) عهد انصرف إليه ، والا انصرف إلى الاستغراق ، لأن المخاطبين به أعرف بما ليس بمعهود.

فائدة :

الجمع المضاف ، كقولك : عبيدي ، وعبيد زيد ، للاستغراق ، والحجة عليه : جواز الاستثناء ، وتقريره ما مر.

__________________

١ ـ في نسخة : أفاد.

٢ ـ في نسخة : انه علم.

٣ ـ من قوله : جميع ـ إلى آخر هذا السطر ، كان مشوشا في النسخ ، وصححناه باعتبار المعنى ، ففى نسخة مكتبة الفيضية : جيمع صاغة الدنيا لأنهم لا يدفعون غير الجواز ، وفي سائر النسخ : جمع ، ويرفعون الجواز.

٤ ـ في نسخة : ثم.

٨٥

الفصل الثاني

فيما الحق بالعموم وفيه مسائل :

[ المسألة ] الاولى : الاسم المفرد ( إذا دخل ) (١) عليه لام التعريف ، أفاد الجنس لا الاستغراق ، مشتقا كان أو غير مشتق ، وقال الشيخ « ره » : يعم.

لنا وجهان :

الاول : لو دل على الاستغراق ، لاكد بمؤكدات الاستغراق ، نحو ( كل ) و ( جميع ) ، وذلك باطل ، لانك لا تقول : رأيت الانسان كلهم ، ولا : جاءني الكريم أجمعون.

الثاني : لو استغرق ، لصح الاستثناء منه مطردا ، ( والا ) (٢) فلا ، أما الملازمة فظاهرة ، واما بطلان اللازم : فلانك لا تقول : جاءني الرجل الا الطوال ، ولا : رأيت العالم الا النحاة.

احتج الخصم بوجهين :

أحدهما : انه يجوز وصفه بالجمع ، كما يقال : أهلك الناس الدرهم البيض ، والدينار الصفر.

الثاني : يصح الاستثناء منه ، كقوله [ تعالى ] : « ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا » (٣).

والجواب عنهما : أن ذلك مجاز ، لعدم الاطراد ، فانك لا تقول : جاءني

__________________

١ ـ في نسخة : لو أدخل.

٢ ـ في نسخة : ولا.

٣ ـ العصر / ٢.

٨٦

الرجل القضاة ، ولا : العالم الا الفقهاء ، ولو قيل : إذا لم يكن ( ثمة ) (١) [ له ] معهود وصدر من حكيم ، فان قرينة حاله تدل على الاستغراق ، لم ينكر ذلك.

المسألة الثانية : الجمع المنكر لا يدل على الاستغراق ، وحمله الشيخ « ره » على الاستغراق من جهة الحكمة ، وهو اختيار الجبائي.

لنا : انه وضع للدلالة على الجمع ، لأنه يفسر بالقلة والكثرة ، فيجب ان لا يحمل على أحدهما الا لدلالة ، [ ظاهرة ] [ لكن أقل الجمع من ضروريات محتملاته ، فيجب أن يقتصر عليه ، الا لدلالة زائدة ].

احتج الجبائي : بأن حمل اللفظ على الاستغراق ، حمل له على جميع حقائقه ، فكان أولى.

واحتج الشيخ « ره » : بأن هذه اللفظة إذا دلت على القلة والكثرة ، وصدرت من حكيم ، فلو أراد القلة لبينها ، وحيث لا قرينة ، وجب حمله على الكل.

وجواب الاول : لا نسلم أن اللفظ موضوع لهما (٢) حقيقة ، بل موضوع لمطلق الجمع ، لا للقلة من حيث هي قلة ، ولا للكثرة من حيث هي كذلك ، والدال على الكلي غير دال على الجزئي ، سلمنا أنه حقيقة فيهما ، لكن يجب التوقف الا لقرينة ، والقرينة موجودة مع أقل الجمع ، لأنه مراد قطعا ، ثم نقول : ( لم ) (٣) زعمتم انه يجب حمله على جميع حقائقه؟ لابد لهذا من دليل.

وجواب الثاني : لا نسلم تجرده من القرينة ، وقد بينا وجودها ، سلمنا انه لا قرينة ، ولكن لو أراد الكل لبينه أيضا.

__________________

١ ـ وفي نسخة : ث.

٢ ـ في نسخة : لها.

٣ ـ في نسخة : ان.

٨٧

فائدتان

الاولى : الجمع في الاشتقاق : ضم الشيء إلى الشيء ، فمعناه موجود في الاثنين فصاعدا ، وفي العرف : يفيد الفاظا مخصوصة ، ولفظ الجمع كقولنا : رجال ، يفيد الثلاثة فما زاد ، وقيل : يقع على الاثنين أيضا.

لنا : فرق أهل اللغة بين ألفاظ التثنية والجمع.

الثاني : [ ان ] الفاظ الجمع توصف بالثلاثة فما زاد ، فيقال : رجال ثلاثة ، ولا يقال : رجال اثنان.

الفائدة الثانية : ضمير الجماعة يبنى على ما يعود إليه ، فان كان مستغرقا كان كذلك والا فهو خاص.

المسألة الثالثة : نفي المساواة [ بين الشيئين ، لا يقتضى عموم نفي المساواة ] خلافا لبعض الشافعية.

لنا : ان المساواة ( تفيد ) (١) الاستواء في جميع الصفات ، فنفي المساواة نفي لذلك المجموع ، ونفي المجموع من حيث هو كذلك يحصل بنفي بعضه فلا يلزم نفي المساواة من كل وجه.

المسألة الرابعة : إذا اجتمع المذكر والمؤنث في لفظ غلب التذكير فان ورد مجردا عن القرينة الدالة على المراد به ، هل يحمل على الذكرين منفردين؟ قال قوم : نعم. وحمله الشيخ « ره » عليهما.

حجة الاولين : ان ( قاموا ) مثلا يفيد تضعيف فائدة ( قام ) ، وهو للمذكر خاصة ، فكذلك تضعيفه.

حجة الشيخ « ره » : نص أهل اللغة : أن مع اجتماعهما يغلب لفظ التذكير.

__________________

١ ـ في بعض النسخ : تقتضي.

٨٨

الفصل الثالث

في المباحث المتعلقة بالخصوص ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : وصف الكلام بأنه خصوص وخاص ، يفيد أنه وضع لشيء واحد. ووصف الكلام بأنه مخصوص : هو انه قصر على بعض فائدته. وقولهم : خص فلان العموم ، يستعمل بالحقيقة على انه جعله خاصا ، ولا يجعله كذلك الا إذا استعمله في بعض فائدته ، والتخصيص : ما دل على أن المراد باللفظ بعض ما تناوله.

فائدة

الفرق بين النسخ والتخصيص من وجوه :

الاول : ان التخصيص لا يصح الا في الالفاظ ، والنسخ : قد يكون لما علم بدليل شرعي لفظا كان أو غيره.

الثاني : التخصيص يؤذن بأن المخصوص غير مراد من اللفظ عند الخطاب ، والنسخ يؤذن ان المنسوخ مراد عند الخطاب.

الثالث : ان النسخ يدخل على ( عين ) (١) واحدة ، والتخصيص بخلاف ذلك.

الرابع : التخصيص قد يكون بدلالة العقل والاستثناء وأخبار الآحاد ، والنسخ لا يقع بذلك.

الخامس : التخصيص مقارن ، والنسخ متراخ.

__________________

١ ـ في نسخة : غير.

٨٩

المسألة الثانية : يجوز أن يستعمل الله تعالى العام في الخصوص ، أما الامكان : فلا أن أهل اللغة تجوزوا بمثل ذلك في كلامهم ، وقد بينا أن المجاز جائز الحصول في خطابه تعالى. وأما الوقوع فظاهر في القرآن والاحاديث لا يقال : الحكمة تمنع من ذلك ، لأنه يوهم الكذب. لأنا نقول : متى؟ إذا تجرد عن القرينة أم لا (١) ، ونحن لا نجيزه الا مع القرينة.

المسألة الثالثة : يجوز تخصيص الفاظ العموم حتى يبقى واحد ، وهو اختيار الشيخ « ره » ومذهب القفال ، وقيل : حتى يبقى ثلاثة ، ومنهم من فصل بين لفظ الجمع وغيره من الالفاظ ، وقال أبو الحسين : حتى يبقى كثرة ، الا على سبيل التعظيم ، وهو الاظهر ، لأنا نعلم قبح قول القائل : [ أكلت ] كل ما ( في البستان ) (٢) من الرمان ـ وفيها ألف وقد أكل واحدة ، وكذلك يقبح : أخذت كل ما في الصندوق من الذهب ـ وفيه ألف ـ وقد أخذ دينارا.

المسألة الرابعة : يجوز تخصيص العام بالشرط ، والغاية ، والصفة ، والاستثناء ، ودلالة العقل ، والكتاب ، والاجماع ، والسنة متواترة كانت أو آحادا.

فالشرط هو : ما يقف عليه الحكم ، وهو ضربان : مؤكد ، كقوله : قم ان استطعت ، ومبين ، كقوله : اكرمه ان فعل. وله صدر الكلام تقدم أو تأخر. ولا يدخل [ الا ] على المتوقع لفظا أو تقديرا ، ولا يدخل على الماضي والحاضر ، ولا يمتنع كون الشيء شرطا لاشياء كثيرة ، [ كما يكون للشيء الواحد شروط كثيرة ].

__________________

١ ـ ورد في نسخة اضافة كلمة ( ممنوع ) وفي أخرى وردت مكانها كلمة ( عن ) وفي ثالثة هكذا ( م ع ) ، وما اثبتاه في المتن مطابق لنسخة المكتبة الفيضية.

٢ ـ في بعض النسخ : بالسلة.

٩٠

والغاية : كقوله : « ولا تقربوهن حتى يطهرن » (١) وقد اختلف فيما بعد الغاية ، والاظهر انتفاء الحكم السابق معها.

والصفة : تخص العام ، وتقيد المطلق ، أما العام فكقولك ، اكرم الرجال الطوال.

ولنضع للمطلق مسألة على حيالها :

المسألة الخامسة : في المطلق والمقيد. والمطلق : هو الدال [ على الماهية والمقيد : هو الدال ] عليها مع صفة. مثال الاول : قوله تعالى : « فتحرير رقبة » [ ومثال الثاني قوله : « فتحرير رقبة ] مؤمنة » (٢) فإذا وردا ، فاما أن يكون بينهما تعلق ، ويجب تنزيل المطلق على المقيد. واما أن لا يكون بينهما تعلق : فان كان ( حكماهما ) (٣) مختلفين ، كان المطلق على اطلاقه ، كأن يأمر بالصلاة ، ثم يأمر بالصيام ( متتابعا ) (٤) وان كان حكمهما متفقا ، وكان سببهما واحدا ، وعلم [ أن ] المراد بأحدهما هو الآخر ، كان المطلق مقيدا بتلك الصفة ، لأن المأمور به واحد ، والتقييد يقتضي اشتراطه ، فلولم يقيد المطلق به لكان غيره وان لم يعلم ان المراد بأحدهما هو الآخر ، كان المطلق على اطلاقه ، والمقيد على تقييده ، وتغايرا. وان كان سببهما مختلفا ، بقي المطلق على اطلاقه ، ولا يجب تقييده بالصفة الا لدلالة. خلافا لبعض الشافعية.

لنا : ان الأمر على الاطلاق لسبب معين ، لا ينافي التقييد لسبب آخر ، وإذا لم يتنافيا لم يجب تنزيل أحدهما على الآخر ، ولا تقييده به.

____________

١ ـ البقرة / ٢٢٢.

٢ ـ المجادلة / ٣ ، والنساء / ٩٢.

٣ ـ في نسخة : حكمهما.

٤ ـ في نسخة : فتتابعا.

٩١

احتجوا : بأن القرآن كالكلمة الواحدة.

وجوابه : أن اردتم في عدم التناقض فمسلم. وان أردتم في وجوب تنزيل المطلق على المقيد فممنوع.

الفصل [ الرابع ]

في مباحث الاستثناء ، [ وفيه مسائل ] :

[ المسألة ] الاولى : الاستثناء ( يخرج من ) (١) الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته ، ولا تكفي الصلاحية ، وهو اختيار أبي جعفر « ره » ، لوجهين :

أحدهما : لو كفت الصلاحية لصح : ( رأيت رجلا الا زيدا [ أ ] و : رأيت رجالا الا زيدا ) لأن الصلاحية موجودة.

[ و ] الثاني : يصح الاستثناء من الاعداد ، ولولاه لوجب دخوله ، فيجب في الكل ، صونا للفظ الاستثناء عن الاشتراك.

والوجهان ضعيفان :

اما الاول : ( فحيث انه لازم له ) أيضا ، (٢) لأنه يقول النكرة يجب أن تعم بدلا ، ولو كفى الوجوب ، لجاز الاستثناء حيث ذكر. فان أجاب : بأن الوجوب مشروط بالشمول ، كان لخصمه [ منع ] ذلك.

وأما الثاني : فنقول : لا نسلم صحة الاستثناء في الاعداد لخصوص الوجوب ، بل لعموم الصلاحية.

واستدل بعض الأصولية لذلك بأنه : لو كفت الصلاحية لتساوي قولنا :

__________________

١ ـ في بعض النسخ : مخرج عن ، وفي نسخة : من.

٢ ـ في بعض النسخ : فحسنه لازم.

٩٢

اضرب ( رجلا ) (١) الا زيدا [ أ ] و : الرجال الا زيدا ، وعدم التساوي دليل على أن الاستثناء لا يكون حقيقة الا في ( موضع ) (٢) الوجوب.

المسألة الثانية : شرط كون الاستثناء مخصصا ، كونه متصلا أو متراخيا بما جرت العادة بأن المتكلم ( لم يستوف ) (٣) غرضه. ولا يجوز تراخيه عن ذلك ، خلافا لما حكي عن ابن عباس. ولا نزاع في الجواز عقلا ، بل وضعا ، فان أهل اللغة يستقبحون قول القائل : اضرب الرجال ، ثم يقول بعد سنة : الا زيدا بمعنى : أنهم لا يعدون ذلك استثناءا ، فمستعمله اذن خارج عن عرف أهل اللغة. وجاء في شواذ أخبارنا جواز استثناء المشيئة في اليمين إلى أربعين يوما ، وليس بمعتمد.

المسألة الثالثة : الاستثناء من غير الجنس مجاز ، لأن الاستثناء ( اخراج ) (٤) ما لولاه لتناوله اللفظ ، وليس كذلك صورة النزاع.

وهو واقع وضعا كقوله :

..................................

وما بالربع من أحد الا أواري

وشرعا كقوله تعالى : « فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا ابليس » (٥).

فائدة

اختلفوا في جواز استثناء أكثر الشيء ، فمنعه قوم ، والاكثرون على جوازه.

__________________

١ ـ في بعض النسخ : رجالا.

٢ ـ في نسخة : موضوع.

٣ ـ في نسخة : لايوف.

٤ ـ في بعض النسخ : لاخراج.

٥ ـ الحجر / ٣٠.

٩٣

والظاهر : أن الكثرة قد تنتهي إلى حد [ يقبح استثناؤها ، فانه ] يقبح عادة أن يقال له : عندي مئة الا تسعة وتسعين درهما ونصفا ، وهذا ظاهر.

المسألة الرابعة : الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفة ، ولم يكن الثاني اضرابا ، قال الشيخ أبو جعفر « ره » يرجع إلى جميعها. وقال السيد المرتضى : يرجع إلى الاخير قطعا ، وتوقف في رجوعه إلى الاول الا لدلالة.

احتج الشيخ « ره » بوجهين :

الاول : إذا تعقب الشرط جملا ، ( يرجع ) (١) إلى الكل ، فكذلك الاستثناء والجامع كون كل واحد منهما لا يستقل بنفسه.

الثاني : ان حرف العطف يصير الجمل المعطوفة في حكم الجملة الواحدة إذ لا فرق بين قولك : رأيت زيد بن عمرو ، وزيد بن خالد ، وبين قولك : رأيت الزيدين ، فيجب رجوع الاستثناء اليهما.

احتج المرتضى « ره » بوجهين :

أحدهما : حسن استفهام المستثني عقيبهما عن كل واحد منهما والاستفهام دلالة الاشتراك :

الثاني : وجدنا الاستثناء تارة يعود ( اليهما ) ، (٢) وتارة إلى الاخيرة ، فيجعل ( مشتركة ) (٣) ( لأن ) (٤) الاصل في الاستعمال الحقيقة.

المسألة الخامسة : إذا تعقب الاستثناء استثناءا آخر : فان كان معطوفا كانا عائدين إلى الاول. وان لم يكن معطوفا : فان كان الاستثناء الثاني مثل الاستثناء

__________________

١ ـ في نسخة : رجع.

٢ ـ في نسخة : إليها.

٣ ـ في نسخة : مشترك.

٤ ـ في نسخة : الا أن.

٩٤

الاول فصاعدا ، رجع إلى المستثنى منه أيضا. وان كان دونه ، رجع إلى الاستثناء ، وقيل : يرجع إلى المستثنى منه ، والاول أظهر.

الفصل الخامس

في بقية المخصصات ، ( وفيه مسائل ) :

المسألة الاولى : العام يخص بالدليل العقلي ، لأنا نخرج الصبي والمجنون من قوله تعالى : « يا أيها الناس اعبدوا ربكم » (١) هذا في حال كونهما كذلك وان كانا عند البلوغ [ والعقل ] مخاطبين بالعبادة بتلك العبارة.

احتج المانع : بأن المخصص مقارن ، ودليل العقل متقدم.

وجوابه : لا نسلم اشتراط المقارنة في كل مخصص.

المسألة الثانية : تخصيص الكتاب بالكتاب جائز ، كقوله تعالى : « فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب » (٢) ثم قال في موضع آخر : « حتى يعطوا الجزية عن يد » (٣).

وكذلك تخصيص الكتاب بالسنة قولا ، كتخصيص آية المواريث (٤) بقوله عليه‌السلام : « القاتل لا يرث » ، وفعلا ، كتخصيص آية الجلد (٥) برجمه عليه‌السلام ماعزا.

__________________

١ ـ البقرة / ٢١.

٢ ـ محمد / ٤.

٣ ـ التوبة / ٢٩.

٤ ـ وهي قوله تعالى : « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ، الى قوله تعالى وصية من الله والله عليم حليم » النساء / ١١ ، ١٢.

٥ ـ وهي قوله تعالى : « الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة » الخ الآية. النور / ٢.

٩٥

وبالاجماع ، كالتسوية بين العبد والامة في تنصيف الحد ، تخصيصا لآية الجلد.

وأما تخصيص السنة بالسنة ، فقد أنكره قوم والاصح جوازه.

المسألة الثالثة : يجوز تخصيص العموم المقطوع به بخبر الواحد وأنكر ذلك الشيخ أبو جعفر « ره » سواءا كان العموم مخصوصا أو لم يكن ، وهو اختيار جماعة من المتكلمين. ومن الأصولية من فصل.

احتج المجيز : بانهما دليلان تعارضا ، فيجب العمل بالخاص منهما ، لبطلان ما عداه من الاقسام.

احتج المانع : بأن العموم المقطوع يوجب العلم ، والخبر يوجب الظن ، ولا يجوز ترك المعلوم للمظنون.

أجاب الاولون : بأن ما ذكرته منقوض بالبراءة الاصلية ، فانها تترك بالخبر وأيضا : فان تناول العموم لموارده مظنون ، وان كان مقطوع النقل ، والخبر وان كان مظنون النقل فتناوله ( لما يتناوله ) (١) والعمل به مقطوع ، فتساويا في القطع والظن. والاولى التوقف.

ونجيب عن الاول : بأنا لا نسلم أن خبر الواحد دليل على الاطلاق ، لأن الدلالة على العمل به الاجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة ، فإذا وجدت الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به ، وما يدعونه من الاخبار التي حكم بتخصيص العموم بها ، عنه جوابان ، عام ، وخاص :

فالعام أن نقول : أحصل الاجماع على التخصيص؟ فان قالوا : لا ، سقط الاستدلال ، وان قالوا : نعم ، قلنا : لا نسلم أنه حصل التخصيص بها ، بل بالاجماع فان قالوا : لا بد للاجماع من مستند ، قلنا : نعم ، لكن لا نسلم أن المستند هو

__________________

١ ـ في نسخة : لما تناوله.

٩٦

ما ذكرتم.

الثاني : ( انا ) (١) نعارضهم بأخبار مثلها ، فإذا استدلوا بخبر أبي هريرة في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، ورجوع الصحابة إلى ذلك ، عارضنا [ هم ] بخبر فاطمة بنت قيس المتضمن لسقوط نفقة المبتوتة وسكناها ، فان عمر طرحه وعمل بالآية.

الفصل السادس

في العام المخصوص ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : العام إذا خص صار مجازا ، سواء خص بدليل متصل أو منفصل ، وهو اختيار أبي جعفر « ره » ، وجعله قوم حقيقة على الاطلاق. ومنهم من فصل.

لنا : ان العموم حقيقة في الاستغراق ، فإذا أريد به الخصوص كان مجازا لأنه استعمال له في غير موضوعه لا يقال : العام مع القرينة حقيقة في الخصوص لأنا نقول : ذلك يسد باب المجاز ، فان المجاز لا ينفك عند استعماله ( عن ) (٢) القرينة.

المسألة الثانية : يجوز التمسك بالعام المخصوص ـ إذا لم يكن التخصيص مجملا ـ مطلقا. ومنهم من فصل.

لنا : ان اللفظ متناول لما عدا المخصوص ، فيجب استعماله فيه. وانما قلنا أنه متناول له لأنا بينا أن الفاظ العموم حقيقة في استغراق الكل ، ولا معنى للكل سوى مجموع الآحاد ، والتخصيص لا يمنع التناول ، والا لدار.

__________________

١ ـ في نسخة : أن.

٢ ـ في بعض النسخ : من.

٩٧

احتج ابن أبان بوجهين :

أحدهما : ان العام لما عرض له التخصيص ، صار مجازا ، فلم يجز التعلق به. [ و ] الثاني : ان اخراج البعض المعين ، يجرى مجرى قوله : لم أرد الكل ولو قال ذلك ، لمنع من التعلق بظاهره ، فكذلك ما جرى مجراه.

وجواب الاول : سلمنا أنه مجاز بالنظر إلى تناول الكل ، لكن لا نسلم أنه مجاز في تناول الباقي ، فانا [ قد ] بينا انه متناول له في أصل الوضع ، سمي مجازا أو لم يسم.

وجواب الثاني : انه قياس من غير جامع ، والفرق بينهما : عدم امكان الوصول إلى المراد في الاولى ، وامكان الوصول إليه في الثانية.

المسألة الثالثة : إذا ورد عام وخاص متنافيي الظاهر ـ كقوله عليه‌السلام : « في الرقة (١) ربع العشر » وقوله : « ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة » ـ فاما أن يعلم تاريخهما أو يجهل فان علم : فأما أن يعلم اقترانهما ، أو تقدم العام ، أو تأخره ، ( فههنا ) (٢) أربعة مباحث :

الاول : إذا علم اقترانهما ، بني العام على الخاص بلا خلاف.

الثاني : إذا تقدم العام وتأخر الخاص : فان كان ورد بعد حضور وقت العمل بالعام ، فانه يكون نسخا ، وان كان قبله ، كان تخصيصا للعام عند من يجيز تأخير بيان العام.

الثالث : إذا كان الخاص متقدما ، والعام متأخرا ، فعند الشيخ أبي جعفر « ره » يكون العام ناسخا ، لأنه لا يجيز تأخير البيان. وقال الأكثرون : ان العام يبنى على الخاص ، وهو الاظهر.

لنا : دليلان تعارضا ، فلو عمل بهما لتناقضا ، ولو عمل بالعام لالغي الخاص فيجب العمل بالخاص صونا لهما عن الالغاء.

__________________

١ ـ في نسخة : فهنا.

٢ ـ في نسخة : الورق.

٩٨

الرابع : إذا جهل التأريخ ( فيهما ) (١) فالذي يجيء على ما اخترناه ان يبنى العام على الخاص ، وتوقف بعض الحنفية.

لنا : اما أن يكون مقارنا ، أو متقدما ، أو متأخرا ، وعلى التقديرات الثلاثة ، وجب بناء العام عليه على ما قلناه ، فكذلك في صورة الجهالة ، لأنه لا يعدو أحد الاقسام.

الفصل السابع

فيما ألحق بالمخصصات ، [ وفيه مسائل ] :

المسألة الاولى : الخطاب العام الوارد على السبب الخاص : اما أن يكون مستقلا بنفسه ، واما أن لا يستقل ، فان لم يستقل ، كان مقصورا على سببه ، كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر ـ « أينقص إذا يبس ، فقيل : نعم فقال : لا اذن » ، وان كان مستقلا : فان كان عاما في غير ما سئل ، فلا شك في عمومه ، كقوله عليه‌السلام ـ وقد سئل عن ماء البحر ـ فقال : « هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ». وان كان أعم منه في ذلك الحكم ، لم يقصر العام على السبب الخاص ، وهو اختيار أبي جعفر « ره » ، وصار جماعة إلى قصره عليه.

لنا : ان المقتضى للعموم موجود ، والعارض لا يصلح معارضا ، أما وجود المقتضي فما بيناه من كون الصيغة حقيقة في العموم ، وأما فقدان العارض فلان المانع هو ما يذكره المخالف ، وسنبطله انشاء الله تعالى.

احتجوا : بأن الخطاب لو كان عاما لكان ابتداءا وجوابا ، وذلك ( يتنافى ) (٢)

__________________

١ ـ في بعض النسخ : بينهما.

٢ ـ في نسخة : متناف ، وفي أخرى : لتنافى مابين الخ.

٩٩

لما بين الجواب والابتداء من التفاوت ، وأيضا : فان من حق الجواب مطابقة السؤال ، وذلك انما يكون بالمساواة.

وجواب الاول : لا نسلم التنافي بين الجواب والابتداء ، كما لو صرح بذلك.

وعن الثاني : لا نسلم انحصار المطابقة في المساواة ، بل بمعنى انتظام الجواب ( مع ) (١) السؤال ، وهو موجود.

المسألة الثانية : إذا تعقب العام صفة أو استثناء أو حكم ، وكان ذلك لا يتأتى في جميع ما يتناوله العموم بل في بعضه ، قال قوم يقصر العموم عليه ، وانكره القاضي ، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر « ره » ، والاولى التوقف ، لأن صيغة العموم للاستغراق ، وظاهر الكناية الرجوع الى ما ذكر ، فيجب التعارض لعدم الترجيح.

لا يقال : التمسك بالعموم أولى ، لأنه ظاهر.

لأنا نمنع الاولوية ، ولعل الكناية أولى.

المسألة الثالثة : إذا عطف على العام ، وكان في المعطوف اضمار مخصوص قال القاضي لا يجب اضمار مثله في المعطوف عليه ، كقوله عليه‌السلام : « لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد ( في عهده ) » (٢) ( وفي ) (٣) الثاني اضمار مخصوص وهو ( بكافر حربي ) ، لأن ذا العهد يقتل بالذمي بلا خلاف.

والاولى التوقف ، لأن العطف يقتضي الاشتراك ، خصوصا في عطف المفرد ، وصيغة العموم تقتضي الاستغراق ، وليس أحدهما أولى من الآخر.

__________________

١ ـ في بعض النسخ : لجميع.

٢ ـ في بعض النسخ : بعهده.

٣ ـ في نسخة : ففى.

١٠٠