معارج الأصول

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

معارج الأصول

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: محمد حسين الرضوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

٤١
٤٢

بسم الله الرحمن الرحيم [ وبه ثقتي ]

( أحمد الله ) (١) على سابغ نعمه ، وسائغ عطيته ، كما أشكره على جليل هبته ، وجميل هدايته حمد معترف بكمال قدرته ، مقر بجلال عظمته ، معتقد أنه لا ( شبه ) (٢) له في أحديته ولا مضاهي له في الهيته ، مذعن بقصور الاذهان عن اكتناه هويته ، وانسداد المخارج المفضية إلى الاحاطة بحقيقة معرفته ، واصلي على خير بريته وأكرم خاصته ، وعلى الطاهرين من عترته.

وبعد ذلك ، فانه تكرر من جماعة من الاصحاب ـ أيدهم الله بعصمته ، وشملهم بعام رحمته ـ التماس مختصر في الاصول ، ( مشتمل ) (٣) على المهم من مطالبه ، غير بالغ في الاطالة إلى حد يصعب على طالبه فأجبتهم ( إلى ) (٤) ذلك ، مقتصرا على ما لابد من الاعتناء به ، غير متطاول إلى اطالة مسائله ، وتغليق مذاهبه ، ومن الله أستمد التوفيق ، انه على ذلك قادر ، وباسدائه حقيق.

وهو يشتمل على أبواب عشرة :

__________________

١ ـ في نسخة : الحمد لله ، وفي أخرى : أحمده :

٢ ـ في نسخة : شبيه.

٣ ـ في نسخة : يشتمل.

٤ ـ في نسخة : على.

٤٣
٤٤

الباب الاول

في المقدمات

وهي ثلاثة :

٤٥

٤٦

المقدمة الاولى

لما كان البحث في هذا الكتاب انما هو بحث في أصول الفقه ، لم يكن بد من معرفة [ فائدة ] هاتين اللفظتين :

( فالاصل ) (١) في الاصل : هو ما يبتني عليه الشيء ويتفرع عليه.

والفقه : هو المعرفة بقصد [ المتكلم ] ، وفي عرف الفقهاء : هو جملة من العلم بأحكام شرعية عمليه مستدل على أعيانها.

ونعني بالشرعية : ما استفيدت بنقل الشريعة لها عن حكم الاصل ، ( أو ) (٢) باقرار الشريعة لها عليه.

وأصول الفقه في الاصطلاح هي : طرق الفقه على الاجمال.

فائدتان :

الاولى : الاحكام عندنا هي المنقسمة إلى كون الفعل حسنا ـ واجبا كان أو مندوبا أو مباحا أو مكروها ـ والى كونه قبيحا.

فالواجب : ما للاخلال به مدخل في استحقاق الذم.

__________________

١ ـ في بعض النسخ : والاصل.

٢ ـ في نسخة : و.

٤٧

والمندوب : ما بعث المكلف على فعله على وجه ليس لتر كه تأثير في استحقاق الذم على حال.

والمباح : ما استوى ( طرفا ) (١) فعله وتركه في عدم استحقاق المدح والذم.

والمكروه : ما الاولى تركه ، وليس لفعله تأثير في استحقاق الذم.

والقبيح : ما لفعله تأثير في استحقاق الذم ، ولا يسمى القبيح حراما ولا محظورا حتى يزجر عنه زاجر.

الفائدة الثانية : إذا عرفت أن أصول الفقه [ انما ] هي طرق الفقه على الاجمال وكان المستفاد من تلك الطرق اما علم ، أو ظن ( من ) (٢) دلالة ، أو امارة بواسطة النظر ، لم يكن بد من بيان فائدة كل واحد من هذه الالفاظ :

فالنظر : [ هو ] ترتيب علوم ، أو ظنون ، أو علوم وظنون ترتيبا صحيحا ليتوصل به إلى علم أو ظن.

والعلم : هو الاعتقاد المقتضي سكون النفس [ مع ] أن معتقده على ما ( تناوله ) (٣) والاقرب أنه غني عن التعريف لظهوره.

والظن : هو تغليب أحد مجوزين ظاهري ( التجويز ) (٤) بالقلب.

والدلالة : هي ما النظر الصحيح فيها يفضي إلى العلم.

والامارة : هي ما النظر الصحيح فيها يفضي إلى الظن.

__________________

١ ـ في بعض النسخ : طرف.

٢ ـ في نسخة : عن.

٣ ـ في نسخة : يتناوله.

٤ ـ في بعض النسخ : التجوز.

٤٨

المقدمة الثانية

الخطاب : هو الكلام الذي قصد به مواجهة الغير.

والكلام : هو ما انتظم من حرفين فصاعدا من الحروف المسموعة المتواضع عليها إذا صدرت من ناظم واحد ، ( ومنهم ) (١) من شرط الافادة ، ومنهم من شرطه المواضعة ، والثاني يبطل ( بتقسيم ) (٢) أهل اللغة الكلام إلى المهمل والمستعمل ، ومورد التقسيم مشترك.

وعلى ما قلناه ، فالكلام اما مهمل ، وهو ما لم يوضع في اللغة لشيء واما مستعمل.

والمستعمل : اما أن لا يستقل بالمفهومية وهو الحرف ، واما أن يستقل : فان دل على الزمان المعين فهو الفعل ، وان لم يدل فهو الاسم.

ثم الاسم : اما أن يكون تصور معناه مانعا من وقوع الشركة فيه ( فهو ) (٣) الجزئي ، أولا يمنع [ فهو الكلي ] وحينئذ ان دل على الماهية فهو اسم الجنس عند النحاة وان دل على موصوفيتها فهو المشتق.

تقسيم

اللفظ ومعناه :

ان اتحدا : فاما جزئي واما كلي ، فان كان كليا وكان معناه في موارده بالسوية فهو متواطئ ، أو متفاوتا فهو مشكك.

__________________

١ ـ في نسخة : فمنهم

٢ ـ في نسخة : تقسيم

٣ ـ في نسخة : وهو

٤٩

وان تكثرا فالالفاظ متباينة سواء كانت المعاني متصلة أو منفصلة.

وان تكثرت الالفاظ واتحد المعنى فهي مترادفة. وان تكثرت المعاني واتحد اللفظ من وضع واحد ، فان كانت دلالتها على المعاني بالسوية فهي مشتركة ، أو متفاوتة فالراجح حقيقة والمرجوح مجاز.

المقدمة الثالثة

في الحقيقة والمجاز : وهي ثلاثة فصول :

الفصل [ الاول ]

يشتمل على مسائل :

المسألة الاولى : في تعريفهما :

أظهر ما قيل في الحقيقة هي كل لفظة أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به.

والمجاز : ( هو ) (١) كل لفظة أفيد بها غير ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به لعلاقة بينهما.

المسألة الثانية : فيما يفصل [ به ] بينهما وهو اما ( بنص ) (٢) أهل اللغة ، بأن ( يقولوا ) (٣) هذا حقيقة ، وذاك مجاز ، أو بالاستدلال بعوائدهم كان يسبق إلى أذهانهم عند سماع اللفظ المعنى من دون قرينة.

وههنا فروق أخر :

__________________

١ ـ في نسخة : هي.

٢ ـ في نسخه : لنص.

٣ ـ في نسخة : يقول.

٥٠

الاول : الاطراد في فائدتها دلالة على كون اللفظ حقيقة في تلك الفائدة.

الثاني : صحة التصرف ـ كالتثنية والجمع ـ دلالة على الحقيقة.

الثالث : استعمال أهل اللغة دلالة عليها أيضا.

الرابع : تعليق ( اللفظة ) (١) بما يستحيل تعلقها به دلالة على المجاز كقوله تعالى « واسأل القرية » (٢)

وفى الكل نظر.

المسألة الثالثة : اللفظ اما أن يستفاد وضعه للمعنى بالشرع أو بالوضع ، والاول هو الحقيقة الشرعية ، والثاني : اما أن ينقل عن موضوعه لمواضعة طارئة ، وهو العرفية ، أو لا ينقل ، وهو اللغوية ، وكل واحدة من هذه الالفاظ اما أن تكون موضوعة لمعنى واحد ، وهي المفردة ، أو لمعنيين فصاعدا ، وهي المشتركة

فوائد ثلاث

الاولى : لا شبهة في وجود الحقيقة الوضعية ، وأما العرفية فكذلك ، أما الامكان فظاهر ، وأما الوقوع فبالإستقراء ( اما ) (٣) من عرف عام كالغائط للفضلة وقد كان للمطمئن ، والدابة للفرس وقد كان لمادب ، واما من عرف خاص فكما للنحاة من الرفع والنصب ، ولاهل الكلام من الجوهر والكون.

تقسيم

العرف اما أن يجعل الاسم مستعملا في غير ما كان مستعملا فيه أو في بعضه

__________________

١ ـ في نسخة : اللفظية وفي أخرى اللفظ.

٢ ـ يوسف / ٨٢.

٣ ـ في نسخة : واما.

٥١

والثاني تخصيص كلفظ الدابة ، والاول ، اما أن يرجح العرف الطارئ ويرفض السابق وهو نقل كالغائط و ( الراوية ) (١) أولايرجح فيكون مشتركا كقولنا : كلام زيد ، فانه يقع على لفظه ، وعلى حكاية كلامه ، كقولنا : هذا كلام أمير ـ المؤمنين ، عند ايراد خطبه.

الفائدة الثانية : الحقيقة الشرعية موجودة ، وصار جماعة من الاشعرية إلى نفيها ، ونعنى بالشرعية : ما استفيد وضعها للمعنى بالشرع.

لنا : وجودها في الفاظ الشارع ، فان الصوم في اللغة : الامساك وفي الشرع امساك خاص ، والزكاة : الطهارة ، وفي الشرع طهارة خاصة ، والصلاة : الدعاء وفي الشرع لمعان مختلفة أو متواطئة ، تارة تعرى عن الدعاء كصلاة الأخرس وتارة يكون الدعاء منضما كصلاة الصحيح.

تفريع

الاصل عدم النقل ، لأن احتمال النقل لو ساوى احتمال البقاء على الاصل لما حصل التفاهم عند التخاطب مع الاطلاق ، لأن الذهن يعود مترددا بين المعنيين ، لكن التفاهم حاصل مع الاطلاق فكان الاحتمال منفيا.

الفائدة الثالثة : لا شبهة في وجود الحقيقة المفردة ، واختلف في المشتركة فمن الناس من أوجب وجودها نظرا إلى كثرة المعاني وقلة الالفاظ ، ومنهم من أحالها صونا للفهم عن الخلل ، والاول باطل ، لأنا لا نسلم كثرة المعاني عن الالفاظ والثاني باطل لأن الغرض قد يتعلق بالابهام كما يتعلق بالابانة. وأما وجودها فاستقراء اللغة يحققه.

__________________

١ ـ في نسخة : الرواية

٥٢

فرعان

الاول : الاصل عدم الاشتراك ، لأنه لولا ذلك لما حصل الفهم الا عند العلم بعدمه ، وهو باطل ، لأنه ( يلزم ) (١) بطلان الاستدلال بالنصوص ، لجواز أن تكون الفاظه موضوعة لغير ذلك المعنى.

الفرع الثاني : يجوز أن يراد باللفظ الواحد كلا معنييه ـ حقيقة كان فيهما أو مجازا أو في أحدهما ـ نظرا إلى الامكان لا إلى اللغة.

وأحال أبو هاشم وابو عبد الله ذلك ، وشرط أبو عبد الله في المنع شروطا أربعة : اتحاد المتكلم ، والعبارة ، والوقت ، وكون المعنيين لا ( تضمهما ) (٢) فائدة واحدة ، وقال القاضي : ذلك جائز ما لم يتنافيا كاستعمال لفظة ( افعل ) في الأمر والتهديد ، ( و ) (٣) الوجوب والندب.

لنا : أنه ليس بين ارادة اعتداد المرأة بالحيض واعتدادها بالطهر منافاة ، ولا بين ارادة الحقيقة وارادة المجاز معا منافاة ، و ( إذ ) (٤) لم يكن ثمة منافاة لم يمتنع اجتماع الارادتين عند ( المتكلم ) (٥) باللفظ.

حجة المانع : لو استعمل المتكلم اللفظة في حقيقتها ومجازها لكان جامعا بين المتنافيين وانما قلنا ذلك لوجهين :

أحدهما : أنه يكون مريدا لاستعمالها فيما وضعت له والعدول بها عنه.

__________________

١ ـ في نسخة : يلزمه.

٢ ـ في بعض النسخ تنضمهما.

٣ ـ في نسخة : أو.

٤ ـ في نسخة : إذا.

٥ ـ في نسخة : التكلم.

٥٣

والثاني : أن المتجوز يضمر كاف التشبيه ، ومستعمل الحقيقة لا يضمر ، فلو استعملها في المعنيين لاراد الاضمار وعدمه.

الجواب : لا نسلم كونه جامعا بين المتنافيين. قوله : « يكون مريدا لموضوعها والعدول عنه ». قلنا : يعني بالعدول كونه مريدا لاستعمالها في غير ما وضعت [ له ] كما أراد استعمالها فيما وضعت له؟ أم يريد استعمالها فيما وضعت له ( ولا ) (١) يستعملها فيه [ و ] الاول مسلم ولا ينفعك والثاني ممنوع.

قوله في الوجه الثاني : « يريد الاضمار وعدمه » قلنا : لا بالنسبة إلى شيء واحد بل بالنسبة إلى شيئين ، وذلك ليس بمتناف.

وأما بالنظر إلى اللغة ، فتنزيل المشترك على معنييه باطل ، لأنه لو نزل على ذلك لكان استعمالا له في غير ما وضع له ، لأن اللغوي لم يضعه للمجموع ، بل لهذا وحده ، ( و ) (٢) لذاك وحده ، فلو نزل عليهما معا لكان ذلك عدولا عن وضع اللغة.

حجة المخالف وجهان :

الاول : قوله تعالى « ان الله وملائكته يصلون على النبي » (٣).

الثاني : قول سيبويه : ( الويل ) : دعاء وخبر.

جواب الاول : ان في الآية اضمارا ، أما على قراءة النصب فلان ذلك أدخل في باب التعظيم ، وأما على قراءة الرفع فلان العطف على اسم ( ان ) لا يصح الا بعد تمام الخبر عند البصريين ، فكان التقدير : ان الله يصلي وملائكته يصلون.

__________________

١ ـ في نسخة : وألا.

٢ ـ في نسخة : أو.

٣ ـ الاحزاب / ٥٦.

٥٤

وعن الثاني : ان ذلك اخبار عن كون اللفظة موضوعة لهما معا ، وذلك غير موضع النزاع.

المسألة الرابعة : لا يجوز أن يخاطب الله عباده بما لا طريق لهم إلى العلم بمعناه خلافا للحشوية.

لنا : أن ذلك عبث ، فيكون [ لله ] قبيحا.

احتجوا : بقوله تعالى : « كأنه رؤوس الشياطين » (١) وبقوله تعالى « حم » (٢) و « الم » (٣) وما أشبهها.

والجواب : لا نسلم خلو ذلك عن الفائدة ، لأن الاول كناية عن ( القبيح ) (٤) واستعارة فيه ، والثاني اسم للسورة.

الفصل [ الثاني ] :

في المجاز وأحكامه ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : اكثر الناس على امكانه ووجوده ، ومنعه قوم امكانا ، وآخرون وقوعا.

لنا : [ ان ] اسم ( الحمار ) يستعمل في البليد ، وليس حقيقة فيه ، فهو مجاز.

احتجوا : بأن المجاز ان دل بدون القرينة فهو حقيقة ، ومعها لا يحتمل الا ذاك ، فهو حقيقة أيضا.

__________________

١ ـ الصافات / ٦٥.

٢ ـ الآية الاولى من السور التالية : غافر ، فصلت ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الاحقاف.

٣ ـ الآية الاولى من : البقرة ، وآل عمران ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان والسجدة.

٤ ـ في نسخة : القبح.

٥٥

جوابه : ان القرينة خارجة عن دلالة اللفظ ، وكلامنا في دلالته مفردا.

على : ان القرينة قد لا تكون لفظية ، وكلامنا في الدال بالوضع.

المسألة الثانية : المجاز ممكن الوجود في ( خطاب ) (١) الله تعالى ، وموجود ، خلافا لاهل الظاهر.

لنا : قوله تعالى : « جدارا يريد أن ينقض » (٢) و « جاء ربك » (٣) وقوله : « لما خلقت بيدي » (٤) وليست هذه موضوعة في اللغة لما أراده الله تعالى بها قطعا ، ولا الشارع نقلها ، لعدم سبق أذهان أهل الشرع عند اطلاقها إلى المراد بها ، فتعين أن يكون مجازا.

احتجوا : بأنه لو تجوز لكان ملغزا معميا.

وجوابه : أنه لا ألغاز مع القرينة.

المسألة الثالثة : اختلفوا في جواز تعدية المجاز [ عن ] ( موضع ) (٥) الاستعمال فأجازه قوم ، ومنعه الأكثر.

[ و ] احتج المانع : بأنه لو كفت العلاقة لصح تسمية الحبل الطويل نخلة ، كما سمي به الرجل الطويل ، ويسمى الابخر أسدا.

المسألة الرابعة : تشتمل على فوائد :

الاولى : لا يجوز خلو اللفظ ـ بعد الاستعمال ـ من كونه حقيقة أو مجازا لأنه : ان استعمل فيما وضع له فهو حقيقة ، والا فهو مجاز.

__________________

١ ـ في نسخة : كلام.

٢ ـ الكهف / ٧٧.

٣ ـ الفجر / ٢٢.

٤ ـ ص / ٧٥.

٥ ـ في نسخة : موضوع.

٥٦

الثانية : الحقيقة والمجاز لا يدخلان أسماء الالقاب ، لانها لم تقع على مسمياتها المعينة بوضع من أهل اللغة ولا من الشرع ، وإذا لم تكن كذلك لم يكن متسعملها في الاشخاص تابعا لاهل اللغة ، لا بالحقيقة ولا بالمجاز.

الثالثة : إذا تجرد اللفظ عن القرائن ( نزل ) (١) على حقيقته ، لأن واضع اللغة وضعه للدلالة على معناه فكأنه قال : عند الاطلاق أريد به ذلك المعنى ، فلولم يفد به عند الاطلاق كان ( ناقضا ) (٢).

قال جماعة من الاصوليين : يجب اطراد الحقيقة في فائدتها دون المجاز لأنا إذا علمنا أن أهل اللغة سموا الجسم طويلا عند اختصاصه ( بالطول ) (٣) ولولا ذلك لما سموه طويلا ، وجب تسمية كل جسم ( فيه ) (٤) طول بذلك ، قضية للعلة.

الفصل الثالث

في جملة من احكام الحروف :

الواو : للجمع المطلق ، ( لاجماع ) (٥) أهل اللغة على ذلك ، وأيضا : فانه يستعمل فيما يمتنع فيه الترتيب ، كقولنا : تقاتل زيد وعمرو.

واحتج : بانكار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قائل : من أطاع الله ورسوله فقد هدي ، ومن عصاهما فقد غوى ، بقوله : « قل : ومن عصى الله ورسوله ».

والجواب : ان الافراد أدخل في باب التعظيم من الجمع ، فلعله عليه‌السلام قصد

__________________

١ ـ في نسخة : يدل.

٢ ـ في نسخة : ناقصا.

٣ ـ في نسخة : بالطويل.

٤ ـ في نسخة : له.

٥ ـ في نسخة : لاطلاق.

٥٧

ذلك دون الترتيب.

الفاء : للتعقيب ، باجماع أهل اللغة. ( ومنهم ) (١) من جعلها للتراخي أيضا لقوله تعالى : « لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم » (٢) والاسحات ( متراخ ) (٣) عن ( الافتراء ) (٤) ، ولأن الفاء تدخل على التعقيب.

وجوابه : ان الاول تجوز ، والثاني تأكيد.

ثم : للمهلة ، وقال آخرون : الا في عطف الجمل كقوله تعالى : « لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى » (٥).

في : للظرفية خاصة ، وقيل : للسببية كقوله : عليه‌السلام « في خمس من الابل شاة » ، ولا يعرفه أهل اللغة.

قيل : الباء إذا دخلت على المتعدي تبعيضية ، وأنكر ذلك ابن جني.

انما : للحصر ، لأن ( ان ) للاثبات ، و ( ما ) للنفي ، فيجب أن يكون لنفي ما لم يذكر واثبات ما ذكر ، لاستحالة غيره من الاقسام ، ويؤيده قول الشاعر :

................................

وانما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

وقوله :

................................

وانما العزة للكاثر

[ ثم ] احتج المخالف : بقوله : « انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم » (٦).

[ و ] جوابه : انه للمبالغة.

__________________

١ ـ في نسخة : وفيهم

٢ ـ طه / ٦١

٣ ـ في نسخة : يتراخى

٤ ـ في نسخة : الفرية

٥ ـ طه / ٨٢

٦ ـ الانفال / ٢

٥٨

الباب الثاني

في الاوامر والنواهي

وفيه فصول

٥٩
٦٠