الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]
المحقق: محمد حسين الرضوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧
الفصل الاول
في النسخ ، وفيه مسائل :
المسألة الاولى : النسخ في الاصل هو الازالة ، من قولهم نسخت الشمس الظل ، والتغيير ، كما يقال : نسخت الريح الاثر ، وقيل : هو حقيقة في النقل ، مجاز في غيره ، وقيل : [ بل ] هو مشترك ، والبحث لفظي.
وفي الشرع : عبارة عن الاعلام بزوال مثل الحكم الثابت بالدليل الشرعي بدليل شرعي متراخ عنه ، على وجه لولاه لكان الحكم الاول ثابتا.
ومن الناس من يجعل النسخ رفعا ، ومنهم من يجعله بيانا لانتهاء مدة الحكم الاول.
والناسخ : هو الدليل الثاني ، وقد يطلق الناسخ على ناصب دلالة النسخ ، وقد يتجوز به في الحكم ، كما يقال : نسخ شهر رمضان صوم عاشوراء ، وفي المعتقد ، كما يقال : الحنفي ينسخ القرآن بالسنة.
والمنسوخ : هو الدليل الاول ، وقد يستعمل في الحكم ، ولا يطلق النسخ بالحقيقة الا حيث يكون الدليلان شرعيين ، فلو كانا عقليين أو أحدهما ، لم يكن ذلك نسخا بالحقيقة ، وان كان معنى النسخ موجودا فيه.
المسألة الثانية : النسخ في الشرائع جائز عقلا وشرعا :
أما عقلا فلوجهين :
أحدهما أن الشرائع تابعة للمصالح ، وهي جائزة الاختلاف ، فجاز اختلاف ما هو تابع لها.
الثاني أن الدلائل القطعية دلت على نبوة نبينا صلىاللهعليهوآله ويلزم من ذلك نسخ شرع من قبله.
وأما شرعا فوجوه :
أحدها : [ ما ] نقل أن نوحا عليهالسلام احل له كل دابة ، ثم حرم على لسان موسى عليهالسلام كثير من الحيوان.
الثاني : قوله تعالى : « ما ننسخ من آية أو ننسها ، نأت بخير منها أو مثلها » (١).
الثالث : وقوع النسخ في شرعنا ، كنسخ التوجه إلى بيت المقدس باستقبال الكعبة ، ونسخ الاعتداد في الوفاة بالحول إلى أربعة أشهر وعشر ، ونسخ ثبات الواحد في الجهاد لعشرة إلى ثباته لاثنين.
احتج المانع بوجوه :
الاول : لو جاز النسخ ، لزم منه الأمر بالشيء والنهي عنه ، لكن ذلك فاسد من وجوه :
الاول : انه يلزم منه البداء.
الثاني : انه يؤدي إلى كون الشيء حسنا [ و ] قبيحا.
الثالث : ان يكون الأمر يدل على حسن المأمور ، فلو نهى عنه لانتقضت تلك الدلالة.
__________________
١ ـ البقرة / ١٠٦
الوجه الثاني : ان اطلاق الأمر يدل على استمرار الالزام بالفعل ، فلو لم يرد دوامه ، لوجب بيان مدته ، والا لزم الاغراء باعتقاد الجهل.
الوجه الثالث : لو جاز النسخ لزم رفع الثقة بدوام الاحكام ، وتمسك اليهود في المسألة بقول موسى عليهالسلام : « تمسكوا بالسبت [ أبدا » وبقوله : « تمسكوا بالسبت ] مادامت السماوات والارض ».
والجواب عن الاول ( أن نقول : لا نسلم ) (١) أنه يلزم منه الأمر بالشيء والنهي عنه ، لأنا بينا أن الدليل الاول تناول غير ما تناوله الثاني وانما يلزم البداء لو كان الأمر بنفس ما نهى عنه ، والوقت والمكلف واحد.
قوله : لو نهى عنه لانتقضت دلالة الحسن.
قلنا : لا نسلم أن الدليل الثاني دل على قبح ما لم يدل عليه الاول ، فلم تنتقض دلالته ، وجرى ذلك مجرى ما علم زواله عقلا ، فان الشرع إذا دل على وجوب فعل ، فإذا عجز عنه [ المكلف ] سقط بالعجز ، ولا يلزم أن يكون العجز ناقضا لدلالة الوجوب ، فكذا مسألتنا.
والجواب عن الثاني : قوله لو لم يرد دوامه لبينه والالزم الاغراء باعتقاد الجهل.
قلنا : لا نسلم ، لأن المكلف يعلم أن تغير المصالح يوجب تغير التكاليف وذلك يمنعه عن القطع باعتقاد الدوام.
قوله في الوجه الثالث : يلزم أن لا يحصل الوثوق بدوام شيء من الاحكام.
قلنا : نحن نعلم دوام كثير من الاحكام بالضرورة من مقاصد الشرع ، فيكون الوثوق بالدوام حيث [ يكون ] الأمر كذلك دون غيره.
المسألة الثالثة : الزيادة على النص ان كانت رافعة لمثل الحكم الشرعي
__________________
١ ـ في نسخة : أنا لا نسلم.
المستفاد من الحكم الشرعي ، كانت نسخا ، وان كانت رافعة لحكم من أحكامه المستفادة من العقل ، لم يكن ذلك نسخا.
وفائدة ذلك : ما ثبت أن خبر الواحد لا ينسخ به حكم الدليل المقطوع به فكل موضع ( تعده ) (١) نسخا لا يجوز استعمال خبر الواحد فيه.
وقال [ السيد ] المرتضى « ره » ، وأبو جعفر « ره » : ان كانت [ الزيادة ] مغيرة للمزيد عليه ، بحيث لو فعل كما كان يفعل قبل الزيادة ، لم يكن مجزيا ، ووجب استئنافه ، كان ذلك نسخا ، والا فلا.
لنا : ما بيناه أولا من أن شرط النسخ أن يكون رافعا لمثل الحكم الشرعي المستفاد بالدليل الشرعي ، فبتقدير أن يكون ذلك الحكم مستفادا من العقل لا يكون الرفع [ لمثله ] نسخا حقيقيا ، والا لكان كل خبر يرفع البراءة الاصلية نسخا ، وهو باطل.
لا يقال : لو وجبت الصلاة ركعتين ، ثم زيد عليها [ ركعة ] أخرى لكانت ناسخة ، لأن التسليم وجب تأخيره إلى ما بعد الثالثة ، وقد كان يجب أن يكون عقيب الثانية ، ولأن الركعتين كانتا مجزيتين بانفرادهما ( فصارتا ) (٢) غير مجزيتين لو انفردتا.
لأنا نقول : لا نسلم أن ذلك نسخ لوجوب الركعتين ، ولا للتشهد وان كان التغير فيهما ثابتا ، بل بتقدير أن يكون الشرع دل على ( وجوب تعقيب التشهد بالتسليم ) (٣) للثانية ، يلزم أن يكون الأمر بتأخيره نسخا لتعجيله ، إذ لم
__________________
١ ـ في نسخة : نعده.
٢ ـ في بعض النسخ : فعادتا.
٣ ـ كذا الظاهر ، ولكن في بعض النسخ : وجوب تعقيب التشهد ، وفي أخرى : وجوب تشهد التسليم.
يرفع [ الدليل ] الثاني شيئا غير ذلك.
واما الركعتان فان حكمهما باق من كونهما واجبتين ، وغاية ما في الباب أن وجوبهما كان منفردا ، فصار منضما إلى الثالثة ، والشئ لا ينسخ بانضياف غيره إليه ، كما [ لا ] ينسخ وجوب فريضة واحدة إذا وجب بعدها أخرى.
وأما كونهما لو انفردتا [ لما ] أجزأتا بعد أن كانتا مجزئتين ، فان الاجزاء يعلم لامن منطوق الدليل ، بل علم بالعقل ، فلم يكن نسخا ، ولو علم الاجزاء من نفس الدليل الشرعي ، لكان المنسوخ اجزاؤهما منفردتين ، لا وجوبهما.
المسألة الرابعة : النقيصة من العبادة لا تكون نسخا لها ، سواءا كان الناقص جزءا منها أو شرطا لها ، لكن ان دل الدليل الشرعي على وجوب ذلك الجزء أو ذلك الشرط ، ثم دل الآخر على ارتفاعه ، كان ذلك نسخا للجزء ( والشرط ) (١) خاصة ، دون نفس العبادة.
مثال ذلك : إذا أوجب صلاة ثلاثية مثلا ، ثم أسقط منها ركعة ، كان ذلك نسخا لتلك الركعة حسب ، ولم يكن نسخا للصلاة كلها ، أو أوجب فريضة وشرط لها شرطا ثم أسقط ذلك الشرط ، كان نسخا له حسب ، ولم يكن نسخا للفريضة.
لنا : ان الدليل المقتضي لثبوت الحكم السابق ثابت ، والدليل الثاني ليس رافعا لمثل حكمه ، فلا يكون نسخا.
فان قالوا : العبادة الاولى كانت غير مجزية بتقدير أن لا يفعل الشرط ، وقد صارت الان مجزية ، فقد انتسخ الاجزاء.
قلنا : لا نسلم أن ذلك نسخ ، لأنا قد بينا أن الاجزاء إذا لم يتضمنه الدليل الشرعي يكون معلوما بالعقل ، فلا يكون زواله نسخا ، ولو سلمنا أن ذلك نسخ ،
__________________
١ ـ في نسخة : وللشرط
لكان نسخا للاجزاء ، لا نسخا للعبادة.
المسألة الخامسة : يعلم النسخ بأن يقال : هذا ناسخ ، وذاك منسوخ ، أو يكون حكم أحد الدليلين مضادا لحكم آخر ، فيكون المتأخر ناسخا ، ويعلم التاريخ بوجوه :
منها : أن يتضمن لفظ أحدهما ما يدل على التأخر أو التقدم.
ومنها : أن يضاف أحدهما إلى زمان أو مكان يعلم منه التقدم أو التأخر.
ومنها : أن يروي احدى الروايتين عن النبي صلىاللهعليهوآله من انقطعت صحبته عند تجدد صحبة راوي الاخرى.
وهل يقبل قول الصحابي إذا قال : كذا منسوخ مطلقا ، أو منسوخ بكذا؟ الاظهر : لا ، إذ يجوز ان يكون قال ذلك اجتهادا ، لا عن سماع ، وقد يخطئ المجتهد.
الفصل الثاني
في مباحث متعلقة بالناسخ ، وفيه مسائل :
المسألة الاولى : من شرط الناسخ أن يكون المراد به غير المراد بالمنسوخ نفسه ، إذ لو اريد ازالة المنسوخ نفسه لكان أمرا بنفس ما نهى عنه ، ويلزم من هذا البداء.
المسألة الثانية : من شرط الناسخ أن يكون متراخيا ، لأنه لو كان متصلا لما كان نسخا ، كما في قوله تعالى : « ولا تقربوهن حتى يطهرن » (١) ( وقوله ) (٢)
____________
١ ـ البقرة / ٢٢٢
٢ ـ في نسخة : وكقوله
تعالى : « ثم اتموا الصيام إلى الليل » (١) بل ذلك بالتقييد والتخصيص أشبه.
المسألة الثالثة : من شرط [ الناسخ ] أن يكون في قوة المنسوخ ، فلا ينسخ المتواتر بالآحاد ، ولا المعلوم بالمظنون كالقياس وما شاكله.
الفصل الثالث
في مباحث متعلقة بالمنسوخ ، وربما وقعت مشتركة ، وفيه مسائل :
المسألة الاولى : إذا تضمن الدليل الاول لفظ التأبيد ، هل يجوز نسخه؟.
أنكره قوم ، والحق خلافه ، لأنه قد يستعمل فيما لايراد به الدوام ، فانه يقال تعلم العلم أبدا. ولو سلمنا أنه حقيقة في الدوام ، لكان ورود الناسخ يدل على أنه لم يرد به الدوام ، وكما أن العام حقيقة في الاستغراق ثم مع ورود المخصص يعلم أنه لم يرد ، فكذا هنا.
المسألة الثانية : يجوز نسخ الحكم لا إلى بدل ، ومنعه قوم.
لنا : نسخ الصدقة بين يدي المناجاة لا إلى بدل ، ولأن النسخ تابع للمصلحة فإذا كان الشيء مصلحة في وقت امر به ، وإذا انقلب [ إلى ] مفسدة نهي عنه ، ( ثم لا يلزم ) (٢) البدل.
المسألة الثالثة : لابد أن يكون المنسوخ مطلقا غير موقت بوقت معين لأنه لو وقت لم يكن ذلك نسخا ، لأن شرط تسميته أن يثبت الحكم لولا الدليل المتراخي ، وذلك غير حاصل في هذه الصورة.
المسألة الرابعة : لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله ، مثل أن يأمر في
__________________
١ ـ البقرة / ١٨٧
٢ ـ في نسخة : ولا يلزم
أول النهار بصلاة ركعتين عند الزوال ، ثم ينسخهما قبل ذلك ، وهو اختيار المرتضى « ره » ، وأبي جعفر ره. وقال المفيد « ره » : ( يجوز ) (١) ذلك ، وهو اختيار جماعة من الفقهاء والاشعرية.
لنا : لو وقع ذلك ، لزم أن يأمر بنفس ما نهى عنه ، لكن ذلك محال لوجهين :
الاول : أن الأمر يقتضي كونه حسنا ، والنهي يقتضي كونه قبيحا ، فيلزم كونه حسنا قبيحا معا.
[ و ] الثاني : أن الفعل الواحد اما أن يكون حسنا ، واما أن يكون قبيحا [ فبتقدير أن يكون حسنا يلزم قبح النهي عنه ، وبتقدير أن يكون قبيحا ] يقبح الأمر به.
احتج المجيز لذلك بوجوه :
الاول : قوله تعالى : « يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب » (٢).
الثاني : انه تعالى أمر ابراهيم عليهالسلام بذبح اسماعيل ، ثم نسخ ذلك قبل ذبحه.
الثالث : ما روي أن النبي صلىاللهعليهوآله أمر ليلة المعراج بخمسين صلاة ، ثم اقتصر به على خمس.
ولان المصلحة قد تتعلق بنفس الأمر والنهي ، فجاز الاقتصار علهيما من دون ارادة فعل [ الاول وترك الثاني ].
والجواب عن الاول : أن المحو والاثبات معلقان على المشيئة ، فلا نسلم
__________________
١ ـ في بعض النسخ : بجواز
٢ ـ الرعد / ٣٩
أنه يشاء مثل هذا القدر ، على أنه ( يحتمل ) (١) أن يكون يمحو ما يشاء مما يثبته غيره ، وكذلك يثبت ما يشاء ، فمن أين أنه يمحو ما يثبته هو تعالى.
وقد قيل أن الحفظة تثبت على العبد معاصيه وطاعاته ، فيمحو الله سبحانه ما يشاء من المعاصي ، وهذا وان لم يكن معلوما ، فهو محتمل ، وبمثله يخرج الاحتجاج عن اليقين.
والجواب عن الثاني : لم لا يجوز أن يكون الأمر كان بمقدمات الذبح؟ ويكون الذبح ـ وان نطق به ـ غير مراد ، ويدل على ذلك قوله تعالى : « قد صدقت الرؤيا » (٢).
لا يقال : لو كان [ ذلك ] ، مرادا لما قال : « فانظر ماذا ترى » (٣) ولما قال : « ان هذا لهو البلاء المبين » (٤) ولما قال : « وفديناه بذبح عظيم » (٥).
لأنا نقول : غلب على ظن ابراهيم أن المراد الذبح ، فلهذا قال « ماذا ترى » وبواسطة ذلك الظن قال : « ان هذا لهو البلاء المبين ». وأما الفداء فقد يجوز أن يسمى بذلك وان لم يجب ذبح المفدى ، لمكان ظن ابراهيم أنه تعالى أراد الذبح.
والجواب عن الثالث : أنه خبر واحد ، لا يثبت بمثله مسائل الاصول ، على أن فيه طعنا على الانبياء بالاقدام على المراجعة في الاوامر المطلقة.
والجوب عن الرابع : أن الأمر والنهي يتبعان متعلقهما ، فان كان حسنا
__________________
١ ـ في نسخة : محتمل
٢ ـ الصافات / ١٠٥
٣ ـ الصافات / ١٠٢
٤ ـ الصافات / ١٠٦
٥ ـ الصافات / ١٠٧
كانا كذلك ، والا قبيحا ، على أنه لو كان الأمر كذلك ، لم يكن متعلق الأمر مرادا ، فلا يكون مأمورا به فلا يكون النسخ متناولا له.
المسألة الخامسة : النسخ في القرآن جائز ، ويدل على ذلك وقوعه ، كنسخ عدة الوفاة بالحول إلى أربعة أشهر وعشر ، وكنسخ الصدقة أمام المناجاة ، وكنسخ الفرار من الزحف من العشرة.
احتج المانع : بقوله تعالى : « لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه » (١)
والجواب : لا نسلم أن النسخ باطل ، ولا يلزم من كونه ابطالا ، أن يكون باطلا. سلمناه جدلا ، لكن لم لا يجوز أن يكون « مابين يديه » اشارة إلى كتب الانبياء المتقدمة؟ و « خلفه » اشارة إلى ما [ يكون ] بعد النبي صلىاللهعليهوآله أو بعد كمال نزوله ، وهذا الاحتمال كاف في ابطال الاحتجاج.
المسألة السادسة : نسخ الحكم دون التلاوة جائز ، وواقع ، كنسخ الاعتداد بالحول ، وكنسخ الامساك في البيوت.
كذلك نسخ التلاوة مع بقاء الحكم جائز ، وقيل : واقع ، كما يقال انه كان في القرآن زيادة نسخت ، وهذا و ( ان لم يكن ) (٢) معلوما ، فانه يجوز.
لا يقال : لو نسخ الحكم ( لما ) (٣) بقي في التلاوة فائدة ، فانه من الجائز أن يشتمل على مصلحة تقتضي ابقائها ، وأما بطلان دلالتها فلا نسلم ، فان الدلالة باقية على الحكم ، نعم لا يجب العمل به.
المسألة السابعة : يجوز دخول النسخ في الاخبار التي تتضمن معنى الأمر ومعنى النهي ، كما يجوز في الأمر والنهى. وكذلك في الخبر المأمور به ،
__________________
١ ـ فصلت / ٤٢
٢ ـ في نسخة : لو لم يكن
٣ ـ في نسخة : ما
كالاخبار بالتوحيد والعدل ، فيؤمر بذلك الخبر تارة ، وينهى عنه أخرى بحسب اختلاف المصلحة ، وهذا لا بحث فيه.
وهل يجوز أن يخبر الله تعالى بخبر محض ، ثم يخبر بخلافه؟ نظر ، فان كان ذلك المخبر مما يتغير مدلول الخبر فيه ، أمكن ذلك ، والا لم ( يجز ) (١).
المسألة الثامنة : نسخ الكتاب بالكتاب جائز ، والسنة المتواترة بمثلها ، والآحاد بالآحاد ، كما قيل في ادخار لحوم الاضاحي ، وزيارة القبور.
وهل يجوز نسخ السنة المتواترة بخبر الواحد؟ منعه الأكثرون ، وهو الحق وقال قوم من أهل الظاهر بجوازه.
لنا : وجوه :
أحدها : أن ( خبر ) (٣) الواحد مظنون ، والمتواتر معلوم ، ولا يجوز ترك المعلوم للمظنون.
الثاني : ان خبر الواحد مختلف في العمل [ به ] ، وليس كذلك المتواتر ، فيكون العمل بالمتفق عليه أولى.
الثالث : لو وجب العمل بخبر الواحد لكونه منسوبا إلى صاحب الشرع ، لوجب في المتواتر ، فيلزم التناقض ، ولو عمل بالمتواتر لكونه متواترا ، لم يلزم العمل بالخبر الواحد ، فلا يلزم التناقض.
احتج الخصم بوجهين :
أحدهما : يجوز التخصيص به ، فيجوز النسخ به.
الثاني : وقع النسخ به ، كما في قوله تعالى : « واحل لكم ما وراء ذلكم » (٣)
__________________
١ ـ يظهر من احدى النسخ ( يخبر )
٢ ـ في نسخة : الخبر
٣ ـ النساء / ٢٤
بقوله : « لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ».
وقوله تعالى : « قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه » (١) بنهيه عن كل ذى ناب من السباع.
والجواب عن الاول : أن نمنع تخصيص الكتاب بخبر الواحد. ثم لو سلمناه لما لزم من التخصيص النسخ ، لأن النسخ ازالة الحكم ، والتخصيص ليس كذلك.
وعن الثاني : لا نسلم أن ذلك نسخ ، بل هو تخصيص ، على أنا لا نسلم أن التخصيص واقع بمجرد الخبر ، بل لكون الامة تلقته بالقبول وذلك غير ما نحن فيه.
المسألة التاسعة : يجوز نسخ السنة المتواترة بالقرآن ، خلافا للشافعي.
لنا : وقوعه ، فان استقبال بيت المقدس نسخ بقوله : « فول وجهك شطر المسجد الحرام » (٢) وتحريم المباشرة : [ بالليل ] نسخ : بقوله « فالان باشروهن » (٣)
احتج الشافعي : بقوله تعالى : « لتبين للناس ما نزل إليهم » (٤) فلو نسخ قوله بالقرآن [ حتى يتبين ] ، لما كان قوله بيانا.
والجواب : لا نسلم أنه يلزم من كونه مبينا ما نزل الينا ، أن لا يكون في المنزل [ بيان ] لبعض أقواله.
المسألة العاشرة : نسخ الكتاب بالسنة المتواترة واقع ، وحكى عن الشافعي انكاره.
__________________
١ ـ الانعام / ١٤٥
٢ ـ البقرة / ١٤٤
٣ ـ البقرة / ١٨٧
٤ ـ النحل / ٤٤
لنا : ان السنة المتواترة يقينية ، فتكون مساوية للقرآن في اليقين ، فكما جاز نسخ الكتاب بالكتاب ، جاز نسخه بالسنة المساوية في العلم ، ولأن الزانية كان يجب امساكها في البيوت ، ونسخ ذلك بالرجم في المحصنة.
احتج المانع : بقوله تعالى : « ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها » (١) والسنة ليست مماثلة للقرآن.
وبقوله : « قل ما يكون لي أن أبد له من تلقاء نفسي ان أتبع الا ما يوحى إلى » (٢).
والجواب عن الاول : انه لا يلزم أن يكون المأتى به عوض المنسوخ ناسخا ، فلم لا يجوز أن تنسخ الآية بالسنة وهي دونها ، ثم يأتي الله بآية خير من المنسوخة ولا تتضمن حكم النسخ.
والجواب عن الثاني : أنا نسلم أنه لايبد له الا بوحى من الله ، ولا يلزم أن يكون الناسخ قرآنا ، بل يجوز أن يكون الأمر بالنطق بالناسخ قرآنا ، وذلك [ مما ] لا ينافي ما قصدنا.
المسألة الحادية عشرة : في الاجماع ، هل ينسخ وينسخ به أم لا؟ يحتاج ذلك إلى تقديم مقدمة :
وهي ان الاجماع هل يمكن استقراره قبل انقطاع الوحي أم لا؟ أنكر ذلك الجمهور بأجمعهم ، وأجازه بعض أصحابنا.
أما الجمهور فقالوا : إذا اتفق المسلمون على شيء في زمن النبي صلىاللهعليهوآله فان كان منضما إلى قوله صلىاللهعليهوآله ففيه الحجة ، لا في قول غيره ، فلم يكن اجماعا ، وان كان منفردا عن قوله صلىاللهعليهوآله لم يعتد به.
__________________
١ ـ البقرة / ١٠٦
٢ ـ يونس / ١٥
وأما المرتضى « ره » فانه أجاز وقوع الاجماع في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بناءا على أن الاجماع هو اتفاق من يعلم أن المعصوم عليهالسلام في جملتهم ، وبأن الأدلة التي استدلوا بها على صحة الاجماع لا تختص بما بعد انقطاع الوحي.
وقول الجمهور : لا اعتبار بقول الجماعة ، ضعيف ، لأنه لولا اتفاق الجماعة لما علم قول النبي صلىاللهعليهوآله فكان اتفاقهم منضما إلى قوله من غير تعيين حجة.
إذا عرفت هذا فنقول : اختلف أصحابنا في الاجماع ، هل ينسخ وينسخ به؟ فقال المرتضى « ره » : يجوز ذلك عقلا ، لكن الاجماع منع منه. وقال [ شيخنا أبو جعفر ] الطوسي : الاجماع دليل عقلي ، والنسخ لا يكون الا بدليل شرعى ، فلم يتحقق النسخ فيما يكون مستنده العقل ، وقال بعض المتأخرين : الاجماع لا يكون الا اتفاقا ، ولا يكون الا عن مستند قطعي ، فيكون الناسخ ذلك المستند لا نفس الاجماع ، وفي هذه الوجوه اشكال.
والذي يجيء على مذهبنا أنه يصح دخول النسخ فيه ، بناءا على أن الاجماع انضمام اقوال إلى قول لو انفرد لكانت الحجة ، فيه ، فجائز حصول مثل هذا في زمن النبي صلىاللهعليهوآله ثم ينسخ ذلك الحكم بدلالة شرعية متراخية ، وكذلك يجوز ارتفاع الحكم المعلوم من السنة أو القرآن بأقوال يدخل في جملتها قول النبي صلىاللهعليهوآله .
المسألة الثانية عشرة : هل يدخل النسخ فحوى الخطاب؟ الحق : نعم ، لأنه دليل شرعي ، فجاز رفع الحكم الثابت به ، كغيره من الأدلة ، لكن يجوز رفع المنطوق والفحوى ، [ ورفع الفحوى ] دون المنطوق ، إذا تعلقت به مصلحة وان كان فيه بعد.
وهل يجوز رفع المنطوق به دون ما دلت عليه الفحوى؟ هذا جائز ، وانكر ذلك قوم ، وزعموا أن الفحوى انما علمت تبعا [ للتصريح ] (١) فإذا رفع الاصل تبعه الفرع.
__________________
١ ـ في نسخة : للصريح
الباب التاسع
في الاجتهاد
وفيه فصول :
الفصل الاول
وفيه مسائل :
المسألة الاولى : في حقيقة الاجتهاد.
الاجتهاد : افتعال من الجهد ، وهو في الوضع : بذل المجهود في طلب المراد مع المشقة ، لأنه يقال : « اجتهد » في حمل الثقيل ، ولا يقال ذلك في حمل الحقير.
وهو في عرف الفقهاء : بذل الجهد في استخراج الاحكام الشرعية ، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الاحكام من أدلة الشرع اجتهادا ، لانها ( تبتنى ) (١) على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر ، وسواء كان ذلك الدليل قياسا أو غيره ، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الاجتهاد.
فان قيل : يلزم على هذا أن يكون الامامية من أهل الاجتهاد.
قلنا : الأمر كذلك ، لكن فيه ( ايهام ) (٢) من حيث أن القياس من جملة
__________________
١ ـ في نسخة : تبنى.
٢ ـ كذا الظاهر وفي النسخ : ابهام.
الاجتهاد ، فإذا استثنى القياس كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل الاحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس.
المسألة الثانية : لا يجوز أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله متعبدا بالقياس في الاحكام الشرعية ، لأنا نستدل [ على ] أن العبادة لم ترد بالعمل به.
وهل يجوز أن يكون متعبدا باستخراج الاحكام الشرعية بالطرق النظرية الشرعية عدا القياس؟ لا نمنع من جوازه ، وان كنا ( لا نعلم ) (١) وقوعه.
وعلى هذا التقدير ، فهل يجوز أن يخطئ في اجتهاده؟ الحق أنه لا يجوز ، لوجوه :
الاول : أنه معصوم من الخطأ ، عمدا ونسيانا ، بما ثبت في الكلام ، ومع ذلك يستحيل عليه الغلط.
الثاني : انا مأمورون باتباعه ، فلو وقع منه الخطأ في الاحكام ، لزم الأمر بالعمل بالخطأ ، وهو باطل.
الثالث : لو جاز ذلك لم يبق وثوق بأوامره ونواهيه ، فيؤدي ذلك إلى التنفير عن قبول قوله.
احتج المجيز لذلك بوجهين :
الاول : قوله تعالى : « قل انما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ » (٢) ويلزم من المماثلة جواز الغلط عليه.
الثاني : قوله عليهالسلام : « فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه ان ما أقطع له (٣) قطعة من النار » وهذا يدل [ على ] أنه يجوز منه الغلط في الحكم
والجواب عن الاول : انه لا يلزم من المماثلة في البشرية المساواة في
__________________
١ ـ في نسخة : نعلم ، وهو خطأ.
٢ ـ الكهف / ١١٠
٣ ـ زاد في نسخة : به