معارج الأصول

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

معارج الأصول

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: محمد حسين الرضوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

باطل ، لأنه قد ينكشف بطلان الخبر في كثير من ذلك ، نعم ، [ قد ] يفيد الظن القوي ، ولا أحيل في بعض الاخبار انضمام قرائن قوية كثيرة تبلغ إلى حد يفيد معها العلم.

المسألة الثانية : يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا ، خلافا لابن قبه من أصحابنا وجماعة من علماء الكلام.

لنا : أن التعبد به يجوز اشتماله على مصلحة ، فيجب الحكم بجواز التعبد به ، أما الاولى : فلان المانع من اشتماله على المصلحة هو ما يذكره الخصم ونحن نبطله ، وأما انه إذا كان كذلك ، وجب الحكم بجواز التعبد به ، فلان الشرائع ( مقترنة ) (١) بالمصالح ، والحكمة الالهية موكولة برعايتها ، فيجب في الحكمة مهافتة (٢) الشارع على نصبها.

احتج الخصم بوجهين :

أحدهما : ان خبر الواحد لا يوجب العلم ، فيجب أن لا يعمل به ، والاولى ظاهرة ، ولأنا لانتكلم الا فيما هذا شأنه من الاخبار ، وأما الثانية فلانه عمل بما لا يؤمن كونه مفسدة ، وأيضا قوله تعالى : « وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون » (٣)

الوجه الثاني : ثبت أنه لا يقبل خبر النبي (ص) الا بعد قيام المعجزة على صدقه ، ففي من عداه أولى.

وجواب الاول : ان الامان من كونه مفسدة حاصل عند قيام الدلالة على العمل به.

وجواب الثاني : التزام التسوية ، ( فلانا ) (٤) لا نعمل بخبره ما لم تقم الدلالة

__________________

١ ـ وفي نسخة : معذوقه ، أي موسومه.

٢ ـ كذا في النسخ

٣ ـ البقرة / ١٦٩.

٤ ـ في نسخة : فانا.

١٤١

على العمل به.

ثم الوجهان منقوضان بالعمل بشهادة الشاهدين ، واستقبال القبلة عند غلبة الظن وعدم العلم بجهتها ، وغير ذلك من الظنون الواردة في الشرع.

المسألة الثالثة : إذا ثبت [ جواز ] التعبد بخبر الواحد ، فهل هو واقع أم لا؟ منعه المرتضى « ره » ، وقال أكثر المعتزلة والفقهاء من العامة بوقوعه ، واعتبر أبو علي في الخبر رواية عدلين حتى يتصل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واكتفى الباقون برواية الواحد العدل ، وعمل به الطوسي « ره » إذا كان الراوي من الطائفة المحقة وكان عدلا.

احتج المرتضى « ره » : بأنه لو وجب العمل به لعلم اما بالعقل أو ( بالنقل ) (١) والقسمان باطلان.

أما الملازمة : فلانه لو كان التكليف به واردا لكان للمكلف إليه طريق ، لأن تكليف ما لا طريق ( إلى العلم ) (٢) به قبيح عقلا.

وأما انحصار الطريق في العقل والنقل فظاهر ، وأما انتفاء اللازم فبما سنبطل به معتمد المخالف ، وهم طائفتان : طائفة تتمسك بالعقل كابن سريج واتباعه ، و ( أخرى ) (٣) بالنقل وهم الأكثر كالقاضي وأبي عبد الله ومن تبعهما ، ومنهم من يجمع في الدلالة بين العقل والنقل كالقفال وأبي الحسين.

احتج ابن سريج بأن العمل بخبر الواحد دافع للضرر ، وكلما كان كذلك كان واجبا ، أما أنه دافع للضرر فلان المخبر عن الرسول إذا كان ثقة يغلب على الظن صدق قوله ، ومخالفته مظنة للضرر ، وأما أن دفع الضرر واجب

__________________

١ ـ في نسخة : النقل.

٢ ـ في نسخة : للعلم.

٣ ـ في نسخة : الاخرى.

١٤٢

فضروري.

والجواب : لا نسلم أن مخالفة الخبر مظنة للضرر ، وهذا لأن علمنا بوجوب نصب الدلالة من الشارع على ما يتوجه التكليف به ، يؤمننا الضرر عند ظن صدق المخبر ، ثم ما ذكروه منقوض برواية الفاسق لا بل برواية الكافر ، فان الظن يحصل عند خبره ، لا يقال : لولا الاجماع لقلنا به ، لأنا نقول : حيث منع الاجماع من اطراد هذه الحجة ، دل على بطلانها ، لأن الدليل العقلي لا يختلف بحسب مظانه.

ثم ان الحجة مقلوبة عليهم ، لأنه لو وجب العمل بخبر الواحد لجواز اشتماله على مصلحة لا يؤمن الضرر بفواتها ، فليجب اطراحه لجواز اشتماله على مفسدة لا يؤمن الضرر بفعلها ، ويلزم ( على ما ذكروه ) (١) وجوب العمل بقول مدعي النبوة دون المعجز بعين ما ذكروه.

واحتج المتمسكون بالنقل بوجوه :

الاول : [ قوله تعالى ] : « فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون » (٢).

ووجه الدلالة : أن الله تعالى أوجب الحذر بخبر الواحد ، ومتى وجب الحذر وجب العمل [ لأن ] عند سماع الخبر المحذر : اما أن يمتنعوا عن استباحة ما حذر عنه ، وهو عمل به ، وإذا عمل به في موضع وجب في كل موضع ، إذ لا قائل بالفرق ، واما أن لا يمتنعوا ، وذلك يقتضي ترك الحذر الذي دلت الآية على وجوبه.

__________________

١ ـ في نسخه : مما ذكروه ،

٢ ـ التوبة / ١٢٢.

١٤٣

الثاني : قوله تعالى : « ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا » (١).

ووجه الدلالة : انه أمر بالتبين عند كونه فاسقا ، ( فوجب ) (٢) أن لا يحصل وجوب التبين عند عدمه ، والا لما كان لتعليق التبين على الفسوق فائدة.

الثالث : انه عليه‌السلام كان يبعث رسله الى البلدان والقبائل ، وهم آحاد ، ويوجب على المرسل إليهم القبول من المرسل.

الرابع : أجمعت الصحابة على العمل بخبر الواحد ، واجماع الصحابة حجه ، أما انهم أجمعوا فلانهم رجعوا الى أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغسل من التقاء الختانين ، ورجع أبو بكر في توريث الجدة إلى خبر المغيره ، ورجع عمر الى رواية عبد الرحمن في سيرة المجوس بقوله : « سيروا بهم سنة أهل الكتاب » ، ومنع من توريث المرأة من دية زوجها ، ورجع عن ذلك بخبر الضحاك بن قيس ، وعن علي عليه‌السلام : « كنت إذا سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني ، فإذا حدثني به غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته » ، وعمل علي عليه‌السلام بخبر المقداد في المذي ، وهذه الاخبار وان كانت آحادا ، فان معناها متواتر ، كما يعلم كرم حاتم ، وشجاعة عمرو ، وان كانت مفردات أخبارهما آحادا.

لا يقال : لم لا يجوز أن تكون الصحابة عملت عند هذه الاخبار ، لابها؟

لأنا نقول : لو عملوا لابها ، لوجب نقل ذلك الموجب للعمل دينا وعادة لأن الجماعة إذا مستهم الحاجة إلى كشف ملتبس ظهر منهم الاستبشار عند وضوحه ، والتعجب من حصوله ، فيظهر لا محالة ، ولو صح من الواحد ستره لما استمر (٣) في الجماعة كلهم ، ولكان يحدوهم الدين إلى اظهار السبب الموجب

__________________

١ ـ الحجرات / ٦.

٢ ـ في نسخة : فيجب.

٣ ـ كذا في النسخ ، ولعل الصواب : استتر

١٤٤

للعمل لئلا يحصل التوهم انهم عملوا للخبر ، وإذا ثبت أن بعضهم عمل بما ذكرناه ولم ينكر الباقون مع ارتفاع الموانع من الانكار ، كان ذلك اجماعا.

والجواب عن الآية الاولى أن نقول : لا نسلم وجوب الحذر ، فان قال : ( لعل ) في حق الله للوجوب ، قلنا : هي في حقه للوجوب بمعنى تحقق حصول ما دخلت عليه ، لا بمعنى استحقاق الذم بتركه.

سلمنا أن الحذر واجب عنده ، لكن لا نسلم أنه يلزم العمل بمضمونه ، ولم لا يكون ثمرة الحذر ( البعث على ) (١) استعلام الحق والفحص عنه؟! على أن وجوب الحذر ينافي العمل بخبر الواحد إذ مع العمل به يؤمن الحذر ، فكيف يكون سببا له؟

ثم نقول : كما يحتمل ذلك نقل الخبر يحتمل نقل الفتوى ، ومع قيام الاحتمال لا يعود حجة على ( موضع ) (٢) النزاع على أن تناوله ( للفتوى ) (٣) أولى ، لقوله تعالى : « ولينذروا قومهم » (٤) لأن العمل بالخبر يختص العلماء دون غيرهم ، ( فتنزيلها ) (٥) على الاعم أولى.

والجواب عن الآية الثانية أن نقول : الاستدلال بها مبني على القول بدليل الخطاب ، وهو باطل.

فان قال : ان تعليل التبين بكون المخبر فاسقا يقتضي عدم الحكم عند عدمه ، فلا يجب التبين عند خبر العدل.

__________________

١ ـ في نسخة : البحث عن.

٢ ـ في نسخة : محل.

٣ ـ في نسخة : الفتوى.

٤ ـ التوبة / ١٢٢.

٥ ـ في نسخة : وتنزيلها.

١٤٥

( قلت ) (١) : هذا معارض بأن عدم الامان من اصابة القوم بالجهالة علة في وجوب التبين ، وهو ثابت في العدل فيجب التبين عملا بالعلة.

فان قال : لو استوى العدل والفاسق في ذلك ، لم يكن لذكر الفسوق فائدة.

قلنا : لا نسلم ، وما المانع أن تكون الفائدة هي اظهار فسوق من نزلت الآية بسببه ، وهو الوليد بن عقبة ، فانه ( يمكن ) (٢) أنه كان على ظاهر العدالة عندهم فكشف عن فسوقه.

والجواب عن الثالث : أن نقول : لا نسلم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث رسله الى القبائل لرواية الخبر ، ولم لا يجوز أن يكون بعثهم للحكم والفتوى؟! ومع قيام هذا الاحتمال يبطل التعلق بهذا الاستدلال.

والجواب عن الرابع : لا نسلم حصول الاجماع على ذلك.

قوله : نقل بالتواتر حكم الصحابة [ به ].

قلنا : لا نسلم تواتر ذلك ، إذ لو كان كذلك لحصل لنا العلم به كما حصل لك ، ولحصل لكثير ممن أنكر ذلك من المعتزلة وغيرهم.

قوله : عمل [ به ] بعض الصحابة وسكت الباقون.

قلنا : لا نسلم أن بعضا عمل. فان استدل بالاخبار المذكورة ، قلنا : هي آحاد ، فيكون ذلك اثباتا للشيء بنفسه. سلمنا أن بعضهم عمل ، ولكن لا نسلم أن سكوت الباقين لا يحتمل الا الرضا ، لأن العامل بذلك هم أرباب الحكم كأبي بكر وعمر وعثمان وأمثالهم ، وليس كل أحد قادرا على الانكار عليهم ، وان قدر الواحد أو العشرة من الصحابة ، فان وفاقهم لا يكون اجماعا ، لانا

__________________

١ ـ في نسخة : قلنا.

٢ ـ في نسخة : ممكن.

١٤٦

لا نعلم ارتفاع الاحتمال في حق الباقين.

على أن هذا الاستدلال لو صح لكان معارضا بمثله ، فان بعض الصحابة رد خبر الواحد ، ولم يعلم النكير من غيره ، كما روي أن أبا بكر رد خبر عثمان فيما رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من اذنه برد الحكم بن أبي العاص ، وأن عمر رد خبر فاطمة بنت قيس ، وأن عليا عليه‌السلام رد خبر بروع بنت واشق ، وأن عائشة ردت خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ، وغير ذلك مما عددوه ، وتقريره ما تقدم.

وذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وان كان مطلقا ، فعند التحقيق تبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا ، بل بهذه الاخبار التي رويت عن الائمة عليهم‌السلام ودونها الاصحاب ، لا أن كل خبر يرويه الامامي يجب العمل به ، هذا الذي تبين لي من كلامه ، ويدعي اجماع الاصحاب على العمل بهذه الاخبار ، حتى لو رواها غير الامامي وكان الخبر سليما عن المعارض واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الاصحاب عمل به ، واحتج لذلك بوجوه ثلاثة :

الاول : دعوى الاجماع على ذلك ، فانه « ره » ذكر أن قديم الاصحاب وحديث إذا طولبوا بصحة ما أفتى به المفتي ( منهم ) (١) ، عول على المنقول في أصولهم المعتمدة وكتبهم المدونة ، فيسلم له خصمه منهم الدعوى في ذلك ، وهذه سجيتهم من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمن الائمة عليهم‌السلام ، فلو لا أن العمل بهذه الاخبار جائز لانكروه وتبرأوا من العامل به.

الوجه الثاني : وجود الاختلاف من الاصحاب بحسب أختلاف الاحاديث يدل على أن مستندهم إليها ، إذ لو كان العمل بغيرها مما طريقه القطع لوجب

__________________

١ ـ في نسخة : بينهم

١٤٧

أن يحكم كل واحد بتضليل مخالفه وتفسيقه ، فلما لم يحكموا بذلك دل على أن مستندهم الخبر ، وعلى جواز العمل به.

لا يقال : هذا دليل على أنهم غير معاقبين على العمل به ، وعدم العقاب لا يدل على كونه حقا.

لأنا نقول : الجواب عن ذلك من وجهين :

أحدهما : أن الغرض في جواز العمل بهذه الاخبار انما هو ارتفاع الفسق وارتفاع العقاب.

[ و ] الثاني : أنه لو كان العمل بها خطأ ، لما جاز الاعلام بالعفو عن فعله لأن ذلك يكون اغراءا بالقبيح.

الوجه الثالث : اعتناء الطائفة بالرجال ، وتمييز العدل من المجروح ، والثقة من الضعيف ، والفرق بين من يعتمد على حديثه ومن لا يعتمد ، وكونهم إذا اختلفوا في خبر نظروا في سنده ، وذلك يدل على العمل بهذه الاخبار ، لأنهم لو لم يعملوا بها لما كان لشروعهم في ذلك فائدة.

المسألة الرابعة : قد يقترن بخبر الواحد قرائن تدل على صدق مضمونه وان كانت غير دالة على صدق الخبر نفسه لجواز اختلافه مطابقا لتلك القرينة والقرائن أربع : احداها أن يكون موافقا لدلالة العقل ، أو لنص الكتاب خصوصه أو عمومه أو فحواه ، أو السنة المقطوع بها ، أو لما حصل الاجماع عليه.

وإذا تجرد عن القرائن الدالة على صدقه ، ولم يوجد ما يدل على خلاف متضمنه ، افتقر العمل به إلى اعتبار شروط نذكرها في الفصول المعقبة [ لهذه ]

١٤٨

الفصل الثالث

في مباحث متعلقة بالمخبر ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : الايمان معتبر في الراوي ، وأجاز الشيخ « ره » العمل بخبر الفطحية ، ومن ضارعهم ، بشرط أن لا يكون متهما بالكذب ، ومنع من رواية الغلاة ، كأبي الخطاب ، وابن أبي العزاقر.

لنا : قوله تعالى : « ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا » (١).

احتج الشيخ « ره » بأن الطائفة عملت بخبر عبد الله بن بكير ، وسماعة ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى ، وبما رواه بنو فضال ، والطاطريون.

والجواب : أنا لا نعلم إلى الان أن الطائفة عملت بأخبار هولاء.

المسألة الثانية : عدالة الراوي شرط في العمل بخبره [ و ] قال الشيخ « ره » يكفي كونه ثقة متحرزا عن الكذب في الرواية وان كان فاسقا بجوارحه ، وادعى عمل الطائفة على أخبار جماعة هذه صفتهم.

ونحن نمنع هذه الدعوى ، ونطالب بدليلها ، ولو سلمنا [ ها ] لاقتصرنا على المواضع التي عملت فيها بأخبار خاصة ، ولم يجز التعدي في العمل إلى غيرها.

ودعوى التحرز ( عن ) (٢) الكذب مع ظهور ( الفسق ) (٣) مستبعدة ، إذ الذي يظهر فسوقه لا يوثق بما يظهر من تحرجه عن الكذب.

__________________

١ ـ الحجرات / ٦

٢ ـ في نسخة : من

٣ ـ في نسخة : الفسوق

١٤٩

تفريع

عدالة الرواي ( تعلم ) (١) باشتهارها بين أهل النقل ، فمن اشتهرت عدالته من الرواة أو جرحه عمل بالاشتهار وان خفي حاله وشهد بها محدث واحد هل يقبل قوله بمجرده؟ الحق انه لا يقبل الا على ما يقبل عليه تزكية الشاهد وجرحه ، وهو شهادة عدلين.

وإذا جرح بعض ، وعدل آخرون ، قدم العمل بالجرح ، لأنه شهادة بزيادة لم يطلع عليها المعدل ، ولأن العدالة قد يشهد بها على الظاهر ، وليس كذلك الجرح.

المسألة الثالثة : المجنون والصبي لاتقبل روايتهما في حال كونهما كذلك لأن الوثوق بهما لا يحصل ، لعدم تحقق الضبط ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز.

لا يقال : الصبي تقبل شهادته في الجراح والشجاج ، فيجب قبول روايته.

لأنا نقول : لم لا يجوز أن يكون ذلك احتياطا في الدم؟ لا لصحة خبره على أن منصب الرواية أعظم ، إذ الحكم بها مستمر والثابت ( عنها ) (٢) شرع عام في المكلفين ، وليس كذلك الشهادة ، فلا يقاس أحدهما على الآخر.

أما لو تحمل الشهادة صبيا لقبلت إذا أداها بالغا.

المسألة الرابعة : المجهول النسب إذا عرف اسلامه لم يكف في قبول روايته ، فان عرفت عدالته قبلت ، لأنا نتيقن ارتفاع الفسق المانع من قبول الشهادة

__________________

١ ـ في نسخة : تظهر.

٢ ـ في نسخة : منها.

١٥٠

فان عارضها رواية معروف النسب والعدالة كان الترجيح لجانب المعروف.

المسألة الخامسة : إذا قال أخبرني بعض أصحابنا ، وعنى الامامية ، يقبل وان لم يصفه بالعدالة ـ إذا لم يصفه بالفسوق ـ لأن اخباره بمذهبه شهادة بأنه من أهل الامانة ، ولم يعلم منه الفسوق المانع من القبول.

فان قال ( عن بعض أصحابه ) (١) ، لم يقبل ، لامكان أن يعني نسبته إلى الرواة ( أو ) (٢) أهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول.

المسألة السادسة : إذا أرسل الراوي الرواية ، قال الشيخ « ره » : ان كان ممن عرف أنه لا يروي الا عن ثقة ، قبلت مطلقا ، وان لم يكن كذلك ، قبلت بشرط أن لا يكون لها معارض من المسانيد الصحيحة.

واحتج لذلك : بأن الطائفة عملت بالمراسيل عند سلامتها عن المعارض كما عملت بالمسانيد ، فمن أجاز أحدهما أجاز الآخر.

المسألة السابعة : رواية المرأة المعروفة بالعدالة مقبولة ، للسبب المقتضي للقبول ، ويستوي في ذلك الحرة والمملوكة.

المسألة الثامنة : يعتبر في الراوي الضبط ، فان عرف له السهو غالبا لم يقبل وان عرض نادرا قبل ، لأن أحدا لا يكاد يسلم منه ، فلو كان زواله أصلا شرطا في القبول ، لما صح العمل الا عن معصوم من السهو ، وهو باطل اجماعا من العاملين بالخبر.

المسألة التاسعة : إذا قال راوي الاصل : لم أرو لك هذه الرواية قاطعا ، كان ذلك قادحا في الرواية ، وان قال : لا أذكر ، أو : لا أعلم ، لم يكن قادحا ، لجواز السهو على الاصل ، ووجود العدالة في الفرع ينفي التهمة عنه.

____________

١ ـ في نسخة : بين بعض أصحابنا.

٢ ـ في نسخة : و

١٥١

الفصل الرابع

في مباحث متعلقة بالخبر ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : الالفاظ التي تعلم نسبة الخبر بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد الائمة عليهم‌السلام أربع مراتب :

الاولى : أن يقول : أسمعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو شافهني أو حدثني.

ويلي ذلك في القوة : أن يقول : قال رسول الله ، أو سمعت منه ، أو حدث.

ويلي ذلك : أن يقول : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويليه : أن يقول : رويت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وههنا الفاظ أخر ليست صريحة في الرواية : منها : أن يقول : أمرنا بكذا أو : ( نهينا ) (١) عن كذا ، أو : ابيح لنا كذا ، أو يقول : من السنة كذا ، أو يقول الصحابي : كنا نفعل كذا ، فهذه الالفاظ لا يعلم من نفسها الدلالة على الرواية ما لم ينضم إليها ما يدل على القصد بها.

أما إذا كانت الرواية عن بعض الرواة ، فالصريح فيها ثلاثة ألفاظ : أخبرني أو حدثني ، أو يقال للراوي : هل حدثك أو أخبرك فلان؟ فيقول : نعم.

وههنا أمور تقوم مقام ذلك : أحدها الاشارة بالجوارح ، أو بالكتابة ، أو بتسليم كتاب الرواية ويسمى مناولة ، أو بالاجازة المعهودة ، وهو : أن يأذن له أن يروي عنه ما صح له من احاديثه ، اما بأن يحيله على كتاب مشهور ، أو أخبار معروفة.

المسألة الثانية : يجب عرض الخبر على الكتاب ، لقوله عليه‌السلام : « إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فان وافق فاقبلوه ، والا فردوه ».

__________________

١ ـ في نسخة : نهانا.

١٥٢

المسألة الثالثة : إذا روى [ الراوي ] خبرا يخالف مذهبه ، لا يكون ذلك طعنا في الرواية ، لجواز أن يروي ذلك لما ظنه دليلا وليس كذلك.

المسألة الرابعة : يجوز رواية الخبر بالمعنى ، بشرط أن لا تكون العبارة الثانية قاصرة [ عن ] معنى الاصل ، بل ناهضة بجميع فوائدها ، لأن الصحابة كانت تروي مجالس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد انقضائها وتطاول المدد ، ويبعد في العادة بقاء ألفاظه عليه‌السلام بعينها على الاذهان ، و [ لأن ] الله سبحانه وتعالى قص القصة الواحدة بألفاظ مختلفة ، وحكى معناها عن الامم ، ومن المعلوم أن تلك القصة وقعت بغير اللغة العربية (١) ، وان كانت باللغة العربية فان الواقع منها يكون بعبارة واحدة ، وذلك دليل على جواز نسبة المعنى إلى القائل ، وان اختلفت الالفاظ.

احتج المانع : بقوله عليه‌السلام : « [ رحم الله ] من سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها ».

والجواب أن نقول : إذا أداها بمعانيها فقد امتثل ، كما تقول : حكى فلان رسالة فلان ، إذا ( أداها ) (٢) بالمعنى ولو خالفه ( باللفظ ) (٣).

المسألة الخامسة : إذا روى الواحد رواية ، ثم رواها ثانيا وزاد فيها زيادة ( أو ) (٤) اختلفت الرواة في الرواية بالزيادة والنقصان ، هل يكون ذلك قادحا في الرواية أم لا؟ نظر ، فان كان الراوي واحدا ولم تكن الزيادة منافية لمعنى الاول ، لم يكن ذلك قادحا ، لجواز أن يكون سمعها في مجلسين ، فحكى كل

__________________

١ ـ في الاصل : لغة العربية.

٢ ـ في بعض النسخ : أتى.

٣ ـ في نسخة : في اللفظ.

٤ ـ في نسخة : و.

١٥٣

( واحدة منهما ) (١) تارة ، أو في مجلس واحد واقتصر على حكاية بعضه ، وان تغاير الراوي وكان المنفرد بالزيادة واحدا ، وبالنقيصة جماعة يستحيل علهيم أن لا يسمعوا ما نقله الواحد ، كانت الزيادة مردودة ، وان لم يستحل ذلك ـ بأن يكون سمعها في مجلسين ، أو في مجلس واحد يجوز أن يغفل الآخرون ـ قبلت الزيادة ، فان كانت الزيادة منافية لمعنى الاول ، تضادت الرواية [ بها ] ، ووجب التوقف عن العمل.

الفصل الخامس

في التراجيح بين الاخبار المتعارضة ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : إذا تعارض خبران وأحدهما موافق لعموم القرآن أو السنة المتواترة أو لاجماع الطائفة ، وجب العمل بالموافق ، لوجهين :

أحدهما : ان كل واحد من هذه الأمور حجة في نفسه ، فيكون دليلا على صدق مضمون الخبر الموافق له.

الثاني : أن المنافي لا يعمل به لو انفرد عن المعارض ، فما ظنك به معه؟!.

وكذلك إذا تعارضا وكانت رواة أحدهما عدولا ، كان الترجيح لجانب ما رواه ( العدول ) (٢) ، لأن رواية من ليس بعدل ، لاتقبل مع السلامة عن المعارض فمع وجود المعارض أولى.

المسألة الثانية : رجح الشيخ « ره » بالضابط والاضبط ، والعالم والاعلم ، محتجا بأن الطائفة قدمت ما رواه محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، والفضيل

__________________

١ ـ في نسخة : واحد ، وفي أخرى : منها.

٢ ـ في نسخة : العدل

١٥٤

ابن يسار ، ونظائرهم ، على من ليس له حالهم.

ويمكن أن يحتج لذلك : بأن رواية العالم والاعلم (١) أبعد من احتمال الخطأ ، وأنسب بنقل الحديث على وجهه ، فكانت أولى.

المسألة الثالثة : قال الشيخ « ره » : إذا روى أحد الراويين اللفظ ، والاخر المعنى ، وتعارضا ، فان كان راوي المعنى معروفا بالضبط والمعرفة فلا ترجيح وان لم يوثق منه بذلك ، ينبغي أن يؤخذ المروي لفظا ، وهذا ( حق ) (٢) لأنه أبعد من الزلل.

المسألة الرابعة : إذا روى الخبر سماعا ، وروى المعارض اجازة ، كان الترجيح لجانب المسموع ، الا أن يكون أحاله على أصل مسموع ، أو مصنف [ مشهور ] ، فيكونان متساويين.

المسألة الخامسة : إذا كان راوي أحد الخبرين مجهولا ، والاخر معروفا أو كان أحد السندين متصلا ، والاخر مرسلا ، كان الترجيح للمعروف والمسند لوجود شرائط العمل فيهما على اليقين ، وعدم اليقين في الطرف الآخر.

المسألة السادسة : إذا رويت روايتان وفي احداهما زيادة عن الأخرى قال الشيخ « ره » : عمل على الرواية المتضمنة للزيادة ، لانها في حكم خبرين.

ولقائل أن يقول : أتعني بذلك أنه يعمل بالزيادة كما يعمل بالاصل؟ أم تعني مع التعارض يكون أرجح؟ ان أردت الاول فمسلم ، وان أردت الثاني فممنوع.

المسألة السابعة : إذا عمل أكثر الطائفة على أحدى الروايتين كانت أولى إذا جوزنا كون الامام عليه‌السلام في جملتهم ، لأن الكثرة امارة الرجحان ، والعمل بالراجح واجب.

__________________

١ ـ كذا ، ولعل الصواب سقوط : الضابط والاضبط

٢ ـ في نسخة : أحق

١٥٥

المسألة الثامنة : إذا كان أحد الخبرين موافقا للاصل ، قال قوم : يكون أولى ، لأن الظاهر أنه هو المتأخر ، وقال آخرون : الناقل أولى ، لأن له حكم النقل ، والموافق للاصل يستغنى بالاصل عنه ، فيغلب على الظن أنه لا حاجة للشارع إلى ذكره ، للاستغناء بحكم الاصل.

والحق : انه اما أن يكونا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو عن الائمة عليهم‌السلام فان كان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلم التاريخ ، كان المتأخر أولى سواءا كان مطابقا للاصل أو لم يكن ، وان جهل التاريخ ، وجب التوقف ، لأنه كما يحتمل أن يكون أحدهما ناسخا يحتمل أن يكون منسوخا.

واما ان كانا عن الائمة ، وجب القول بالتخيير ، سواءا علم تاريخهما أو جهل ، لأن الترجيح مفقود عنهما ، والنسخ لا يكون بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوجب القول بالتخيير.

المسألة التاسعة : قال الشيخ « ره » : [ إذا تساوت ] الروايتان في العدالة والعدد عمل بأبعدهما من قول العامة ، والظاهر [ أن ] احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه‌السلام وهو اثبات لمسألة ( علمية ) (١) بخبر واحد ، وما يخفى عليك ما فيه ، مع انه قد طعن فيه فضلاء من الشيعة كالمفيد ، وغيره.

فان احتج : بأن الابعد لا يحتمل الا الفتوى ، والموافق للعامة يحتمل التقية فوجب الرجوع إلى ما لايحتمل.

[ قلنا : لا نسلم انه لا يحتمل ] الا الفتوى ، لأنه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الامام ، كذلك تجوز الفتوى بما يحتمل التأويل ، مراعاة لمصلحة يعلمها الامام ، وان كنا لا نعلمها.

فان قال : ذلك يسد باب العمل بالحديث.

__________________

١ ـ في نسخة : عملية

١٥٦

قلنا : انما نصير إلى ذلك على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع من العمل ، لا مطلقا ، فلم يلزم سد باب العمل.

المسألة العاشرة : إذا كان أحد الخبرين مشافهة ، والاخر مكاتبة ، كان الترجيح لجانب المشافهة ، لأن المكاتبة تحتمل من الخلل ما لا تحتمله المشافهة.

المسألة الحادية عشرة : إذا كان أحد الخبرين حاظرا ، والاخر مبيحا وكان حكما هما مستفادين من الشرع ، قال قوم ، يكون الحاظر أولى ، لقوله عليه‌السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » ولأنه أحوط في التحرز من الضرر.

وجواب الاول : انه خبر واحد ، لا يثبت بمثله مسائل الاصول. [ و ] الثاني ضعيف ، لأن الضرر متوجه في الاقدام على حظر ما لا يؤمن [ من ] كونه مباحا كما هو محتمل في الطرف الآخر :

والاولى : التوقف.

١٥٧
١٥٨

الباب الثامن

في الناسخ والمنسوخ

وفيه فصول :

١٥٩
١٦٠