معارج الأصول

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

معارج الأصول

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: محمد حسين الرضوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

دال على الاباحة ، ( أو امتثالا لخطاب دال عليها ) (١).

المسألة الثانية : التعارض بين فعليه بالنظر اليهما غير ممكن ، لانهما لا يقعان الا في زمانين ، بل [ قد ] يقترن بالفعل ما يدل على عمومه في الاشخاص ، وشموله ( للاوقات ) (٢) فيصح تطرق التعارض ، وفي التحقيق : التعارض راجع إلى تلك القرينة.

وأما التعارض بين قوله وفعله عليه‌السلام فممكن ، فعلى هذا ، إذا تعارض قوله وفعله ، ولم يعلم تقدم أحدهما على الآخر ، وجب التوقف ، الا لدلالة غيرهما سواءا كان التعارض من كل وجه أو من بعض ، وقال جماعة : يجب المصير إلى القول.

واحتجوا : بأن القول يدل بنفسه ، والفعل ( يفتقر ) (٣) في الدلالة إلى القول فكان القول أولى. وبأن الفعل يحتمل الاختصاص به عليه‌السلام ، وليس كذلك القول.

وجواب الاول ، أن الكلام ليس في الفعل المطلق ، بل في الفعل الذي قام الدليل على وجوب متابعته عليه‌السلام فيه ، فصار كالقول ، وهذا هو الجواب عن الثاني.

فائدة

اختلف الناس في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل كان متعبدا بشرع من قبله أم لا؟ وهذا الخلاف عديم الفائدة ، لأنا لا نشك أن جميع ما أتى به لم يكن نقلا عن الانبياء ، عليهم‌السلام بل عن الله تعالى بواسطة الملك ، ونجمع على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الانبياء ، وإذا أجمعنا على ثمرة المسألة ، فالدخول بعد ذلك فيها كلفة.

____________

١ ـ في نسخة : أو امتثال دال عليها

٢ ـ في نسخة : الاوقات

٣ ـ في نسخة : مفتقر

١٢١
١٢٢

الباب السادس

في الاجماع

وفيه فصول :

١٢٣
١٢٤

الفصل الاول

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : الاجماع ـ وان كان في وضع اللغة مشتركا بين الاتفاق و ( الازماع ) ـ (١) فهو في الاصطلاح : اتفاق من يعتبر قوله في الفتاوى الشرعية على أمر من الأمور الدينية ، قولا كان أو فعلا ، وهو ممكن الوقوع.

وفى الناس من أحاله ، كما يستحيل اجماع أهل الاقليم الواحد على الاشتراك في ملبس واحد ومأكل واحد ، وهذا باطل ، لما يعلم من الاتفاق على كثير من مسائل الفقه ضرورة. ثم الفرق : أن التساوي في المأكل والمشرب مما يتساوى فيه الاحتمال ، وليس كذلك المسائل الدينية ، لانها يصار إليها عند الأدلة ، فجاز الاتفاق عليها.

ومن الناس من أحال العلم به الا في زمن الصحابة ، نظرا إلى كثرة المسلمين وانتشارهم ، وكون ذلك لا يعلم الا بالمشافهة لهم أو التواتر عنهم ، وهما متعذران فيمن بلغ هذا الحد.

لا يقال : نحن نعلم اتفاق المسلمين على كثير من المسائل ، كنبوة محمد

__________________

١ ـ في نسخة : الاعزام

١٢٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصلوات الخمس ، ونعلم غلبة كثير من المذاهب على بعض البلاد.

لأنا نجيب عن الاول : بأنه لا معنى للمسلم الا من قال بهذه الاشياء فكأن القائل : أجمع المسلمون على النبوة ، يقول : أجمع من قال بالنبوة على النبوة.

وأما غلبة بعض المذاهب ، فلا نسلم أنا نعلم ذلك في أهل البلد كافة ، ولئن سلمنا أن الأكثر منهم قائل به ، لكن هذا مما لا يجدي في باب الاجماع.

المسألة الثانية : عندنا أن زمان التكليف لا يخلو من امام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه. إذا تقرر هذا فمتى ( اجمعت ) (١) الامة على قول ، كان ذلك الاجماع حجة ، ولو فرضنا خلو الزمان من ذلك الامام لم يكن الاجماع حجة.

وههنا بحثان :

الاول : مع وجوده عليه‌السلام الاجماع حجة للامن على قوله من الخطأ ، والقطع على دخوله في جملة المجمعين ، وعلى هذا ، فالاجماع كاشف عن قول الامام ، لا أن الاجماع حجة في نفسه من حيث هو اجماع.

البحث الثاني : لو خلا الاجماع ( عن ) (٢) المعصوم عليه‌السلام لم يكن حجة خلافا لساير الطوائف ، ما عدا الخوارج ، والنظام.

لنا : لو كان حجة لعلم ذلك اما بالعقل أو بالنقل ، والقسمان باطلان ، بما يبطل به معتمد المخالف ، وهم طائفتان : طائفة تتمسك بالمعقول ، واخرى بالمنقول.

__________________

١ ـ في بعض النسخ : اجتمعت

٢ ـ في بعض النسخ ( من )

١٢٦

أما المعقول : فقالوا لو لم يكن الاجماع ( حجة ) (١) ، لاستحال اجماعهم عليه ، كما يستحيل تواطؤهم على التلفظ بالعبارة الواحدة ، والتحلّى بالزي الواحد.

الثاني : أن اجماع الخلق العظيم على الحكم يستدعي دلالة أو امارة ، وكلاهما حجة.

وجواب الاول : منع الملازمة ، وابداء الفارق بأن صورة الوفاق مما يتساوى فيه الاحتمال وتختلف فيه الدواعي ، وليس كذلك الاجماع على الحكم ، لأنه قد يحصل ( عن ) (٢) شبهة [ ثم ] تعم تلك الشبهة.

وجواب الثاني : منع الحصر ، لجواز أن يجمعوا لشبهة.

ثم ان الوجهين منقوضان باجماع اليهود والنصارى ، وغيرهم من الفرق الموفين على عدد المسلمين ، فانهم أجمعوا على كثير من الاباطيل.

وأما المتمسكون بالمنقول ، فاستدلوا بوجوه :

الاول : قوله تعالى : « ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ... الآية » (٣) ، فلو لم يكن كل واحد منهما محظورا لقبح الجمع بينهما ، كما يقبح « من شاق الرسول وشرب ماءا ، عاقبته » ومع ثبوت ذلك يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محظورا ، فيكون اتباع سبيلهم واجبا.

الثاني : قوله تعالى : « وكذلك جعلناكم امة وسطا » (٤) ، والوسط : العدل

__________________

١ ـ في بعض النسخ : حقا

٢ ـ في نسخة : عند

٣ ـ النساء / ١١٥

٤ ـ البقرة / ١٤٣

١٢٧

والخيار ، بالنقل عن أئمة اللغة وأهل التفسير ، والموصوف بالعدالة مجانب ( لمواقعة ) (١) الخطيئة ، وذلك ينافي الاجماع عليها.

الثالث : قوله تعالى : « كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعرف وتنهون عن المنكر » (٢) أخبر أنهم ينهون عن المنكر ، وهو يعم كل منكر ، بما عرف في باب العموم ، وهو ينافي الاجماع عليه.

الرابع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أمتي لا تجتمع على الخطأ » (٣) ، وصحة نقل الحديث مشهورة ، ولو دفع بعينه لكان معناه منقولا بالتواتر لوجود هذا المعنى في أخبار لا تحصى كثرة.

وجواب الاول : ( بمنع ) (٤) عموم السبيل ، فلعله أراد في ترك ( المشاقة ) (٥) ( الخاصة ) (٦). ولو سلمنا عمومه ، لزم [ ترك ] اتباع اجماعهم ، لأنهم ان أجمعوا من غير دلالة ، لم يجز الاتباع ، وان كان لدلالة ، لم يجز العمل بما أجمعوا عليه الا بعد الظفر بتلك الدلالة ، لأنه قد كان من شأنهم لولا الدلالة لما عملوا به ، ولو سلمنا ذلك ، لم يكن فيه منافاة لمذهبنا ، لأن الواقع وجود الامام المعصوم عليه‌السلام ، وهو أحد المؤمنين ، ( واتباع ) (٧) غير سبيله غير جائز ، ونحن نتكلم على تقدير عدمه.

__________________

١ ـ في نسخة : لموافقة

٢ ـ آل عمران / ١١٠

٣ ـ في بعض النسخ : على خطأ

٤ ـ في بعض النسخ : نمنع

٥ ـ في نسخة : المشاققة

٦ ـ في نسخة : خاصة

٧ ـ في نسخة : فاتباع

١٢٨

وجواب الثاني : منع عموم العدالة في الاشياء كلها ، فلعلهم عدول في الشهادة على الناس خاصة. ثم ان أراد بذلك امة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتحقق الاجماع الا بعد اتفاق كل من كان ويكون من الامة ، وان أراد البعض ـ وليس في الآية اشعار به ـ دخل في حيز المجمل ، فلعله أراد من ثبتت عصمته من الائمة عليهم‌السلام.

وجواب الثالث : ان ( المنكر ) اسم مفرد معرف باللام ، وقد بينا أنه لا يقتضي العموم ، وإذا كان كذلك ، جاز أن يراد به النهي عن الكفر ، ومع قيام ( الاحتمال ) (١) يبطل التعلق بالآية.

لا يقال : هذا حاصل في سائر الامم ، فلا يكون فيه مزية ، وظاهر الآية اثبات المزية.

لأنا نقول : المزية حاصلة ، وهي مبالغتهم في النهي عن الكفر ، كما [ لو ] صرح بهذا المعنى لم تبطل المزية.

وجواب الحديث : منع أصله ، ولو سلمنا تواتره ، لقلنا بموجبة من حيث أن أمته عليه‌السلام لا تخلو ( عن ) (٢) المعصوم ، فيكون قولها حجة لدخول قوله في الجملة.

فرعان :

الاول : جاحد ( الحكم ) (٣) المجمع عليه كافر ، لأنه يجحد ما يعلم ( حقيقة ) (٤) من الشرع.

__________________

١ ـ في بعض النسخ : الاجمال

٢ ـ في نسخة : من

٣ ـ في نسخة : الحديث

٤ ـ في نسخة : حقيته وفي أخرى : حقيقته

١٢٩

الفرع الثاني : الاجماع لا يصدر عن مستند ظني ، لأن معتمد المعصوم عليه‌السلام الدليل القطعي ، لا الحجة الظنية. نعم يجوز أن تكون أقوال باقى الامامية مستندة إلى الظن ، كخبر الواحد منضما إلى قوله الصادر عن الدلالة.

المسألة الثالثة : لا يجوز أن ينعقد اجماع على مسألة ، ثم ينعقد بعده اجماع على خلافها ، والا لكان قول المعصوم خطأ.

لا يقال : ربما كان قوله الاول تقية.

لأنا نقول : الاجماع لا يتقرر ما لم يعلم الاتفاق قصدا.

المسألة الرابعة : كل ما انعقد الاجماع عليه فهو حق ، سواءا كان من العقائد الدينية ، أو الفروع الشرعية ، أو غير ذلك ، لكن كل ما يتوقف العلم بوجوب وجود الامام المعصوم عليه‌السلام عليه ، لم يصح الاستدلال عليه بالاجماع ، والا لدار ، وكل ما لا يكون كذلك ، جاز الاستدلال عليه بالاجماع.

الفصل الثاني

في المجمعين ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : قال القاضي أبو بكر : يعتبر في الاجماع عوام الامة ، نظرا إلى لفظ الخبر. وقال الأكثرون : المعتبر بقول العلماء وأهل الاجتهاد خاصة. وقال أهل الظاهر : المعتبر باجماع الصحابة خاصة. والذي يجيء على مذهبنا اعتبار من يعلم دخول المعصوم فيهم. فعلى هذا ، ولو أجمع العلماء أو الفقهاء أو أهل البيت لكفى ذلك في كونه حجة ، لما قررناه.

١٣٠

فائدة

اعتبر قوم بلوغ المجمعين حد التواتر.

وعلى ما اخترناه ، المعتبر من يعلم دخول المعصوم في جملتهم.

المسألة الثانية : اجماع أهل كل عصر حجة خلافا لاهل الظاهر.

لنا : أن زمان التكليف لا يخلو من امام معصوم ، ومتى كان كذلك فلابد من دخوله في المجمعين ، ومع دخوله يكون الاجماع حجة.

ولغيرنا : الظواهر الدالة على كون الاجماع حجة من غير تقييد.

المسألة الثالثة : إذا اتفقت الامة على قولين ، فان كان الثالث مما يلزم منه الخروج ( عن ) (١) الاجماع كان باطلا بالاتفاق ، وان لم يكن كذلك لم يجز احداث الثالث عند قوم ، لأن الثالث ان كان باطلا لم يجز العمل به ، وان كان حقا لزم خلو الامة عنه ، وهو باطل.

وعلى ما أصلنا [ ه ] فالامام في احدى الطائفتين فتكون محقة والخارج عن الحق باطل.

المسألة الرابعة : إذا لم تفصل الامة بين مسألتين : فان نصت على المنع من الفصل فلا كلام ، وان عدم النص :

فان كان بين المسألتين علقة ، بحيث يلزم من العمل بأحدهما العمل بالاخرى ، لم يجز الفصل ، كما في زوج وأبوين ، وزوجة وأبوين ، فمن قال للام ثلث أصل التركة ، قال في الموضعين ، ومن قال ثلث الباقي. قال في الموضعين ، الا ابن سيرين.

وان لم يكن بينهما علقة ، قال قوم : ( يجوز ) (٢) الفصل بينهما.

__________________

١ ـ في نسخة : على.

٢ ـ في نسخة : بجواز.

١٣١

وعلى ما ذهبنا إليه ، لم يجز ، لأن الامام عليه‌السلام مع احدى الطائفتين قطعا ، ويلزم من ذلك وجوب متابعته في ( الجميع ) (١).

المسألة الخامسة : لا يجوز انقسام المجمعين إلى فرقتين تجمع كل واحدة منهما بين حق وباطل ، لأن الامام مع احداهما ، وهو يمنع من ( اتفاقها ) (٢) على الخطأ.

الفصل الثالث

في كيفية العلم بالاجماع ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : قد عرفت أن الاجماع انما كان حجة لدخول الامام عليه‌السلام فيه ، فالمعتبر حينئذ ( قوله ) (٣) فعلى هذا ، يعلم قول المعصوم عليه‌السلام بعينه بأمرين :

أحدهما : السماع منه مع المعرفة [ به ].

[ و ] الثاني النقل المتواتر.

فان فقد الامران ، وأجمعت الامامية على أمر من الأمور على وجه يعلم أنه لاعالم من الامامية الا وهو قائل به ، فانه يعلم دخول المعصوم عليه‌السلام فيه ، لقيام الدليل القاطع على حقية مذهبهم ، والا من على المعصوم من ارتكاب الباطل.

إذا تقرر هذا ، فان علم أن لا مخالف ثبت الاجماع قطعا ، وان علم المخالف وتعين باسمه ونسبه كان الحق في خلافه ، وان جهل نسبه ، قدح ذلك في

__________________

١ ـ في نسخة : الجمع.

٢ ـ في نسخة : اتفاقهما.

٣ ـ في نسخة : دخوله.

١٣٢

الاجماع ، لجواز أن يكون هذا المعصوم عليه‌السلام وان لم يعلم مخالف وجوزنا وجوده لم يكن ذلك اجماعا ، لامكان وقوع الجائز ، وكون ذلك هو الامام عليه‌السلام.

المسألة الثانية : إذا اختلفت الامامية على قولين : فان كانت احدى الطائفتين معلومة النسب ، ولم يكن الامام أحدهم ، كان الحق في الطائفة الأخرى ، وان لم تكن معلومة النسب : فان كان مع احدى الطائفتين دلالة قطعية توجب العلم وجب العمل على قولها ، لأن الامام معها قطعا وان لم يكن مع احداهما دليل قاطع : قال الشيخ « ره » : تخيرنا في العمل بأيهما شئنا ، وقال بعض أصحابنا : طرحنا القولين ، والتمسنا دليلا من غيرهما ، وضعف الشيخ « ره » هذا القول بأنه يلزم منه اطراح قول الامام.

قلت : وبمثل هذا يبطل ما ذكره « ره » ، لأن الامامية إذا اختلفت على قولين ، فكل طائفة توجب العمل بقولها ، وتمنع من العمل بالقول الآخر ، فلو تخيرنا لاستبحنا ما حظره المعصوم عليه‌السلام.

تفريع

إذا ( اختلفت ) (١) الامامية على قولين ، فهل يجوز اتفاقها بعد ذلك على أحد القولين؟ قال الشيخ « ره » : ان قلنا بالتخيير لم يصح اتفاقهم بعد الخلاف لأن ذلك يدل على أن القول الآخر باطل ، وقد قلنا أنهم مخيرون.

ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون التخيير مشروطا بعدم الاتفاق فيما بعد؟ وعلى هذا الاحتمال ، يصح الاجماع بعد الاختلاف.

المسألة الثالثة : الاجماع يقع على ضروب :

__________________

١ ـ في نسخة : اختلف.

١٣٣

منها : أن يجمع أهل الاجماع على المسألة بالقول الصريح.

الثاني : أن يجمعوا عليها فعلا.

الثالث : أن يقول بعض ، ويقرره الباقون.

ولابد في هذه الوجوه من ارتفاع التقية.

الرابع : أن يعلم رضاهم بالمسألة.

لا يقال : كيف يعلم اتفاق الامامية كلهم على ذلك ، مع كثرتهم وانتشارهم في البلاد.

لأنا نقول : كما يعلم اتفاق المسلمين على كثير من المسائل ، كايجاب غسلة واحدة في الوضوء ، ( وأنه ) (١) لا قائل بوجوب الثانية والثالثة ، وكما يعلم أنه إذا اجتمع أخ وجد ، فانه لا قائل بأن الاخ يحوز المال دون الجد ، وغير ذلك من المسائل.

__________________

١ ـ في نسخة : وأن.

١٣٤

الباب السابع

في الاخبار

وفيه مقدمة وفصول :

١٣٥

١٣٦

اما المقدمة

فنقول :

الخبر : كلام يفيد بنفسه نسبة أمر الى أمر نفيا أو اثباتا. ومن الناس من قال : الخبر : ما يحتمل الصدق والكذب ، وهو تعريف بما لايعرف [ الا ] به.

والصدق : هو الاخبار عن الشيء ، على ما هو به.

والكذب : هو الاخبار عن الشيء لاعلى ما هو به.

ولا يفتقر إلى كون المخبر معتقدا بكونه كذبا ، واعتبره الجاحظ ، والخلاف لفظي.

ولابد من كون المخبر مريدا حتى تكون الصيغة مستعملة في فائدتها ، لأن الصيغة قد توجد غير خبر.

إذا عرفت هذا ، فالخبر : اما أن يقطع بصدقه أو كذبه ، أو يكون محتملا لكل واحد من الامرين وما علم صدقه ينقسم الى : ما علم صدقه بمجرد الاخبار والى ما علم صدقه بامر مضاف إلى الاخبار ، كضرروة العقل أو استدلاله ، ويدخل في ذلك جميع ماعد من الاقسام الدالة على صدق الخبر ، كاخبار الله تعالى ورسوله والمعصوم عليه‌السلام ، وما ( اجمعت ) (١) عليه الامة ، وما ذكر بحضرة

__________________

١ ـ في نسخة اجمتعت.

١٣٧

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بمسمع منه ولم يكن غافلا عنه فلم ينكره ، لأن كل ذلك علم صحته بالدليل.

وما علم صدقه بمجرد الاخبار فهو المتواتر ، وسنفرد له فصلا ، ان شاء الله تعالى.

وما علم كذبه فلا يكون الا بأمر مضاف إلى الخبر ، وهو خمسة أشياء :

الاول : ما خالف ضرورة العقل.

الثاني : ما أحالته العوائد.

الثالث : ما خالف دليل العقل.

الرابع : ما خالف النص القاطع من الكتاب والسنة المتواترة.

الخامس : ما خالف الاجماع.

الفصل الاول

في المتواتر من الاخبار ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : الخبر المتواتر مفيد للعلم ، وانكره السمنية.

لنا : أن الواحد منا يجد نفسه جازمة بالبلدان والوقائع ـ وان لم يشاهدها ـ عند الاخبار عنها ، كجزمنا بما نشاهده ، جزما خاليا عن التردد ، وما تورده السمنية من الشبهة ، فهو تشكيك في الضروريات ، فلا يستحق الجواب.

وأما كيفية حصول هذا العلم : فذهب أبو هاشم وأتباعه وجماعة من الفقهاء إلى كونه ضروريا ، وقال المفيد من أصحابنا : هو كسبي. وتوقف الشيخ « ره » والمرتضى في الاخبار عن البلدان والوقائع ، وقطعا على أن الاخبار الشرعية المتضمنة معجزات الانبياء والائمة وغير ذلك من المذاهب المتواترة ، كسبي

١٣٨

يفتقر إلى ضرب من الاستدلال.

الظاهر أنه ضروري ، لأنه يجزم بهذه الأمور من لا يحسن الاستدلال [ ولا يعرفه ، ولا أمنع أن يفتقر بعض الاخبار المتواترة إلى ضرب من الاستدلال ] وليس هذا موضع الكشف عن غامض هذه المسألة.

المسألة الثانية : شرائط افادة الخبر المتواتر العلم أربعة :

الاول : أن يخبروا عما علموه ) ، لا ما ظنوه.

الثاني : أن يكون ذلك المعلوم محسوسا.

الثالث : أن يبلغوا حدا لا يجوز عليهم التواطؤ والمراسلة.

الرابع : أن يستوي الطرفان والوسط في هذه الشرائط ، لأنا نعلم أنه متى اختلفت هذه الشرائط أو أحدها لا يحصل العلم بمجرد الاخبار.

المسألة الثالثة : ليس للتواتر عدد محصور ، وحده قوم بسبعين ، وآخرون بأربعين ، وقوم بعدة أهل بدر ، والكل تحكم لا معنى له.

لنا : أنا نحكم بوجود البلاد والوقائع عند الاخبار من غير تنبه للعدد ، فلو كان العدد شرطا ، لتوقف العلم على حصوله ، ولعل الهمه لو صرفت إلى دركه لامكن ذلك بعد صعوبة.

وتحقيقه : أنا إذا سمعنا بخبر عن واحد فقد أفادنا ظنا ، ثم كلما تكرر الاخبار بذلك قوي الظن ، حتى يصير الاعتقاد علما ، فعند ذلك ان ضبط العدد كان ذلك هو المعتبر ، لأن الاخبار هو المقتضى للعلم ، والسبب لا يختلف بحسب محاله إذا كان تاما.

المسألة الرابعة : شرط قوم شروطا ليست معتبرة ، وهي أربعة :

الاول : أن لا يجمعهم مذهب واحد [ ولا نسب واحد ].

الثاني أن يكون عددهم غير محصور.

١٣٩

الثالث : أن لا يكونوا مكرهين على الاخبار.

الرابع : العدالة.

والكل فاسد ، لأنا نجد النفس جازمة ( بمجرد ) (١) الاخبار المتواترة من دون هذه الأمور ، فلم تكن معتبرة.

المسألة الخامسة : حكى بعض الاشعرية والمعتزلة : ان الامامية تعتبر قول المعصوم عليه‌السلام في التواتر ، وهو فرية عليهم ، أو ( غلط ) (٢) في حقهم ، وانما يعتبرون ذلك في الاجماع.

المسألة السادسة : ( التواتر ) (٣) بالمعنى مفيد للعلم ككرم حاتم وشجاعة علي عليه‌السلام ، وان كانت مفردات أخبارهما آحادا.

الفصل الثاني

فيما لا يقطع بصدقه ولا كذبه ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : حكي عن أهل الظاهر أن خبر الواحد يفيد العلم ، وعن قوم أنه يوجب العلم الظاهر ، وهذا باطل ضرورة ، ولأنه لو أوجبه الخبر لكونه خبرا ، لاوجبه كل خبر ، ومن جملتها اخبارنا لهم أن خبر الواحد لا يوجب العلم.

وحكي عن النظام : ان خبر الواحد إذا اقترنت به قرائن أفاد العلم ، كما إذا سمعت الواعية في دار انسان ، ونشرت نساؤه شعورهن وسودت أبوابه ، واستغاث غلمانه ، وأخبر بموته ، فعند ذلك يحصل العلم بصدق المخبر ، وهو

__________________

١ ـ في بعض النسخ : بمخبر.

٢ ـ في نسخة : خلط.

٣ ـ في نسخة : المتواتر.

١٤٠