معارج الأصول

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]

معارج الأصول

المؤلف:

الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي [ المحقق الحلّي ]


المحقق: محمد حسين الرضوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

المسألة الرابعة : لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي ، لأن المقتضي للعموم موجود ، وهو الصيغة الموضوعة للاستغراق ، وعدول الراوي يجوز أن يكون عن امارة أو نظر فاسد.

لا يقال : لو لم يعلم ( من شاهد حال ) (١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التخصيص ، لبين وجه العدول.

لأنا نقول : لا نسلم وجوب اظهار الوجه الا عند المطالبة ، فلعلها لم تحصل. سلمنا حصولها ، لكن لم تنقل ، لأن نقلها ليس واجبا على السامع. المسألة الخامسة : ذكر بعض ما ( يتناوله ) (٢) العام لا يخص العموم ، خلافا لأبي ثور ، لأن التخصيص مشروط بالتنافي ، ولا تنافي ، وكذلك قصد المتكلم بخطابه إلى المدح والذم لا يمنع [ من ] كونه عاما خلافا لبعض الشافعية ، لأن قصد المتكلم ذلك لا ينافي صيغة العموم ـ لا وضعا ولا عادة ـ لصحة الجمع بينهما.

__________________

١ ـ في نسخة : شاهد من حال.

٢ ـ في نسخة : تناوله.

١٠١
١٠٢

الباب الرابع

في المجمل والمبين

وفيه فصول :

١٠٣
١٠٤

الفصل الاول

في تفسير ألفاظ يحتاج إليها في هذا الباب

المجمل : قد يراد به ما أفاد جملة من الاشياء ، من قولهم (١) : أجملت الحساب [ و ] في الاصطلاح : هو ما أفاد شيئا من جملة أشياء ، هو معين في نفسه ، واللفظ لا يعينه.

والبيان في العرف : هو كلام أو فعل دال على المراد بخطاب لا يستقل بنفسه في معرفة المراد.

والمبين : قد يطلق على ما يحتاج الى بيان ، وقد ورد عليه بيانه وقد يطلق على الخطاب المبتدأ المستغني عن بيان.

والمفسر : له المعنيان أيضا.

والنص : هو الكلام الذي يظهر افادته لمعناه ، ولا يتناول أكثر ( مما ) (٢) هو مقول فيه.

__________________

١ ـ في نسخة : كقولهم.

٢ ـ في نسخة : ما.

١٠٥

الفصل الثاني

فيما يحتاج الى بيان

والضابط فيه : أن كل ما لا يستقل بنفسه في معرفة المراد به ( فهو ) (١) مجمل.

وتقسيم ذلك أن نقول : الأدلة الشرعية : اما أقوال أو افعال.

فالاقوال على ضربين : ما يستقل بنفسه في معرفة المراد [ به ] وهو [ ما ] يدل : اما بصريحه ، كقوله تعالى : « ولا يظلم ربك أحدا » (٢) وقوله : « والله بكل شيء عليم » (٣) أو بفحواه ، كقوله : « فلا تقل لهما أف » (٤) وهذا حقيقة عرفية في نفي الاذية مطلقا. وقيل : يعلم ذلك بالقياس ، وهو باطل ، لأنه يعلمه من لا يستحضر القياس ومن لا يعتقد صحته أيضا.

ومنه ما لا يستقل بنفسه ، وهو نوعان : أحدهما : يحتاج إلى بيان ما لم يرد منه ، كقوله تعالى : « والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما » (٥) وهذا يصح التعلق به ، ومنهم من أدخله في حيز المجمل ، والاظهر ما ذكرناه [ والنوع ] الثاني : ما يفتقر إلى بيان ما أريد به ، وهو على أقسام :

الاول : ما وضع في اللغة لمعنى واحد ، ( موجود ) (٦) في أشخاص متعدده فانه بالنظر إليها أو إلى بعضها المعين ، مجمل ، كقوله تعالى : « وآتوا حقه

____________

١ ـ في نسخة : هو.

٢ ـ الكهف / ٤٩.

٣ ـ النساء / ١٧٦.

٤ ـ الاسراء / ٢٣.

٥ ـ المائدة / ٣٨.

٦ ـ في نسخة : موضوع.

١٠٦

يوم حصاده » (١).

الثاني : ما وضع لمعان [ مختلفة ] متعددة ـ وهو المشترك ـ فهو مجمل أيضا على ما مر بيانه ، كقوله تعالى : « ثلاثة قروء » (٢).

الثالث : ما استعمل في بعض موضوعه لمخصص ، [ مجمل ] ، كقوله تعالى : « احلت لكم بهيمة الانعام الا ما يتلى عليكم » (٣).

الرابع : ما استعمل في غير موضوعه وهو ضربان : [ أحدهما ] : الاسماء الشرعية ، منقولة كانت كقوله تعالى : « أقيموا الصلاة » (٤) ( أو ) (٥) مختصة كقوله تعالى : « ثم اتموا الصيام إلى الليل » (٦) [ و ] الثاني : ما استعمل في مجازه ، وتساوت المجازات بالنسبة إليه ، فهو مجمل فيها.

وأما الافعال : فكلها محتاجة إلى البيان ، لانها لا تنبئ عن الوجوه التي وقعت عليها ، [ وقد يقترن بها ما ينبئ عن الوجوه التي وقعت عليها ] كما إذا رؤي مثلا أنه صلى صلاة جماعة بأذان واقامة ، علم أنها واجبة ، لأن ذلك من دلائل الوجوب.

الفصل الثالث

فيما أدخل في المجمل ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : التحريم والتحليل المعلقان على الاعيان ، ينصرف إلى

__________________

١ ـ الانعام / ١٤١.

٢ ـ البقرة / ٢٢٨.

٣ ـ المائدة / ١.

٤ ـ البقرة / ٤٣.

٥ ـ في نسخة : و.

٦ ـ البقرة / ١٨٧.

١٠٧

المنفعة المطلوبة من تلك العين عرفا ، وقال أبو عبد الله : هو مجمل.

لنا أن الذهن يسبق إلى ذلك ، فان القائل : [ هذا الطعام حرام ، يسبق إلى الذهن تحريم أكله. و ] هذه المرأة حرام يسبق إلى الذهن تحريم الاستمتاع بها ، وسبق الذهن إلى الشيء دلالة على كون اللفظ حقيقة فيه.

احتج بأن الاعيان غير مقدورة ، فلا يتناولها النهي ، وليس مجاز أولى من مجاز ، فوجب التوقف.

وجوابه : منع الثانية ، لقيام الاولوية البادية ، بقضية العرف.

المسألة الثانية : قال الشيخ أبو جعفر « ره » : الباء في قوله تعالى : « وامسحوا برؤوسكم » (١) للتبعيض ، لأن الفعل متعد بنفسه ، فلولم تفد التبعيض لم يكن ( ثمة ) (٢) فائدة.

وقال القاضي تفيد الالصاق فحسب ، كما تقول : امسح يدك بالمنديل ، فانه يوجب الصاق يده بالمنديل ، اما بكله ، أو ببعضه.

وقال بعض العراقيين : هي مجملة ، لانها تحتمل مسح الكل والبعض ، فإذا مسح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بناصيته ، كان ذلك بيانا للمجمل.

المسألة الثالثة : حرف النفي إذا دخل على المصدر كقوله : لا صلاة الا بطهور ، قال أبو عبد الله البصري : هو مجمل.

وقال قوم : ان كان الفعل شرعيا ، انتفى عند انتفاء الصفة المذكورة ، كقوله : لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » ، لأن الشرع ( أخبر ) (٣) بانتفاء ذلك ، وان كان حقيقة انصرف إلى حكمه : فان كان له حكم واحد ، انتفى ذلك الحكم

__________________

١ ـ المائدة / ٦.

٢ ـ في نسخة : ثم.

٣ ـ في نسخة : أخبرنا.

١٠٨

كقوله : لا شهادة لقاذف » ، وان كان له أحكام متساوية ، كان مجملا.

الفصل الرابع

في البيان ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : البيان يقع بأشياء :

الاول : القول ، وهو ظاهر.

الثاني : الكتابة ، كما بين الله تعالى لملائكته بما كتبه في اللوح ، والرسول بما كتبه لعماله ، والائمة من بعده.

الثالث : الاشارة ، كما قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، بأصابعه العشر ثم أعاد وحبس اصبعه في الثالثة ، وهذا القسم لا يصح في حق الله تعالى ، ( لافتقاره ) (١) إلى الاعضاء ، واستحالتها قي حقه تعالى.

الرابع : الفعل ، وأنكر ذلك قوم ، والاصح جوازه ، كما بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الحج والوضوء بفعله ، ولا يكون [ ذلك ] بيانا حتى يعلم ذلك من قصده ، أو بنصه كقوله : « صلوا كما رأيتموني أصلي » ، أو بالدليل العقلي ، كما إذا فعل وقت الحاجة إلى بيان الخطاب.

[ الخامس ] الترك ، كأن يتركه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بعد فعله ـ عمدا ، [ أ ] ويكون الخطاب متناولا له ولامته ، ثم يتركه ، فيعلم خروجه ( عن ) (٢) العموم.

فرعان

الاول : الفعل أكشف من القول في البيان ، لأن الفعل ينبئ عن صفة

__________________

١ ـ في نسخة : لافتقارها.

٢ ـ في نسخة : من.

١٠٩

المبين عيانا ، والقول اخبار عن تلك الصفة ، وليس الخبر كالعيان.

الفرع الثاني : إذا ورد عقيب المجمل قول وفعل ، يحتمل أن يكون كل واحد منهما بيانا ، فان لم يتنافيا ، وعلم تقدم أحدهما ، كان هو البيان ، والثاني تأكيدا ، وان جهل ، كانا سواء في الاحتمال وان تنافيا ، وعلم تقدم أحدهما كان هو البيان ، ( وان ) (١) جهل ، كان القول هو البيان دون الفعل ، لأنه يدل بنفسه ، وليس كذلك الفعل.

المسألة الثانية : لا يجب أن يكون البيان كالمبين في القوة ، خلافا للكرخي فانه لا يعمل بخبر الاوساق ، مع قوله عليه‌السلام : « فيما سقت السماء العشر ».

وانما قلنا ذلك لأنه لا يمتنع تعلق المصلحة به ، وهو متضمن لحكم شرعي عملي ، فجاز استفادته بالخبر المظنون ، على ما سيأتي انشاء الله تعالى.

الفصل الخامس

في المبين له ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : يجوز أن يؤخر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله [ تبليغ ] العبادة إلى وقت الحاجة إليها ، وأو جبه قوم قبل الحاجة.

لنا : لو علم ذلك ، لعلم اما سمعا أو عقلا ، والقسمان ( منتفيان ) (٢).

احتجوا : بقوله تعالى : « يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك » (٣) والامر للفور.

__________________

١ ـ في نسخة : فان.

٢ ـ في بعض النسخ : منفيان.

٣ ـ المائدة / ٦٧.

١١٠

وجوابه : أن المراد بذلك القرآن ، لأنه هو المستفاد عند اطلاق التنزيل.

المسألة الثانية : لا خلاف بين أهل العدل أن تأخير البيان ( عن ) (١) وقت الحاجة غير جائز ، إذا لم يكن للمكلف طريق إلى معرفة ما كلف به الا بالبيان والا لكان تكليفا بما لا يطاق.

واختلفوا في جواز تأخيره عن وقت الخطاب ، فأجازه جماعة من الشافعية مطلقا. وأنكره أبو علي ، وأبو هاشم. وأجاز أبو الحسين تأخير ما لا ظاهر له ومنع من تأخير ما له ظاهر استعمل في خلافه كالعام ( إذا أريد به ) (٢) الخصوص والنكرة إذا أريد بها المعين ، والاسماء الشرعية.

احتج الاولون بوجوه.

الاول : أن البيان انما يراد ليتمكن المكلف من الاتيان بما كلف [ به ] ، فلا حاجة إليه عند الخطاب ، كما لم يجب تقديم القدرة.

الثاني : لو قبح تأخيره زمانا طويلا ، لقبح تأخيره زمانا قصيرا.

الثالث : لو قبح تأخير بيان العام ، لقبح [ تأخير ] بيان المنسوخ.

الرابع : قوله تعالى : « فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه » (٣) ، و « ثم » للتراخي.

الخامس : أمره تعالى بني اسرائيل بذبح بقرة ، وهو لا يريد الاطلاق ، واخر بيان صفتها إلى ما بعد السؤال. لا يقال : البيان توجه إلى تكليف ثان ، لأن ظاهر الكنايات العود إلى المذكور.

ويمكن أن يجاب عن الاول : بأنا لا نسلم انحصار فائدة الخطاب فيما ذكرتم

__________________

١ ـ في نسخة : عند.

٢ ـ في نسخة : كالعام في الخصوص.

٣ ـ القيامة / ١٨ ـ ١٩.

١١١

بل له فائدة أخرى ، وهو ارتفاع العبث وازالة الاغراء باعتقاد الجهل ، وهذه الفائدة لا تحصل الا مع مقارنة البيان للخطاب.

وعن الثاني : باظهار الفرق ، ومنع الملازمة ، فان الانسان قد يتكلم بما لا يفهم أصلا ، ثم يبينه في الحال ، ولا يقبح ذلك منه ، ويقبح أن يتراخى ببيانه عن الزمان القصير ، ولأن الكلام إذا اتصل به البيان صار كالجملة الواحدة.

وعن الثالث : بالتزام التسوية بين النسخ والخصوص ، فانه لا يجوز اسماع المنسوخ الا مع الاشعار بالنسخ.

وعن الرابع : بأن ظاهر الكناية عودها إلى جميع القرآن ، وكله لا يفتقر إلى بيان.

فان قلت : يجب تنزيلها على ما يفتقر منه إلى ( بيان ) (١) كالمجمل والعموم.

قلت : ليس ( ما ذكرته ) (٢) أولى من التمسك بظاهر الكناية ، ويكون البيان اظهاره بالتنزيل ، أو يكون اشارة إلى ( بيان التفصيل ) (٣).

احتج أبو الحسين : بأنه لو تأخر بيان ما له ظاهر ، لكان المخاطب : اما أن يريد افهامنا بذلك ، واما أن لا يريد (٤) ، ويلزم من الاول بطلان كونه خطابا. ومن الثاني تكليف ما لا يطاق ، أو الاغراء باعتقاد الجهل ، لأنه ان أراد منا فهم ظاهره ، لزم الاغراء بالجهل ، والا ( لكان ) (٥) تكليفا بما لا سبيل إليه.

وهذا ينتقض بجواز تأخير النسخ ، وبأنه قد يتوجه الخطاب إلى من يموت

__________________

١ ـ في نسخة : البيان.

٢ ـ في نسخة : ما ذكره وفي أخرى : ما ذكرتم.

٣ ـ في بعض النسخ : البيان التفصيلي.

٤ ـ في نسخة : اما أن لا يريد افهامنا بذلك واما أن يريد.

٥ ـ في نسخة : كان.

١١٢

قبل تمكنه من الاتيان بالفعل ، فيعلم خروجه عن الخطاب ، ولم ( يبين ) (١) ذلك.

واحتج أبو هاشم : بأنه لو جاز تأخير بيان المجمل ، لجاز مخاطبة العربي بالزنجية ، ولا يبين له في الحال ، والجامع : كون السامع لا يعرف المراد في الحالين.

وجوابه : منع الملازمة ، وابداء الفرق ، وهو أن العربي لا يفهم موضوع الزنجية ، وليس كذلك في صورة النزاع ، لأن السامع يعلم أن المتكلم أراد أحد محتملات اللفظ ، وقد يتعلق الغرض بابانة مثل ذلك القدر.

المسألة الثالثة : يجوز اسماع العام من لم يعرف الخاص ، سواءا كان المخصص عقليا أو شرعيا ، خلاف لأبي الهذيل ، وأبي علي.

لنا : حصول الاتفاق على جواز اسماع العام المخصوص بالعقل ، فليجز مثله في الخصوص بالنقل ، والجامع : كون السامع في كل واحد من الامرين يتمكن من فهم المراد.

احتج الخصم بوجهين :

أحدهما : لو جاز ذلك لزم الاغراء بالجهل ، أو الخطاب بما لا يفهم.

الثاني : لو جاز ذلك لما جاز العمل بالعام الا بعد العلم بانتفاء المخصص وذلك يسد باب الاستدلال بالعمومات.

وجواب الاول : أن الاغراء والجهل منتفيان ، لأن السامع يجوز التخصيص فيسعى في طلب المخصص.

وجواب الثاني : ان غلبة الظن بانتفاء المخصص ، تكفى في جواز العمل بالعام.

__________________

١ ـ في نسخة : تبين.

١١٣
١١٤

الباب الخامس

في الافعال

وفيه فصلان :

١١٥
١١٦

الفصل الاول

في أفعال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : التأسي في الفعل ( هو ) (١) أن يفعل صورة ما فعل ( النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (٢) على الوجه الذي فعل ، لاجل أنه فعل.

وفي الترك : هو أن يترك مثل الذي ترك ، لاجل أنه ترك.

والاتباع : قد يكون في القول ، وهو : امتثال مقتضاه من وجوب أو ندب أو حظر ، وقد يكون في الفعل والترك ، وهو مثل التأسي.

والموافقة : هي المشاركة في صورة ما يشتركان فيه ، سواءا كان في عقيدة أو في فعل.

والمخالفة : قد تكون في القول ، وهي : العدول عن مقتضاه. وفي الفعل ، وهي : العدول عن مثل فعله إذا وجب ، لأنه لو لم يجب ، لم يسم العادل مخالفا كما لا يقال : الحائض مخالفة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ترك الصلاة.

والائتمام : هو فعل مثل ما فعله [ تبعا له ].

__________________

١ ـ في نسخة : وهو.

٢ ـ في بعض النسخ : الغير.

١١٧

المسألة الثانية : أفعال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ان كانت بيانا لمجمل واجب ، كانت على الوجوب في حقنا ، أو لمندوب كانت كذلك في حقنا.

وان لم تكن بيانا ، وكانت شرعية ، ولم يعلم الوجه الذي وقعت عليه ، قال ابن سريج : تدل على الوجوب في حقنا ، وقال الشافعي. تدل على الندب ، وقال مالك : على الاباحة ، والاولى : التوقف.

لنا : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل الواجب وغيره ، ولا اشعار للفعل بوجهه الذي وقع عليه ، ومع تساوي الاحتمال يجب التوقف.

احتج القائلون بالوجوب : بالقرآن والاجماع :

أما القرآن : فبقوله تعالى : « فليحذر الذين يخالفون عن أمره » (١) ، والامر حقيقة في الفعل ، وقوله تعالى : « لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة » (٢) وقوله : « فاتبعوه » (٣).

وأما الاجماع : فلان الصحابة خلعوا نعالهم لما خلع ، وحلقوا لما حلق ، وذبحوا لما ذبح ، ورجعوا إلى قول عائشة في الغسل من [ التقاء ] الختانين.

وجواب الاول : لا نسلم ان الأمر حقيقة في الفعل ، سلمنا [ ه ] لكن المشترك لا ينزل على كلا معنييه ، بل على أحدهما ، والقول مراد قطعا ، فالفعل غير مراد.

__________________

١ ـ النور / ٦٣.

٢ ـ الاحزاب / ٢١.

٣ ـ هذه الكلمة وردت في قوله تعالى : « وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه » الانعام / ١٥٣. ولكن ما يصلح للاستدلال هنا هو قوله تعالى : « فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه » الاعراف / ١٥٨.

١١٨

وجواب الثاني : لا نسلم أن التأسي هو الاتيان بمثل فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل الاتيان به على الوجه الذي فعل ، كما بيناه ، وهو الجواب عن الآية الاخرى.

وأما الاجماع : فلا نسلم أنهم فعلوه لاجل فعله مطلقا ، بل لعله كان بين ذلك لهم.

المسألة الثالثة : إذا علم الوجه الذي وقع عليه فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال أبو جعفر الطوسي « ره » : يجب اتباعه في ذلك ، وهو اختيار أبي الحسين البصري ، وتوقف قوم في ذلك.

احتج الاولون بوجهين :

أحدهما : قوله تعالى : « لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة » (١) وقوله : « فاتبعوه ».

[ و ] الثاني : الاجماع في الرجوع إلى أفعاله في تعريف الاحكام الشرعية.

ويمكن أن يجاب عن الاول : ( بأن ) (٢) الاسوة ليست من ألفاظ العموم ، فتصدق بالمرة الواحدة ، وقد توافقنا على وجوب التأسي [ به ] في بعض الاشياء ، فلعل ذلك هو المراد ، وهذا هو الجواب عن الآية الاخرى.

لا يقال : العرف يقضي بوجوب التأسي به في كل الأمور ، لأنه لا يقال : فلان أسوة لفلان ، إذا كان أسوة له في أمر واحد.

لأنا نقول : هذا ممنوع ، فلابد له من دليل.

وأما الاجماع : فهو ( استدلال ) (٣) بصورة خاصة على قضية عامة ، ولئن

__________________

١ ـ الاحزاب / ٢١.

٢ ـ في نسخة : أن.

٣ ـ في نسخة : الاستدلال.

١١٩

سلمنا حصوله في تلك الصورة ، فتعديته قياس.

الفصل الثاني

في الوجوه التي تقع عليها أفعاله ، وفي حكم التعارض ، وفيه مسألتان :

المسألة الاولى : فعله عليه‌السلام قد يكون بيانا ، ويعلم ذلك بوجهين :

أحدهما : أن يتقدم فعله خطاب يفتقر إلى بيان ، ( ويعدم ) (١) ما يمكن أن يكون بيانا له.

الثاني : أن ينص على كون فعله ( بيانا لخطاب ) (٢).

وقد يكون فعله ابتداء شرع ، فيكون واجبا أو مندوبا أو مباحا.

فالواجب يعلم بخمس طرق : بنصه على الوجوب ، أو بكون فعله بيانا لواجب ، أو يفعل عليه‌السلام معه امارة تدل على الوجوب ، أو يفعله بدلا ( من ) (٣) واجب ، أو يكون الفعل قبيحا لو لم يكن واجبا كركوعين في ركعة ، ذكره أبو الحسين.

والمندوب يعلم بأربعة أشياء : بنصه عليه‌السلام ، أو يعلم أن له صفة زائدة على حسنه ولا تدل دلالة على وجوبه ، أو يكون بيانا لخطاب يدل على الندبية ، أو يكون امتثالا لخطاب دال عليها.

والاباحة تعلم بأربعة أشياء : بأن يعلم ذلك من قصده اما بنص أو امارة ، أو يدل على حسنه ولا تدل دلالة على وجوبه ولا ندبه ، أو يكون بيانا لخطاب

__________________

١ ـ في نسخة : تقدم ، وفي أخرى : يقدم.

٢ ـ في نسخة : بيان الخطاب.

٣ ـ في بعض النسخ : عن.

١٢٠