أخبار نيل مصر

شهاب الدين بن العماد الأقفهسي

أخبار نيل مصر

المؤلف:

شهاب الدين بن العماد الأقفهسي


المحقق: د. لبيبة إبراهيم مصطفى و أ. نعمات عبّاس محمد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-18-0444-8
الصفحات: ١٤٤

فصل

فى كورة أسيوط (١) وجبل أبى فائدة (٢) الذى على النيل

قال الكندى : وعلى النيل كورة أسيوط ، ذكر أنه صوّر للرشيد صورة الدنيا كلها ، فما أعجبه منها غير كورة أسيوط. مساحة ثلاثين ألف فدان فى دست (٣) واحد ، لو قطرت / [٣٣] قطرة فاضت على جميع جوانبه. يزرع فيه الكتان ، والقمح ، والقرط (٤) ، وسائر أصناف الغلات ، فلا يكون على وجه الأرض بساط أعجب منه. وبسائره من جوانبه ؛ الغربى جبل أبيض على صورة الطيلسان كأنه قرون ، ويحف به من جانبه الشرقى النيل ، كأنه جدول فضة ، لا يسمع فيه الكلام من شدة أصوات الطير.

__________________

(١) أسيوط ويقال لها سيوط ، وإثبات الألف فيها هو الجارى على ألسنة العامة : وهى من المدن القديمة بصعيد مصر ، وهى عاصمة محافظة أسيوط ، ومعناها مدينة الذئب ، لأن أهلها كان يعبدون ابن آوى الذى يشبهه الروم بالذئب.

وتقع على الضفة الغربية للنيل. القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٤ ، ص ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) هو جبل أبى فيدة ، ويقع على النيل مقابل مدينة منفلوط. انظر : صبح الأعشى ، ج ٣ ، ص ٣٠٩.

(٣) الدست : الإناء. المعجم الوجيز ، مادة (دست).

(٤) القرط : نبات كالرطبة إلا أنه أجل منها ، انظر : محيط المحيط ، ج ٢ ، مادة (قرط).

٦١

فصل

فى الأهرام

قال ابن زولاق (١) : إن هرميس (٢) الأكبر وابنه بنوا الهرمين ، وأنه جعل عرض [٣٤] حائطهما ثلاث مائة ذراع بذراعهم. قال : وكانت الصابئة (٣) تحج الأهرام» (٤). ولما أتى الطوفان لم يهدمهم ، ولكن ردم ثلث البناء ، فقيل إن هذا الذى بقى منهم هو بعض ما دفن. وكانت الصابئة تطوف به ويقولون : يا أبا الهول إليك قد حججنا.

قال : وسعة الهرمين أربعمائة ذراع ، فى ارتفاع مثلها. أحدهما قبر هرمس ، والآخر قبر تلميذه [أغاثيمون (٥)]. وكانا فى سالف الدهر مستورين بالديباج (٦).

قال المسعودى (٧) : وسأل أحمد بن طولون ذلك الشيخ عن بناء الأهرام ، فقال : إنها قبور الملوك (٨). كان الملك منهم إذا مات وضع فى حوض حجارة ، وأطبق عليه ، ثم يبنى له من الهرم على قدر ما يرون من ارتفاع الأساس ، ثم يحمل فيوضع وسط الهرم ، ثم يقنطر عليه البنيان والأقباء ، ثم يرفعون البناء على هذا المقدار الذى ترونه. ويجعل باب

__________________

(١) انظر : فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٠.

(٢) هكذا ورد رسم الاسم فى المخطوطة ، بينما رسم فى المصادر الأخرى التى بين أيدينا «هرمس». وقد ذكر القفطى أن هذا الاسم باليونانية أرميس وطرميس وأطلق عليه العرب هرمس وكتبه ابن العماد هرميس وهرمس أى استخدم الرسمين. راجع ترجمته فى القفطى : تاريخ الحكماء ، ص ١ ـ ٦ ، ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٣) الصابئة : من الفرس الذين عبدوا قوى الطبيعة. وهم القائلون بالأصنام الأرضية للأرباب السماوية ، أى الكواكب متوسطون إلى رب الأرباب ، وينكرون الرسالة فى الصور البشرية عن الله تعالى ، ولا ينكرونها عن الكواكب.

انظر : المقريزى : الخطط ، ج ١ ، ص ٢٦١ ـ ٢٦٢ ؛ كرد على : خطط الشام ، ج ٦ ، ص ٢١٣ ، ط. دمشق ١٩٢٨ م.

(٤) نهاية السقط من نسخة ح والذى سبق أن نوهنا عند بدايته ص ٦٠ ، حاشية ٥.

(٥) «أعاديتمون» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٠ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١٥٤.

وأغاثيمون : هو معلم إدريس قبل النبوة. ومعنى هذا الاسم «السعيد الجد». انظر : القفطى : تاريخ الحكماء ، ص ٢ ـ ٣ وقد رسم الاسم فيه «الغوثاذيمون ، وقيل أغثاذيمون».

(٦) الديباج : ضرب من الثياب سداه ولحمته حرير. المعجم الوجيز.

(٧) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٠.

(٨) «لملوك» فى نسخة ح.

٦٢

الهرم تحت الهرم ، [ثم](١) يحفر له طريق فى الأرض ، ويعقد (٢) أزج (٣) ، ويكون طول الأزج تحت الأرض مائة ذراع وأكثر. ولكل هرم من هذه الأهرام باب / يدخل منه على [٣٥] ما وصفت.

قيل له : فكيف بنيت هذه الأهرام المملسة؟ وعلى أى شىء كانوا يصعدون ويبنون؟ وعلى أى شىء كانوا يحملون هذه الأحجار العظيمة ، الذى لا يقدر أهل زماننا هذا على أن يحركوا الحجر الواحد إلا بجهد ، إن قدروا؟.

فقال : كان القوم يبنون الهرم مدرجا ذا مراقى كالدرج ، فإذا فرغوا منه نحتوه من فوق إلى أسفل ، هذه كانت حيلتهم. وكانوا مع هذا لهم قوة وصبر وطاعة لملوكهم [ديانة](٤).

فقيل له : ما بال هذه الكتابة التى على الأهرام والبرابى (٥) لا تقرأ؟. فقال : دثر الحكماء وأهل العصر الذين كان هذا قلمهم ، وتداول أرض مصر الأمم ، فغلب على أهلها القلم الرومى ، وذهب عنهم كتابة آبائهم. وإن من تلك الكتابة : إنا بنيناها ، فمن يدعى موازاتنا فى الملك ، / أو بلوغنا فى القدرة ، وانتهاءنا من السلطان ، فليهدمها وليزل [٣٦] رسمها ، فإن الهدم أيسر (٦) من البناء ، والتفريق أيسر من التأليف (٧).

وقد ذكر أن بعض ملوك الإسلام شرع فى هدم بعضها ، فإذا خراج (٨) مصر وغيرها من الأرض لا يفى بقلعها ، وهى من الحجر والرخام.

__________________

(١) «الذى ثم» فى نسخة ز. «الذى» فى نسخة ح. والمثبت هو الأنسب للسياق ، وهو كما فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٠.

(٢) «بعقد» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٠.

(٣) الأزج : بناء مستطيل مقوس السقف. وجمعها : آزاج. المعجم الوجيز ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ١٨٤.

(٤) «وتابته» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٠.

(٥) البرابى : بيوت الحكمة ، وهى الدور التى كان المصريون القدامى يتعلمون فيها العلوم وخاصة اللاهوتية. انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٦٠ ـ ٣٦١ ؛ فضائل مصر وأخبارها ، ص ٦٥ ، حاشية (٩) ؛ معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٥٣٢.

(٦) «أسير» فى نسخة ح.

(٧) راجع هذا القول لابن حوقل فى صورة الأرض ، ص ١٣٦.

(٨) «خرج» فى نسخة ح.

٦٣

قال المسعودى (١) : وسأله عن مدينة العقاب (٢) ، فقال : هى غربى أهرام [أبى](٣) صير الجيزة ، وهى على خمسة أيام بلياليها للراكب المجد ، وقد عور طريقها وعمى (٤). وذكر ما فيها من عجائب البنيان والجواهر والأموال.

وسأله عن النوبة وأرضها ، فقال : هم أصحاب إبل وبخت (٥) وبقر وغنم ، والأغلب من ركوب عوامهم البرازين (٦). ورميهم بالنّبل (٧) عن قسى (٨) عربية (٩) ، وعنهم أخذ الرمى أهل الحجاز واليمن وغيرهم من العرب. وهم الذين تسميهم العرب رماة الحدق. ولهم [٣٧] النخل ، / والكرم ، والذرة ، والموز ، والحنطة. وأرضهم كأنها جزء من أرض اليمن. وللنوبة أترج كأكبر ما يكون بأرض الإسلام.

وملوكهم تزعم إنها من حمير (١٠) ، وملكهم مستولى على [مقرّى](١١) ونوبة [وعلوة](١٢). ووراء علوة أمة عظيمة من السودان ، تدعى بكنة ، وهم عراة كالزنج ،

__________________

(١) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٠.

(٢) لمزيد من التفاصيل عن هذه المدينة انظر : الخطط ، ج ١ ، ص ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٣) «أبو» فى نسختى المخطوطة. والمثبت هو الصحيح.

وأبو صير : من القرى القديمة فى محافظة الجيزة ، ويقال لها بوصير السدر ، لأنها كانت تشتهر بوجود الكثير من شجر السدر ـ أى شجر النبق ـ وفى تاريخ سنة ١٢٢٨ ه‍ عرفت باسمها الحالى المختصر «أبو صير». انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٣ ، ص ٣.

(٤) «وقدوعرت طريقهاوعميت المسالك إليها ، والسمت الذى يؤدى نحوها»فى مروج الذهب،ج ١،ص ٣٥١.

(٥) البخت : من الإبل ، وهو معرّب. انظر : الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٤٣.

(٦) البرازين : مفردها البرزون : وهو الدابة. انظر : الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢٠٧٨.

(٧) النّبل : السهام. المعجم الوجيز.

(٨) القسى ، مفردها القوس : والقسى على ضربين ، أحدهما : العربية ، وهى التى تركب من خشب فقط. والثانية : الفارسية ، وهى التى تركب من أجزاء من الخشب ، والقرن ، والعقب ، والغراء. والقسى على جنسين : قوس يد ، وقوس رجل. انظر : نبيل محمد عبد العزيز : خزائن السلاح ومحتوياتها على عصر الأيوبيين والمماليك ، ص ١٢٦ ، بحث بمجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ، المجلد ٢٣ ؛ القاهرة ١٩٧٦ م.

(٩) «غريبة» فى نسخة ح.

(١٠) حمير : إحدى الممالك العربية فى اليمن قبل الاسلام. وتقع بين سبأ والبحر الأحمر. وكانت عاصمتها ريدان التى عرفت فيما بعد باسم ظفار ، وهى مقر ملكهم. وحمير من العرب القحطانيين. حسن إبراهيم حسن : تاريخ الاسلام السياسى ، ج ١ ، ص ٢٨ ، ط. دار الجيل ، بيروت ١٩٩١ م.

(١١) «معدى» فى نسختى المخطوطة. و «مقرا» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢. والمثبت بين الحاصرتين من معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ١٧٤ ، ط. دار صادر ـ بيروت. ومقرّى أو مقرة : بلد بأرض النوبة ، افتتحه عبد الله بن سعد بن أبى سرح سنة ٣٠ ه‍. راجع : ابن حوقل : صورة الأرض ، ج ١ ، ص ٥٧ ـ ٥٨ ؛ الخطط ، ج ١ ، ص ١٩٠ ـ ١٩٢.

(١٢) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢ حيث ينقل ابن العماد عنه. وعلوة : إحدى فرقتى النوبة ، بنوا مدينة عظيمة سموها سرقته. أما فرقة النوبة فقد بنوا دار مملكة وهى مدينة دنقلة. انظر : التنبيه والإشراف ، ص ٥١ ؛ الخطط ، ج ١ ، ص ١٩١ ـ ١٩٤ ، ص ١٩٨.

٦٤

وأرضهم تنبت الذهب. وفى مملكة هذه الأمة يفترق النيل فيتشعب منه خليج عظيم ، ثم يخضر الخليج من بعد انفصاله عن النيل ، وينحدر الأكثر إلى إلى بلاد النوبة. فإذا كان فى بعض الأزمنة (١) انفصل الأكثر [من](٢) الماء [فى](٣) ذلك الخليج ، وابيض الأكثر ، واخضر الأقل ، [فيشق](٤) ذلك الخليج فى أودية وخلجان وأعمال مأنوسة ، حتى يخرج إلى حلابس (٥) والجنوب ، وذلك [على](٦) ساحل الزنج ، ومصبّه فى بحرهم. انتهى كلام المسعودى.

ومنه يؤخذ أن خضرة النيل / عند الزيادة [تكون](٧) من خضرة ذلك الخليج ، لأنه [٣٨] متصل «به» (٨). وسمعت بعضهم يذكر أن فى أعلى النيل برك تنقطع على النيل فى أوان النقص فتخضر لطول مكثها ، فإذا كان أوان (٩) الزيادة وزاد الماء ، صب ماؤها فى البحر فيخضر والله أعلم.

__________________

(١) «الأزمة» فى نسخة ح.

(٢) «فى» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢.

(٣) «إلى» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢.

(٤) «فينشق» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢.

(٥) «جلاسق» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢.

(٦) ما بين الحاصرتين مثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢.

(٧) «يكون» فى نسخة ز. والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ح.

(٨) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٩) «أول» فى نسخة ح.

٦٥

فصل

وأما الحائط الممتدة (١) بالجانب الشرقى عن النيل ، فذكر المسعودى : أنه لما أغرق الله فرعون ومن معه من الجنوب ، خشى ما بقى بأرض مصر من الذرارى والنساء والعبيد ، أن يغزوهم ملوك الشام والغرب ، فملّكوا عليهم امرأة ذات رأى وحزم ، يقال لها دلوكة (٢) ، فبنت على بلاد مصر حائطا يحيط بجميع البلدان ، وجعلت عليهم (٣) المحارس (٤) والأجراس (٥) ، والرجال متصلة أصواتهم بقرب بعضهم من بعض. وأثر هذا [٣٩] الحائط موجود إلى هذا الوقت ، وهو سنة ثمانين وسبعمائة ، ويعرف / بحائط العجوز.

قال المسعودى : وقيل إنما بنته خوفا على ولد لها كان كثير القنص ، فخافت عليه من سباع البر والبحر ، واغتيال من جاوز (٦) أرضهم من الملوك وأهل البوادى ، فحوّطت الحائط من التماسيح وغيرها. وقيل غير ذلك.

فملكتهم ثلاثين سنة ، واتخذت بمصر البرابى والصور ، وأحكمت آلات السحر وغير ذلك.

__________________

(١) «الممتد» فى نسخة ح.

(٢) هى الملكة دلوكة بنت زبّاء ، كانت ذات عقل ومعرفة وتجارب ، ولها شرف عال بين نساء مصر الذين بقوا بمصر بعد غرق فرعون وأصحابه ، وقد ملكت مصر عشرين سنة ، وكانت تبلغ من العمر ١٦٠ سنة. لمزيد من التفاصيل عنها راجع : فتوح مصر ، ص ٤٧ ، ٤٩ ؛ الخطط ، ج ١ ، ص ١٩٩ ؛ حسن المحاضرة ، ج ٢ ، ص ٣٣٤.

(٣) «عليها» فى نسخة ح.

(٤) «محارس» فى نسخة ح.

(٥) «الأحراس» فى نسخة ح وفى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٨. والمثبت يتفق مع ما ورد فى فتوح مصر لابن عبد الحكم ، ص ٤٧ حيث قال : «وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس ، فإذا أتاهم أحد يخافونه ، ضرب بعضهم إلى بعض بالأجراس».

(٦) «جاور» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٩.

٦٦

فصل

فى المقاييس (١) الموضوعة بمصر

لمعرفة زيادة النيل ونقصانه منه

قال المسعودى ـ رحمة الله عليه ـ : سمعت جماعة من أهل الخبرة (٢) يخبرون أن يوسف النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين [بنى](٣) الأهرام ، اتخذ مقياسا لمعرفة زيادة النيل ونقصانه ، وأن ذلك [كان](٤) بمنف. وأن دلوكة / العجوز وضعت مقياسا [٤٠] [بأنصنا](٥) صغير الذراع ، ووضعت أيضا مقياسا آخر بالصعيد ـ أيضا ـ ببلاد أخميم (٦). فهذه المقاييس الموضوعة قبل مجىء الإسلام.

__________________

(١) المقاييس : الغرض منها قياس مستوى النهر فى كل مكان هام ، بغية العلم بمقدار ما يجرى فى النهر من ماء فى كل جزء من أجزائه ، وهو ما اصطلح على تسميته تصرف أو تصريف النهر. لذلك كان وجود مقياس ثابت يسجل مستوى النهر فى كل وقت أمرا لازما لقياس تصرف النهر بانتظام. ولا بد أن يكون المقياس مثبتا إلى جانب النهر تثبيتا متينا بحيث لا يتزحزح لأى ظروف طارئة. أيضا على كل مقياس بيان بالارتفاعات المختلفة ، وهذه الارتفاعات تقاس بالنسبة إلى نقطة الصفر المصطلح عليها. ونقطة الصفر فى المقاييس الواقعة فى مصر من أسوان إلى الدلتا هى مستوى سطح البحر المتوسط. لمزيد من التفاصيل انظر : محمد عوض محمد : نهر النيل ، ص ٢٥٣ ـ ٢٥٦.

(٢) «الجيزة» فى نسخة ح.

(٣) «بنا» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٤.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٤. وعن مقياس منف راجع : حسن المحاضرة ، ج ٢ ، ص ٣٣٤ ؛ وانظر الخريطة رقم (٤) ، (٥).

(٥) «بأطسى» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٤ ؛ فتوح مصر ، ص ٣٦ ؛ حسن المحاضرة ، ج ٢ ، ص ٣٣٤.

وأنصنا : مدينة من مدن مصر القديمة ، بها قرية حفن التى منها مارية القبطية. وتقع شرقى النيل بمركز ملوى بمحافظة المنيا. الخطط ، ج ١ ، ص ٢٠٤ ؛ القاموس الجغرافى ، ق ١ ، ص ١٣٢ ـ ١٣٣ ؛ وذكرها ياقوت الحموى فى معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٣٨١.

(٦) أخميم : من أقدم المدن المصرية ، وتقع فى شرقى النيل. القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٤ ، ص ٨٩ ـ ٩٠. ولمزيد من التفاصيل عن مقياس أخميم انظر : صبح الأعشى ، ج ٣ ، ص ١٩٨ ؛ السيوطى : كوكب الروضة ، ص ٧٤ ، مخطوط بدار الكتب المصرية ، رقم ٥٥٤ تاريخ تيمور ؛ المنوفى : الفيض المديد ، ص ٤٠ ، مخطوط بدار الكتب المصرية ، رقم ٦٦ جغرافيا.

٦٧

ثم ورد الإسلام ، فكانوا يعرفون زيادة النيل ونقصانه بما ذكرنا. إلى أن ولى عبد العزيز بن مروان (١) ، فاتخذ مقياسا بحلوان (٢) ، وهو صغير الذراع.

ثم اتخذ أسامة بن زيد التنوخى مقياسا (٣) بالجزيرة (٤) [وهى](٥) التى بين الفسطاط والجيزة ، وهذا المقياس الذى اتخذه أسامة أكبرها ذراعا (٦). واتخذ ذلك فى أيام سليمان (٧) بن عبد الملك ، وهو المقياس الذى [يعمل](٨) عليه فى وقتنا (٩). ومساحة ذراعه إلى أن يبلغ اثنى عشر دراعا ، [ثمان وعشرون إصبعا. ومن اثنى عشر ذراعا](١٠) إلى [٤١] ما فوق «يصير» (١١) الذراع أربعا وعشرين [إصبعا](١٢).

وفى هذه الجزيرة مقياس آخر لأحمد بن طولون ، والعمل عليه عند كثرة الماء ، وترادف الرياح ، واختلاف مهابها ، وكثرة الموج.

__________________

(١) هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية ، ولى مصر سنة ٦٥ ه‍ وكانت ولايته عليها عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوما ، فقد توفى بها سنة ٨٦ ه‍. وقد اتخذ من حلوان مقرا له وسكنا. انظر :

الكندى : ولاة مصر ، ص ٧٠ ـ ٧٩ ، تحقيق حسين نصار ، ط. الذخائر العدد (٦٦).

(٢) حلوان : ذكر محمد رمزى فى القاموس الجغرافى أن بمصر بلدتان متجاورتان تسمى كل منهما حلوان ، إحداهما ـ وهى أقدمها ـ حلوان التى أنشأها عبد العزيز بن مروان والى مصر سنة ٧٠ ه‍. وهى تتبع محافظة الجيزة. أما الأخرى فهى حلوان الحمامات التى أنشأها الخديو إسماعيل باشا سنة ١٨٧٤ م وتتبع محافظة القاهرة. انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ، ص ١٢.

(٣) لمزيد من التفاصيل عن قصة بناء أسامة بن زيد التنوخى للمقياس فى سنة ٧٦ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ، ج ٣ ، ص ١١٢ ـ ١١٥.

(٤) هى جزيرة الروضة. انظر : حسن المحاضرة ، ج ٢ ، ص ٣٣٤.

(٥) «وهو التى» فى نسخة ز ، «وهو الذى» فى نسخة ح. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٤.

(٦) «أكثرها استعمالا» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٤. بينما اتفق ما ذكره ابن العماد مع ما ورد فى : فتوح مصر ، ص ٣٦ ؛ حسن المحاضرة ، ج ٢ ، ص ٣٣٤.

(٧) هو الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية. ولى الخلافة فى جمادى الآخرة سنة ٩٦ ه‍ وتوفى فى صفر سنة ٩٩ ه‍. انظر : ولاة مصر ، ص ٨٧ ، ٨٨ ؛ ابن دقماق : الجوهر الثمين فى سير الملوك والسلاطين ، ج ١ ، ص ٩١ ـ ٩٢ ، تحقيق محمد كمال الدين عز الدين على ، ط. عالم الكتب ، بيروت ١٩٨٥ م.

(٨) «العمل» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٤.

(٩) الضمير عائد على المؤلف «ابن العماد الأقفهسى».

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢ وذلك لاستقامة المعنى.

(١١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(١٢) ما بين الحاصرتين إضافة للتوضيح من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢.

٦٨

فصل

فى زيادة النيل

قال المسعودى : قالت العرب فى النيل : إنه إذا زاد غاضت له البحار (١) ، أى نقصت. قال الله تعالى : (وَغِيضَ الْماءُ)(٢) أى نقص وذهب. قال تعالى : (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ)(٣). وغاضت له العيون والآبار. وإذا غاض هو زادت هى. فزيادتها من غيضه ، وغيضه من زيادتها.

قال : وقالت الهند : زيادته ونقصه بالسّيول. ونحن نقول ذلك بتوالى الأنواء ، وكثرة الأمطار ، وركود السحاب.

وقالت الروم : لم يزد / قط ولم ينقص ، وإنما زيادته بريح الشمال إذا كثرت واتصلت [٤٢] [به](٤).

[وقالت](٥) القبط : زيادته (٦) [ونقصانه](٧) من عيون فى شاطئه ، يراها من سافر ولحق بأعاليه. وقد تقدم عن أبى قبيل أن نيل مصر فى زيادته يفور كله ، من أوله إلى آخره (٨).

وحكى لى من أقام بالحبشة : أن الغمام والمطر مستمر عندهم فى أيام زيادة النيل ليلا ونهارا فى أعلى النيل. وأن فى بعض السنين يكثر المطر جدا ، وفى بعضها يقل ، فيعرفون كثرة النيل بمصر وقلته بسبب ذلك.

__________________

(١) «الأنهار» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٠.

(٢) سورة هود ، آية (٤٤).

(٣) سورة الرعد ، آية (٨).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤١ ؛ انظر أيضا : الخطط ، ج ١ ، ص ٥٤ ، ٥٦.

(٥) «قال» فى نسخة ز. والمثبت من نسخة ح ، وهو كما فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤١.

(٦) «زيادة» فى نسخة ح.

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤١.

(٨) انظر ما سبق ص ٤٥.

٦٩

فصل

فى المكان الذى يذهب فيه ماء النيل

قالت الحكماء (١) : إن النيل إذا صب فى بحر الملح انتهى فيه إلى مواضع ، ثم يرتفع بخارا ويجتمع فى الجو ، فتحمله الغمام والريح إلى الأماكن التى يريد / الله تعالى بالمطر فيها من سائر البلاد. ولهذا تجد الأماكن القريبة من البحر أكثر مطرا من غيرها ، ويشاهد الغمام قريبا من بحر الملح ، عند دمياط وغيرها مما [جاور](٢) البحر.

قالوا : وإذا وقع المطر فى البلاد اتصل بالبحر من عيون وغيرها ، حتى ينتهى إلى البحر أيضا ، ثم يصير مطرا كما سبق. وهذا قد أشار إليه الزمخشرى فى قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ)(٣) والمراد بالسماء : الغمام ، والرجع : المطر.

قال : سمى رجعا على عادة العرب فى معتقدهم ، أن الغمام يحمل ماء المطر من البحر ، ثم يرجع إليها ، فهو رجع إلى الأرض بعد ما أخذ منها مرة بعد مرة.

وذكر الواحدى (٤) : أنها إنما سميت رجعا لأنها ترجع إلى الأرض مرة بعد أخرى. وما ذكره الحكماء وجّهوه بأن [كل ما](٥) على الأرض من خشب ، وحجر ، ونحاس ، [٤٤] ورصاص ، وحيوان ، / يصير ترابا ثم يعود خلقا جديدا ، وهكذا إلى يوم [القيامة](٦). قالوا : والفلك دوّار.

وذكر المفسرون : فى قوله سبحانه وتعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ)(٧) : أن الله تعالى يرسل الرياح فتلقح (٨) السحاب بالماء ، كما تلقح البقرة باللبن

__________________

(١) ورد هذا النص فى الفضائل الباهرة ، ص ١٦٥.

(٢) «جاوز» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من الفضائل الباهرة ، ص ١٦٥.

(٣) سورة الطارق ، آية (١١).

(٤) انظر : الواحدى : الوسيط فى تفسير القرآن المجيد ، ج ٤ ، ص ٤٦٦ ، ٤٦٧ ؛ راجع أيضا : الزجاج : معانى القرآن وإعرابه ، ج ٥ ، ص ٣٠٢ ، تحقيق عبد الجليل شلبى ، ط. عالم الكتب ، بيروت ١٩٨٨ م.

(٥) «كلما» فى نسختى المخطوطة.

(٦) «القيمة» فى نسختى المخطوطة.

(٧) سورة الحجر ، آية (٢٢). وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٥٤٩.

(٨) «فتلقى» فى نسخة ح.

٧٠

قال اللغويون : واللواقح من الرياح : التى تحمل [الندى](١) ثم تمحه فى السحاب ، فإذا اجتمع صار مطرا. وقيل : إنما هى ملاقح. وأما قولهم : لواقح ؛ فعلى حذف الزائد.

قال ابن الجنى : قياس (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)(٢) ملاقح ، لأن الريح تلقح السحاب ، وقد يجوز على معنى لقحت هى ، فإذا لقحت فزكت ، ألقحت السحاب ، فيكون هذا مما اكتفى فيه بالسبب على المسبب.

قال أهل اللغة : والريح العقيم التى لا ماء فيها سميت عقيما ؛ لأنها لا تلقح ، ولا تنتح. كالرجل العقيم ، والمرأة العقيم. ويجوز أن [تكون / الريح تحمل البخار الذى [٤٥] يجتمع](٣) فى الجو من البحر الملح إلى الغمام ، فيلقحها به. ويدل لذلك أنك تجد ماء المطر ـ فى الغالب ـ فيه ملوحة. وإنما ملّح لمجاورته للبحر على ما سبق.

وقد يشاهد البخار فى زمن البرد [يعلو](٤) من البحر إلى الجو ويتراكم ، حتى يصير فى مرأى العين كالسحاب ، فيجرى بالريح. فيجوز أن يكون بعض ما نشاهد من السحاب [مطرا](٥) كله ، وأن الله تعالى يسوقه إلى حيث يشاء. ويجوز أن يكون المطر ينزل من السماء كما ينزل منها البرد. قال الله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ)(٦).

قال ابن عباس رضى الله عنهما : فى السماء جبال من برد ، كما فى الأرض جبال من حجر.

قال أبو الفرج بن الجوزى : والبرد يقع قطعا كبارا ، وقطعا صغارا. قال : ووقعت فى بعض السنين بردة عظيمة ، فاهتز لها إقليم مصر.

__________________

(١) «الندا» فى نسختى المخطوطة.

(٢) سورة الحجر ، آية (٢٢).

(٣) «يكون الريح تحمل البخار التى تجتمع» فى نسخة ز ، «يكون الريح يحمل البخار التى يجتمع» فى نسخة ح.

والمثبت هو الصحيح.

(٤) «يعلوا» فى نسختى المخطوطة.

(٥) «مطر» فى نسختى المخطوطة.

(٦) سورة النور ، آية (٤٣).

٧١

فائدة :

قال : قال الكواشى فى تفسيره (١) : من الأولى فى قوله تعالى : (مِنَ السَّماءِ)(٢) : [٤٦] لابتداء الغاية ، والثانية : للتبعيض ، / والثالثة : لبيان الجنس. انتهى.

ويجوز أن يكون المطر ينزل من البحر الذى مرتفع بين السماء والأرض ، ويقال إنه دائما يجرى. قيل : ولو لا هو لا حترقت الأرض بحمى حر الشمس.

وذكر بعض الشيوخ فيه حكاية عجيبة فقال : إن بعض الملوك أرسل بازا (٣) أشهب خلف طائر ، فصعد إلى الجو ، وجاء بعد ساعة وفى رجله سمكة. فجمع الملك علماء مملكته واستفتاهم عن هذه السمكة ، وأنه هل يجوز أكلها؟ فأفتوه كلهم بجواز أكلها.

وكان هناك شاب مشتغل بالعلم ، وكان أبوه تاجرا ينفق عليه ، فضجر منه فتركه بلا نفقة ، فهاجر الشاب فى طلب العلم ، فقعد سنينا ، ثم قدم فوجد الملك والعلماء مجتمعين ، وهو يستفتيهم فى السمكة ، فلما أفتوه جميعا بجواز أكلها ، يعنى السمكة ، قام الشاب من بينهم وقال : يا ملك ، هذه السمكة حرام لا يجوز أكلها. فقال : ولم [٤٧] قلت؟. قال : لا أقول حتى تجعل لى / جعلا ، فجعل له عشرة آلاف دينار. فقال : اعطونى الآن منها ألفى دينار. فأعطوه ألفين ، فبعث بها إلى أبيه ، وقال : قولوا له إن ابنك سافر وجاء ببضاعة ، فباع منها بألفى دينار ، وهى إلى الآن ما فتحت. ثم قال للملك : إن بين السماء والأرض لبحر ، لا يناله إلا البازات الشهب ، وروى «فيه» (٤) حديثا ، [وأنها](٥) سمكة سم ، وأنت لما أرسلت الباز وفاته الطائر ، خطف هذه السمكة من البحر ، فأت بشخص يكون قد استوجب القتل ، فأطعمها له. فأتوا بشخص عليه قتل ، فأطعموه منها ، فمات من ساعته. فأكملوا له العشرة آلاف دينار.

__________________

(١) هو كتاب «التبصرة فى التفسير» لأحمد بن يوسف الكواشى الموصلى الشيبانى الشافعى ، المتوفى سنة ٦٨٠ ه‍.

وهو كتاب كبير فى التفسير. انظر : حاجى خليفة : كشف الظنون ، ج ١ ، ص ٣٣٩ ، ص ٤٥٧ ؛ ابن تغرى بردى : النجوم الزاهرة ، ج ٧ ، ص ٣٤٨.

(٢) سورة النور ، جزء من آية (٤٣).

(٣) البازى هو أشد الجوارح تكبرا وأضيقها خلقا ، يوجد بأرض الترك. والباز الغالب عليه بياض اللون وهو أحسن البزاة وأملأها جسما وأجرأها قلبا وأسهلها رياضة. والأشهب لا يوجد إلا بأرض أرمينية وأرض الجزر. انظر : عجائب المخلوقات ، ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٤) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٥) «وأن» فى نسختى المخطوطة. ولعل الصواب ما أثبتناه بين الحاصرتين.

٧٢

ومما يذكر كثيرا وهو مشهور : أن المطر ربما أمطرت الضفادع فى بعض السنين ، فيحتمل أن تكون هذه الضفادع من ذلك البحر. ويحتمل صحة ما ذكره بعضهم : أن الغمام يغترف الماء من / البحر ، وإذا اغترف ، اغترفت معه الضفادع ، والعلم عند الله. [٤٨]

ومما يذكر وهو صحيح : أن الماء فى أعلى الصعيد يكون أحلى منه فى آخر النيل ، سيما الذى يقرب من البحر المالح.

ولما ولى القاضى فخر (١) الدين بن مسكين قضاء قوص (٢) من الصعيد ، وكان قبل قاضيا بأبيار (٣) ، أنشد أبياتا منها [يقول](٤) :

والله لو لا العار

ما اخترت غير ابيار

ولكن الصعيد أعلا

[وماؤه](٥) لى أحلى

والآدمى فشار

ومن المشاهد أيضا أن ماء بعض الأمطار أحلى من بعض.

__________________

(١) هو محمد بن محمد بن الحارث بن مسكين الزهرى ، نائب الحكم بالقاهرة ، وكان محدثا. توفى سنة ٧٦١ ه‍.

انظر : حسن المحاضرة ، ج ١ ، ص ٣٤٢.

(٢) قوص : من المدن القديمة بالصعيد الأعلى بمصر ، وتتبع محافظة قنا. وهى مدينة كبيرة على البر الشرقى للنيل.

انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٤ ، ص ١٨٧ ـ ١٨٩.

(٣) أبيار : من البلاد القديمة بمركز كفر الزيات بين القاهرة والإسكندرية. القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٢ ، ص ١١٩ ـ ١٢٠.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة ز ، ومثبت من نسخة ح.

(٥) «ماؤها» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من الفضائل الباهرة ، ص ١٧٠.

٧٣

فصل

تقدم فى الحديث ذكر الأنهار الأربعة ، وتقدم الكلام على نيل مصر.

وأما الأنهار الثلاثة :

فذكر المسعودى (١) : أنها جيحون ، وسيحون ، والفرات. قال : فأما جيحون ، وهو نهر [٤٩] بلخ (٢) ، فإنه يخرج من أعين فيجرى / حتى يأتى بلاد خوارزم ، وقد اجتاز قبل ذلك ببلاد الترمذ (٣) ، [وإسفرايين](٤) ، وغيرها من بلاد خراسان ، فإذا ورد إلى خوارزم ، تفرق فى مواضع هناك ، ويمضى باقيه فيصب فى البحيرة التى عليها [القرية](٥) المعروفة بالجرجانية (٦) ، أسفل خوارزم ، ليس فى ذلك [الصّقع](٧) أكبر (٨) من هذه البحيرة.

ويقال أنه ليس فى العمران أكبر منها ؛ لأن (٩) طولها مسيرة شهر فى نحو ذلك من العرض ، [تجرى فيها السفن ، وإليها يصب نهر فرغانة (١٠) والشاش (١١) ، ويمر ببلاد الفاراب (١٢) فى مدينة جديس](١٣) ، تجرى فيه السفن إلى هذه البحيرة ، وعليها مدينة الترك ، يقال لها المدينة الجديدة ، فيها مسلمون ، والأغلب من الترك.

__________________

(١) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠١ ـ ١٠٣.

(٢) بلخ : مدينة مشهورة بخراسان. انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٧١٣.

(٣) الترمذ : مدينة مشهورة من أمهات المدن ، تقع على الجانب الشرقى لنهر جيحون. معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٨٤٣ ـ ٨٤٤.

(٤) «إسفراين» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠١.

وإسفرايين : بليدة حصينة من نواحى نيسابور على منتصف الطريق من جرجان. انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٢٤٦.

(٥) «الغرقة» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠١.

(٦) الجرجانية : هى أكبر مدينة بخوارزم بعد قصبتها ، وتقع فى الجانب الجنوبى على شاطىء جيحون. وأهل خوارزم يسمونها بلسانهم «كركانج» ، فعربت إلى الجرجانية. معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٥٤ ، ط. طهران ١٩٦٥ م.

(٧) «السقع»فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب، ج ١ ، ص ١٠١. والصّقع : الناحية.

(٨) «أكثر» فى نسخة ح.

(٩) «الآن» فى نسخة ح.

(١٠) فرغانة : مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان. انظر : الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ١٦٦ ؛ معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٢٥٣.

(١١) الشاش : مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر ، ولها نهر باسمها. المسالك والممالك ، ص ١٦٦ ؛ معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(١٢) الفاراب : تقع على الضفة الشرقية لنهر سيحون ، وقد عرفت قديما بباراب أو فاراب ، وفى الأزمنة الحديثة باسم أترار أو أطرار ، وهى تأخذ مياها من نهر الشاش. انظر : الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ١٦٦ ؛ معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٢٢٥ ؛ لسترانج : بلدان الخلافة الشرقية ، ص ٥٢٨ ، ط. بغداد ١٩٥٤ م.

(١٣) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠١.

٧٤

قال : وأما سيحون (١) نهر الهند ، فمبدؤه من جبال (٢) من أقاصى الهند ، مما يلى بلاد الصين من نحو بلاد [التغزغز](٣) من الترك. ومقدار جريانه إلى أن يصب فى البحر الحبشى (٤) ، مما يلى ساحل الهند ، أربعمائة فرسخ.

قال : وأما الفرات ، / فمبدؤه من بلاد قاليقلا (٥) من ثغور أرمينية (٦) ، من جبال هناك [٥٠] تدعى أبو دخن (٧) ، على نحو «يوم» (٨) من قاليقلا. ومقدار جريانه من أرض الروم إلى أن يأتى بلاد ملطية (٩) [مائة فرسخ](١٠) ، ويكون مقدار جريانه على وجه الأرض نحو خمسمائة فرسخ ، وقيل أكثر من ذلك.

__________________

(١) «جنجس» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٢. وبالبحث فى المصادر الجغرافية القديمة وجدنا أن التعريفات المذكورة بها عن نهر جنجس تطابق ما ورد فى مروج الذهب.

انظر : الخوارزمى : كتاب صورة الأرض ، ص ١٣٣ ـ ١٣٥ ؛ الإدريسى : نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق ، ج ١ ، ص ١٩٤ ، ج ٢ ، ص ٦٥٠ ، ط. دار الثقافة الدينية ، القاهرة ١٩٩٤ م.

(٢) «جبل» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٢.

(٣) «التّغر» فى نسختى المخطوطة ، «الطغرغر» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٢. والمثبت بين الحاصرتين من بار تولد : تاريخ الترك فى آسيا الوسطى ، ص ٤٤ ـ ٤٥ ، ص ٦٧ ـ ٦٨ ، سلسلة الألف كتاب الثانى ، العدد (٢٣٥) ، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ١٩٩٦ م. والتغزغز أو طوقوز : قوم من الترك يسكنون الأراضى من شرق فرغانة وتمتد حتى الصين. راجع أيضا ابن حوقل : صورة الأرض ؛ ص ١٥ حيث ذكر أنهم قبيل عظيم لهم دار واسعة ما بين التبت وأرض الخرلخية وخرخيز ومملكة الصين. انظر موقعهم على الخريطة المرفقة.

(٤) البحر الحبشى : هو بحر الصين والسند والهند والزنج والبصرة والأبلة وفارس وكرمان وعمان والشحر واليمن وأيلة والقلزم من بلاد مصر والحبشة. انظر : المسعودى : التنبيه والإشراف ، ص ٤٦ وما بعدها. والمقصود أنه المحيط الهندى.

(٥) «قالى قلا» فى نسختى المخطوطة. وقد أثبتنا رسمها كما وردت فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٣ ؛ معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ١٩ ـ ٢٠. وقد ذكر ياقوت قصة هذا الاسم ، وهى أن امرأة ملكت أرمينية كانت تدعى «قالى» فبنت مدينة وسمتها «قالى قاله» ومعناها : إحسان قالى ، فعربت العرب قالى قله فقالوا «قاليقلا». وهى ثغر غرب أرمينية يلى بلاد الروم. راجع أيضا : الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ١١١.

(٦) إرمينية أو أرمينية : بكسر الهمزة أو فتحها ، هى اسم لصقع عظيم واسع فى جهة الشمال ، يحيط بها علي سبيل الإجمال ، من الغرب : حدود بلاد الروم وشىء من حدود الجزيرة. ومن جهة الجنوب : بعض حدود الجزيرة وحدود العراق. ومن جهة الشرق : بلاد الجيل والديلم ، إلى بحر الخزر (قزوين). ومن جهة الشمال : بلاد القيتق. انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ١٥٩ ـ ١٦١ ؛ الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ١٠٨ وما بعدها ؛ ابن حوقل : صورة الأرض ، ص ٣٣١ ـ ٣٥٥ ؛ صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٣٥٣ ـ ٣٥٦ ؛ لسترانج : بلدان الخلافة الشرقية ، ص ٢١٦ ـ ٢١٩.

(٧) «إفراد خمش» فى التنبيه والإشراف ، ص ٤٧ ؛ «إفرد حس» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٣. ولم نعثر على تعريف لهذه الجبال فى المصادر التى بين أيدينا.

(٨) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح. ووردت العبارة فى نسخة ز «على نحو من يوم من».

(٩) ملطية : ثغر من ثغور الجزيرة مما يلى الروم ، وهى مدينة كبيرة من أكبر الثغور. انظر : الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ٤٣ ـ ٤٨.

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٣.

٧٥

وكان الفرات [الأكثر](١) من مائة ينتهى إلى بلاد الحيرة (٢) ، ونهرهن إلى هذا الوقت ، وهو يعرف بالعتيق ـ وعليه كانت وقعة المسلمين مع رستم ، وهى وقعة القادسية (٣) ـ فيصب فى البحر الحبشى. وكان البحر يومئذ فى الموضع المعروف بالنجف (٤) فى هذا الوقت ، و [كانت](٥) تقدم هناك سفن الصين والهند ، ترد إلى ملوك الحيرة.

وقد ذكر جماعة أن خالد بن الوليد المخزومى لما أقبل يريد الحيرة (٦) فى سلطان [٥١] أبى بكر ، من بعد فتح اليمامة (٧) ، وقتل / كذاب بنى حنيفة ، ورآه أهل الحيرة ، تحصنوا منه فى القصر الأبيض ، وقصر القادسية ، وقصر ابن بقيلة ، وهذه أسماء قصور كانت بالحيرة ، وهى الآن خراب لا أنيس بها ، وبينها وبين الكوفة ثلاثة أميال. فلما نظر خالد ابن الوليد إلى أهل الحيرة وقد تحصنوا منه ، أمر بالعسكر فنزل نحو النجف ، وأقبل خالد على فرسه ومعه ضرار (٨) بن الأزور الأسدى ، وكان من فرسان العرب ، فوقفا حيال قصر بنى ثعلبة ، فجعل العباديون يرمونهما بالخزف ، فجعل فرسه ينفر ، فقال له ضرار : أصلحك الله ، ليست لهم مكيدة أعظم مما ترى.

__________________

(١) «الأكبر» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٣.

(٢) الحيرة : مدينة بالقرب من الكوفة ، على موضع يقال له النجف. انظر : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٣٧٥ ـ ٣٨٠.

(٣) القادسية : من مدن العراق ، تقع على حافة البادية وحافة سواد العراق ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا فى طريق الحاج ، وعليها كانت الوقعة المعروفة بوقعة القادسية سنة ١٦ ه‍. انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٧ ـ ٩ ؛ صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٣٣٧.

(٤) النجف : من مدن العراق ، فيها مشهد على بن أبى طالب الذى يكرمه الشيعة ويقدسونه ، وهى على نحو أربعة أميال من غرب خرائب الكوفة. انظر : الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ٨٢ ؛ لسترانج : بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٠٣ ـ ١٠٥. ويذكر ياقوت أنها عين بظهر الكوفة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها. انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٧٦٠.

(٥) «كان» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٣.

(٦) راجع تاريخ الطبرى ، ج ٤ ، ص ٢ ـ ٧ ، ص ١٥ ـ ١٦ ، ط. دار القلم ، بيروت.

(٧) اليمامة : تعد من نجد ، وقاعدتها حجر. وكان فتح اليمامة سنة ١١ ه‍ فى خلافة أبى بكر الصديق. انظر : تاريخ الطبرى ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ وما بعدها ؛ معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ١٠٢٧.

(٨) هو ضرار بن الأزور بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كثير .... الأسدى ، قاتل يوم اليمامة أشد القتال حتى قطعت ساقاه جميعا ، فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل وتطؤه الخيل حتى غلبه الموت ، وذلك فى سنة ١٣ ه‍.

انظر : طبقات ابن سعد ، ج ٦ ، ص ٣٩ ، ط. دار صادر ، بيروت ؛ ابن عبد البر : الاستيعاب فى معرفة الأصحاب ، ج ٢ ، ص ٧٤٦ ـ ٧٤٩ ، تحقيق على محمد البجاوى ، ط. أولى ، دار الجيل ، بيروت ١٩٩٢ ؛ الذهبى : تاريخ الإسلام ، ص ٩٣ ـ ٩٤ ، حوادث ووفيات من ١١ ـ ٤٠ ه‍ ، تحقيق عمر عبد السلام تدمرى ، ط.

دار الكتاب العربى ، بيروت ٢٠٠٣ م.

٧٦

فمضى خالد فنزل معسكره ، وبعث إليهم أن يبعثوا له رجلا من عقلائهم وذوى أنسابهم ، يسأله عن أمرهم (١). فبعثوا إليه «عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن [حيان بن بقيلة](٢) الغسانى ، وهو / الذى [بنى](٣) القصر الأبيض (٤). فأتى خالد ، وله يومئذ [٥٢] ثلاث مائة وخمسون سنة ، فأقبل يمشى ، فنظر إليه خالد مقبلا فقال : من أين أقصى أثرك أيها الشيخ (٥). قال : كمن صلب أبى. قال : فمن (٦) أين جئت؟ قال : من بطن أمى. قال : فعلام (٧) أنت؟ ويحك. قال : على الأرض. قال : فيم أنت؟ لا كنت. قال : فى ثيابى. قال أتعقل؟ لا عقلت. قال : أى والله ، وأقيدها. ابن كم أنت؟ قال : ابن رجل واحد. قال : اللهم أخرهم عن أهل بلده ، فما يزيدوننا إلى عمى. أسأله عن الشىء فيجيب عن غيره. قال : لا والله لا أجيبك إلا بما سألتنى. قال : أعرب أنت أم نبط؟ قال : عرب استنبطنا ، ونبط استعربنا. قال : أحرب أنت أم سلم؟ قال : بل سلم. قال : فما بال هذه الحصون؟ قال : بنيناها للسفيه تحبسه حتى يأتى الحكيم فينهاه. قال : كم أنت / لك؟ قال : خمسون [وثلاث](٨) مائة سنة. [٥٣]

قال : فما أدركت؟ قال : أدركت سفن البحر ترقى إلينا فى هذه النجف بمتاع السند والهند ، وأمواج البحر تضرب بها تحت قدميك ، وانظر كم بينها (٩) اليوم وبين البحر. ورأيت المرأة تأخذ مكتلها (١٠) فتضعه على رأسها لا نزود إلا رغيفا واحدا ، فلا تزال فى قرى عامرة متواترة ، وعمائر متصلة ، وأشجار مثمرة ، وأنهار جارية ، وغدران غدقة ، حتى ترد الشام. وتراها اليوم قد أصبحت خرابا يبابا ، وذلك دأب الله فى البلاد والعباد.

فوجم خالد ومن حضره لما سمعوا منه وعرفوه. وكان مشتهرا فى العرب بطول العمر ، وكبر السن ، وصحة العقل. قال : ومعه سمّ ساعة ، يقلبه فى يده ، فقال له خالد :

__________________

(١) «أمره» فى نسخة ح.

(٢) «حيانة بن فضيلة» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من فتوح البلدان ، ص ٣٣٩ ، تحقيق عبد الله أنيس الطباع ، عمر أنيس الطباع ، بيروت ١٩٨٧.

(٣) «بنا» فى نسختى المخطوطة.

(٤) القصر الأبيض من قصور الحيرة ، ذكر فى الفتوح أنه كان بالرّقة. ويذكر ياقوت أنه يظن أن القصر من أبنية الرشيد.

معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ١٠٦.

(٥) «الرجل» فى نسخة ح.

(٦) «من» فى نسخة ح.

(٧) ورد هذا النص فى فتوح البلدان بتصرف. ص ٣٤٠.

(٨) «ثلاثون» فى نسخة ز وهو خطأ حيث وردت قبل ذلك «ثلاث». والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ح.

(٩) «بينهما» فى نسخة ح.

(١٠) المكتل : زنبيل يعمل من الخوص ، وجمعها مكاتل. انظر : المنجد ، مادة المكتل.

٧٧

[٥٤] ما هذا الذى معك؟ قال : سم ساعة. قال : / ما تصنع به؟ قال : أتيتك فإن (١) يكن عندك ما يسرنى ويوافق أهل بلدى قبلته ، وحمدت الله عليه. وإن تكن الأخرى ، لم أكن (٢) أول من ساق إلى أهل بلده حزنا وبلاء ، فآكل هذا السم وأستريح من الدنيا ، فما بقى من عمرى إلا يسير. قال له خالد : هاته ، فأخذه فوضعه فى راحته ، ثم قال : بسم الله وبالله ، بسم الله رب الأرض والسماء ، بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شىء فى الأرض ولا فى السماء ، ثم اقتحمه فتحللته غشيّة ، وضرب بذقنه فى صدره ساعة ، ثم سرى عنه وأفاق كأنما نشط من عقال ، فانصرف العبّادى إلى قومه. وكان عبادى المذهب ، وهم [النّسطورية](٣) من النصارى. فقال : يا قوم قد جئتكم من عند شيطان [٥٥] أكل سم ساعة فلم يضره ، فعالجوه وأخرجوه عنكم. فصالحوه على / مائة ألف درهم ، وساج ، وهو الطيلسان (٤) ، فرحل عنهم.

قال المسعودى : وإنما ذكرنا هذه الحكاية لتكون شاهدة لما قلنا من تنقل البحار ، وتغلغل البحور والأنهار ، على ممر الدهور والأعصار.

قال (٥) : وأما الدّجلة : فإنها تخرج من بلاد آمد (٦) من ديار بكر (٧) ، وهى أعين ببلاد [خلاط](٨) من أرمينية ، ويصب إليها أنهار [سربط](٩) و [ساتيدما](١٠) ، وما يخرج من

__________________

(١) «فإن لم» فى نسخة ح. (٢) «تكن» فى نسخة ح.

(٣) «السنطورية» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من التنبيه والإشراف.

والنسطورية : فرقة من فرق النصارى الشرقيين. وهم يقرون بنبوة المسيح عليه السلام. ومتفقون على أن معبودهم ثلاثة أقانيم ، وهذه الأقانيم الثلاثة شىء واحد وهو جوهر قديم ، ومعناه أب وابن وروح القدس إله واحد. لمزيد من التفاصيل عن هذه الفرقة راجع : التنبيه والإشراف ، ص ١٢٧ ـ ١٢٨ ؛ المقريزى : الخطط ، ج ٢ ، ص ٥٠٠.

(٤) الطيلسان : ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف ، أو يحيط بالبدن ، خال من التفصيل والخياطة ، أو هو ما يعرف فى العامية المصرية بالشال. والجمع : طيالس وطيالسة. المعجم الوجيز.

(٥) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٥.

(٦) آمد : أعظم مدن ديار بكر وأجلّها قدرا وأشهرها ذكرا. وهى بلد قديم حصين مبنى بالحجارة السود على نشز دجلة محيطة بأكثره مستديرة به كالهلال ، فى وسطه عيون وآبار ، وفيها بساتين ونهر. وقد فتحت آمد فى سنة عشرين من الهجرة. انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٥٦ ـ ٥٧.

(٧) ديار بكر : بلاد كبيرة واسعة تنسب إلى بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى ، وحدها ما غرب من دجلة إلى بلاد الجبل المطل على نصيبين إلى دجلة ، ومنه حصن كيفا وآمد وميافارقين. انظر : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٤٩٤.

(٨) «خالد» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٥.

(٩) «سريط» فى نسختى المخطوطة ومروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٥. والمثبت من معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٦٨ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٤٤. وقد ذكر ياقوت أن سربط موضع فى بلد أرمينية له نهر يعرف به ويصب فى دجلة.

(١٠) «ساتيد» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٥ ؛ معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٧ ـ ٨ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٤٣. ونهر ساتيدما يقال له أيضا «ساتيدماد» وهو فرع من نهر ينحدر من شمال ميافارقين ليصب فى نهر الدجلة.

٧٨

بلاد أرزن (١) وميافارقين (٢) وغيرها من الأنهار. فإذا خرجت الدجلة من [مدينة](٣) واسط ، تفرقت فى أنهار هناك آخذة (٤) إلى بطيحة البصرة. ومقدار جريان (٥) دجلة على وجه الأرض ثلاث مائة فرسخ ، وقيل أربعمائة.

هذا كلام المسعودى ، وقد التبس عليه الأمر ، ففسر نهر سيحون (٦) بسيحان ، وجيحون (٧) بجيحان. وقد أوضح ذلك النووى فى شرح مسلم / فقال : فى قوله صلى الله [٥٦] عليه وسلم «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة» : اعلم أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون ، وأما سيحان وجيحان المذكوران فى هذا الحديث (٨) ـ اللذان هما من أنهار الجنة ـ فهما من بلاد الأرمن. فجيحان نهر المصيصة (٩) ، وسيحان نهر أذنة (١٠). وهما نهران عظيمان جدا ، أكبرهما جيحان ، فهذا هو الصواب فى موضعهما (١١).

__________________

(١) «أزدن» فى نسخة ز ، «أردون» فى نسخة ح. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٥.

وأرزن : مدينة مشهورة قرب خلاط لها قلعة حصينة ، وكانت من أعمر نواحى أرمينية ، فتحها المسلمون سنة ٢٠ ه‍ صلحا. انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٢) ميافارقين : أشهر مدينة بديار بكر. ولمزيد من التفاصيل عنها انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٧٠٣ ـ ٧٠٨ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٤٣ ـ ١٤٥.

(٣) «نهر» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٥.

ومدينة واسط : سميت بذلك لتوسطها بين الكوفة والبصرة والأهواز. وتقع واسط على جانبى نهر دجلة. انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٨٨١ ـ ٨٨٢ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ٥٩ ـ ٦١.

(٤) «أخر» فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٥.

(٥) «جريانه» فى نسخة ح.

(٦) سيحون : نهر مشهور بما وراء النهر قرب خجندة بعد سمرقند ، وهو فى حدود بلاد الترك ، ويقال له الآن «نهر سيرداريا» ، ويصب فى بحيرة خوارزم ، المعروفة الآن ببحر آرال. انظر : معجم البلدان ج ٣ ، ص ٢١٠ ـ ٢١١ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ٤٧٦ ـ ٤٧٨.

(٧) جيحون : نهر يخرج من بلاد الترك ، ويصب فى بحيرة خوارزم (بحر آرال) ، ويقال له الآن «نهر أموداريا». انظر : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ١٧١ ـ ١٧٢ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ٤٧٦ ـ ٤٧٨.

(٨) انظر ما سبق ص ٣٧.

(٩) المصيصة : مدينة على شاطىء جيحان ، من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم ، تقارب طرسوس. انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٥٥٧ ـ ٥٥٨ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٦٢ ـ ١٦٣.

(١٠) أذنة : بلد من الثغور قرب المصيصة مشهور ، ولأذنة نهر يقال له سيحان ، وعليه قنطرة من حجارة عجيبة بين المدينة وبين حصن مما يلى المصيصة ، ولأذنة ثمانية أبواب وسور وخندق. انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ١٣٢ ـ ١٣٣.

(١١) «موضعها» فى نسخة ح. وراجع أيضا ما سبق ص ٣٧.

٧٩

وأما قول الجوهرى (١) فى صحاحه : نهر سيحان نهر بالشام ، فغلط. وأنه أراد المجاز من حيث أنه ببلاد الأرمن ، وهى مجاورة الشام.

قال الحازمى : سيحان نهر عند المصيصة. قال : وهو غير سيحون.

وقال صاحب (٢) «نهاية الغريب» : سيحان وجيحان نهران بالعواصم (٣) عند المصيصة وطرسوس (٤). واتفقوا كلهم على أن جيحون بالوار ، نهر وراء خراسان عند بلخ (٥) ، واتفقوا [٥٧] على أنه غير / جيحان. وكذلك سيحون غير سيحان.

وأما قول القاضى عياض بأن النيل بمصر ، والفرات بالعراق ، وسيحان وجيحان ، ويقال سيحون وجيحون ، ببلاد خراسان. ففى كلامه إنكار من أوجه : أحدهما : قوله الفرات بالعراق وليست بالعراق ، بل هى فاصلة بين الشام والجزيرة.

والثانى : قوله سيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون ، فجعل الأسماء مترادفة وليس كذلك. بل سيحان غير سيحون ، وجيحان غير جيحون ، باتفاق الناس.

الثالث : قوله إنه ببلاد خراسان ، وإنما سيحان وجيحان ببلاد الأرمن بقرب الشام ، والله أعلم.

__________________

(١) انظر : الجوهرى : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٥٨٥.

(٢) انظر : ابن الأثير : النهاية فى غريب الحديث والأثر ، ج ١ ، ص ١٩٢ ، ط. المطبعة العثمانية ، مصر ١٣١١ ه‍.

(٣) العواصم : حصون موانع وولاية تحيط بها بين حلب وأنطاكية ، وقصبتها أنطاكية ، وهى من أعمال قنسرين. انظر : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٧٤١ ـ ٧٤٢.

(٤) طرسوس : مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم. انظر : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٥٢٦ ـ ٥٢٨.

(٥) بلخ : مدينة مشهورة بخراسان. ويقال لجيحون : نهر بلخ. انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

٨٠