أخبار نيل مصر

شهاب الدين بن العماد الأقفهسي

أخبار نيل مصر

المؤلف:

شهاب الدين بن العماد الأقفهسي


المحقق: د. لبيبة إبراهيم مصطفى و أ. نعمات عبّاس محمد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-18-0444-8
الصفحات: ١٤٤

كأن ثمرها (١) القلال. والفنن بنونين : الغصن (٢). وفى القرآن العظيم (ذَواتا أَفْنانٍ)(٣) أى أغصان.

قال مقاتل : شجرة طوبى تحمل الحلى والحلل (٤) والثمار من جميع / الألوان ، لو أن [٨] ورقة منها وضعت لأهل الأرض لأضاءت لأهل الأرض. (٥)

وفى جامع الصحاح عن الليث قال : سدرة المنتهى فى السماء [السادسة](٦) لا يتجاوزها نبى ولا ملك ، قد أظلت السماء والجنة. منها قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ)(٧). وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً)(٨).

وأصل المرج الخلط ، يقال للرجل إذا أخلا الشىء حتى اختلط بغيره : قد مرجه. ومرج البحرين : خلا سبيلهما حتى «اختلطا» (٩). وأمر مريج : مختلط. والعذب : الحلو. والفرات : أعذب العذوبة. والملح : المالح. والأجاج : أملح الملوحة ، ويقال : ملح وهو الأشهر ، وبه جاء القرآن (١٠). ومالح لغة قليلة (١١).

قال الشاعر (١٢) :

بصريّة تزوجت بصريّا

يطعمها المالح والطّريّا

__________________

(١) «سمرها» فى نسخة ح.

(٢) انظر محيط المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٣٦ مادة «فنن».

(٣) سورة الرحمن ، آية (٤٨).

(٤) «ووالحلل» فى نسخة ح.

(٥) «لو أن ورقة منها وضعت فى الأرض لأضاءت الأرض» انظر : تفسير مقاتل بن سليمان ، ج ٢ ، ص ٣٧٧ ، تحقيق عبد الله محمود شحاتة ، ط. هيئة الكتاب ، القاهرة ١٩٨٣.

(٦) «السابعة» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من صحيح مسلم ، ج ١ ، ص ١٠٩ ، باب فى ذكر سدرة المنتهى ؛ الجامع الصحيح (سنن الترمذى) ، ج ٥ ، ص ٣٦٧ ، كتاب تفسير القرآن ، باب ٥٣.

(٧) سورة فاطر ، آية (١٢).

(٨) سورة الفرقان ، آية (٥٣).

(٩) «اختلط» فى نسخة ح.

(١٠) لمزيد من التفصيل انظر : تفسير القرطبى ، ج ١٣ ، ص ٥٨ ـ ٥٩ ، تفسير سورة الفرقان.

(١١) «قليل فى نسخة ح.

(١٢) هو الشاعر أبو العذافر ورد بن سعد التيمى. انظر : وفيات الأعيان ، ج ٤ ، ص ٣٦ ، حاشية (١) ؛ الصحاح ، ج ١ ، ص ٤٠٦ حيث أورد البيت وذكر أنه من قول عذافر.

٤١

وقال آخر :

ولو تفلت فى البحر والبحر مالح

لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا

وسمع من العرب : أما أنا فلا أعبج بمالح ، أى لا أنتفع به ولا أصح.

وأصل البرزخ الحاجز بين «الشيئين» (١) ليمنع من وصول أحدهما إلى الآخر. ومنها قوله تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ)(٢) أى حاجز يمنعهم من الرجوع إلى الدنيا. والحاجز بين البحرين حاجز قدّره (٣) ، لأن البحر العذب ينصب فى الملح ، ولا يختلط أحدهما بالآخر (٤) ، بل يشاهد كل منهما مميزا عن الآخر مسافة طويلة ، ثم بعد ذلك يغوص بحر النيل فى الملح ولا يختلط به ، بل يجرى تحته متميزا عنه كالزيت مع الماء ، ولهذا يظهر لركاب البحر فى بعض النواحى ، فيستقون منه للشرب ، وذلك فى أماكن معروفة.

[١٠] وقوله تعالى : (وَحِجْراً مَحْجُوراً) أى حراما محرما (٥) ، أى يختلط هذا / بهذا أو هذا بهذا. وأصل الحجر المنع ، ومنه سمى العقل حجرا ، لأنه يمنع صاحبه من تعاطى القبائح ، وما لا يليق به. قال تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)(٦) أى عقل.

ومنه قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ)(٧). قوله مرج أى أرسل [وخلّى](٨). وقوله تعالى لا يبغيان أى لا يغلب الملح على العذب فيفسد حلاوته ، ولا يبغى (٩) العذب على الملح منه فيفسد مرارته.

وقد أحسن الشاعر فى قوله :

وبأمره البحران يلتقيان

لا ينبغى عذب مرور أجاج

__________________

(١) «السنين» فى نسخة ح.

(٢) سورة المؤمنون ، آية (١٠٠).

(٣) أى قدّره الله تعالى. انظر : تفسير القرطبى ، ج ١٧ ، ص ١٦٢ ، ١٦٣.

(٤) «إلى الآخر» فى نسخة ح.

(٥) انظر : تفسير القرطبى ، ج ١٣ ، ص ٢٠ ـ ٢١.

(٦) سورة الفجر ، آية (٥).

(٧) سورة الرحمن ، آية (١٩).

(٨) «خلّا» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من تفسير القرطبى ، ج ١٧ ، ص ١٦٢. وهو الصحيح.

(٩) «ينبغى» فى نسخة ح.

٤٢

وقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)(١) ، فاللؤلؤ ما عظم من الجواهر ، والمرجان ما صغر. قاله الواحدى (٢). فإن قيل كيف؟ قال : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ، لا يخرج إلا من أحدهما وهو بحر الملح. فالجواب من ثلاثة أوجه ؛ أحدها : قال الثعلبى (٣) : إن الأصل يخرج / من أحدهما ، ثم حذف المضاف وانفصل الضمير [١١] واتصل بمن ، فصار منهما.

وقال غيره : إن البحرين لما صارا واحدا باتصالهما صح عود الضمير عليهما ، وصح أن يقال : يخرج منهما.

وقال بعضهم : بل الصّدفة (٤) تعلو على وجه الماء منتفخة فى وقت المطر ، فإذا وقع فيها قطر الماء انطبقت وغاصت فى البحر ، فما وقع فيه قطرة واحدة تربّت جوهرة كبيرة ، وتسمى عندهم الدرة اليتيمة. فإن عطبت صارت صدفة.

وما وقع فيه أكثر من قطرة تربى فيه بعدد القطر من الجواهر ، وذلك اللآلىء الصغار. فعلى هذا يكون الإسناد إليهما حقيقة لأن قطر المطر يكون كاللقاح للصّدفة «وتربيته» (٥) فى البحر (٦).

ومنها قوله تعالى حكاية عن فرعون ـ لعنه الله ـ (قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)(٧).

__________________

(١) سورة الرحمن ، آية (٢٢).

(٢) انظر : الواحدى : الوسيط فى تفسير القرآن المجيد ، ج ٤ ، ص ٢٢٠ ، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وآخرين ، ط. أولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٩٩٤ م.

(٣) راجع : الوسيط فى تفسير القرآن المجيد ، ج ٤ ، ص ٢٢٠.

(٤) الحيوان الذى يتولد فى اللؤلؤ هو بعض الأصداف ، وهو دقيق القوائم ، لزج ، ينفتح بإرادة منه ، وينضم كذلك ، ويمشى أسرابا ، ويزدحم على المرعى. انظر : ابن الأكفانى : نخب الذخائر فى أحوال الجواهر ، ص ٢٦ ـ ٢٧ ، القاهرة ١٩٨٩ م.

(٥) «وتربيه» فى نسخة ح.

(٦) راجع تفسير القرطبى ، ج ١٧ ، ١٦٣ ؛ تفسير ابن كثير ، ج ٤ ، ص ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٧) سورة الزخرف ، آية (٥١).

٤٣

قال / صاحب الفتوح (١) : المراد بالأنهار النيل. قال : وكان النيل على أيام فرعون مقسوما على أنهر وجداول ، وكانت أرض مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا ، وكانت أرض مصر وبناؤها مركّب على جداول وأنهر تجرى تحتها من البحر ، وهو معنى قوله تعالى : (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي).

وقال تعالى : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(٢) [الآية](٣). وفى قوله «تعالى» (٤) : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)(٥) أى أمامك وبين يديك. وقد قيل أيضا مثله هنا. والسرى : النهر الصغير (٦).

وأما الأحاديث فمنها ما سبق ، ومنها ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : «يقول الله عز وجل نيل مصر خير أنهارى أسكن عليه [خيرتى](٧) من عبادى ، فمن أرادهم بسوء كنت لهم من ورائهم». أورده ابن زولاق.

[١٣] قال الكندى : وروى عن عقبة (٨) بن مسلم برفعه أن الله تبارك وتعالى يقول / يوم القيامة لساكنى مصر : ألم أسكنكم مصر وكنتم تشبعون من مائها؟ قال : وسأل معاوية

__________________

(١) انظر : ابن عبد الحكم : فتوح مصر والمغرب ، ص ١٧٧ ، تحقيق على عمر ، ط. الثقافة الدينية ، القاهرة ١٩٩٥ م ؛ ابن ظهيرة : الفضائل الباهرة ، ص ١٥٧.

(٢) سورة الشعراء ، آية (٥٧).

(٣) ما بين الحاصرتين إضافة من نسخة ح.

(٤) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٥) سورة مريم ، آية (٢٤).

(٦) انظر : تفسير ابن كثير ، سورة مريم ، ج ٣ ، ص ١١٧ ؛ المعجم الوسيط ، ج ٢ ، ص ٤٤٥.

(٧) «بخيرتى» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٤ ؛ ابن ظهيرة : الفضائل الباهرة ، ص ١٥٨. وقد ورد فى نهاية الحديث فى المصدرين «فمن أرادهم بسوء كبه الله عليه». ولم نقف على هذا الحديث فى الأحاديث الصحيحة ، أو الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم. وقد أورد ابن الكندى عن شفىّ بن عبيد الأصبحى ، أنه قال : «مصر بلدة معفاة من الفتن لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه الله ، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه الله». «وذكر أهل العلم أنه مكتوب فى التوراة : بلد مصر خزانة الله ، فمن أرادها بسوء قصمه الله». انظر : ابن الكندى : فضائل مصر المحروسة ، تحقيق على محمد عمر ، ص ٢٩ ، ط. الخانجى ، القاهرة ١٩٩٧ م.

(٨) هو عقبة بن مسلم التجيبى ، أبو محمد المصرى ، المتوفى سنة ١٢٠ ه‍ تقريبا. استخلفه والى مصر حنظلة بن ـ صفوان بن تويل بن بشر الكلبى على الفسطاط سنة ١٠٣ ه‍. روى عن عبد الله بن عمر ، وعقبة بن عمر ، وروى عن حيوة بن شريح ، وحرملة بن عمران. انظر : الكندى : ولاة مصر ، ص ٩٣ ، تحقيق حسين نصار ، ط. الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ، سلسلة الذخائر ، العدد (٦٦) ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١٥٨ ، حاشية ٦.

٤٤

ابن أبى سفيان كعبا فقال : أسألك بالله العظيم هل تجد (١) لنيل مصر ذكرا فى كتاب الله عز وجل التوراة (٢)؟ قال : أى والذى فلق البحر لموسى إنى لأجده فى كتاب الله ، أن الله يوحى إليه عند ابتدائه : إن الله يأمرك أن تجرى على كذا ، فاجر على اسم الله. ثم يوحى إليه عند انتهائه : إن الله يأمرك أن ترجع فارجع راشدا. يعنى يوحى إليه عند انتهاء النقص والزيادة (٣).

قال المسعودى (٤) : وليس فى الدنيا نهر يسمى بحرا ويما غير النيل ، [لكبره](٥) واستبحاره. وأشار إلى قوله تعالى : (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ)(٦). قال ابن عباس : يريد النيل ، وذلك أنها جعلته فى تابوت وألقته فى النيل ، فحمله الموج إلى دار فرعون ، فأخذه ورباه صغيرا لأمر يراد.

قال : وليس فى الدنيا نهر يزيد بترتيب ، وينقص / بترتيب ، غير النيل (٧).

وذكر أبو قبيل (٨) : أن نيل مصر فى زيادته يفور كله من أوله إلى آخره ، وهذا هو السبب فى تكدره ، لأن العيون إذا نبعت من الأرض اختلطت بالطين فى حال نبعها فتكدرت. قال : وأجمع أهل العلم على أنه ليس فى الدنيا نهر أطول مدا من النيل ، يسير مسيرة شهر فى الإسلام ، وشهرين فى النوبة ، وأربعة أشهر فى الخراب حيث [لا عمارة

__________________

(١) «تجدا» فى نسخة ح.

(٢) «فى التوراة» فى نسخة ح.

(٣) نقل ابن العماد هذا النص بتصرف من الفضائل الباهرة نقلا عن الكندى. انظر : ص ١٥٨ ـ ١٥٩.

(٤) راجع قول المسعودى فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤١.

(٥) «لكثرة استبحاره» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤١.

(٦) سورة طه ، جزء من آية (٣٩). وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٣ ، ص ١٤٧.

(٧) عن هذا القول انظر : تاريخ الطبرى ، ج ١ ، ص ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٣ ، ط. دار القلم ؛ ابن كثير : قصص الأنبياء ، ص ٢٦٦ ـ ٢٦٨ ، ط. دار إحياء الكتب العربية ، د. ت ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٨) أبو قبيل هو : حى بن هانىء بن ناضر المعافرى ، يمانى قدم واستوطن مصر ، وروى عن عقبة بن عامر ، وعبد الله ابن عمرو ، وشفىّ بن ماتع ، توفى سنة ١٢٧ أو ١٢٨ ه‍ / ٧٤٦ م عن عمر يناهز المائة. انظر : ابن سعد : الطبقات الكبرى ، ج ٧ ، ص ٥١٢ ، ط. دار صادر ، بيروت ١٩٦٨ ؛ الذهبى : سير أعلام النبلاء ، ج ٥ ، ص ٢١٤ ـ ٢١٥ ، ط. ١١ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٩٩٦.

٤٥

فيها](١) إلى أن يخرج من جبل القمر (٢) خلف خط الاستواء. وليس فى الدنيا نهر يصب فى بحر الروم والصين غير نيل مصر. وليس فى الدنيا نهر يزيد ويمتد فى أشد ما يكون [١٥] من الحر حين تنقص أنهار الدنيا وعيونها غير النيل. وكلما / زاد الحر كان أوفر لزيادته (٣).

وليس فى الدنيا نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل ، ولا يجبى (٤) من خراج نهر من أنهار الدنيا ما يجبى (٤) من خراج النيل (٥). وليس فى الدنيا نهر ينبت عليه القمح اليوسفى (٦) غير النيل.

قال الكندى : وولى ابن «الحبحاب» (٧) خراج مصر لأمير المؤمنين هشام ، فخرج بنفسه فمسح أرض مصر التى «تروى» (٨) بالنيل عامرها وغامرها ، فوجد فيها ثلاثين ألف ألف فدان.

__________________

(١) «العمارة» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من معجم البلدان ، ج ٤ ، ٨٦٢.

(٢) ورد فى الفضائل الباهرة أن جبل القمر «يستوى فيه الليل والنهار ، وأضيف إلى القمر لأنه يظهر تأثيره فيه عند زيادته ونقصانه بسبب النور والظلمة والبدوّ والمحاق. وقيل سمى جبل القمر لأن القمر لا يطلع عليه. انظر : الفضائل الباهرة ، ص ١٦٢ ؛ راجع أيضا : الخطط ، ج ١ ، ص ٥٢.

أما كلاودوس بطلميوس ـ أعظم الجغرافيين القدماء فى القرن الثانى الميلادى ـ فقد أشار إلى أن هناك جبالا شامخة فى جنوب منابع النيل تغطيها الثلوج اسمها «جبال القمر». بينما أكثر الكتاب يرون أن القدماء إنما أرادوا بجبال القمر تلك الجبال البركانية الشاهقة أمثال كينيا وكليمنجارو والجون الواقعة جنوب وشرق بحيرة فكتوريا.

انظر : محمد عوض محمد : نهر النيل ، ص ١٧.

(٣) ورد هذا النص فى الفضائل الباهرة ، ص ١٥٩ ؛ فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٦ ـ ٧٧.

(٤) «يجبا» فى نسختى المخطوطة. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) «يجبا» فى نسختى المخطوطة. والصحيح ما أثبتناه.

(٥) ورد هذا النص فى معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٨٦٢ ـ ٨٦٣ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١٥٩ ؛ فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٧.

(٦) ذكر المسعودى أن القمح اليوسفى هو أعظم القمح حبا ، وأطوله شكلا ، وأثقله وزنا. انظر : التنبيه والإشراف ، ص ٢٠ ، تصحيح عبد الله إسماعيل الصاوى ، القاهرة ١٩٣٨ م.

(٧) «ابن الجناب» فى نسخة ح. وهو عبيد الله بن الحبحاب السلولى ، كان صاحب خراج مصر من قبل الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك. انظر : الكندى : ولاة مصر ، ص ٩٥ ـ ٩٨ ؛ راجع هذا النص فى فضائل مصر وأخبارها وخواصها ، ص ٨٩ ـ ٩٠ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١٢٣ ؛ الذهبى : تاريخ الإسلام ، حوادث سنة ٤٧٨ ه‍ ، ص ٤٧٨ ، تحقيق عمر عبد السلام تدمرى ، ط. الثالثة ، دار الكتاب العربى ، بيروت ١٩٩٧ م.

(٨) «يروى» فى نسخة ح. وقد ورد النص فى الفضائل الباهرة ، ص ١٦٢.

٤٦

قال ابن لهيعة : كان لنيل مصر قطيعة على كورة مصر ؛ عشرون ومائة ألف رجل ، معهم المساحى (١) والآلة ، سبعون ألفا للصعيد ، وخمسون ألفا لأسفل الأرض ، لحفر الخليج ، وإقامة الجسور والقناطر ، وسد النرع ، وقلع القضبان (٢) والحلفا ، وكل نبت يضر بالأرض (٣).

وقال / محفوظ بن سليمان (٤) : إذا تم الماء ستة عشر ذراعا فقد وفا خراج مصر ، [١٦] [فإذا زاد بعد ذلك ذراعا واحدة زاد فى الخراج مائة ألف دينار ، لما يروى من العمار](٥). فإن زاد الماء بعد ذلك ذراعا واحدا نقص مائة ألف [دينار](٦) لما يستبحر (٧) من البطون (٨).

وقال المسعودى : [يبتدئ](٩) نيل مصر بالتنفس والزيادة بقية بؤونة وأبيب ومسرى ، وإذا كان الماء زائدا زاد شهر توت كله. فإذا انتهت الزيادة إلى [ستة عشر ذراعا](١٠) ، ففيه تمام الخراج الذى للسلطان ، وخصب [الأرض ، وريع للبلد عام ، وهو ضار للبهائم](١١) لعدم المرعى والكلأ. وأتمّ الزيادة كلها العامة النافعة للبلد كله [سبعة عشر](١٢) ذراعا ، وفى ذلك [كفايتها](١٣) ورى جميع [أراضيها](١٤). وإذا زادت على السبع عشرة الذراع ، وبلغت ثمانى عشرة وأفاضتها ، استبحر من [أرض](١٥) مصر الربع ، وفى ذلك ضرر لبعض

__________________

(١) المساحى : جمع مسحاة ، وهى أداة تجرف بها الأرض.

(٢) القضب : هو كل شجرة طالت وبسطت أغصانها.

(٣) ورد هذا النص فى فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٥ ـ ٧٦.

(٤) محفوظ بن سليمان ، عامل خراج مصر فى عهد هارون الرشيد ، ولاه سنة ١٨٧ ه‍ ثم عزله ، وأعيد فى عهد الخليفة الواثق ، واستمر فى ولايته حتى مات سنة ٢٥٤ ه‍. انظر : ولاة مصر ، ص ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٥) ما بين الحاصرتين مثبت من الفضائل الباهرة ، ص ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٦.

(٦) ما بين الحاصرتين مثبت من الفضائل الباهرة ، ص ١٦١ ؛ فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٦.

(٧) المستبحر : كل أرض وطيئة نفذ إليها الماء ولم يجد مصرفا ، حتى فات أوان الزرع والماء باق على الأرض. انظر : الخطط ، ج ١ ، ص ١٠١.

(٨) ورد هذا النص فى : الفضائل الباهرة ، ص ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ فضائل مصر وأخبارها ، ص ٧٦.

(٩) «يبتدأ» فى نسختى المخطوطة.

(١٠) «ذراع ستة عشر» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢ ، حيث ينقل ابن العماد عنه.

(١١) «وخصب الناس فيه ظمأ ريع البهائم» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢ ، حيث ينقل ابن العماد عنه.

(١٢) «سبع عشرة» فى نسخة ز ، «سبع عشر» فى نسخة ح. والصحيح ما أثبتناه ..

(١٣) «كفافها» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢.

(١٤) «أرضها» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢.

(١٥) ما بين الحاصرتين إضافة للتوضيح من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢.

٤٧

الضياع ، لما ذكرناه من وجوه الاستبحار [(١) وغير ذلك. وإذا كانت الزيادة ثمان عشرة ذراعا كانت العاقبة فى انصرافه حدوث وباء بمصر.

قال : ومساحة الذراع إلى أن تبلغ اثنى عشر ذراعا ثمانية وعشرون إصبعا ، ومن اثنى عشر ذراعا إلى ما فوق يصير الذراع أربعا وعشرين إصبعا. وأقل ما يبقى فى قاع المقياس من الماء ثلاثة أذرع ، وفى مثل تلك السنة يكون الماء قليلا ، والأذرع التى يستسقى عليها بمصر ذراعان ؛ تسمى منكر ونكير ، وهى ذراع ثلاثة عشر ذراعا ، وذراع أربعة عشرة ذراعا. فإذا انصرف الماء عن هذين الذراعين وزاد نصف ذراع من الخمسة عشر ، استسقى الناس بمصر ، وكان الضرر شاملا لكل البلدان ، إلى أن يأذن الله تعالى فى زيادة الماء. وإذا دخل الماء فى ستة عشر كان فيه صلاح لبعض الناس ، ولا يستسقى فيه ، وكان [ذلك](٢) نقصا من خراج السلطان (٣).

قال : «٤ ـ ٤» وكانت مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا «٤ ـ ٤» ، وكانت فيما يذكر أكثر البلاد جنانا ، وذلك أن جنانها كانت متصلة بحافتى النيل من أوله إلى آخره ، من حد أسوان إلى رشيد (٥). وكان الماء إذا بلغ فى زيادته تسعة أذرع دخل خليج المنهى (٦) ، وخليج الفيوم (٧) ، وخليج سردوس (٨).

__________________

(١) بداية سقط صفحة كاملة من نسخة ز. والمثبت من نسخة ح ، الصفحات (٩ ظ ـ ١٠ ظ). وسوف نشير عند نهاية هذا السقط.

(٢) ما بين الحاصرتين إضافة للتوضيح من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٣.

(٣) ورد هذا النص فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٤ ـ ٤) وردت هذه العبارة فى الفضائل الباهرة ، ص ١٦١.

(٥) من البلاد القديمة ، قاعدة مركز رشيد ، من الموانىء النيلية ، كان لها طابع وصفة حربية ، لذلك حرّمت السلطات المماليكية دخولها من البحر المتوسط ، ونقلت نشاطها التجارى إلى ميناء بلدة فوة جنوب رشيد. انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٢ ، ص ٣٠٠ ، ط. دار الكتب ، القاهرة ١٩٥٤ ـ ١٩٥٥ ؛

HEYD : Hist. Du Commerce, T. II, PP. ٧٣٤ ـ ٩٣٤, Leipzig ٥٢٩١

(٦) خليج المنهى : متشعب من خليج الفيوم ، فعند ما قابل خليج الفيوم النيل ناحية دروة سربام التى تعرف بدروة الشريف ، تشعبت منه فى غربيه شعبة تسمى المنهى ، وهذا الخليج يستقبل بحر يوسف الذى يصل إلى الفيوم.

الخطط ، ج ١ ، ص ٧١ ، ٢٤٧ ؛ ابن عبد الحكم : فتوح مصر ، ص ٢٦.

(٧) خليج الفيوم : حفره النبى يوسف الصديق ـ عليه السلام ـ عندما عمّر الفيوم ، وهو مشتق من النيل ، لا ينقطع جريه أبدا. الخطط ، ج ١ ، ص ٧١ ، ٢٤٧ ؛ فتوح مصر ، ص ٢٦.

(٨) خليج سردوس : ذكرت المصادر أن الوزير هامان حفره بأمر فرعون ، فلما ابتدأ حفره أتاه أهل كل قرية يسألونه أن يجرى الخليج تحت قريتهم ويعطونه مالا. وقد استجاب لهم ، وكان كلما ذهب به إلى قرية كان أهلها يحملون إليه مالا ، حتى اجتمع له من ذلك مائة ألف دينار ، فأتى بذلك إلى فرعون ، فأمره فرعون برد ذلك المال إلى أصحابه.

انظر : فتوح مصر ، ص ٢٦ ؛ النويرى : نهاية الأرب ، ج ١٥ ، ص ١٣٦ ؛ الخطط ، ج ١ ، ص ٧٠ ـ ٧١ ؛ ابن تغرى بردى : النجوم الزاهرة ، ج ١ ، ص ٥٦ ، ط. دار الكتب المصرية.

٤٨

وكان الذى ولى حفر خليج سردوس لفرعون [عدو الله](١) هامان (٢). وأما خليج الفيوم وخليج المنهى فإن الذى حفرهما يوسف بن يعقوب ، صلوات الله عليهما.

قال الكندى : ولما أهدى المقوقس ـ صاحب مصر ـ إلى النبى صلى الله عليه وسلم ثيابا ، وكراعا (٣) ، وأختين من القبط ؛ مارية وأختها (٤) ، وأهدى إليه عسلا ، فقبل هديته ، وتسرى](٥) مارية فأولدها إبراهيم. وأهدى أختها لحسان (٦) بن ثابت الأنصارى ، [١٧] فأولدها حسان ابنه عبد الرحمن (٧) بن حسان. وسأل صلى الله عليه وسلم عن العسل الذى أهدى له (٨) فقال : من أين هذا العسل؟ فقال : من قرية يقال لها بنها (٩). فقال : «اللهم بارك فى بنها وفى عسلها» (١٠).

واتفقوا على أن عسل مصر أطيب ، وماؤها أطيب ، ولحمها أطيب ، وحبّها أطيب. ولهذا فضّلت مصر على الشام ؛ لأن هذه الثلاثة هى عماد الحياة ، فحبّها أفضل من حب الشام ، ولحمها ، وماؤها.

وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أنه قال : دعا نوح عليه السلام لمصر بن بيصر بن حام بن نوح ، وبه سميت مصر ، وهو أبو القبط ، فقال : اللهم بارك فيه وفى

__________________

(١) «عبد الله بن» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٥.

(٢) راجع السيوطى : حسن المحاضرة ، ج ١ ، ص ٣٩ ـ ٤٠ ، ص ٤٤ ؛ فضائل مصر وأخبارها ، ص ٥٤ ـ ٥٦.

(٣) الكراع : ذخيرة الحرب من الأطعمة والمؤونة. انظر : المقريزى : السلوك لمعرفة دول الملوك ، ج ٢ ، ص ٦٢٠ ، حاشية ٢ ، تحقيق محمد مصطفى زيادة ، ط. لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ١٩٥٨ م.

(٤) هى : سيرين القبطية. انظر : ابن الأثير : أسد الغابة فى معرفة الصحابة ، ج ٢ ، ص ٧ ، تحقيق محمد إبراهيم البنا وآخرين ، ط. دار الشعب بالقاهرة.

(٥) نهاية السقط الموجود فى نسخة ز والمثبت من نسخة ح والذى نوهنا عنه فى ص ٤٨ حاشية ١.

(٦) هو : حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار ، ويقال له شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفى قبل الأربعين فى خلافة على ، وقيل بل مات سنة ٥٠ ه‍ ، وقيل سنة ٥٤ ه‍. انظر : أسد الغابة ، ج ٢ ، ص ٥ ـ ٧.

(٧) هو : أنصارى خزرجى ، شاعر ، أدرك النبى صلى الله عليه وسلم. وقيل إنه من الطبقة الثانية من تابعى أهل المدينة ، توفى سنة ١٠٤ ه‍. انظر : أسد الغابة ، ج ٣ ، ص ٤٣٤ ـ ٤٣٦.

(٨) «إليه» فى نسخة ح.

(٩) مدينة بالوجه البحرى ، وهى عاصمة محافظة القليوبية ، وتقع على نيل مصر ، وهى من المدن القديمة. اسمها المصرى Perneha ، واسمها القبطى Banaho ومنه اشتق اسمها العربى بنها. انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ١ ، ص ٢٠ ـ ٢١.

(١٠) ورد هذا النص بتصرف فى الفضائل الباهرة ، ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ تاريخ مصر وفضائلها ، ص ٤٢ ـ ٤٣ ؛ حسن المحاضرة ، ج ١ ، ص ٩٠.

٤٩

[١٨] ذريته ، وأسكنه الأرض المباركة التى هى / أم البلاد ، وعون العباد ، التى نهرها أفضل أنهار الدنيا (١).

وفى بعض التفاسير فى قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)(٢) ، أن المراد بالمكان المبارك فيه حول المسجد الأقصى ؛ مصر. ولكن الآية أعم من ذلك ، لأن الله تعالى بارك لأهله فيما حوله فى معايشهم وأسبابهم ، وبارك فيه بدفن الأنبياء والصالحين وغير ذلك.

وذكر الثعلبىّ فى قصص الأنبياء أن جميع مياه الأرض أصلها من تحت الصخرة. وقال فى قوله تعالى : (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)(٣) ، والبدو أرض الشام (٤).

وقال ابن زولاق (٥) : كان بمصر من الأنبياء عليهم السلام : إبراهيم الخليل ، وإسماعيل ، ويعقوب ، ويوسف بن يعقوب ، واثنى / عشر سبطا من أولاد يعقوب عليه السلام.

وولد بها جماعة من الأنبياء : موسى ، وهارون ، ويوشع بن نون ، ودانيال ، وأرميا ، ولقمان ، وعيسى بن مريم ، وولدته أمه ـ والله أعلم ـ بإهناس (٦) ، المدينة المعروفة ، «وبها» (٧) النخلة التى قال الله تعالى فيها : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا)(٨).

وكان بمصر من الصديقين : مؤمن (٩) آل فرعون ، والخضر (١٠) ، ويقال والله أعلم إنه ابن فرعون لصلبه ، آمن بموسى عليه السلام ، ولحق به ، وجعله الله تعالى نبيا وآية.

__________________

(١) ورد هذا النص بتصرف فى حسن المحاضرة ، ج ١ ، ص ٣٦.

(٢) سورة الإسراء ، آية (١).

(٣) سورة يوسف ، آية (١٠٠).

(٤) انظر : الوسيط فى تفسير القرآن المجيد ، ج ٢ ، ص ٦٣٥ ـ ٦٣٦.

(٥) انظر : فضائل مصر وأخبارها وخواصها ، ص ١٣ ـ ١٤ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ٨٣.

(٦) إهناس : مدينة قديمة فى الوجه القبلى بمصر ، تابعة لمركز بنى سويف. انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٣ ، ص ١٥٣.

(٧) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٨) سورة مريم ، آية (٢٥).

(٩) هو حزقيل ، من أصحاب فرعون ، كان نجارا ، وهو الذى صنع لأم موسى التابوت الذى وضعت فيه موسى وألقته فى البحر. وقيل إنه كان خازنا لفرعون. كان حزقيل مؤمنا مخلصا يكتم إيمانه إلى أن ظهر موسى على السحرة ، فأظهر حزقيل أمره ، فأخذ يومئذ وقتل مع السحرة صلبا. انظر : الثعلبى : قصص الأنبياء ، ص ١٦٦. وعن الأقوال التى ذكرت حول هذه الشخصية انظر : ابن كثير : قصص الأنبياء ، ص ٢٩٥ ـ ٢٩٧.

(١٠) عن الخضر انظر : ابن كثير : قصص الأنبياء ، ص ٣٤٧ ـ ٣٥٣.

٥٠

وبمصر مواضع شريفة منها : الوادى المقدس. وبها الطور. وبها ألقى موسى عصاه. وبها انفلق البحر لموسى عليه السلام. وبها النخلة التى أمرت مريم عليها / السلام بأن [تضع](١) تحتها عيسى عليه السلام. فلم يثمر غيرها ، وهى بالجيزة. وبها الجميزة التى صلى موسى عليه السلام تحتها بطرا (٢).

وقيل فى قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٣) إن المراد بالربوة : البهنسا (٤).

قال (٥) أبو الحكم بن مفضل البهنسى فى كتابه «فضائل مصر» : قال شيخى : الصحيح أن الربوة التى آوى إليها المسيح وأمه بمدينة البهنسا فى موضع يعرف الآن بمسجد الديوان ، آوى به هو وأمه سبع سنين. قال : وأما الربوة التى بدمشق فموضع مبارك نزه مليح النظر ، فى لحف جبل ، وليست الربوة التى ذكر (٦) الله عز وجل فى كتابه. لأن عيسى عليه السلام ما دخل دمشق ، ولا وطىء أرض الشام ، بل الربوة التى هى بمصر. وقيل هى الرملة (٧).

قال : و [اللبخة](٨) التى كانت تنضح له الزيت بمدينة أشمون (٩) مشهورة ، والنخلة [٢١] التى آوت إليها أمه بسدمنت (١٠) مذكورة. وإقامة [الحواريين](١١) معه بمدينة البهنسا غير

__________________

(١) «توضع» فى نسخة ز. والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ح ، وهو كما فى الفضائل الباهرة ، ص ١٠٧.

(٢) طرا : ذكر رمزى أنها من القرى القديمة ، وهى واقعة على الشاطىء الشرقى للنيل ، وهى شهيرة بمحاجرها ، وتقع بالقرب من الفسطاط (مصر القديمة). انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٣ ، ص ١٥ ـ ١٦.

(٣) سورة المؤمنون ، آية (٥٠). وعن اختلاف التفاسير بشأن موقع هذه الربوة انظر : تفسير ابن كثير ، ج ٣ ، ص ٣٤٦ ؛ تفسير القرطبى ، ج ١٢ ، ص ١٢٦.

(٤) البهنسا : مدينة فى صعيد مصر ، تقع على الضفة الغربية من بحر يوسف ، غربى النيل ، من مركز بنى مزار. انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٣ ، ص ٢١٢.

(٥) ورد هذا النص بتصرف فى الفضائل الباهرة ، ص ١٠٧ ـ ١٠٨. وذكر الاسم «أبو حكيم».

(٦) «ذكره» فى نسخة ح.

(٧) الرملة : مدينة بفلسطين بينها وبين البيت المقدس ثمانية عشر ميلا. انظر : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٨١٨.

(٨) «النخلة» فى الفضائل الباهرة ، ص ١٠٧. وعن اللبخ انظر : حديقة الأزهار ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٩) أشمون : وردت فى كتاب أوراق البردى العربية بأسماء : مدينة الأشمونين ، ومدينة أشمون ، ومدينة أشمون دروا ، وهى الأشمونين من مركز ملوى بصعيد مصر. انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٤ ، ص ٥٩ ـ ٦٠ ؛ وراجع أيضا : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٢٨٣.

(١٠) سدمنت : من القرى القديمة ، وضعت أحيانا فى الفيوم ، وأحيانا حول بحيرة مريوط ، وأحيانا من أعمال البهنساوية ، وسميت فى العهد العثمانى بسدمنت الجبل لمجاورتها للجبل الغربى. انظر : القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ٣ ، ص ١٦١.

(١١) «الحواريون» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من الفضائل الباهرة ، ص ١٠٨.

٥١

منكورة. وبركة عيسى ظاهرة ببئر البلسم (١) التى بأرض المطرية. ودعوته لأهل البهنسا مشهورة (٢).

قال : وفى مصر الأنبياء والمرسلون وأولو العزم المكلّمون ، وأبناء الأسباط من بنى إسرائيل ، وذو القرنين ، والإسكندر ، والحكماء اليونانيون والفلاسفة ، «(٣) والطلاسم والحركات والرصد والنجامات ، والمساحات والجبر والمقابلات ، كهرمس (٤) ، وبقراط (٥) ، وجالينوس (٦) ، وفيثاغورس (٧) ، ووالينوس ، وغير ذلك.

قال الكندى : قال كعب الأحبار : من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة فلينظر إلى مصر [٢٢] إذا أخرجت / ، وإذا أزهرت ، وإذا أطردت أنهارها وتهذبت ثمارها ، وفاض خيرها ، وغنت طيورها.

قال : وقال عبد الله بن عمرو : من أراد أن ينظر إلى شبه الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها ، ويزهو ربيعها ، وتكسى بالنوار أشجارها (٨).

وقال المسعودى فى «مروج الذهب» (٩) : وصف بعض الحكماء مصر فقال : ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء ، وثلاثة أشهر مسكة سوداء ، وثلاثة أشهر زمردة خضراء ، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء.

__________________

(١) بئر البلسم : المقصود بالبلسم «البلسان» ، وهو شجر يستخرج منه الدهن. ويذكر ياقوت أن ليس فى الدنيا موضع ينبت فيه البلسان ويستحكم دهنه إلا بمصر فقط.

أما البئر : فيقال أن المسيح اغتسل فيها. انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٥٦٤ ؛ الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ٤٢ ، تحقيق محمد جابر عبد العال الحينى ، ط. تراثنا ، القاهرة ١٩٦١ م.

والبئر وشجرة البلسان موجودتان إلى عصرنا الحالى فى منطقة المطرية بالقاهرة.

(٢) ورد هذا النص فى الفضائل الباهرة ، ص ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٣) من بداية الأقواس إلى نهايتها ساقط من نسخة ح ، وسوف نشير إلى ذلك عند نهاية السقط.

(٤) هرمس : هو هرمس الثالث ، ويسمى المثلث بالحكمة ، لأنه جاء ثالث الهرامسة الحكماء. انظر : الفضائل الباهرة ، ص ٨٥ ، حاشية (٣) ؛ القفطى : أخبار الحكماء ، ص ٣٤٧ ـ ٣٤٩.

(٥) هو : بقراط بن إيراقلس ، كان مشهورا بعنايته ببعض علوم الفلسفة ، وهو سيد الطبيعيين فى عصره. انظر : أخبار الحكماء ، ص ٩٠ ـ ٩٥.

(٦) جالينوس هو صاحب الطب ، كان بعد المسيح بسبع وخمسين سنة فى قول ، وبمئتى سنة فى قول آخر ، وفى القرن الثالث الميلادى فى قول ثالث. وقد دخل مصر وسلكها إلى آخرها حتى النوبة. انظر : أخبار الحكماء ، ص ١٢٢ ـ ١٣١ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ٨٨ ، حاشية (٢).

(٧) هو الفليسوف والحكيم اليونانى المشهور ، ذكر القفطى أنه أخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود النبى بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام. وأنه أخذ الهندسة قبلهم عن المصريين ، ثم رجع إلى بلاد اليونان فأدخل إليهم علم الهندسة وعلم الطبيعة ولم يكونوا يعلمونهما قبل ذلك. انظر : أخبار الحكماء ، ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٨) ورد هذا النص فى : فضائل مصر وأخبارها ، ص ١١ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١١٠.

(٩) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١١٠ ـ ١١١.

٥٢

أما اللؤلؤة البيضاء : فإن مصر فى شهر أبيب ـ وهو تموز ـ ومسرى ـ [وهو آب](١) ـ وتوت ـ [وهو أيلول](٢) ، يركبها الماء ، وترى الدنيا بيضاء.

وأما المسكة السوداء : فإن فى شهر بابة تنكشف الأرض بمصر أرضا سوداء ، وتقع فيها الزراعات ، وللأرض روائح طيبة تشبه رائحة المسك.

وأما / الزمردة الخضراء : فإن فى شهر طوبة وأمشير وبرمهات تلمع الأرض ويكثر [٢٣] عشبها ونباتها ، فتصير الدنيا خضراء كالزمردة.

وأما السبيكة الحمراء : فإن فى شهر برمودة وبشنس وبؤونة يبيض الزرع ، ويتورد العشب ، فيشبه الذهب فى المنظر.

قال : ووصف آخر مصر فقال : نيلها عجب ، وأرضها ذهب ، وهى لمن غلب. ملكها سلب (٣) ، ومالها رغب ، وخيرها جلب ، وفى أهلها صخب ، وطاعتهم رهب» (٤) ، وسلمهم شغب ، وحربهم حرب. ونهرها النيل من سادات الأنهار ، وأشرف البحار ، لأنه يخرج من الجنة على حسب ما ورد به خبر الشريعة (٥).

قال : وفى مصر أعاجيب كثيرة من أنواع الحيوان منها : التمساح (٦) ، وهو / المسمار ، [٢٤] فلا يوجد إلا بنيل مصر ، وهو يأكل وبطنه كالجراب ، وليس له مخرج ، بل يتغوط من فيه (٧). وكذا ذكره ابن الجوزى قال (٨) : فإذا أكل وبقى الطعام بين أسنانه تربى فى فمه

__________________

(١) ما بين الحاصرتين مثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٣٩ لاستقامة النص.

(٢) ما بين الحاصرتين مثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٣٩ لاستقامة النص.

(٣) «وملكها لمن سلب» فى مروج الذهب ، ج ١ ص ٣٤٠.

(٤) نهاية السقط من نسخة ح. والذى نوهنا عنه فى صفحة ٥٢ ، حاشية ٣.

(٥) نقل ابن العماد هذا النص عن مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٠.

(٦) التمساح : حيوان من أعجب حيوان الماء ، على صورة الضب ، له فم واسع وستون نابا فى فكه الأعلى ، وأربعون نابا فى فكه الأسفل ، وبين كل نابين سن صغير مربع يدخل بعضه فى بعض عند الانطباق ، ولسان طويل.

وظهره كظهر السلحفاة ، ولا يعمل الحديد فيه ، وله أربعة أرجل ، وذنب طويل ، رأسه ذراعان ، وغاية طوله ثمانية أذرع ، يحرك فكه الأعلى عند المضغ بخلاف سائر الحيوانات ، وهو يبيض كالطيور.

لمزيد من التفاصيل انظر : القزوينى : عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ، ص ٨٧ ـ ٨٨ ، ط. الثالثة ، القاهرة ١٩٥٦ م.

(٧) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٩ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١٦٨.

(٨) ورد هذا النص فى نهاية الأرب ، ج ١٠ ، ٣١٤ ، ط. أولى ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ١٩٣٣ م ؛ مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٩.

٥٣

دود ، فيأتى إلى البر فينام ويفتح فاه ، فيأتى طائر فيدخل فاه ، ويلتقط ذلك الدود ، فإذا أحس التمساح بأن ذلك الدود قد فرغ ، طبق [فمه](١) على الطائر ليأكله. وجعل الله تعالى لذلك الطائر إبرتين من العظم فى طرفى (٢) جناحيه ، فإذا طبق فمه عليه ضرب بهما فى سقف حلقه ، فيفتح فاه ، فيخرج الطائر.

قال المسعودى (٣) : وخلق الله تعالى دويبة بنيل مصر تعادى التمساح ، تستخفى له فى الرمل ، فى موضع يرقد فيه ويفتح فاه لذلك الطائر ، فإذا فتح فاه وثبت «ودخلت [٢٥] فمه» (٤) ، ثم [تدخل](٥) إلى جوفه ، فإذا دخلت / جوفه اضطرب ونزل (٦) البحر ، فتأكل تلك الدويبة [أحشاءه](٧) وتخرق بطنه ، وفى ذلك هلاكه. وفى كتاب (٨) القزوينى : أن الذى يفعل ذلك بالتمساح هو كلب البحر (٩).

وذكر المسعودى : أن التمساح هو الورل (١٠). وكذا قال الحموى فى كتابه «التمويه فيما يرد على التنبيه» ، قال : إن التمساح يبيض فى البر ، ويدفن بيضه فى الرمل ، فإذا خرج فرخه ، فما نزل البحر صار تمساحا ، وما طلع إلى البر صار ورلا (١١).

وإذا صح أن الورل فرخ التمساح ، أطرد فيه الوجهان فى جواز أكل التمساح ، وهذه الحكاية ذكر نظيرها عن أم طبق البحرية ، وهى اللجاة (١٢) المسماة عند العامة بالترسة.

__________________

(١) «فيه» فى نسخة ز. والمثبت من نسخة ح.

(٢) «طرف» فى نسخة ح.

(٣) ورد هذا النص بتصرف فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٩ ؛ وورد حرفيا فى الفضائل الباهرة ، ص ١٦٨.

(٤) «دخلت فاه» فى نسخة ح.

(٥) «دخلت» فى نسخة ز. والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ح.

(٦) «ترك» فى نسخة ح.

(٧) «أحشاؤه» فى نسخة ز. والصحيح لغة ما أثبتناه من نسخة ح.

(٨) انظر : عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ، ص ٩٣ ؛ الفضائل الباهرة ، ص ١٦٨.

(٩) كلب الماء حيوان يداه قصيرتان ورجلاه أطول منها ، ويقال إنه يلطخ بدنه بالطين ليحسبه التمساح طينا ، ثم يدخل جوفه ويقطع أحشاءه ويأكلها ثم يخرج منه. انظر : عجائب المخلوقات ، ص ٩٣ ـ ٩٤.

(١٠) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩. والورل : حيوان عظيم من أشكال الوزغ ، سام أبرص ، طويل الذنب ، صغير الرأس ، وهو سريع السير خفيف الحركة ، عدو للضب. عجائب المخلوقات ، ص ٢٧٧.

(١١) ورد هذا النص فى نهاية الأرب ، ج ١٠ ، ص ٣١٤.

(١٢) عن اللجاة انظر : عجائب المخلوقات ، ص ٩٠ ؛ نهاية الأرب ، ج ١٠ ، ص ٣١٦.

٥٤

قال الملاحون إنها تبيض فى البر ، وتغطى بيضها بالرمل ، وتنزل إلى البحر فتقعد / [٢٦] له أياما ، وكذلك يعدّها التمساح لبيضه ، ثم يحفر عن البيض ، فيخرج الفرخ ، فما تبعها ونزل فى البحر صار لجاة ، وما بقى فى البر صار سلحفاة.

والسلحفاة أكلها حرام ، وكذلك الترسة. ونقل النووى تحريمها عن الأصحاب فى «شرح المهذب» فى كتاب الحج ، ولم يتعرض له الرافعى ، ولا صاحب الروضة. وكثير من الناس يأكلونها وهى حرام. نعم يجوز أكل بيضها ، كما يجوز أكل بيض التمساح ، وبيض الغراب والحدأة ، على الصحيح فى جميع ذلك ، لأنه طاهر لا ضرر فى أكله ، وليس بمستقزر. كذا جزم به القمولى فى «الجواهر» ، والنووى فى «شرح المهذب» ، فى «باب» (١) البيع بأنه علل جواز بيعه بأنه طاهر منتفع [به](٢).

ومنها السمكة المعروفة بالرعادة (٣) ، وهى / نحو الذراع ، إذا وقعت فى شبكة الصياد [٢٧] ارتعدت يداه وعضداه ، فيعلم بوقوعها فيبادر إلى تخليصها. ولو أمسكها بخشبة أو قصبة فعلت كذلك.

قال المسعودى : وقد ذكرها جالينوس ، وأنها إذا جعلت على رأس من «به» (٤) صداع شديد أو شقيقة (٥) ـ وهى فى [حياة](٦) ـ [هدأ](٧) من ساعته.

__________________

(١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة ز. ومثبت من نسخة ح.

(٣) لمزيد من التفاصيل عن سمكة الرعادة انظر : ابن قتيبة : عيون الأخبار ، ج ٢ ، ص ٩٧ ، ط. دار الكتب المصرية ، القاهرة ١٩٩٦ ؛ عجائب المخلوقات ، ص ٨٨ ـ ٨٩ ؛ ابن حوقل : صورة الأرض ، ص ١٤٨ ، ط. دار صادر ، بيروت عن طبعة ليدن ١٩٣٨ م.

(٤) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٥) الشقيقة : وجع فى نصف الرأس. انظر : المنجد ، مادة شق.

(٦) «حمأة» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٦ حيث ينقل ابن العماد عنه.

(٧) «هدى» فى الأصل.

٥٥
٥٦

الفصل الثانى

فى بيان المكان الذى يخرج أصل النيل منه

وفى المكان الذى يذهب فيه. وبيان سبب خضرته

وفى المقاييس المجعولة عليه وغير ذلك

وقد (١) تقدم (٢) أنه يخرج من جبل القمر ، على ما ذكره الكندى ، وذكره أيضا المسعودى ، وصاحب الأقاليم السبعة ، قال : وإنه يخرج أصله من جبل القمر من عشرة عيون ، خمسة تجتمع فى بطيحة ، وخمسة فى بطيحة ، يعنى مكان مسطح من الأرض ، ثم يجتمع بعد ذلك / الماءان. وذكر صورة جبل القمر وأنه مقوس ، وعلى رأسه شراريف [٢٨] هكذا (٣).

وذكر المسعودى فى مروج الذهب (٤) : أن الفلاسفة قالوا : إنه يجرى على وجه الأرض تسعمائة فرسخ (٥) ، وقيل ألف فرسخ فى عامرها وغامرها ، من عمران وخراب ، حتى يأتى إلى بلاد أسوان من صعيد مصر ، وإلى هذا الموضع تصعد المراكب من فسطاط مصر. وعلى أميال من أسوان جبال وأحجار ، يجرى النيل فى وسطها ، فلا سبيل إلى جريان السفن فيه. وهذا الموضع فارق بين مواضع سفن الحبشة فى النيل ، وبين سفن المسلمين ، ويعرف هذا الموضع فى النيل بالجنادل (٦) والصخور. ثم يأتى [النيل](٧)

__________________

(١) «قد» فى نسخة ح.

(٢) انظر ما سبق ص ٤٦.

(٣) لمزيد من التفاصيل عن أصل النيل انظر : الخوارزمى : كتاب صورة الأرض ، ص ١٠٦ ـ ١٠٩ ، نشر هانس فون مزيك ، فينا ١٩٢٦ م. وراجع الخريطة رقم (٨) بالمصدر نفسه ؛ الخطط ، ج ١ ، ٥١ ـ ٥٥.

(٤) مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٨ ؛ الخطط ، ج ١ ، ص ٥٣ ـ ٥٤.

(٥) الفرسخ : المسافة المعلومة من الأرض ، وهو فارسى معرب. وقد اتفق الفقهاء على أن الفرسخ ثلاثة أميال ، ومقداره عند الحنفية والمالكية يقدر ب ٥٥٦٥ مترا ، وعند الشافعية والحنابلة يقدر ب ١١١٣٠ مترا ، انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٣٨ ؛ على جمعة محمد : المكاييل والموازين الشرعية ، ص ٣٦ ، ط. دار الرسالة ، القاهرة ٢٠٠٢ م.

(٦) الجنادل : مفردها جندل ؛ وهو مكان فى مجرى النيل فيه صخور تعترض هذا المجرى وتشكل عقبه فى طريق النهر ، فيشتد عندها جريان النهر. انظر : محمد عوض محمد : نهر النيل ، ص ١٠٩.

(٧) ما بين الحاصرتين إضافة لازمة للإيضاح من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٠.

٥٧

الفسطاط ، فينقسم خلجانات إلى بلاد : تنيس (١) ، ودمياط (٢) ، ورشيد (٣) ، وإلى إسكندرية ، كل يصب إلى البحر [الرومى](٤).

[٢٩] قال : وأصل النيل ومنبعه من تحت جبل القمر ، ومبدأ ظهوره من اثنتى / عشرة عينا. وجبل القمر خلف خط الاستواء ؛ يعنى الذى يستوى فيه الليل والنهار (٥). وأضيف إلى القمر لأنه يظهر تأثيره فيه عند زيادته ونقصانه ، بسبب النور والظلمة ، والبدر والمحاق (٦).

قال المسعودى : فتنصب تلك المياه الخارجة من الاثنتى عشرة عينا إلى بحرتين هناك ـ وهو معنى كلام صاحب الأقاليم ـ فى بطيحة. قال : ثم يجتمع الماء منهما جاريا ، فيمر برمال هناك وجبال ، ثم يخترق أرض السودان مما يلى بلاد الزنج ، فينبع منه خليج [يجرى إلى](٧) بحر الزنج ، وهو بحر جزيرة قينلوا (٨) : وهى جزيرة عامرة فيها قوم من المسلمين ، إلا أن لغتهم زنجية ، غلبوا على هذه الجزيرة ، وسبوا من كان فيها من الزنج ، كغلبة المسلمين على جزيرة إقريطش (٩) من البحر الرومى ، وذلك فى مبدأ [الدولة العباسية ، وتقضّى](١٠) الدولة الأموية. ومنها إلى عمان فى البحر نحو من خمسمائة [٣٠] فرسخ «على ما» (١١) يقولونه البحريون /.

__________________

(١) تنيس : من البلاد المندرسة فى بحيرة المنزلة ، وهى تبعد عن البحر المتوسط بمقدار سبعين ميلا. القاموس الجغرافى،ق ١ ، ص ١٩٧؛معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٨٨٢ ـ ٨٨٧ ؛ الخطط ، ج ١ ، ص ١٧٦ ـ ١٨٢.

(٢) دمياط : من البلاد القديمة ، وهو ميناء نهرى بحرى ، ومخرج تجارة مصر لمدن وموانىء الساحل الشرقى للبحر المتوسط وكريت وتركيا وقبرص. وكانت السفن لا تدخل ميناء دمياط مباشرة بسبب شدة التيار من النيل ، وكذلك لردم جزء من فم البحر عندها ، وإنما يخرج من دمياط قناة إلى بحيرة المنزلة حيث تدخل السفن الكبيرة من البحر المتوسط حتى تنيس. راجع القاموس الجغرافى ، ق ٢ ج ١ ، ص ٨ ؛ ولمزيد من التفاصيل عن مدينة دمياط وتاريخها انظر : الخطط ، ج ١ ، ص ٢١٣ ـ ٢٢٦ ؛

Heyd : Hist, Du Commerce, T. II, PP. ٧٣٤ ـ ٩٣٤, Leipzig. ٥٢٩١.

(٣) رشيد : انظر ما سبق ص ٤٨ ، حاشية (٥).

(٤) ما بين الحاصرتين إضافة لازمة للإيضاح من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٠

(٥) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٨ ؛ الخطط ، ج ١ ، ص ٥٣ ـ ٥٤.

(٦) المحاق : ما يرى فى القمر من نقص فى جرمه وضوئه بعد انتهاء ليالى اكتماله. المعجم الوسيط ، ج ٢ ، ص ٨٩٠.

(٧) «بحر إلى» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من الفضائل الباهرة ، ص ١٦٣. وبحر الزنج هو المياه الملاصقة للساحل الشرقى لإفريقية بين الزنج والحبشة. راجع ابن حوقل : صورة الأرض ، ص ٨.

(٨) «جزيرة قنبلو» فى التنبيه والإشراف ، ص ٥١ ؛ «قلبتو» فى الخطط ، ج ١ ، ص ٥٧.

(٩) هى جزيرة كريت الحالية ، وقد فتحها المسلمون فى زمن الخليفة المأمون العباسى سنة ٢١٠ ه‍ انظر : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٢٣٦. ط. دار صادر ، بيروت.

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٨ لاستقامة المعنى.

(١١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

٥٨

وذكر جماعة أنهم يشاهدون فى هذا البحر ـ فى (١) الوقت الذى [تكثر](٢) فيه زيادة النيل بمصر ، أو قبل ذلك بقليل ـ [ماء](٣) [يخرق](٤) هذا البحر ويشق قطعة منه من شدة جريانه ، ويخرج من جبال الزنج ، عرضه أكثر من ميل ، [عذبا حلوا](٥) ، يتكدر فى أول الزيادة بمصر وصعيدها.

قال : وذكر الجاحظ : أن نهر مهران [الذى هو نهر](٦) السند من نيل مصر ، واستدل على ذلك بوجود التماسيح فيه (٧).

قال المسعودى : وكان أحمد بن طولون (٨) فى سنة نيف وستين ومائتين (٩) بلغه أن رجلا بأعلى مصر من الصعيد ، له ثلاثون ومائة سنة ، من [الأقباط](١٠) ممن يشار إليهم بالعلم ، وأنه علّامة بمصر وأرضها ، من برها وبحرها ، و [أخبارها وأخبار](١١) ملوكها. وأنه ممن سافر الأرض وتوسط الممالك ، وشاهد الأمم من أنواع البيضان والسودان ، وأنه ذو معرفة بأنواع هيئات الأفلاك [والنجوم](١٢) وأحكامها. فبعث إليه أحمد / وأخلى له نفسه [٣١] فى [ليال وأيام](١٣) كثيرة ، يسمع كلامه [وإيراداته](١٤) وجواباته.

__________________

(١) «فى هذا» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩ حيث ينقل ابن العماد عنه.

(٢) «يذكر» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩.

(٣) «مما» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩ حيث ينقل ابن العماد عنه.

(٤) «يخترق» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩.

(٥) ما بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩.

(٦) ما بين الحاصرتين إضافة لازمة من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩. ولمزيد من التفاصيل عن نهر مهران راجع ابن حوقل : صورة الأرض ، ص ٣١٧ ـ ٣١٨ ، ص ٣٢٨ ، ط. دار صادر بيروت ، عن طبعة ليدن ١٩٣٨ م.

(٧) راجع هذا النص فى مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٩ ؛ التنبيه والإشراف ، ص ٤٩.

(٨) هو مؤسس الدولة الطولونية فى مصر ، توفى سنة ٢٧٠ ه‍. انظر ترجمته فى ولاة مصر ، ص ٢٣٩ ـ ٢٥٨.

(٩) «ومائتين سنة» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٧.

(١٠) «الأنباط» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٧.

(١١) «وأجنادها وأجناد» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٧.

(١٢) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٧.

(١٣) «ليالى وأياما» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٨ وهو الصحيح لغة.

(١٤) «وانزادية» فى نسخة ز ، وساقط من نسخة ح. والمثبت من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٨.

٥٩

فكان فيما سأله عن [ملوك](١) الأحابش على النيل وممالكهم ، قال : لقيت من ملوكهم ستين ملكا فى ممالك مختلفة ، كل منهم ينازع من يليه من الملوك ، وبلادهم (٢) حارّة يابسة.

قال : فما منتهى النيل فى أعاليه؟ ، قال : البحيرة التى لا يدرك طولها وعرضها ، وهى نحو الأرض التى الليل والنهار فيها متساويان طول (٣) الدهر. وهى تحت الموضع [الذى يسميه](٤) المنجمون الفلك المستقيم ، «(٥) وما ذكرت فمعروف غير منكر. انتهى كلامه.

وقال ابن زولاق فى تاريخه (٦) : ذكر عن بعض خلفاء مصر أنه أمر قوما بالمسير إلى حيث يجرى النيل (٧) ، فساروا حتى انتهوا إلى جبل عال والماء ينزل من أعلاه ، له دوى [٣٢] مسموع ، لا يكاد يسمع أحدهم صاحبه ، ثم أن أحدهم تمكن / فى الصعود إلى أعلى الجبل ، رقص وصفق وضحك ، ثم مضى فى الجبل ولم يعد ، ولم يعلم أصحابه ما شأنه. ثم أن رجلا منهم صعد لينظر ، ففعل مثل الأول. فطلع ثالث وقال : اربطوا فى وسطى حبلا ، فإذا وصلت إلى ما وصلا إليه ثم فعلت كذلك ، فاجذبونى حتى لا أبرح من موضعى. ففعلوا ذلك. فلما صار فى أعلى الجبل ، فعل كفعلهم ، فجذبوه إليهم ، فقيل إنه خرس فلم يرد جوابا ، ومات من ساعته (٨). فرجع القوم ولم يعلموا غير ذلك.

__________________

(١) «طول» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٩.

(٢) «بلادتهم» فى نسخة ح.

(٣) «بطول» فى نسخة ح.

(٤) «التى تسميه» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٩.

(٥) بداية سقط من نسخة ح بمقدار ورقتان. وسوف ننوه عند انتهاء هذا السقط.

(٦) ورد هذا النص فى الفضائل الباهرة ، ص ١٦٤.

(٧) يبدو أن هذه كانت إحدى المحاولات المصرية لكشف منابع النيل.

(٨) عن هذه المحاولة انظر : المحلى : مبدأ النيل على التحرير ، ص ٢ ـ ٣ ، مخطوط بدار الكتب المصرية رقم ٣٨١ جغرافيا.

٦٠