أخبار نيل مصر

شهاب الدين بن العماد الأقفهسي

أخبار نيل مصر

المؤلف:

شهاب الدين بن العماد الأقفهسي


المحقق: د. لبيبة إبراهيم مصطفى و أ. نعمات عبّاس محمد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-18-0444-8
الصفحات: ١٤٤

صور من المخطوطات

٢١
٢٢

٢٣
٢٤

٢٥
٢٦

٢٧
٢٨

٢٩
٣٠

٣١
٣٢

كتاب يذكر فيه نيل مصر

من أين يخرج من الأرض ، وفى أى مكان يذهب ، وسبب تكدره وخضرته فى وقت الزيادة ، ومن أين تمده الزيادة ، وفى أى مكان تذهب زيادة إذا نقص.

جمعه

الشيخ شهاب الدين بن العماد الأقفهسى

جمعنا الله وإياه فى الجنة ، بمنه وكرمه ، «والمسلمين أجمعين» (١).

آمين ، آمين ، آمين

__________________

(١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

٣٣
٣٤

بسم الله الرحمن الرحيم

«وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم» (١)

الحمد لله حمدا يوافى نعمه ، ويكافىء مزيده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة توجب العاقبة الحميدة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله إلى الأمة الشهيدة ، وإلى سائر الفرق القريبة والبعيدة ، فبلّغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ودعا إلى الله عبيده ، ونسأل الله من فضله أن يجعلنا من الأمة السعيدة ، ولا يجعلنا من الفرق العنيدة.

وبعد ، فقد روى عن سيدنا «رسول الله» (٢) صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أربعة لا تشبع من أربعة ، عين من نظر ، وأنثى من ذكر ، وأرض من مطر ، وعالم من خبر» (٣).

ولما كان إقليم مصر مشتملا على فوائد وأمور عجيبة ، استخرت الله تعالى فى أن أجمع فيه من نفيس الغرائب ما لا ينبغى لذوى العلم / إهمالها ، ولا لساكن مصر [٣] إغفالها. وكيف وكلهم أو أكثرهم لو سئل عن نهر النيل من أين يخرج من الأرض؟ وفى أى مكان يذهب؟ ، ولو سئل عن طوله ، وعن سبب تكدّره وخضرته فى وقت الزيادة ، ومن أين تمدّه الزيادة؟ وفى أى مكان يذهب ومادته إذا نقص؟ ، لما أجاب (٤) عن ذلك.

وأنا إن شاء الله مبين لجميع ذلك ، قاصدا فيه الاختصار (٥). وقبل الشروع فى ذلك أتعرض لما يدلّ على فضيلة هذا النهر على غيره من أنهار الدنيا ، وبيان ذلك فى فصلين.

__________________

(١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٢) «محمد» فى نسخة ح.

(٣) نص الحديث : «أربع لا يشبعن ـ وفى لفظ لا تشبع ـ من أربع : أرض من مطر ، وأنثى من ذكر ، وعين من نظر ، وعالم من علم» رواه الحاكم فى تاريخ نيسابور ، وأبو نعيم عن أبى هريرة مرفوعا. وزاد فى الدرر كالزركشى وابن عدى عن عائشة وقال : منكر. انتهى. وأورده العقيلى فى الضعفاء ، وابن الجوزى فى الموضوعات لأنه روى من طرق فيها كذاب ومتروك الحديث ومنكر ، وقال المنوفى الأشبه ما فى المشهور أنه من كلام الحكماء.

انظر : إسماعيل بن محمد العجلونى الجراحى : كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ، ج ١ ، ص ١٠٧ ، ط. القدسى ، القاهرة ١٣٥١ ه‍.

(٤) «لجأت» فى نسخة ح ، وهو خطأ فى النسخ.

(٥) «الاختار» فى نسخة ح ، وهو خطأ فى النسخ.

٣٥
٣٦

الفصل الأول

فى بيان فضله

وقد وردت فيه آيات وأحاديث.

أما الآيات : فمنها قوله تعالى : (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)(١).

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيحان (٢) ، وجيحان (٣) ، والفرات ، والنيل ، «كلّ» (٤) من أنهار الجنة» (٥).

قال البغوى فى تفسير هذه الأنهار الأربعة : تخرج من نهر الكوثر. قال : قال كعب الأحبار : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم (٦).

ونقل ابن زولاق (٧) فى «تاريخ مصر» عن كعب الأحبار ؛ أن نهر مصر نهر العسل فى الجنة ، والفرات نهر الخمر ، وسيحان نهر الماء ، وجيحان نهر اللبن.

__________________

(١) سورة محمد ، جزء من الآية (١٥).

(٢) سيحان ، وكان يقال له سارس. هو نهر بالثغر من نواحى المصيصة ، وهو نهر أذنة بين أنطاكية والروم. ياقوت : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، ط. طهران ١٩٦٥ م ؛ لسترانج : بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٦٣ ، ترجمة بشير فرنسيس وآخرين ، ط. بغداد ١٩٥٤ م.

(٣) جيحان ، وكان يقال له بيرامس. هو نهر بالمصيصة بالثغر الشامى ، ومخرجه من بلاد الروم. معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ١٧٠ ؛ بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٦٣.

(٤) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٥) الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فجّرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان».

مسند أحمد بن حنبل ، ج ١٢ ، ص ٥٠٦ ، حاشية (٢) ط. مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٩٩٧. وقال المحققون حديث صحيح وإسناده حسن. وانظر أيضا : شرح النووى على صحيح مسلم ، ج ٨ ، ص ١٤٩ ، ط. صبيح ، القاهرة د. ت.

(٦) جزء من حديث طويل عن ابن عباس ، رواه مسلم.

(٧) ابن زولاق : فضائل مصر وأخبارها وخواصها ، ص ٧٥ ، تحقيق على عمر ، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ١٩٩٩ م.

٣٧

وفى حديث الإسراء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : «لما انتهيت إلى سدرة المنتهى فرأيت أربعة أنهار [يخرج](١) من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان (٢) ، «فقلت : يا جبريل ما هذه الأنهار؟» (٣). قال : أما النهران الباطنان فنهران فى الجنة. وأما الظاهران فالنيل والفرات» (٤).

قال النووى فى شرح مسلم : قال مقابل الباطنان هما / السلسبيل (٥) والكوثر (٦). قال : قال القاضى عياض ـ رحمه الله ـ : هذا الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى فى الأرض ، لخروج الفرات والنيل من أصلها. قال : وهذا الذى قاله غير لازم ، بل معناه أن الأنهار تخرج من أصلها ، ثم تسير حيث أراد الله تعالى حتى تخرج من الأرض وتسير فيها ، وهذا لا يسعه عقل ولا شرع ، وهو ظاهر الحديث ، فوجب المصير إليه ، والله تعالى أعلم. وما ذكره النووى هو الصواب.

__________________

(١) «يخرجن» فى نسختى المخطوطة. والتصويب من نص الحديث الذى ورد طويلا فى صحيح مسلم ، ج ١ ، ص ١٤٩ ـ ١٥١ ، كتاب الإيمان ، باب الإسراء ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ، ط. البابى الحلبى ، القاهرة ١٩٥٥ م ؛ وأوله : «عن مالك بن صعصعة قال : قال نبى الله صلى الله عليه وسلم : «بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ...».

كما ورد بصحيح البخارى ، ج ٥ ، ص ٦٦ ـ ٦٩ ، كتاب مناقب الأنصار ، باب المعراج. ط. صبيح ؛ مسند أحمد ابن حنبل ، ج ٢٠ ، ص ١٠٧ ـ ١٠٨ ، وقال المحققون إنه إسناد صحيح على شرط الشيخين.

(٢) تقديم وتأخير فى نسخة ح.

(٣) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح ، وهو كما فى نص حديث مسلم.

(٤) ورد نص هذا الحديث فى : المنوفى : الفيض المديد فى أخبار النيل السعيد ، ص ٩ ؛ المقريزى : الخطط ، ج ١ ، ص ٥٠ ؛ النويرى : نهاية الأرب ، ج ١ ، ص ٢٦٣.

(٥) السلسبيل : جمعها سلاسب ، وسلاسيب. وهو الشراب السهل المرور فى الحلق لعذوبته ، والخمر ، واسم عين فى الجنة. انظر : المعجم الوسيط ، ج ١ ، ص ٤٤٥.

(٦) الكوثر : عن أنس فى قوله عز وجل (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : هو نهر فى الجنة.

قال النبى صلى الله عليه وسلم «رأيت نهرا فى الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ ، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثر الذى أعطاكه الله». قال محققوا الموسوعة إسناده صحيح على شرط الشيخين. انظر : مسند أحمد بن حنبل ، ج ٢٠ ، ص ١٠٩ ـ ١١٠.

٣٨

فقد ذكر البغوى فى سورة (وَالنَّجْمِ)(١) أن سدرة المنتهى هى شجرة طوبى (٢). وذكر فى سورة الرعد فى قوله تعالى (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(٣) أن [شجرة](٤) طوبى شجرة أصلها فى بيت النبى صلى الله عليه وسلم ، وأنه ما من بيت فى الجنة إلا وفيه غصن منها (٥).

وقال ابن زولاق فى تاريخ مصر : إن النيل يجرى من تحت سدرة المنتهى (٦) ، وإنه لو تقفّى آثاره لوجد فى أول جريانه أوراق / الجنة. قال : ولذلك ندب (٧) إلى أكل البلطى من [٦] السمك ، لأنه يتتبع أوراق الجنة فيرعاها. ويشهد لصحة «ما ذكره» (٨) ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : «عليكم بالحيزوم (٩) فإنه يرعى من حشيش الجنة».

وذكر بعضهم أن سائر مياه الأرض وأنهارها تخرج أصلها من تحت الصخرة بالأرض المقدسة ، والعلم عند الله تعالى.

فائدة : طوبى وزنها فعلى ، مشتقة من الطيب ، وأصلها طيبى ، «ووقعت» (١٠) الباء بعد ضمة ، فقلبت واوا.

قال ابن جنى (١١) : حكى أبو حاتم سهل بن محمد السجستانى فى كتابه الكبير فى «القراءات» (١٢) قال : قرأ علىّ أعرابى بالحرم : طيبى لهم وحسن مآب» ، فقلت له :

__________________

(١) سورة النجم ، جزء من الآية (١).

(٢) شجرة طوبى : قال قتادة : هى كلمة عربية ، يقول الرجل طوبى لك : أى أصبت خيرا. وعن شهر بن حوشب قال : طوبى شجرة فى الجنة ، كل شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سور الجنة.

وذكر البعض أن الرحمن تبارك وتعالى غرسها بيده من حبة لؤلؤة ، وأمرها أن تمتد ، فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة من عسل وخمر وماء ولبن.

ولمزيد من التفصيل انظر : ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ج ٢ ، ص ٥١٢ ، ط. دار إحياء الكتب العربية. د. ت.

(٣) سورة الرعد ، الآية (٢٩).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل ، ومثبت من نسخة ح.

(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم ، ج ٢ ، ص ٥١٢.

(٦) انظر : تاريخ مصر وفضائلها ، ص ١٦ ، تحقيق على عمر ، ط. الثقافة الدينية ، القاهرة ٢٠٠٢ م.

(٧) ندب : دعا. المعجم الوسيط ، ج ٢ ، ص ٩١٧ ، مادة «ندب».

(٨) «ما ذكر» فى نسخة ح.

(٩) الحيزوم : اسم فرس من خيل الملائكة. انظر : الجوهرى : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٩٩ ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ، دار الكتاب العربى ، مصر د. ت ؛ النهاية فى غريب الحديث والأثر ، ج ١ ، ص ٢٧٤ مادة (حيزم).

(١٠) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(١١) انظر : ابن جنى : الخصائص ، ج ١ ، ص ٧٦ ـ ٧٧ ، تحقيق محمد على النجار ، ط. الثالثة ، هيئة الكتاب ، القاهرة ١٩٨٦ م.

(١٢) «القرآن» فى نسخة ح.

٣٩

طوبى ، فقال : طيبى ، «فأعدت عليه فقلت : طوبى ، فقال : طيبى ، فأعدت عليه فقلت : طوبى ، فقال : طيبا. فقلت : طوبا. فقال : طيبا» (١). فلما طال علىّ فقلت : طوطو.

قال / : طى طى.

وعن ابن عباس رضى الله «عنه» (٢) فى قوله تعالى : (طسم) (٣) ، إن الطاء شجرة طوبى ، وإن السين سدرة المنتهى ، وإن الميم محمد صلى الله عليه وسلم (٤). وهو يدل على أن شجرة طوبى غير سدرة المنتهى ، والله أعلم.

قال سعيد بن جبير (٥) : طوبى اسم الجنة بالحبشية. وسميت سدرة «المنتهى» (٦) لأن علم «الملائكة» (٧) ينتهى إليها. وما يعلم ما فوقها إلا الله عز وجل (٨).

وعن أسماء (٩) بنت أبى بكر الصديق رضى الله [عنهما](١٠) قالت : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى ، فقال : «يسير الراكب فى ظلها مائة (١١) عام ، ويستظل فى ظل «الفنن» (١٢) منها [مائة](١٣) راكب ، فيها فراش (١٤) من ذهب ،

__________________

(١) ما بين الأقواس زيادة عن نص ابن جنى فى الخصائص.

(٢) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٣) سورة الشعراء ، آية (١).

(٤) انظر : القرطبى : الجامع لأحكام القرآن ، ج ١٣ ، ص ٨٩ ، ط. دار الكتب المصرية ، القاهرة ١٩٤٤ م.

(٥) انظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٥١٢.

(٦) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ح.

(٧) «الملأ» فى نسخة ح.

(٨) ورد هذا النص فى الجامع الصحيح ، ج ٥ ، ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، كتاب تفسير القرآن ، باب ٥٣ ، حديث ٣٢٧٦ ، تحقيق كمال يوسف الحوت ، ط. دار الكتب العلمية ، بيروت ١٩٧٣ م.

(٩) ورد حديث بسنده ونصه فى سنن الترمذى ، ج ١٠ ، ص ١٢ ، كتاب أبواب صفة الجنة ، باب ما جاء فى صفة أهل الجنة ؛ وقد ورد جزء من الحديث عن أنس بن مالك فى صحيح البخارى ، ج ٤ ، ص ١٤٤ ، كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء فى صفة الجنة ، وأنها مخلوقة ؛ كما ورد ضمن حديث طويل فى مسند أحمد بن حنبل ، ج ١٩ ، ص ٤٨٥ ـ ٤٨٨ ، ج ٢٠ ، ص ١١١ ـ ١١٢ ، وقال المحققون إن إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(١٠) «عنها» فى الأصل. والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ح.

(١١) «مائة ألف» فى نسخة ح. والمثبت من زيتفق مع نص الحديث.

(١٢) «العنن» فى نسخة ح.

(١٣) «مائة ألف» فى نسختى المخطوطة. والمثبت من نص الحديث.

(١٤) «فراس» فى نسخة ح.

٤٠