إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٣

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

الدّلالة ما ذكره الشارح الجديد (١) للتجريد ، حيث قال : (٢) مضمون الآية الكريمة هو الأمر بمتابعة المعصومين ، لانّ الصادقين هم المعصومون وغير علي عليه‌السلام من الصحابة ليس بمعصوم ، بالاتفاق ، فالمأمور بمتابعته انما هو علي عليه‌السلام ثم قال : وأجيب بمنع المقدّمات «انتهى» ، وأقول : في اثبات المقدمة الاولى : أنّ الأمر بالمتابعة يقتضي أن يكون المأمور بمتابعته معصوما إذ الأمر بمتابعة غير المعصوم قبيح لا يصدر عنه تعالى ، وفي اثبات الثانية : أن منعها مكابرة ، لانّ أحدا لا يدعي عصمة غير عليّ عليه‌السلام من الثلاثة ، وفي إثبات الثالثة : أنّ متابعة الصادقين يتوقف على علمنا بأنّ ذلك الشخص صادق والعلم بكونه صادقا يتوقف على العلم بكونه معصوما ، والعلم بكونه معصوما يتوقف على كونه معصوما في الواقع لأنّ الصادقين هم المعصومون في الواقع ونفس الأمر ، فالصادقون الذين نحن مأمورون بمتابعتهم هم المعصومون تأمل ومن نفائس المباحث ما ذكره الرّازي أيضا هاهنا حيث قال : إنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين ، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصّادقين ، لان الكون مع الشيء مشروط بوجود ذلك الشيء ، فهذا يدلّ على أنه لا بدّ من وجود الصادقين في كلّ وقت ، وذلك يمنع من إطباق الكلّ على الباطل ، فوجب إذا أطبقوا على شيء أن يكونوا محقّين فهذا يدلّ على أنّ إجماع الامّة حجّة ، فان قيل : لم لا يجوز أن يقال المراد بقوله (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، اى كونوا على طريقة الصّالحين ، كما أنّ الرّجل إذا قال لولده : كن مع الصّالحين لا يفيد إلا ذلك ، لكن نقول : إنّ هذا الأمر كان موجودا في زمان الرّسول فقط ، وكان هذا أمرا بالكون مع الرّسول فلا يدلّ على وجود صادق في ساير الأزمنة ، سلمنا ذلك ، لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الصادق هو المعصوم الذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما يقوله الشيعة ، والجواب عن الأول أن قوله : (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أمر بموافقة الصادقين ونهى عن مفارقتهم ،

__________________

(١) قد مرت ترجمته في ص ٤٦٣ من المجلد الاول)

(٢) في المقصد الخامس في بحث الامامة فراجع

٣٠١

وذلك مشروط بوجود الصادقين ، ومالا يتم الواجب إلّا به فهو واجب فدلت هذه الآية على وجود الصّادقين ، وقوله : إنّه محمول على أن يكونوا على طريقة الصّادقين فنقول : إنّه عدول عن الظاهر من غير دليل ، قوله : هذا الأمر مختصّ بزمان الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلنا : هذا باطل لوجوه ، الاول : انّه ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله انّ التكاليف المذكورة في القرآن متوجّهة على المكلفين إلى قيام القيامة فكان الأمر في هذا التّكليف كذلك ، والثاني أنّ الصّيغة تتناول الأوقات كلّها بدليل صحّة الاستثناء والثالث لّما لم يكن الوقت المعيّن مذكورا في لفظ الآية لم يكن حمل الآية على البعض أولى من حمله على الباقي ، فاما أن لا يحمل على شيء فيفضي إلى التّعطيل وهو باطل ، أو على الكلّ وهو المطلوب والرابع وهو أنّه قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ، أمر لهم بالتقوى وهذا الأمر إنّما يتناول من يصحّ منه أن لا يكون متّقيا ، وانّما يكون كذلك لو كان جايز الخطاء ، فكانت الآية دالة على أنّ من كان جايز الخطاء وجب كونه مقتديا بمن كان واجب العصمة وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين وترتّب الحكم في هذا يدلّ على أنّه إنّما وجب على جايز الخطاء كونه مقتديا به ، ليكون مانعا لجائز الخطاء ، وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان فوجب حصوله على كلّ الأزمان ، قوله : لم لا يجوز أن يكون المراد هو كون المؤمن مع المعصوم الموجود في كلّ زمان؟ قلنا : نحن نعترف بأنّه لا بدّ من معصوم في كلّ زمان ، إلا أنا نقول : إنّ ذلك المعصوم هو مجموع الامّة وأنتم تقولون : إنّ ذلك المعصوم واحد منهم ، فنقول : هذا الثاني باطل ، لأنّه تعالى أوجب على كلّ من المؤمنين أن يكونوا مع الصّادقين ، وإنّما يمكنه ذلك لو كان عالما بأنّ ذلك الصّادق من هو؟ لأنّ الجاهل بأنّه من هو لو كان مأمورا بالكون معه ، كان ذلك تكليف مالا يطاق ، لأنا لا نعلم إنسانا معيّنا موصوفا بوصف العصمة والعلم بأنّا لا نعلم هذا الإنسان حاصل بالضرورة ، فثبت أنّ قوله : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، ليس أمرا بالكون مع شخص معيّن ، ولمّا بطل هذا ، بقي

٣٠٢

أنّ المراد منه الكون مع مجموع الامّة وذلك يدلّ على أن قول مجموع الامّة صواب وحق ولا نعنى بقولنا الإجماع حجّة إلّا ذلك «انتهى كلامه» وأقول : فيه نظر ، إذ لا دلالة للفظ الآية على وجوب تعدّد الصّادقين في كلّ وقت وزمان كما يشعر به كلامه ، بل هو أعمّ من ذلك ومن وجوب وجود المتعدّد من الصّادقين موزّعا آحادها على أجزاء الوقت والزّمان ، بأن يوجد في كلّ زمان صادق معصوم يكون إمام أهل زمانه كما قال به الشّيعة ، فلا تدلّ الآية على وجوب وجود جماعة يتحقّق لهم الإجماع في كلّ وقت ، لأنّ العام لا دلالة له على الخاص وأيضا مجموع المجتمعين (المجمعين خ ل) في مقام الإجماع صادق واحد ، لا متعدّد ، لما صرّحوا بأنّ كلا من آحاد المجمعين جايز الخطاء ، وإنّما المعصوم هو المجموع من حيث المجموع ، فتوصيف ذلك المجموع المأخوذ على وجه الوحدة بكونهم صادقين ، غير متجه ، وانما يتجه لو كان كلّ واحد من آحاده متصفا بالصدق أيضا ، ألا ترى؟ أنّ مجموع الجدران والسّقف والعرصة يتّصف بكونه بيتا وحجرة وخزانة ونحو ذلك ، ولا يتّصف كلّ واحد من أجزائه بذلك ، فلا يصحّ أن يكون المراد بالصّادقين مجموع من حصل بهم الإجماع من أجزائه بذلك ، فلا يصحّ أن يكون المراد بالصّادقين مجموع من حصل بهم الإجماع الشرعي ، فثبت أنّ المراد بالصّادقين المعصومين الذين لا يخلو زمان التكليف عن واحد منهم ، كما ذهب إليه الشّيعة الاماميّة لا الإجماع الذي قاله أهل السّنة ، وأما ما ذكره : من أنّا لا نعلم إنسانا معيّنا موصوفا بوصف العصمة فجوابه ما أفاده أفضل (١) المحقّقين قدّس سره في التجريد بقوله : والعصمة تقتضي النّص وسيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله التنصيص والحاصل أنّ العصمة وإن كان من الأمور الخفية التي لا يعلمها إلّا عالم السّرائر ، لكن يمكن العلم به بالنّص

__________________

(١) المراد به المحقق الطوسي الخواجة نصير الدين قدس‌سره صرح بهذه الجملة في التجريد (في أوائل مبحث الامامة) فليراجع وقد مرت ترجمة هذا الحبر الجليل والعلامة المتأله النبيل في ج ٢ ص ٩.

٣٠٣

من الله ورسوله على الإمام الأوّل ، وبنص الإمام الأوّل على الثّانى ، وهكذا وربما يعلم بظهور المعجزة مقارنة لدعوى العصمة والامامة كما بيّن في موضعه ، فلا يلزم تكليف ما لا يطاق كما توهّمه إمام أهل النّصب والنّفاق ، ولا ترتبط الآية بحجّية الإجماع والاتّفاق ، وظهر أنّها صريحة في عصمته النّازلة فيه واستحقاقه للإمامة ووجوب الطاعة رغما لأنف أهل السّنة والجماعة ، والحمد لله ربّ العالمين

قال المصنّف رفع الله درجته

الثانية والثلاثون قوله تعالى : (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (١) ، في مسند أحمد ابن حنبل (٢): أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام «انتهى».

__________________

(١) الحجر. الآية ٤٧.

(٢) رواه غير أحمد من أعلام القوم عدة ونحن نشير إلى من وقفنا عليه حال التحرير فنقول :

«منهم» أحمد في الفضائل (ص ١٠٦ ، النسخة المخطوطة)

حدثنا سفيان عن أبي موسى الجهني عن الحسن عن على قال : فينا نزلت : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

حدثنا عبد الله قال حدثنا حسين بن محمد الذراع ، قال : حدثنا عبد المؤمن بن عباد قال : حدثنا يزيد بن معن عن عبد الله بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجده فذكر قصة مواخاة رسول الله بين أصحابه إلى أن قال قال لعلى عليه‌السلام : والذي بعثني بالحق أنت معى في قصر في الجنة مع فاطمة ابنتي وأنت أخي ورفيقي ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض.

«ومنهم» العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي

٣٠٤

__________________

المتوفى سنة ٦٧١ ، أورد في تفسيره المشهور (الجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ٣٣ ط القاهرة ١٣٥٧ ه‍) في ذيل هذه الآية الشريفة : ان عليا عليه‌السلام قال : أرجو أن أكون أنا من هؤلاء.

«ومنهم» العلامة النيشابوري في «تفسيره» (ج ١٧ ص ٥٩ بهامش تفسير الطبري ط الميمنية بمصر)

روى أن عليا قرء هذه الآية وعد نفسه ممن دخل تحتها

«ومنهم» العلامة الشوكانى في «تفسيره» (ج ٣ ص ١٣٠ ط مصطفى الحلبي بمصر)

أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن الحسن البصري ، قال : قال على بن أبي طالب : فينا والله أهل الجنة نزلت : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

وأخرج ابن عساكر وابن مردويه عنه في الآية ، وكذا ابن أبي حاتم وابن عساكر عن كثير النواء وكذا ابن مردويه وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في هذه الآية ما تضمن نزولها في على.

«ومنهم» العلامة الآلوسى في «روح المعاني» (ج ١٤ ص ٥٣ ط المنيرية بمصر)

روى نزول الآية في على عليه‌السلام

«ومنهم» العلامة الشيخ سليمان القندوزى في ينابيع المودة (ص ١١٨ ط اسلامبول)

أخرج أحمد بن حنبل في مسنده وابن المغازلي في المناقب بسنديهما عن الحسن بن على رضى الله عنهما قال : فينا نزلت : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)

٣٠٥

قال النّاصب خفضه الله

أقول : صحّت الرّواية عندنا عن أمير المؤمنين علي بعد وقعة جمل كان يقول : وأنا أرجو أن أكون أنا وطلحة والزّبير كما يقول الله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ، هكذا صحّ ، وإن صحّ ما رواه فهو من الفضائل المسلّمة ولا دليل على النّص «انتهى».

أقول

ما صح عندهم لا يصحّ عندنا ، وإنّما الصّحيح عندنا ما رواه أحمد منهم لأنّه المتّفق عليه بيننا وبينهم ، ومع ذلك تقييد قول عليّ عليه‌السلام ذلك بما بعد وقعة الجمل من إضافات النّاصب. ثم إنّ الرّواية التي رواها المصنّف عن أحمد ، تدلّ على أنّ عليّا عليه‌السلام كان من أهل الجنّة ومن نزل القرآن على البشارة له بكونه من أهل الجنّة أولى بأن يكون إماما لا يقال : قد دلّ الحديث أيضا على أنّ العشرة من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل الجنّة ومنهم الخلفاء الثلاثة. لأنا نقول : هذا الحديث عندنا (١) موضوع ، وباطل من وجوه ، الاول انّ راويه سعيد (٢) بن زيد بن نفيل وهو قد أدخل نفسه في العشرة ولا بدّ لدفع تهمة جلب النفع لنفسه من دليل والثاني أنّ أكثر المهاجرين والأنصار قد شاركوا في دم عثمان ، ولا يجوز اتّفاق الجمّ الغفير من هؤلاء الصّحابة على قتل من ثبت عندهم أنّه من أهل الجنّة. الثالث أنّه

__________________

(١) والشاهد على ذلك مضافا إلى وقوع بعض الوضاعين في سنده ما سيأتي ذكره في باب المطاعن إن شاء الله تعالى.

(٢) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى ، كان فيمن شهد بدرا وقيل لم يشهده ، روى عنه عمرو بن حريث وعروة وأبو عثمان النهدي ذكره الخزرجي في الخلاصة ص ١٧ طبع مصر وقال : انه مات سنة (٥١) قال الواقدي بالعقيق فحمل إلى المدينة انتهى.

٣٠٦

لو كان له صحّة لاحتج به عثمان يوم الدّار ، ولقال : إنّ من هو من أهل الجنّة لا يكون ظالما ، فأنتم ظالمون في تكليفي بخلع نفسي عن الخلافة إلى غير ذلك من الوجوه.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثالثة والثلاثون قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) ، روى (١) الجمهور : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو يعلم النّاس

__________________

(١) روى الحديث بعض أعلام القوم ونحن نشير إلى بعض منهم فنقول.

«منهم» صاحب الفردوس في الباب الرابع عشر (على ما في اللوامع ج ٩ ص ٢٧٢ ط الهند)

ان حذيفة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو علم الناس متى سمى على عليه‌السلام أمير المؤمنين ما أنكر وأفضله ، سمى أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد

«ومنهم» العلامة السيوطي في «الإكليل» (ص ٩٨ ط مصر)

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود ، قال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال : بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي قال : انه في كتاب الله ، قال قد قرأته من اوله إلى آخره فلم أجده ، قال أليس تقرأ سورة الانعام «(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) حتى بلغ (يَحْيى وَعِيسى)» قال : بلى ، قال : أليس عيسى من ذرية ابراهيم وليس له أب؟ قال صدقت.

وأخرج أبو الشيخ عن عاصم ، قال بعث الحجاج إلى يحيى بن يعمر قال : أنت الذي تزعم أن حسنا وحسينا من ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال نعم ، قال ليسقطن رأسك او لتجيئن من ذا بمخرج ، قال : ان الله قال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ) إلى قوله (وَعِيسى) فما بين عيسى وابراهيم طول أو ما بين حسن ومحمد.

٣٠٧

متى سمّى عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمّى أمير المؤمنين وآدم بين الرّوح والجسد ، قال عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟) قالت الملائكة (بَلى) ، فقال الله تعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ أميركم «انتهى»

قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذا من تفاسير الشيعة وليس من تفاسير المفسّرين ، والعجب انّه لم يتابع المعتزلة في هذه المسألة ، فانّهم ينكرون إخراج الذّر من ظهر آدم ويقولون هذا تمثيل وتخييل لا حقيقة له ، لأنّه ينافي قواعدهم في نفى القضاء والقدر السّابق ، وإن صحّ النّقل فيدلّ على أنّ عليّا أمير المؤمنين ، وهذا مسلّم ، لأنّه كان من الخلفاء ولم يلزم منه نصّ على أنّه أمير المؤمنين بعد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى يثبت به مطلوبه «انتهى».

أقول

هذا من تفاسير الشيعة والسّنة (١) ، وانّما لم يصرّح المصنّف بمأخذه اعتمادا على اشتهار مأخذه وقس عليه نظائره. ثم إنّ تفاسير الشّيعة داخل في تفاسير المفسّرين فليس لقوله : وليس من تفاسير المفسّرين وجه ، وأما ما أتى به من العجب ، فعجيب لما سبق وسيجيء أن قضية المتابعة منعكسة ، ومع هذا فالمعتزلة جماعة عقلاء مدققون ليس في متابعتهم عار متابعة الأشعريّ الذي لا يعرف من عدم الشعور أنّ أىّ طرفيه أطول من الآخر (٢) وكان في أقواله ومقالاته تابعا لما سمعه من القصّاص وأمثالهم

__________________

وأخرج هو وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال : الخال والد والعم والد نسب الله عيسى إلى أخواله قال (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) حتى بلغ (وَيَحْيى وَعِيسى).

(١) كما مر ذكر كلمات مفسريهم في هذا الشأن قبيل هذا فراجع.

(٢) هذا مثل قد مر في المجلد الاول شرح ذلك في ص ٩٩ فراجع.

٣٠٨

كما سبق نقلا عن الحكيم الشهرزوري (١) والسّيد معين الدّين الإيجي الشافعي (٢) فتذكر ، وأيضا انّما ذكر المصنّف الآية المذكورة بالتفسير المذكور المرويّ عن الجمهور إلزاما لهم ، فلا يدلّ على عدم إنكاره لذلك ، وتحقيقه : انّ الذي أنكره الاماميّة والمعتزلة هو إخراج الذّرية من صلب آدم عليه‌السلام كالذّر كما وقع في تفاسير الجمهور وأحاديثهم على ما في المشكوة (٣) وغيره من أنّ الله تعالى استخرج ذرّية آدم من صلبه كالذّر وأخذ عليهم الميثاق بما يجب عليهم من المعارف ثم أعادهم إلى صلبه عليه‌السلام حتى قال بعض متصوّفيهم : أنّ لذّة ذلك الخطاب في اذني إلى الآن فإنّ هذا التفسير في غاية الاستبعاد كما صرّح المصنّف في جواب

__________________

(١) قد مرت ترجمته في المجلد الاول ص ٩٩ فراجع.

(٢) قد مرت ترجمته في المجلد الاول ص ٣٦ فراجع.

(٣) أورد العلامة الشيخ ولى الدين محمد بن الخطيب العمرى التبريزي في الفصل الثالث من باب الايمان بالقدر ص ٢٣ طبع دهلي بالمطبعة المجتبائية عدة أحاديث متقاربة في هذا المعنى أحدها عن أبي الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خلق الله تعالى آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فاخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم فقال للذي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالى رواه أحمد وثانيها عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعنى عرفه فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا : بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) أو (تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) ، رواه أحمد ، وغيرهما من الروايات والأحاديث المفصلة التي أوردها في هذا الفصل فليراجع.

٣٠٩

مسائل السّيد مهنّا بن سنان الحسيني (١) المدني قائلا : إنّ جميع بني آدم لم يوجدوا من ظهر آدم عليه‌السلام ، وأيضا فإنّ ما هو كالذّر كيف يكلف أو يخاطب أو يتوجّه إليه طلب الشّهادة منه؟! مع أنّ الله تعالى حكى أنّه أخذ من ظهور بني آدم لا من ظهره عليه‌السلام والوجه في ذلك : توجّه الخطاب إلى العقلاء البالغين الذين عرفوا الله تعالى بما شهدوا من آثار الصّانع تعالى في أنفسهم وفي باقي المقدّمات «انتهى»

__________________

(١) هو العلامة المحدث المفسر النسابة المؤرخ السيد مهنا قاضى المدينة المشرفة ابن سنان قاضى المدينة ابن عبد الوهاب قاضى المدينة ابن نميلة بن محمد قاضى المدينة ابن ابراهيم قاضى المدينة ابن عبد الوهاب ابن أبي عمارة المهنا ابن أبي هاشم داود بن قاسم بن عبيد الله بن الطاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر الحجة بن عبيد الله الأعرج ابن الحسين الأصغر ابن الامام سيد الساجدين زين العابدين عليه‌السلام كان من حسنات عصره ونوابغ زمانه علما وعملا وأدبا وزهدا وشهامة ذكره العلامة ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٣٦٨) وقال في حقه : الامامى قاضى المدينة اشتغل كثيرا وكان حسن الفهم جيد النظم ولامراء المدينة فيه اعتقاد كانوا لا يقطعون امرا دونه وكان كثير النفقة متحببا إلى المجاورين ويحضر مواعيد الحديث إلى أن قال مات سنة ٧٥٤ انتهى.

وهو صاحب المسائل عن مولانا آية الله العلامة الحلي تعرف بالمسائل المهنائية ويروى عن جماعة منهم العلامة قدس‌سره وله عقب مبارك في ايران وغيره يعرفون ببني المهنا وهم غير بنى المحنا بالحاء المهملة نسبة إلى السيد محمد المحنا الحسيني الذي يقال انه ولد وكفاه مخضبان وله ذرية ببلاد العراق ومن أراد الوقوف على تفصيل أعقاب السيدين السندين (المهنا) (والمحنا) فليراجع إلى كتابنا الوحيد في بابه مشجرات آل رسول الله الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وليعلم ان إجازة مولانا العلامة الحلي للسيد مهنا بن سنان مذكورة في مجلد الإجازات من بحار الأنوار وهي إجازة شريفة ذات فوائد هامة.

٣١٠

ثم لا يخفى أنّه لا ينافي هذا الحديث ولا الاستدلال به على مدّعى المصنّف ما ذهب إليه المعتزلة في تفسير الآية من التمثيل والتخييل لكفاية التقرير والإقرار التخييليين بالنّبوة والإمامة في فضل النّبي والوصيّ ، كما كان كافيا في إظهار جلال الله وعظمته تأمّل. وأما ما ذكره : من أنّه لم يلزم منه نصّ على أنّه أمير المؤمنين بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلخ ففيه : أنّ دلالته على أنّه سمى أمير المؤمنين قبل وجود آدم يقتضي أن يكون أولى من غيره بامارة المؤمنين في عالم الوجود ، وهذا كاف في مطلوب المصنّف كما مرّ بيانه مرارا.

قال المصنّف رفع الله درجته

الرابعة والثلاثون قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (١) ، أجمع المفسّرون وروى الجمهور (٢) أنّه عليّ عليه‌السلام «انتهى»

__________________

(١) التحريم الآية ٤.

(٢) روى نزول الآية الشريفة في على عليه‌السلام وأن المراد ب (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) هو عليه‌السلام عدة من أكابر القوم ونقلة آثارهم ونحن نكتفي إلى سرد اسماء بعضهم فنقول :

«منهم» العلامة الثعلبي كما في كتاب العمدة للعلامة ابن بطريق (ص ١٥٢ ط تبريز) قال : وأخبرنى ابن منجويه حدثنا أبو على المقري ، حدثني أبو القاسم بن الفضل ، حدثنا على بن الحسين ، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر ، حدثنا محمد بن جعفر ابن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : حدثني رجل ثقة يرفعه إلى على بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) ، قال : هو على بن أبي طالب عليه‌السلام.

«ومنهم» العلامة الگنجى في «كفاية الطالب» (ص ٥٣ ط الغرى) أخبرنا أبو الحسن البغدادي بدمشق عن المبارك الشهرزوري أخبرنا على بن أحمد حدثنا أحمد بن ابراهيم ، حدثنا ابن منجويه حدثنا أبو على المقري ، حدثنا أبو القاسم

٣١١

__________________

ابن الفضل ، حدثنا على بن الحسين ، حدثنا محمد بن يحيى بن عمر ، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب عن آبائهم عليهم‌السلام يرفعونه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : قال رسول الله في قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : هو على.

وأخبرنا بهذا عاليا مسندا منصور بن السكن المراتبي ، أخبرنا أبو طالب مبارك بن على بن محمد بن على بن الخضير سنة تسع وخمسين وخمسمائة ، أخبرنا على ، أخبرنا أحمد ، حدثنا عبد الله ، حدثنا عمر بن الحسن ، حدثنا أبي ، حدثنا حصين عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن أسماء بنت عميس قالت : سألت رسول الله عن قوله عزوجل : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قلت من هو يا رسول الله؟ فقال هو على بن أبي طالب هكذا رأيت رواية أئمة التفسير عن آخرهم.

«ومنهم» العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة ٦٧١ ، أورد في تفسيره المشهور (الجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ١٨٩ ط القاهرة ١٣٥٧ ه‍) نقلا عن بعض أن المراد بصالح المؤمنين على بن أبي طالب عليه‌السلام.

«ومنهم» العلامة الأديب الشهير بأبى حيان الأندلسي المغربي المتوفى سنة ٧٥٤ ، أورد في عداد من نزلت هذه الآية الشريفة في حقه أن مجاهد قال : نزلت في حق على بن أبي طالب عليه‌السلام. البحر المحيط (ج ٨ ص ٢٩١ ط مطبعة السعادة بمصر) «ومنهم» العلامة سبط ابن الجوزي في التذكرة (ص ٢٦٧ ط النجف) روى عن ابن أبي الدنيا أنه كان عند ابن زياد زيد بن أرقم فقال له : ارفع قضيبك فو الله لطال ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبل ما بين هاتين الشفتين ، ثم جعل زيد يبكى ، فقال ابن زياد : أبكى الله عينيك إلى أن قال : فنهض زيد وهو يقول : أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة إلى أن قال : قال يا بن زياد لأحدثنك حديثا أغلظ من هذا : رأيت رسول الله أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على

٣١٢

__________________

فخذه اليسرى ثم وضع يده على يافوخيهما ، ثم قال : اللهم انى استودعك إياهما وصالح المؤمنين «ومنهم» العلامة غياث الدين بن همام المعروف بخواند مير في حبيب السير (ج ٢ ص ١٢ ط الحيدرى بطهران)

قال مجاهد : ان (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) في قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) على رضى الله عنه.

«ومنهم» العلامة المفسر الحافظ عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤ ، قال في تفسيره المشهور (ج ٤ ص ٣٨٩ ط مطبعة مصطفى محمد بمصر) : ان المراد ب (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) على بن أبي طالب عليه‌السلام كما هو قول ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قال : هو على بن أبي طالب.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا على بن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي عمر ، حدثنا محمد ابن جعفر بن محمد بن الحسين قال : أخبرنى رجل ثقة يرفعه إلى على قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : هو على بن أبي طالب.

«ومنهم» العلامة السيوطي في الدر المنثور (ج ٦ ص ٢٤٤ ط مصر)

أخرج ابن أبي حاتم عن على قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال هو على بن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) هو على ابن أبي طالب.

«ومنهم» العلامة المير محمد صالح الكشفى الترمذي في مناقب مرتضوى (ص ٥١ ط بمبئى بمطبعة محمدي)

نقل عن أحمد بن حنبل في «المسند» عن مجاهد ،

ونقل عن تحفة والمشارق عن عمر وعاص ،

ونقل عن ابن مردويه في المناقب عن ابن عباس وأسماء بنت عميس أن (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) على بن أبي طالب.

٣١٣

قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذه الآية في سورة التحريم وهي نازلة في شأن عائشة وحفصة ، واتّفق المفسّرون على أنّ المراد من (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) أبو بكر وعمر ، لأنّ صدر الآية هكذا : وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل و (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) ، يعنى إن تظاهر عائشة وحفصة على جذب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نسائه فإنّ الله مولاه وجبريل بأن يخبره عن صنيعهما و (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) المراد أبواهما ، فإنّهما كانا ينصحانهما بترك الأفعال التي يكون للضّرات ، وإن صحّ نزوله في أمير المؤمنين فلا شكّ أنّه صالح المؤمنين ، ولكن لا يدلّ على النّص المدّعى «انتهى».

أقول

الرّواية التي ذكرها المصنّف قد نقلها صاحب كشف الغمة (١) عن عزّ الدّين

__________________

«ومنهم» العلامة الآلوسى في روح المعاني (ج ٢٨ ص ١٣٥ ط المنيرية بمصر) أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس نزول الآية في على عليه‌السلام.

وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) على بن أبي طالب.

«ومنهم» العلامة الشوكانى في «فتح القدير» (ج ٥ ص ٢٤٦ ط مصطفى الحلبي) أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) على ابن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) على بن أبي طالب

وأخرج ابن أبي حاتم عن على مرفوعا قال : هو على بن أبي طالب.

(١) ذكره في (ص ٢٥) طبع تهران.

٣١٤

عبد الرّزاق المحدّث الحنبلي (١) وعن الحافظ أبي بكر بن مردويه (٢) بإسناده إلى أسماء بنت عميس (٣) وهو مذكور في تفسير أبي يوسف (٤) يعقوب بن سفيان الفسوي

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء فراجع.

(٢) قد مرت ترجمته في المجلد الثاني ص ٢١٥ فراجع.

(٣) هي أسماء بنت عميس بن معبد بن الحارث الخثعمية الصحابية الشهيرة الجليلة من المهاجرات الاول واخت ميمونة لامها ، يروى عنها ابناها عبد الله وعون ابنا جعفر الطيار وجماعة ، هاجرت مع زوجها إلى الحبشة ، ثم إلى المدينة المنورة ، تزوجها بعد جعفر أبو بكر ، فتولدت له منها عدة اولاد منهم ام كلثوم وهي التي رباها أمير المؤمنين عليه‌السلام وتزوجها الثاني ، فكانت ربيبته عليه‌السلام وبمنزلة إحدى بناته ، وكان عليه‌السلام يخاطب محمد يا بنى وام كلثوم هذه ببنتي ، فمن ثم سرى الوهم إلى عدة من المحدثين والمورخين فكم لهذه الشبهة من نظير ، ومنشأ الأكثر الاشتراك في الاسم أو الوصف ، ثم بعد موت أبي بكر تزوجها مولانا على عليه‌السلام.

قال صاحب التجريد (ص ٢٥٨ ط حيدرآباد ج ٢) ما لفظه : أنها كانت فاضلة جليلة ، انتهى. وبالجملة هي ذات مكارم وخلال حميدة وخصال رضية ذكرها علماء الرجال والتراجم بالثناء الجميل.

(٤) هو الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان بفتح الجيم ثم الواو ثم الالف ثم النون الفارسي ، الفسوي المحدث المفسر الفقيه ، روى عن أبي عاصم والأنصاري وأبي نعيم وعنه خلق ، ذكره الخزرجي في الخلاصة ص ٣٧٥ ط مصر قال ما لفظه : قال الحاكم : هو امام أهل الحديث بفارس ، قال ابن حبان كان ممن جمع وصنف وأكثر ، مات سنة ٢٧٧ (بفسا) بلدة فارس ، انتهى.

أقول : ومن آثاره المشيخة الشهيرة وكتاب التفسير الذي نقل عنه في المتن.

٣١٥

بإسناده إلى ابن عباس ، ورواه السّدي (١) في تفسيره عن أبي مالك (٢) وعن ابن عباس ورواه (٣) الثعلبي في تفسيره بإسنادين إلى غير ذلك ، وتحقيق كلام المصنّف وتوضيح استدلاله بالآية والرّواية أنّ المراد بصالح المؤمنين أصلح المؤمنين بدلالة العرف والاستعمال ، لأنّ الشّخص إذا قال : فلان عالم قومه أو زاهد بلده يريد انّه أعلم وأزهد ، ويشهد بصحّة ذلك ما روى عن عمر بن العلا (٤) من قوله كان أوس بن حجر (٥)

__________________

(١) قد مرت ترجمته في المجلد الثاني ص ٢٢٠ فراجع.

(٢) الظاهر أن المراد به أبو مالك كعب بن عاصم وهو الذي يعد في الشاميين روى عنه شهر بن حوشب وأبو سلام ممطور وعبد الرحمن بن غنم وام الدرداء ، كما في التجريد (ج ٢ ص ٢١١ ط حيدرآباد) وترجمته مذكورة في الاستيعاب والاصابة واسد الغابة فليراجع

(٣) قد مر النقل بواسطة كتاب العمدة فراجع

(٤) هو عمر بن العلا المازني النحوي الأديب الشهير أخو أبي عمرو ، روى عن نافع وعنه يحيى بن كثير العنبري وغيره ، أورده العلامة صفى الدين الخزرجي في خلاصة التهذيب (ص ٢٤٢ طبع مصر) وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في التهذيب وأثنى عليه فراجع ومن أرباب كتب التراجم من اشتبه عليه الأمر وضبط اسمه (عمرو) والصحيح ما تقدم فلا تغفل.

(٥) هو أبو عمرو أوس بن حجر بفتحتين الأسدي ويعرف بأبى عمرو بن العلا ، قال الآلوسى في بلوغ الارب (ج ٣ ص ١٠٤) ما لفظه : كان أوس فحل مضر حتى نشأ النابغة وزهير فأخملاه وكان زهير راوية أوس ، ومن شعره الحسن قوله في المرثية التي أولها :

أيتها النفس اجملى جزعا

ان الذي تجزعين قد وقعا

إلخ إلى آخر ما ذكر ، أقول وديوانه مشهور معروف وله شروح لطيفة

٣١٦

شاعر مضر حتّى نشأ النّابغة (١) وزهير (٢) فطأطأ منه وهو شاتمهم في الجاهليّة غير مدافع وانما أراد بلفظ شاعر أشعر ، لا غير ، وكذا قولهم : فلان شجاع القوم لا يقال ذلك إلّا إذا كان أشجعهم ، فعلى هذا يكون عليّ عليه‌السلام أصلح القوم وأفضلهم ، ويدلّ على هذا أيضا أنّه لا يجوز أن يذكر الله تعالى عند ذكر ناصر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وقع التّظاهر عليه بعد ذكره سبحانه وتعالى وذكر جبرئيل عليه‌السلام إلا من كان أقوى الخلق نصرة لنبّيه وأمنعهم جانبا في الدّفاع والذّب عنه ، ولا يحسن ولا يليق بموضوع (بموضع خ ل) الكلام ذكر ضعيف النّصرة ولا المتوسّط فيها ،

__________________

(١) هو زياد بن معاوية الذبياني اشتهر بهذا اللقب لنبوغه ، قال أهل الأدب : انه أحسن الشعراء ديباجة شعر وأكثر رونق كلام وان كلامه كلام الكتاب ليس فيه تكلف ولا تعسف وبالجملة أمره أشهر من ان يذكر ، حكى عن ابن ولاد انه قيل له النابغة من نبغ الماء فكأنه أريد ان له مادة من الشعر لا تنقطع كما ان للماء مادة ، وقيل هو مشتق من نبغت الحمامة إذا تغنت أو كان اشتهاره به لقوله «فقد نبغت لنا منهم شئون» إلى غير ذلك وقد شرح بعض الأدباء ديوانه بشرح لطيف

(٢) هو زهير بن أبي سلمى بضم السين المهملة وتسكين اللام قيل ليس في العرب سلمى غيره ، قال أهل الأدب في حقه : هو أحد الأربعة الذين وقع عليهم الاتفاق على انهم أشعر العرب : إمرئ القيس ، وزهير ، والنابغة ، والأعشى وقال بعضهم في مقام التفضيل ، أشعر الناس إمرئ القيس إذا ركب ، وزهير إذا رغب ، والنابغة إذا رهب ، والأعشى إذا طرب ، ونقل الآلوسى في بلوغ الارب (ج ٣ ص ٩٨ طبع بغداد) عن بعض الأدباء : ان زهيرا كان أجمع الناس للكثير من المعاني في القليل من الألفاظ وأحسنهم تصرفا في المدح والحكمة إلى ان قال : وكان أبوه شاعرا وخاله شاعرا وأخته سلمى شاعرة وأخته الخنساء شاعرة وابناه كعب وبجير شاعرين وابن ابنه المضرب بن كعب شاعرا ، وكعب ابنه هو ناظم قصيدة (بانت سعاد) في مدح النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وسلم القصيدة الرائقة الشهيرة.

٣١٧

والحال هذه ، ألا ترى؟ أنّ أحد الملوك لو هدّد بعض أعدائه ممّن ينازع سلطانه ويطلب مكانه ، فقال : لا تطمعوا فيّ ، ولا تحدّثوا نفوسكم بمغالبي ، فإنّ أنصاري فلان فلا يحسن أن يدخل في كلامه إلّا من هو الغاية في النّصرة والمشهور بالشّجاعة المعروف بحسن المدافعة ، ألا ترى أنّ معاوية حيث ذكر كثرة من معه من العدد هدّده أمير المؤمنين عليه‌السلام بمالك الأشتر حيث هو معروف بالشّجاعة مشهور بحسن المدافعة عن عليّ عليه‌السلام لانّه قال في مالك (١): كان لي كما كنت لرسول الله

__________________

(١) هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي في الخلاصة للخزرجى متنا وهامشا (ص ٣١٣ طبع القاهرة) في حقه أحد الاشراف ويعرف بالأشتر مخضرم عن عمرو على وكان أكبر أمرائه ، شهد اليرموك وذهبت عينه يومئذ إلى أن قال : وثقه العجلى وقال ابن يونس مات سنة (٣٧) وفي هامشه أنه يروى عن أبي ذر ايضا ، وعنه ابنه ابراهيم وعلقمة ابن قيس وكنانة مولى صفية ، وأنه مات مسموما بمصر لما ولاه على انتهى

وممن نقل كلام الأمير عليه‌السلام : كان لي كما كنت إلخ القندوزى في الينابيع (باب ٥٣ ص ٦٢ ط الآستانة)

قال مولانا العلامة في صه على ما في منتهى المقال في حقه جليل القدر عظيم المنزلة كان اختصاصه بعلى عليه‌السلام اظهر من أن يخفى وتأسف أمير المؤمنين بموته وقال لقد كان لي كما كنت لرسول الله إلخ

ونقل العلامة الحائرى عن أهل السير أن معاوية لما بلغه موت مالك خطب الناس فقال : أما بعد فانه كان لعلى بن أبي طالب يدان يمينان فقطعت إحداهما يوم صفين وهو عمار بن ياسر وقد قطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج انه كان فارسا شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها ، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ونصره وقال فيه بعد موته : رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في المنتهى وروى المحدثون حديثا يدل علي فضيلة الأشتر وهي شهادة قاطعة من

٣١٨

صلى‌الله‌عليه‌وآلهولقد ظهر بما ذكرناه أوّلا وحقّقناه وأوضحناه ثانيا ، كذب ما ذكره النّاصب من اتّفاق المفسّرين على أنّ المراد بصالح المؤمنين فاسقان من المؤمنين ، وظهر امتناع حمل ذلك على غير أصلح المؤمنين ، وظهر وجه دلالته على الأفضليّة التي هي مطلوب المصنّف «قدس‌سره» وايضا حمل لفظ صالح مفردا على رجلين إثنين مخالف للوضع ، وما ذكره فخر الدّين الرّازي هاهنا : من أنّه يجوز أن يراد بلفظ صالح مفردا الواحد والجمع مستندا بما قاله أبو علي الفارسي (١) : من أنّه

__________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه من المؤمنين ثم نقل قصة حضوره في تجهيز أبي ذر إلخ وبالجملة الرجل من أجلاء أصحاب مولانا الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن المتفانين في حبه والذابين عنه والروايات في مدحه كثيرة متوافرة متظافرة

وله عقب مبارك بيوت العلم والأدب والطب ، فمن ذراريه على المشهور فقيه الشيعة العلامة الأكبر خريت الاستنباط وأبو بجدته آية الباري سبحانه مولانا الشيخ جعفر النجفي صاحب كتاب كشف الغطاء قدس الله سره وأسرته الاجلاء الفحول

ومن أعقاب المترجم بيت المالك الأطباء المشاهير كالدكتور الوجيه النبيل سعيد خان المالك الطبيب الشهير المعاصر والدكتور الحسيب أبو الفتح المالك المعاصر والدكتور أبو الفضل المالك المعاصر وغيرهم ادام الله توفيقاتهم في خدمة عباده

ومن أخلافه بيت المالكي في ضواحي مصر وكثيرا ما يشتبه المراد فيظن أنهم مالكيون مذهبا مع أنهم شوافع ونبغ فيهم عدة

ومن نسل المترجم بيت الأشتري في بلاد ايران وفيهم العلماء والأدباء والشعراء وأكثرهم من الموظفين في الدوائر أدام الباري سبحانه مجدهم آمين

(١) هو العلامة أبو على حسن بن على بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان المعتزلي الأصول الفسوي الفارسي النحوي الأديب الشهير قال في الريحانة ما محصله نقلا عن الشذرات وغيره انه ولد سنة ٢٨٨ وتوفى سنة (٣٧٧) في بغداد ودفن في

٣١٩

قد جاء فعيل مفردا يراد به الكثرة كقوله تعالى : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (١) فضعفه ظاهر لأنّ قياس فاعل على فعيل بلا سند يعتدّ به غير مسموع ، ولو سلّم فحميم إنّما أريد به الكثرة بقرينة وقوعه في حيّز النفي المفيد للاستغراق ، وتنكيره الذي قد يكون للتكثير ، وربّما يتعيّن فيه بمعونة الحال والمقام ولا تنكير فيما نحن فيه ، فيكون قياس صالح ذلك على حميم قياسا مع الفارق كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع الله درجته

الخامسة والثلاثون قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ) (٢) إلخ الآية روى الجمهور (٣) عن أبي سعيد الخدري قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دعى النّاس

__________________

المقبرة الشونيزية من مقابرها المعروفة له كتب مشهورة كالاوليات والتذكرة والمسائل الشيرازيات والمسائل الكرمانيات والمسائل المجلسيات والمقصور والممدود والأمالي والإيضاح والأمالي وغيرها فراجع ج ٣ ص ١٧١ من الريحانة والذي نقله مولانا القاضي الشهيد عنه في المتن مذكور في كتابه الأمالي.

(١) المعارج الآية ١٠

(٢) المائدة ، الآية ٣

(٣) رواه عدة من أعلام القوم ونحن نشير إلى بعض منهم فنقول :

«منهم» العلامة ابن كثير في تفسيره (ج ٢ ص ١٤ ط مصطفى محمد بمصر) روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدى عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم غدير خم حين قال لعلى : من كنت مولاه فعلى مولاه ثم رواه عن أبي هريرة

«ومنهم» العلامة الخوارزمي في المقتل (ص ٤٧ ط النجف)

أخبرنى سيد الحفاظ فيما كتب إلى من همدان أخبرنى الرئيس أبو الفتح كتابة ، أخبرنى

٣٢٠