تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

لا بد قبل البدء في دراسة كتاب شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك أن نأخذ فكرة موجزة عن حياة هذين الإمامين الجليلين لتكون الدراسة على بصيرة ونور ونبدأ أولا ..

(بالإمام ابن مالك)

وهو الإمام أبو عبد الله محمد جمال الدين بن مالك الطائي.

ولد بمدينة (جيّان) من إقليم البشارات بالأندلس. وتبعد سبعة عشر فرسخا (١) عن قرطبة عام ٦٠٠ ه‍ على الأصح.

هاجر إلى المشرق وقد بلغ أشده .. بعد أن شدا من علوم العربية والقراءات قدرا غير يسير .. تاركا (جيان) التي كان يهددها عساكر النصارى بالإغارة.

وقد نزل دمشق ـ وأقام بها ـ وانصرف إلى استكمال دراسة العربية يقرأها على شيوخ أجلاء كان لهم أثر عظيم في تكوينه.

فمن شيوخه بدمشق أبو المفضل نجم الدين مكرم بن محمد القرشي المتوفي سنة ٦٣٥ ه‍ ـ وأبو صادق الحسن بن صباح المتوفي سنة ٦٣٢ ه‍ وأبو الحسن السخاوي وغيرهم.

كما أخذ العلم بالأندلس عن أبي المظفر ثابت بن محمد بن يوسف ابن خيار الكلاعي.

كما أخذ القراءات عن أبي العباس أحمد بن نوار.

__________________

(١) الفرسخ : خمسة كيلومترات تقريبا.

٢١

وقرأ كتاب سيبويه على أبي عبد الله بن مالك المرشاني ـ وجالس ابن يعيش وتلميذه ابن عمرون بحلب ـ كما ذكر صاحب نفح الطيب أنه انتظم في حلقة أبي علي الشلوبين بالأندلس مدة قصيرة .. ولم يعلم هذا الخبر إلا منه.

والإجماع على أن ثابت بن خيار من أبرز أساتذة ابن مالك في النحو والقراءات.

وقد تصدر ابن مالك فيما بعد لإقراء العربية وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ الغاية فيه وأربى على المتقدمين حتى لقد لقب بسيبويه عصره.

وكان إلى جوار إتقانه للنحو .. إماما في القراءات وعالما بها .. صنف فيها قصيدة دالية في قدر الشاطبية ..

وأما مكانته في اللغة فكان إليه المنتهى حتى لقد قال الصفدي : أخبرني أبو الثناء محمود قال : ذكر ابن مالك يوما ما انفرد به صاحب المحكم عن الأزهري في اللغة .. قال الصفدي : وهذا أمر يعجز لأنه يحتاج إلى معرفة ما في الكتابين ـ وكان إذا صلى في العادلية ـ لأنه كان إمام المدرسة ـ يشيعه قاضي القضاة بها وهو شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما لشأنه.

ومن مؤلفاته : الألفية وهى عبارة عن أرجوزة في ألف بيت تضمنت قواعد النحو والتصريف وقد رواها عنه خلق كثير .. وشغلت العلماء وما زالت تشغلهم بشرحها وحفظها.

ثم كتاب التسهيل ـ ولامية الأفعال وشرحها ـ والموصل في نظم المفصّل ـ والكافية الشافية ثلاثة آلاف بيت وشرحها ـ والخلاصة وهى مختصر الشافية وغير ذلك من المؤلفات الفريدة.

ولقد كان نظم الشعر عليه سهلا رجزه وطويله وبسيطه .. وقد استفاد بموهبته الشعرية فى سبك فرائد العلوم والمعارف .. فقرّب بعيدها ... وجمع شواردها.

٢٢

وكان ابنه بدر الدين محمد نابها في علوم العربية وكثيرا ما كان يناقش أباه بغير تحفظ ولا احتياط ..

كان ابن مالك ذا عقل راجح .. وخلق طيب ورزانة وحياء ووقار وتجرّد للقراءة وصبر على المطالعة .. وكان مالكي المذهب حين كان بالمغرب .. شافعيا حين انتقل إلى المشرق مطلعا على أشعار العرب ...

وشوارد اللغة .. إلى درجة حيرت العلماء .. ولم يكن في علوم السنة أقل منه في العربية .. كان أكثر ما يستشهد بالقرآن فإن لم يجد فبالحديث ـ ثم بأشعار العرب ـ ذلك كله إلى دين متين .. وعبادة خاشعة .. وسمت حسن وعقل رجيح.

وقد قدم القاهرة ومكث بها زمنا ثم غادرها إلى دمشق .. حيث أجمع المؤرخون على وفاته بها سنة ٦٧٢ ه‍ (ويقول ابن الجزري في كتابه غاية النهاية في طبقات القراء إنه توفي سنة ٦٧٣ ه‍) يوم الأربعاء الثالث عشر من شهر شعبان وصلّي عليه بالجامع الأموى ودفن بسفح جبل قاسيون رحمه‌الله رحمة واسعة.

ثانيا : (الإمام ابن عقيل)

عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عقيل القرشى الهاشمىّ العقيلى الهمداني الأصل ـ ثم البالسيّ المصري ـ قاضى القضاة بهاء الدين ابن عقيل الشافعي نحوي الديار المصرية ـ وهو من نسل عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه.

ولد يوم الجمعة تاسع المحرم سنة ٦٩٨ ه‍.

لازم الجلال القزويني وأبا حيان وأخذ عنهما ورافقه في الدراسة على أبي حيّان ابن هشام المصري نابغة النحويين في عصره ـ وكان أبو حيان يرفع مكانته على ابن هشام ويقول عنه : «ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل».

٢٣

وربما أغاظت هذه الشهادة ابن هشام فجعلته ينصرف عن أستاذه ويزورّ عنه ويقدم عليه «عبد اللطيف بن المرحل» رغم ما بينه وبين أبي حيان من فارق ـ ويتحامل عليه كثيرا في كتبه!!.

اشتغل ابن عقيل بدراسة العلوم العربية والدينية فكان مبرزا في القراءات والفقه والتفسير .. أما النحو والتصريف وعلوم اللغة فكان فيها بحرا لا يجارى.

قال عنه الأسنوي في طبقاته : (كان إماما في العربية والبيان وتكلم في الأصول والفقه كلاما حسنا ، وكان غير محمود التصرفات المالية على نفسه ، حاد الخلق ، جوادا ، مهيبا ، لا يتردد إلى أحد من عظماء عصره» لما كان يتصف به من قوة الشخصية واستقلال السلوك أما إنتاجه النحوي : فهو كتاب المساعد في شرح التسهيل لابن مالك ـ وله على الألفية شرح أملاه على ولده قاضي القضاة جلال الدين القزويني.

قال السيوطي : وقد كتبت عليه حاشية سمّيتها بالسيف الصقيل.

قرأ عليه وأخذ عنه شيوخ كبار .. منهم شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني وتزوج بابنته وأنجب منها قاضي القضاة جلال الدين ـ وأخاه بدر الدين.

وروى عنه سبطه جلال الدين ـ والجمال بن ظهيرة ـ والشيخ ولي الدين العراقي.

ويعتبر ابن عقيل من العلماء المصريين الذين رفعوا منار اللغة عاليا .. وقد تعلق بكتبه كثير من العلماء فشرحوها ـ ومنهم المحقق الثقة الشيخ محمد الخضري المصري الدمياطي المتوفى سنة ١٢٨٨ ه‍ كتب حاشيته على شرح ابن عقيل .. رحمه‌الله رحمة واسعة لما أسداه إلى طلاب العلم من خير ومعروف بشرحه المضيء العبارة .. المختصر الأسلوب .. الجامع لأشتات النحو ... وهو المعروف بشرح ابن عقيل على الألفية.

٢٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

خطبة الناظم

قال محمد هو ابن مالك

أحمد ربي الله خير مالك

مصليا على النبيّ المصطفى

وآله المستكملين الشرفا

وأستعين الله في ألفيّه (١)

مقاصد النحو بها محويّه

تقرّب الأقصى بلفظ موجز

وتبسط البذل بوعد منجز

وتقتضي رضا بغير سخط

فائقة ألفيّة ابن معطي (٢)

وهو بسبق حائز تفضيلا

مستوجب ثنائي الجميلا

والله يقضي بهبات وافره

لي وله في درجات الآخرة

الكلام وما يتألف منه

كلامنا : لفظ مفيد كاستقم

واسم وفعل ثم حرف : الكلم (٣)

واحده (٤) : كلمة والقول عمّ

وكلمة : بها كلام قد يؤمّ (٥)

__________________

(١) أي في نظم ألف بيت من كامل الرجز أو ألفين إن جعلت من مشطوره.

(٢) أبو الحسن يحيى بن معطي بن عبد النور الزواوي الملقب زين الدين ، ولد عام (٥٦٤) ه سكن دمشق طويلا ثم سافر إلى مصر وتوفي فيها عام (٦٢٨ ه‍). من مؤلفاته ألفيته في النحو وهي من بحري الرجز والسريع ، وألفية ابن مالك تفوقها لفظا لأنها من بحر واحد ، ومعنى لأنها أكثر منها أحكاما.

(٣) الكلم : مبتدأ مؤخر ، وخبره : اسم وما عطف عليه.

(٤) واحده : الضمير عائد على الكلم.

(٥) يؤم : يقصد.

٢٥

الكلام المصطلح عليه عند النحاة عبارة عن : «اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها». فاللفظ : جنس يشمل : الكلام والكلمة والكلم ، ويشمل المهمل ك : «ديز» ، والمستعمل ك : «عمرو» ، و «مفيد» ، أخرج المهمل ، «وفائدة يحسن السكوت عليها» ، أخرج الكلمة ، وبعض الكلم : وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه نحو : إن قام زيد.

ولا يتركب الكلام إلا من اسمين نحو : «زيد قائم» ، أو من فعل واسم ك : «قام زيد» ، وكقول المصنف : «استقم» فإنه كلام مركب من فعل أمر وفاعل مستتر ، والتقدير : استقم أنت ، فاستغنى بالمثال عن أن يقول : «فائدة يحسن السكوت عليها» فكأنه قال : «الكلام هو اللفظ المفيد فائدة كفائدة : استقم».

وإنما قال المصنف : «كلامنا» ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام في اصطلاح النحويين لا في اصطلاح اللغويين ، وهو في اللغة : اسم لكل ما يتكلّم به ، مفيدا كان أو غير مفيد.

والكلم : اسم جنس واحده كلمة ، وهي : إما اسم وإما فعل وإما حرف ، لأنها إن دلّت على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان فهي الاسم ، وإن اقترنت بزمان فهي الفعل ، وإن لم تدلّ على معنى في نفسها ـ بل في غيرها ـ فهي الحرف.

والكلم : ما تركّب من ثلاث كلمات فأكثر ، كقولك : إن قام زيد (١).

والكلمة : هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد. فقولنا : «الموضوع لمعنى» أخرج المهمل ك «ديز» وقولنا : «مفرد» أخرج الكلام فإنه موضوع لمعنى غير مفرد.

__________________

(١) أكثر النحاة على أن (الكلم) هو اسم جنس جمعي وهو ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالبا كتمر وتمرة وشجر وشجرة وكلم وكلمة أو بالياء كروم ورومي ، أما اسم الجنس الإفرادي فيطلق على الكثير والقليل بلفظ واحد كماء وتراب.

٢٦

ثم ذكر المصنف رحمه‌الله تعالى أنّ القول يعمّ الجميع ، والمراد أنه بقع على الكلام أنّه قول ، ويقع أيضا على الكلم والكلمة أنه قول ، وزعم بعضهم أن الأصل استعماله في المفرد.

ثم ذكر المصنف أن الكلمة قد يقصد بها الكلام. كقولهم في لا إله إلّا الله : «كلمة الإخلاص». وقد يجتمع الكلام والكلم في الصّدق ، وقد ينفرد أحدهما ، فمثال اجتماعهما : «قد قام زيد» فإنه كلام لإفادته معنى يحسن السكوت عليه ، وكلم لأنه مركب من ثلاث كلمات. ومثال انفراد الكلم : «إن قام زيد». ومثال انفراد الكلام : «زيد قائم».

علامات الاسم

بالجرّ والتنوين والندا وأل

ومسند للاسم تمييز حصل (١)

ذكر المصنف رحمه‌الله تعالى في هذا البيت علامات الاسم :

١ ـ فمنها : الجرّ ، وهو يشمل الجرّ بالحرف وبالإضافة والتبعية نحو : مررت بغلام زيد الفاضل» ، فالغلام مجرور بالحرف ، وزيد مجرور بالإضافة ، والفاضل مجرور بالتبعية (٢) .. وهو أشمل من قول غيره : «بحرف الجرّ» ، لأن هذا لا يتناول الجرّ بالإضافة ولا الجر بالتبعية.

__________________

(١) تمييز : مبتدأ وجملة حصل في محل رفع على أنها نعت لتمييز ، وخبره إما متعلّق بالجر وما عطف عليه ، ويكون تعليق للاسم بالفعل حصل والتقدير : التمييز الحاصل للاسم كائن بالجر ... ، وإما متعلق الجار والمجرور للاسم ، ويكون تعليق «بالجر» بحصل ، والتقدير : التمييز الحاصل بالجر ... كائن للاسم.

(٢) وقد اجتمعت كلها في قولنا : «بسم الله الرحمن الرحيم» فاسم مجرور بالحرف ، ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة ، والرحمن الرحيم مجروران بالتبعية.

٢٧

٢ ـ ومنها التنوين (١) وهو على أربعة أقسام :

(أ) تنوين التمكين (٢) : وهو اللاحق للأسماء المعربة ك : «زيد ورجل» ، إلا جمع المؤنث السالم نحو : «مسلمات» ، وإلا نحو : «جوار وغواش» وسيأتي حكمهما.

(ب) وتنوين التنكير : وهو اللاحق للأسماء المبنية (٣) فرقا بين معرفتها ونكرتها نحو : «مررت بسيبويه وسيبويه آخر».

(ج) وتنوين المقابلة : وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم نحو : «مسلمات». فإنه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم ك : «مسلمين».

(د) وتنوين العوض : وهو على ثلاثة أقسام :

. عوض عن جملة : وهو الذي يلحق «إذ» عوضا عن جملة تكون بعدها ، كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)(٤) أي : حين إذ بلغت الروح الحلقوم ، فحذف : «بلغت الروح الحلقوم» وأتى بالتنوين عوضا عنه.

. وقسم يكون عوضا عن اسم : وهو اللاحق ل «كل» عوضا عما تضاف إليه نحو : «كلّ قائم» أي : كل إنسان قائم ، فحذف «إنسان» وأتى بالتنوين عوضا عنه.

. وقسم يكون عوضا عن حرف : وهو اللاحق ل «جوار

__________________

(١) التنوين : هو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الأسماء لفظا لا خطا لغير توكيد.

(٢) سمي تنوين التمكين أو التمكن لدلالته على تمكن الاسم في باب الاسمية وعدم مشابهته الحرف فيبنى ، أو الفعل فيمنع من الصرف.

(٣) تنوين التنكير يلحق بعض الأسماء المبنية وهي العلم المختوم ب «ويه» ، واسم الفعل. واسم الصوت ، والتنوين في الأول قياسي ، وفي الأخيرين سماعي.

(٤) من قوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) الواقعة (٨٣ و ٨٤) حين : ظرف زمان متعلق بتنظرون ، و «إذ» : ظرف مبني على السكون في محلّ جرّ بالإضافة ، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين (الساكنان هما : سكون البناء وسكون تنوين العوض) ، وجملة تنظرون : خبر المبتدأ : أنتم.

٢٨

وغواش» ونحوهما رفعا وجرا : نحو «هؤلاء جوار (١) ، ومررت بجوار» فحذفت الياء وأتى بالتنوين عوضا عنها.

(ه) وتنوين الترنّم : وهو الذي يلحق القوافي المطلقة بحرف علة كقوله :

١ ـ أقلّى اللوم ـ عاذل ـ والعتابن

وقولي ـ إن أصبت ـ لقد أصابن (٢)

فجيء بالتنوين بدلا من الألف لأجل الترنم. وكقوله :

٢ ـ أزف الترحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قدن (٣)

__________________

(١) جوار : خبر للمبتدأ «هؤلاء» مرفوع ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة والمعوض عنها بالتنوين ، أما النصب فيظهر على الياء لخفته ، وسمي تنوين «التعويض» لا «التمكين» لأن الكلمتين (جوار وغواش) ممنوعتان من الصرف لصيغة منتهى الجموع. وتعرب : بجوار : الباء حرف جر وجوار مجرور بالباء وعلامة جرّه الفتحة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، وحذفت الياء هنا لأن الفتحة نائبة عن الكسرة ، فحملت عليها في حذف الياء معها.

(٢) البيت للشاعر الأموي جرير بن عطية ، وهو مطلع قصيدته المشهورة (الدامغة) التي هجا فيها الراعي النميري والفرزدق.

المعنى : أقلي لومي واتركي العتب عليّ ، ولا ننكري الصواب إن نطقت به بل قولي لقد أصاب.

الإعراب : أقلّي : فعل أمر مبني على حذف النون ، وياء المخاطبة : فاعل مبني على السكون في محل رفع. عاذل : منادى مرخم نكرة مقصودة مبني على ضم آخره المحذوف للترخيم في محل نصب على النداء. لقد : اللام ابتدائية للتوكيد ، وقد : للتحقيق. وجملة لقد أصابن : مقول القول في محل نصب.

الشاهد فيه : العتابن وأصابن حيث دخل تنوين الترنم عليهما ، والأول محلى بأل والثاني فعل فدلّ ذلك على أن تنوين الترنم ليس دليلا على اسمية ما يدخل عليه.

(٣) البيت للشاعر الجاهلي زياد بن معاوية الملقب بالنابغة الذبياني ، وأزف بمعنى : قرب ، والركاب : الإبل ،

٢٩

(و) والتنوين الغالي (١) ـ وأثبته الأخفش ـ وهو : الذي يلحق القوافي المقيدة (٢).

٣ ـ كقوله : وقاتم الأعماق خاوي المخترقن (٣)

وظاهر كلام المصنف أن التنوين كلّه من خواصّ الاسم.

وليس كذلك ؛ بل الذي يختص به الاسم إنما هو : تنوين التمكين والتنكير والمقابلة والعوض ، وأما تنوين الترنّم والغالي فيكونان في الاسم والفعل والحرف.

__________________

المعنى : لقد دنا الرحيل غير أن إبلنا لم تغادر ديار الأحبة برحالنا ، وكأنها قد رحلت لدنو الفراق.

الإعراب : غير : اسم منصوب على الاستثناء. لما : حرف جازم ، تزل : فعل مضارع تام مجزوم بلم ، والفاعل مستتر تقديره : هي ، والجملة خبر أن في محل رفع ، وأن مع معموليها في تأويل مصدر مجرور بالإضافة إلى غير. كأن : حرف مشبه بالفعل مخففة من الثقيلة ، تنصب الاسم وترفع الخبر ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، وخبرها جملة فعلية محذوفة دلّ عليها الكلام السابق والتقدير : وكأن قد زالت.

الشاهد فيه : دخول تنوين الترنم على الحرف (قدن) مما يدل على أنه ليس دليلا على اسمية ما يدخل عليه ، وليس من أنواع التنوين الأربعة التي أشار الشارح إلى أنها علامات للاسم.

(١) سمي الغالي من الغلو وهو الزيادة.

(٢) القوافي المقيّدة هي التي سكن فيها حرف الروي :

(٣) من رجز لرؤية بن العجّاج. والقاتم : المظلم ، الأعماق : نواحي الصحراء ، والمخترق : الممرّ.

المعنى : رب مكان مظلم النواحي خالي المعابر والطرق دفعت إليه ناقتي.

الإعراب : وقاتم : الواو : واو رب ، قاتم : مبتدأ مجرور لفظا مرفوع تقديرا ، وما بعده صفات له والخبر مذكور بعد أبيات من الأرجوزة. الشاهد فيه قوله : (المخترقن) فقد ألحق التنوين الغالي بآخر القافية المقيدة ، وأدخله على المحلى بأل ، مما يدل على أن التنوين الغالي ليس دليلا على الاسمية ، لأن تنوين الاسم لا يدخل على المحلى بأل.

٣٠

٣ ـ ومن خواصّ الاسم : النداء (١) ، نحو : «يا زيد».

٤ ـ والألف واللام (٢) نحو : «الرجل».

٥ ـ والإسناد إليه (٣) نحو : «زيد قائم».

فمعنى البيت : حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف : بالجرّ والتنوين والنداء والألف واللام والإسناد إليه : أي الإخبار عنه.

واستعمل المصنف «ال» مكان الألف واللام ، وقد وقع ذلك في عبارة بعض المتقدمين ـ وهو الخليل ـ. واستعمل المصنف «مسند» مكان : «الإسناد له».

علامات الفعل

ب «تا» فعلت وأتت و «يا» افعلي

و «نون» أقبلنّ فعل ينجلي (٤)

ثم ذكر المصنّف أن الفعل يمتاز عن الاسم والحرف ب :

١ ـ تاء فعلت ، والمراد بها : تاء الفاعل ، وهي المضمومة للمتكلّم نحو : «فعلت» ، والمفتوحة للمخاطب نحو : «تباركت» ، والمكسورة للمخاطبة نحو : «فعلت».

__________________

(١) أي أن يكون الاسم منادى فعلا ، لأن أداة النداء قد تدخل في اللفظ على ما ليس باسم كقوله تعالى : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) وهي هنا أداة نداء والمنادى محذوف ، أو أداة تنبيه وليس في الكلام نداء.

(٢) «ال» غير الموصولة ، فهذه قد تدخل على الفعل المضارع كقول الفرزدق :

ما أنت بالحكم الترضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

ال : موصولة مبنية على السكون في محل جر على أنها صفة للحكم ، وجملة ترضى حكومته صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(٣) أي أن تسند إليه ما تحصل به الفائدة.

(٤) بتا : جار ومجرور متعلق بينجلي في آخر البيت.

٣١

٢ ـ ويمتاز أيضا بتاء «أتت» ، والمراد بها : تاء التأنيث الساكنة (١) نحو : «نعمت وبئست». فاحترزنا بالساكنة عن اللاحقة للأسماء ، فإنها تكون متحركة بحركة الإعراب ، نحو : «هذه مسلمة ورأيت مسلمة ، ومررت بمسلمة». ومن اللاحقة للحرف نحو : «لات وربّت». وأمّا تسكينها مع : «ربّ وثمّ» فقليل نحو «ربّت وثمّت».

٣ ـ ويمتاز أيضا بياء «افعلي» ، والمراد بها : ياء الفاعلة ، وتلحق فعل الأمر نحو «اضربي» (٢) ، والفعل المضارع نحو : «تضربين» (٣) ، ولا تلحق الماضي.

. وإنما قال المصنف : يا «افعلي» ولم يقل : ياء الضمير ، لأن هذه تدخل فيها ياء المتكلم ، وهي لا تختص بالفعل ، بل تكون فيه نحو : «أكرمني» ، وفي الاسم نحو : «غلامي» ، وفي الحرف نحو : «إنّي» ، بخلاف ياء «افعلي» فإن المراد بها ياء الفاعلة على ما تقدم ، وهي لا تكون إلا في الفعل.

٤ ـ ومما يميّز الفعل ، نون «أقبلنّ» ، والمراد بها نون التوكيد خفيفة كانت أو ثقيلة ، فالخفيفة ، نحو قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ)(٤)

__________________

(١) الساكنة أصالة وإن تحركت لسبب عارض كالتقاء الساكنين مثلا في قوله تعالى : «قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ».

(٢) فعل أمر مبني على حذف النون ، لاتصاله بياء المؤنثة ، والياء : فاعل : ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع

(٣) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وياء المخاطبة فاعل ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع.

(٤) سورة العلق الآية (١٥) اللام : واقعة في جواب القسم في قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً) الآية ، نسفعن فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن ، ونون التوكيد : حرف لا محل له من الإعراب. والجملة : لا محل لها من الإعراب لأنها جواب للقسم.

وجواب الشرط محذوف أغنى عنه جواب القسم.

٣٢

والثقيلة نحو قوله تعالى : «لَنُخْرِجَنَّكَ (١) يا شُعَيْبُ».

فمعنى البيت ، ينجلي الفعل بتاء الفاعل ، وتاء التأنيث الساكنة ، وياء الفاعلة ، ونون التوكيد.

الحرف

سواهما الحرف ك : هل وفي ولم ...

يشير إلى أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بخلوّه عن علامات الأسماء وعلامات الأفعال ، ثم مثل ب «هل وفي ولم» منبّها على أن الحرف ينقسم إلى قسمين :

(أ) مختص. (ب) وغير مختصّ (٢)

فأشار ب «هل» إلى غير المختصّ ، وهو الذي يدخل على الأسماء والأفعال نحو : «هل زيد قائم». و «هل قام زيد».

وأشار ب «في ولم» إلى المختص ، وهو قسمان :

(أ) مختصّ بالأسماء ك «في» نحو : «زيد في الدار».

(ب) ومختص بالأفعال ك «لم» نحو : «لم يقم زيد».

أقسام الأفعال وعلاماتها

 ...

فعل مضارع يلى «لم» ك «يشم»

__________________

(١) تمام الآية : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ : لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ، قالَ : أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) الأعراف (٨٧) وإعراب لنخرجنك : كإعراب (لنسفعن) غير أن نون التوكيد ثقيلة ، والكاف : في محل نصب مفعول به.

(٢) الأصل أن الحرف المختص يعمل ، وغير المختص لا يعمل ، غير أن هناك حروفا خرجت عن القاعدة ، فما ولا ولات غير مختصة وتعمل ، و «ال» مختصة بالاسم ولا تعمل فيه ، وقد والسين وسوف مختصة بالفعل ولا تعمل فيه.

٣٣

وماضي الأفعال ب «التّا» مز ، وسم

ب «النون» فعل الأمر إن أمر فهم (١)

ثم شرع في تبيين أن الفعل ينقسم إلى : ماض ومضارع وأمر ، فجعل علامة المضارع صحة دخول «لم» عليه ، كقولك في يشمّ : «لم يشمّ» وفي يضرب «لم يضرب» وإليه أشار بقوله : «فعل مضارع يلي : لم ، ك «يشم».

ثم أشار إلى ما يميز الفعل الماضي بقوله : «وماضي الأفعال ب «التا مز» : أي ميّز ماضي الأفعال بالتاء ، والمراد بها تاء الفاعل ، وتاء التأنيث الساكنة ، وكل منهما لا يدخل إلا على ماضي اللفظ نحو : «تباركت يا ذا الجلال والإكرام» (٢) و «نعمت المرأة هند» (٣)» و «بئست المرأة دعد».

ثم ذكر في بقيّة البيت أنّ علامة فعل الأمر قبول نون التوكيد والدلالة على الأمر بصيغته نحو : «اضربنّ واخرجنّ» (٤).

فإن دلّت الكلمة على الأمر ولم تقبل نون التوكيد فهي «اسم فعل» ، وإلى ذلك أشار بقوله :

والأمر إن لم يك للنون محل

فيه : هو اسم نحو : صه وحيّهل

__________________

(١) مز : فعل أمر من مازه يميزه كباعه يبيعه إذا ميّزه ، و «سم» فعل أمر «وسمه يسمه كوعده يعده» إذا علّمه أو ميّزه بسمة أي علامة. ماضي : مفعول به مقدم لمز فعل : مفعول به ل : سم ، أمر : نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور ، والتقدير : إن فهم أمر ، وجملة : فهم المذكور مع نائب الفاعل المستتر : تفسيرية لا محل لها من الإعراب وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير إن فهم أمر فسم بالنون فعل الأمر.

(٢) تباركت : فعل وفاعل ، ذا : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الستة.

(٣) نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح ، والتاء : تاء التأنيث الساكنة وحركت بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين المرأة : فاعل ، هند : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : الممدوحة هند ، أو مبتدأ والجملة قبله خبره.

(٤) فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والفاعل : أنت ، ونون التوكيد : حرف لا محل له من الإعراب.

٣٤

فـ «صه وحيّهل» اسمان وإن دلّا على الأمر لعدم قبولهما نون التوكيد ، فلا تقول : «صهنّ» ولا «حيّهلن» ، وإن كانت «صه» (١) بمعنى اسكت ، و «حيّهل» بمعنى : أقبل فالفارق بينهما : قبول نون التوكيد (٢) وعدمه ، نحو : «اسكتنّ (٣) و «أقبلنّ» ، ولا يجوز ذلك في : «صه وحيّهل» (٤).

__________________

(١) صه : اسم فعل أمر بمعنى اسكت مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، وتعرب حيّهل كذلك.

(٢) إن دلّ اللفظ على الأمر ولم يقبل نون التوكيد فهو اسم فعل أمر ، وإن قبل نون التوكيد ولم يدل على الأمر فهو مضارع كقوله تعالى : «لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ».

(٣) اسكتنّ : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والفاعل : أنت.

(٤) ومثل ذلك : إذا دلت الكلمة على معنى المضارع ولم تقبل علامته فهي اسم فعل مضارع ك : أفّ بمعنى أتضجر. وإن دلت على معنى الماضي ولم تقبل علامته فهي اسم فعل ماض ك : شتان بمعنى افترق ، وهيهات بمعنى بعد.

٣٥

أسئلة

١ ـ اذكر معنى الكلام لغة واصطلاحا ، ثم افرق بينه وبين الكلم ممثلا لما تقول.

٢ ـ ما الكلمة في اللغة وفي الاصطلاح؟ وبماذا تفرق بينها وبين الكلام؟ مثل لما تقول.

٣ ـ عرّف كلا من الاسم والفعل والحرف باختصار مع التمثيل.

٤ ـ (من علامات الاسم التنوين) فما التنوين؟ وما أنواعه؟ اشرح ومثّل.

٥ ـ للاسم علامات أخرى غير التنوين فما هي؟ وما أمثلتها؟

٦ ـ ما الفعل؟ وما أنواعه؟ وما العلامة الخاصة بكل نوع؟ وبماذا تفرق بينه وبين اسم الفعل. مثل لما تقول.

٧ ـ بأيّ علامة تميّز الحرف؟ وما أنواعه؟ مثل لذلك.

٨ ـ لأيّ الأفعال تكون هذه العلامات؟ : (نون التأكيد ـ تاء التأنيث الساكنة ـ تاء الفاعل ـ دخول بعض النواصب والجوازم ـ ياء الفاعلة) مثل لكل واحدة منها.

٣٦

تمرينات

١ ـ قال تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا : سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(١).

اقرأ الآية السابقة ثم أجب عما يأتي : ـ

(ا) استخرج منها ثلاثة أسماء مختلفة العلامات ودلّ على علامة كل منها.

(ب) استخرج كذلك ثلاثة أفعال ودلّ على علامة كل فعل.

(ج) استخرج منها ثلاثة حروف مختلفة.

(د) ما نوع التنوين في (كلّ) وما الفرق بينه وبين تنوين (أحد)؟

(ه) أعرب ما تحته خط من الآية الكريمة.

٢ ـ كوّن جملتين تبدأ الأولى بفعل أمر والثانية باسم فعل أمر مع بيان الفرق بينهما.

٣ ـ كوّن ثلاث جمل تشتمل كل واحدة منها على اسم منون بحيث يختلف نوع التنوين في كل منها.

٤ ـ كوّن ثلاث جمل تشتمل الأولى منها على جمع تكسير والثانية على اسم جمع والثالثة على اسم جنس.

٥ ـ مثل لما يأتي : ـ

(ا) كلام لا يكون كلما.

__________________

(١) آية ٣٨٥ سورة البقرة.

٣٧

(ب) كلم لا يكون كلاما.

(ج) كلم يكون كلاما.

(د) حرف خاص وآخر مشترك.

(ه) تاء تأنيث تلحق الاسم وأخرى تلحق الفعل.

(و) ياء الضمير التي تلحق الاسم والفعل والحرف.

٣٨

المعرب والمبني

المعرب والمبني من الأسماء :

والاسم : منه معرب ومبني

لشبه من الحروف مدني (١)

يشير إلى أن الاسم ينقسم إلى قسمين :

أحدهما : المعرب ، وهو ما سلم من شبه الحروف.

والثاني : المبنيّ ، وهو ما أشبه الحروف ، وهو المعنيّ بقوله : «لشبه من الحروف مدني» أي : لشبه مقرّب من الحروف ، فعلّة البناء منحصرة عند المصنّف ـ رحمه‌الله تعالى ـ في شبه الحرف.

أنواع شبه الاسم بالحرف :

ثم نوّع المصنّف وجوه الشبه في البيتين اللّذين بعد هذا البيت ، وهذا قريب من مذهب أبي عليّ الفارسي حيث جعل البناء منحصرا في شبه الحرف أو ما تضمن معناه. وقد نصّ سيبويه ـ رحمه‌الله ـ على أنّ علّة البناء كلّها ترجع إلى شبه الحرف ، وممن ذكره ابن أبي الربيع.

كالشّبه الوضعيّ في اسمي : «جئتنا»

والمعنويّ في «متى» وفي «هنا» (٢)

وكنيابة عن الفعل بلا

تأثّر ، وكافتقار أصّلا

__________________

(١) الاسم : مبتدأ أول ، منه : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لمعرب ، معرب : مبتدأ مؤخر ، والجملة : خبر للمبتدأ الأول في محل رفع ، لشبه : جار ومجرور متعلق بمبني.

(٢) قوله : في اسمي جئتنا يريد بهما الضميرين : التاء ونا.

٣٩

ذكر في هذين البيتين وجوه شبه الاسم بالحرف في أربعة مواضع :

(فالأول) : شبهه له في الوضع ، كأن يكون الاسم موضوعا على حرف واحد ك «التاء» في : «ضربت» ، أو على حرفين ك «نا» في «أكرمنا» وإلى ذلك أشار بقوله : «في اسمي : جئتنا» فالتاء في جئتنا اسم لأنه فاعل ، وهو مبنيّ لأنه أشبه الحرف في الوضع في كونه على حرف واحد ، وكذلك «نا» اسم لأنها مفعول ، وهو مبنيّ لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين.

(والثاني) : شبه الاسم له في المعنى ، وهو قسمان :

أحدهما : ما أشبه حرفا موجودا.

والثاني : ما أشبه حرفا غير موجود.

فمثال الأول : «متى» فإنها مبنيّة لشبهها الحرف في المعنى.

فإنها تستعمل للاستفهام نحو : «متى تقوم» (١)؟ وللشرط نحو : «متى تقم أقم» (٢) وفي الحالتين هي مشبهة لحرف موجود : لأنها في الاستفهام : ك «الهمزة» ، وفي الشرط :

__________________

(١) متى : اسم استفهام مبنيّ على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية ، متعلق بتقوم.

(٢) منى : اسم شرط جازم مبنيّ على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. متعلق بتقم. تقم : فعل الشرط فعل مضارع مجزوم ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب أقم : مضارع مجزوم بالسكون لأنه جواب الشرط وجزاؤه وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا) ويقاس على متى أسماء الشرط والاستفهام ما عدا «أيّا» فهي معربة لملازمتها للإضافة. والإضافة من خصائص الاسم فضعف شبهها بالحرف ، كقوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) ، أي : اسم شرط جازم منصوب على أنه مفعول مقدم لقضيت. وكقوله تعالى : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أيّ : اسم استفهام مبتدأ مرفوع ، أحق : خبر للمبتدأ مرفوع.

٤٠