تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

حذف «كان»

ويحذفونها ويبقون الخبر

وبعد «إن ولو» كثيرا ذا اشتهر (١)

١ ـ تحذف «كان» مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد «إن» كقوله :

٧٣ ـ قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا

فما اعتذارك من قول إذا قيلا (٢)

__________________

(١) يحذفونها : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، وواو الجماعة : فاعل ، وها : في محل نصب مفعول به ، بعد : ظرف منصوب متعلق باشتهر ، إن : (قصد لفظه) : مضاف إليه ، كثيرا : حال من فاعل اشتهر ، ذا : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، اشتهر : فعل ماض ، والفاعل : هو ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) اشتهرت نسبة البيت للنعمان بن المنذر يخاطب به الربيع بن زياد العبسي ، ومعناه واضح.

الإعراب : قد : حرف تحقيق ، قيل : فعل ماض مبني للمجهول ، ما : اسم موصول في محل رفع نائب فاعل. قيل : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل هو يعود إلى «ما» ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، إن : حرف شرط جازم ، صدقا : خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، وإن كذبا : كالإعراب السابق ، وكان المحذوفة هي فعل الشرط ، والجواب محذوف دلّ عليه ما قبله.

فما : الفاء : استئنافية ، ما : اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ، اعتذارك : خبر مرفوع ، والكاف : في محل جر بالإضافة ، من قول : جار ومجرور متعلقان باعتذار ، إذا ، ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب ، متعلق بجواب الشرط المحذوف دلّ عليه الكلام السابق ، قيل : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل : هو ، والألف : للإطلاق والجملة : في محل جر بإضافة إذا إليها.

الشاهد فيه قوله : إن صدقا وإن كذبا ، فقد حذف كان مع اسمها وأبقى الخبر ويكثر ذلك بعد «إن» الشرطية.

٢٦١

التقدير : إن كان المقول صدقا ، وإن كان المقول كذبا. وبعد «لو» كقولك : «ائتني بدابّة ولو حمارا» (١) أي : «ولو كان المأتيّ به حمارا» وقد شذّ حذفها بعد «لدن» كقوله :

٧٤ ـ من لد شولا فإلى إتلائها (٢).

التقدير : «من لد أن كانت هي شولا».

__________________

(١) ائت : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والفاعل : مستتر وجوبا تقديره : أنت ، والنون : للوقاية ، والياء : في محل نصب مفعول به ، لو : شرطية غير جازمة ، وجملة كان التي قدرها الشارح هي جملة الشرط ، والجواب محذوف.

وحذف «كان» مع اسمها وبقاء الخبر بعد «إن» و «لو» الشرطيتين كثير مستساغ ، لأنهما يطلبان فعلين فيطول الكلام فيخفف بالحذف ، واختص ذلك بهما لأن «إن» أم أدوات الشرط الجازمة ، و «لو» أم أدوات الشرط غير الجازمة ، والعرب يتسعون في أمهات الأبواب ما لا يتسعون في غيرها.

(٢) قول جرى عند العرب مجرى الأمثال ، شولا : قيل جمع شائلة على غير قياس ، وهي التي خفّ لبنها وارتفع ضرعها ومضى على ولادتها سبعة أشهر أو ثمانية ، وقيل : مصدر بمعنى اسم الفاعل من شالت الناقة بذنبها إذا رفعته عند اللقاح فهي شائل. إتلائها : مصدر أتلت الناقة : إذ تلاها وليدها.

المعنى : علمت الأمر أو كذا مثلا من حين كانت النياق شوائل إلى أن تبعتها أولادها.

الإعراب : من لد : من : حرف ، لد : ظرف زمان مبنيّ على الضم في محل جر بمن ، متعلق بفعل محذوف تقديره ، علمت الأمر من (لد : لغة في لدن). أو ربّيتها من لد ... ، شولا : خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، فإلى : الفاء زائدة ، إلى : حرف جر متعلق بما تعلق به الأوّل ، إتلائها : إتلاء : مجرور بإلى ، وها : في محل جر بالإضافة.

الشاهد فيه : قوله «من لد شولا» فقد حذف كان مع اسمها وأبقى الخبر بعد غير «إن ولو» الشرطيتين وهو شاذ. (لد لغة في لدن).

٢٦٢

وبعد «أن» تعويض «ما» عنها ارتكب

كمثل : «أمّا أنت برّا فاقترب» (١)

٢ ـ ذكر في هذا البيت أن «كان» تحذف بعد «أن» المصدرية ويعوّض عنها «ما» ويبقى اسمها وخبرها نحو : «أمّا أنت برّا فاقترب» ، والأصل : «أن كنت برّا فاقترب» فحذفت «كان» فانفصل الضمير المتّصل بها وهو التاء ، فصار : «أن أنت برا» ثم أتي ب «ما» عوضا عن «كان» فصار : «أن ما أنت برا» ، ثم أدغمت النون في الميم فصار «أما أنت برّا» ، ومثله قول الشاعر :

٧٥ ـ أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع (٢)

__________________

(١) بعد : ظرف مكان منصوب متعلق بارتكب ، أن : «قصد اللفظ» : مضاف إليه ، تعويض : مبتدأ ، ما : مضاف إليه ، منها : جار ومجرور متعلق بتعويض ، ارتكب : فعل ماض مبنيّ للمجهول ، ونائب الفاعل تقديره : هو يعود إلى تعويض ، والجملة : خبر للمبتدأ تعويض في محل رفع ، كمثل : جار ومجرور متعلق بخبر لمبتدأ محذوف تقديره : ذلك كائن كمثل ، (أو الكاف زائدة ، مثل : خبر لمبتدأ محذوف) ، أمّا أن : مصدرية. ما : زائدة تعويضا عن كان ، أنت : ضمير منفصل في محل رفع اسم كان ، برا : خبر كان ، فاقترب ، الفاء : زائدة تشبيها بجواب الشرط في ترتبه على ما قبله ، اقترب فعل أمر ، والفاعل مستتر وجوبا تقديره أنت ، أن المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المحذوفة والأصل : اقترب لأن كنت برا ، ثم قدمت العلة على المعلول لإفادة الحصر ، ثم حذفت اللام لشيوع حذفها مع أن فصارت الجملة : أن كنت برا اقترب ، ثم حذفت كان تخفيفا فانفصل الضمير المتصل بها ، وزيدت الفاء في المعلول تشبيها بجواب الشرط لترتبه على ما قبله وزيدت «ما» تعويضا عن «كان» المحذوفة وأدغمت النون والميم لتقاربهما في المخرج فصارت الجملة : أمّا أنت برّا فاقترب.

(٢) البيت للعباس بن مرداس الشاعر الخارجى ، أبا خرشة كنية خفاف بن ندية الشاعر. النفر : الرهط والجماعة. الضبع هي الحيوان المعروف واستعملت للسنوات الشديدة المجدبة.

٢٦٣

ف «أن» مصدرية ، و «ما» : زائدة عوضا عن كان ، و «أنت» :

اسم كان المحذوفة ، و «ذا نفر» خبرها. ولا يجوز الجمع بين «كان» و «ما» لكون «ما» عوضا عنها ، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض ، وأجاز ذلك المبرد فيقول : «أمّا كنت منطلقا انطلقت».

ولم يسمع من لسان العرب حذف «كان» وتعويض «ما» عنها وإبقاء اسمها وخبرها ، إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثّل به المصنف ، ولم يسمع مع ضمير المتكلم نحو : «أمّا أنا منطلقا انطلقت» والأصل : «أن كنت منطلقا». ولا مع الظاهر نحو «أمّا زيد ذاهبا انطلقت» .. والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب ، والأصل : «أن كان زيد ذاهبا انطلقت» وقد مثّل سيبويه رحمه‌الله في كتابه «أما زيد ذاهبا».

__________________

المعنى : لا تفتخر يا أبا خراشة بكثرة نفرك وعزة رهطك ، فإن قومي ذوو منعة وقوة لم تذهب السنوات الشديدة بهم أو تضعف من عزمهم.

الإعراب : أبا : منادى مضاف منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، خراشة : مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.

أما أنت ذانفر : أعربها الشارح فارجع إلى إعرابه ، فإن : الفاء استئنافية للتعليل ، إن : حرف مشبه بالفعل ينصب المبتدأ ويرفع الخبر ، قومي : اسمه منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، وياء المتكلم : ضمير في محل جر مضاف إليه ، لم : حرف جازم تأكلهم : تأكل : فعل مضارع مجزوم بلم ، والهاء : في محل نصب مفعول به ، والميم للجمع ، الضبع : فاعل مرفوع ، وأن المصدرية وما بعدها (أما أنت ذا نفر) في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المقدرة ، متعلق بفعل محذوف والتقدير : افتخرت لكونك ذا نفر ، وجملة : لم تأكلهم الضبع : في محل رفع خبر لإن ، وإن مع معموليها : جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله «أمّا أنت ذا نفر» فقد حذف كان وحدها بعد أن المصدرية وعوض عنها «ما» وأدغمها في أن.

٢٦٤

حذف النون من مضارع «كان» :

ومن مضارع ل «كان» منجزم

تحذف نون ، وهو حذف ما التزم (١)

إذا جزم الفعل المضارع من «كان» قيل : «لم يكن» ، والأصل : «يكون» فحذف الجازم الضمّة التي على النون فالتقى ساكنان : الواو والنون ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار اللفظ «لم يكن». والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شيء آخر ، لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفا لكثرة الاستعمال فقالوا : «لم يك» ، وهو حذف جائز لا لازم.

ومذهب سيبويه ومن تابعه أن هذه النون لا تحذف عند ملاقاة ساكن ، فلا تقول : «لم يك الرّجل قائما» ، وأجاز ذلك يونس (٢) ، وقد قريء شاذّا : «لم يك الذين كفروا» (٣). وأمّا إذا لاقت متحركا فلا يخلو : إمّا أن يكون ذلك المتحرك ضميرا متّصلا أو لا ، فإن كان ضميرا متصلا لم تحذف النون اتّفاقا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه في ابن صيّاد : «إن يكنه فلن تسلّط عليه ، وإلّا يكنه فلا خير لك في قتله» فلا يجوز حذف النون فلا تقول : «إن يكه وإلّا يكه» ،

__________________

(١) من مضارع : جار ومجرور متعلق بتحذف ، منجزم : صفة المضارع ، نون : نائب فاعل لتحذف ، هو حذف : مبتدأ وخبر ، وجملة ما التزم : في محل رفع صفة لحذف ، أي : حذف غير ملتزم.

(٢) حاصل ما ذكر من الشروط لجواز حذف النون من مضارع كان ما يلي :

(ا) أن تكون بلفظ المضارع.

(ب) وأن يكون هذا المضارع مجزوما بالسكون.

(ج) ألا يليها ساكن ولا ضمير متصل ، وما ورد خلاف ذلك فشاذ.

(٣) قال تعالى : «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ». سورة البيّنة (١)

٢٦٥

وإن كان غير ضمير متّصل جاز الحذف والإثبات نحو : «لم يكن زيد قائما ، ولم يك زيد قائما».

وظاهر كلام المصنف أنّه لا فرق في ذلك بين «كان» الناقصة والتامة وقد قريء : «وإن تك حسنة يضاعفها» برفع حسنة وحذف النون ، وهذه هي التامة.

فصل في «ما ، ولا ، ولات ، وإن» المشبهات ب : «ليس».

إعمال «ليس» أعملت «ما» دون «إن»

مع بقا النّفي ، وترتيب زكن (١)

وسبق حرف جر أو نفي ك : «ما

بي أنت معنيا» أجاز العلما (٢)

تقدّم في أول باب «كان» وأخواتها أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى أفعال وحروف ، وسبق الكلام على «كان» وأخواتها ، وهي من الأفعال الناسخة ، وسيأتي الكلام على الباقي ، وذكر المصنف في هذا الفصل من الحروف الناسخة قسما يعمل عمل «كان» وهو : «ما ، ولا ، ولات ، وإن».

أما «ما» فلغة بني تميم أنها لا تعمل شيئا فتقول : «ما زيد قائم» ف «زيد» : مرفوع بالابتداء ، و «قائم» : خبره ، ولا عمل ل «ما» في شيء منهما ، ذلك لأن «ما» حرف لا يختصّ ، لدخوله على الاسم نحر : «ما زيد قائم» ، وعلى الفعل نحو : «ما يقوم زيد» ، وما لا يختصّ فحقه ألا يعمل.

__________________

(١) إعمال : مفعول مطلق لأعملت الآتي ، ليس (قصد لفظه) : مضاف إليه ، ما : (قصد لفظها) : نائب فاعل لأعملت ، دون ومع ظرفا مكان متعلقان بحال محذوفة من «ما» بقا : مضاف إليه ، وترتيب : معطوف على بقا ، وجملة زكن (بمعنى عرف وفهم) مع نائب الفاعل المستتر في محل جر صفة لترتيب.

(٢) سبق : مفعول به مقدم لأجاز ، ما : نافية عاملة عمل ليس ، بي : الباء : حرف جر متعلق بالخبر معنيا ، والياء : ضمير في محل جر بالباء ، أنت : ضمير منفصل في محل رفع اسم ما ، معنيا : خبرها ، أجاز العلما : فعل وفاعل.

٢٦٦

ولغة أهل الحجاز إعمالها كعمل «ليس» لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق ، فيرفعون بها الاسم وينصبون بها الخبر نحو : «ما زيد قائما» ، قال الله تعالى : (ما هذا بَشَراً)(١) وقال تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(٢) وقال الشاعر :

٧٦ ـ أبناؤها متكنّفو آبائهم

حنقو الصّدور ، وما هم أولادها (٣)

__________________

(١) من قوله تعالى : (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ ، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ، وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً ، وَقالَتِ : اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ : حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً ، إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) يوسف (٣١)

(٢) من قوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ، وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) المجادلة (٢).

(٣) لا يعرف قائل هذا البيت ، أبناؤها : أراد أبناء الكتيبة الكثيفة التي ينذرهم بقدومها في بيت سابق ، والآباء : القادة الرؤساء ، حنقو الصدور : أي امتلأت صدورهم بالغيظ ، والضمير «ها» عائد إلى الكتيبة.

المعنى : إن أبناء هذه الكتيبة قد التفّوا حول قادتهم ورؤسائهم وقد ملأ صدورهم الغيظ ، وليسوا أبناءها حقيقة ولكنهم أبناء الحروب والمصطلون بنارها.

الإعراب : أبناؤها : أبناء : مبتدأ ، وها : في محل جر بالإضافة ، متكنفو : خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم ، وحذفت النون للإضافة ، آبائهم : آباء : مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، والميم : للجمع ، حنقو : خبر ثان للمبتدأ مرفوع بالواو ، وحذفت النون للإضافة ، الصدور : مضاف إليه. وما : الواو حالية ، ما : نافية عاملة عمل ليس ، هم : ضمير منفصل في محل رفع اسمها ، أولادها : خبر ما منصوب ، وها : في محل جر بالإضافة ، والجملة في محل نصب على الحال.

الشاهد فيه : قوله «وما هم أولادها» ، فقد استعمل «ما» النافية حجازية فأعملها عمل ليس.

٢٦٧

لكن لا تعمل عندهم إلا بشروط ستة ذكر المصنّف منها أربعة :

الأوّل : ألا يزاد بعدها «إن» ، فإن زيدت بطل عملها (١) نحو : «ما إن زيد قائم» برفع «قائم» ولا يجوز نصبه وأجاز ذلك بعضهم.

الثاني : ألا ينتقض النفي (٢) ب : «إلّا» نحو : «ما زيد إلا قائم» فلا يجوز نصب «قائم» وكقوله تعالى : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٣) وقوله : (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ)(٤) خلافا لمن أجازه.

الثالث : ألا يتقدم خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور ، فإن تقدّم وجب رفعه نحو : «ما قائم زيد» ، فلا تقول «ما قائما زيد» وفي ذلك خلاف (٥) فإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا فقدمته فقلت : «ما في الدار زيد ، وما عندك عمرو» فاختلف الناس في «ما» حينئذ : هل هي عاملة أم لا؟ فمن جعلها عاملة قال : إن الظرف والجار والمجرور في موضع نصب بها ، ومن لم يجعلها عاملة قال : إنهما في موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذي بعدهما ، وهذا الثاني هو ظاهر كلام المصنف ، فإنه شرط في إعمالها أن يكون

__________________

(١) لأن «إن» الزائدة لا تلي «ليس» أصلا فيبعد شبهها بها.

(٢) أي لا ينتقض نفي خبرها بإلا.

(٣) الآية (١٥) من سورة يس وتمامها : (قالُوا : ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ، وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) ما : نافية مهملة ، أنتم : مبتدأ ، إلا : أداة حصر ، بشر : خبر المبتدأ ، والجملة : مقول القول في محل نصب.

(٤) الآية (٩) من سورة الأحقاف وتمامها : «قُلْ : ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ ، وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ».

والشاهد فيها : ـ كسابقتها ـ إهمال «ما» لانتقاض نفي خبرها بإلا.

(٥) الأصل تحقق الشروط التي بسطها الشارح تبعا للناظم ، وما أجازه النحاة خلاف ذلك وأشار إليه الشارح ، فيه خلاف طويل وتخريجات كثيرة.

٢٦٨

المبتدأ والخبر بعد «ما» على الترتيب الذي زكن ، وهذا هو المراد بقوله : «وترتيب زكن» ، أي : علم ، ويعني به : أن يكون المبتدأ مقدما والخبر مؤخرا ، ومقتضاه : أنه متى تقدم الخبر لا تعمل «ما» شيئا سواء كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا أو غير ذلك ، وقد صرح بهذا في غير هذا الكتاب.

الشرط الرابع : ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور ، فإن تقدّم بطل عملها نحو : «ما طعامك زيد آكل» فلا يجوز نصب «آكل».

ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدّم المعمول بطريق الأولى لتأخر الخبر. وقد يقال : لا يلزم ذلك لما في الإعمال مع تقدم المعمول من الفصل بين الحرف ومعموله ، وهذا غير موجود مع تقدّم الخبر.

فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا لم يبطل عملها نحو : «ما عندك زيد مقيما (١) ، وما بي أنت معنيّا» (٢) لأن الظروف والمجرورات يتوسع فيها ما لا يتوسّع في غيرها ، وهذا الشرط مفهوم من كلام المصنف لتخصيصه جواز تقديم معمول الخبر ب «ما» إذا كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا.

الشرط الخامس : ألا تتكرر «ما» ، فإن تكررت بطل عملها نحو : «ما ما زيد قائم» ، فالأولى نافية ، والثانية : نفت النفي فبقي إثباتا ، فلا يجوز نصب «قائم» وأجازه بعضهم (٣).

__________________

(١) ما : نافية عاملة ، عندك : عند : ظرف مكان منصوب متعلق بمقيما ، والكاف : مضاف إليه مبني على الفتح في محل جر ، زيد : اسم ما مرفوع ، مقيما : خبرها منصوب.

(٢) سبق إعراب الجملة في ص (٢٦٦).

(٣) باعتبار «ما» الثانية نافية مؤكدة لنفي الأولى ، فإن كانت نافية لنفي الأولى أو زائدة وجب الإهمال.

٢٦٩

الشرط السادس : ألا يبدل من خبرها موجب ، فإن أبدل بطل عملها (١) نحو : «ما زيد بشيء إلا شيء لا يعبأ به» ف «بشيء» في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي هو «زيد» (٢). ولا يجوز أن يكون في موضع نصب خبرا عن «ما» ، وأجازه قوم (٣). وكلام سيبويه ـ رحمه‌الله ـ في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين ـ أعني القول باشتراط ألا يبدل من خبرها موجب ، والقول بعدم اشتراط ذلك ـ فإنه قال بعد ذكر المثال المذكور وهو «ما زيد بشيء .. إلى آخره» : «استوت اللغتان» يعني لغة الحجاز ولغة تميم واختلف شرّاح «الكتاب» فيما يرجع إليه قوله «استوت اللغتان» فقال قوم : هو راجع إلى الاسم الواقع بعد «إلا» ، والمراد أنه لا عمل ل «ما» فيه ، فاستوت اللغتان في أنه مرفوع ، وهؤلاء هم الذين شرطوا في إعمال «ما» ألا يبدل من خبرها موجب. وقال قوم : هو راجع إلى الاسم الواقع بعد «إلا» والمراد أن يكون مرفوعا سواء جعلت «ما» حجازية أو تميمية ، وهؤلاء هم الذين لم يشترطوا في إعمال «ما» ألا يبدل من خبرها موجب.

وتوجيه كل من القولين ، وترجيح المختار منهما ـ وهو الثاني ـ لا يليق بهذا المختصر.

__________________

(١) لأن إيجاب البدل إيجاب للمبدل منه ، وهي لا تعمل في الموجب على الأصح.

(٢) بشيء : الباء : زائدة ، شيء : خبر المبتدأ مجرور لفظا مرفوع تقديرا ، وشيء الثانية بدل من الخبر على إعرابه التقديري.

(٣) بشيء : الباء زائدة ، شيء : خبر ما مجرور لفظا منصوب محلا ، وشيء الثاني بدل من محل الأول قبل دخول الناسخ عليه ، والذين يتمسكون بالشرط السادس فلا يعربونه بدلا وإنما هو خبر لمبتدأ محذوف تقديره : إلا هو شيء ، و «إلا» حرف استدراك بمعنى لكن.

٢٧٠

العطف بعد خبر «ما» :

ورفع معطوف ب «لكن» أو ب «بل»

من بعد منصوب ب «ما» الزم حيث حل (١)

إذا وقع بعد خبر «ما» عاطف فلا يخلو إما أن يكون مقتضيا للإيجاب أولا :

(أ) فإن كان مقتضيا للإيجاب تعيّن رفع الاسم الواقع بعده ، وذلك نحو : بل ولكن» فتقول : «ما زيد قائما لكن قاعد» أو «بل قاعد» ، فيجب رفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير : «لكن هو قاعد ، وبل هو قاعد» ، ولا يجوز نصب «قاعد» عطفا على خبر «ما» ، لأن «ما» لا تعمل في الموجب.

(ب) وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للإيجاب كالواو ونحوها جاز النصب والرفع ، والمختار النصب ، نحو «ما زيد قائما ولا قاعدا» ، ويجوز الرفع فتقول : «ولا قاعد» ، وهو خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : «ولا هو قاعد».

ففهم من تخصيص المصنّف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد «بل ولكن» أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما.

__________________

(١) رفع : مفعول به مقدم لالزم ، حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب ، متعلق بالزم ، حل : فعل ماض ، والفاعل : هو ، والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها.

٢٧١

زيادة الباء في الخبر :

وبعد «ما وليس» جرّ البا الخبر

وبعد «لا» ونفي «كان» قد يجرّ (١)

تزاد الباء كثيرا في الخبر المنفي ب «ليس وما» نحو قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٢) ، و : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ)(٣) ، و (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(٤) ، و (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٥)

ولا تختص زيادة «الباء» بعد «ما» بكونها حجازية خلافا لقوم ، بل

__________________

(١) بعد : ظرف مكان متعلق بالفعل (جرّ) ، ما : (قصد لفظه) مضاف إليه ، وليس : معطوف على «ما» ، جر : فعل ماض ، البا (أي حرف الباء) : فاعل ، الخبر : مفعول به ، بعد : ظرف مكان منصوب متعلق بفعل يجر ، لا : مضاف إليه ، ونفي : معطوف على (لا) ، كان مضاف إليه ، قد : للتقليل ، يجر : فعل مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع ، ونائب الفاعل : ضمير تقديره هو يعود إلى الخبر.

(٢) الزمر من الآية (٣٦) وهي بكاملها : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ، وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) بكاف : الباء زائدة ، كاف : خبر ليس مجرور لفظا بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين منصوب تقديرا ، عبده : عبد : مفعول به لاسم الفاعل كاف منصوب ، والهاء : في محل جر بالإضافة.

(٣) الزمر من الآية (٣٧) وهي بكاملها : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ، أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) بعزيز : الباء حرف جر زائد : عزيز خبر ليس مجرور لفظا منصوب تقديرا ، ذي : نعت لعزيز على اللفظ مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة.

(٤) الأنعام من الآية (١٣٢) وهي قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) والشاهد في دخول الباء الزائدة في خبر «ما» العاملة عمل ليس وهي «بغافل».

(٥) الآية (٤٦) من سورة السجدة أو فصّلت وتمامها : «مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها. وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ».

٢٧٢

تزاد بعدها وبعد التميميّة ، وقد نقل سيبويه والفرّاء ـ رحمهما‌الله تعالى ـ زيادة «الباء» بعد «ما» عن بني تميم ، فلا التفات إلى من منع ذلك ، وهو موجود في أشعارهم. وقد اضطرب رأي الفارسيّ في ذلك ، فمرة قال :

لا تزاد «الباء» إلا بعد الحجازية ، ومرة قال : تزاد في الخبر المنفيّ.

وقد وردت زيادة «الباء» قليلا في خبر «لا» كقوله :

٧٧ ـ فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (١)

وفي خبر مضارع «كان» المنفية ب «لم» كقوله :

__________________

(١) البيت للشاعر الصحابي سواد بن قارب يخاطب به الرسول عليه‌السلام ، فتيلا : هو الخيط الذي يكون في شق النواة.

المعنى : كن لي شفيعا يا رسول الله في ذلك اليوم العظيم الذي لا يملك فيه أي إنسان أن ينفعني بشفاعة.

الإعراب : كن : فعل أمر ناقص ، واسمه ضمير مستتر تقديره : أنت ، لي : جار ومجرور متعلق بشفيعا ، شفيعا : خبر كن منصوب ، يوم : ظرف زمان متعلق بشفيعا ، لا : نافية تعمل عمل ليس ، ذو : اسمها مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، شفاعة : مضاف إليه ، بمغن : الباء : حرف جر زائد ، مغن : خبر لا مجرور لفظا منصوب تقديرا ، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين (الساكنان هما الياء والتنوين) ، فتيلا : مفعول مطلق والمعنى : بمغن إغناء قليلا ، عن سواد : جار ومجرور متعلق بمغن ، بن : صفة لسواد ، قارب ، مضاف إليه مجرور.

الشاهد فيه : قوله : بمغن ، فقد زيدت الباء في خبر «لا» العاملة عمل ليس وهو قليل.

٢٧٣

٧٨ ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (١)

__________________

(١) البيت للشاعر الجاهلي عمرو بن مالك الأزدي الملقب بالشنفرى من قصيدته المشهورة بلامية العرب أعجل وأجشع بمعنى : عجل وجشع.

المعنى : لست بالعجل الحريص إن مدت الأيدي إلى زاد أو مغنم إذ الجشع الطمّاع هو العجل.

الإعراب : وإن : الواو : حسب ما قبلها ، إن : حرف شرط جازم ، مدت : مدّ : فعل ماض فعل الشرط مبني للمجهول ، مبني على الفتح في محل جزم ، والتاء للتأنيث ، الأيدي : نائب فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للثقل ، إلى الزاد : جار ومجرور متعلق بمدت ، لم : حرف جازم ، أكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون ، لم أكن : في محل جزم جواب الشرط ، واسم أكن ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنا ، بأعجلهم : الباء : حرف جر زائد ، أعجل : خبر أكن مجرور لفظا منصوب تقديرا ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، والميم ، للجمع ، إذ : حرف دال على التعليل. أجشع : مبتدأ مرفوع ، القوم : مضاف إليه مجرور ، أعجل : خبر المبتدأ.

جملة مدت الأيدي : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، جملة : لم أكن بأعجلهم : لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط لم تقترن بالفاء ، جملة : أجشع ... أعجل استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله «بأعجلهم» فقد أدخل الشاعر الباء الزائدة على خبر أكن المنفية وهو قليل. ولا يقتصر ذلك على خبر كان المنفية وما تصرف منها بل هو عام في خبر كل ناسخ منفيّ كقول دريد بن الصمة :

دعاني أخي والخيل بيني وبينه

فلما دعاني لم يجدني بقعدد

فقد دخلت الباء على المفعول الثاني لظن (بقعدد) وأصله الخبر.

٢٧٤

إعمال «لا» عمل «ليس» :

في النكرات أعملت كليس : «لا»

وقد تلي «لات» و «إن» ذا العملا (١)

وما ل «لات» في سوى حين عمل

وحذف ذي الرّفع فشا ، والعكس قل (٢)

تقدم أن الحروف العاملة عمل «ليس» أربعة ، وقد تقدم الكلام على «ما» ، وذكر هنا «لا» و «لات» و «إن».

أما «لا» فمذهب الحجازيين إعمالها عمل «ليس» ومذهب تميم إهمالها ، ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة :

أحدهما : أن يكون الاسم والخبر نكرتين نحو : «لا رجل أفضل منك» ، ومنه قوله :

٧٩ ـ تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (٣)

__________________

(١) في النكرات : متعلق بأعملت ، أعملت : فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء للتأنيث ، لا (قصد لفظه) : نائب فاعل لأعملت ، لات ، فاعل تلي ، ذا : اسم إشارة في محل نصب مفعول به لتلي ، العملا : بدل.

(٢) ما : نافية لا عمل لها ، للات : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم للمبتدأ «عمل» الآتي ، في سوى : جار ومجرور متعلق بعمل ، حذف : مبتدأ ، ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة ، فشا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر ، والفاعل : هو ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ ، العكس : مبتدأ ، قل : فعل ماض والفاعل هو ، والجملة خبر المبتدأ في محل رفع.

(٣) لم يذكر لهذا البيت قائل معيّن ، تعزّ : تسلّ وتصبّر ، وزر : ملجأ وحصن ، واقيا : حافظا.

المعنى : اصبر على ما يصيبك فكل ما على الأرض فان وليس من شيء يحمي من قضاء الله الإعراب : تعز : فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت ، فلا : الفاء استئنافية دالة على التعليل ، لا : نافية تعمل عمل ليس ،

٢٧٥

وقوله :

٨٠ ـ نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل

فبوّئت حصنا بالكماة حصينا (١)

__________________

شيء : اسمها مرفوع ، على الأرض : جار ومجرور متعلق بباقيا ، باقيا : خبر لا منصوب ، وجملة لا مع معموليها : استئنافية لا محل لها من الإعراب ، ولا : الواو : عاطفة ، لا : نافية ، وزر : اسمها مرفوع ، مما : من حرف جر متعلق بواقيا ، ما : اسم موصول في محل جر بمن ، قضى : فعل ماض مبنيّ على فتحة مقدرة على آخره للتعذر ، الله : فاعل ، والجملة : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، واقيا : خبر لا منصوب ، وجملة لا مع معموليها معطوفة على السابقة لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «لا شيء باقيا ، لا وزر واقيا» فقد عملت «لا» في الموضعين عمل ليس وجاء اسمها وخبرها نكرتين.

(١) لم ينسب البيت إلى قائل معين ، بوئت : أنزلت وأسكنت ، الكماة جمع كمي وهو الشجاع المتغطي بسلاحه وعدة حربه.

المعنى : لقد نصرتك وشددت أزرك حينما خذلك الأصحاب ، فغدوت مني ومن قومي الأبطال في حصن حصين.

الإعراب : نصرتك : فعل وفاعل ومفعول به ، إذ : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بنصرتك ، لا : نافية تعمل عمل ليس ، صاحب : اسمها مرفوع ، غير : خبرها منصوب ، خاذل : مضاف إليه ، فبوئت : الفاء : حرف عطف ، بوىء : فعل ماض مبنيّ للمجهول مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك ، والتاء : نائب فاعل وهي مفعول أول ، حصنا : مفعول ثان منصوب ، بالكماة : جار ومجرور متعلق بحصينا ، حصينا : نعت لحصنا منصوب.

جملة نصرتك : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، لا مع معموليها : في محل جر بإضافة الظرف إليها ، جملة بوئت حصنا : معطوفة على الابتدائية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله «لا صاحب غير خاذل» فقد أعمل لا عمل ليس وجاء اسمها وخبرها نكرتين.

٢٧٦

وزعم بعضهم أنها قد تعمل في المعرفة ، وأنشد للنابغة :

٨١ ـ بدت فعل ذي ودّ فلمّا تبعتها

تولّت وبقّت حاجتي في فؤاديا

وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ، ولا عن حبّها متراخيا (١)

__________________

(١) البيتان للشاعر المخضرم النابغة الجعديّ قيس بن عبد الله الصحابي لا الذبياني. تولت : أعرضت ، بقت : تركت ، متراخيا : متهاونا.

المعنى : تراءت لي صاحبة ود ومحبة ، فلما أقبلت عليها نأت وأعرضت وأبقت رغبتي تعتمل بين جوانحي لقد حلت سويداء القلب فلن أرنو إلى غيرها ولن أتهاون في حبها.

الإعراب : بدت : بدا : فعل ماض مبني على فتحة مقدرة للتعذر على الألف المحذوفة تقديره هي ، فعل : اسم منصوب بنزع الخافض أي بدت فعلها كفعل ... (أو مفعول مطلق : بدت تفعل فعل ...) ، ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة ، ود : مضاف إليه ، فلما : الفاء : حرف عطف ، لما : حينية متضمنة معنى الشرط في محل نصب على الظرفية الزمانية ، متعلقة بالجواب : تولت ، تبعتها : فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها ، تولت : تولى فعل ماض (كإعراب بدت) ، وبقت : الواو : حرف عطف ، بقت : كإعراب بدت وتولت حاجتي : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، في : حرف جر متعلق ببقت ، فؤادي : مجرور بفي وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء : في محل جر بالإضافة ، والألف للإطلاق. جملة : تولت : جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب ، وجملة : وبقت معطوفة على السابقة لا محل لها من الإعراب ، والجملة الشرطية معطوفة على جملة «بدت» الابتدائية لا محل لها من الإعراب ، والتقدير بدت فتولت حين تبعتها ... وحلت : الواو : حرف عطف ، حلت : حل فعل ماض ، والفاعل : هي : والتاء : للتأنيث ، سواد : مفعول به منصوب ، القلب : مضاف إليه مجرور ، لا : نافية تعمل عمل ليس ، أنا : ضمير منفصل في محل رفع اسمها ، باغيا : خبرها منصوب ، سواها : سوى : مفعول به لباغيا منصوب بالفتحة المقدرة للتعذر ،

٢٧٧

واختلف كلام المصنّف في هذا البيت ، فمرة قال : إنه مؤول (١) ، ومرة قال : إنّ القياس عليه سائغ (٢).

الشرط الثاني : ألا يتقدّم خبرها على اسمها ، فلا تقول : «لا قائما رجل».

الشرط الثالث : ألا ينتقض النفي ب «إلّا» ، فلا تقول «لا رجل إلا أفضل من زيد» بنصب «أفضل» ، بل يجب رفعه.

ولم يتعرض المصنف لهذين الشرطين.

إعمال «إن» النافية عمل «ليس» :

وأمّا «إن» النافية فمذهب أكثر البصريين والفرّاء أنها لا تعمل شيئا ، ومذهب الكوفيين ـ خلا الفراء ـ أنها تعمل عمل «ليس» ، وقال به من البصريين أبو العبّاس المبرّد وأبو بكر بن السرّاج وأبو عليّ الفارسي وأبو الفتح بن جنّي ، واختاره المصنّف ، وزعم أنّ في كلام سيبويه ـ رحمه‌الله تعالى ـ إشارة إلى ذلك ، وقد ورد السماع به ، قال الشاعر :

__________________

وها : في محل جر بالإضافة. ولا : الواو : حرف عطف ، لا : نافية ، عن حبها : عن حرف جر متعلق بمتراخيا ، حب : مجرور بعن ، وها : في محل جر بالإضافة ، متراخيا : معطوف على باغيا منصوب جملة حلت سواد القلب : معطوفة على بدت لا محل لها من الإعراب ، جملة لا أنا باغيا سواها : في محل نصب على الحال من فاعل حلت والتقدير : حلت سواد القلب حال كونها غير مسلوّ عنها.

الشاهد فيهما : قوله : «لا أنا باغيا» فقد أعمل «لا» عمل ليس مع أن اسمها «أنا» معرفة وليس نكرة وهذا شاذ.

(١) أوّلوه على أن «لا» نافية لا عمل لها و «أنا» ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ وخبره «أرى» البصرية مبنية للمجهول ، وباغيا : حال ، أو «أنا» هي نائب الفاعل وقد برز بعد حذف الفعل والأصل : لا أرى باغيا.

(٢) بل قال ابن مالك «ورفعها معرفة نادر» ، وقال في بيت النابغة : «وشذ إعمالها في معرفة» ، وقال أبو حيان : «والقياس على هذا سائغ عندي».

٢٧٨

٨٢ ـ إن هو مستوليا على أحد

إلا على أضعف المجانين (١)

وقال آخر :

٨٣ ـ إن المرء ميتا بانقضاء حياته

ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا (٢)

__________________

(١) لم ينسب البيت إلى قائل معيّن ، وقد روي الشطر الثاني على صور مختلفة هذه أشهرها.

المعنى : ليس لهذا الإنسان سلطان على أحد إلا على أضعف المخبولين.

الإعراب : إن : نافية بمعنى ليس ، هو : ضمير منفصل في محل رفع اسمها ، مستوليا : خبرها منصوب بالفتحة ، على : حرف جر متعلق بمستوليا ، أحد : مجرور بعلى ، إلا : أداة استثناء مفرغ ، على أضعف : جار ومجرور بدل من الأول ، متعلق بما تعلق به ، المجانين : مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله : «إن هو مستوليا» فقد أعمل «إن» النافية عمل ليس فرفع بها المبتدأ ونصب الخبر.

(٢) البيت غير منسوب إلى قائل معين. يبغى عليه : يجار عليه ويظلم.

المعنى : ليس انقضاء الأجل هو الموت الحقيقي ، ولكن الميت الحقيقي هو الحي الذي يجار عليه فلا يجد ناصرا يدفع عنه الظلم.

الإعراب : إن : نافية بمعنى ليس ، المرء : اسمها مرفوع ، ميتا : خبرها منصوب ، والجملة : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، بانقضاء : جار ومجرور متعلق بميتا ، حياته : حياة : مضاف إليه مجرور ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، ولكن : الواو : حرف عطف ، لكن : حرف استدراك ، بأن : الباء : حرف جر ، أن : حرف مصدري ونصب ، يبغى : فعل مضارع مبنيّ للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره للتعذر ، عليه : جار ومجرور سدا مسدّ نائب الفاعل ، فيخذلا : الفاء : حرف عطف ، يخذلا : فعل مضارع مبني للمجهول معطوف على يبغى منصوب بالفتحة الظاهرة على اللام ، والألف : للإطلاق ، ونائب الفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره هو. أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء ، متعلق بمحذوف يفسره المذكور في الشطر الأول والتقدير : ولكن يموت بالبغي عليه فالخذلان.

الشاهد فيه : قوله : «إن المرء ميتا» فقد أعملت «إن» النافية عمل «ليس» فرفعت الاسم ونصبت الخبر.

٢٧٩

وذكر ابن جني ـ في المحتسب ـ أن سعيد بن جبير ـ رضي‌الله‌عنه ـ قرأ : «إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم» (١) بنصب العباد.

ولا يشترط في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين ، بل تعمل في النكرة والمعرفة فتقول : «إن رجل قائما ، وإن زيد القائم ، وإن زيد قائما».

إعمال «لات» عمل ليس :

وأما «لات» فهي «لا» النافية زيدت عليها تاء التأنيث مفتوحة ، ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل «ليس» ، فترفع الاسم وتنصب الخبر ، لكن اختصت بأنها لا يذكر معها الاسم والخبر معا ، بل إنما يذكر معها أحدهما ، والكثير في لسان العرب حذف اسمها وإبقاء خبرها ، ومنه قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ)(٢) بنصب الحين ، فحذف الاسم وبقي الخبر ، والتقدير : «ولات الحين حين مناص» ، ف «الحين» : اسمها ، و «حين مناص» : خبرها ، وقد قريء شذوذا : «ولات حين مناص» برفع «الحين» على أنه اسم «لات» والخبر محذوف ، والتقدير : «ولات حين

__________________

(١) من قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ، فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ». الأعراف (١٩٣).

وقد جعل سعيد بن جبير في قراءته : «إن» نافية بمعنى ليس ، الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع اسمها ، عبادا : خبر «إن» منصوب ، والمعنى على هذه القراءة : ليس الأصنام التي تدعونها عبادا أمثالكم بل أقل منكم لأنها لا تنطق ولا تعقل فكيف تعبدونها؟.

(٢) قال تعالى : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ، كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) سورة ص (١ ـ ٣). لات : نافية تعمل عمل ليس ، واسمها محذوف تقديره : ولات الحين حين مناص ، حين : خبرها منصوب ، مناص : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

٢٨٠